مستند الشّيعة - ج ٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-81-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٩١

فاقضها ولا تغتسل » (١).

ويردّ الأوّل : بعدم الحجيّة ، مع احتمال اختصاصه ـ كما قيل (٢) ـ باحتراق الكلّ ، ومعارضته بنقل ادّعاء الإجماع على انتفاء القضاء في هذه الصورة عن القاضي (٣) ، ونفي الخلاف إلاّ عن المفيد كما عن ظاهر التذكرة (٤).

والثاني : بوجوب تخصيصها بما مرّ من الأدلّة الخاصّة المعتضدة بالأصل والشهرة.

والثالث : بضعفة الخالي عن الجابر في المقام بالمرّة ، مع معارضته بما هو أخصّ مطلقا منه من رواية حريز السالفة.

المسألة الرابعة : لو ترك صلاة غير الكسوفين والزلزلة من الآيات جهلا به ، فعن الشرائع والتذكرة والتحرير والبيان (٥) ، بل نسبه جماعة إلى المشهور (٦) ، بل قيل : إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا (٧) : عدم وجوب القضاء ، للأصل ، وعدم دليل سوى العمومات المتبادرة منها اليوميّة ، مع أنّها إنّما تدلّ على الوجوب على مفوّت الفريضة ، وهي ليست فريضة بالنسبة إليه ، لامتناع تكليف الغافل ، وفحوى ما دلّ عليه في الكسوفين ، لكون وجوب صلاتهما أقوى.

ولو كان عن عمد ، فعن التحرير والذكرى : وجوب القضاء (٨) ، واحتمله في نهاية الإحكام (٩).

__________________

(١) فقه الرضا «ع» : ١٣٥ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٧٤ أبواب صلاة الآيات ب ٩ ح ١.

(٢) انظر : الرياض ١ : ١٩٩.

(٣) انظر : شرح جمل العلم والعمل : ١٣٦.

(٤) التذكرة ١ : ١٦٣.

(٥) الشرائع ١ : ١٠٣ ، التذكرة ١ : ١٦٣ ، التحرير ١ : ٤٧ ، البيان : ٢٠٨.

(٦) كما في الذخيرة : ٣٢٥ ، والرياض ١ : ١٩٩.

(٧) كما في المدارك ٤ : ١٣٤.

(٨) التحرير ١ : ٤٧ ، الذكرى : ٢٤٤.

(٩) نهاية الاحكام ٢ : ٧٨.

٢٤١

وقوّى في الروضة وجوبه على التقديرين (١) ، ومال إليه في الذخيرة (٢). وهو قوّى جدّا ، للعمومات الشاملة لمثلها أيضا ، لعدم ظهور مخصص ، ولو لم يكن واجبا في الوقت ، كما يأتي في بحث القضاء.

وأمّا الزلزلة فتجب مدّة العمر ، للأمر المطلق ، وعدم ثبوت التوقيت فيها.

__________________

(١) الروضة ١ : ٣١٥.

(٢) الذخيرة : ٣٢٥.

٢٤٢

البحث الثالث

في كيفيتها‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : هي ركعتان ، فيهما عشر ركوعات وقيامات وقراءات ، وأربع سجدات‌ ، بعد كلّ خمس ركوعات سجدتان ، وقبل كلّ ركوع قراءة.

فينوي ، ثمَّ يكبّر للإحرام ، فيقرأ وجوبا ، ثمَّ يركع فيقوم من غير أن يسجد ، فيقرأ ، ثمَّ يركع ، ثمَّ يقوم ويقرأ ويركع ، ثمَّ كذلك ، ثمَّ كذلك ، ويسجد بعد الركوع الخامس ، فيقوم ويفعل كما فعل في الأولى ، بالإجماع المحقّق والمحكيّ عن الناصريّات والانتصار والخلاف والمعتبر والمنتهى وغيرها (١) ، له ، وللمستفيضة كصحيحة زرارة ومحمّد : « هي عشر ركعات وأربع سجدات ، تفتتح الصلاة بتكبيرة ، وتركع بتكبيرة ، وترفع رأسك بتكبيرة إلاّ في الخامسة التي تسجد فيها ، وتقول : سمع الله لمن حمده ، وتقنت في كلّ ركعتين قبل الركوع ، وتطيل القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود ، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد فادع الله حتّى ينجلي ، وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي ، وتجهر بالقراءة » (٢) الحديث ، كما يأتي.

وصحيحة الحلبيّ : « عن صلاة الكسوف كسوف الشمس والقمر ، قال : عشر ركعات وأربع سجدات ، تركع خمسا ، ثمَّ تسجد في الخامسة ، ثمَّ تركع‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٤ ، الانتصار : ٥٩ ، الخلاف ١ : ٦٧٩ ، المعتبر ٢ : ٣٣٤ ، المنتهى ١ : ٣٥٠ ، وانظر : التذكرة ١ : ١٦٢ ، والرياض ١ : ٢٠٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٣ الصلاة ب ٩٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

٢٤٣

خمسا ، ثمَّ تسجد في العاشرة » (١) الحديث.

