مستند الشّيعة - ج ٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-81-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٩١

له ، لأنّه كان منافقا » (١).

والثاني : أنّ المراد بالأربع الإخبار عمّا يقال بين التكبيرات من الدعاء ، فإنّ الخامسة ليس بعدها دعاء ، كما تكشف عنه رواية أبي بصير : سأله رجل عن التكبير على الجنائز ، فقال : « خمس تكبيرات » ثمَّ سأله آخر عن الصلاة على الجنازة فقال : « أربع صلوات » فقال الأوّل : جعلت فداك ، سألتك فقلت : خمسا وسألك هذا فقلت : أربعا ، فقال : « إنّك سألتني عن التكبيرة ، وسألني هذا عن الصلاة » ثمَّ قال : « إنّها خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات » (٢).

هذا كلّه مع أنّ الإثبات مقدّم على النفي ، فلعلّ راوي الأربع لم يسمع الخامسة ، لكونها منفردة عن الدعاء ، وكونه بعيدا عن الإمام عليه‌السلام.

ثمَّ إنّه لا فرق في وجوب التكبيرات الخمس بين كون الميّت مؤمنا أو مخالفا تجب عليه الصلاة ، للعمومات المتقدّمة المثبتة للوجوب ، ولو بضميمة الإجماع المركّب.

وأمّا ما مرّ من روايات تكبير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعا ، فإنّما هو في المنافق ، وصدقه على مطلق المخالفين غير معلوم ، وإن أطلق عليهم في بعض الأخبار ، ولكنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، والمجاز غير منحصر في واحد.

المسألة الثانية : يدعى بين كلّ تكبيرتين بالدعاء إجماعا‌ ، له ، وللمستفيضة بل المتواترة معنى من الأخبار (٣).

وهل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣١٧ ـ ٩٨٣ ، الاستبصار ١ : ٤٧٥ ـ ١٨٤٠ ، الوسائل ٣ : ٦٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٣١٨ ـ ٩٨٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٦ ـ ١٨٤٢ ، الوسائل ٣ : ٧٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٢.

(٣) انظر : الوسائل ٣ : ٦٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢.

٣٠١

الحقّ هو الأوّل ، وفاقا للأكثر كما صرّح به جماعة (١) ، بل عن ظاهر الخلاف والمنتهى والذكرى الإجماع عليه (٢).

لا لوقوع الأمر به في الأخبار المتكاثرة.

ولا لوروده في بيان كيفيّة الواجب.

ولا لحمله مع ذلك على الصلاة في رواية أبي بصير السابقة بقوله فيها تارة « أربع صلوات » واخرى « خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات ».

ولا لتوقّف حصول البراءة اليقينيّة عليه كما في الذخيرة (٣).

لإمكان القدح في الأوّل : بمنع الأمر به في الأخبار ، وغايتها الجمل الخبريّة التي هي أعمّ من الوجوب. مع أنّها لو فرضت دلالتها على الوجوب لم تكن نافعة في المقام ، لأنّ هذه الأوامر ليست واردة على مطلق الدعاء ، بل على دعوات مخصوصة غير واجبة إجماعا ، معارضة بعضها مع بعض في الخصوصيّة ، المانع تعارضها عن إيجاب واحد منها.

ومنه يظهر وجه القدح في الثاني أيضا ، مضافا إلى أنّه إن أريد وروده في بيان الكيفيّة الواجبة للواجب ، فلا دليل عليه ، وظهوره فيه ممنوع ، وإن أريد مطلق الكيفيّة له ـ أي الأعم من الواجبة والمستحبة ـ فلا يفيد.

ومنه يظهر القدح في الثالث أيضا. والحمل وإن كان حقيقة في الحقيقي وهو يوجب اتحاد صلاة الميّت مع ما ذكر فيكون واجبا ، إلاّ أنّ إرادة الحقيقي هنا غير ممكنة ، لأنّ حقيقة الدعاء على الميّت ـ الذي هو معنى الصلاة لغة ـ معلومة ، وهي مطلق الدعاء عليه ، فيكون خصوص الأربع مغايرا للحقيقة.

مع أنّ حقيقة صلاة الميّت لو كانت هي ما يجب شرعا في صلاة الجنائز ،

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٤٥١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٢٨ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٠٤.

(٢) الخلاف ١ : ٧٢٤ ، المنتهى ١ : ٤٥١ ، الذكرى : ٥٩.

(٣) الذخيرة : ٣٢٨.

٣٠٢

لكان المحمول مغايرا للموضوع هنا قطعا ، لوجوب أمور أخر فيها من النيّة والقيام والاستقبال وغيرها. فلا بدّ من ارتكاب تجوّز إمّا في الحمل أو الموضوع بإرادة المشروع من الصلاة أو الواجب منها أو المستحب ، والمقصود غير متعيّن ، فالاستدلال به غير تامّ.

وفي الرابع : بأنّ المعلوم اشتغال الذمّة به ـ وهو خمس تكبيرات ـ علمت البراءة عنه ، والاشتغال بالزائد غير معلوم ، فلا يستدعي اليقين بالبراءة.

بل (١) لوقوع الأمر بالصلاة على الميّت مطلقة في أخبار كثيرة ، والصلاة لغة حقيقة في الدعاء فيجب الدعاء له ، وبوجوبه تجب الأربع بالإجماع المركّب.

فإن قيل : الدعاء وإن كان حقيقة لغويّة للصلاة ، ولكنّه مجاز شرعي ، لحصول الحقيقة الشرعية فيها ، فهو معنى مجازي أيضا كالتكبيرات ، فلا تتعيّن إرادته.

