مستند الشّيعة - ج ٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-81-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٩١

لحضور الأصمّ ، ولذا اشترط بعضهم فيهما العربية ولو لم يفهمها العدد (١) ، فيمكن أن تكون تعبدا كالصلاة والقنوت بالعربي والإنصات للقرآن بالنسبة إلى من لا يفهم العربية.

وأمّا رواية العلل المتقدّمة (٢) فلا تدل إلاّ على أن شرّع الخطبة لأن يكون سبب للأمير للترغيب والتحذير ، ومقتضاه أنّه إذا أراد ذلك كان له باعث ، ولم يقل أن شرّعها للترغيب والتحذير.

نعم يستحبّ الرفع بحيث يسمع كلّ من يمكن قطعا.

المسألة العاشرة : لا يجب إصغاء العدد ولا الحاضرين للخطبة ، وفاقا للمعتبر والنافع والمبسوط والذخيرة (٣) ؛ للأصل ، ولأنّ تخصيص الوجوب بالعدد تخصيص بلا دليل ، وتعميمه يوجب التكليف بالممتنع إن لم نوجب رفع الصوت على الخطيب بحيث يسمعه الكلّ ، وما لا يقولون به ، ولا دليل عليه إن أوجبناه.

خلافا للأكثر كما صرّح به بعض من تأخّر (٤).

لبعض ما مرّ.

وللأمر في الآية بالإنصاف والاستماع للقرآن ، (٥) ، وورد ورود الآية في الخطبة (٦) ، وسمّيت قرآنا لاشتمالها عليه.

وللصحيحة المتقدّمة المصرّحة بأنّها صلاة حتّى ينزل الإمام (٧).

__________________

(١) كما في المدارك ٤ : ٣٥.

(٢) في ص ٦٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٩٤ ، النافع ١ : ٣٦ ، المبسوط ١ : ١٤٨ ، الذخيرة : ٣١٥.

(٤) انظر : جامع المقاصد ٢ : ٤٠١ ، والمدارك ٤ : ٦٣ ، وكفاية الأحكام : ٢١.

(٥) الأعراف : ٢٠٤.

(٦) انظر : مجمع البيان ٢ : ٥١٥ ، وتفسير الفخر الرازي ٥ : ١٠٢.

(٧) راجع ص ٧٨.

٨١

والنصوص الكثيرة الآتية الناهية عن الكلام في أثناء الخطبة (١) ؛ لظهور أنّ وجه النهي فيها إنّما هو وجوب الإصغاء.

وبعض الأخبار المتقدّمة المتضمّنة لقوله : « خطبهم » و « يخطب بهم » فإنّه لا يتحقّق بدون الإصغاء.

ويضعّف ما مرّ : بما مرّ ، سيّما ما ذكروه من انتفاء الفائدة ، فإنّ استماع الكلّ ـ سيّما في المدن الكبيرة مع ذلك الاجتماع العظيم ـ ممتنع عادة ، ففائدة حضور من لا يمكنه السماع ـ مع وجوب الجمعة عليه قطعا ـ هي الفائدة في المطلق.

والثاني : بمنع ورودها في الخطبة ، وضعف مستنده ، ومعارضته مع ما عن بعض التفاسير أنّها في الصلاة المكتوبة (٢) ، وعن تفسير القمي : « أنّها في صلاة الإمام الذي يأتمّ به » (٣) وعن التبيان : أنّ فيها أقوالا (٤).

والقول بكفاية إطلاقها ؛ لشمولها للقراءة في الخطبة ، فيتمّ المطلوب بالإجماع المركب.

مردود بأنّ الإجماع المركّب إنّما يفيد لو كان الإنصات حال القراءة لأجل أنّها جزء من الخطبة ، وأمّا لأجل أنّها قرآن فلا إجماع أصلا. مع أنّه على الإطلاق يرد عليه عدم وجوب الإنصات في المطلق ، والتخصيص بالبعض ليس أولى من الحمل على الاستحباب.

والثالث : بما مرّ ، مضافا إلى أنّه لا يدلّ على أزيد على أنّ الخطيب في الصلاة ، دون السامعين ، سلّمنا ولكن لا يجب الإصغاء في الصلاة.

والرابع‌ ـ بعد تسليم حرمة الكلام ـ : بمنع انحصار وجهها في الإصغاء ، مع أنّ الإصغاء ممكن مع الكلام أيضا ، كما أنّ عدمه يكون مع عدمه ، ويمكن أن يكون وجهها كونها صلاة كما يقولون هؤلاء به.

__________________

(١) انظر : الوسائل ٧ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤.

(٢) انظر : مجمع البيان ٢ : ٥١٥.

(٣) تفسير القمي ١ : ٢٥٤.

(٤) التبيان ٥ : ٦٧.

٨٢

والخامس : بمنع توقّف الخطبة لهم على ذلك ، فإنّه يصدق بمجرد الخطبة في محضر منهم.

نعم يستحب الإصغاء إجماعا ؛ له ، ولبعض ما مرّ ، وللمروي في الدعائم : « يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم ويصغون إليه » (١).

المسألة الحادية عشرة : لا خلاف في مرجوحية الكلام للإمام والمأمومين في أثناء الخطبة ، وتدلّ عليها المستفيضة : كصحيحة محمّد : « إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ من خطبته ، فإذا فرغ تكلّم ما بينه وبين ما أن تقام الصلاة » (٢).

والمرويّات في قرب الإسناد : أحدها : « يكره الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب ، وفي الفطر والأضحى والاستسقاء » (٣).