وصحيحة الرهط : « إنّ الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء ، وأشدّها وأطولها كسوف الشمس ، تبدأ فتكبّر بافتتاح الصلاة ، ثمَّ تقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثمَّ تركع ثمَّ ترفع رأسك من الركوع ، فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثمَّ تركع الثانية ثمَّ ترفع رأسك من الركوع ، فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثمَّ تركع الثالثة ثمَّ ترفع رأسك من الركوع ، فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثمَّ تركع الرابعة ثمَّ ترفع رأسك من الركوع ، فتقرأ أمّ الكتاب وسورة ، ثمَّ تركع الخامسة ، فإذا رفعت رأسك قلت : سمع الله لمن حمده ، ثمَّ تخرّ ساجدا فتسجد سجدتين ، ثمَّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى » (٢) الحديث.

والرضويّ : « إنّ صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات ، تفتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ، ثمَّ تقرأ الفاتحة وسورا طوالا ، وطوّل في القراءة والركوع والسجود ما قدرت ، فإذا فرغت من القراءة ركعت ، ثمَّ رفعت رأسك بتكبير ولا تقول : سمع الله لمن حمده ، تفعل ذلك خمس مرّات ، ثمَّ تسجد سجدتين ، ثمَّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الركعة الاولى » (٣).

والدعائميّ : « صلاة الكسوف في الشمس والقمر وعند الآيات واحدة ، وهي عشر ركعات وأربع سجدات ، يفتتح الصلاة بتكبيرة ويقرأ بفاتحة الكتاب وسورة طويلة ويجهر فيها بالقراءة ، ثمَّ يركع فيلبث راكعا مثل ما قرأ ، ثمَّ يرفع رأسه ويقول : الله أكبر » (٤) وساق الحديث قريبا ممّا مرّ.

وأمّا روايتا أبي البختري ويونس الدالّة أولاهما على أنّ عليّا عليه‌السلام

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٣٣ ، الوسائل ٧ : ٤٩٥ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٧.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٧ : ٤٩٢ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ١.

(٣) فقه الرضا «ع» : ١٣٤ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٦ ح ١.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ٢٠٠ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٦ ح ٢.

٢٤٤

صلّى في الكسوف ركعتين في أربع ركعات وأربع سجدات (١) ، وثانيتهما على أنّ أبا جعفر عليه‌السلام صلّى حال الخسوف ثماني ركعات (٢).

فشاذّتان ، وعلى التقيّة ـ لموافقتهما للعامّة كما صرّح به جماعة (٣) ـ محمولتان ، مع أنّهما سيّما الثانية ليستا صريحتين في أنّ ما فعلاه كان صلاة الكسوف.

المسألة الثانية : تجب القراءة قبل كلّ ركوع كما مرّ ، إجماعا.

وكيفيتها أن يقرأ بعد تكبيرة الافتتاح وقبل الركوع الأوّل الحمد وسورة أو بعضها فيركع ، فإذا انتصب منه قرأ الحمد ثانيا وسورة أو بعضها إن كان أتمّ السورة في الاولى ، وإلاّ فلا يقرأ الحمد ، بل يقرأ السورة من حيث قطع خاصّة ، فيركع ، فإذا انتصب يقرأ الحمد وسورة أو بعضها مع تمام السورة في الثانية ، والسورة خاصّة من حيث قطعها في الثانية بدونه ، وهكذا يفعل إلى أن يتمّ خمس ركوعات ، فيسجد بعد الخامسة ، فإذا قام من السجود قرأ الحمد وسورة أو بعضها وركع ، فإذا انتصب قرأ كما في الركعة الأولى إلى أن يتمّ خمس ركوعات.

وعلى هذا فتتعيّن الفاتحة قبل الركوع الأوّل بعد النيّة وقبل السادس بعد القيام من السجود ، وأمّا قبل سائر الركوعات فيتخيّر بين قراءة الفاتحة وعدمها ، بمعنى أنّه إن أتمّ السورة في الركوع السابق تجب قراءة الحمد ، وإلاّ فلا.

بلا خلاف من أحد مطلقا في الأوّل أي أصل تعيّن الفاتحتين. وصرّح به في تتمّة صحيحة الحلبيّ المتقدّمة (٤) قال : « وإن شئت قرأت سورة في كلّ ركعة ، وإن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة ، فإذا قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٩ ، الاستبصار ١ : ٤٥٢ ـ ١٧٥٣ ، الوسائل ٧ : ٤٩٣ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ـ ٨٨٠ ، الاستبصار ١ : ٤٥٣ ـ ١٧٥٤ ، الوسائل ٧ : ٤٩٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٥.

(٣) كالشيخ في الخلاف ١ : ٦٧٩ والتهذيب ٣ : ٢٩٢ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣٥٠.

(٤) في ص ٢٤٣.

٢٤٥

الكتاب ، وإن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلاّ في أوّل ركعة حتّى تستأنف أخرى ».

وبلا خلاف من أحد ـ صريح ـ في موضع تعيّن الفاتحتين ، وتدلّ عليه أيضا الصحيحة المذكورة.