قلنا : نعم ، كذلك حين ثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة. وحصولها في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّما زمان صدور الأخبار النبويّة ـ المتقدّم ذكرها في صدر الباب ـ غير معلوم ، فالحمل على الحقيقة اللغويّة لازم ، وليس هو إلاّ مطلق الدعاء.

فإن قيل : تجب في صلاة الميّت التكبيرات وتعدّد الصلوات وأمور أخر أيضا ، وهي خارجة عن حقيقتها اللغويّة ، فعدم إرادتها معلوم ، والمجاز غير متعيّن.

قلنا : وجوب هذه الأمور لا يستلزم إرادتها من الصلاة ، بل الثابت من الأمر بالصلاة ليس إلاّ وجوب الدعاء وإن علم وجوب أمور أخر بأوامر أخر.

ويؤكّد ما ذكرنا من إرادة المعنى اللغوي ، وكونها هنا بمعنى الدعاء : ما مرّ من رواية محمّد بن مهاجر السالفة (٢) ، المصرّحة بأنّ بعد ما نهى الله عن الصلاة‌

__________________

(١) عطف على قوله : لا لوقوع الأمر به ..

(٢) في ص ٢٦٩.

٣٠٣

على المنافقين بقوله سبحانه ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ) ترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدعاء عليهم ، واقتصر بالتكبيرات والثناء والصلاة والدعاء للمؤمنين.

ورواية أبي بصير المتقدّمة (١) ، المتضمّنة لقوله : « أربع صلوات » سيّما بعد السؤال عن الصلاة على الميّت.

وتدلّ على المطلوب ـ بضميمة الإجماع المركّب المذكور ـ صحيحة ابن أذينة والفضيل : « إذا صلّيت على المؤمن فادع له ، واجتهد في الدعاء » (٢) الحديث.

خلافا لصريح الشرائع وظاهر النافع ، فيستحبّ الدعاء (٣) ، وهو ظاهر المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد (٤).

للأصل.

والاختلاف العظيم في الدعاء الوارد فيها.

وإطلاق الروايات المتضمّنة لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات ، الواردة في مقام البيان ، الدالّة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك.

والأصل يدفع بما مرّ.

والاختلاف إنّما يوهن في الوجوب لو كان المدّعى وجوبه أمرا معيّنا واختلف فيه ، دون ما إذا كان الواجب هو القدر المشترك بين المختلفات ، وكان الاختلاف في الخصوصيّات كما في المقام.

والإطلاق إنّما يفيد لو كان السؤال عن الصلاة. والظاهر من الروايات المذكورة كون السؤال والجواب فيها إنّما هو بالقياس إلى خصوص التكبير ومقداره ، لكونه محلّ الخلاف بين الخاصّة والعامّة ، ولذا لم يذكر سائر الواجبات من النيّة‌

__________________

(١) في ص ٣٠١.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٧ الجنائز ب ٥٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٩٦ ـ ٤٥٠ ، الوسائل ٣ : ٦٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٣.

(٣) الشرائع ١ : ١٠٦ ، النافع : ٤٠.

(٤) مجمع الفائدة ٢ : ٤٣٤.

٣٠٤

والقيام والاستقبال وغيرها ، مع وجوبها إجماعا. مع أنّ بعد التسليم غايتها الإطلاق ، فيجب تقييده بما مرّ.

المسألة الثالثة : مقتضى الأمر بالصلاة على الميّت في أوامرها ، والدعاء له في صحيحة ابن أذينة والفضيل : وجوب ذلك‌ ، أي الدعاء له ، فلا مناص عنه.

ولا تضرّه صحيحة زرارة ومحمّد : « ليس في الصلاة على الميّت قراءة ولا دعاء موقّت ، تدعو بما بدا لك ، وأحقّ الموتى أن يدعى له أن يبدأ بالصلاة على النبيّ » (١).

لأنّها أعمّ مطلقا ممّا مرّ ، فيجب التخصيص به.

ولا موثّقة يونس : عن صلاة الجنازة أصليّ عليها على غير وضوء؟ فقال : « نعم ، إنّما هو تسبيح وتكبير ، وتحميد وتهليل » (٢).

لأنّ جهة إثبات هذه الأمور لا تنافي ثبوت الغير أيضا. وأمّا جهة نفي الغير التي هي الملحوظة في الرواية فإنّما هي بالنسبة إلى الركوع والسجود ، لأنّ انتفاءهما هو الصالح لعلّية انتفاء الوضوء. ولو سلّم العموم ، فتكون أعمّ مطلقا ممّا مرّ أيضا ، فتخصّ به.

ولكن لا يتعيّن في الدعاء له لفظ خاصّ ، ولا موضع خاصّ ، للأصل.

وكذا لا يتعيّن في الدعوات الأربع غير ما ذكر شي‌ء خاص معنى أو لفظا ، وفاقا للإسكافي (٣) ، وجماعة من المتأخرين ، منهم : المدارك والذخيرة والحدائق (٤) ، ونسبه في الأول إلى الأكثر.

للأصل السالم عن المعارض الدالّ على الوجوب جدّا ، إلاّ الرضوي الآتي‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٨٩ ـ ٤٢٩ ، الوسائل ٣ : ٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٨ الجنائز ب ٤٩ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ٤٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ـ ٤٧٥ ، الوسائل ٣ : ٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ٢.

(٣) حكاه عنه في الحدائق ١٠ : ٤٠٥.

(٤) المدارك ٤ : ١٦٧ ، الذخيرة : ٣٢٩ ، الحدائق ١٠ : ٤٠٥.

٣٠٥

المتضمّن للأمر (١) ، ولكنّه تعلّق بألفاظ ومعاني لا يجب جميعها إجماعا ، فيحمل على الاستحباب قطعا. ولصحيحة زرارة ومحمد وموثّقة يونس المتقدّمتين.

