مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

تكبيرا ، ثمَّ ذكرت ، فاصنع الذي فاتك سهوا » (١).

وأمّا خبر أبي بصير المتقدّم الدالّ على الإعادة في نسيان الركوع مطلقا (٢) ، فيخصّ بما إذا دخل السجود ، كما تحمل هاتان الصحيحتان على ما قبله جمعا ، والشاهد الإجماع.

وبه يجاب عن الاعتراض بشمول الصحيحتين لما إذا دخل السجود أيضا ، مع أنّ لمخالفتهما فيه للشهرة العظيمة الجديدة والقديمة ـ الموجبة لشذوذهما فيه ـ أخرجتا فيه عن الحجيّة.

ولا يضرّ لزوم زيادة الهويّ ، لكون الصحيحين من حيث التصريح بالركوع والسجود أخصّ في المورد من أخبار الزيادة.

والظاهر أنّه يجب عليه الانتصاب ، ثمَّ الركوع ، لتوقّف صدق الركوع عليه ، فإنّه الانحناء من الانتصاب.

إلاّ أن لم يبلغ بعد حدّ الراكع ، بأن يهوي بقصد السجود فتذكّر قبل الوصول إلى حدّ الركوع أنّه لم يركع ، فينحني بقصد الركوع ، لعدم اشتراط الانحناء من إقامة الصلب في الركوع ، مع أنّه أيضا متحقّق. ولا يضرّ إرادة السجود أصلا.

وكذا لو بلغ حدّ الركوع ولم يتجاوز عنه ، على احتمال ، فإنّه إذا تذكّر ونوى كفى ، ولا يشترط الهوي بقصد الركوع ، لأصالة عدم اشتراط هذا القصد ، لأنه وجوب تبعيّ.

ويمكن أن يمنع تبعيّة الهوي ، بل هو مقصود بالأصالة ، لأنّه جزء مفهوم الركوع المصدري الذي هو المأمور به ، فيجب قصده خصوصا ، أو استدامة ، وعلى ذلك فيجب الانتصاب حينئذ أيضا ، وهو الأظهر ، كما كان يجب لو تجاوز.

ولا تتوهّم زيادة الركوع حينئذ لو بلغ هويّه أوّلا إلى هيئة الراكع ، لأنّه ليس‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٠ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ٦ : ٣١٦ أبواب الركوع ب ١٢ ح ٣.

(٢) راجع ص : ٩٠.

١٠١

زيادة في الصلاة ، إذ لم يقصد به الركوع ، ولا انضمّ إليه ما يصرفه إليه.

ولو قصد بالهوى الركوع ، فنسيه بعد الوصول إلى حدّه وهوى للسجود ، فهو حقيقة نسيان للطمأنينة والذكر والرفع ، وسيجي‌ء حكمه.

وفي الثالث وهو نسيان إحدى السجدتين : لما ذكر من الإجماع المحقّق ، والمصرّح به في كلام جماعة (١) ، ولصحيحتي أبي بصير ، وابن جابر :

الاولى : عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة ، فذكرها وهو قائم ، قال : « يسجدها ، إذا ذكرها ما لم يركع ، فإن كان قد ركع ، فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها ، وليس عليه سهو » (٢).

والثانية : في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام ، فذكر وهو قائم أنّه لم يسجد ، قال : « فليسجد ما لم يركع ، فإذا ركع ، فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد ، فليمض على صلاته حتى يسلّم ، ثمَّ يسجدها فإنّها قضاء » (٣).

وفي الرابع وهو نسيان السجدتين : لصحيحة ابن سنان المتقدّمة ، ولرواية معلّى بن خنيس ـ المنجبر ضعفها لو كان بادّعاء الشهرة العظيمة (٤) ، بل تحقّقها ـ في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : « إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها ، وبنى على صلاته ، ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأوّلتين والأخيرتين سواء » (٥).

وإطلاق السجدة فيها وإن شمل الواحدة والاثنتين ، إلاّ أنّ قوله : « وإن‌

__________________

(١) كما في المدارك ٤ : ٢٣٥ ، والحدائق ٩ : ١٣٥ ، والرياض ١ : ٢١٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٨ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ـ ١٣٦١ ، الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب السجود ب ١٤ ح ١.

(٤) انظر : الرياض ١ : ٢١٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٤ ـ ٦٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ٦ : ٣٦٦ أبواب السجود ب ١٤ ح ٥.

١٠٢

ذكرها بعد ركوعه » إلى آخره قرينة على إرادتهما.

وقد يستدلّ أيضا : ببقاء المحلّ بدلالة تدارك السجدة الواحدة.

وبأصالة بقاء الصحّة.

وبالصحيحة المتضمّنة لقوله : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة » (١).

والأخرى المتضمّنة لتدارك الركوع بعد السجدتين (٢) ، فإنّه إذا جاز تداركه مع تخلّل السجدتين اللتين هما ركن ، جاز تدارك السجود مع تخلّل القيام خاصّة بطريق أولى.

ويظهر ضعف الأوّل باحتمال اختصاص المحلّ بالواحدة.

والثاني بزوال الأصل بلزوم أحد المحذورين من زيادة القيام ، بل هو مع القراءة ، أو نقص السجدتين.

والثالث بأنّ السجود من الخمسة إلاّ أن يراد أنّه لو رجع وسجد لم تلزم عليه إعادة لأجل الزيادة.