وعن الفاضل : الاحتمال ضعيفا أنّه إن لم يتمّ السورة قبل الركوع الخامس لا تجب الفاتحة قبل السادس ، بل يقرأ من حيث قطع السورة ، ولكن قال : تجب الفاتحة في ركوع آخر من الثانية حيث لا يجوز الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين (١).

وقوّى في الحدائق ذلك الاحتمال بما يأتي من النهي عن قراءة الفاتحة إن لم يتمّ السورة (٢).

أقول : لا يخفى أنّ قوله في الصحيحة « إلاّ في أوّل ركعة » أخصّ مطلقا ممّا يأتي ، ومقتضاه أنّ النهي إنّما هو في غير أوّل ركعة فيجب التخصيص به.

مع أنّه لا إطلاق أو عموم يدلّ على جواز القطع خلال السورة في الركوع الخامس والأخذ منه في السادس ، ولو كان لكان مقتضاه جواز ذلك في تمام الركوعات ، فإيجاب حمد في الثانية يكون مخالفا له ، للنهي المذكور.

وبلا خلاف من غير المحكيّ عن الحلّي (٣) ، ومحتمل الروضة (٤) ، في الثاني ، فلم يوجب الحمد زيادة على مرّة في كلّ من الركعة الاولى والثانية مطلقا ولو أكمل السورة وأتمّها في كلّ ركوع ، بل استحبّها.

وهو محجوج ـ بعد ظاهر الإجماع المحقّق ، والمحكيّ ظاهرا في كلام جماعة (٥) كما قيل ـ بالأمر الدالّ على الوجوب في المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيحة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٦٢.

(٢) الحدائق ١٠ : ٣٣٣.

(٣) حكاه عنه في الحدائق ١٠ : ٣٣١.

(٤) الروضة ١ : ١٢.

(٥) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٣٣٤ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣٥٠ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٠٠.

٢٤٦

المتقدّمة ، ومنها تتمّة صحيحة زرارة ومحمّد (١) : قال ، قلت : كيف القراءة فيها؟ فقال : « إن قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ، ولا تقرأ فاتحة الكتاب ».

والصحيحان المرويّان في مستطرفات السرائر وكتاب عليّ بن جعفر وفيهما : عن القراءة في صلاة الكسوف ، قال : « تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب » قال : « فإذا ختمت سورة وبدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتّى تختم السورة » (٢).

ويؤيّده الرضويّ : « ولا تقرأ سورة الحمد إلاّ إذا انقضت السورة ، فإذا بدأت بالسورة بدأت بالحمد » (٣).

ثمَّ إنّه كما أنّ قراءة الحمد بعد إكمال السورة واجبة عزيمة ، فهل تركها مع عدم إكمالها أيضا كذلك للنهي ، أم تجوز قراءتها أيضا؟.

الظاهر : الثاني ، لا لما قيل من أنّ النهي لوروده مورد توهّم الوجوب لا يفيد الحظر ، لأنّ الحقّ إفادته له حينئذ أيضا.

بل لعدم النهي صريحا ، لوروده بما يحتمل الجملة المنفيّة الغير الصريحة في الحرمة.

ثمَّ إنّ الموجب للفاتحة هل هو ختم السورة في الركوع السابق ـ إمّا بقراءتها أجمع فيه أو مع ما قبله ، أو بقراءة بعضها الأخير خاصّة إن جاز ـ أو الابتداء بالأخرى في الركوع الذي فيه أخذا من مبدئها أو أثنائها إن جاز؟.

مقتضى الصحيحين الأخيرين والرضويّ الأوّل ، ومقتضى قوله في الصحيحة الأولى : « حتّى تستأنف أخرى » الثاني.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٤٣.

(٢) مستطرفات السرائر : ٥٤ ـ ٧ ، مسائل علي بن جعفر «ع» : ٢٤٨ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ٧ : ٤٩٧ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ١٣.

(٣) فقه الرضا «ع» : ١٣٤ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٦ ح ١.

٢٤٧

والأوّل أظهر ، لصراحة مقتضية ، وإمكان ورود الثاني مورد الغالب من عدم الاستئناف ما لم يختم الأولى ، أو محمولا على عدم جواز الاستئناف ما لم يختم السابقة ، وعدم جواز الاقتصار على النصف الأخير من السورة من غير قراءة نصفها الأوّل في ركوع هذا النصف أو ما قبله.

هذا حكم الفاتحة.

وأمّا السورة فانعقد الإجماع على وجوبها فيها ، وهو الحجّة فيه ، دون الأخبار ، لخلوّها عن الأمر بها ، غايتها تضمنّها الجمل الخبريّة المقترنة بما ليس للوجوب أيضا ، ولو كان أمر فهو أيضا مقترن بما ليس للوجوب قطعا ، نعم في قوله « فاقرأ من حيث نقصت » في صحيحة زرارة ومحمّد نوع دلالة.

وكذا انعقد الإجماع على وجوب سورة تامّة أو بعض سورة قبل كلّ ركوع.

والظاهر انعقاده على وجوب إتمام سورة واحدة في الركوعات العشر أيضا.