ويؤيده اختلاف النصوص ، وعدم توافق بعضها مع بعض في تعيين الأذكار ، مع كثرتها واستفاضتها.

بل هو دليل على المطلوب ، حيث إنّ إيجاب الكلّ غير ممكن ، والبعض المعيّن تحكّم ، وترجيح بلا مرجّح ، والتخيير بينها غير صحيح ، لاشتمال الأكثر على معاني وألفاظ غير واجبة إجماعا. والقدر المشترك بين الجميع ليس إلاّ الدعاء المطلق ، وهو المطلوب. مع أنّه يثبت بالتخيير الذي هو المرجع عند التعارض أيضا ، لأنّ من أفراد المخيّر هنا مطلق الدعاء بعد رفع اليد عن خصوص اللفظ بالإجماع.

خلافا لجماعة (٢) ، بل نسب إلى المشهور ، إمّا مطلقا كما في الذخيرة (٣) ، أو مقيّدا بكونه بين المتأخرين كبعض آخر (٤) ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (٥) ، فأوجبوا الشهادتين بعد التكبيرة الاولى ، والصلاة على النبي وآله بعد الثانية ، والدعاء للمؤمنين بعد الثالثة ، وللميّت بعد الرابعة.

للشهرة.

والإجماع المنقول.

وتحصيل اليقين بالبراءة.

ولرواية محمّد بن مهاجر السالفة في أوّل الباب (٦) ، ورواية إسماعيل بن همّام المتقدّمة في المسألة الاولى (٧) ، والرضوي الآتي.

__________________

(١) انظر ص ٣٠٨.

(٢) كالعلامة في التحرير ١ : ١٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٤٢٤.

(٣) الذخيرة : ٣٢٨.

(٤) انظر : الرياض ١ : ٢٠٤.

(٥) الخلاف ١ : ٧٢٤.

(٦) راجع ص ٢٦٩.

(٧) راجع ص ٣٠٠.

٣٠٦

ويردّ الأوّلان : بعدم الحجيّة.

والثالث : بحصولها بالنسبة إلى ما علم به اشتغال الذمّة.

والروايات : بعدم الدلالة على الوجوب ، ولو تضمّن بعضها قوله : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل كذا » المشعر بالدوام والمواظبة.

مع أنّ أولاها تتضمّن الصلاة على الأنبياء الدالّ على الاستغراق ، وهم لا يقولون بوجوبه ، وتخالف ما تضمّنته الثانية من الدعاء لنفسه خاصّة.

وثانيتها تتضمّن التحميد والتمجيد بعد الاولى ، وهم لا يوجبونهما ، وتخالف ما تضمّنته الاولى من الشهادة.

وثالثتها تتضمّن أمورا لا يجب شي‌ء منها قطعا ، وتخالف ما في مواضع أخر من ذلك الكتاب لفظا ومعنى.

ومع ذلك كلّه ، فهي مع ما مرّ من الأخبار الدالّة على نفي التوقيت ـ كما مرّ ـ أو المشتملة على أذكار أخر معارضة. هذا.

ثمَّ إنّه على القول بوجوب الأذكار الأربعة لا يتعيّن فيها لفظ مخصوص ، كما نقل التصريح به عن كثير من الأصحاب ، بل لعلّه إجماعي ، ويدلّ عليه الأصل أيضا ، فتجوز تأديتها بأيّ لفظ كان.

المسألة الرابعة : تجوز تأدية الدعاء المطلق ـ على المختار ـ والأذكار الأربعة ـ على القول بوجوبها ـ بالفارسيّة‌ ، على الأقوى ، وتجوز قراءة الدعوات المأثورة من المكتوب أيضا ، للأصل.

وما يظنّ دليلا لعدم جوازهما ـ لو كان به قائل هنا ـ يعلم دفعه ممّا مرّ في مسألتي جواز القراءة في الصلاة عن المصحف ، وجواز القنوت بالفارسيّة.

المسألة الخامسة : يستحب الدعاء بالأذكار الأربعة الموزّعة على التكبيرات الأربع‌ ، تأسيّا بما حكي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واتّباعا للشهرة والإجماع المحكيّين ، وخروجا عن شبهة الخلاف.

٣٠٧

وتأديتها (١) بما في الرضوي ، لأجله ، حيث إنّه تفصيل ذلك المجمل ، قال : « وارفع يديك بالتكبير الأوّل وكبّر وقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ الموت حق ، والجنّة حق ، والنّار حق ، والبعث حق ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور. ثمَّ كبّر الثانية وقل : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، وارحم محمّدا وآل محمّد ، أفضل ما صلّيت وباركت ورحمت وترحّمت وسلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين ، إنّك حميد مجيد. ثمَّ تكبّر الثالثة وتقول : اللهم اغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، وتابع بيننا وبينهم بالخيرات ، إنّك مجيب الدعوات ، ووليّ الحسنات ، يا أرحم الراحمين. ثمَّ تكبّر الرابعة وتقول : اللهم إنّ هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، نزل بساحتك ، وأنت خير منزول به ، اللهم إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا ، وأنت أعلم به منّا ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ، واغفر لنا وله ، اللهم احشره مع من يتولاه ويحبّه ، وأبعده ممّن يتبرّأ ويبغضه ، اللهم ألحقه بنبيّك ، وارحمنا إذا توفّيتنا يا إله العالمين. ثمَّ تكبّر الخامسة وتقول : ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النّارِ ). ولا تسلّم ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال » (٢).

ثمَّ المشهور أنّ هذا التوزيع هو الأفضل.

