مستند الشّيعة - ج ٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-81-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٩١

المطلب الثالث

في صلاة الآيات‌

والكلام إمّا في سببها ، أو وقتها ، أو كيفيتها ، أو أحكامها ، فهاهنا أبحاث أربعة.

٢٢١
٢٢٢

البحث الأوّل

في سببها‌

وهو : ما يوجبها.

أجمع علماؤنا كافّة على وجوب الصلاة لكسوف الشمس ، وخسوف القمر. وادّعاء الإجماع عليه قد استفاض ، بل تواتر ، وهو دليله ، مضافا إلى النصوص المستفيضة :

ففي صحيحة جميل (١) ، وروايتي أبي أسامة (٢) ، ومحمّد بن حمران (٣) ، ومرسلة المقنعة (٤) : « صلاة الكسوف فريضة ».

وفي رواية عليّ بن عبد الله : « أيّها الناس ، إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله » إلى أن قال : « فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا » (٥).

وفي مرسلة الفقيه : « فإذا انكسف أحدهما فبادروا إلى مساجدكم » (٦).

وفي مكاتبة الواسطيّ : إذا انكسفت الشمس أو القمر ، وأنا راكب لا أقدر على النزول ، قال : فكتب إليّ : « صلّ على مركبك الذي أنت عليه » (٧) إلى غير ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٠ ـ ٨٧٥ ، الوسائل ٧ : ٤٨٥ أبواب صلاة الكسوف ب ١ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ١٢٧ ـ ٢٦٩ ، الوسائل ٧ : ٤٨٤ أبواب صلاة الكسوف ب ١ ح ٨.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣١ ، الوسائل ٧ : ٤٨٤ أبواب صلاة الكسوف ب ١ ح ٧.

(٤) المقنعة ٢٠٩ ، الوسائل ٧ : ٤٨٤ أبواب صلاة الكسوف ب ١ ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٢٠٨ ـ ٧ و ٤٦٣ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٤ ـ ٣٢٩ ، المحاسن : ٣١٣ ـ ٣١ ، الوسائل ٧ : ٤٨٥ أبواب صلاة الكسوف ب ١ ح ١٠.

(٦) الفقيه ١ : ٣٤١ ـ ١٥١٠ ، الوسائل ٧ : ٤٩١ أبواب صلاة الكسوف ب ٦ ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ٤٦٥ الصلاة ب ٩٥ ح ٧ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٣١ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٨ ، الوسائل ٧ : ٥٠٢ أبواب صلاة الكسوف ب ١١ ح ١.

٢٢٣

وكذا تجب لزلزلة الأرض ، وكأنّه أيضا إجماعيّ ، كما في شرح الإرشاد (١) بل في المنتهى (٢) ، وعن الخلاف والمعتبر والتذكرة : الإجماع عليه وكلّ مخوف (٣).

نعم ، لم يتعرّض الإسكافي وابن زهرة والحلبي لها ، بل الأخير لم يتعرض لغير الكسوفين (٤) ، ولكن الأوّلين ذكرا كلّ مخوف سماويّ (٥) ، واندراجها تحته محتمل.

وفي الحدائق عن المفاتيح حكاية القول باستحباب صلاة الزلزلة (٦) ، وليس كذلك ، بل حكاه في الرياح ونحوها (٧).

وتدلّ على وجوبها لها رواية الديلميّ : « إنّ الله تعالى وكلّ بعروق الأرض ملكا ، فإذا أراد الله أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن يحرّك عرق كذا وكذا إلى أن قال : قلت : فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال : « صلّ صلاة الكسوف » (٨).

والرضويّ : « وإذا هبّت الريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصلّ لها صلاة الكسوف ، وكذلك إذا زلزلت الأرض فصلّ صلاة الكسوف » (٩).

وصحيحة محمّد والعجليّ : « إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تتخوّف أن تذهب وقت الفريضة ، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة ، واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت ، واحتسب ما مضى » (١٠).

__________________

(١) مجمع الفائدة ٢ : ٤١٣.

(٢) المنتهى ١ : ٣٤٩.

(٣) الخلاف ١ : ٦٨٢ ، المعتبر ٢ : ٣٢٩ ، التذكرة ١ : ١٦٣.

(٤) الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥٥.

(٥) حكاه عن الإسكافي في المختلف ١ : ١١٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢.

(٦) الحدائق ١٠ : ٣٠٠.

(٧) الموجود في المفاتيح ١ : ٣٠ حكاية القول باستحباب الصلاة في الزلزلة والرياح وغيرها من أخاويف السماء. فراجع.

(٨) الفقيه ١ : ٣٤٣ ـ ١٥١٧ ، العلل : ٥٥٦ ـ ٧ ، الوسائل ٧ : ٤٨٦ أبواب صلاة العيد ب ٢ ح ٣.