وتدلّ صحيحة زرارة ومحمّد على وجوب الأخذ فيما بعده من حيث قطع لو اكتفى بالبعض.

وهذا هو القدر الثابت وجوبه في أحكام السورة ، بل لا يبعد وجوب إتمام السورة في كلّ ركعة من الركعتين حتّى لا تخلو ركعة عن سورة تامّة ، أو إتمام سورتين في الركعتين حتّى لا يخلو مجموع الصلاة عن السورتين.

وأمّا ما عدا ذلك فلم يثبت وجوبه ، فليعمل فيه بالأصل.

فتجوز له قراءة عشر سور ، في كلّ ركعة سورة ، وأقلّ منها إلى اثنتين ، مخيّرا في كيفيّة التوزيع في الناقص عن العشر ، فيقرأ خمسا في ركعة وأربعا أو أقلّ في أخرى ، أو واحدة في ركعة وواحدة في أخرى ، أو واحدة وبعضها في ركعة ومثلها في الأخرى ، وهكذا إلى غير ذلك من الفروع المتكثّرة.

بل تجوز قراءة سورتين أو أزيد وبعض سورة.

نعم لو شرع ابتداء في سورة يجب إتمامها بالترتيب ، لأنّه مقتضى وجوب سورة تامّة ووجوب القراءة من حيث قطع.

٢٤٨

بل مقتضى وجوب إتمام السورتين مع وجوب الأخذ من موضع القطع وجوب إتمام سورتين ابتداء ، وكذا مقتضى الأخير عدم جواز رفض سورة كما جوّزه بعضهم (١).

المسألة الثالثة : تستحبّ في هذه الصلاة أمور :

منها : أنّه إن فرغ عن الصلاة قبل تمام الانجلاء جلس في مصلاّه ودعا الله سبحانه ومجّده ، أو يعيد الصلاة.

أمّا الأوّل فلصحيحة زرارة ومحمد المتقدمة في المسألة الاولى (٢).

والمرويّ في الدعائم : صلّى عليّ عليه‌السلام صلاة الكسوف ، فانصرف قبل أن ينجلي ، فجلس في مصلاّه يدعو ويذكر الله ، وجلس الناس كذلك يدعون ويذكرون الله حتّى تجلّت (٣).

وأمّا الثاني فلصحيحة ابن عمّار السابقة في المسألة الاولى من البحث الثاني (٤).

ويدلّ عليهما أيضا الرضويّ : « وإن صلّيت وبعد لم ينجل فعليك الإعادة ، أو الدعاء والثناء على الله تعالى وأنت مستقبل القبلة » (٥).

وظاهر الثالثة وإن كان وجوب الإعادة بخصوصها ، كما عن ظاهر السيّد والحلبيّ والديلميّ (٦) ، واختاره بعض مشايخنا الأخباريّين (٧) ، ومفاد الاولى وجوب القعود بخصوصه ، ومقتضى الرابعة الوجوب التخييريّ بينهما ، كما هو ظاهر‌

__________________

(١) كما في الروضة ١ : ٣١٢.

(٢) راجع ص ٢٤٣.

(٣) الدعائم ١ : ٢٠١ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٧٣ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٧ ح ٢.

(٤) في ص ٢٣٠.

(٥) فقه الرضا «ع» : ١٣٥ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٧٣ أبواب صلاة الآيات ب ٧ ح ١.

(٦) السيّد في جمل العلم ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤٦ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥٦ ، الديلمي في المراسم : ٨١.

(٧) الحدائق ١٠ : ٣٣٤.

٢٤٩

الصدوق في الفقيه (١) ، بل والده في الرسالة (٢) وإن نفى القول به في المدارك والذخيرة (٣).

إلاّ أنّ ضمّ موثّقة الساباطيّ ـ المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الثاني (٤) ـ مع الثالثة يخرجها عن الظهور ، ويصير قرينة على إرادة عدم المنع من النقيض عنها.

وحمل الموثّقة على الفراغ من الصلاة الأولى بعيد غايته ، وعدم فتوى واحد بمفاد الاولى يمنعها عن الحجيّة وإثبات خلاف الأصل بها ، وكذا ضعف الرابعة ، فلم يبق إلاّ الحكم باستحبابهما مخيّرا.

ومنهم من أجاب عن دليل وجوب الإعادة عليه : بمعارضته مع دليل وجوب القعود ، والجمع بينهما يمكن بالتخيير وبالحمل على الاستحباب ، وإذ لا قول بالأوّل ، فيبقى الثاني. مع أنّه أرجح ، لموافقته الأصل (٥).

وفيه : أنّ بعد تحقّق التعارض يتعيّن التخيير ، لأنّه حكم المتعارضين الخاليين عن المرجّح ، فلا يساويه الحمل على الاستحباب. وهذا التخيير حكم اضطراريّ لمن لا يعلم الترجيح ، فلا ضير في عدم القائل به إلاّ إذا علم عدم القائل به مع التعارض وعدم الترجيح أيضا ، أي علم الإجماع على عدم التخيير مع التعارض أيضا ، وهو هنا غير معلوم ، بل القائل بالتخيير أيضا موجود.