وعن العماني والجعفي أنّ الأفضل جميع الأذكار الأربعة عقيب كلّ تكبيرة (٣) ، وإن اختلفت عباراتهما في كيفيّة الأدعية ، كما ورد في موثّقة سماعة (٤).

__________________

(١) أي : وتستحبّ تأدية الأذكار ..

(٢) فقه الرضا «ع» : ١٧٧ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٤٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١.

(٣) حكاه عنهما في الذكرى : ٥٩.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٢ الجنازة ب ٥٤ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٩١ ـ ٤٣٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ ـ ١٨٤٩ ، الوسائل ٣ : ٦٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٦.

٣٠٨

وقيل : الأولى تكرار الدعاء له (١) ، كما ورد في رواية كليب (٢) ، بل التشهّد والصلاة على النّبي وآله بعد كلّ تكبيرة ، كما في صحيحتي أبي ولاّد (٣) ، والحلبي (٤).

ولا شكّ أنّه لا بأس بشي‌ء منها ، ويجوز العمل بكلّ منها ، بل بغيرها ممّا ورد في الروايات المخالفة لما ذكر ، كصحيحة زرارة (٥) ، وموثّقة عمّار (٦) ، وغيرهما ، وإن اختلفوا في الأفضل ، فمن رجّح المشهور فنظره إلى حصول موافقة الاحتياط ، والخروج عن الشبهة به ، ومن رجّح الأخير فنظر إلى صحّة الرواية وتعدّدها ، ومن رجّح الجمع بين الجميع في الجميع فكان نظر إلى الأمرين ، وليس ببعيد ، إذ المشهور لا يقول بحرمة الزائد عن الواجب قطعا.

ومنه يظهر فساد ما قيل ـ بعد ذكر تكرار الدعاء بل التشهّد والصلاة ونقل أولويّتها عن بعضهم ـ : ولعلّه لصحّة السند ، إلاّ أنّ الأفضل ما قدّمنا ، فإنّ دفع الشبهة وموافقة المشهور مهما أمكن لعلّه أولى (٧).

ثمَّ إنّه قد وردت في صحيحة الحلبيّ زيادة : « اللهم عفوك عفوك » بعد الدعاء المذكور فيها في كلّ تكبيرة ، وكذا في موثّقة عمّار في كلّ تكبيرة بعد أدعية مذكورة فيها ، وفي موضع من الفقه الرضوي في كلّ تكبيرة أيضا بعد أدعية مذكورة فيه (٨).

ولا ريب في رجحان ذكره لو دعا بهذه الأدعية ، ولا في جوازه ، بل رجحانه من حيث هو دعاء بعد كلّ دعاء آخر من الدعوات المتقدّمة. ويحتمل رجحانه‌

__________________

(١) كما حكاه في الرياض ١ : ٢٠٥ أيضا.

(٢) التهذيب ٣ : ٣١٥ ـ ٩٧٥ ، الوسائل ٣ : ٦٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٤ الجنائز ب ٥٤ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٩١ ـ ٤٣٦ ، الوسائل ٣ : ٦٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٤ الجنائز ب ٥٤ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ٦١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٣ الجنائز ب ٥٤ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٦١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٣٠ ـ ١٠٣٤ ، الوسائل ٣ : ٦٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١١.

(٧) الرياض ١ : ٢٠٥.

(٨) فقه الرضا «ع» : ١٨٥.

٣٠٩

بخصوصه أيضا بعد الكلّ ، إذ يظنّ من وروده في الروايات الثلاث مع اختلاف الأدعية أنّه راجح برأسه من غير تعلّقه بدعاء. فتأمّل.

المسألة السادسة : إن كان الميّت طفلا يستحبّ أن يقول في دعائه ما في رواية عمرو بن خالد : عن علي عليه‌السلام في الصلاة على الطفل أنّه : « كان يقول : اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا » (١).

وليس بواجب ، لعدم دلالتها على الوجوب ، وإن كان مطلق الدعاء ـ الصادق على ذلك أيضا ـ واجبا ، ولكن لا ينحصر به ، بل ولا في السؤال لجعله مصلحا لحال أبيه ، لتأتي رفع الدرجة وإعطاء المثوبة في حقّه.

ومقتضى إطلاق الرواية وكلام الأصحاب استحباب ذلك في الصلاة على الطفل الذي تجب الصلاة عليه أيضا ، إلاّ أنّ في الرضوي : « إنّ الطفل لا يصلّى عليه حتى يعقل الصلاة ، فإذا حضرت مع قوم يصلّون عليه فقل : اللهمّ اجعله لأبويه ولنا ذخرا ومزيدا وفرطا وأجرا » (٢) ولكنّه لا يدلّ على الاختصاص.

المسألة السابعة : ما مرّ من وجوب الدعاء للميّت‌ ، واستحباب توزيعه على النحو المتقدّم إنّما هو في الصلاة على المؤمن. وأمّا غير المؤمن ممّن تجب الصلاة عليه من المخالف والمستضعف ومجهول الحال ، فلا يجب الدعاء له ، بل يقول في كلّ منهم بدعائه.

أمّا في المخالف فيقول ما في صحيحة محمّد : « إن كان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا ، وقبره نارا ، وسلّط عليه الحيّات والعقارب » (٣) والجاحد وإن كان أعمّ منه ، إلاّ أنّه يكفي شموله له.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٥ ـ ٤٤٩ ، الوسائل ٣ : ٩٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٢ ح ١.

(٢) فقه الرضا «ع» : ١٧٨ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٧٢ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٩ الجنائز ب ٥٨ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ٧١ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٥.