والرابع ببطلان حكم الأصل.

خلافا للمقنعة والحلّي والحلبي ، فأوجبوا الإعادة (٣).

للروايات الدالّة على البطلان بنسيان السجود (٤) ، خرج منها ما خرج ، فيبقى الباقي.

وللزوم أحد المحذورين المذكورين.

ويجاب عن الأوّل : بخروج المورد أيضا بما مرّ.

وعن الثاني : بعدم كون الزيادة محذورة بعد دلالة الدليل على جوازها.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٧ : ٢٣٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ ـ ٥٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ـ ١٣٤٨ ، الوسائل ٦ : ٣١٤ أبواب الركوع ب ١١ ح ٢.

(٣) المقنعة : ١٣٨ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٤١ ، الحلبي في الكافي : ١١٩.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٨٩ أبواب السجود ب ٢٨.

١٠٣

وفي الخامس أي نسيان التشهّد : للإجماع أيضا ، وللأخبار المستفيضة ، كالصحاح الأربع ، للحلبي ، والفضيل ، وابن أبي يعفور ، وسليمان بن خالد ، ورواية علي بن أبي حمزة.

أولاها : « إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها ، ولم تتشهد فيهما ، فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع ، فاجلس وتشهّد وقم ، فأتمّ صلاتك ، وإن أنت لم تذكر حتى تركع ، فامض في صلاتك حتى تفرغ ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم » (١).

وثانيتها : في الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة ، فيقوم قبل أن يجلس بينهما ، قال : « فليجلس ما لم يركع ، وقد تمّت صلاته ، فإن لم يذكر حتى ركع فليمض في صلاته ، فإذا سلّم سجد سجدتين وهو جالس » (٢).

وثالثتها : عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة ، فلا يجلس فيهما ، فقال : « إن كان ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس ، وإن لم يذكر حتى يركع فليتمّ صلاته ، ثمَّ يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلّم » (٣).

ورابعتها : عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين ، فقال : « إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتى يركع فليتمّ الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم ، ويسجد سجدتي السهو » (٤).

وخامستها : « إذا قمت في الركعتين الأوليين ولم تتشهّد ، فذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهّد ، وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٧ الصلاة ب ٤٢ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٩ ، الوسائل ٦ : ٤٠٦ أبواب التشهد ب ٩ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٦ الصلاة ب ٤٢ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ ـ ١٤٣١ ، الوسائل ٦ : ٤٠٥ أبواب التشهد ب ٩ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٦ ، التهذيب ٢ : ١٥٩ ـ ٦٢٤ ، الوسائل ٦ : ٤٠٢ أبواب التشهد ب ٧ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٨ ـ ٦١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ـ ١٣٧٤ ، الوسائل ٦ : ٤٠٢ أبواب التشهد ب ٧ ح ٣.

١٠٤

انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمَّ تشهّد التشهّد الّذي فاتك » (١). إلى غير ذلك.

فروع :

أ : لو نسي الصلاة على النبي وآله في التشهّد الأوّل ، وتذكّر قبل الركوع ، فالمستفاد من بعض الكلمات ، والمصرّح به في بعض آخر أنّه كالتشهّد (٢) ، فيؤتى بها ، ثمَّ بما بعدها ، ولم يذكره بعض آخر.

فإن ثبت عليه الإجماع ، وإلاّ فلا دليل عليه ، ولزوم الزيادة ينفيه. وصحيحتا ابني سنان وحكيم (٣) لا تدلاّن على فعلها هنا ، بل تحتملان القضاء بعد الصلاة أيضا ، وأوامر الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليست بحيث تشمل المقام.

إلاّ أن يضمّ الإجماع المركّب مع الصحيحين حيث إنّ من يقول بفعله إذا تذكّر قبل الركوع يقول به في الأثناء.

ولكن تتعارضان حينئذ مع أخبار الزيادة ، والأصل مع عدم وجوب التدارك ، إلاّ أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على خلافه.

ب : لو نسي رفع الرأس من الركوع‌ ، أو مع طمأنينة الركوع ، أو مع ذكره أيضا وتذكّر قبل السجدة يرفع رأسه قطعا ، لوجوبه وإمكان الامتثال بلا محذور.

وهل يعود قبله إلى حالة الركوع للطمأنينة والذكر؟.

الظاهر نعم ، لوجوبهما وعدم محذور إلاّ توهّم زيادة الركوع ، وليس كذلك ، لأنّه الانحناء من الانتصاب ولم يتحقّق ، بل ما يفعله حينئذ حقيقة تتمّة من‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٧ الصلاة ب ٤٢ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٣٠ ، الوسائل ٨ : ٢٤٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

(٢) انظر : المنتهى ١ : ٤١٥ ، والحدائق ٩ : ١٤٤.

(٣) المتقدمتان في ص ١٠٠.

١٠٥

الركوع السابق.

ومنه يظهر أنّه لو سقط من الركوع قبل الرفع يرفع ، وقبل الذكر أو الطمأنينة يعود ويطمئن ويذكر ثمَّ يرفع ، وقبل الوصول إلى حدّ الركوع يركع ثمَّ يرفع ، والوجه في الكلّ ظاهر بعد ما مرّ.

ج : لو كان المنسي مجموع السجدتين‌ وعاد إليهما لا يجلس قبلهما ، للأصل.

