مستند الشّيعة - ج ٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-81-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٩١

وأمّا انتفاء العيني في الخمسة ، فلمفهوم الشرط في قوله في صحيحة عمر بن يزيد : « إذا كانوا سبعة يوم الجمعة ، فليصلّوا في جماعة » (١).

بل منطوق صحيحة محمّد : « تجب الجمعة على سبعة نفر ، ولا تجب على أقلّ منهم » (٢) الحديث.

ولا يضرّ اشتماله على اشتراط أشخاص يخالف اشتراطهم الإجماع ، أو الشهرة ؛ لأنّه محتمل التمثيل ، مع أنّ خروج جزء من الحديث عن الحجية لا يخرج الباقي عنها.

المؤيّدين بصحيحة متقدمة لزرارة : على من تجب الجمعة؟ قال : « على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين ، أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا ، أمّهم بعضهم وخطبهم » (٣).

فإنّ في إثباتها الوجوب ـ الظاهر بل الحقيقة في العيني ـ للسبعة أولا ، ونفيها حقيقة الجمعة ـ الشاملة للعيني والتخييري ـ ثانيا عن [ الأقل من ] (٤) الخمسة ، إشعارا بعدم وجوب العيني على الخمسة.

واحتمال كون قوله : « ولا جمعة .. » من كلام الصدوق بعيد غاية البعد. نعم هو محتمل في قوله : « فإذا اجتمع .. » كما مرّ ، ولذا جعلناه أيضا داخلا في التأييد مع حجيّة مفهومه.

مع أنّ جعل الأول أيضا من قول الصدوق لا يسقط التأييد بالرواية ؛ إذ الجواب بالسبعة بعد السؤال عمن تجب عليه الجمعة ـ الظاهر في السؤال عن أقلّ الواجب لعدم حاجة ما سواه إلى السؤال ـ كاف في التأييد ، بل يصلح للاستدلال‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٧ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ١٠.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٨ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢١٨ ، الوسائل ٧ : ٣٠٤ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ٤.

(٤) أضفناه لاقتضاء المعنى.

٦١

أيضا.

ويؤيده أيضا الترديد في موثقة أبي العباس : « أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه » (١).

ومتعلق الإجزاء هي كون الجمعة مأمورا بها ، أي : أدنى ما يجزئ في الأمر السبعة أو الخمسة ، بأن يكون أحدهما إجزاء في أحد قسمي الأمر ، والآخر في الآخر ، ولا يستلزم تفكيكا. ويكون أدناه أمّا : خبرا لمبتدأ محذوف ، أي هي ، أي : الخمسة أدناه ، أو صفة للخمسة ، فتكون الخمسة أدنى الأدنى ، وبذلك يسلم الخبر عن الخدش دون ما إذا جعلنا المتعلق أحد الوجوبين أو الصحة.

وتؤيده أيضا صحيحة الحلبي : « في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمّعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة » (٢).

ومما ذكر ظهر دليل ثبوت التخييري في الخمسة أيضا.

خلافا للمحكي عن القديمين (٣) ، والمفيد والسيد والحلي والفاضلين والمحقق الثاني (٤) ، بل الأكثر ، كما صرّح به جمع ممن تأخر (٥) ، فأوجبوا على الخمسة عينا.

لإطلاق أوامر الجمعة بالنسبة إلى كلّ عدد ، خرجت [ ما دون ] (٦) الخمسة بالاتفاق ، فينفى الزائد بالأصل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٩ الصلاة ب ٧٣ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦٠٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٣٣١ ـ ١٤٨٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ٣.

(٣) ابن جنيد والعماني ، حكاه عنهما في المختلف : ١٠٣.

(٤) المفيد في المقنعة : ١٦٤ ، السيد في الانتصار : ٥٣ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٩٠ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٢٨٢ ، والشرائع ١ : ٩٤ ، العلاّمة في نهاية الإحكام ٢ : ١٩ ، والمنتهى ١ : ٣١٧ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٨٣.

(٥) انظر : المدارك ٤ : ٢٧ ، والذخيرة : ٢٩٨.

(٦) أضفناه لاقتضاء المعنى.

٦٢

ولتعلّق الأمر في الآية بالسعي بالجميع ، وأقله ثلاثة ، والمنادي والإمام خارجان عنهم ، فأقله الخمسة.

وللمستفيضة من الأخبار ، كصحيحة منصور ، وصحيحة زرارة المشتملة على خمسة رهط : الإمام وأربعة ، وموثّقة البقباق ، المتقدمة كلها (١).

وموثقة ابن أبي يعفور : « لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة » (٢).

والمروي في رجال الكشي بسنده المتصل عن النبي : « إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا » (٣).

وضعف الكل ظاهر ؛ لاندفاع الأصل بما مر ، ولخلوّ الجميع عن الدالّ على الوجوب جدا ، غايتها الرجحان كما هو الثابت من الجملة الخبرية ، مع أنّ دلالة الثانية ليست إلاّ بمفهوم ضعيف غايته ، والأخيرتين لا تدلاّن إلاّ على أنّ مع الخمسة تكون الجمعة ، أولهم التجميع ، وأين هما من احتمال الوجوب؟!.

ثمَّ لو دلّ بعضها على الوجوب العيني بالخمسة لتعارض مع ما ذكرنا ، وكان المرجع أيضا التخيير ؛ لأنّه المرجع عند التعارض مهما أمكن ، سيّما مع وجود الشاهد له وهو صحيحة زرارة المذكورة (٤).