(٩) فقه الرضا «ع» : ١٣٥ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٥ أبواب صلاة الكسوف ب ٢ ح ١.

(١٠) الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٣٠ ، الوسائل ٧ : ٤٩١ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ٤.

٢٢٤

فإنّ « بعض هذه الآيات » يشمل الزلزلة أيضا ، وقوله « فارجع » يدلّ على وجوبها وإن لم يدلّ قوله « صلّيتها » عليه.

وإن أمكن الخدش في الأوّل : بمنع الشمول ، لعدم تعيّن المشار إليه أوّلا ، وعدم تحقّق معنى الآية ثانيا. وفي الثاني : بأنّ لعلّ وجوبها حينئذ لتتميم العمل ، فتأمّل.

ثمَّ مقتضى الأخيرة ـ إن تمّت دلالتها ـ وجوب الصلاة لكلّ مخوف سماويّ من ريح عاصف ، أو ظلمة عارضة ، أو حمرة شديدة ، أو صاعقة عظيمة ، أو رعد شديد ، أو صوت قويّ ، كما هو مذهب المفيد والسيّد والصدوقين والعمانيّ والإسكافيّ والحلّي والديلميّ والقاضي والخلاف (١) ، وجمهور المتأخّرين ، بل عن الخلاف إجماع الفرقة عليه (٢).

وهو المختار ، لما ذكر ، ولصحيحة زرارة ومحمّد : أرأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ قال : « كلّ أخاويف السماء ـ من ظلمة أو ريح أو فزع ـ فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن » (٣).

ويؤيّده الصحيح المرويّ في الفقيه : « إنّما جعلت للكسوف صلاة لأنّه من آيات الله تبارك وتعالى » (٤) الحديث.

والمرويّ في الدعائم : « يصلّى في الرجفة والزلزلة ، والريح العظيمة ، والظلمة ، والآية تحدث ، وما كان مثل ذلك ، كما يصلّى في صلاة كسوف الشمس‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٢١٠ ، السيّد في جمل العلم ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤٦ ، الصدوق في المقنع : ٤٤ حكاه عن العماني والإسكافي في المختلف : ١١٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٢١ ، الديلمي في المراسم : ٨٠ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٢٤ ، الخلاف ١ : ٦٨٢.

(٢) الخلاف ١ : ٦٨٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٤ الصلاة ب ٩٥ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ـ ١٥٢٩ ، التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٠ ، الوسائل ٧ : ٤٨٦ أبواب صلاة الكسوف ب ٢ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٣٤٢ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ٧ : ٤٨٣ أبواب صلاة الكسوف ب ١ ح ٣.

٢٢٥

والقمر سواء » (١).

وإنّما جعلناهما مؤيّدين ، مع كون مفهوم التعليل في الأوّل حجّة ، والآية في الثاني ـ سيّما مع قوله « وما كان مثل ذلك » ـ لجميع المطلوب شاملة ، وضعفه بما ذكر مجبورا ، لعدم صراحة الجعل في الأوّل والجملة في الثاني في الوجوب.

ولمثل ذلك لم يستدلّ هنا ببعض ما استدلّ به بعض آخر أيضا. مع كفاية ما ذكر في المطلوب ، لكونه صريحا صحيحا ، وبعمل معظم الطائفة ، ودعوى الإجماع والشهرة معتضدا.

ولا يضرّ قوله فيه : « حتّى يسكن » حيث إنّه لا يجب فعل الصلاة إلى هذه الغاية.

لأنّ لفظة « حتّى » إمّا للتعليل أو الغاية ، وعلى الثاني إمّا لغاية الوجوب أو الصلاة بمعنى أن يصلّي متّصلا حتّى يسكن ، وعدم الوجوب ـ إن كان قائما ـ هو على الأخير خاصّة وهو احتماليّ ، وبمحضه لا يرفع اليد عن حقيقة الأمر.

فالقول باستحباب الصلاة لغير الثلاثة الأولى كما نقله في الشرائع (٢) ، أو الترديد في وجوبه له كما فيه وفي المعتبر والنافع (٣) ، أو عدم وجوبه كما هو محتمل من لم يتعرّض له كلا أو بعضا كجماعة من الأصحاب ، لا وجه له.

فروع :

أ : المصرّح به في النصّ المثبت للوجوب هو : المخوّف السماويّ ، أي الناشئ من جهة العلوّ. وشموله للأخاويف الأرضيّة كالصوت الشديد الخارج من الأرض ، والخسف المجرّد عن الزلزلة إن أمكن ، وسقوط جبل ونحوها ، في الأخبار‌

__________________

(١) الدعائم ١ : ٢٠٢ ، مستدرك الوسائل ٦ : ١٦٥ أبواب صلاة الكسوف ب ٢ ح ٢.

(٢) الشرائع ١ : ١٠٣.

(٣) الشرائع ١ : ١٠٣ ، المعتبر ٢ : ٣٣٠ ، النافع : ٣٨.