والثاني : « إنّ عليّا كان يكره ردّ السلام والإمام يخطب » (٤).

والثالث : « ورجل شهدها ـ أي الجمعة ـ والإمام يخطب فقام يصلّي ، فقد أخطأ السنة » (٥).

والمستفيضة المصرّحة بأنّه : « لا كلام والإمام يخطب » (٦) وأنّه : « لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر » (٧).

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٨٣ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٢٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١٢ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢١ الصلاة ب ٧٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧١ ، الوسائل ٧ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ١.

(٣) قرب الإسناد : ١٥٠ ـ ٥٤٤ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٥.

(٤) قرب الإسناد : ١٤٩ ـ ٥٣٩ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٦.

(٥) قرب الإسناد : ٣٤ ـ ١١١ ، الوسائل ٧ : ٤١٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٥٨ ح ١.

(٦) انظر : الوسائل ٧ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤.

(٧) الكافي ٣ : ٤٢٤ الصلاة ب ٧٥ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٧ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ٣.

٨٣

والنبوي : « إذا قلت لصاحبك : أنصت ، والإمام يخطب ، فقد لغوت » (١).

وهل يحرم ذلك؟ كالمشهور ، ومنهم : الشيخ في النهاية والخلاف مدّعيا فيه الإجماع عليها (٢).

أو لا؟ كالمبسوط وموضع من الخلاف (٣) ، على ما قيل (٤) ـ وإن أنكره بعضهم ، وهو كذلك ، فإنّ كلامه في هذا الموضع الذي صرّح فيه بالكراهة وعدم الحظر إنّما هو في الكلام ما بين الخطبة والصلاة ، كما يظهر من دليله ـ والمحقق والذخيرة (٥).

ألحقّ هو الأوّل ، لا للمستفيضة الأخيرة ؛ لعدم دلالتها على الحرمة ، مع كون النهي عن الصلاة أخصّ من المدّعى. ولا لقوله : « هي صلاة حتّى ينزل » لما مرّ.

بل لصحيحة محمّد : « لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه وبين أن تقام الصلاة » (٦).

دلّت بمفهوم الشرط على ثبوت البأس الذي هو العذاب في التكلّم قبل الفراغ.

والمروي في مجالس الصدوق في مناهي النبي : « أنّه نهى عن الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب ، فمن فعل ذلك فقد لغا ، ومن لغا فلا جمعة له » (٧).

وفي دعائم الإسلام : عن الصادق عليه‌السلام : « إذا قام الإمام يخطب ،

__________________

(١) سنن ابن ماجه ١ : ٣٥٢ ـ ١١١٠ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩٠ ـ ١١١٢ ، سنن الدارمي ١ : ٣٦٤.

(٢) النهاية : ١٠٥ ، الخلاف ١ : ٦١٥.

(٣) المبسوط ١ : ١٤٨ ، الخلاف ١ : ٦٢٥.

(٤) انظر : المهذّب البارع ١ : ٤٠٩ ، والذخيرة : ٣١٥ ، والحدائق ١٠ : ٩٦.

(٥) المحقق في الشرائع ١ : ٩٧ و ٩٩ ، والمختصر : ٣٦ ، والمعتبر ٢ : ٢٩٤ ، الذخيرة : ٣١٥.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦٩ ـ ١٢٢٩ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٣.

(٧) أمالي الصدوق : ٣٤٧ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٤.

٨٤

فقد وجب على الناس الصمت » (١).

وفيه أيضا : عنه عليه‌السلام : « إنّما جعلت الخطبة عوضا عن الركعتين اللتين اسقطتا من صلاة الظهر ، فهي كالصلاة لا يحلّ فيها إلاّ ما يحلّ في الصلاة » (٢).

وضعف هذه بالشهرة المحكيّة (٣) ، بل المحقّقة ، بل الإجماع المنقول في الخلاف (٤) ، منجبر.

احتجّ المخالف : بالأصل الخالي عن المخرج ؛ لعدم دلالة بعض ما جعلوه مخرجا حتى صحيحة محمّد ، لعدم صراحة ثبوت البأس في الحرمة ، وضعف الباقي.

وبقوله : لا ينبغي ويكره ، في الروايات السابقة.

وبعض الروايات العاميّة (٥).

وجواب الأوّل ظهر ممّا مرّ.

ويجاب عن الثاني بأعمّية اللفظين ، فيشملان الحرام أيضا.

وعن الثالث بعدم الحجية.

فروع :

أ : هل ترك الكلام واجب فقط ، أو شرط في صحة الصلاة أيضا؟.

الظاهر الأوّل ، بل ادّعي نفي القول بخلافه (٦) ، بل عن نهاية الإحكام :

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٨٢ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٢٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١٢ ح ٢.

(٢) الدعائم ١ : ١٨٣ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٢.

(٣) انظر : الحدائق ١٠ : ٩٦ ، والرياض ١ : ١٨٩.

(٤) الخلاف ١ : ٦١٥.

(٥) انظر : سنن البيهقي ٣ : ٢٢١.

(٦) كما في الذخيرة : ٣١٥ ، والحدائق ١٠ : ١٠٠.

٨٥

الإجماع على عدم البطلان (١) ؛ للأصل.

وعن المسالك وروض الجنان : الاشتراط في العدد دون الزائد (٢). والأصل ينفيه.

ب : استحباب الإصغاء وحرمة الكلام هل يختص بالعدد أم يشمل الجميع؟.

الظاهر الثاني ؛ لعموم الأدلّة.

وعن التذكرة : الأوّل ، إلاّ أن يمنع تكلّم غير العدد عن سماع العدد (٣).

