مستند الشّيعة - ج ٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-81-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٩١

إلى القبلة لصحيحتي محمّد (١) ، والحلبي (٢) ، ومرسلة ابن بكير (٣).

وعليها يحمل ما تضمّن تقدّم الرجال وتأخّر النساء أو عكسه ، بحمل الأوّل على التقدّم بالنسبة إلى الإمام ، والثاني بالنسبة إلى القبلة ، حملا للمجمل على المفصّل ، وتقديما للنصّ على المحتمل.

وأمّا رواية الحلبي المتضمّنة لعكس ما ذكر (٤) ، فمع إمكان التكلّف فيها وإرجاعها إلى الأوّل ، شاذّة ، ولدعوى الإجماع المتكرّرة مخالفة ، فهي بالنسبة إلى ما مرّ مرجوحة ، سيّما مع أكثريّته عددا وأصحيّته سندا.

والصبي في قبلة الرجل والمرأة في قبلته ، لمرسلة ابن بكير.

ومقتضى إطلاقها تقديم الصبي على المرأة بالنسبة إلى الإمام وإن لم يبلغ الستّ حيث يصلّى عليه ـ إمّا لضرورة أو للقول باستحبابها أو وجوبها ـ كما عن الصدوقين (٥).

ومنهم من خصّه بالبالغ ستّا ، وجعل غيره ممّا يلي قبلة النساء ، لوجه اعتباري (٦) لا يصلح مقيّدا لإطلاق الرواية ولو كان في مقام الفضيلة.

كما لا يصلح له عدم ثبوت استحباب الصلاة عليه ، لأنّه قد تدعو إليها‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٥ الجنائز ب ٤٥ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٢٣ ـ ١٠٠٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧١ ـ ١٨٢٢ ، الوسائل ٣ : ١٢٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢٣ ـ ١٠٠٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧١ ـ ١٨٢٣ ، الوسائل ٣ : ١٢٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ١٠.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٥ الجنائز ب ٤٥ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٣٢٣ ـ ١٠٠٧ ، الاستبصار ١ : ٤٧٢ ـ ١٨٢٤ ، الوسائل ٣ : ١٢٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٢٣ ـ ١٠٠٨ ، الاستبصار ١ : ٤٧٢ ـ ١٨٢٥ ، الوسائل ٣ : ١٢٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٧.

(٥) المقنع : ٢١ ، ونقل عن والده في الفقيه ١ : ١٠٧.

(٦) قال الشهيد الثاني في روض الجنان ص ٣٠٩ : .. لتكون الصلاة عليه مندوبة فيتأخّر عمّن تجب عليه.

٣٢١

الضرورة.

ودعوى الندرة فيها فلا يشملها الإطلاق ضعيفة ، لأنّ في زمان صدور الخبر ومكانه الندرة ممنوعة ، لكثرة المخالطة مع العامّة ، كما تشعر به صلاتهم عليهم‌السلام على أطفالهم ، كما مرّ.

ولا إيجابه (١) بعد من تجب الصلاة عليه عن الإمام أو عمّن تجب الصلاة عليه (٢) ، لأنّ مضرّة مثل هذا القدر من التباعد غير ثابتة ، مع أنّ دليلها ليس إلاّ الإجماع المنتفي في موضع النزاع.

فالقول بالتخصيص ضعيف.

وأضعف منه إطلاق العكس ، كما في النافع والنهاية (٣) ، لعدم ظهور مستنده بالمرّة ، مع مخالفته لإطلاق المرسلة ودعوى الإجماع عن شيخ الطائفة (٤).

ومنها : وقوف المأموم ولو كان واحدا خلف الإمام‌ ، بخلاف غيرها من الصلوات ، فإنّ المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام.

وإذا كان مع الرجال نساء وقفن خلفهم. وإن كانت فيهنّ حائض انفردت عن جميعهنّ.

كلّ ذلك للنصوص (٥) ، وفتوى الأصحاب.

إلاّ أنّ في المنتهى احتمل في الحائض انفرادها عن الرجال خاصّة ، لتذكير الضمير في النصوص (٦).

__________________

(١) عطف على عدم ثبوت استحباب ، أي : ولا يصلح دليلا لجعل الصبيّ ما دون الستّ في قبلة النساء إيجابه ..

(٢) انظر : الرياض ١ : ٢٠٦.

(٣) النافع : ٤١ ، النهاية : ١٤٤.

(٤) الخلاف ١ : ٧٢٢.

(٥) انظر : الوسائل ٣ : أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ و ٢٨.

(٦) المنتهى ١ : ٤٥٥.

٣٢٢

ويردّه إطلاق الوحدة والبروز في موثّقة سماعة : عن المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة ، قال : « نعم وتصلّي عليها وتقوم وحدها بارزة عن الصفّ » (١).

ولا يضرّ عدم شمول سائر النصوص لجمعها مع النساء من جهة تذكير الضمير.

ومنها : كون المصلّي متطهّرا‌ ، للشهرة بل الإجماع ، ورواية عبد الحميد : الجنازة تخرج بها ولست على وضوء ، فإن ذهبت أتوضّأ فاتتني الصلاة ، أيجزيني أن أصلّي عليها على غير وضوء؟ قال : « تكون على طهر أحبّ إليّ » (٢).

وأمّا الرضوي : « وقد كره أن يتوضّأ إنسان عمدا للجنازة ، لأنّه ليس بالصلاة ، إنّما هو التكبير ، والصلاة هي التي فيها الركوع والسجود » (٣).