٢٢٦

غير معلوم ، ولو سلّم ظهورها في ذلك فإنّما هو في بعض عبارات الفقهاء (١) ، فالقول بعدم الوجوب لها ـ كما هو ظاهر بعض الأجلّة (٢) ، بل المفيد والخلاف (٣) ـ متعيّن.

ب : لا صلاة لانكساف سائر الكواكب بعضها ببعض ، أو بأحد النيّرين ، أو أحدهما ببعضها ، وفاقا لنهاية الإحكام والتذكرة والموجز والدروس والبيان والروضة والجعفريّة وحواشي الإرشاد للمحقق الثاني والذخيرة وشرح الروضة (٤) ، للأصل ، وعدم النصّ ، وخفائه غالبا عن الحسّ ، وعدم ترتّب خوف عليه للعامّة.

وخلافا للمحكيّ عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين والذكرى (٥) ، لاندراجه تحت الأخاويف.

وضعفه ظاهر ، كيف؟! ولا يطّلع عليه غالبا إلاّ بقول المنجّمين الغير المورث للخوف للمعظم.

ج : المذكور في الرواية هو الأخاويف ، ولا بدّ لها من خائف وهو غير فهوأمّا خائف مطلقا ولو كان واحدا ، أو معظم الناس لو اطّلعوا عليه. كلّهم فليس مرادا بالإجماع وعدم إمكان العلم.

ولكن الأوّل غير معلوم فيقتصر فيه على الثاني ، للأصل ، وبه صرّح جماعة من الأصحاب (٦).

__________________

(١) كما في المختلف : ١١٦ ، ومجمع الفائدة ٢ : ٤١٤.

(٢) انظر : كشف اللثام ١ : ٢٦٦.

(٣) المفيد في المقنعة : ٢١٠ ، الخلاف ١ : ٦٨٢.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ٧٦ ، التذكرة ١ : ١٦٥ ، الدروس ١ : ١٩١ ، البيان : ٢٠٦ ، الروضة ١ : ٣١١ ، الذخيرة : ٣٢٤.

(٥) الذكرى : ٢٤٧.

(٦) كالشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣١١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٦٥ ، وصاحب الرياض ١ : ١٩٨.

٢٢٧

هذا في غير الثلاثة الأولى ، للتنصيص بها بخصوصها ، فتجب الصلاة لها ولو لم يوجب خوفا. والنصّ وإن وقع في بعض من غيرها أيضا إلاّ أنّه مع درجة في الأخاويف ، إلاّ في بعض ما لا دلالة له على الوجوب (١).

د : المناط التخويف لو لا العارض. فلو لم يحصل الخوف من بعضها لكثرة وقوعه وتكرّره في بلدة تجب الصلاة ، لصدق المناط والاستصحاب. وبذلك يمكن درج الثلاثة الأولى في الأخاويف أيضا.

__________________

(١) كالرضوي والمروي في الدعائم ، المتقدمين في ص ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

٢٢٨

البحث الثاني

في وقتها‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : ابتداء وقت صلاة الكسوفين الأخذ في الكسف‌ ، بمعنى جواز الشروع في الصلاة حينئذ ، وعدم جواز التقديم ، بالإجماع ، حكاه جماعة (١).

أمّا الثاني فظاهر ، وأمّا الأوّل فللأمر بها حين تحقّق الكسوف ـ الصادق بالشروع ـ في الأخبار ، كرواية عليّ بن عبد الله ، ومرسلة الفقيه ، وصحيحة محمّد والعجليّ المتقدّمة (٢) ، وغيرها ، وصحيحة جميل : « وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف » (٣).

وآخرها تمام الانجلاء ، على الأقوى ، بمعنى أنّه يجوز تأخيرها إلى زمان يتمّ بتمام الانجلاء. ولا يجوز التأخير عنه عمدا ، ولو أخّر كان قضاء.

وفاقا في الأوّل للعمانيّ والسيّد والحلبيّ والديلميّ والمعتبر والشرائع والمنتهى والدروس والذكرى وشرح القواعد والمدارك والذخيرة (٤) ، وشرح الروضة ، ومال إليه في البيان وروض الجنان والمسالك (٥).

__________________

(١) كما في المنتهى ١ : ٣٥٢ ، والذخيرة : ٣٢٤ ، والرياض ١ : ١٩٨.

(٢) راجع ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٤ الصلاة ب ٩٥ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٣ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ٧ : ٤٨٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٢.

(٤) حكاه عن العماني في المنتهى ١ : ٣٥٢ ، حكاه عن السيد في المختلف : ١١٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥٦ ، الديلمي في المراسم : ٨١ ، المعتبر ٢ : ٣٣٠ ، الشرائع ١ : ١٠٣ ، المنتهى ١ : ٣٥٢ ، الدروس ١ : ١٩٥ ، الذكرى : ٢٤٤ ، جامع المقاصد ٢ : ٤٧١ ، المدارك ٤ : ١٢٩ ، الذخيرة : ٣٢٤.

