مستند الشّيعة - ج ٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-81-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٩١

المسألة الثانية : الشرط هل هو عدم التعدّد الواقعيّ حتّى تبطل الجمعتان معه ولو لم يعلم به شي‌ء من الطائفتين بل ولو جزمتا بعدم التعدّد ، أو الجزم بعدم التعدّد ، أو عدم الجزم بالتعدّد؟.

صرّح شيخنا الشهيد الثاني بأنّ الشرط عدم العلم بالتعدّد (١).

وإلى هذا أيضا يشير قول من قال بعدم بطلان اللاحقة إذا لم يكونوا عالمين بحال السابقة ؛ لاستحالة توجّه الخطاب إلى الغافل (٢)

وردّه آخر بأنّ خطاب الوضع يستوي فيه الغافل والمتذكّر إلاّ أن يكون الخطاب مخصوصا بالمتذكّر ، وليس هناك اختصاص ولا تخصيص.

ومقتضى قول الأوّل : الثالث ، ومقتضى الثاني : الأوّل.

والحقّ هو الثالث ، فالشرط هو عدم العلم بالتعدّد ، والمانع هو العلم به ؛ لأصالة عدم اشتراط الزائد عن الأوّل ولا مانعيّة الزائد عن الثاني ، وأصالة عدم تقيّد الإطلاقات بالزائد ، الخاليتين عمّا يزيلهما ؛ إذ ليس إلاّ الإجماع. وحاله ظاهرة. والخبران ، وهما أيضا لا يقيّدان المطلقات بالزائد ؛ لأنّ دلالتهما على الاشتراط والمانعيّة بواسطة مفهوم الجملة الشرطية ، ومنطوق الجملة المنفيّة.

أمّا الأوّل : فهو أنّه إذا لم يكن بين الجماعتين ثلاثة أميال ففي تجميع الطائفتين بأس وعذاب ، أي إذا كان أقلّ من ثلاثة أميال فيحرم تجميعهما. ولا شكّ أنّه لا يمكن إبقاؤه على مقتضى وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة حتّى يكون المعنى : إذا كان في الواقع أقلّ يحرم ذلك سواء جزمت الطائفتان بانتفاء الواقع أو لم تعلما به ولو بعد الفحص ما أمكن ؛ لإيجابه تكليف ما لم يعلم ، واقتضائه إخراج من لم يعلم وقوع جمعة اخرى ولو بعد الفحص ـ وإن احتملها بل أو ظنّها ـ بدون مخصّص إن قلنا بعدم وجوب الجمعة عليه حال الاحتمال ؛ إذ معه لا يعلم وقوع جمعة أخرى في الأقل واقعا حتّى يكون هو المخصص.

__________________

(١) روض الجنان : ٢٩٤.

(٢) كما في المدارك ٤ : ٤٦ ، والحدائق ١٠ : ١٣٠.

١٠١

والقول بأنّه لا يحرم حينئذ بل بعد كشف الواقع يكون معاقبا يلزم العقاب على فعل الواجب ؛ وبأنّه لا يعاقب ولكن تبطل جمعته يلزم الإبطال بدون دليل إذا كان سببه النهي والحرمة المنتفيين هنا حينئذ ، ولا باعث له غيرهما. فانحصر أن يكون إذا علم أنّ بينهما أقلّ ولو بعد الفحص يحرم ، فيكون هو المانع ، والشرط عدمه وأمّا الثاني : فمع عدم تحصيل معنى لهذه الجملة في الصحيحة ؛ إذ لا يظهر معنى لقوله : « إلاّ فيما بينه وبين ثلاثة أميال » وتكون محتملة.

إمّا تكون الجمعة والجماعة فيهما باقيتين على إطلاقهما ، وتكون الجملة محمولة على الإنشائيّة تجوّزا ، فيكون خطابا شرعيّا وحكما اقتضائيا ، حالها حال الأوّل.

أو تكون الجملة باقية على خبريّتها ، وتقيّد الجمعة والجماعة بالصحيحتين ، فيكون خطابا وضعيّا ، وإخبارا عن الواقع.

وإذ لا مرجّح لأحد الحملين يكون مجملا لا تقيّد به الإطلاقات ، ولا تزال به الأصول.

مع أنّه على الحمل على الصحيحتين أيضا يكون كالأوّل ؛ إذ الصحّة هي موافقة المأمور به ، فيكون المعنى : لا يكون بين جماعتين مأمور بهما أقلّ من ثلاثة أميال ، فما كان أقلّ لا يكون من المأمور به.