وقد أنكر الحلّي استحباب الإعادة أيضا (٦) ، فإن أراد معيّنة ـ كما هو المحتمل ـ فهو كذلك ، وإن أراد مطلقا فلا وجه له إلاّ على أصله من عدم حجيّة الآحاد.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٤٧.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ١١٧.

(٣) المدارك ٤ : ١٤٣ ، الذخيرة : ٣٢٦.

(٤) راجع ص ٢٣٠.

(٥) انظر : الرياض ١ : ٢٠٠.

(٦) السرائر ١ : ٣٢٤.

٢٥٠

ومنها : أن يطوّل في صلاته بقدر زمان الكسوف تقريبا‌

المعلوم بالحسّ ، أو المظنون بالاستصحاب ، بإجماع العلماء كما عن المعتبر (١) ، وعن المنتهى لا نعرف فيه خلافا (٢) ، له ، وللموثّقة المتقدّمة ، والرضوي : « وتطوّل في الصلاة حتّى ينجلي » (٣) وغير ذلك.

ولو انجلى وبقي شي‌ء من الصلاة أتّمها ، كما مرّ في النصّ ، ويخففها ، صرّح به في الرضوي قال بعد ما ذكر : « وإذا انجلى وأنت في الصلاة فخفّف ».

والمستفاد من الأخبار أشديّة استحباب التطويل في كسوف الشمس.

ومقتضى إطلاق ما ذكر استحباب الإطالة حتى للإمام ، وتدلّ عليه أيضا مرسلة الفقيه : انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين ، فصلّى بهم حتّى كان الرجل ينظر إلى الرجل ابتلّت قدمه من عرقه (٤).

ورواية القداح : « انكسفت الشمس في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصلّى بالناس ركعتين ، وطوّل حتّى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام » (٥).

إلاّ أنّ في صحيحة زرارة ومحمّد : « يستحبّ أن يقرأ فيهما بالكهف والحجر إلاّ أن يكون إماما يشقّ على من خلفه » (٦).

وتوافقها العمومات الواردة في صفة صلاة الجماعة الآمرة بالتخفيف والإسراع لرعاية حال المأمومين.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٣٦.

(٢) المنتهى ١ : ٣٥٠.

(٣) فقه الرضا «ع» : ١٣٥ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٦ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٣ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٣٤١ ـ ١٥١١ ، الوسائل ٧ : ٤٩٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٩ ح ٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٩ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٦٣ الصلاة ب ٩٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

٢٥١

وطريق الجمع تخصيص هذه العمومات بغير صلاة الكسوفين بالأخبار المتقدّمة ، وتخصيص تلك الأخبار بغير صورة العلم بكونه شاقّا على من وراءه.

ومنها : أن يقرأ السور الطوال‌ مثل يس والنور والكهف والحجر مع سعة الوقت ، بالإجماع كما عن الخلاف والمنتهى وغيرهما (١) ، وهو الدليل عليه ، مع الصحيحة والرضويّ (٢) السابقتين ، ورواية أبي بصير : « ويقرأ في كلّ ركعة مثل يس والنور » إلى أن قال : قلت : فمن لم يحسن يس وأشباهها ، قال : « فليقرأ ستّين آية في كلّ ركعة » (٣).

والدعائميّ وفيه : « وإن قرأ في صلاة الكسوف بطوال المفصّل .. » (٤).

وإنّما قيّدنا بالسعة لما مرّ من الأمر بالتخفيف إذا خرج الوقت ، وهو أخصّ من أدلّة التطويل.

ومنها : إطالة الركوع والسجود‌ ، لمطلقاتها ، وحكاية الإجماع عليها بخصوص المورد في المنتهى (٥) ، ومثلها كافية في المقام.

وتستحبّ إطالة الركوع بقدر القراءة إجماعا ، كما عن الخلاف والغنية (٦) ، وهو الحجّة فيه ، مضافا إلى مضمرة أبي بصير : « ويكون ركوعك مثل قراءتك وسجودك مثل ركوعك » (٧).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٧٩ ، المنتهى ١ : ٣٥١ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٣٣٧.

(٢) المتقدم في ص ٢٤٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٤ ـ ٨٩٠ ، الوسائل ٧ : ٤٩٣ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٢.

(٤) الدعائم ١ : ٢٠١ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٦ ح ٢ ، وتتمّة الرواية : ورتّل القراءة فذلك أحسن.

(٥) المنتهى ١ : ٣٥١.

(٦) الخلاف ١ : ٦٧٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٩٤ ٨٩٠ ، الوسائل ٧ : ٤٩٣ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٢.

٢٥٢

واستدلّ جماعة بالفقرة الثانية على استحباب كون السجود أيضا مثل القراءة (١).

وفيه نظر ، لأنّها تدلّ على استحباب كونها مثل الركوع ، ولازمه أنّه لو كان الركوع أخفّ من القراءة أو أطول استحبّ ذلك في السجود أيضا.

وقد يستدلّ له بقوله في صحيحة زرارة ومحمّد : « ويطيل القنوت والركوع مثل القراءة والركوع والسجود » (٢).