ولو كان إحداهما ، فإن كان قد جلس عقيب الأوّل واطمأنّ بنيّة الفصل ، أو بلا نيّة لم يجب الجلوس قبل السجدة أيضا ، بلا كلام كما قيل (١) ، لحصوله من قبل.

وإن لم يكن قد جلس كذلك ، أو لم يطمئنّ وجب ، كما به صرّح شيخنا الشهيد الثاني وصاحب المدارك (٢) ، لأنّه من أفعال الصلاة الواجبة بالإطلاقات ، ولم يأت به مع إمكان تداركه بلا استلزامه محذورا من جهة أصلا.

خلافا للمحكي عن المبسوط والمنتهى (٣) ، وهو ظاهر الذخيرة (٤) ، فجوّزوا تركه.

لتحقّق الفصل بين السجدتين.

ولأنّ القدر الذي ثبت هو وجوب الجلوس والفصل بين السجدتين المتّصل بهما ، وقد فات ولا يمكن تداركه.

ويتبيّن ضعف الأوّل : بأنّ الواجب هو الجلوس على الوجه المخصوص الغير الحاصل ، لا مطلق الفصل.

والثاني : بأنّ الخصوصيّة التي ذكرت لا دخل لها في وجوب الجلوس وإن اتّفق ذلك ، وإلاّ لزم إجراء هذا الكلام في جميع الأجزاء التي يجب تداركها.

__________________

(١) الحدائق ٩ : ١٣٧.

(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤١ ، المدارك ٤ : ٢٣٦.

(٣) المبسوط ١ : ١٢٠ ، المنتهى ١ : ٤١٤.

(٤) الذخيرة : ٣٧٢.

١٠٦

ولو كان جلس ولكن بنيّة الاستراحة لمظنّة أنّه قد أتى بالسجدتين ، ففي الاكتفاء به للفصل ، وعدمه ، وجهان.

الظاهر الثاني ، إذ لكلّ امرئ ما نوى (١) ، ولأنّ قصده الاستراحة مانع عن انطباقه على الأمر الموجب للفصل.

وقال بعض مشايخنا الأخباريين ـ طاب ثراه ـ بالاكتفاء (٢).

لاقتضاء نيّة الصلاة كون كلّ فعل في محلّه ، فلا تعارضها النيّة الطارئة سهوا.

وللأخبار الدالّة على أنّه لو دخل في الصلاة بنيّة الفريضة ، ثمَّ سها في أثنائها وقصد الندب ببعض أفعالها لم يضرّه ذلك (٣).

والأوّل مع عروض النيّة المنافية ممنوع.

والثاني غير المسألة ، فإنّ هذا المنوي سهوا أيضا من أجزاء هذه الفريضة.

ولو شكّ هل جلس أم لا بنى على الأصل ، فيجب الجلوس وإن كان حالة الشك قد انتقل من المحلّ ، لأنّه بالعود إلى السجدة مع استمرار شكّه يصير في المحلّ ، كذا قيل (٤).

والأولى أن يقال : إنّ ذلك إنّما هو للشك في تجاوز محلّه فيستصحب المحلّ.

أو المراد بالتجاوز عن الفعل المعلّق عليه عدم العود للشك المذكور في الأخبار : التجاوز عن المحلّ المقرّر له شرعا ، لعدم صحّة غيره. وهو في المورد بعد السجدة الاولى وقبل الثانية.

وهو كذلك ، وكون القيام المتقدّم على السجدة الثانية المأمور بإلقائه تجاوزا عن الموضع غير معلوم.

ومثله ما لو نسي سجدة وشكّ في أخرى ، فإنّه يجب الإتيان بهما معا عند‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٨ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ١٠.

(٢) صاحب الحدائق ٩ : ١٣٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٦ أبواب النية ب ٢.

(٤) روض الجنان : ٣٤٥.

١٠٧

الجلوس وإن كان ابتداء الشك بعد الانتقال.

ومنه ما لو تذكّر نسيان السجدتين قبل الركوع ، وشكّ في الركوع السابق مع العلم بالهويّ ، على القول بعدم كون الهويّ تجاوزا عن المحلّ ، فيركع للسابق ويسجد السجدتين ، فيقوم.

د : متى تدارك المنسي تجب عليه إعادة ما بعده من تشهّد أو تسبيح أو قراءة‌ وإن أتى به أوّلا ، إجماعا ، له ، ولإطلاق الأمر به بعده ، ولرعاية الترتيب.

ولا يعتدّ بما أتى به قبله ، لوقوعه في غير محلّه فيكون كالعدم. ولا تضرّ الزيادة ، لا لعدم كونها ركنا ، لإطلاق مبطلات الزيادة. بل للإجماع ، ولصحة الصلاة قطعا مع اشتمالها على هذه الزيادة.

هـ : لو كان المنسي سجدتي الركعة الأخيرة أو إحداهما‌ ، وتذكّر في أثناء التشهّد ، أو بعده وقبل السلام على القول بجزئيّته ، عاد وأتى بالمنسي ، للإجماع المركّب والبسيط ، وإطلاق صحيحتي ابن سنان وحكيم (١). وبما بعده ، تحصيلا للترتيب الواجب ، واتّباعا لإطلاق الأمر بالتشهّد والسلام بعد السجدة الثانية.

ولو تذكّر بعد التشهّد وقبل السلام على القول بعدم جزئيّته ، فإن كان المنسي السجدة الواحدة فلا شكّ في صحّة الصلاة ووجوب الإتيان به.