ثمَّ إن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة ، بلا خلاف ظاهر بيننا ، كما صرّح به غير واحد منّا (٥) ، بل عن الشيخ جعله قضية المذهب (٦).

فلو نقص العدد بعد الدخول في الصلاة ولو بالتكبيرة لم يسقط الوجوب ، بل يتمّها الباقي إماما كان أو مأموما أو كليهما ؛ لاستصحاب الصحة الخالي عن‌

__________________

(١) راجع ص ٢٢ و ٢٣ و ٣٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ـ ٦٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦١١ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ٨.

(٣) رجال الكشي ١ : ٣٨٩ ـ ٢٧٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ١١.

(٤) في ص ٦١‌

(٥) انظر : المدارك ٤ : ٢٩ ، والحدائق ١٠ : ٧٧ ، والرياض ١ : ١٨٥.

(٦) الخلاف ١ : ٦٠٠.

٦٣

مكاوحة ما دلّ على اشتراط الوجوب بالعدد (١) ، لظهوره ـ بحكم التبادر ، وندرة النقص بعد الاجتماع والدخول في الصلاة جدا ، بل كأنه لم يتحقق إلى الآن ـ في الابتداء ، بل بل مدلول بعضه عدم تعلق الوجوب بدون العدد الظاهر أو الصريح في عدم مسبوقيته بالوجوب ، وهو غير السقوط.

وتدلّ على عدم السقوط لو نقص العدد بعد تمام الركعة : رواية جابر في صلاة الجمعة : « ومن أدرك ركعة فليضف إليها أخرى » (٢).

وصحيحة البقباق : « من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة » (٣).

ولا يدلّ مفهوما هما على السقوط لو انفضّوا قبل الركعة ، كما عن محتمل نهاية الإحكام والتذكرة (٤) ؛ لعدم ثبوت كون الباقي بعد الانفضاض غير مدرك الركعة إلاّ بعد ثبوت اشتراط بقاء العدد في الإدراك.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكرنا من الاستصحاب وإن كان عدم الاشتراط ولو نقص عددهم بعد الشروع في الخطبة قبل الصلاة ، إلاّ أنّه خارج بالإجماع.

الشرط الثالث : الخطبتان ، بإجماعنا المحقق ، بل إجماع أكثر أهل العلم ، على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة (٥) ؛ له ، وللمروي في المعتبر عن جامع البزنطي : « لا جمعة إلاّ بخطبة ، وإنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين » (٦) وضعفه منجبر بالعمل.

المؤيّدين بأخبار أخر متقدمة ، كصحيحة محمّد ، وموثقتي البقباق‌

__________________

(١) وقد يستدل لذلك باستصحاب الوجوب ، وفيه نظر ، لمعارضته باستصحاب عدمه. منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٠ ـ ٣٤٤ ، الوسائل ٧ : ٣٤٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٦ ح ٨.

(٣) التهذيب ٣ : ١٦١ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٧ : ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٦ ح ٦.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ٢٢ ، التذكرة ١ : ١٤٧.

(٥) انظر : المنتهى ١ : ٣١٨ ، والتذكرة ١ : ١٥٠ ، والمدارك ٤ : ٣٠ ، والحدائق ١٠ : ٨١ ، والرياض ١ : ١٨٥.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٨٣.

٦٤

وسماعة (١) ، الدالّة بالمفهوم على أنّه إذا لم يكن لهم من يخطب لا يجمّعون.

وجعلها مؤيّدة لما مرّ من الإجمال فيمن يخطب ، واحتمال إرادة الوجوب من الجملة ، فيكون مفهومها نفي الوجوب دون الصحة.

وبأخبار أخر تأتي في عدد الخطبة وكيفيتها وآدابها.

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : يجب الإتيان بخطبتين إجماعا ؛ له ، ولصحيحة عمر بن يزيد : « وليقعد قعدة بين الخطبتين » (٢).

فإنّ إيجاب القعود بين الخطبتين يستلزم إيجابهما من باب المقدمة.

المؤيّدين بما تقدم من رواية المعتبر ، وما بمعناها من الروايات السابقة ، كصحيحة زرارة ، ورواية العلل (٣) ، وبصحيحة معاوية بن وهب : « الخطبة وهو قائم خطبتان ، يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون الفصل بين الخطبتين » (٤) والأخبار الواردة في كيفية الخطبة (٥).

المسألة الثانية : يجب في كل منهما الحمد لله سبحانه ، والصلاة على النبي وآله ، وشي‌ء من الوعظ ، بزيادة قراءة سورة في الأولى خاصة ، دون الثانية.

وفاقا للأكثر في الثلاثة الاولى ، بل عن الخلاف ظاهر الإجماع عليها (٦).

لا لورودها في الأخبار ؛ لعدم دلالة شي‌ء منها في شي‌ء من الثلاثة على الوجوب ، مضافا إلى اشتمال أكثرها على ما ليس بواجب قطعا.

بل لأصل الاشتغال ، فإنّ المراد بالخطبة في الأخبار ليس معناها اللغوي‌

__________________

(١) راجع ص ٢١ و ٢٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٢٩ ، الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجمعة ب ١٦ ح ٢.

(٣) راجع ص ٢٢ و ٢٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٤ ، الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجمعة ب ١٦ ح ١.