٣١٠

وأمّا الأدعية التي وردت في بعض الأخبار في المنافق وعدوّ الله والعدوّ لأهل البيت من الذين لا تجب الصلاة عليهم (١) ـ فلأنّ صدق الموضوع على كلّ مخالف غير معلوم ـ خارجة عن محلّ الكلام ، وإنّما هي لمن ابتلي بصلاة هؤلاء لعذر ، أو المراد بالصلاة فيها مجرّد الدعاء.

وأمّا في المستضعف ـ وهو من لا يعرف الحق ، ولا يبغض أهله على اعتقادهم من غير تقصير ـ فيقول ما في صحيحة محمّد : « الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف : الصلاة على النبيّ ، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، تقول : ربّنا اغفر ( لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ). إلى آخر الآيتين » (٢) والآية الثانية هكذا ( رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٣).

أو ما في صحيحة زرارة ومحمّد : « الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف مذهبه : يصلّى على النبي وآله ، ويدعى للمؤمنين والمؤمنات ، ويقال : اللهم اغفر ( لِلَّذِينَ تابُوا ) » (٤) الآية.

وفي صحيحة ابن أذينة والفضيل : « وإن كان واقفا مستضعفا ، فكبّر ، وقل : اللهم اغفر للذين » (٥) الآية.

وفي صحيحة الحلبي : « إن كان مستضعفا فقل : اللهم اغفر للذين .. » (٦) الآية.

__________________

(١) انظر : الوسائل ٣ : ٦٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٦ الجنائز ب ٥٧ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٦٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٢.

(٣) الغافر : ٧ و ٨.

(٤) الفقيه ١ : ١٠٥ ـ ٤٨٩ ، الوسائل ٣ : ٦٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٧ الجنائز ب ٥٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٩٦ ـ ٤٥٠ ، الوسائل ٣ : ٦٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ١٨٧ الجنائز ب ٥٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٥ ـ ٤٩١ ، الوسائل ٣ : ٦٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٤.

٣١١

وأمّا في المجهول فتقول ما في هذه الصحيحة أيضا : « وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل : اللهم إن كان يحبّ الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ».

ونحوه في الرضوي (١).

وظاهر الأمر في هذه الأخبار الخالية عن المعارض الوجوب ، كما هو مذهب جماعة (٢).

ولا يعارض المجهول ما في صحيحة زرارة ومحمّد السابقة « المستضعف والذي لا يعرف مذهبه » لأنّه ليس صريحا في المجهول ، لاحتمال كون قوله : « لا يعرف » بصيغة الفاعل ، ويكون بيانا للمستضعف ، أي : لا يعرف الحقّ الذي هو مذهبه حقيقة.

وقيل بعدم الوجوب في الأول ، لأنّ التكبير عليه أربع ، وبها يخرج عن الصلاة (٣).

وفيه ـ مضافا إلى أنّه لا يتعيّن وقوع الدعاء وجوبا بعد الرابعة ، وإلى أنّه لا ضير في وجوب هذا الدعاء بعد الخروج ـ : منع كون التكبير هنا أربعا. وأمّا الأخبار الدالّة عليها فكما مرّ واردة في المنافق ، وصدقه على كلّ مخالف غير معلوم ، فتخصيص المخالف من أخبار الخمس لا دليل عليه ، وعدم معلومية التفرقة بين المنافق والمخالف غير ضائر ، وإنّما الضائر معلومية عدم التفرقة ، وهي غير حاصلة.

وظاهر تصريحات القوم كون هذه الدعوات في هذه الصلاة بعد الرابعة. ولا بأس بالقول باستحبابه ، لذلك.

المسألة الثامنة : تجب في هذه الصلاة مضافا إلى ما مرّ أمور :

__________________

(١) فقه الرضا «ع» : ١٧٨ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٥٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ١.

(٢) كالشهيد في البيان : ٧٦ ، وصاحب المدارك ٤ : ١٦٦ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٠٦.

(٣) كما في جامع المقاصد ١ : ٤٢٥.

٣١٢

منها : الاستقبال بلا خلاف‌ ، كما في المدارك والذخيرة والحدائق (١) ، بل الظاهر أنّه إجماعي ، كما يستفاد من كتب الأصحاب وعمل الناس مستمرا من الصدر الأول إلى هذا الزمان.

فهو الحجّة فيه ، مضافا إلى استفادته من رواية أبي هاشم الجعفري الواردة في الصلاة على المصلوب أيضا (٢) ، حيث علّل فيها وجوب القيام على منكبه الأيسر بقوله : « فإنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة » أوّلا ، وأمر بالقيام على المنكب المخالف للقبلة الموجب لمواجهة القبلة ثانيا. وقال : « وليكن وجهك إلى ما بين المشرق والمغرب » ثالثا.

وتؤيده أيضا روايتا جابر والرضوي الآتيتان في المسألة الثانية من البحث الرابع (٣).

ولو تعذر من المصلّي أو الميّت ، أو جهلت القبلة سقط وجوبه ، للأصل.

ومنها : القيام مع القدرة إجماعا‌ ، كما عن الذكرى وفي المدارك والذخيرة والحدائق (٤) ، والظاهر منها ومن استمرار عمل الناس عليه أنّه أيضا إجماعي.

ويسقط مع العجز قطعا.

وفي الاكتفاء بصلاة العاجز مع وجود القادر احتمالان ، أظهرهما الاكتفاء ، اقتصارا فيما يخالف الأصل على موضع الوفاق ، مضافا إلى اشتمال العمومات للعاجز أيضا ، فصلاته مشروعة ، فيؤدي بها الواجب.