فهل يأتي به قضاء حتى يجوز تأخيره عن التسليم ولا يضرّ تخلّل الحدث ونحوه بينه وبين الصلاة ، أو أداء حتى يجب تقديمه والإتيان بالتشهّد بعده؟.

الظاهر الثاني ، لعدم بطلان الصلاة إجماعا ، ووجوب الإتيان به كذلك ، وأصالة عدم جواز تأخيره عن التسليم ، وعدم الفراغ عن الصلاة ، لأنّه بعد التشهّد الذي تسبقه السجدتان. وليس هناك عموم أو إطلاق دالّ على تمام الصلاة بالتشهّد مطلقا. وشمول ما دلّ عليه لمثل المقام غير معلوم.

ولإطلاق الأمر بالتشهّد بعد السجدتين من غير معارض. واستلزامه‌

__________________

(١) المتقدمتين في ص : ١٠٠.

١٠٨

الزيادة في الصلاة معارض باستلزام الآخر نقص السجدة ، حيث إنّ المقضي بعد التسليم إنّما هو بأمر آخر. مع أنّك قد عرفت أنّ تكرار التشهّد ليس زيادة مبطلة من حيث التعدّد ، نعم تكون زيادته بإيقاعه في غير محلّه مبطلا وهو قد حصل بالتشهّد السابق ، ولم يوجب الإبطال قطعا ، فلا تلزم من التشهّد اللاحق زيادة أصلا.

وإن كان السجدتين ، فهل تبطل الصلاة؟ لتركهما إلى الفراغ واستلزام التدارك الزيادة وعدمه النقيصة.

أولا ، فيأتي بهما ثمَّ بالتشهّد؟ لظاهر الإجماع المركّب بينهما وبين السجدة الواحدة ، وإطلاق الصحيحتين المتقدّمتين ، وأصالة عدم الفراغ ، وعدم البطلان ، ومطلقات الأمر بالسجدتين ثمَّ التشهّد ، والزيادة هنا غير مبطلة ، للصحيحين.

كلّ محتمل. والثاني أظهر ، لما مرّ. والاحتياط بالإتيان بالمنسي وما بعده والتسليم وإعادة الصلاة لا ينبغي أن يترك.

وتبطل الصلاة بتخلّل الحدث هنا قطعا.

ولو تذكّر بعد التسليم نسيان السجدة الأخيرة فعلها ، للصحيحين المذكورين.

وهل يتشهّد بعدها ويسلّم لإطلاق الأمر بهما بعد السجدة ، أو لا؟.

الظاهر الثاني ، لحصول الفراغ من الصلاة ، والانصراف عنها بالتسليم ولو في غير موضعه ، للأخبار المتقدّمة في باب التسليم كرواية أبي كهمش (١) ، وغيرها ، فخرج عن الصلاة به ، فإذا نقصت السجدة فالأصل يقتضي بطلان الصلاة ، ولكنّه اندفع بالإجماع على عدم الإعادة هنا ، وبصحيحة ابن حكيم ، فلم يبق إلاّ العود إلى الصلاة والدخول فيها ، أو المضي بلا تدارك ، أو تدارك السجدة خارج‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٤ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٢ ، مستطرفات السرائر : ٩٧ ـ ١٦ ، الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم ب ٤ ح ٢.

١٠٩

الصلاة. والأوّل خلاف الأصل ، والثاني باطل بالصحيحين ، فلم يبق إلاّ الأخير. فتكون هذه السجدة غير ما أمر به في الصلاة ، والأمر بالتشهّد بعدها إنّما هي في سجدة الصلاة.

ولو كان المنسي بعد التسليم السجدتين الأخيرتين بطلت صلاته ، لفوات الركن مع الخروج عن الصلاة ، وهو مبطل بالأصل والإجماع.

ومنع الخروج مدفوع بالأخبار المتقدّمة. وكون التسليم في غير المحلّ لا يضرّ. ولا يرد لزوم بطلان الصلاة بالتسليم في غير المحل مطلقا ، مع أنّه ليس كذلك ، لأنّ ما ليس كذلك يعاد فيه إلى الصلاة بالدليل.

وأمّا الصحيحان فيعارضان الصحيح : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة » (١) وعدّ منها السجود.

دلّ على الإعادة من نقصان السجود مطلقا ، خرجت السجدة الواحدة بالإجماع والأخبار التي منها صحيحة ابن حكيم ، فيبقى الباقي.

و : لو نسي التشهد الأخير ثمَّ تذكّر بعد السلام قضاه بعده.

لا لما قيل من عدم الفرق بينه وبين التشهّد الأوّل (٢) ، لمنع عدم الفرق. ولا يتوهّم أنّ بناء الأصحاب على اتّحاد التشهّدين ، إذ ليس كذلك. قال في الحدائق في بحث قضاء التشهّد : أمّا صحيحة محمّد فموردها التشهّد الأخير ، ومحلّ البحث في الأخبار وكلام الأصحاب التشهّد الأوّل (٣).

بل للصحيحين المتقدّمين ، وصحيحة محمّد : في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتى ينصرف ، فقال : « إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلاّ طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٧ : ٢٣٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٤.

(٢) كما في الذكرى : ٢٢١.