ج : هل يختصّ الأمران بالمتمكّن عن السماع ، أو يعمّ غيره أيضا كالبعيد ، والأصم؟.

المحكي عن بعضهم : الثاني (٤).

وهو كذلك في حرمة الكلام ، وفاقا للمحكي عن المسالك وروض الجنان وحواشي القواعد والمنتهى (٥) ؛ للعموم. دون الإصغاء ؛ لعدم إمكانه في حقّهما.

د : هل يحرم غير الكلام ممّا يحرم في الصلاة كالالتفات ونحوه ، أم لا؟.

الظاهر : الثاني : للأصل.

وقال بعض متأخري الأخباريين بالأوّل (٦) ، ونقله عن السيد ؛ لرواية الدعائم. ويضعّف بالضعف.

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٣٨.

(٢) المسالك ١ : ٣٥ ، الروض : ٢٩٧.

(٣) التذكرة ١ : ١٥٢.

(٤) كما في الحدائق ١٠ : ١٠٠.

(٥) المسالك ١ : ٢٩٧ ، الروض : ٢٩٧ ، المنتهى ١ : ٣٣١.

(٦) انظر : الحدائق ١٠ : ١٠٠.

٨٦

هـ : هل تختصّ الحرمة بحال الاشتغال بالخطبة ، أو تعمّ حال السكوت بين الخطبتين أيضا؟.

المحكي عن النهاية والتذكرة : الأوّل ؛ (١) ، للأصل.

وعن المسالك وروض الجنان وظاهر الروضة : الثاني (٢).

وهو الأقوى ، لا لقوله : « وهي صلاة حتى ينزل [ الامام ] » (٣) لما عرفت ، ولا لقوله في صحيحة ابن وهب : « يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها » (٤) لعدم دلالته على الوجوب ، واختصاصه بالإمام.

بل لمفهوم الشرط في صحيحة محمّد المتقدّمة (٥) ، وبه يندفع الأصل المتقدّم.

و : هل حرمة الكلام تختصّ بغير الإمام؟ كما عن ظاهر نهاية الشيخ والحلّي والحلبي ونهاية الإحكام والدروس والبيان (٦).

أو تعمّه أيضا؟ كظاهر الروضة وروض الجنان والمسالك (٧) وحواشي القواعد ، وبعض آخر (٨).

الحقّ هو الأوّل ؛ للأصل ، واختصاص الأدلّة بغيره ، ويؤيّده بعض الأخبار‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٣٨ ، التذكرة ١ : ١٥٢.

(٢) المسالك ١ : ٣٥ ، الروض : ٢٩٧ ، الروضة ١ : ٢٩٨.

(٣) التهذيب ٣ : ١٢ ـ ٤٢ ، الوسائل ٧ : ٣١٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٤ ؛ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٤ ، الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجمعة ب ١٦ ح ١.

(٥) في ص ٨٣.

(٦) النهاية : ١٠٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٩٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥٢ ، نهاية الإحكام ٢ : ٣٨ ، الدروس ١ : ١٨٧ ، البيان : ١٨٩.

(٧) الروضة ١ : ٢٩٨ ، الروض : ٢٩٧ ، المسالك ١ : ٣٥.

(٨) كالمهذّب البارع ١ : ٤١٠ ، والحدائق ١٠ : ١٠١.

٨٧

النبويّة الدالّة على تكلّمه في أثناء الخطبة (١).

وللمخالف بعض ما مرّ ـ مع جوابه ـ من تنزيلها منزلة الصلاة.

ز : لا بأس بالتكلّم ما بين الخطبة والصلاة ؛ للأصل ، وبعض ما تقدّم من الأخبار (٢).

المسألة الثانية عشرة : يستحبّ أن يكون الخطيب بليغا‌ جامعا بين الفصاحة ـ التي هي خلوص الكلام عن ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد ، وعن كونها غريبة وحشية ـ وبين القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من الزمان والمكان والحاضرين ، مع الاحتراز عن الإيجاز المخلّ ، والتطويل المملّ ؛ ليكون كلامه أوقع في القلوب ، وبه يحصل من الخطبة المطلوب.

مواظبا على الطاعات ، مجانبا عن المحرّمات ؛ ليكون وعظه أبلغ تأثيرا ، ولا يكون من الذين يقولون ما لا يفعلون.

متعمّما متردّيا شتاء وصيفا ؛ لرواية سماعة (٣) ، وصحيحة عمر بن يزيد (٤).

معتمدا حال الخطبة على سيف أو قوس أو عصا ؛ للأخيرة.

قائما على مرتفع من منبر ونحوه ؛ لفعل الحجج ، وبعض الأخبار (٥).

وأن يكون أذان المؤذّن بعد صعود المنبر ، أو جلوسه ؛ لرواية ابن ميمون (٦) ، ورواية الدعائم : « إذا صعد الإمام المنبر جلس ، فأذّن المؤذّنون بين يديه ، فإذا فرغوا من الأذان قام فخطب » (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٦ و ٥٩٧ ب ١٤ و ١٥.

(٢) في ص ٨٤ ، الهامش ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢١ الصلاة ب ٧٥ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤١ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٤ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٤ ، الوسائل ٧ : ٣٤١ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٤ ح ٢.

(٥) الوسائل ٧ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٤٤ ـ ٦٦٣ ، الوسائل ٧ : ٣٤٩ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٨ ح ٢.

(٧) الدعائم ١ : ١٨٣ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٣.

٨٨

وأمّا بعض الروايات الدالّة على تقديم الأذان فلا يفيد أزيد من الرخصة (١).