وهو أيضا مخدوش ، لأنّه مبنيّ على كون السجود منصوبا ، بل عدم ذكر الركوع الثاني كما في بعض كتب الفقه (٣) ، وأمّا مع خفضه فلا ، وكذا مع تكرّر الركوع كما في كتب الحديث ، بل يحصل حينئذ إجمال في الحديث لا يمكن الاستدلال به.

ومنه يظهر ما في استدلال بعضهم بها على استحباب مساواة القنوت للقراءة (٤) ، مضافا إلى احتمال كون المراد أنّ مجموع القنوت والركوع يستحبّ أن يكون كذلك. ولا ينافيه ثبوت استحبابه في الركوع خاصّة ، لأنّ للاستحباب مراتب عديدة.

ومنها : أن يكبّر عند الرفع من كلّ ركوع سوى الخامس والعاشر ، فيقول فيهما ، سمع الله لمن حمده‌ ، نصّ على الجميع في صحيح زرارة ومحمّد (٥) ، والمرويّ‌

__________________

(١) كما في الذخيرة : ٣٢٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٣ الصلاة ب ٩٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

(٣) كالرياض ١ : ٢٠٠.

(٤) كما في مجمع الفائدة ٢ : ٤١٧.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦٣ الصلاة ب ٩٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

٢٥٣

في الدعائم (١) ، وعلى الأخير في صحيحتي المستطرفات (٢) والرهط (٣) ، وبهذه يختص الرضويّ المتقدّم في المسألة الأولى (٤) ، فالمراد منه عدم التسميع في غير الأخيرة.

ثمَّ إنّ مقتضاه عدم استحباب التسميع في غير الأخيرتين ، وبه صرّح في صحيحة الحلبيّ المتقدّم بعضها (٥) : « ولا تقل سمع الله لمن حمده في رفع رأسك من الركوع إلاّ في الركعة التي تريد أن تسجد فيها ».

وأمّا ما في بعض الأخبار من التسميع عند الانتصاب من ركوع تمّت السورة قبله (٦) ، فمع أنّه لا يقاوم ما مرّ ، وأنّه مبنيّ على الغالب المتعارف من تمام السورة في الأخيرتين ، يكون أعمّ مطلقا ممّا مرّ فيخصّ به.

ثمَّ الروايتان الأوليان تتضمّنان التكبير عند الهويّ إلى كلّ ركوع ، فهو أيضا مستحبّ. ولم يتعرّض له كثير من الأصحاب ، لأنّه معلوم بالقياس إلى سائر الصلوات ، والمهمّ بيان ما يختصّ به هذه من بينها.

ومنها : أن يقنت بعد القراءة وقبل الركوع في كلّ زوج من الركوعات حتّى يقنت في الجميع خمس قنوتات‌ ، قيل : بلا خلاف (٧) ، وهو الدليل عليه ، مضافا إلى صحيحتي زرارة ومحمّد ، والرهط ، ورواية ابن أذينة (٨) ، والرضويّ ، والدعائميّ.

__________________

(١) الدعائم ١ : ٢٠٠ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٦ ح ٢.

(٢) مستطرفات السرائر : ٤٥ ـ ٧ ، الوسائل ٧ : ٤٩٧ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ١٣.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٧ : ٤٩٢ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ١.

(٤) في ص ٢٤٤.

(٥) في ص ٢٤٤.

(٦) لم نعثر عليه في الكتب الحديثية ، ورواه الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في النفلية ص ٣٧ مرسلا حيث قال : وروي نادرا عمومه ـ أي عموم قول سمع الله .. إذا فرغ من السورة لا مع التبعيض.

(٧) كما في الحدائق ١٠ : ٣٣٨.

(٨) الفقيه ١ : ٣٤٧ ـ ١٥٣٤ ، الوسائل ٧ : ٤٩٥ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٨.

٢٥٤

وعن الصدوق والنهاية والمبسوط والوسيلة والإصباح والجامع والمنتهى والتحرير والنفليّة والبيان والدروس : جواز الاقتصار في القنوت على ما قبل الخامس والعاشر (١). ولا ريب فيه ، لأنّه دعاء مستحبّ ، ومع ذلك به خبر مرسل ، لقول الصدوق بعد ذكره : لورود الخبر (٢).

والظاهر كما في المسالك عدم استحباب الجمع بين القنوت في الرابع والخامس ، بل إنّما يستحبّ في الخامس مع تركه قبلها (٣) ، وعن المبسوط والنهاية وابن حمزة والبيان : جواز الاكتفاء بالقنوت قبل العاشر (٤).

ومنها : أن يجهر فيها بالقراءة‌ ، بالإجماع كما عن الخلاف وظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة (٥) ، له ، ولصحيحة زرارة ومحمّد ، وما روي عن النبيّ والوليّ أنّهما صليا صلاة الكسوف فجهرا فيها (٦).

وعن موضع من التذكرة ونهاية الإحكام : استحباب الإسرار بصلاة كسوف الشمس ، لأنّها صلاة نهار لها نظيرة بالليل (٧). ويردّه ما مرّ.