ومنها : جعل رأس الميّت إلى يمين المصلّي في غير المأموم مع الإمكان‌ ، بلا خلاف أجده ، بل في الذخيرة والحدائق نفي الخلاف فيه صريحا (٥) ، وتؤيده ـ مع الاستمرار المتقدّم ـ موثّقة عمّار : عن ميّت صلّي عليه ، فلما سلّم الإمام فإذا الميّت‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٧٠ ، الذخيرة : ٣٣١ ، الحدائق ١٠ : ٤٢٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٥ الجنائز ب ٧٨ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢٧ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ٣ : ١٣٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٥ ح ١.

(٣) انظر ص ٣٣٦.

(٤) الذكرى : ٥٨ ، المدارك ٤ : ١٧١ ، الذخيرة : ٣٣١ ، الحدائق ١٠ : ٤٢٣.

(٥) الذخيرة : ٣٣١ ، الحدائق ١٠ : ٤٢٥.

٣١٣

مقلوب رجلاه إلى موضع رأسه ، قال : « يستوي وتعاد الصلاة عليه وإنّ حمل ما لم يدفن ، فإذا دفن فقد مضت الصلاة ولا يصلّى عليه » (١).

بل في مفهوم الشرط في قوله : « فإذا دفن فقد مضت » دلالة على المطلوب.

قالوا : ولا بدّ مع ذلك من كون الميّت مستلقيا (٢).

ومنها : تقارب المصلّي إلى الجنازة بحيث لا يكون متباعدا كثيرا‌ ، ذكره جمع من الأصحاب (٣) ، واستدلّ بالتأسيّ ، وأصل الاشتغال ، وعدم صدق الصلاة عليه مع كثرة البعد.

وفي الكلّ نظر ، إلاّ أنّه لم ينقل فيه خلاف ، وعليه استمرار العمل من الصدر الأوّل.

قالوا : والمرجع فيه إلى العرف (٤).

وعن الذكرى : لا يجوز التباعد بمائتي ذراع (٥).

وعن الفقيه القرب بحيث لو هبّت الريح تصل الثوب إلى الجنازة (٦). وكأنّ مراده الاستحباب.

وصرّح جماعة (٧) باشتراط عدم ارتفاع الجنازة عن موقف المصلّي ، ولا انخفاضها كثيرا. فإن ثبت الإجماع ، وإلاّ ففيه النزاع.

ولا يضرّ الاختلاف الغير البالغ حدّ التفاحش قطعا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٤ الجنائز ب ٤٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠١ ـ ٤٧٠ ، التهذيب ٣ : ٣٢٢ ـ ١٠٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ـ ١٨٧٠ ، الوسائل ٣ : ١٠٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٩ ح ١.

(٢) كما في الدروس ١ : ١١٣ ، والذخيرة : ٣٣١.

(٣) منهم الشهيد في الدروس ١ : ١١٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٣١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٢٦.

(٤) كما في الذخيرة : ٣٣١.

(٥) الذكرى : ٦١.

(٦) الفقيه ١ : ١٠١.

(٧) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٠٨ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٣١ ، فراجع.

٣١٤

ولا يجب رفع الحائل بين المصلّي وبين الجنازة ، للأصل.

ومنها : كون الصلاة بعد التغسيل ـ أو ما في حكمه من التيمّم‌ عند تعذّره ـ والتكفين ، حيث يجبان ، فظاهرهم الاتّفاق عليه ، كما في الحدائق (١) ، وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافا (٢) ، وفي المدارك : هذا قول العلماء كافّة (٣).

فإن ثبت الإجماع كما هو الظاهر ، وإلاّ فالأصل وصدق الامتثال يقتضيان العدم.

وكيف كان تصحّ صلاة الجاهل والناسي قبل ذلك ، لعدم ثبوت الإجماع فيهما.

ولو كان الميّت فاقدا للكفن يغسّل فيجعل في القبر ، وتستر عورته بلبنة أو نحوها ، ويصلّى عليه ثمَّ يدفن ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة (٤).

لموثّقة عمّار : في قوم كانوا في سفر فإذا هم برجل ميّت عريان ، وهم عراة ، فكيف يصلّون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال : « يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته ، ويصلّى عليه ، ثمَّ يدفن » (٥).

وإن أمكن ستر عورته بثوب صلّي عليه قبل الوضع في لحده ، لمفهوم مرسلة ابن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام الواردة في قوم يمشون على الشط ، فإذا هم برجل ميّت عريان ، وليس للقوم ثوب يوارونه ، فكيف يصلّون عليه؟ قال : « إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره ويضعونه في لحده ، يوارون عورته بلبن أو حجار أو تراب ، ثمَّ يصلّون عليه ، ثمَّ يوارونه في قبره » قلت : ولا يصلّون عليه وهو مدفون بعد ما يدفن؟ قال : « لو‌

__________________

(١) الحدائق ١٠ : ٤٢٥.

(٢) المنتهى ١ : ٤٥٦.

(٣) المدارك ٤ : ١٧٣.

(٤) كالمدارك ٤ : ١٧٣ ، والرياض ١ : ٢٠٥.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٤ الجنائز ب ٧٧ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٠٤ ـ ٤٨٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٩ ـ ٤٠٦ ، التهذيب ٣ : ٣٢٧ ـ ١٠٢٢ ، الوسائل ٣ : ١٣١ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦ ح ١.

٣١٥

جاز ذلك لأحد لجاز لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يصلّى على المدفون ولا على العريان » (١).

وهل هو على سبيل الوجوب أو الجواز؟ فيه وجهان ، والأظهر الثاني ، للأصل ، وقصور الرواية عن الدلالة على الوجوب.