وأن يستقبل الناس بوجهه عند الخطبة ، ويستقبله الناس ؛ لمرسلة الفقيه : « كلّ واعظ قبلة ، وكل موعوظ قبلة للواعظ » يعني في الجمعة والعيدين وصلاة الاستسقاء في الخطبة يستقبلهم الإمام ، ويستقبلونه حتى يفرغ من خطبته » (٢).

وقريبة منها رواية السكوني (٣).

وأن يجلس أمام الخطبة ؛ لبعض ما مرّ ، مضافا إلى نفي الخلاف عنه في بعض العبائر (٤).

وأن يسلّم على الناس إذا استقبلهم ؛ لمرفوعة عمرو بن جميع (٥).

خلافا للخلاف (٦) ؛ لأصالة البراءة.

وهو كان حسنا لو لا المرفوعة المنجبرة بالشهرة ، مضافا إلى ثبوت المسامحة في المقام ، وعموم أدلّة استحباب التسليم الشامل للمسألة.

ولذا عن الفاضل في النهاية والتذكرة : استحبابه مرّتين ، مرة إذا دنا المنبر يسلّم على من عنده ، قال : لاستحباب التسليم لكلّ وارد ، واخرى إذا صعده ، فانتهى إلى الدرجة التي يلي القعود (٧).

الرابع من الشرائط : الجماعة‌ ، فلا تصحّ فرادى ، إجماعا من المسلمين ، وبه استفاضت النصوص ، وقد تقدّم شطر منها.

__________________

(١) انظر : الوسائل ٧ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٥ ـ ١٢٦١ ، ولا يوجد فيه : في الخطبة .. إلى آخر المرسلة ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٥٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢٤ الصلاة ب ٧٥ ح ٩ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٥٣ ح ١.

(٤) كما في الرياض ١ : ١٨٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٤٤ ـ ٦٦٢ ، الوسائل ٧ : ٣٤٩ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٨ ح ١.

(٦) الخلاف ١ : ٦٢٤.

(٧) نهاية الإحكام ٢ : ٤٠ ، التذكرة ١ : ١٥٢.

٨٩

وهل اشتراطها إنّما هو في الابتداء خاصة؟ كما عن جماعة (١) ، بل لعلّهم الأكثر.

أو تشترط استدامة أيضا؟ كما عن المنتهى والبيان (٢) ، ونسب إلى محتمل الشرائع والقواعد (٣).

مقتضى الاستصحاب المتقدّم في العدد : الأوّل ، وظاهر إطلاق بعض الأخبار : الثاني.

وها هنا مسائل :

المسألة الأولى : تتحقق الجماعة بنية اقتداء المأمومين بالإمام‌ ، فلو أخلّوا بها جميعا بطلت صلاتهم. ولو أخلّ بعضهم ، فإن كان من العدد بطلت صلاة الجميع أيضا مع علمهم بالإخلال ، وصلاة المخلّ خاصة إن لم يعلم الباقي ، وإن كان من الزائد بطلت صلاته خاصة مطلقا.

وهل تجب على الإمام نية الإمامة؟ قال الشهيدان : نعم (٤). وقيل : فيه نظر ، من حصول الإمامة إذا اقتدي به ، ومن وجوب نيّة كلّ واجب (٥).

أقول : ويمكن أن يكون مراد المشترط لنيّة الإمام كونه عالما باقتداء المأمومين به حتى يحصل العلم بالإمامة بالنسبة إليه أيضا. وعلى هذا ، فلا ريب في اشتراطها حتى تشرع صلاته ؛ إذ لا ينفكّ ذلك العلم عن النيّة ويستلزمها. فلو لم يعلمه لم تحصل المشروعيّة ، ولو علمه حصلت النيّة أيضا.

هذا ، مع أنّه لما لم تكن الجمعة منفكّة عن الجماعة لزم قصد القربة بالجماعة‌

__________________

(١) انظر : المسالك ١ : ٣٤ ، وكشف اللثام ١ : ٢٥٢ ، والحدائق ١٠ : ١١٤ ، والرياض ١ : ١٨٧.

(٢) المنتهى ١ : ٣٣٥ ، البيان : ١٩٠.

(٣) الشرائع ١ : ٩٩ ، القواعد ١ : ٣٧.

(٤) الشهيد الأوّل في الذكرى : ٢٣٤ ، والبيان : ١٩١ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٤ ، والروض : ٢٨٥.

(٥) كما في الرياض ١ : ١٨٧.

٩٠

أيضا ، وهو يتوقّف على قصد الجماعة ، فمراد المشترط لنيّة الإمام الائتمام به إن كان مجرّد قصده الإمامة ، كان ما قيل صحيحا ، ولكن مراده ما هو المصطلح من النية في العبادات من قصد القربة بها.

وعلى هذا ، فالتنظّر فيها فاسد البتّة ، بل يتعيّن القول باشتراطها.

المسألة الثانية : لو لم يدرك المأموم الخطبة وأوّل الصلاة‌ ، فإن أدرك الإمام قبل الدخول في الركوع الثاني صحّت جمعته ، ويجب عليه الائتمام بركعة وإتمام الأخرى ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في المدارك وغيره (١).

للمستفيضة من الصحاح ، وغيرها ، منها : صحيحتا البقباق : « من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة » (٢).

وصحيحة العزرمي : « إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة ، فأضف إليها ركعة أخرى ، واجهر بها ، وإن أدركته وهو يتشهّد ، فصلّ أربعا » (٣) وغير ذلك.