(٥) البيان : ٢٠٧ ، روض الجنان : ٣٠٣ ، المسالك ١ : ٣٦.

٢٢٩

للاستصحاب ، وأصالة البراءة عن حرمة التأخير ، ورواية ابن أبي يعفور : « إذا انكسف الشمس والقمر وانكسف كلّها فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم ، وأيّهما كسف بعضه فإنه يجزي الرجل يصلّي وحده » (١).

وجه الدلالة : أنّه لا يعلم كليّة الكسوف أو جزئيّته أبدا ، ولا يظنّ غالبا سيّما لعامّة الناس ، سيّما عند الأعراب الّذين لا منجّم عندهم قبل الشروع في الانجلاء ، فلو تمَّ الوقت به ـ كما هو القول الآخر ـ لما كان لهذا التفصيل الوارد في ذلك الحديث مورد وكان لغوا.

وتؤيّده موثّقة الساباطيّ : « إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإنّ ذلك أفضل ، وإن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز » (٢).

وصحيحة الرهط ، وفيها : « صلاّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس خلفه في كسوف الشمس ، ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها » (٣).

فإنّ الذهاب والانجلاء حقيقتان في تمام الانجلاء ، ولو كان الوقت يخرج قبل تمام الانجلاء لم يجز التطويل إليه.

وصحيحة ابن عمّار : « إن فرغت قبل أن ينجلي فأعد » (٤).

ولو كان الوقت يخرج قبل الانجلاء لم تشرع الإعادة وجوبا ولا استحبابا.

وإنّما جعلنا الثلاثة الأخيرة مؤيّدة لاحتمال أن يقال : إنّ المراد بانتهاء وقتها بالأخذ في الانجلاء وجوب الشروع والدخول فيها قبله ، وإن جاز التطويل بعد الدخول إلى تمام الانجلاء ، وإنّ وجوب الإعادة أو استحبابها قبل تمام الانجلاء لا ينافي وجوب فعلها قبل الأخذ فيه.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ـ ٨٨١ ، الوسائل ٧ : ٥٠٣ أبواب صلاة الكسوف ب ١٢ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٦ ، الوسائل ٧ : ٤٨٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٧ : ٤٨٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٤ ، الوسائل ٧ : ٤٩٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٨ ح ١.

٢٣٠

ودعوى الإجماع على انتفاء الأمرين ـ كما قيل (١) ـ مشكلة جدّا ، فإنّه غير ثابت البتّة.

خلافا للمحكيّ عن الشيخين وابن حمزة والحلّي والنافع (٢) ، والفاضل في جملة من كتبه منها القواعد والإرشاد (٣) ، وعليه دعوى الشهرة في كلام جماعة (٤) ، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا (٥) ، وعن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين إلى الإماميّة ، مؤذنين بإجماعهم عليه ، فقالوا : إنّ آخره الشروع في الانجلاء.

لزوال العذر الموجب.

وحصول ردّ النور.

وصحيحة حمّاد : ذكرنا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدّته ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى » (٦).

وضعف الأوّلين ظاهر.

ويضعّف الثالث : بأنّه إنّما يفيد إذا كان هناك دليل على ذهاب الوقت بمطلق الانجلاء ، وليس كذلك ، مع أنّه لا يعلم أنّ المراد تساوي الحالتين ، في ما ذا ولا يعلم أنّ مراد السائل من الشدّة ما ذا.

ويمكن أن يستدلّ لهم بصحيحة جميل السابقة حيث صرّحت بأنّ « وقتها في الساعة التي تنكسف » وهي تصدق ما دامت لم تشرع في الانجلاء ، إذ تنكسف‌

__________________

(١) الرياض ١ : ١٩٨.

(٢) الشيخ الطوسي في النهاية : ١٣٧ ، حكاه عن المفيد في المعتبر ٢ : ٣٣ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٢٢ ، النافع : ٣٩.

(٣) القواعد ١ : ٣٩ ، الإرشاد ١ : ٢٦١.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٤٧١ ، وصاحب الرياض ١ : ١٩٨.

(٥) التذكرة ١ : ١٦٣.

(٦) الفقيه ١ : ٣٤٧ ـ ١٥٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٧ ، الوسائل ٧ : ٤٨٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٣.

٢٣١

شيئا فشيئا ، ولا تصدق بعده ، بل هو ساعة تنجلي. وظاهر الكلام الحصر ، لحمل الخبر الخاصّ على المبتدأ المعرفة. والحمل على وقت الوجوب خلاف الظاهر بل الحقيقة.

ويجاب عنها : بأنّ دلالتها على عدم وقت غيرها بعموم مفهوم الحصر ، ويجب تخصيصه بما دلّت عليه رواية ابن أبي يعفور من بقاء وقت بعد هذه الساعة أيضا ، وليس إلاّ إلى تمام الانجلاء إجماعا.