المسألة التاسعة : لا تشترط في هذه الصلاة الطهارة من الحدث‌ ، بالإجماع المصرّح به في جملة من الكتب ، كالخلاف والتذكرة والمنتهى والذكرى وروض الجنان والروضة (٢) ، والمستفيضة من الأخبار ، كصحيحة محمّد (٣) ، وموثّقة يونس (٤) والرضوي (٥) ، معلّلا في بعضها بأنّه إنّما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل ، وفي آخر بأنّه ليس بالصلاة إنّما هو التكبير ، والصلاة هي التي فيها الركوع والسجود ، والأخبار المصرّحة بجواز هذه الصلاة من الحائض ، كصحيحة محمّد (٦) ، وموثّقة سماعة (٧) ، وروايات عبد الحميد (٨) ، وعبد الرحمن (٩) وابن المغيرة (١٠) ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٢٨ ـ ١٠٢٣ ، المحاسن : ٣٠٣ ـ ١٢ ، الوسائل ٣ : ١٣٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الخلاف ١ : ٧٢٤ ، التذكرة ١ : ٤٩ ، المنتهى ١ : ٤٥٥ ، الذكرى : ٦٠ ، الروض : ٣٠٩ ، الروضة ١ : ١٣٩.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٨ الجنائز ب ٤٩ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ١١٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٨ الجنائز ب ٤٩ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ٤٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ـ ٤٧٥ ، الوسائل ٣ : ١١٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٣.

(٥) فقه الرضا «ع» : ١٧٩ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٦٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٨ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ١٧٩ الجنائز ب ٥٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ٤٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ـ ٤٧٩ ، الوسائل ٣ : ١١٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ٤٩٧ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ـ ٤٨١ ، الوسائل ٣ : ١١٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ٥.

(٨) الكافي ٣ : ١٧٨ الجنائز ب ٤٩ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ـ ٤٧٦ ، الوسائل ٣ : ١١٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٢.

(٩) الكافي ٣ : ١٧٩ الجنائز ب ٥٠ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ـ ٤٧٨ ، الوسائل ٣ : ١١٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ٣.

(١٠) التهذيب ٣ : ٢٠٤ ـ ٤٨٢ ، الوسائل ٣ : ١١٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ٤.

٣١٦

والرضوي (١).

ولا من الخبث ، كما صرّح به بعض الأصحاب (٢) ، للأصل السالم عن المعارض ، المؤكّد بإطلاقات أخبار جواز صلاة الحائض ، مع عدم انفكاكها عن الخبث غالبا.

ولا ستر العورة ، للأصل المذكور ، وفاقا للفاضل (٣) ، وخلافا للذكرى (٤) ، لوجه غير وجيه.

ولا قراءة فيها واجبا إجماعا ، كما عن الخلاف والروض (٥) ، للأصل ، وصحيحة محمّد وزرارة وموثّقة يونس ، المتقدّمتين في المسألة الثالثة (٦).

وأمّا ما في رواية القداح من « أنّ عليا كان إذا صلّى على ميّت يقرأ بفاتحة الكتاب » (٧).

ورواية ابن سويد : في الصلاة على الميّت « يقرأ في الأولى بأمّ الكتاب » (٨).

فلا يدلاّن على الوجوب وغايتهما الاستحباب ، ولا بأس به إن لم يكن عدمه إجماعيا كما ادّعاه في الروض بل الخلاف (٩) ، ولكنّ الظاهر من الذكرى عدم ثبوته (١٠) ، بل ظاهر المنتهى جواز قراءة الفاتحة ، حيث قال في الجواب عن الرواية‌

__________________

(١) فقه الرضا «ع» : ١٧٩ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٧٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ١.

(٢) انظر : روض الجنان : ٣٠٩.

(٣) المنتهى ١ : ٤٥١ ، التحرير : ١٩.

(٤) الذكرى : ٥٨.

(٥) الخلاف ١ : ٧٢٣ ، الروض : ٣٠٩.

(٦) راجع ص ٣٠٥.

(٧) التهذيب ٣ : ٣١٩ ـ ٩٨٨ ، الاستبصار ١ : ٤٧٧ ـ ١٨٤٥ ، الوسائل ٣ : ٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ٤.

(٨) التهذيب ٣ : ١٩٣ ـ ٤٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٧٧ ـ ١٨٤٤ ، الوسائل ٣ : ٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ٥.

(٩) الروض : ٣٠٩ ، الخلاف ١ : ٧٢٣.

(١٠) الذكرى : ٦٠.

٣١٧

بأنّ وقوعه مرّة لا يدلّ على الوجوب ، ونحن لم نوظّف فيها شيئا ، بل المستحب الشهادة ، ومعناها موجود في الفاتحة فجاز أن يقرأها (١).

ولا ينافيه الصحيح والموثّق المذكوران ، لاحتمالهما نفي الوجوب. بل هو الظاهر من الصحيح ، حيث إنّ النفي تعلّق بها وبالدعاء الموقّت ، مع أنّه مستحب إجماعا ، وحمل الروايتين على التقيّة إنّما هو إذا كان لهما معارض ينافيهما. والأحوط الترك.

ولا تسليم كذلك ، إجماعا أيضا كما عن السيّد والخلاف والذكرى والروضة (٢).

وتدلّ عليه المستفيضة من الأخبار كصحيحتي الحلبي (٣) ، والأشعري (٤) ، ورواية الحلبي (٥) ، والمرويّين في الفقه الرضوي (٦) ، وتحف العقول (٧) ، النافية جميعا التسليم في صلاة الميّت ، وبإزائها روايات دالّة بظاهرها على الاستحباب (٨) ، والكلام فيه هنا كالكلام فيه في القراءة.

وهل يشترط فيها ترك ما يجب تركه في سائر الصلوات ـ غير الحدث والخبث ـ من التكلّم والالتفات والفعل الكثير والقهقهة وغيرها؟.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٥٢.