وأمّا صحيحة ابن سنان : « لا تكون الجمعة إلاّ لمن أدرك الخطبتين » (٤).

فلمخالفتها لفتوى الطائفة شاذّة ، ولموافقتها لعمل جمع من العامّة (٥) تحتمل التقية ، أو المراد منها نفي الكمال والفضيلة ، أو نفي الحقيقة حيث إنّ حقيقة الجمعة هي الركعتان مع الخطبتين النائبتين عن الأخيرتين ، فيكون المراد من أخبار‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٧ ، وانظر : التذكرة ١ : ١٨٢ ، والذكرى : ٢٣٤.

(٢) الاولى : التهذيب ٣ : ١٦١ ـ ٣٤٦ الوسائل ٧ : ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٦ ح ٦.

الثانية : الفقيه ١ : ٢٧٠ ـ ١٢٣٢ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٧ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ـ ١٦٢٣ ، الوسائل ٧ : ٣٤٥ ، ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٦ ح ٢ و ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٤ ـ ٦٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ـ ١٦٢٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٦ ح ٥.

(٤) التهذيب ٣ : ١٦٠ ـ ٣٤٥ و ٢٤٣ ـ ٦٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ـ ١٦٢٤ ، الوسائل ٧ : ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٦ ح ٧.

(٥) انظر : الاستذكار ٢ : ٢٩١ ، والمجموع ٤ : ٥٥٨.

٩١

الإدراك إدراك ما يجزئ الجمعة.

وكذا إن أدركه في الركوع الثاني ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه كافة من تأخّر ، كما في الذكرى وغيره (١) ، وفي السرائر نسبه الى باقي الفقهاء غير الشيخ ، مدّعيا تواتر الأخبار به (٢) ، وفي الخلاف الإجماع عليه (٣).

لأنّ الجمعة تدرك بإدراك الركعة ، وإدراكها يتحقّق بإدراك الركوع.

أمّا الأوّل‌ ، فلما تقدم من المعتبرة.

وأمّا الثاني‌ ، فللأخبار المستفيضة كصحيحة الحلبي : « إذا أدركت الإمام وقد ركع ، فكبّرت وركعت قبل أن يرفع رأسه ، فقد أدركت الركعة ، فإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة » (٤).

وصحيحة سليمان : « في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع ، فكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه ، فقد أدرك الركعة » (٥).

ومضمرة الشحّام : عن الرجل انتهى إلى الإمام وهو راكع ، قال : « إذا كبّر وأقام صلبه ، ثمَّ ركع ، فقد أدرك » (٦).

ورواية ابن شريح : « إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راكع ، أجزأته تكبيرة لدخوله في الصلاة والركوع » (٧).

__________________

(١) الذكرى : ٢٧٥ ، وانظر : الذخيرة : ٣١١ ، والرياض ١ : ١٨٣.

(٢) السرائر ١ : ٢٨٥.

(٣) الخلاف ١ : ٦٢٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٢ الصلاة ب ٦١ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٥٤ ـ ١١٤٩ ، التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٥٣ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ ـ ١٦٨٠ ، الوسائل ٨ : ٣٨٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٢ الصلاة ب ٦١ ح ٦ بتفاوت يسير ، التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٥٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥ ـ ١٦٧٩ ، الوسائل ٨ : ٣٨٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٤ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ٧ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٧) الفقيه ١ : ٢٦٥ ـ ١٢١٤ ، الوسائل ٨ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٦.

٩٢

وتدلّ عليه أيضا رواية الجعفي (١) ، ومرسلة الفقيه (٢) ، الواردتان في قدر انتظار الإمام في الركوع.

وصحيحة البصري (٣) ، الواردة فيمن ظنّ أنّه إن مشى إلى الإمام رفع رأسه من الركوع.

والمروي في الاحتجاج عن الحميري : عن مولانا الصاحب عليه‌السلام : « إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة ، اعتدّ بتلك الركعة » (٤).

خلافا للمحكي عن المقنعة والشيخ في النهاية والتهذيب والاستبصار والقاضي (٥) ، فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيرة الركوع.

لحسنة الحلبي : « إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة ، فقد أدركت الصلاة ، وإن أنت أدركته بعد ما ركع ، فهي الظهر أربعا » (٦).

وقريبة منها صحيحته (٧).

والصحاح الأربع لمحمّد : الاولى : « إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة ، فلا تدخل معهم في تلك الركعة » (٨).

والثانية : « لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام » (٩).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٨ ـ ١٦٧ ، الوسائل ٨ : ٣٩٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٠ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٥ ـ ١١٥١ ، الوسائل ٨ : ٣٩٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٥ الصلاة ب ٦٢ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٥٤ ـ ١١٤٨ ، التهذيب ٣ : ٤٤ ـ ١٥٥ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٢ ، الوسائل ٨ : ٣٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٣.

(٤) الاحتجاج : ٤٨٨ ، الوسائل ٨ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٥.

(٥) حكاه عن المقنعة في الذخيرة. ٣١٢ ولم نجده فيها ، النهاية : ١١٤ ، التهذيب ٣ : ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٠٣.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٧ الصلاة ب ٧٨ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦٢٢ ، الوسائل ٧ : ٣٤٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٦ ح ٣.

(٧) الفقيه ١ : ٢٧٠ ـ ١٢٣٣ ، الوسائل ٧ : ٣٤٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٦ ح ١.

(٨) التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٤ ـ ١٦٧٦ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ٢.

(٩) التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ ـ ١٦٧٧ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ٣.

٩٣

والثالثة : « إذا لم تدرك تكبيرة الركوع ، فلا تدخل معهم في تلك الركعة » (١).