وإجماعا في الثاني وهو : عدم جواز التأخير عن تمام الانجلاء ، على الظاهر.

وهو الدليل عليه ـ وبه يدفع الاستصحاب ـ مع بعض الأخبار الآتية المتضمّنة لمثل قوله « إذا فاتتك صلاة الكسوف » إذ لو لا توقيته بوقت محدود لم يتحقّق فوت ، وليس بعد تمام الانجلاء حدّ إجماعا.

وصحيحة جميل السابقة الدالّة على انحصار الوقت بالساعة التي تنكسف ، خرج ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

ومكاتبة الواسطيّ السابقة (١) ، فإنّه لو لا التوقيت لما كان وجه لوجوب الصلاة راكبا.

وتؤيّده أخبار القضاء (٢) ، المستلزم للتوقيت الغير المتجاوز عن تمام الانجلاء بالإجماع.

وإنّما جعلناها مؤيّدة لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للقضاء في المعنى المصطلح ، وإن كان هو الظاهر من بعض أخبار المقام.

وقد يستدلّ له أيضا بمثل قوله عليه‌السلام في الأخبار : « إذا انكسفتا أو إحداهما فصلّوا » (٣) حيث أوجب الصلاة وقت الانكساف.

ويضعّف : بأنّه يفيد السببيّة دون التوقيت كما في قوله عليه‌السلام « إذا‌

__________________

(١) في ص ٢٢٣.

(٢) الآتية في ص ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

(٣) انظر : الوسائل ٧ : ٤٨٥ أبواب صلاة الكسوف ب ١ ح ١٠.

٢٣٢

زالت الشمس فصلّ » وليس معناه إذا انكسفت فصلّ وقت الكسوف.

فرع :

قد فرّع جماعة من الأصحاب على التوقيت المذكور أنّه لو قصر الوقت عن الصلاة سقطت أداء ، لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها. وقضاء ، إذ لا قضاء فيما لا يجب أصله (١).

ومقتضى ذلك أنّه لو شرع فيها ابتداء الوقت ، ثمَّ تبيّن ضيقه عنها لم يجب الإتمام ، بل يقطعها لانكشاف عدم الوجوب.

قال في الذخيرة بعد ذكر ذلك : والظاهر أنّ الأدلّة غير دالّة على التوقيت ، بل ظاهرها سببيّة الكسوف لإيجاب الصلاة ، ومقتضى ذلك عدم تقدير الوجوب بمقدار إدراك الصلاة أو ركعة منها ، فإن ثبت إجماع على شي‌ء من ذلك تعيّن المصير إليه ، وإلاّ لم يكن معدل عن إطلاق الأدلّة (٢). انتهى.

ويظهر ضعفه ممّا ذكرنا من أدلّة التوقيت.

وأضعف منه ما ذكره في الحدائق بعد نقل السقوط بدليل الاستحالة المذكورة من أنّ التعويل على مثل هذه القواعد العقليّة في مقابل إطلاق الأخبار فاسد (٣).

فإنّ استحالة التكليف بعبادة في وقت لا يسعها من البديهيّات التي لا تقبل الارتياب ، فإنّه تكليف بما لا يطاق ، ولو عزل العقل عن أمثال هذه الأحكام فبأيّ شي‌ء تثبت حجيّة الأخبار؟.

نعم لو منع التوقيت ، لم يكن ظاهر الفساد بهذه المثابة ، ورجع إلى كلام الذخيرة ، أو أراد عدم ثبوت ترتّب عدم وجوب القضاء أو الفعل بعده على ذلك ، كما لا يترتّب على عدم وجوب الحجّ على من مات عام الاستطاعة في الطريق عند‌

__________________

(١) انظر : الدروس ١ : ١٩٥ ، ومجمع الفائدة ٢ : ٤١٨ ، والمدارك ٤ : ١٣٠.

(٢) الذخيرة : ٣٢٥.

(٣) الحدائق ١٠ : ٣٠٨.

٢٣٣

جماعة ، فله أيضا وجه.

ثمَّ أقول : إنّ مقتضى الإطلاقات وجوب الصلاة بمجرّد حصول السبب الذي هو الانكساف ، سواء اتّسع زمانه زمان الصلاة أم لا ، ومقتضى دليل التوقيت وجوب التلبس بالصلاة في الوقت المعيّن ، فإن كان الوقت بقدر يفي بتمامها يتمها فيه ، وإلاّ فيتمّها فيما بعده ، سيّما إذا كان هناك دليل على وجوب الإتمام لو لم يتمّ في الوقت ، كما في المورد ، لصحيحة زرارة ومحمّد الآتية ، فيجب التلبّس بالصلاة في ساعة الانكساف.