ومنها : أن يكون بارزا تحت السماء‌ ، لقوله في الصحيحة المذكورة : « وإن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنّك بيت فافعل ».

__________________

(١) الصدوق في الهداية : ٣٦ ، النهاية : ١٣٧ ، المبسوط ١ : ١٧٣ ، الوسيلة : ١١٣ ، الجامع للشرائع : ١٠٩ ، المنتهى ١ : ٣٥١ ، التحرير ١ : ٤٧ ، النفلية : ٣٧ ، البيان : ٢١١ ، الدروس ١ : ١٩٥. ولا يخفى أن الموجود في النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع هو جواز الاكتفاء بما قبل العاشر فقط كما سيأتي في الرقم (٤).

(٢) الهداية : ٣٦.

(٣) المسالك ١ : ٣٧.

(٤) المبسوط ١ : ١٧٣ ، النهاية : ١٣٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١١٣ ، البيان : ٢١١.

(٥) الخلاف ١ : ٦٨١ ، المعتبر ٢ : ٣٣٩ ، المنتهى ١ : ٣٥١ ، التذكرة ١ : ١٦٣.

(٦) سنن أبي داود ١ : ٣٠٩ ح ١١٨٨ ، وروى الشيخ في الخلاف ١ : ٦٨١ عن عليّ عليه‌السلام أنّه جهر بالقراءة في الكسوف ، ورواها عنه في الوسائل ٧ : ٤٩٧ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ١٤.

(٧) التذكرة ١ : ١٦٣ ، نهاية الإحكام ٢ : ٧٥.

٢٥٥

ولا ينافيه الأمر في جملة من الأخبار بالمبادرة إلى المساجد حينئذ ، إذ لم تكن المساجد مسقّفة في الصدر الأوّل ، مع أنّ للمسقّف منها أيضا بارزا من فضاء أو سطح. هذا إذا ثبتت الحقيقة الشرعيّة في المسجد ، وإلاّ فالأمر أظهر.

٢٥٦

البحث الرابع

في أحكامها‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : تجوز هذه الصلاة جماعة وفرادى‌ ، إجماعا ، لروايتي روح ومحمّد بن يحيى :

الاولى : عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة؟ قال : « جماعة وغير جماعة » (١).

والثانية : عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة أو فرادى؟ فقال : « أيّ ذلك شئت » (٢).

وقوله في صحيحة زرارة ومحمّد : « إلاّ أن يكون إماما يشقّ على من خلفه ».

ويستحبّ أن تكون جماعة ، للإجماع المحكيّ عن التذكرة (٣) ، وغيرها (٤) ، والعمومات ، وهما الحجتان فيه ، مؤيّدتين بفعل الحجج إيّاها جماعة (٥).

ولا فرق في ذلك بين الكسوف الكليّ والجزئيّ على المشهور ، ولا بين الأداء والقضاء.

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين فنفياها في الثاني (٦) ، وللمفيد ففي الرابع (٧) ، ومستندهما ـ كما صرّح به جماعة (٨) ـ غير واضح.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ـ ٨٨٢ ، الوسائل ٧ : ٥٠٣ أبواب صلاة الكسوف ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٤ ـ ٨٨٩ ، الوسائل ٧ : ٥٠٣ أبواب صلاة الكسوف ب ١٢ ح ٣.

(٣) التذكرة ١ : ١٦٣.

(٤) كالذخيرة : ٣٢٦.

(٥) راجع ص ٢٥١. الهامش (٤) و (٥).

(٦) المقنع : ٤٤ ، وحكاه عنهما في المختلف : ١١٨.

(٧) المقنعة : ٢١١.

(٨) كصاحب الرياض ١ : ٢٠٠.

٢٥٧

نعم في رواية ابن أبي يعفور ـ المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني (١) ـ فرق بين الكليّ والجزئيّ في ذلك ، إلاّ أنّها غير دالّة على المنع عن الجماعة في الجزئيّ ، وإنّما غايتها الدلالة على إجزائها فرادى ، وهو لا ينافي استحباب الجماعة.

كما أنّها لا تدلّ على وجوب الجماعة في الكليّ ، كما قد ينسب إلى ظاهر الصدوقين (٢).

نعم يظهر منها تأكّد استحبابها مع الكليّة ، وهو كذلك.

المسألة الثانية : إذا حصلت الآية الموقتة في وقت فريضة حاضرة : فإن تضيّق وقت إحداهما تعيّنت للأداء ، ثمَّ يصلّي بعدها ما اتّسع وقتها.

وإن تضيّقتا قدّمت الحاضرة.

وإن اتّسع الوقتان تخيّر في تقديم أيّهما شاء.

بالإجماع في الأوّل ، كما صرّح به جماعة ، منهم : المدارك والذخيرة والحدائق (٣) ، وإن كان ظاهر كلام الصدوق في الحكم بتقديم الحاضرة شاملا لذلك أيضا (٤).

وبلا خلاف في الثاني كما عن الذكرى (٥) ، بل بالإجماع كما صرّح به بعض الأجلّة في شرح الروضة (٦) ، وحكي عن التنقيح أيضا (٧).

وعلى الحقّ المشهور في الثالث.