فلا يضرّنا ، لأنّ الكراهة لا يمكن أن تكون بالمعنى المصطلح ، لاستحالة تحقّقه في العبادة ، فهي إمّا بمعنى الحرمة ، أو عدم المشروعيّة ، أو المرجوحيّة الإضافيّة. والأوّلان لا يثبتان به ، لضعفه. والثاني يؤكّد المطلوب. وأمّا الحمل على قصد الوجوب من العمد ، ففيه ما لا يخفى من البعد.

ومنها : نزع النعلين‌ ، بلا خلاف أجده ، ونسبه في المدارك والذخيرة إلى مذهب الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع (٤).

وهو الحجّة فيه ، مضافا إلى رواية سيف بن عميرة : « ولا يصلّى على الجنازة بحذاء ، ولا بأس بالخفّ » (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ٤٩٧ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ـ ٤٨١ ، الوسائل ٣ : ١١٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ٥ وفي المصادر : « تتيمم وتصلي .. ».

(٢) الكافي ٣ : ١٧٨ الجنائز ب ٤٩ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ـ ٤٧٦ ، الوسائل ٣ : ١١٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٢.

(٣) فقه الرضا «ع» : ١٧٩ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٦٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٨ ح ١.

(٤) المدارك ٤ : ١٧٨ ، الذخيرة : ٣٣٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٧٦ الجنائز ب ٤٦ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠٦ ـ ٤٩١ ، الوسائل ٣ : ١١٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٦ ح ١.

٣٢٣

ومرسلة المقنع : « لا يجوز للرجل أن يصلّي على جنازة بنعل حذو » (١).

ونحوه الرضوي (٢) ، إلاّ أنّه عبّر بقوله : « ولا يصلّي ».

ولضعف الرواية سندا وقصورها دلالة على الحرمة حتى الوسط ـ لاحتمال إرادة تساوي الطرفين من الجواز ـ لا يثبتان سوى الكراهة الموجبة لاستحباب الترك ، فالقول بالمنع ـ كما عن المقنع ـ ضعيف.

واستحباب نزع الحذاء إمّا يشمل جميع النعال حتى العجميّة ونحوها ، أو يدلّ على استحباب نزعها أيضا بالفحوى ، أو عدم الفارق ، فيستحبّ نزعها أيضا.

ويستثنى الخفّ ، لما مرّ.

وصرّح جماعة باستحباب التحفّي (٣) ، واستدلّوا عليه ببعض الوجوه الضعيفة ، إلاّ أن يحكم به بفتواهم ، حيث إنّ المقام يتحمّل المسامحة.

ومنها : رفع اليدين بالتكبيرات الخمس أجمع‌ ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا مستفيضا ، في الاولى (٤) ، ووفاقا للمحكي عن والد الصدوق (٥) ، والتهذيب والاستبصار (٦) ، والمعتبر والشرائع والنافع (٧) ، والمنتهى والإرشاد وغيرهما من كتب الفاضل (٨) ، وظاهر المدارك وشرح الإرشاد والذخيرة والحدائق (٩) ، وجمع آخر من‌

__________________

(١) لم نعثر عليها في المقنع المطبوع ، ولكن نقلها عنه في الذكرى : ٦١.

(٢) فقه الرضا «ع» : ١٧٩ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٢٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١.

(٣) كما في المعتبر ٢ : ٣٥٥ ، والتذكرة ١ : ٤٩ ، والمدارك ٤ : ١٧٨.

(٤) انظر : الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ ، والمعتبر ٢ : ٣٥٥ ، وجامع المقاصد ١ : ٤٢٦.

(٥) حكاه عنه في الرياض ١ : ٢٠٦.

(٦) التهذيب ٣ : ١٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧٩.

(٧) المعتبر ٢ : ٣٥٥ ، الشرائع ١ : ١٠٦ ، النافع : ٤١.

(٨) المنتهى ١ : ٤٥٥ ، الإرشاد ١ : ٢٦٢ ، وانظر : التذكرة ١ : ٤٩ ، والتحرير ١ : ١٩.

(٩) المدارك ٤ : ١٧٩ ، مجمع الفائدة ٢ : ٤٤٩ ، الذخيرة : ٣٣٣ ، الحدائق ١٠ : ٤٤٠.

٣٢٤

المتأخرين (١) ، بل ادّعي عليهم شهرتهم ، في البواقي (٢).

لصحيحة العرزمي : « صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام خلف جنازة ، فكبّر خمسا يرفع يديه في كلّ تكبيرة » (٣).

وبمضمونها رواية محمّد بن خالد (٤).

ورواية يونس عن مولانا الرضا عليه‌السلام : إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبيرة على الميّت في التكبيرة الاولى ، ولا يرفعون فيما بعد ذلك ، فأقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يدي في كلّ تكبيرة؟ فقال : « ارفع يديك في كلّ تكبيرة » (٥).

خلافا للمحكي عن المفيد والسيّد والنهاية والمبسوط والحلّي (٦) ، بل نسبه جماعة إلى الأكثر (٧) ، وعن الغنية والسرائر وشرح الجمل للقاضي الإجماع عليه (٨) ، فقالوا : إنّه في غير الاولى غير مستحبّ.

لموثّقة غياث : « عن علي عليه‌السلام أنّه لا يرفع يده في الجنازة إلاّ مرّة واحدة ، يعني في التكبير (٩).

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ٤٢٦ ، والرياض ١ : ٢٠٦.