سلّمنا اقتضاء التوقيت للتمام فيه ، فيتعارض الإطلاق ودليل التوقيت في صورة عدم الاتّساع ، وتعارضهما بالعموم من وجه ، ومحلّ التعارض صورة عدم اتّساع الوقت ، واللازم فيها الرجوع إلى المرجّح إن كان ، وإلاّ فالتخيير ، فالحكم بالسقوط ووجوب القطع لا وجه له.

مع أنّ التخيير أو السقوط إنّما يكون إذا لم يكن دليل آخر على الحكم في صورة عدم اتّساع الوقت عموما أو خصوصا ، والدليل الخارجيّ هنا موجود ، وهو صحيحة زرارة ومحمّد وفيها : « وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي » (١).

فإنّها بعمومها تشمل ما إذا لم يتّسع زمانه الصلاة أيضا ، وحكم فيها بوجوب الإتمام.

فإن قيل : مدلول الصحيحة وجوب الإتمام لو شرع فيها كما هو مختار المنتهى (٢) ، وأمّا وجوب فعلها لو لم يشرع فمن أين؟.

قلنا : نحن نقول بوجوب التلبس في الوقت الذي هو الساعة التي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٣ الصلاة ب ٩٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

(٢) المنتهى ١ : ٣٥٢.

٢٣٤

تنكسف ، للأمر في الإطلاقات ، وتعيين الوقت في صحيحة جميل (١).

مع أنّ من يقول بوجوب القضاء في صورة العلم باحتراق البعض والترك حينه ، له أن يقول بأنّه لو لم يشرع يجب عليه الفعل بعده ، لأدلّة وجوب القضاء. فإنّه لا يجب فيه وجوب أداء كما في النائم عن اليوميّة. وإطلاق القضاء على ما كان له وقت يسعه البتّة ـ يجب فيه أو لم يجب ـ اصطلاح جديد.

مع أنّ ها هنا كلاما آخر ، وهو : إنّا لو سلّمنا أنّ التوقيت يقتضي وجوب انطباق تمام الفعل على الوقت ، فمقتضى أدلّة التوقيت أنّ التوقيت بهذا الوقت لوجوب الصلاة منحصر بصورة الاتّساع ، وعند عدمها أمّا ينتفي التوقيت ، أو الوجوب ، ولا يعلم أحد الأمرين ، فتبقى الإطلاقات بلا معارض معلوم.

فالوجوب مطلقا ولو لم يتّسع زمان الكسوف ـ كما اختاره في الحدائق (٢) ، ويميل إليه كلام الذخيرة (٣) ، واحتمله الفاضلان (٤) كما قيل ـ قويّ جدّا.

ولكن المسألة قليلة الفائدة ، لأنّ مثل هذا الكسوف إمّا لا يحسّ به حتّى يعلم وتجب صلاته ، أو يحسّ ولا يحسّ بانجلائه التامّ قبل أخفّ صلاة يفعل ، فيجب الاستصحاب.

المسألة الثانية : وقت هذه الصلاة في سائر الآيات غير الزلزلة وقتها ، لصحيحة زرارة ومحمّد السابقة (٥) ، فإنّ لفظة « حتّى » فيها إمّا للغاية أو التعليل. وعلى كلّ منهما يثبت التوقيت ، لدلالتها على انتفاء الوجوب بعد السكون ، إمّا بمفهوم الغاية أو العلّة.

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٢٩.

(٢) الحدائق ١٠ : ٣٠٩.

(٣) الذخيرة : ٣٢٥.

(٤) انظر : المعتبر ٢ : ٣٤١ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٧٩.

(٥) في ص ٢٢٥.

٢٣٥

وحملها على الأمر بتطويل الصلاة وإعادتها حتّى يسكن يوجب صرف الأمر عن حقيقته ، لعدم وجوب ذلك قطعا ، فالأمر قرينة على إرادة التعليل ، أو كونها غاية الوجوب ، وبها تقيّد الإطلاقات لو كانت.

ومقتضى التوقيت وجوب التلبس حين حدوث الآية ، فإن وفي زمانها بها ، وإلاّ فيتمّها بعدها كما مرّ.

وأمّا في الزلزلة فلا وقت لها ، للأصل ، وعدم ثبوت الزائد عن السببيّة عن أدلّتها. فوقتها تمام العمر. ولا يجب الفور ـ للأصل ـ وإن استحبّ.

المسألة الثالثة : لو ترك صلاة أحد الكسوفين‌ ، فإن كان كلّيا قضاها مطلقا سواء علم به وتركها عمدا أو نسيانا أو اضطرارا ، أو لم يعلم به.

وكذا إن كان جزئيا وعلم به حاله.

وإن كان جزئيا ولم يعلمه فلا قضاء عليه.