(٥) انظر : الوسائل ٧ : ٣٤٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥.

(٦) الخلاف ١ : ٦١٦.

٦٥

قطعا ، بل الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية فيها كالمتشرعة الظاهر اتحادهما ؛ لأصالة عدم النقل وعدم معلومية صدقها في شي‌ء من العرفين على أقلّ من ذلك ، وصدقها على المتضمن للثلاثة قطعا.

والحاصل : أنّا نعلم وجوب اشتمالها على الحمد وشي‌ء آخر من الصلاة أو الوعظ أو كليهما أو أحدهما لا على التعيين ، فليس بين الزائد المعلوم قدر مشترك يقيني الوجوب فيعمل فيه بأصل الاشتغال.

ولجماعة منهم : المبسوط والجمل والعقود ، والمراسم والوسيلة والسرائر والشرائع والنافع (١) ، وغيرهم ، في الرابع ؛ لقوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد في الخطبة الأولى بعد ذكر الثلاثة : « ثمَّ اقرأ سورة من القرآن » (٢) وللمعتبر والنافع (٣) ، وجماعة أخرى (٤) ، في الخامس ؛ للأصل الخالي عن معارضة ما مرّ ، لاختصاص الأمر بالأولى ، وعدم توقف صدق الخطبة على القراءة قطعا.

خلافا لمن زاد في الأولى الثناء والشهادة بالرسالة أيضا ، كالسيد (٥) ، وفي الثانية الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، والصلاة على أئمّة المسلمين ، كالنافع وحكي عن السيد أيضا (٦) ؛ لورود الجميع في بعض الأخبار الخالي عن الدالّ على الوجوب جدّا (٧) ، مضافا إلى جواز اتحاد الثناء مع الحمد ، كما عن ظاهر الخلاف (٨).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٧ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩٠ ، المراسم : ٧٧ ، الوسيلة : ١٠٣ ، السرائر ١ : ٢٩٢ ، الشرائع ١ : ٩٥ ، المختصر النافع : ٣٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٢ الصلاة ب ٧٥ ح ٦ ، الوسائل ٧ : ٣٤٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٨٤ ، المختصر النافع : ٣٥.

(٤) منهم صاحب المدارك ٤ : ٣٤ ، والذخيرة : ٣٠٠ ، والحدائق ١٠ : ٩٣.

(٥) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٦) المختصر النافع : ٣٥ ، وحكاه عن السيد في المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٧) انظر : الوسائل ٧ : ٣٤٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥.

(٨) الخلاف ١ : ٦١٦.

٦٦

وفيهما القراءة أيضا ، كالمحكي عن الأكثر (١) ؛ لدعوى الإجماع في الخلاف (٢) المردود بعدم الحجية ، مضافا إلى أنّها على مطلق القراءة الشامل للآية أيضا ، فلا ينطبق على المدّعى ، إلاّ مع ما قيل من عدم الفرق بين الخطبتين (٣) الممنوع ثبوته جدا.

ولمن نقص الثانية عن الاولى كالنافع والحلّي والسيد (٤) ، أو الثالثة عنهما كما عن الأخير (٥) ، وعن الثانية خاصة كما عن الثالثة أيضا (٦) ، أو الرابعة عنهما كما عن الحلبي (٧)

ولمن اكتفى عن الرابعة بآية تامّة الفائدة ، كما عن الخلاف وجماعة (٨).

كل ذلك للأصل المندفع بما ذكرنا.

ولمن أوجب الرابعة بين الخطبتين فقط ، كما عن الاقتصاد والمهذب والإصباح والجامع (٩) ؛ للصحيح : « يخرج الإمام بعد الأذان ، فيصعد المنبر ، فيخطب ، ولا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر ، ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد ، ثمَّ يقوم فيفتتح خطبته » (١٠).

وهو غير دالّ على مطلوبهم.

__________________

(١) حكاه عنهم في الرياض ١ : ١٨٦.

(٢) الخلاف ١ : ٦١٧.

(٣) انظر : الرياض ١ : ١٨٦.

(٤) المختصر النافع : ٣٥ ، السرائر ١ : ٢٩٥ ، حكاه عن السيد في المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٥) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٦) حكاه عنه في نهاية الإحكام ٢ : ٣٤.

(٧) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٨) الخلاف ١ : ٦١٦ ، انظر : جامع المقاصد ٢ : ٣٩٥ والذخيرة : ٣٠٠.

(٩) المهذب ١ : ١٠٣ ، الجامع للشرائع : ٩٤.

(١٠) الكافي ٣ : ٤٢٤ الصلاة ب ٧٥ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٧ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ٣.

٦٧

فروع :

أ : يجب أن يكون الحمد بلفظه ، بلا خلاف ظاهر ، بل عن التذكرة الإجماع عليه (١) ؛ لظاهر الإجماع.

وهل يتعيّن الحمد لله ، كما هو صريح جماعة (٢) ، أو يجزي مثل الحمد للرحمن ، أو لرب العالمين ، كما عن نهاية الإحكام (٣)؟.

الثاني أقوى ؛ للأصل. والأول أحوط كما في الصلاة أيضا ، فإنّ الأحوط الإتيان بلفظها.

ب : هل يتعين في الوعظ نوع خاص‌ من الأمر بالتقوى أو الإطاعة أو التحذير ونحوها؟ الحق لا ؛ للأصل.