(٢) كما في الرياض ١ : ٢٠٦.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٤ ـ ٤٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ ـ ١٨٥١ ، الوسائل ٣ : ٩٢ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٩٥ ـ ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ ـ ١٨٥٠ ، الوسائل ٣ : ٩٣ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٤ الجنائز ب ٥٤ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩٥ ـ ٤٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ ـ ١٨٥٢ ، الوسائل ٣ : ٩٣ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٣.

(٦) المفيد في المقنعة : ٢٢٨ ، السيد في جمل العلم ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٢ ، النهاية : ١٤٥ ، المبسوط ١ : ١٨٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٥٦.

(٧) كما في المدارك ٤ : ١٧٨ ، والذخيرة : ٣٣٣ ، والرياض ١ : ٢٠٦.

(٨) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ ، السرائر ١ : ٣٥٦ ، شرح جمل العلم : ١٥٨.

(٩) التهذيب ٣ : ١٩٤ ـ ٤٤٣ ، الاستبصار ١ : ٤٧٩ ـ ١٨٥٤ ، الوسائل ٣ : ٩٣ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٤.

٣٢٥

وبمضمونها رواية الورّاق (١).

ويؤيّده الرضويّان المصرّحان برفع اليد في التكبيرة الاولى (٢).

ويردّ ، بعد الجواب عن الرضويّين بعدم الدلالة إلاّ بمفهوم الوصف الذي ليس بحجّة ، سيّما مع احتمال كون الرفع في تكبيرة الإحرام آكد وأشد استحبابا ، أنّ الفعل مقدّم على الترك عند التعارض ، سيّما إذا كان الترك بالفعل الذي لا يعارض القول ، سيّما في مقام الاستحباب الذي يجوز تركه ولو دائما ، سيّما إذا كان موافقا لعمل أكثر العامّة ، بل رؤسائهم كأبي حنيفة ومالك والثوري (٣) ، بل الجميع في ذلك العهد ، كما يستفاد من رواية يونس ، سيّما إذا كان رواية الفعل متأخّرة عن الترك حيث إنّ رواية يونس عن الرضا عليه‌السلام والبواقي عن الصادق عليه‌السلام ، والأخذ بالأحدث من المرجّحات المنصوصة.

ومنه ظهر أنّ أدلّة الاستحباب عن المعارض خالية ، ولو سلّم فهي راجحة. فترجيح المخالف بموافقة الشهرة وحكاية الإجماع ضعيف ، كيف؟! مع أنّهما بنفسهما ليستا بحجّة ، والشهرة المرجّحة إنّما هي في الرواية ، وهي هنا مفقودة ، بل ليست إلاّ الفتوى ، ومع ذلك ليست هي أيضا إلاّ المحكيّة.

ومنها : وقوف المصلّي موقفه حتى ترفع الجنازة‌ ، للشهرة ، وروايات حفص (٤) ، ويونس (٥) ، والرضوي (٦).

وفي الأخير : « ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال ».

ومقتضى إطلاقاتها شمول الحكم للإمام ، والمأموم ، والمنفرد.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٤ ـ ٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ ـ ١٨٥٣ ، الوسائل ٣ : ٩٣ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٥.

(٢) فقه الرضا «ع» : ١٧٧ و ١٨٣ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٤٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١.

(٣) انظر : بدائع الصنائع ١ : ٣١٤ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٣٥.

(٤) التهذيب ٣ : ١٩٥ ـ ٤٤٨ ، الوسائل ٣ : ٩٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١١ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٣١٨ ـ ٩٨٧ ، الوسائل ٣ : ٦٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١٠.

(٦) فقه الرضا «ع» : ١٧٨ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٤٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١.

٣٢٦

فلا يخصّص بالأوّل ، كما عن الإسكافي والشهيد (١) ، من غير وضوح المستند.

نعم لو فرض صلاة جميع الحاضرين استثني منهم أقلّ ما يمكن به رفع الجنازة قطعا ، ووجهه ظاهر.

ومنها : كون المصلّين عليه كثيرا‌ ، للشهرة ، وأقربيّة دعائهم إلى الاستجابة ، ورجاء مجاب الدعوة فيهم ، والنبوي : « من صلّى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب » (٢).

واستدلّ عليه أيضا بروايات لا تفيد أزيد من مطلوبيّة شفاعة أربعين رجلا من المؤمنين كما في الصحيح (٣) ، أو ممّن لا يشرك بالله ، أو مائة كما في روايات عاميّة (٤) ، أو دعائهم له (٥).

وهي أعمّ من المطلوب ، ولكنّها لا بأس بها في مقام التسامح ، سيّما مع عدم العلم بوقوع الدعاء غالبا إلاّ مع الصلاة.

ولا يضرّ اختصاص العدد فيها ، لأنّ رجاء حصول وصف الإيمان وعدم الشرك في العدد مع التجاوز أقرب.

ومنها : الصلاة في المواضع المعتادة لذلك‌ ، ذكره جملة من الأصحاب (٦) ، وعلّلوه بأنّه ليكون طريقا إلى تكثير المصلّين ، حيث إنّ السامع موته يقصدها للصلاة عليه فيها.

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في الذكرى : ٦٤ ، الشهيد في الذكرى : ٦٤.

(٢) كما في سنن أبي داود ٣ : ٢٠٢ ـ ٣١٦٦ ، وسنن الترمذي ٢ : ٢٤٦ ـ ١٠٣٣.

(٣) انظر : الوسائل ٣ : ٢٨٥ أبواب الدفن ب ٩٠.