(٣) انظر : الحدائق ٩ : ١٤٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٧ ـ ٦١٧ ، الوسائل ٦ : ٤٠١ أبواب التشهد ب ٧ ح ٢.

١١٠

ورواية محمّد الحلبي : عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهّد ، قال : « يرجع فيتشهّد » قلت : أيسجد سجدتي السهو؟ فقال : « لا ، ليس في هذا سجدتا السهو » (١).

إلاّ أنّ في دلالة بعضها على الوجوب نظرا يندفع بضمّ البعض الآخر ، والإجماع المركّب.

ولا يجب السلام بعده ، على الأشهر ، للخروج عن الصلاة.

خلافا للمحكي عن الخلاف والنهاية وموضع من المقنعة ، والسيّد في موضع من الجمل (٢) ، وابن حمزة والحلّي (٣) ، فقالوا بأنّه يسلّم بعده ، استنادا إلى أنّ هذا السلام لم يكن في موقعه ، فبه لم يخرج عن الصلاة ، بخلاف ما إذا نسي التشهّد الأوّل وسائر ما كان قبل الركوع ممّا يقضى ، حيث إنّ لورود الأمر بالمضي في الصلاة يقع السلام موقعه ، فيخرج به عن الصلاة ويكون قضاء.

ويلزمهم على ذلك أن تكون السجدة الواحدة في الأخيرتين ، بل السجدتان الأخيرتان أيضا كذلك ، فيجب تداركها والإتيان بما بعدها ، ولا يبعد أن يقولوا به أيضا ، وإن لم يحضرني الآن تصريحهم به أو بخلافه ، وإن صرّح بعضهم به.

ويلزمهم أيضا بطلان الصلاة بتخلّل الحدث ونحوه ، كما صرّح به بعض هؤلاء في التشهّد (٤).

ثمَّ إنّه يردّ قولهم بمنع توقّف الخروج عن الصلاة بكون السلام في موقعه ، بل المستفاد من الأخبار العموم وإن حصل العود في بعض الصور بالدليل.

ولا فرق فيما ذكر من وجوب القضاء في السجدة الواحدة والتشهّد ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٨ ـ ٦٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦٣ ـ ١٣٧٦ ، الوسائل ٦ : ٤٠٦ أبواب التشهد ب ٩ ح ٤.

(٢) لا يوجد الحكم بوجوب التسليم في الكتب المذكورة الموجودة بأيدينا ، ولم نجد أيضا من حكاه عنها.

(٣) الحلّي في السرائر ١ : ٢٥٩ ، ولم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة.

(٤) وهو الحلي في السرائر ١ : ٢٥٩.

١١١

والبطلان في السجدتين ، بين ما إذا تخلّل الحدث ونحوه ـ ممّا يبطل الصلاة سهوا ـ بين التسليم وبين القضاء أم لا.

فإن كان المنسي السجدتين تبطل الصلاة ، ووجهه ظاهر.

وإن كان السجدة أو التشهّد يقضيهما ، ولم يقع الحدث في أثناء الصلاة حتى يبطلها ، ولا دليل على كونه مبطلا إذا وقع بين الصلاة وأجزائها المقضيّة ، كما يأتي.

ز : لو نسي جلسة الاستراحة ـ على القول بوجوبها ـ لم يجب تداركها‌ إذا تذكّر بعد القيام ، لتقييد دليل وجوبها بأنّها حين يريد أن يقوم بعد السجدة ، فإذا قام فاتت ولا يمكن التدارك.

ح : حكم الصلاة على النبي وآله في التشهّد الأخير حكم التشهّد‌ ، فيأتي بها لو نسيها إلى أن سلّم.

لا لما قيل من أنّ التشهّد يقضى بالنصّ فكذا أبعاضه ، تسوية بين الكلّ والجزء (١).

لمنع التسوية ، ولذا تقضى أمور لا تقضى أجزاؤها.

قيل : الأصل يقتضي التسوية ، إذ فوات الجزء يستلزم فوات كلّه المستلزم للقضاء بالنصّ (٢).

قلنا : هذا إنّما يتمّ في الجزء الذي يفوت بفوته الكلّ عرفا لا مطلقا ، وليس المورد كذلك.

ولا لما قيل من أنّ فوات المحلّ لا يقتضي الصحّة ، بل الفساد كما في كلّ جزء ، وانتفاؤه هنا بالإجماع لا يدلّ على الصحة بدون التدارك أيضا ، بل غاية ما علم منه الخروج عن الاشتغال مع التدارك خاصّة ، لا بدونه ، فقاعدة أصالة‌

__________________

(١) كما في الذكرى : ٢٢١.

(٢) كما في الرياض ١ : ٢١٤.

١١٢

الاشتغال تقتضي لزوم التدارك (١).

إذ يخدش ذلك أنّ ما علم به الاشتغال هو الصلاة في محلّ خاصّ ، كما هو المفروض وإلاّ لم يكن محلّه فائتا ، وهي قد فاتت ، وعلم براءة الذمّة من الإتيان بها في المحلّ بإعادة الصلاة بالإجماع ، والاشتغال بغيرها يحتاج إلى دليل آخر.

بل لإطلاق الصحيحين المتقدّمين. ولا يضرّ خروج كثير من الأفراد منهما ، إذ لم يخرج الأكثر ، ولو خرج أيضا فعمومهما إطلاقي لا يضرّ فيه ذلك.