ج : الأولى زيادة الشهادتين في الاولى ، والصلاة على أئمّة المسلمين ، والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ؛ لورودها في بعض الأخبار (٤).

د : قالوا : يجب الترتيب فيحمد أولا ، ثمَّ يصلّي ، ثمَّ يعظ ، ثمَّ يقرأ ؛ لظاهر الإجماع ، والموثقة (٥).

وفي ثبوت الأول كلام ، كما في دلالة الثانية ؛ للأمر فيها بالتأخير بعد ما لا يجب قطعا ، وباعتبار عدم تعيّن الصلاة الواجبة من بين الصلاتين المذكورتين فيها.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٥٠.

(٢) كالشهيدين في الذكرى : ٢٣٦ ، والمسالك ١ : ٣٤ ، وصاحبي الحدائق ١٠ : ٩٤ ، والرياض ١ : ١٨٥.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٣٣.

(٤) كما في الوسائل ٧ : ٣٤٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢١ الصلاة ب ٧٥ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ٢.

٦٨

هـ : الظاهر عدم وجوب العربية في الخطبتين‌ كما عن المسالك (١) ؛ للأصل. ويؤيده انتفاء الفائدة التي هي علة التشريع لو لم يفهمها العدد. ولو ضمّ خطبة ـ يفهمها السامعون بأيّ لغة كانت ـ مع العربية ، كان أولى وأحوط.

المسألة الثالثة : يجب تقديم الخطبتين على الصلاة‌ ، وفاقا للمعظم ، بل في المدارك : إنّه المعروف من مذهب الأصحاب (٢) ، وفي المنتهى : لا نعرف فيه مخالفا (٣) ، وفي الوافي : وهذا ممّا لا يختلف فيها أحد فيما أظنّ (٤).

لظاهر الإجماع ، وللمروي في العلل : فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة ، وجعلت في العيدين بعد الصلاة؟ قيل : « لأنّ الجمعة أمر دائم .. » (٥).

والمستفيضة المصرّحة بأنّ خطبة النبيّ قبل الصلاة (٦) ، والمشتملة على أنّ الإمام يخطب قبل الصلاة (٧).

فإنّ في دلالتها على الوجوب وإن كان نظر ، إلاّ أنّه يتمّ باستلزام رجحان التقديم لوجوبه بالإجماع المركّب.

خلافا لظاهر الصدوق ، في العيون والعلل والهداية والفقيه ، فذهب إلى تأخّرهما عن الصلاة يوم الجمعة (٨) ؛ لكونهما بدل الركعتين.

ولمرسلته : « أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان .. » (٩).

والأوّل اجتهاد في مقابلة النصّ.

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٤.

(٢) المدارك ٤ : ٣٧.

(٣) المنتهى ١ : ٣٢٧.

(٤) الوافي ٩ : ١٣١٧.

(٥) العلل : ٢٦٥ ، الوسائل ٧ : ٣٣٣ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٥ ح ٤.

(٦) انظر : الوسائل ٧ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١٥.

(٧) انظر : الوسائل ٥ : أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ و ٢٥.

(٨) عيون أخبار الرضا «ع» ٢ : ١١٠ ، العلل : ٢٦٥ ، الهداية : ٣٤ ، الفقيه ١ : ٢٧٨.

(٩) الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٣ ، الوسائل ٧ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٥ ح ٣.

٦٩

والثاني ضعيف بالشذوذ ، والمعارضة مع أقوى منه وأكثر.

وهل تجب إعادة الصلاة لو عكس؟.

الظاهر : نعم ؛ لوجوب الإتيان بالصلاة بعد الخطبة.

ولو لم يعد عمدا أو لعذر ، فهل يبطل ما فعل وتجب الظهر ، أم لا؟.

الظاهر : الأوّل ؛ لأنّ وجوب الإعادة ولو في الجملة يدلّ على عدم كون ما أتى به موافقا للمأمور به ، ولأنّ الأمر بالخطبة قبل الصلاة نهي عن ضدّه الذي هو الصلاة قبل الخطبة ، والنهي يوجب الفساد.

المسألة الرابعة : يجوز إيقاع الخطبتين بعد تحقّق الزوال ، وقبله على الأظهر ، وفاقا في الأوّل للأكثر ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة (١) ، وفي الثاني ، للخلاف والمبسوط (٢) ، والقاضي والمحقق (٣) ، وعن الشهيدين الميل إليه (٤) ، واختاره جمع من المتأخرين منهم : صاحب الذخيرة والفاضل الهندي (٥) ، ونسبه في النافع إلى أشهر الروايتين (٦) ، بل عن الخلاف : الإجماع عليه (٧).

للأصل فيهما.

وظاهر الإجماع في الأوّل.

والروايات الدالّة على توقيت الصلاة بأوّل الزوال المستلزم لجواز تقديم الخطبتين عليه (٨) ، وصحيحة ابن سنان : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظلّ الأوّل فيقول جبرئيل :

__________________

(١) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، والرياض ١ : ١٨٧.

(٢) الخلاف ١ : ٦٢٠ ، المبسوط ١ : ١٥١.

(٣) القاضي في المهذّب ١ : ١٠٣ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٢٨٧ ، والشرائع ١ : ٩٥.

(٤) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٣٦ ، والبيان : ١٨٩ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٤.

(٥) الذخيرة : ٣١١ ، كشف اللثام ١ : ٢٤٩.

(٦) المختصر النافع : ٣٥.

(٧) الخلاف ١ : ٦٢١.