(٤) انظر : صحيح مسلم ٢ : ٦٥٤ ـ ٩٤٧ و ٦٥٥ ـ ٩٤٩.

(٥) انظر : الوسائل ٣ : ١٠٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨.

(٦) كصاحب المدارك ٤ : ١٨٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٣١ ، وصاحب الحدائق ١٠ : ٤٤٨.

٣٢٧

المسألة الحادية عشرة : تجوز صلاة الجنازة في المساجد كلّها ، مع عدم العلم بإيجابها تلوّثها‌ ، بلا خلاف أجده ، وفي الذخيرة : الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب (١) ، ونفى الريب عنه في المدارك (٢).

لصحيحة الفضل : هل يصلّى على الميّت في المسجد؟ قال : « نعم » (٣).

ونحوها موثّقته (٤) ، ورواية محمّد (٥).

ولكنّها مكروهة مطلقا ، وفاقا للأكثر ، كما صرّح به في المدارك والذخيرة والحدائق (٦) ، للشهرة المحكيّة (٧) الكافية في المقام ، ورواية أبي بكر العلوي ، وفيها ـ بعد إخراجه عن المسجد حيث أراد صلاة الجنازة فيه ـ : « يا أبا بكر ، إنّ الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد » (٨).

والنبوي : « من صلّى على جنازة في المسجد فلا شي‌ء له » (٩).

وضعفهما ـ لو كان ـ لا يضرّ في مقام التسامح ، سيّما مع الانجبار بالشهرة.

خلافا للمدارك ، فنفى الكراهة مطلقا ، للأصل ، وضعف الرواية (١٠). والجواب ظاهر.

__________________

(١) الذخيرة : ٣٣٢.

(٢) المدارك ٤ : ١٨٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٠٢ ـ ٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ ـ ١٨٢٩ ، الوسائل ٣ : ١٢٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٢٥ ـ ١٠١٥ ، الوسائل ٣ : ١٢٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٢٥ ـ ١٠١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ ـ ١٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ١٢٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ح ١.

(٦) المدارك ٤ : ١٨٢ ، الذخيرة : ٣٣٢ ، الحدائق ١٠ : ٤٤٨.

(٧) انظر : الذخيرة : ٣٣٢.

(٨) الكافي ٣ : ١٨٢ الجنائز ب ٥٣ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٦ ـ ١٠١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ ـ ١٨٣١ ، الوسائل ٣ : ١٢٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ح ٢.

(٩) سنن أبي داود ٣ : ٢٠٧ ـ ٣١٩١ بتفاوت يسير.

(١٠) المدارك ٤ : ١٨٣.

٣٢٨

وللمحكي عن الإسكافي ، فخصّ الكراهة بالمساجد الصغار دون الجوامع (١).

ولعلّه لأنّ الجوامع من المواضع المعتادة.

والإطلاق مع عدم نصّ على خصوص تلك المواضع ، واستناد استحباب الصلاة فيها إلى علّة غير صالحة للتقييد ، يردّه. والله أعلم.

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى : ٦٢.

٣٢٩

البحث الرابع

في سائر أحكامها‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : اختلفوا في تكرار الصلاة على الميّت الواحد :

فالمعظم على الجواز ، إمّا مع الكراهة مطلقا ، كما هو المشهور على ما ذكره في المختلف وغيره (١) ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٢).

أو جماعة دون فرادى ، كما عن الحلّي (٣).

أو ممّن صلّى عليه مرّة خاصّة مطلقا ، دون من لم يصلّ عليه ، كما عن ظاهر الخلاف (٤) ، بل نسبه في الذكرى إلى ظاهرهم احتمالا (٥).

أو منه بشرط أن لا يكون إماما كما في المدارك (٦).

أو منه مطلقا أو مع منافاته للتعجيل أيضا ، كما عن الشهيد الثاني (٧).

أو الثاني وإذا خيف على الميّت أيضا ، كما عن قول للفاضل (٨).

أو إذا خيف عليه خاصّة ، كما عن قول آخر له (٩).

__________________

(١) المختلف : ١٢٠ ، وانظر الحدائق ١٠ : ٤٤٩.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤.

(٣) السرائر ١ : ٣٦٠.

(٤) الخلاف ١ : ٧٢٦.

(٥) الذكرى : ٥٥.

(٦) المدارك ٤ : ١٨٥.

(٧) روض الجنان : ٣١٠ ، قال فيه : والظاهر أنّ المراد : من المصلّى الواحد أو مع منافاة التعجيل.

(٨) حكاه عنه في روض الجنان : ٣١٠. فقيّد الكراهية بأمرين : منافاة التعجيل ، والخوف على الميّت.

(٩) التذكرة ١ : ٥١.

٣٣٠

واحتمل في الاستبصار استحبابه مطلقا (١).

وظاهر شرح الإرشاد للأردبيلي عدم مشروعيّته كذلك (٢).

ولا يخفى أنّ مقتضى الأصل الأخير.

ولا تدفعه عمومات الأمر بالصلاة مطلقا ، أو بالصلاة على الميّت ، أو إطلاقاتهما ، لاختصاص الاولى بما ثبتت فيه الحقيقة الشرعيّة ، وهو ذات الركوع والسجود. والثانية بالواجبة المنتفية هنا إجماعا ، لأنّه حقيقة الأمر ، ولا يحضرني الآن عامّ أو مطلق صريح في مطلق الرجحان أو الجواز في صلاة الميّت.