وهل يجب قضاء التشهّد معها أيضا؟.

الحقّ لا ، للأصل ، وعدم التوقّف.

ولا يجب التسليم بعده ، للأصل. وإطلاق الأمر به بعد التشهد إنّما هو فيما يقع في الصلاة دون ما يقضى في الخارج بدليل خارجي.

ولا تجب في شي‌ء من هذه سجدة سهو ، للأصل ، واختصاص سجدة السهو في التشهّد بالأوّل كما يأتي. إلاّ أنّه تستحبّ ، لأنّه أيضا نقصان.

وكذا يقضي الصلاة على النبي وآله لو تركها من التشهّد الأوّل وتذكّر بعد الفراغ ، لإطلاق الصحيحين. بل بعد الركوع مطلقا ، لهما ، وعدم العود حينئذ إجماعا.

الموضع الثاني :

فيما لا تدارك له أصلا.

وهو من نسي الجهر أو الإخفات مطلقا ، أو القراءة كلا أو بعضا حتى يركع ، أو الذكر في الركوع ، أو الطمأنينة فيه حتى يرفع ، أو الرفع منه ، أو الطمأنينة فيه حتى يسجد ، أو الذكر في السجدة ، أو الطمأنينة فيها ، أو السجود على أحد الأعضاء غير الجبهة منها حتى يرفع ، أو إكمال رفع الرأس منه ، أو الطمأنينة فيه حتى يسجد ، أو الطمأنينة في الجلوس للتشهّد حتى يقوم.

__________________

(١) انظر : الرياض ١ : ٢١٤.

١١٣

بالإجماع في أكثرها ، وبلا خلاف يعتدّ به في الجميع.

للصحيح : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (١).

وبه يخرج عن الأصل المتقدّم. دلّ على عدم إعادة الصلاة بنقصان شي‌ء ممّا ذكر وإن تذكّر في أثناء الصلاة ولم يعد إلى الإتيان به ، فتكون صلاته حينئذ صحيحة ، فلا يجب التدارك.

مع أنّ مقتضى الصحيح عدم الإعادة بنقصه ولو تركه في الأثناء عمدا ، خرج ما خرج منه بالإجماع ، فيبقى الباقي ، ومقتضاه اختصاص جزئيّة هذه الأمور بصورة تركها في غير محلّ الكلام هنا.

وأمّا تعارض الصحيحين (٢) في أكثر هذه الموارد فيجاب عنهما بأنّهما فيه خلاف الإجماع ، لعدم قول بالعود ولا بالقضاء.

هذا ، مضافا في الجهر والإخفات إلى الصحيحين (٣) ، المتقدّمين في بحثهما.

وفي القراءة إلى ما مرّ في بحثها من المعتبرة المستفيضة (٤). وما دلّ على خلافه فيها شاذّ (٥) ، كخلاف ابن حمزة ـ على ما قيل (٦) ـ فيها ، كما مرّ.

وفي طمأنينتي الركوع والسجود إلى اختصاص دليلهما بما لا يتمّ في المورد ، لأنّه إمّا الإجماع ، أو الخبر الضعيف المحتاج إلى الانجبار ، وشي‌ء منهما لم يتحقّق في المقام.

__________________

(١) تقدّم في ص : ١١٠.

(٢) وهما صحيحتا ابني حكيم وسنان المتقدّمتان في ص ١٠٠.

(٣) الأول : الفقيه ١ : ٢٢٧ ـ ١٠٠٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ ـ ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ـ ١١٦٣ ، الوسائل ٦ : ٨٦ أبواب القراءة ب ٢٦ ح ١.

الثاني : التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٧ ، الوسائل ٦ : ٨٦ أبواب القراءة ب ٢٦ ح ٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٨٧ أبواب القراءة ب ٢٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٣٩ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب القراءة ب ٢٧ ح ٤.

(٦) حكاه عنه في التنقيح ١ : ١٩٧.

١١٤

فما حكي عن الشيخ فيهما من الخلاف ضعيف ، كدعواه الإجماع عليه (١) ، مع أنّ الظاهر من الخلاف أنّ مراده بالركنيّة هو الوجوب ، كما هو ظاهر القدماء أيضا ، وعليه دعواه الإجماع.

وفي ذكرهما إلى روايتي القدّاح وابن يقطين :

الاولى : عن رجل ركع ولم يسبّح ناسيا ، قال : « تمّت صلاته » (٢).

والثانية : عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده ، قال : « لا بأس بذلك » (٣).

وإن أمكن الخدش في أولاهما بإرادة تسبيح القيام أي التسبيحات الأربع.

وفي الثانية بأنّ نسيان التسبيحة لا يدلّ على نسيان مطلق التسبيح ، إلاّ أن يقرأ « تسبيحه » بالضمير ، كما عليه النسخ الصحيحة.

وفي الرفعين وطمأنينتهما إلى أنّ ثبوتها في مواضعها بالإجماع المنتفي في المقام ، أو الأمر الغير المتعلّق بالساهي قطعا ، وعدم ثبوت أمر بعد الدخول فيما بعدها.

الموضع الثالث :

فيما يتدارك بعد الصلاة‌ ، ويسجد له سجدتا السهو أيضا.

وهو أن ينسى السجدة الواحدة حتى يدخل الركوع ، أو التشهّد كذلك ، فيقضيهما بعد الصلاة ويسجد سجدتي السهو.