(٨) الوسائل ٧ : ٣١٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٨.

٧٠

يا محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قد زالت الشمس ، فانزل فصلّ » (١) في الثاني.

وتأويل الصلاة في الروايات بها وما في حكمها ـ أعني الخطبة ـ لكونها بدلا من الركعتين ، خلاف الأصل والظاهر.

كتأويل الخطبة في الصحيحة بالتأهّب لها كما عن التذكرة (٢).

أو تأويل الظلّ الأوّل بأوّل الفي‌ء كما عن المنتهى (٣) ، أو بما قبل المثل من الفي‌ء ، والزوال بالزوال عن المثل كما عن المختلف (٤).

أو حملها على أنّه إذا أراد تطويل الخطبة كان يشرع فيها قبل الزوال ، ولم ينوها خطبة الصلاة ، حتى إذا زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة ، ثمَّ ينزل فيصلّي.

ولا ينافي المطلوب تصريح الصحيحة بأنّ الصلاة كانت حين تزول الشمس قدر شراك ، فلا تكون أوّل الزوال بل بعده ؛ لأنّ قدر الشراك كناية عن غاية القلّة. وحمله على طوله أو موضع القدم منه خلاف الظاهر جدّا. مع أنّ النزول عن المنبر بعد الخطبتين وتسوية الصفوف يستدعي هذا القدر من الوقت أيضا ، فلا تكون الخطبة إلاّ قبل الزوال ، بل لا يحصل العلم بالزوال قبله. مع أنّ ما بعد هذا اللفظ من قوله : « في الظلّ الأوّل » وقول جبرئيل : « قد زالت الشمس فانزل » صريح في وقوعها قبله.

والقول (٥) : بأنّ الأوّلية أمر إضافي يختلف باختلاف المضاف إليه.

وأنّه لا بدّ من تقدير شي‌ء مع الظلّ الأوّل ، وليس تقدير ابتدائه مثلا أولى من تقدير انقضائه.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٢ ـ ٤٢ ، الوسائل ٧ : ٣١٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٤.

(٢) التذكرة ١ : ١٥١.

(٣) المنتهى ١ : ٣٢٥.

(٤) المختلف ١٠٤.

(٥) انظر : جامع المقاصد ٢ : ٣٩٣.

٧١

وأنّ معنى قول جبرئيل : « أنّه قد زالت » : قدر شراك ، بقرينة ما قبله.

ساقط جدّا :

أمّا الأوّل‌ ، فلأنّ الظلّ مستعمل مقابل الفي‌ء ، والأوّل قبل الزوال ، والثاني بعده ، وقد يوصف بالأوّل لتأكيد بيان قبليّة الزوال ـ كما في طائر يطير بجناحيه ـ حيث قد يطلق الظلّ على ما بعد الزوال أيضا.

وأمّا الثاني‌ ، فلمنع الاحتياج إلى التقدير ، فإنّ المراد إيقاع الخطبتين قبل الزوال ، وأمّا كونه آخر الظل الأوّل أو قبله فلا ، بل يحصل المراد بمجرد ظرفيته لهما ، والظرف لا تجب مساواته للمظروف.

وأمّا الثالث‌ ، فلمنع كون المعنى ذلك ، بل المراد أنّه قد حصل الزوال.

وإنّما كان يصلي قدر الشراك ، لما مرّ من إخبار جبرئيل ، والنزول والتقدّم وتسوية الصفوف.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة في الأوّل ، فأوجب تقديمهما على الزوال (١) ؛ ولعلّه لما مرّ من الأخبار الدالّة على وجوب الصلاة بمجرد الزوال وتضيّق وقتها.

وهو كان حسنا لو لا الإجماع على جواز الإيقاع بعد الزوال ، كما هو المحقّق ظاهرا ـ لعدم قدح مخالفة واحد فيه ـ والمصرّح به في كلام جماعة. مضافا إلى أنّ الأمر بفعل في وقت وإرادته مع مقدماته شائعة ، خصوصا مثل الخطبة التي هي كجزء من الصلاة.

وللسيّد والعماني والحلبي والحلّي والفاضل (٢) ، وجمع آخر (٣) ، ونسبه في الذكرى إلى معظم الأصحاب (٤) ، وعن روض الجنان والتذكرة شهرته (٥) ، في‌

__________________

(١) الوسيلة : ١٠٤.

(٢) حكاه عن مصباح السيّد في السرائر ١ : ٢٩٦ ، وعن العماني في المختلف : ١٠٤ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥١ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٩٦ ، الفاضل في نهاية الإحكام ٢ : ٣٥ ، والمختلف : ١٠٤ ، والتذكرة ١ : ١٥١.

(٣) كصاحبي الحدائق ١٠ : ١١ ، والرياض ١ : ١٨٧.

(٤) الذكرى : ٢٣٦.

(٥) روض الجنان : ٢٩٣ ، التذكرة ١ : ١٥١.

٧٢

الثاني ، فأوجبوا إيقاعهما بعد الزوال.

لأصل الاشتغال.

وما دلّ على أنّ الخطبة بعد الأذان من الآية (١) والرواية (٢).

وعلى أنّ الخطبتين عوض من الركعتين (٣) ، فإنّ البدل وقته وقت المبدل منه.

ورواية ابن ميمون : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذّنون » (٤).