والرابعة : « إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة » (٢).

ويضعّف هذه الأخبار ؛ مضافا إلى قصورها عن المقاومة لما مرّ ، لاعتضاده بالشهرة العظيمة ، ولاستفاضته وكثرته ، وانتفائهما فيها حيث إنّ الأصل في أكثرها محمّد ؛ بأنّ ما مرّ أخصّ مطلقا من هذه الأخبار ، فيجب تخصيصها به ، لاختصاصه بالراكع الغير الرافع رأسه ، وشمولها له ولغيره ممن رفع رأسه ، كما في حسنة الحلبي ، وصحيحته ، أولهما ولمن كبّر ، فلم يدخل في الركوع أيضا كما في البواقي ، فيجب التخصيص بغير الرافع رأسه.

مع أنّ لأعمية غير الأوليين ـ أي : الصحاح الأربع ـ وجها آخر أيضا ، وذلك لأنّ مدلولها عدم الدخول وعدم إدراك الصلاة وعدم الاعتداد ما لم يدرك التكبير. وظاهر أنّه لا يعارض ما دلّ على إدراك الركعة فقط ممّا مرّ ؛ لعدم المنافاة. وإنّما يعارض هذه منضما مع ما دلّ على إدراك الصلاة بإدراك الركعة ممّا مرّ ، وهو كان مخصوصا بصلاة الجمعة ، فيكون أخصّ مطلقا عن البواقي ، فتخصّ به ، ويعمل بمدلولها في غير صلاة الجمعة ، فإنّ مدلول الثلاثة الاولى ليس زائدا عن مرجوحية الدخول والاعتداد ، وهما وإن لم يمكن ارتكابهما في صلاة الجمعة لوجوب الدخول ـ ومنه يظهر فساد الجواب بحمل هذه الروايات على الكراهة مطلقا ـ إلاّ أنّهما يجريان في غيرها. ومدلول الأخيرة عدم إدراك الصلاة ، وهو أيضا مسلّم ؛ لأنّ الثابت ممّا مرّ ليس أزيد من إدراك ما يجزئ عن الجماعة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨١ الصلاة ب ٦١ ح ٢ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٥١ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ ـ ١٦٧٨ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ١.

٩٤

هذا كلّه مضافا إلى أنّ مع التعارض يجب العمل بما مرّ أيضا ؛ إذ من المرجّحات المنصوصة تقديم الأحدث ، ولا شكّ أنّ رواية الاحتجاج أحدث من الجميع.

فرعان :

أ : مقتضى ما مرّ إدراك الصلاة إذا أدرك الإمام في حدّ الراكع‌

ولو أخذ في الرفع ، كما هو أحد وجهي المسألة.

إلاّ أنّ رواية الاحتجاج تفيد بالمفهوم عدم الاعتداد لو لم يدرك تسبيحة واحدة. ولكن في إفادتها الوجوب نظر ، فيمكن أن يراد المرجوحية الإضافية وقلّة الكمال. ومراعاة مدلولها أحوط.

ب : لو شكّ في أنّه حين دخل الركوع رفع الإمام رأسه أم لا صحّت جمعته ؛ لاستصحاب ركوع الإمام ، وأصالة عدم رفع رأسه. ولا تعارضهما أصالة عدم إدراكه ؛ لزوالها بهما.

المسألة الثالثة : لو ركع المأموم في الركعة الاولى مع الإمام ، ومنعه الزحام عن السجود فيها‌ ، لا يجوز له أن يسجد على ظهر غيره ، أو رجله ، أو يومئ لها ، إجماعا ، بل ينتظر حتى يتمكّن من السجود ، فإن أمكنه السجود بعد قيام الصفوف سجد ، ولحق الإمام في الركوع الثاني وجوبا ، وما حصل له من الإخلال بالمتابعة في الركن مغتفر بالعذر ، كما سيأتي في محلّه.

وإن فرغ من السجدة الاولى وقد رفع الإمام رأسه من الركوع الثاني ، ففي لزوم الانفراد ، أو حذف ما فعل ومتابعة الإمام ، أو الجلوس حتى يفرغ الإمام من الصلاة ثمَّ الإتيان بالركعة الثانية ، أو التخيير بين الأوّل والثالث ، أقوال ، ولكلّ وجه ، ولعلّ الأخير أوجه.

وإن لم يمكنه السجود حتى يركع الإمام ثانيا لم يركع مع الإمام في الركعة الثانية ، بل يصبر إلى أن يسجد الإمام لها ، فإذا سجد سجد معه ونوى بهما للركعة‌

٩٥

الاولى ، ثمَّ أتمّ صلاته بركعة أخرى بعد تسليم الإمام ، وصحّت صلاته ، إجماعا محقّقا ، ومحكيا في المعتبر والمنتهى والتنقيح والذكرى والحدائق (١) ؛ له ، ولرواية حفص : في رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس ، فكبّر مع الإمام وركع ، ولم يقدر على السجود ، وقام الإمام والناس في الركعة الثانية ، وقام هذا معهم ، فركع الإمام ، ولم يقدر هو على الركوع في الركعة الثانية من الزحام ، وقدر على السجود كيف يصنع؟. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أمّا الركعة الأولى ، فهي إلى عند الركوع تامّة فلمّا لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن له ذلك ، فلمّا سجد في الثانية ، فإن كان نوى أنّ هذه السجدة للركعة الأولى ، فقد تمّت الاولى ، وإذا سلّم الإمام قام ، فصلّى ركعة يسجد فيها ، ثمَّ يتشهّد ويسلّم ، وإن كان لم ينو أن تكون تلك السجدة للركعة الأولى لم تجز عنه الاولى ولا الثانية ، وعليه أن يسجد سجدتين ، وينوي أنّهما للركعة الاولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها » (٢).