وأمّا قضاء السجدة فعلى الأظهر الأشهر ، للصحيحتين المتقدّمتين (٤) ، وصحيحتي أبي بصير ، وابن جابر المتقدّمتين (٥) ، وموثّقة الساباطي : في الرجل‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥٩ و ٣٤٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٧ ـ ٦١٣ ، الوسائل ٦ : ٣٢٠ أبواب الركوع ب ١٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٧ ـ ٦١٤ ، الوسائل ٦ : ٣٢٠ أبواب الركوع ب ١٥ ح ٢.

(٤) في ص ١٠٠.

(٥) في ص ١٠٢.

١١٥

ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام وركع ، قال : « يمضي في صلاته ولا يسجد حتى يسلّم ، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته » (١) ، إلى غير ذلك.

ولا يضرّ عدم صراحة بعضها في الوجوب ، لكون البواقي قرينة على إرادة الوجوب عنه أيضا.

خلافا للمحكي عن الكليني والعماني (٢) ، فأفسدا الصلاة بترك السجدة مطلقا ، كما مرّ في بحث السجود بدليله وجوابه.

وعن المفيد والتهذيب (٣) ، فكذلك إذا كانت السجدة من الركعتين الأوليين خاصّة ، لصحيحة البزنطي : عن رجل صلّى ركعة ثمَّ ذكر ـ وهو في الثانية ، وهو راكع ـ أنّه ترك سجدة من الاولى ، فقال : « كان أبو الحسن عليه‌السلام يقول : إذا تركت السجدة في الركعة الاولى ولم تدر واحدة أم ثنتين استقبلت حتى يصحّ لك أنّهما ثنتان ، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن يكون قد حفظت الركوع أعدت السجود » (٤).

ورواها في الكافي مع زيادة ونقصان (٥) ، فزاد لفظ الصلاة بعد قوله : « استقبلت » ونقص قوله : « وإذا كان في الثالثة » إلى آخره.

وأجيب عنه (٦) تارة : بحمل قوله : « ولم تدر .. » على الشك بين الواحدة والاثنتين من الركعة.

ويضعّفه بعده جدّا.

واخرى : بحمل الرواية على الشك في ترك السجدة ، فلا ينطبق على‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ـ ١٣٦٢ ، الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب السجود ب ١٤ ح ٢.

(٢) الكليني في الكافي ٣ : ٣٤٩ ، حكاه عن العماني في المختلف : ١٣١.

(٣) حكاه عنهما في الذكرى : ٢٢٠ ، وهو في التهذيب ٢ : ١٥٤.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٤ ـ ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ ـ ١٣٦٤ ، قرب الإسناد ٣٦٥ ـ ١٣٠٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب السجود ب ١٤ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٩ الصلاة ب ٣٧ ح ٣.

(٦) انظر : الحدائق ٩ : ١٤٧.

١١٦

المدّعى.

وتردّه صراحتها في ترك السجدة الواحدة والشك في الزائد. ولا عبرة به ، لفوات المحلّ.

وثالثة : بحمل « استقبلت » على استقبال السجود.

ولا يلائمه التفصيل بين الركعتين الأوليين وغيرهما ، مع أنّ في غيرهما أيضا حكم بذلك.

والصواب أن يجاب ـ مضافا إلى عدم دلالتها على الوجوب ، وشذوذها المخرج لها عن الحجّية جدّا ـ بأنّها غير دالّة على مطلوبهم ، لأنّها تبيّن حكم ما إذا ترك السجدة ولم يدر الوحدة والتعدّد.

وأمّا وقوع السؤال عن ترك السجدة خاصّة وانضمام الشك في الجواب لا محالة لا بدّ وأن يكون لفائدة ، وإلاّ لغت الضميمة ، فيحتمل أن تستحبّ الإعادة حينئذ ، وعدل عن جواب السؤال لمصلحة.

وقد يستدلّ للشيخ أيضا برواية أبي بصير : « إذا سهوت في الركعتين الأوليين فأعدهما » (١).

وحسنة الوشاء : « الإعادة في الركعتين الأوليين ، والسهو في الركعتين الأخيرتين » (٢).

ويجاب عن الأولى : بأنّ السهو في الركعة غير السهو في أجزائها ، فيمكن أن يكون المراد ترك الركعة ، أو المراد الشك ، كما هو الشائع في الأخبار.

وعن الثانية : بعدم تعيّن سبب الإعادة ، وعدم دليل على العموم.

وأمّا كون قضائها بعد الصلاة فعلى الحقّ الموافق للأكثر بل غير من شذّ‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٣ ، الوسائل ٨ : ١٩١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٠ الصلاة ب ٣٨ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٦ ، الوسائل ٨ : ١٩٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٠.

١١٧

وندر ، لما مرّ من الأخبار.

وأمّا صحيحة ابن أبي يعفور : « إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنّه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد ، قبل أن يسلّم » الحديث (١).

فلم يفت بمضمونها ـ الذي هو وجوب كون القضاء قبل التسليم ، واجبا كان أو مستحبّا ـ أحد ، فهي للشذوذ مطروحة.

مع أنّها تعمّ ما إذا تذكّر النسيان قبل الركوع ، ويكون المراد أن يقعد ويسجد.

هذا مضافا إلى معارضتها مع ما مرّ ، وترجيحه للأشهريّة رواية وفتوى.