ولا المستفيضة المتضمّنة لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ، لأنّ المستفاد من أكثرها أنّ المكرّر كان الدعاء لا التكبيرات المتخلّل بينها الأدعية ، وأنّها وقعت من الأمير وأهل البيت خاصّة.

إلاّ أنّه يندفع بما ورد في خصوص التكرار ، كموثّقتي عمّار ويونس : الاولى : « الميّت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب ، وإن كان قد صلّي عليه » (٤).

والثانية : عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر ، أصلّي عليها؟ قال : « إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصلّ عليها » (٥).

والأخبار المستفيضة المشتملة على الصحيح المصرّحة بصلاة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام على سهل بن حنيف خمس صلوات ، في كلّ صلاة خمس تكبيرات ، صلّى عليه ، ثمَّ مشى ، ثمَّ وضعه ، فصلّى عليه إلى تمام الخمس (٦). وفي‌

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٤٨٥.

(٢) مجمع الفائدة ٢ : ٤٥٣.

(٣) انظر : الوسائل ٣ : ٨٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٣٤ ـ ١٠٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ـ ١٨٧٤ ، الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٣٤ ـ ١٠٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ـ ١٨٧٥ ، الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٠.

(٦) انظر : الوسائل ٣ : ٨٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٦.

٣٣١

بعضها : « أنّه كلّما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين لم نصلّ على سهل ، فوضعه ، فكبّر عليه خمسا حتى صلّى عليه خمس مرّات » (١).

والواردة في صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمّه حمزة سبعين تكبيرة (٢).

وأكثرها وإن كانت محتملة لغير المطلوب بأن يصلّي صلاة واحدة مشتملة على هذا العدد ، إلاّ أنّ في المروي في العيون وصحيفة الرضا عليه‌السلام : أنّه كبّر على حمزة أوّلا خمس تكبيرات ، ثمَّ شركه مع كلّ شهيد يصلّي عليه بعده حتى تمَّ العدد (٣).

ومع هذه الأخبار المعتضدة بغاية الاشتهار بل الإجماع لا ينبغي الريب في المشروعية والجواز.

ولا تنافيه روايتا وهب وإسحاق : الاولى : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على جنازة ، فلما فرغ جاء أناس فقالوا : يا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لم ندرك الصلاة عليها ، فقال : لا يصلّى على جنازة مرّتين ، ولكن ادعوا له » (٤).

ونحوها الثانية (٥).

والمروي في قرب الإسناد : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على جنازة ، فلمّا فرغ جاءه قوم لم يكونوا أدركوها ، فسألوا الرسول أن يعيد الصلاة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٦ الجنائز ب ٥٦ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠١ ـ ٤٧٠ ، التهذيب ٣ : ١٩٧ ـ ٤٥٥ ، الوسائل ٣ : ٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٥.

(٢) كما في الوسائل ٣ : ٨٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٦.

(٣) عيون أخبار الرضا «ع» ٢ : ٤٥ ـ ١٦٧ ، الوسائل ٣ : ٨٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٣٢ ـ ١٠٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٥ ـ ١٨٧٩ ، الوسائل ٣ : ٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٢٤ ـ ١٠١٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ـ ١٨٧٨ ، الوسائل ٣ : ٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٣.

٣٣٢

عليها ، فقال لهم : قد قضيت الصلاة عليها ، ولكن ادعوا لها » (١).

لعدم صراحتها في الحرمة أو عدم المشروعيّة ـ لمكان الجملة الخبريّة ـ وعدم منافاة قضاء الصلاة لجواز صلاة أخرى ، فيحتمل الحمل على الكراهة.

والإيراد : بأنّ الكراهة بالمعنى المصطلح هنا ـ لكونها عبادة قطعا ـ منفيّة. وبمعنى أقلّية الثواب أو المرجوحيّة الإضافية غير ممكنة ، إذ ليس ما يضاف إليه إلاّ الفرد الآخر من هذه الطبيعة أي الصلاة على الميّت الذي لم يصلّ عليه ، ولا معنى للنهي عن عبادة وتفويتها لقلّة ثوابها ومرجوحيّتها بالنسبة إلى غيرها الذي فات ولا تحقّق له.

مدفوع : بأنّه لا يجب أن يكون المضاف إليه فردا من هذه الطبيعة ، بل يمكن أن يكون من غيرها ممّا لا يمكن اجتماعها مع المضاف وهو هنا التعجيل ، فيمكن أن يكون المراد بيان ترجيحه على التكرار ، فينبغي التقديم عليه لو كان سببا لتفويته كما هو الأغلب.

ومن هنا ظهر مستند الكراهة أيضا ، وإطلاقه يقتضي الكراهة مطلقا ، كما هو المشهور ، فهي الحقّ المنصور.

ولا يضرّ اختصاص المورد بمن لم يدرك الصلاة ، لأنّ العبرة بعموم الجواب لا خصوص السؤال. مع أنّه لا قائل بالفرق بهذا النحو ، فيدلّ على الكراهة لمن صلّى ، بالإجماع المركّب ، بل بدلالة الفحوى.

ولا ينافيها ما مرّ من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والولي مع جنازة حمزة وسهل ، لأنّ الفعل لا يعارض القول. مع أنّه لا معارضة هنا ، لجواز ارتكابهما المكروه بهذا المعنى قطعا ولو خمس مرّات ، بل ألف مرّة ، لعدم محذور فيه بالمرّة ، سيّما مع احتمال وجود أمر هناك يوجب إحراز ثواب ورجحان أكثر ممّا يفوّته التكرار ، من إظهار شرف شخص معيّن ، أو استمالة قلب أهله ، أو ترغيب الغير إلى التشبّه به ، أو مكافاة لسعي منه ، أو غير ذلك.