وفاقا للأكثر في الجميع كما صرّح به جماعة (١) ، بل عن جماعة التصريح بعدم الخلاف في الأوّل (٢) ، بل عن التذكرة (٣) ، وإطلاق عبارتي الانتصار والخلاف الإجماع عليه (٤) ، كما عن السرائر نفي الخلاف في الثاني (٥) ، مع شمول إطلاق عبارتي الانتصار والخلاف له ، وعن التذكرة نفي الخلاف عن الثالث (٦) ، بل عن القاضي التصريح بالإجماع فيه (٧).

لنا على الأوّل : عمومات قضاء الفوائت المذكورة في مظانّها. وتخصيص‌

__________________

(١) كالعلامة في المنتهى ١ : ٣٥٣.

(٢) كما في الرياض ١ : ١٩٩.

(٣) التذكرة ١ : ١٤٣.

(٤) الانتصار : ٥٨ ، الخلاف ١ : ٦٧٨.

(٥) السرائر ١ : ٣٢١.

(٦) التذكرة ١ : ١٦٣.

(٧) انظر : شرح جمل العلم والعمل : ١٣٦.

٢٣٦

الجميع باليوميّة لا وجه له ، ودعوى تبادرها ممنوعة.

مضافا في صورة العلم بالكليّة ، إلى فحوى المعتبرة الآتية المثبتة للقضاء في صورة الجهل ، ومرسلة حريز : « إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصلّ فليغتسل من غد وليقض الصلاة ، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء من غير غسل » (١).

والجزء الأخير من موثقّة الساباطيّ الآتية.

وفي صورة الجهل بها ، إلى ذيل تلك المرسلة ، والأخبار المستفيضة كصحيحة زرارة ومحمّد : « إذا انكسفت الشمس كلّها واحترقت ولم تعلم ، ثمَّ علمت بعد ذلك ، فعليك القضاء ، وإن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء » (٢).

والفضيل ومحمّد : أيقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم ، وإذا أمسى فعلم؟ قال : « إن كان القرصان احترقا كلّهما قضيت ، وإن كان احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه » (٣).

ورواية حريز : « إذا انكسف القمر ، ولم تعلم به حتّى أصبحت ، ثمَّ بلغك ، فإن كان احترق كلّه فعليك القضاء ، وإن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء عليك » (٤).

وبهذه يقيّد إطلاق موثّقة الساباطيّ : « وإن لم تعلم حتى يذهب الكسوف‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٧ ـ ٣٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٥٣ ـ ١٧٥٨ ، الوسائل ٧ : ٥٠٠ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٥ الصلاة ب ٩٥ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ١٥٧ ـ ٣٣٩ ، الاستبصار ١ : ٤٥٤ ـ ١٧٥٩ ، الوسائل ٧ : ٥٠٠ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٣٤٦ ـ ١٥٣٢ ، الوسائل ٧ : ٤٩٩ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٧ ـ ٣٣٦ ، الوسائل ٧ : ٥٠٠ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٤.

٢٣٧

ثمَّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف ، وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثمَّ غلبتك عيناك فلم تصلّ فعليك قضاؤها » (١).

وصحيحة عليّ : عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ فقال : « إذا فاتتك فليس عليك قضاء » (٢).

وقريبة منها رواية الحلبيّ (٣).

ولنا على الثاني :

عمومات القضاء.

وإطلاق صدر مرسلة حريز ، وذيل الموثّقة.

وخصوص مرسلة الفقيه (٤) : « إذا علم الكسوف ونسي أن يصلّي فعليه القضاء ، وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه ، هذا إذا لم يحترق كلّه ».

قيل : هي وإن اختصّت بالنسيان إلاّ أنه يلحق به العمد بالفحوى ، مع عدم قائل بالفرق بينهما (٥).

وقوله في الرضويّ الآتي : « وإن لم يحترق القرض فاقضها ».

خلافا في ذلك للمحكيّ عن جمل السيّد ومصباحه ومسائله المصريّة‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩١ ـ ٨٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤٥٤ ـ ١٧٦٠ ، الوسائل ٧ : ٥٠١ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ـ ٨٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٥٣ ـ ١٧٥٦ ، قرب الإسناد : ٢١٩ ـ ٨٥٨ ، الوسائل ٧ : ٥٠١ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٧.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٧ ـ ٣٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٥٣ ـ ١٧٥٧ ، الوسائل ٧ : ٥٠١ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٩.

(٤) كذا في النسخ ، ولكن لم نعثر عليها فيه ، بل وجدناها في الكافي ٣ : ٤٦٥ ذ. ح ٦ ، وعنه في الوسائل ٧ : ٥٠٠ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٣.

(٥) انظر : الرياض ١ : ١٩٩.

٢٣٨

الثالثة (١) ، والشيخ في التهذيب ، والحلّي (٢) ، وقوّاه في الروضة (٣) ، ورجّحه في المدارك (٤) ، فلا قضاء حينئذ ، للأصل ، وإطلاق صحيحة عليّ ورواية الحلبيّ السابقتين ، وذيلي صحيحتي زرارة ومحمّد ، والفضيل ومحمّد. وتخصيصهما بحال الجهل لا وجه له ، واختصاص ما قبلهما بها لا يصلح قرينة لاختصاصهما أيضا ، ولا يدلّ عليه بوجه أصلا.