وضعفها ـ إن سلّم ـ لم يضرّ ؛ للانجبار في هذا الحكم بما مرّ.

ولو لم ينو بهما للأولى بطلت صلاته مطلقا سواء نوى بهما للثانية ، أو لم ينو شيئا منهما ، وفاقا لنهاية الشيخ والفاضل (٣) ، وجماعة (٤) فيهما ، وللحلّي والقاضي والفاضلين (٥) ، وغيرهما (٦) ، في الأوّل خاصّة بل قيل : إنّه المشهور بين‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٩٩ ، المنتهى ١ : ٣٣٣ ، التنقيح ١ : ٢٣٢ ، الذكرى : ٢٣٤ ، الحدائق ١٠ : ١١٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٩ الصلاة ب ٨٠ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٧٠ ـ ١٢٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٨ ، الوسائل ٧ : ٣٣٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٧ ح ٢.

(٣) النهاية : ١٠٧ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٨.

(٤) منهم صاحب الحدائق ١٠ : ١١٧ و ١١٨ ؛ ونقله في مفتاح الكرامة ٣ : ١٥٨ عن غاية المرام والموجز وكشف الالتباس.

(٥) الحلي في السرائر ١ : ٣٠٠ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٠٤ ، المحقق في الشرائع ١ : ٩٨ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٣٣٣.

(٦) كالشهيد الأوّل في الدروس ١ : ١٩١ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٠٦.

٩٦

المتأخرين (١).

لعدم إجزائهما للأولى ولا للثانية ، بصريح الرواية التي هي في نفسها معتبرة ، ومع ذلك بدعوى الشهيد اشتهارها مطلقا (٢) ، وغيره اشتهارها بين المتأخرين منجبرة. فلو لم يأت بسجدتين أخريين لزم خلوّ الركعتين عن السجدة رأسا ، وإن أتى بهما للأولى ، ثمَّ أتى بالركعة الثانية زاد في الصلاة ركنا ، وإن أتى للثانية نقص من الاولى السجدتين لما مرّ ، مضافا إلى أنّ الأعمال بالنيّات فيما إذا نوى بما أتى للثانية.

خلافا في الأوّل للمحكي عن مصباح السيد والمبسوط والخلاف (٣) ، بل عن الأخير الإجماع عليه ، فلا تبطل ، بل يحذف السجدتين ، ويسجد أخريين للأولى ، ويتمّ الصلاة ؛ للإجماع المنقول ، والرواية المنقولة.

والأوّل مردود : بعدم الحجية ، سيّما مع كثرة المخالفة.

والثاني : بعدم الدلالة ؛ لعدم تعيّن أن يكون قوله : « وعليه أن يسجد » معطوفا على جواب الشرط ، بل يمكن أن يكون كلاما مستأنفا مؤكّدا لما تقدم ، ويكون المعنى : أنّه إذا لم ينو للأولى لم تجزء عنها ولا عن الثانية ، بل كان الواجب عليه أن ينوي بهما للأولى ، وعليه بعد ذلك ركعة ثانية.

مضافا إلى معارضتها بما يفهم من المبسوط حيث قال : إنّ على البطلان رواية (٤) ، فإنّه في حكم رواية مرسلة.

وفي الثاني للحلّي والبيان والدروس وروض الجنان والروضة والمدارك وشرح القواعد والذخيرة (٥) ، فحكموا بالصحة ؛ لأنّ أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نيّة ، بل‌

__________________

(١) كما في الحدائق ١٠ : ١١٧.

(٢) الذكرى : ٢٣٥.

(٣) حكاه عن المصباح في المعتبر ٢ : ٢٩٩ ، المبسوط ١ : ١٤٥ ، الخلاف ١ : ٦٠٣.

(٤) المبسوط ١ : ١٤٥.

(٥) الحلّي في السرائر ١ : ٣٠٠ ، البيان ١٩٤ ، الدروس ١ : ١٩١ ، الروض : ٢٩٨ ، الروضة ١ : ٢٩٨ ، المدارك ٤ : ٨١ ، جامع المقاصد ٢ : ٤٣٠ ، الذخيرة : ٣١٦.

٩٧

هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية مخالفة ، فهما ينصرفان مع الإطلاق إلى ما في الذمّة.

ويضعّف : بأنّه اجتهاد في مقابلة النص ، مضافا إلى أنّ عدم افتقار الأبعاض إلى النية والانصراف إلى ما في الذمّة إنّما هو في مقام الإتيان بالفعل في محلّه على الترتيب الشرعي الذي وضعت عليه الصلاة ، لا فيما يحتمل وجهين ، كما في المسألة.

ولو زوحم عن ركوع الاولى وسجودها جميعا صبر حتى يتمكّن منهما ، ثمَّ يفعلهما ، ويلتحق بالإمام إن أمكن قبل رفع الإمام من ركوع الثانية ؛ لصحيحة عبد الرحمن (١) ولو زوحم عن ركوعها خاصّة صبر حتى يلحقه في ركوعه الثانية ، فيركع معه للأولى ، ويتم الصلاة ؛ وإن لم يمكن تداركهما قبل رفع الإمام يركع معه ، ويسجد في الثانية للأولى ، فإن نوى بهما أو بأحدهما للثانية أو أطلق ، فكما مرّ.