أمّا الأوّل فلاستلزام تجويز تقديم غير المضيّقة منهما تجويز الإخلال بالواجب‌

__________________

(١) راجع ص ٢٣٠.

(٢) انظر : الرياض ١ : ٢٠٠.

(٣) المدارك ٤ : ١٤٤ ، الذخيرة : ٣٢٦ ، الحدائق ١٠ : ٣٤٥.

(٤) المقنع : ٤٤.

(٥) الذكرى : ٢٤٦.

(٦) الظاهر هو الفاضل الهندي في شرحه على الروضة المسمّى بـ « المناهج السّوية » وهي مخطوطة.

(٧) التنقيح ١ : ٢٤٤.

٢٥٨

لا لضرورة ، مضافا إلى الأخبار الآتية على تقدير تضيّق الحاضرة ، وأمّا مطلقات تقديم الحاضرة فيأتي جوابها.

وأمّا الثاني فلصحيحة محمّد والعجلي المتقدّمة (١) ، وصحيحة محمّد : عن صلاة الكسوف في وقت صلاة الفريضة ، فقال : « ابدأ بالفريضة » (٢)

والخزّاز : عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ويخشى فوات الفريضة ، فقال : « اقطعوا وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم » (٣).

ومحمّد : ربّما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب وقبل العشاء الآخرة ، فإن صلّينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة ، فقال : إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ، ثمَّ عد فيها » (٤).

والمرويّ في الدعائم : من وقف في صلاة الكسوف حتّى دخل وقت صلاة ، قال : « يؤخّرها ويمضي في صلاة الكسوف حتّى يصير إلى آخر الوقت ، فإن خاف فوت الوقت قطعها وصلّى الفريضة » (٥).

وبعض هذه الأخبار وإن اختصّ بما إذا دخل في صلاة الكسوف ، ولكنّه يثبت الحكم في غيره بطريق أولى.

وأمّا الثالث فللأصل ، والجمع بين ما دلّ على جواز صلاة الآيات في وقت الفريضة قبلها ، كصحيحة محمّد والعجليّ ، ورواية معاوية بن عمّار : « خمس صلوات لا يتركن على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم ، وإذا نسيت فصلّ إذا ذكرت ، وصلاة الكسوف ، والجنازة » (٦).

__________________

(١) في ص ٢٢٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٤ الصلاة ب ٩٥ ح ٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٨ ، الوسائل ٧ : ٤٩٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٢ ، الوسائل ٧ : ٤٩٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ٢.

(٥) الدعائم ١ : ٢٠١ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٧ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨٧ الصلاة ب ١٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٣ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٤ ، وفي جميع المصادر قدّم قوله : « وصلاة الكسوف » على قوله : « وإذا نسيت .. ».

٢٥٩

وما دلّ على وجوب الابتداء بالفريضة ، كصحيحة محمّد ، والرضويّ : « ولا تصلّها في وقت الفريضة ، فإذا كنت فيها ودخل عليك وقت الفريضة ، فاقطعها وصلّ الفريضة ، ثمَّ ابن على ما صلّيت من صلاة الكسوف » (١).

فإنّهما دليلان تعارضا ، ولا مرجّح ، فيصار إلى التخيير.

وتوهّم أعميّة الأوّل مطلقا ـ لشموله قبل وقت الفريضة أيضا ـ فيجب تخصيصه بالثاني.

مدفوع : بأعميّة الثاني أيضا من جهة شموله لتضيق وقت الفريضة ، واختصاص الأوّل بما إذا لم يتضيّق وقتها ، فالتعارض بالعموم والخصوص من وجه ، والحكم التخيير.

وحمل الأوّل على وقت [ الفضيلة ] (٢) ـ كما في الحدائق (٣) ـ حمل بلا دليل ، والاستشهاد له بصحيحتي الخزاز ومحمّد عليل ، مع أنّه ليس بأولى من حمل الثاني على آخر وقت الإجزاء.

وقد يستدلّ أيضا على التخيير : بأنّهما فرضان اجتمعا ، ولا أولويّة لأحدهما ، والجمع محال ، وتعيّن أحدهما ينافي وجوب الآخر.

ويمكن منع انتفاء الأولويّة ، لأهميّة الفرائض اليوميّة. ومنع المنافاة المذكورة كما في الظهرين والعشاءين في الوقت المشترك.

خلافا في الأخير للمحكيّ عن الصدوق في المقنع والفقيه ورسالة أبيه (٤) ، والنهاية ومصباح السيّد والمفيد وابن حمزة والقاضي (٥) ، وجعله في المبسوط‌

__________________

(١) فقه الرضا «ع» : ١٣٥ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٧ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ١.

(٢) في النسخ : الفريضة ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الحدائق ١٠ : ٣٤٨.

(٤) المقنع : ٤٤ ، الفقيه ١ : ٣٤٧ ، حكاه عن الرسالة في المختلف : ١١٧.

(٥) النهاية : ١٣٧ ، حكاه عن المصباح في المعتبر ٢ : ٣٤٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١١٢ ، القاضي في المهذب ١ : ١٢٥.

٢٦٠