واستحباب التنفّل بركعتين عند الزوال ، فلو وقعت الخطبة قبله لزم تخلّل النافلة بينها وبين الصلاة.

ويضعّف الأوّل : باندفاعه بالإطلاقات وبما مرّ.

والثاني : بعدم دلالته على التعيّن والوجوب ، بل غايته الرجحان. مضافا إلى ابتنائه في الآية والروايات على وجوب كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال ، وعدم جواز الأذان للخطبة قبله ، وهو ـ كما قيل (٥) ـ ممنوع. وفي الآية على إرادة الأذان للصلاة من النداء ، والخطبة من الذكر ، وهما ممنوعان.

والثالث : بمنع البدليّة أوّلا ، ووجوب الاتّحاد في الوقت ثانيا سيّما إذا علم تغاير الوقتين في الجملة ، فإنّهما لو كانا بدلا لكانا عن الركعتين الأخيرتين ، فلا يكون وقتهما أوّل الزوال قطعا ؛ لوجوب تأخيرهما عن الأوليين ، مع أنّه يجوز.

والرابع : باحتمال أن يكون القعود بعد الخطبة ، مضافا إلى عدم دلالته على الوجوب.

__________________

(١) الجمعة : ٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٤ الصلاة ب ٧٥ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٧ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ٣.

(٣) انظر : الوسائل ٧ : ٣١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٤ ـ ٦٦٣ ، الوسائل ٧ : ٣٤٩ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٨ ح ٢.

(٥) انظر : الذخيرة ٣١٢.

٧٣

والخامس : بجواز اختصاص التنفّل بمن لم يقدّم الخطبة.

المسألة الخامسة : يجب القيام في الخطبتين بلا خلاف ، كما صرّح به جماعة (١) ، بل هو مذهب الأصحاب ، كما في المدارك (٢) ، بل إجماعي ، كما عن التذكرة وروض الجنان وشرح القواعد (٣) ؛ لظاهر الإجماع المؤيّد بجملة من الأخبار ، كصحيحتي معاوية بن وهب (٤) ، وعمر بن يزيد (٥) ، والمروي في تفسير القمي : عن الجمعة كيف يخطب الإمام؟ قال : « يخطب قائما إنّ الله تعالى يقول : ( وَتَرَكُوكَ قائِماً ). » (٦).

وقد يستدلّ له بهذه الأخبار. وفي دلالتها على الوجوب نظر.

كما قد يستدل أيضا بما ورد أنّهما صلاة حتى ينزل [ الإمام ] (٧) فإنّ دلالته إنّما يتمّ على ثبوت عموم المنزلة ، أو التشبيه ، وهو ممنوع ، مع أنّ جميع أجزاء الصلاة لا يجب فيه القيام.

ثمَّ لو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته ، وصلاة من علم بذلك من المأمومين ؛ ويعلم وجهه ممّا سبق ، فيما إذا أخّرهما عن الصلاة.

وأمّا من لم يعلمه فصلاته صحيحة ، وإن رآه جالسا ، وإن انكشف له عدم العذر ؛ لإتيانه بما كان مأمورا به له على وجهه حينئذ ، ولأنّ المستند التامّ ينحصر في الإجماع المنتفي هنا.

ومنه يعلم أنّه يجوز الجلوس مع عدم إمكان القيام ؛ للأصل ، واختصاص‌

__________________

(١) انظر : مجمع الفائدة ٢ : ٣٤١ ، والحدائق ١٠ : ٨٤ ، والرياض ١ : ١٨٦.

(٢) المدارك ٤ : ٣٨.

(٣) التذكرة ١ : ١٥١ ، روض الجنان : ٢٨٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٩٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٤ ، الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجمعة ب ١٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٧ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ١٠.

(٦) تفسير القمّي ٢ : ٣٦٧ ، الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٦ ح ٣.

(٧) أضفناه من المصدر ، انظر : الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٢.

٧٤

الإجماع بحال الإمكان ، فلا تجب الاستنابة.

وهل تجب فيه الطمأنينة؟.

صريح الفاضل وغيره : نعم (١) ؛ للتأسي ، وعموم التشبيه والبدلية ، وأصل الاشتغال.

والكلّ ضعيف ، يظهر وجهه ممّا سبق. والأصل ينفيه.

المسألة السادسة : لا شكّ في رجحان اتّحاد الخطيب والإمام ؛ للاحتياط ، والمروي في تفسير القمي المتقدّم ، وقوله في موثقة سماعة السابقة : « وأمّا إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات » (٢).

وفي صحيحة زرارة : « لمكان الخطبتين مع الإمام » (٣).

وفي رواية العلل المتقدّمة بعد بيان علّة الخطبة : « وليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة » (٤).

وقوله في صحيحة أخرى لزرارة تقدمت : « أمّهم بعضهم وخطبهم » (٥).

وللاتّحاد في صلاة النبي والأئمّة عليهم‌السلام.

والأخبار المتضمّنة للنهي عن الكلام والإمام يخطب (٦).

وهل يجب ذلك كما عن الراوندي في أحكام القرآن والمنتهى والتذكرة (٧) ، لما‌

__________________

(١) انظر : التذكرة ١ : ١٥١ ، والمدارك ٤ : ٣٨ ، والذخيرة : ٢٩٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢١ الصلاة ب ٧٥ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ١٩ ـ ٧٠ ، الوسائل ٧ : ٣١٠ أبواب صلاة الجمعة ب ٥ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٢٤ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ٧ : ٣١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ١.