خلافا لوالد الصدوق ، فأوجب قضاءها بعد ركوع الثالثة إن كانت المنسيّة من الاولى وتذكّر بعد ركوع الثانية ، وفي الرابعة إن تذكّر بعد ركوع الثالثة إن كانت من الثانية ، وبعد التسليم إن تذكّر بعد ركوع الرابعة إن كانت من الثالثة (٢).

للرضوي المصرّح بذلك (٣) ، القاصر عن معارضة ما مرّ بوجوه.

وعن المفيد في العزيّة ، فقال : فإن ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات : واحدة منها قضاء ، والاثنتان للركعة التي هو فيها (٤).

وهو أيضا قريب من سابقة ، وجوابه ظاهر.

وأمّا وجوب سجدتي السهو لها فعلى المشهور ، بل عن المنتهى والتذكرة الإجماع عليه (٥).

للإجماع المنقول ، ورواية ابن السمط : « تسجد سجدتين في كلّ زيادة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ ـ ١٣٦٦ ، الوسائل ٦ : ٣٧٠ أبواب السجود ب ١٦ ح ١.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ١٣١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٧ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٦١ أبواب السجود ب ١٢ ح ١.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٣١.

(٥) المنتهى ١ : ٤١٧ ، التذكرة ١ : ١٣٨.

١١٨

تدخل عليك أو نقصان » (١).

وفيها : أنّها غير دالّة على الوجوب ، بل تحتمل.

وللأمر بالسجدة في صحيحة الحلبي في صورة الشكّ (٢) ، فيثبت في السهو بالطريق الأولى.

وفيه : منع الأولويّة ، سيّما مع تدارك السجدة مع احتمال الزيادة.

خلافا للمحكي عن الصدوقين ، والمفيد في العزيّة ، والعماني (٣) ، وأكثر متأخري المتأخرين (٤) ، فلم يوجبوهما لها ، للأصل ، وخلو ظواهر الصحاح الواردة في مقام البيان الآمرة بقضاء السجدة عن ذكرهما ، وصريح صحيحة أبي بصير المتقدّمة (٥) ، وموثقة الساباطي : عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة ، هل عليه سجدتا السهو؟ قال : « لا ، قد أتمّ الصلاة » (٦).

ولا يضرّ عدم ثبوت هذا الحكم للركوع ، لأنّ الحكم فيه محمول على ما قبل دخول السجود.

وموثقة سماعة : « من حفظ سهوه وأتمّه فليس عليه سجدتا السهو ، إنّما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها » (٧).

وهذه الأخبار كما ترى أكثر من الاولى وأصرح ، ومعاضدة بالأصل ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٥ ـ ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٥١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠١٩ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٣) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ذ ح ٩٩٣ ، حكاه عن والد الصدوق والمفيد والعماني في المختلف : ١٤٠.

(٤) منهم السبزواري في الذخيرة : ٣٧٣ ، وصاحب الحدائق ٩ : ١٥١ ، وصاحب الرياض ١ : ٢١٥.

(٥) في ص : ١٠٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ٨ : ٢٤٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٥٥ الصلاة ب ٤١ ح ٤ ، الوسائل ٨ : ٢٣٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٨.

١١٩

وبعضها أخصّ مطلقا من رواية ابن السمط ، فالحقّ عدم الوجوب.

وأمّا قضاء التشهّد فهو المشهور ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (١) ، لصحاح محمّد وابني حكيم وسنان ، ورواية علي بن أبي حمزة ، المتقدّمة جميعا (٢).

إلاّ أنّ الإجماع المنقول ليس بحجّة ، وغير صحيحة ابن سنان منها لا يدلّ على الوجوب أصلا ، فيحتمل الاستحباب.

مضافا إلى أنّه يجوز أن يراد من التشهّد في الرابعة تشهّد سجدتي السهو ، كما يشعر به العطف بـ « ثمَّ » حيث إنّهم يقولون بوجوب تقديم قضاء المنسي على السجدتين.

ولا يفيد التقييد بالتشهّد الذي فاتك مع أنّ تشهّد سجدتي السهو خفيف ، لجواز الخفيف مطلقا على المشهور.

مع أنّه على التغاير لا يفيد أيضا ، لأنّ القيد لا يفيد أزيد من المماثلة في الشهادة. ولذا ورد في الرضوي : « وتشهّد فيهما بالتشهّد الذي فاتك » (٣).

فذكر القيد مع التصريح بقوله : « فيهما ».

ولكن صحيحة ابن سنان كافية في إثبات الوجوب ، فهو الحقّ.

خلافا للمحكي عن الصدوقين والمفيد في الرسالة (٤) ، فقالوا بإجزاء تشهّد السجدتين عن قضاء التشهّد ، وإليه مال بعض الميل صاحب المدارك (٥) ، واستظهره في الحدائق (٦).

للأصل.

وخلوّ الأخبار المصرّحة بوجوب سجدة السهو لنسيان التشهّد ـ الواردة في‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٥٣.

(٢) في ص ١٠٠ و ١٠٤ و ١١٠.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٨ ، مستدرك الوسائل ٥ : ١٢ أبواب التشهد ب ٥ ح ١.

(٤) انظر : الفقيه ١ : ٢٣٣ ، وحكاه عنهم في الذكرى : ٢٢١.

(٥) المدارك ٤ : ٢٤٣.

(٦) الحدائق ٩ : ١٥٣.

١٢٠