وإن لم يلحقه أيضا إلاّ بعد رفع الرأس من الثانية :

ففي إدراك الجمعة ، كجمع من الأصحاب منهم : الذكرى وشرح القواعد (٢) ، استنادا إلى عموم الصحيحة ، وصدق إدراك الركعة ، وإطلاقات وجوب الجمعة ، وعدم اشتراط استدامة الجماعة.

وعدمه ، كبعض آخر (٣) ؛ للتوقّف على درك ركوع في صدق إدراك الركعة.

قولان ، ولعلّ أوّلهما أظهرهما ؛ لبعض ما ذكر.

وكذا إن لم يدرك إلاّ بعد الرفع من السجدة الأخيرة ، فقد يقال بإدراك الجمعة ؛ لجميع ما ذكر.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٠ ـ ١٢٣٤ ، التهذيب ٣ : ١٦١ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ٧ : ٣٣٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٧ ح ١.

(٢) الذكرى : ٢٣٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٤٣٤.

(٣) انظر : المعتبر ٢ : ٣٠٠ ، والروضة ١ : ٣٠٦.

٩٨

وقد يقال بعدمه فيعدل إلى الظهر أو يستأنفها على اختلاف القولين.

ولعلّ الأخير أظهر ؛ لعدم انطباقه على الصحيحة ، لعدم إمكان القيام في الصفّ هنا لانتفاء حالة قيامهم. ولا على روايات درك الركعة ؛ لكونها حقيقة في الركوع ، وعدم معلوميّة عدم اشتراط الاستدامة في الجماعة.

المسألة الرابعة : ذكر بعضهم شرائط لإمام الجمعة (١) ‌، وتحقيق المقال :

أنّا إن قلنا باشتراط الإمام أو نائبه الخاصّ وأنّه لا تجوز الجمعة مع غيره ، فالتعرّض لذكر هذه الشرائط ساقط إلاّ لذكر شرائط النائب ، وهو أيضا ممّا لا فائدة فيه.

وأمّا على سائر الأقوال حتّى على جوازها احتياطا فالتعرّض له لازم ، ولكن لا يشترط فيه أمر زائد على ما يشترط في إمام الجماعة إجماعا ، سوى الفقاهة عند من يقول باشتراطها في الوجوب التخييريّ (٢) ، وسوى السلامة عن البرص والجذام عند الحلّي ، فاشترطها في الجمعة دون مطلق الجماعة (٣).

أمّا الفقاهة فاشتراطها عند من يقول به ظاهر ، والمراد منها معلوم.

وأمّا السلامة عن المرضين ، فلا دليل على اختصاص اشتراطها بالجمعة أصلا ، فهي بالنسبة إليها كمطلق الجماعة ، ويأتي تحقيقه وبيان شرائط إمام الجماعة في بحث الجماعة إنشاء الله.

الخامس من الشروط : الوحدة في مسافة فرسخ‌ ، أي لا يكون في هذه المسافة أكثر من جمعة ولا بين الجمعتين أقلّ من هذه المسافة ، إجماعا منّا محقّقا ، ومحكيا مستفيضا فتوى (٤) ـ إلاّ عن ابن فهد في الجمعة المندوبة حال الغيبة ، فأجاز‌

__________________

(١) كما في الشرائع ١ : ٩٧ ، والحدائق ١٠ : ٢ ، والذخيرة : ٣٠٢.

(٢) راجع ص ٥٧.

(٣) السرائر ١ : ٢٨٠.

(٤) كما في الخلاف ١ : ٦٢٨ ، والتذكرة ١ : ١٤٩ ، والحدائق ١٠ : ١٢٨ ، والرياض ١ : ١٨٧.

٩٩

في موجزه التقارب فيها (١) ـ ونصّا :

ففي صحيحة محمّد : « يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال » يعني لا تكون جمعة إلاّ فيما بينه وبين ثلاثة أميال ، وليس تكون جمعة إلاّ بخطبة ، قال : « فإذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء ويجمّع هؤلاء » (٢).

وموثّقته : « إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء ويجمّع هؤلاء ، ولا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال » (٣).

دلّتا بالمفهوم على ثبوت البأس ـ الذي هو العذاب ـ بتجميع الطائفتين إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال ، مضافا إلى نفيهما أقلّ هذه المسافة بين الجماعتين بأن يبقى النفي على ظاهره وحملت الجمعة أو الجماعة على الصحيحة ، أو يحمل على النهي تجوّزا.

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : هل الوحدة شرط تبطل بانتفائها الجمعة ، أو واجب خارج؟.

مقتضى إثبات البأس لتجميع الطائفتين تعلّق النهي المفسد للعبادة بهما فتكون شرطا ؛ وكذا مقتضى نفي الجمعة والجماعة فيما لم يكن كذلك إذا حملت الجملتان على الخبريّة ، وإن أمكن الحمل على نفي الكاملة أيضا باعتبار مقارنتها للمنهيّ عنه الخارجيّ وهو الإيقاع في المكان المقارب ، ولكن في كونه خارجيّا أيضا نظر بل المنهيّ عنه هو الفرد المخصوص كالصلاة في المكان المغصوب ، فالقول بعدم شرطيّة الوحدة وإن كانت واجبة ساقط جدّا.

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٢٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ الصلاة ب ٧٣ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٣ ـ ٧٩ ، الوسائل ٧ : ٣١٤ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٧ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٧٤ ـ ١٢٥٧ بتفاوت يسير ، التهذيب ٣ : ٢٣ ـ ٨٠ ، الوسائل ٧ : ٣١٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٧ ح ٢.

١٠٠