(٤) العلل : ٢٦٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤٤ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢١٨ ، الوسائل ٧ : ٣٠٤ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ٤.

(٦) الوسائل ٧ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤.

(٧) فقه القرآن : ١٣٥ ، المنتهى ١ : ٣٢٤ ، التذكرة ١ : ١٤٦.

٧٥

مرّ كلا أو بعضا. أو لا كما عن نهاية الإحكام (١) ، وظاهر المدارك والذخيرة : التردد (٢) ، للأصل.

الحقّ هو الثاني ؛ لما ذكر ، وعدم دلالة شي‌ء ممّا مرّ على الوجوب حتى موثقة سماعة ، لجواز أن يراد بالإمام فيها مطلق من يتّبع ولو في أمر أو نهي ، مع ما مرّ من الإجمال في معنى قوله « يخطب ».

المسألة السابعة : ويجب الفصل بينهما بجلوس ، على الأشهر الأظهر ؛ لقوله عليه‌السلام في صحيحة عمر بن يزيد : « وليقعد قعدة بين الخطبتين » (٣) المؤيّد بصحيحة ابن وهب السابقة (٤).

والتأسي.

وقوله في موثقة سماعة بعد الخطبة الاولى : « ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم » (٥).

وفي حسنة محمّد ـ أو صحيحته ـ بعد ذكر الخطبة والأمر بالقراءة : « ثمَّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة ثمَّ تقوم » (٦).

وفي صحيحة محمّد بن النعمان في خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد الخطبة الاولى : « ثمَّ جلس قليلا ثمَّ قام » (٧).

وفي مرسلة الفقيه بعد ذكر الخطبة الاولى : « ثمَّ يجلس جلسة خفيفة ثمَّ‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ١٨.

(٢) المدارك ٤ : ٣٩ ، الذخيرة : ٢٩٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٧ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ١٠.

(٤) في ص ٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢١ الصلاة ب ٧٥ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٥ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٢ الصلاة ب ٧٥ ح ٦ ، الوسائل ٧ : ٣٤٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ١.

(٧) الكافي ٨ : ١٧٣ خطبة الجمعة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ح ١٩٤.

٧٦

يقوم » (١).

وفي حسنة محمّد : « ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد ثمَّ يقوم » (٢).

خلافا للمحكي عن ظاهر المهذّب والنهاية ، فقالا باستحبابه (٣) ، وعن النافع والمعتبر والمنتهى فتردّدا في الوجوب (٤) ؛ للأصل المندفع بما مرّ.

ويستحبّ كون الجلسة خفيفة ، وأن تكون بقدر قراءة سورة التوحيد ؛ لما مرّ.

وأن يكون حال الجلوس ساكتا ؛ لقوله في صحيحة ابن وهب : « يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها ».

وحمله على النهي عن التكلّم بالخطبة (٥) ، خلاف مقتضى عمومه.

ولا يجب ذلك وفاقا لبعضهم (٦) ؛ للأصل.

وقيل بالوجوب ؛ للنهي المذكور (٧).

ويردّ بعدم صراحته في الحرمة كما هو شأن الجمل الخبرية.

وفي اشتراط الطمأنينة في الجلوس قول (٨) ، ينفيه الأصل.

ولو خطب جالسا لعذر يفصل بينهما بسكتة عند جماعة (٩) ، وبضجعة على‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٥ ـ ١٢٦١ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٥٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٤ الصلاة ب ٧٥ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٧ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ٣.

(٣) المهذب ١ : ١٠٣ ، النهاية : ١٠٥.

(٤) النافع : ٣٥ ، المعتبر ٢ : ٢٨٥ ، المنتهى ١ : ٣٢٧.

(٥) كما في جامع المقاصد ٢ : ٣٩٩.

(٦) كصاحبي الحدائق ١٠ : ٨٨ ، والرياض ١ : ١٨٦.

(٧) كما في الذكرى : ٢٣٦.

(٨) كما في التذكرة ١ : ١٥١ ، والروض : ٢٩٤ ، والمدارك ٤ : ٣٩.

(٩) انظر : المنتهى ١ : ٣٢٧ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٩٩ ، والمدارك ٤ : ٤٠.

٧٧

ما احتمله في التذكرة (١).

ولا دليل على شي‌ء منهما ، إلاّ أن يستدلّ للأوّل بوجوب الجلسة مع السكوت ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

ويردّ : بمنع وجوب السكوت ، فيجوز الفصل بدعاء ونحوه أيضا. بل لو لا احتمال الإجماع لكان الحكم بعدم وجوب الفصل أيضا قويّا ، إلاّ أن يدّعى توقّف تحقّق التعدّد بالفصل ، وفيه نظر.

المسألة الثامنة : لا تشترط فيهما الطهارة على الأصحّ ، وفاقا للحلّي والنافع والشرائع والمعتبر والمختلف والتبصرة والذخيرة والقواعد (٢) ، وغيرها (٣) ؛ للأصل والإطلاقات ، الخاليين عن المخرج.

خلافا للخلاف والمبسوط وابن حمزة والمنتهى والروضة وروض الجنان وشرح القواعد وظاهر التذكرة (٤) ، وغير واحد من المتأخرين (٥).

للتأسي.

والاحتياط.

وعموم التشبيه أو وجوب الحمل على أقرب المجازات حيث انتفت الحقيقة ، في صحيحة ابن سنان : « إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين ، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام » (٦).