__________________

(١) قرب الإسناد : ٨٨ ـ ٢٩٣ ، الوسائل ٣ : ٨٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٣.

٣٣٣

ولذا استدلّ بعضهم به لانتفاء الكراهة في مثل حمزة وسهل ممّن له مزيّة.

ولكنّه يضعّف بأنّه إنّما يتمّ لو علم أنّ العلّة مطلق المزيّة ، وهو غير معلوم ، بل ظاهر بعض الروايات في سهل أنّه لمزايا خاصّة ، حيث علّله بكونه جامعا لمناقب خمسة (١).

دليل المخالف :

للأوّل : تكرار الصحابة صلاة النبي فرادى.

وفيه مع ما مرّ : أنّ الانفراد غير معلوم ، بل المذكور في الأخبار أنّه كلّما دخل قوم صلّوا عليه ، أو صلّوا عليه فوجا فوجا ، أو عشرة عشرة ، مع أنّ صلاة حمزة وسهل كانت جماعة البتة.

وللثاني : اختصاص روايتي الجواز (٢) ـ ظاهرا كاولاهما ، أو صريحا كثانيتهما ـ بمن لم يصلّ ، فبهما يقيّد إطلاق روايات المنع الدالّة على الكراهة ، أو المحمولة عليها للاتّفاق على الجواز.

وفيه ، مع منع ظهور اولى الروايتين فيمن لم يصلّ ، وخروج من صلّى في الجملة أيضا بروايات تكرار الصلاة على حمزة وسهل ، وعدم معارضة بين الجواز والكراهة ، أنّ دلالة روايات المنع على كراهة صلاة من لم يصلّ صريحة غير قابلة للتخصيص بغيرها ، إلاّ أن يقال بتعارض روايتي الجواز مع روايات المنع فيمن لم يصلّ ، فلا يحكم فيه بالجواز ، فيرجع فيه إلى دليل آخر ، وهو انتفاء الزائد عن الكراهة بالإجماع ، وتبقى الكراهة فيمن صلّى خالية عن المعارض ، فيجاب حينئذ بغير الأخير من الأجوبة الثلاثة السابقة عليه.

وللثالث : ما مرّ بإخراج الإمام بروايات صلاة سهل.

وجوابه يظهر ممّا مرّ.

وللثلاثة المتعقّبة له : إخراج المخوف عليه من الأموات أو المنافية للتعجيل‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٨.

(٢) وهما موثقّتا عمّار ويونس ، راجع ص ٣٣١.

٣٣٤

من الصلاة ، عن روايات الجواز أيضا ، بأدلّة استحباب رفع الخوف عليه والتعجيل في أمره (١).

وجوابه ظاهر.

وللسابع : ظاهر الجملة الخبريّة في روايتي الجواز ، وعمل النبي والولي.

ويردّ : بعدم صراحة الجملة فيهما في الرجحان ، فلعلّ مجازها الجواز ، سيّما الجواز في هذا المقام المتضمّن للرجحان في الترك. وعدم معلومية الوجه في عمل الحجّتين ، فلعلّه أمر لا يجري في غير الموردين.

وللثامن : ضعف روايات الطرفين ، فتبقى أصالة عدم مشروعية الزائد عن المجمع عليه ، وهو القدر الواجب كفاية.

وانتفاء الوجوب له قطعا ، والاستحباب إجماعا ، والإباحة والكراهة المصطلحة عقلا ، وبمعنى المرجوحيّة الإضافية شرعا ، لتوقّفها على وجود بدل شرعي له من أفراد طبيعته ، فلم يبق إلاّ الحرمة.

ويردّ الأوّل : بمنع ضعف الروايات أوّلا ، وعدم ضيره بعد الانجبار ثانيا.

والثاني : بمنع انتفاء مطلق الاستحباب ، بل هو ثابت إجماعا وإن كان أقلّ ثوابا ممّا يقارنه غالبا ـ وهو التعجيل ـ وهو معنى الكراهة في المقام.

المسألة الثانية : من أدرك مع الإمام بعض التكبيرات وفاته البعض دخل معه في الصلاة عليه ، وأتمّ ما بقي منها‌ ، بلا خلاف بين العلماء كما عن المنتهى (٢) ، بل بالإجماع كما عن الخلاف (٣)

للمستفيضة من الصحاح وغيرها ، منها : صحيحة الحلبي : « إذا أدرك‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٢ : ٤٧١ أبواب الاحتضار ب ٤٧.

(٢) المنتهى ١ : ٤٥٥.

(٣) الخلاف ١ : ٧٢٥.

٣٣٥

الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميّت فليقض ما بقي منها متتابعا » (١).

والعيص : عن الرجل يدرك من الصلاة على الميّت تكبيرة ، قال : « يتمّ ما بقي » (٢).

وقريبة منها رواية زيد الشحام (٣).

ورواية خالد القلانسي : في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين ، فقال : « يتمّ التكبير وهو يمشي معها ، فإذا لم يدرك التكبير كبّر عند القبر ، فإن كان أدركهم وقد دفن ، كبّر على القبر » (٤).

وجابر : أرأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر ، قال : « تقضي ما فاتك » قلت : أستقبل القبلة؟ قال : « بلى وأنت تتبع الجنازة » (٥).