(٢) السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٢ ، والانتصار : ٥٩ ، الخلاف ١ : ٧٢٤ ، الذكرى : ٦٠ ، الروضة ١ : ١٣٩.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٥ الجنائز ب ٥٥ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٩٢ ـ ٤٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٧٧ ـ ١٨٤٧ ، الوسائل ٣ : ٩١ أبواب صلاة الجنازة ب ٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ١٩٢ ـ ٤٣٩ ، الاستبصار ١ : ٤٧٧ ـ ١٨٤٨ ، الوسائل ٣ : ٩١ أبواب صلاة الجنازة ب ٩ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٥ الجنائز ب ٥٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٩٢ ـ ٤٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٧٧ ـ ١٨٤٦ ، الوسائل ٣ : ٩١ أبواب صلاة الجنازة ب ٩ ح ٣.

(٦) فقه الرضا «ع» : ١٨٤ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٦٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٩ ح ١.

(٧) تحف العقول : ٤١٨ ، الوسائل ٣ : ٩١ أبواب صلاة الجنازة ب ٩ ح ٥.

(٨) كموثقة عمّار ورواية يونس. انظر الوسائل ٣ : ٦٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١٠ و ١١.

٣١٨

ظاهر المدارك والذخيرة بل صريحهما الاستشكال (١). وهو في موقعه ، لعدم الدليل ، وعدم ثبوت الإجماع بل ولا نقله ، والأصل هو المناص ، والاحتياط أولى.

المسألة العاشرة : تستحب في هذه الصلاة مضافا إلى ما مرّ أمور :

منها : وقوف المصلّي عند وسط الرجل وصدر المرأة على المشهور‌ ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٢) ، لرواية ابن المغيرة : « من صلّى على امرأة فلا يقوم في وسطها ، ويكون ممّا يلي صدرها ، وإذا صلّى على الرجل ، فليقم في وسطه » (٣).

وفي الرضوي : « إذا أردت أن تصلّي على الميّت ، فكبّر عليه خمس تكبيرات ، يقوم الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة » (٤).

وعن الاستبصار الوقوف عند رأس المرأة وصدر الرجل (٥) ، لرواية موسى ابن بكر : « إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها ، وإذا صلّيت على الرجل فقم عند صدره » (٦).

وعن الخلاف ووالد الصدوق عكس ما في الاستبصار (٧) ، لنقل الأوّل الإجماع عليه.

وفي رواية جابر : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم من الرجل بحيال السرّة ومن النساء أدون من ذلك قبل الصدر » (٨).

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٧٢ ، الذخيرة : ٣٣١.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٦ الجنائز ب ٤٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٩٠ ـ ٤٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٨ ، الوسائل ٣ : ١١٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٧ ح ١.

(٤) فقه الرضا «ع» : ١٨٣ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢٥٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٢.

(٥) الاستبصار ١ : ٤٧١.

(٦) الكافي ٣ : ١٧٧ الجنائز ب ٤٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٩٠ ـ ٤٣٢ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٧ ، الوسائل ٣ : ١١٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٧ ح ٢.

(٧) الخلاف ١ : ٧٣٠ ، حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ١١٩.

(٨) التهذيب ٣ : ١٩٠ ـ ٤٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧١ ـ ١٨١٩ ، الوسائل ٣ : ١١٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٧ ح ٣.

٣١٩

واستظهر بعض مشايخنا الجمع بين الأخبار الثلاثة بالتخيير (١).

والوجه التخيير بين الكلّ ، جمعا. وعدم ظهور قائل بما حكي عن الخلاف علينا لا يضرّ ، لأنّ الإجماع المنقول يكفي في إثبات الاستحباب. نعم عن المقنع إطلاق الوقوف على الصدر (٢) ، ومستنده غير واضح.

ومقتضى ظاهر أكثر الأخبار الوجوب ، إلاّ أنّ الإجماع أوجب الصرف عنه.

والعموم (٣) ، إلاّ أنّ تعسّره بل تعذّره عند التعدّد ، واستمرار العمل على خلافه أوجب التخصيص بالإمام والمنفرد. ولو اقتصر على ما إذا كثر المأمومون لكان أولى ، فيقف المأموم الواحد أو الاثنان خلف الإمام مقام الاستحباب ، ويدلّ عليه ما سيأتي من استحباب وقوف المأموم الواحد خلف الإمام ، فالتخصيص بالأوّلين مطلقا ليس بحسن.

ثمَّ إنّ لاستحباب هذا الوقوف قالوا : إذا تعدّدت الجنائز المختلفة بالذكورة والأنوثة جعل وسط الأوّل محاذيا لصدر الثانية (٤).

ولكنّ الأخبار الواردة عند التعدّد لا تساعده (٥) ، بل منها ما صرّح بوضع المرأة عند رجلي الرجل ، ومنها ما صرّح بوضع رأسها على أليتيه أو وركه. والأخيران أخصّان من الأوّل ، والمجموع ممّا مرّ ، لشمولهما الوحدة والتعدّد ، والاختلاف وعدمه ، والعمل بالخاصّ مقدّم.

ومنها : أنّه إذا اجتمعت الجنائز المختلفة‌ جعل الرجل ممّا يلي الإمام والمرأة‌

__________________

(١) انظر : الحدائق ١٠ : ٤٢٧.

(٢) المقنع : ٢١.

(٣) عطف على الوجوب ، أي : مقتضى ظاهر أكثر الأخبار العموم.

(٤) كما في المختصر النافع : ٤٠ ، وكشف اللثام ١ : ١٢٦ ، والرياض ١ : ٢٠٥.

(٥) انظر : الوسائل ٣ : ١٢٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢.

٣٢٠