واقتضاء وجوب الموالاة بين الخطبة والصلاة له.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٥١.

(٢) السرائر ١ : ٢٩١ ، المختصر النافع : ٣٥ ، الشرائع ١ : ٩٥ ، المعتبر ٢ : ٢٨٥ ، المختلف : ١٠٣ ، التبصرة : ٣١ ، الذخيرة : ٣١٥ ، القواعد ١ : ٣٧.

(٣) انظر : مجمع الفائدة ٢ : ٣٨٤ ، وكشف اللثام ١ : ٢٥١.

(٤) الخلاف ١ : ٦١٨ ، المبسوط ١ : ١٤٧ ، الوسيلة : ١٠٣ ، المنتهى ١ : ٣٢٧ ، الروضة ١ : ٢٩٨ ، الروض : ٢٩٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٤٠١ ، التذكرة ١ : ١٥١.

(٥) كصاحبي المدارك ٤ : ٤١ ، والرياض ١ : ١٨٦.

(٦) التهذيب ٣ : ١٢ ـ ٤٢ ، الوسائل ٧ : ٣١٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٤.

٧٨

وقضية البدلية.

ويردّ الأوّل‌ ـ على فرض ثبوت كون النبي متطهرا في الخطبة دائما ، وهو ممنوع ـ بعدم وجوبه ، كما بيّنا في موضعه.

وكذا الثاني‌ إن أريد من حيث إنّه احتياط ؛ وإن أريد من جهة استصحاب الاشتغال فيعارض باستصحاب عدمه بالطهارة.

والثالث : بمنع عمومه ، وعدم دليل على الحمل على أقرب المجازات ، كما بيّن الحكمان في موضعهما.

مضافا إلى احتمال إرادة المعنى اللغوي من الصلاة ؛ لتقدّم الحقيقة اللغوية على المجاز الشرعي. واحتمال عود الضمير إلى الجمعة كما تلائمه الوحدة.

وإن ضعّف الأوّل منهما : بثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة أوّلا ، وعدم إمكان إرادة الحقيقة اللغويّة ـ لعدم كون الخطبة دعاء فقط ـ ثانيا ، وعدم ملائمته لفاء التفريع ثالثا. والثاني : بانتفاء ذلك الاحتمال ؛ لما في الرواية من الغاية ، مع معارضة الوحدة بالقرب ، وتوسّط الضمير بين اسمين ، فتجوز مراعاة أيّهما كان في المطابقة.

والرابع : بمنع وجوب الموالاة أوّلا ، ومنع اقتضائه لاشتراط الطهارة ؛ لجواز التطهّر في أثناء الخطبة أو في المسافة بين المنبر والمحراب ثانيا.

والخامس : بمنع البدليّة أوّلا ، ومنع اقتضائها الاشتراك في جميع الأحكام ثانيا ، ولذا لم يشترط فيهما القبلة والتسليم والتكبير ونحوها. هذا حكم الحدث.

ولا تشترط الطهارة من الخبث أيضا ؛ لما مرّ. ويظهر من بعضهم أنّ عدم اشتراطها مسلّم عند المشترطين للطهارة من الحدث.

وظاهر المنتهى وبعض آخر اشتراطها (١) ؛ لعين ما مرّ بجوابه.

وممّا ذكر يظهر عدم اشتراط شي‌ء من الطهارتين في السامعين أيضا ، كما هو ظاهر الأكثر ، حيث قيّدوا بالخطيب أو الإمام.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٢٧ ، وانظر : البيان : ١٨٩.

٧٩

ويظهر من بعض متأخّري المتأخّرين الميل إلى اشتراطها فيهم (١) ، وهو ضعيف غايته.

المسألة التاسعة : هل يجب على الخطيب رفع الصوت بحيث يسمعها العدد المعتبر فصاعدا ، أم لا؟.

تردّد فيه في الشرائع (٢) ، وهو في موقعه ، بل مقتضى الأصل العدم.

وجزم بالوجوب في القواعد وشرحه (٣).

لأصل الاشتغال.

والتأسي ، فإنّه روي : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا خطب رفع صوته كأنّه منذر جيش (٤).

ولأنّ المقصود من الخطبة لا يحصل بدونه.

ويردّ الأوّل : بما مرّ مرارا.

وكذا الثاني‌ ، مضافا إلى منع ثبوت ذلك دائما من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والرواية ضعيفة ، ولو ثبتت لدلّت على رفع الصوت كثيرا ، وهو غير واجب قطعا.

والثالث : بمنع انحصار المقصود في فهم الحاضرين ، بل لا دليل على كونه مقصودا في التحميد والصلاة ، وهما أيضا من الخطبة. ولو كان المقصود منحصرا فيه لزم رفع الصوت بحيث يسمعه جميع من تجب عليه الجمعة ، ولا يقولون بذلك ، بل لا دليل عليه. فما يجعلونه فائدة لحضور الباقين يكون فائدة لمطلق الخطبة.

وكذا فائدته فائدة الخطبة عند تعذّر رفع الصوت بهذا القدر ، وفائدته‌

__________________

(١) انظر : الذخيرة : ٣١٥ ، والحدائق ١٠ : ١٠٢ ، والرياض ١ : ١٨٦.

(٢) الشرائع ١ : ٩٥.

(٣) القواعد ١ : ٣٧ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٩٩.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٢ ـ ٤٣ بتفاوت يسير.

٨٠