والرضوي : « إذا فاتك مع الإمام بعض التكبير ورفعت الجنازة فكبّر عليها تمام الخمس وأنت مستقبل القبلة » (٦).

والمروي صحيحا في كتاب المسائل لعلي : عن رجل يدرك تكبيرة أو اثنتين على ميّت كيف يصنع؟ قال : « يتمّ ما بقي من تكبيرة ويبادره دفعة ، ويخفّف » (٧).

ولا تنافيها رواية إسحاق بن عمّار : « إنّ عليا عليه‌السلام كان يقول : لا‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٢ ـ ٤٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٠ ـ ٤٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ـ ١٨٦٥ ، الوسائل ٣ : ١٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩٩ ـ ٤٦١ ، الاستبصار ١ : ٤٨١ ـ ١٨٦١ ، الوسائل ٣ : ١٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٠ ـ ٤٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤٨١ ـ ١٨٦٣ ، الوسائل ٣ : ١٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٠ ـ ٤٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨١ ـ ١٨٦٢ ، الوسائل ٣ : ١٠٣ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٢٥ ـ ١٠١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ـ ١٨٧٧ ، الوسائل ٣ : ١٠٣ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٤.

(٦) فقه الرضا «ع» : ١٧٩ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٧٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٥ ح ١.

(٧) مسائل علي بن جعفر : ١١٧ ـ ٥٣ ، الوسائل ٣ : ١٤٠ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٧.

٣٣٦

يقضى ما سبق من تكبيرة الجنائز » (١).

لاحتمال إرادتها نفي الوجوب. وهو كذلك ، لانتفاء وجوب أصله بعد سبق الغير إلى الصلاة.

مع أنّها ـ على ما في أكثر النسخ ـ ليست نصّا في المسألة ، لجواز كون فعل النفي مبنيّا للمفعول و « سبق » مبنيّا للفاعل ، دون العكس كما هو الظاهر لو حملت الرواية على المسألة.

وعلى هذا ، فإمّا أن يكون مراده عليه‌السلام ذكر أنّ ما سبق من صلوات الجنائز على الأموات قبل أيّام خلافته بالتكبيرات الأربع كما يفعله المخالفون ، أو بدون إذن الولي لتقيّة ونحوه لا يقضى ، بل يكتفى بما سبق ، أو يكون مراده أنّ صلاة الجنائز ليست كسائر الصلوات ، حيث يقضي إذا ظهر الخلل فيها بعد انقضائها في الجملة ، بل ما سبق لا يقضى أصلا.

نعم ما في بعض النسخ الآخر من قوله : « ما بقي » مكان قوله : « ما سبق » يكون صريحا في المسألة.

مضافا إلى أنّه مع التعارض أيضا فالترجيح لما تقدّم بالاشتهار رواية وفتوى ، والأصحيّة سندا.

وحملها على إرادة نفي الدعاء ـ كما عن التهذيبين (٢) ـ بعيد جدّا.

ثمَّ إنّهم ذكروا كما قيل : أنّه يأتي بالتكبيرات الباقية متتابعة أي من غير تخلّل الدعاء بينها ، في صورة إيجاب الاشتغال بالدعاء حصول المنافي من بعد الميّت ، أو الانحراف عنه ، أو عن القبلة. واستدلّوا له بإطلاق الصحيحة الاولى.

واختلفوا في صورة التمكّن منه بدون المنافي ، فقال في الشرائع والنافع والإرشاد والذخيرة والحدائق وغيرها بالتتابع حينئذ أيضا (٣) ، لإطلاق الصحيحة.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٠ ـ ٤٦٥ ، الاستبصار ١ : ٤٨١ ـ ١٨٦٤ ، الوسائل ٣ : ١٠٣ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢.

(٣) الشرائع ١ : ١٠٧ ، النافع : ٤١ ، الإرشاد ١ : ٢٦٣ ، الذخيرة : ٣٣٦ ، الحدائق ١٠ : ٤٦٤.

٣٣٧

وعن الفاضل في بعض كتبه (١) ، والذكرى وروض الجنان والروضة (٢) : تخصيص التتابع بالصورة الاولى ، ونسبه في البحار إلى الأكثر ، حيث قال : وقال الأكثر : إن أمكن الدعاء يأتي بأقلّ المجزي ، وإلاّ يكبّر ولاء من غير دعاء (٣). انتهى.

قيل : لعموم ما دلّ على وجوب الدعاء ، خرج منه صورة الضرورة بالنصّ والإجماع (٤).

وردّ : بأنّ الوجوب كفائي إجماعا ، فلا تشمل أدلة الوجوب لموضع النزاع.

وأجيب عنه : بأنّ هذا يتمّ لو كان متعلّق الوجوب الكفائي هو نفس الدعاء لا الصلاة. وليس كذلك بل المتعلّق هو الصلاة ، وليس الكلام فيها ، بل في وجوب الدعاء ، وهو في حقّ من دخل في الصلاة عيني ، للأمر به الذي هو حقيقة فيه ، ولا إجماع على كفائيّته (٥).

وفيه : منع عينيّة وجوب الدعاء على من دخل في الصلاة.

قوله : للأمر به.