ويجيبون هؤلاء عن أدلّة وجوب القضاء حينئذ بعد تضعيف الرضويّ سندا : بأنّ العمومات مخصصة بما مرّ ، لأعميتها مطلقا.

والمرسلة والموثّق ـ لاختصاصهما بحال العلم ، وشمولهما لاحتراق الكلّ ـ أعمّان من وجه من ذيلي الصحيحين الأوّلين ، لاختصاصهما باحتراق البعض ، ولا مرجّح لشي‌ء من الفريقين ، وإن كان أحدهما أرجح سندا والآخر من حيث الاعتضاد بالشهرة فتوى ، إلاّ أنّهما مع عدم صلاحيتهما للترجيح على التحقيق متكافئان. وموافقة الذيلين لمذهب العامّة (٥) ـ كما تستفاد عن الانتصار والخلاف ـ لا تضرّ بعد مخالفة صدرهما ، فيبقى إطلاق الصحيح والرواية الأخيرين الذي هو أخصّ مطلقا من عمومات القضاء سالما عن معارض ظاهر.

وجعل إطلاق المرسل والموثّق قريبا من النصّ في احتراق البعض ، لندرة احتراق الكلّ ، وغلبة انكساف البعض ـ مع عدم اعتبار أمثال ذلك ـ لا تفيد ، إذ لو صحّ لكان إطلاق الصحيح والخبر الأخير أيضا بسقوط القضاء قريبا من النصّ فيه.

مضافا إلى أنّ سياق المرسلة ربّما يشير إلى كون موردها خصوص احتراق‌

__________________

(١) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤٦ ، حكاه عن المصباح في المدارك ٤ : ١٣٥ ، وعن المسائل المصرية في المختلف : ١١٦.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٧ ، الحلّي في السرائر ١ : ٣٢١.

(٣) الروضة ١ : ٣١٥.

(٤) المدارك ٤ : ١٣٦.

(٥) انظر : المغني ٢ : ٢٨٠ ، والأم ١ : ٢٤٤.

٢٣٩

الكلّ ، للأمر بالغسل في صورة العمد ، ونفيه وإثبات القضاء في صورة الجهل ، وشي‌ء منهما لا يوافق المشهور في احتراق البعض.

وأمّا المرسلة الأخيرة فخصوصيتها ممنوعة ، لأنّها إنّما هي إذا كان المشار إليه لقوله : « هذا » مجموع الحكمين ، وهو غير معلوم ، بل الأصل والعرف يقتضي اختصاصه بالأخير ، فتكون هذه أيضا أعم من وجه كسابقتيها ، وقد عرفت الحال.

أقول : كلّ ذلك كان مفيدا لو لا انجبار الرضويّ المذكور بما مرّ من الشهرة المحقّقة والمحكيّة مستفيضة ، وحكاية نفي الخلاف ، ودعوى الإجماع. وأمّا معه فيردّ به دعوى ضعفه ، ثمَّ يعارض به الذيلان لتساويهما ، فإن رجّحناه بمخالفة العامّة وإلاّ فيشتغلان بأنفسهما ، ولا يعلم مخصص أو معارض للمرسلتين والموثّقة ، فيعمل بإطلاقهما في الحكم بالقضاء مع العلم ، سواء احترق الكلّ أو البعض ، مع أنّ ظهور الذيلين في حال الجهل ممّا لا يقبل المنع ، سيّما ذيل الثانية ، فلا ينافيان المطلوب أصلا.

ولنا على الثالث : ما استدلّ به المخالف في الثاني. مضافا إلى رواية حريز والموثّقة الخاليتين عن مكاوحة الرضويّ أيضا ، لضعفه الخالي عن الجابر في المقام.

مع أنّ رواية حريز خاصّة مقدّمة على الجميع.

خلافا فيه خاصّة للمحكيّ عن الصدوقين والإسكافيّ (١) ، والحلبيّ والديلميّ في ظاهر قوله (٢) ، والمقنعة والانتصار والخلاف (٣) ، فأوجبوا القضاء فيه ، وعن ظاهر الأخيرين الإجماع عليه ، له ، وللعمومات.

والرضويّ : « وإن انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصليها إذا علمت ، فإن تركتها متعمّدا حتّى تصبح فاغتسل وصلّ ، وإن لم يحترق القرص‌

__________________

(١) حكاه عنهم في المختلف : ١١٦.

(٢) الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥٦ ، الديلمي في المراسم : ٨١.

(٣) المقنعة : ٢١١ ، الانتصار : ٥٨ ، الخلاف ١ : ٦٧٨.

٢٤٠