قلنا : إن أريد به الأمر المتعلّق به بعد دخوله في الصلاة بخصوصه من غير اشتمال على الأمر بالدخول في الصلاة ، فليس هناك أمر كذائي. وإن أريد الأمر المتعلّق به في ضمن ما تضمّن الأمر بالدخول في التكبير وبعد الأمر به ، فشموله لمثل ذلك الشخص يتوقّف على حمل الأمر الأوّل بالتكبير على الوجوب والاستحباب أو مطلق الرجحان ، والأوّل غير جائز ، والثاني مجاز ، وهو ليس بأولى من تخصيص ذلك الأمر وما بعده ـ من الأمر بالدعاء والتكبيرات الباقية ـ بالصلاة‌

__________________

(١) كالتذكرة ١ : ٥١.

(٢) الذكرى : ٦٣ ، الروض : ٣١٣ ، الروضة ١ : ١٤٢.

(٣) البحار ٧٨ : ٣٦٣.

(٤) الرياض ١ : ٢٠٨.

(٥) الرياض ١ : ٢٠٨.

٣٣٨

الأولى ، أي : نفس الصلاة الغير المسبوقة بغيرها.

إلاّ أن يقال بمنع سقوط الوجوب الكفائي ما لم تتمّ الصلاة الأولى ، فالأمر الأوّل باق على حقيقته التي هي الوجوب ، وشامل لمثل هذا الشخص أيضا ، وكذا باقي الأوامر ، خرج منها من أدرك الجنازة بعد تمام الصلاة. والحاصل : أنّ الأوامر مطلقة شاملة للكل ، فيجب على الجميع ، والمسلّم سقوطه إنّما هو عمّن لم يدخل الصلاة إلاّ بعد تمام صلاة.

ويجاب حينئذ : بأنّ عموم ما دلّ على وجوب الصلاة الشامل للدعاء أيضا ـ كما مرّ ـ معارض بعموم الصحيحة الآمرة بالتتابع ، بالعموم والخصوص من وجه. فكما يمكن تخصيص الثاني بغير حال الضرورة ، يمكن تخصيص الأوّل بغير مثل ذلك الشخص ، ولا ترجيح.

ومنع العموم في الصحيح ، بل غايته الإطلاق المنصرف إلى صورة عدم التمكّن من الدعاء كما هو الغالب.

مردود أوّلا : بدلالته على العموم عرفا وإن كان فيها كلام لغة.

وثانيا : بورود مثل ذلك في الأوّل أيضا ، لأنّه أيضا مطلق فينصرف إلى غير من دخل في الأثناء كما هو الغالب.

وثالثا : بمنع غلبة عدم التمكّن من الدعاء المخفّف ، سيّما إذا أدرك تكبيرتين أو ثلاثا.

بل لنا أن نقول بكون التعارض بالعموم المطلق ، وأنّ الصحيحة أخصّ مطلقا ، لاختصاصها بالداخل في الأثناء ، وأعميّة العمومات. وأخصيّتها إنّما هي لو سلّمنا الإجماع على خروج صورة الضرورة منها ، وهو غير ثابت. بل نقول : إنّ وجوب الاستقبال وعدم انحراف الميّت ونحوهما ، إنّما كان ثبوته بالإجماع ، وتحقّقه بالنسبة إلى الجميع ـ حتى في موضع يوجب ترك الدعاء الواجب بالأخبار ، وفي موضع رفعت الجنازة في الأثناء ـ غير مسلّم ، فخصوصيّة العمومات ممنوعة ، ولازمة تخصيصها بالصحيحة.

٣٣٩

إلاّ أنّه يمكن أن يقال بعدم معارضة الصحيحة للعمومات أصلا ، لأنّها إنّما هي إذا أرجعنا الضمير في قوله : « منها » إلى التكبيرة وهو ممنوع ، بل يحتمل رجوعه إلى الصلاة ، بل هو الأولى ، للأقربيّة ، فيكون المأمور به إتمام ما بقي من الصلاة متتابعا أي : من غير فصل خارجي ، ولعلّ تقييده لدفع توهّم جواز تأخير الباقي بعد رفع الجنازة إلى استقرارها ، فيكون هذا قريبا من المعنى المصرّح به في سائر الأخبار من الإتمام ماشيا وتابعا للجنازة.

وربّما يشعر بإرادة هذا المعنى قوله في الصحيحة المرويّة عن المسائل : « يبادره دفعة ويخفّف » (١).

بل يمكن أن يكون المعنى : حال كونه ـ أي المصلّي ـ متتابعا للجنازة ، فيتّحد مع باقي الأخبار معنى.

وعلى هذا ، فيكون القول الثاني هو الأقوى ، وتؤكّده رواية القلانسي السابقة (٢) حيث إنّه لو وجب الولاء في التكبيرات كما هو مقتضى الصحيحة ـ لو حملت على هذا المعنى ـ لم يبلغ الحال إلى المشي خلف الجنازة قطعا.

فرعان :

أ : هل يدعو هذا الشخص بعد التكبير الذي أدركه مع الإمام دعاء الإمام ، ويدعو فيما بقي بما هو وظيفة هذا التكبير ولو أوجب التكرار ، استحبابا أو وجوبا ، على اختلاف القولين؟.

أو يدعو فيما أدركه دعاء الإمام وفيما بقي ما فاته من الدعاء؟.

أو يدعو في كلّ تكبير بما هو وظيفته ولو أوجب عدم متابعة الإمام فيه؟.

الظاهر ـ كما صرّح به في المنتهى من غير نقل خلاف فيه (٣) ـ الأخير ،

__________________

(١) راجع ص ٣٣٦.

(٢) في ص ٣٣٦.

(٣) المنتهى ١ : ٤٥٦.

٣٤٠