ولا شكّ أنّه لا يمكن أن يكون المعنى : فما كان أقلّ واقعا سواء جزم بالأكثريّة أم لا ليس مأمورا به ؛ ضرورة تحقّق الأمر حينئذ وشمول الإطلاقات له. بل وكذلك إذا لم يعلم الأقليّة بعد الفحص وإن احتملها ؛ لعين ما مرّ. فالمعنى : فما علم أقليّته لا يكون مأمورا به.

وممّا ذكر طهر فساد ما حكي عن بعضهم من جعل الحكم هنا من باب خطاب الوضع ، وقوله بأنّ خطاب الوضع ممّا يستوي فيه الغافل والمتذكّر ؛ فإنّه ليس الأمر هنا من باب خطاب الوضع ، ولو كان لكان ممّا يتضمّن الاقتضاء‌

١٠٢

والحكم الشرعيّ ، ومثله لا يستوي فيه الغافل والمتذكّر.

هذا كلّه مع أنّه لو كان الشرط عدم التعدّد واقعا أو معلوما والمانع التعدّد الواقعيّ أو عدم العلم بالوحدة ، لزم سقوط الجمعة غالبا في المدن الكبيرة على القول بعدم اشتراط الإمام أو نائبه ؛ إذ قلّما يحصل العلم بعدم التعدّد ، لجواز تجميع خمسة في بيت ، إمّا لعدم علمهم بهذا التجميع أو لعدم اعتنائهم بهذه الجمعة.

المسألة الثالثة : لا شكّ أنّ الشرط هو عدم تعدّد الجمعة الصحيحة لو لا انتفاء هذا الشرط‌ ، فلو كانت هناك جمعة فاسدة مع قطع النظر عن هذا الشرط أيضا جازت جمعة اخرى ، كما إذا علم تدليس النائب في دعواه إذن الامام ونيابته على القول باشتراط الإمام أو نائبه ، أو فسقه على القول الآخر.

والمناط فسق هذا الإمام عند نفسه ومن يقتدي به ، فلو كان فاسقا على رأي إمام آخر لا على رأيه أو رأي مجتهده ـ كأن يرتكب عملا لم يكن كبيرة عنده وكان كبيرة عند الآخر ـ لم يضرّ.

وكذا إذا كان فاسقا في نفس الأمر ولكن كان عادلا عند من يقتدي به ولو واحدا منهم لم تصحّ جمعة اخرى ؛ لصدق تحقق الجمعة الصحيحة.

المسألة الرابعة : هل الشرط هو عدم العلم بوقوع جمعة اخرى مطلقا ، والمانع العلم بوقوعها كذلك ، أو عدم العلم بسبق جمعة أو مقارنتها لهذه ، والمانع العلم بالسبق أو المقارنة؟.

الحقّ هو الأوّل ؛ لإطلاق الروايتين (١). فلو علم كلّ من الطائفتين بتجميع الأخرى بطلت جمعتهما وإن كانت إحداهما سابقة ، ولو علم إحداهما دون الأخرى بطلت جمعة العالمين.

المسألة الخامسة : قيل : يعتبر الفرسخ من المسجد إن صلّيت فيه ، وإلاّ‌

__________________

(١) المتقدمتين في ص : ١٠٠.

١٠٣

فمن نهاية المصلّين (١).

واستشكل فيما لو كان بين الإمام والعدد وبين الجمعة الاولى النصاب فصاعدا وبين بعض المأمومين وبينها أقلّ منه.

فاحتمل بطلان صلاة القريب خاصّة ؛ لاستجماع من عداه شرائط الصحة.

واحتمل بطلان صلاة المجموع ؛ إذ المجموع جماعة واحدة عرفا.

والظاهر الأوّل ؛ لصدق تحقّق النصاب بين البعيد منهم وبينها.

بل الظاهر ذلك فيما لو صلّيت في المسجد أيضا ؛ لعدم دليل على اعتبار الفرسخ من المسجد. إلاّ أنّه يأتي في بحث صلاة المسافر أنّ نهاية الفرسخ ليست محدودة حقيقة بل هي أمر تقريبيّ لا يظهر التفاوت فيه في أمثال ذلك.

المسألة السادسة : لو اتّفق وقوع جمعتين في مسافة فرسخ فله صور :

الاولى : أن تسبق إحداهما ولو بالتكبيرة‌ ، قالوا : لا ريب في صحّة السابقة وبطلان اللاحقة ، وعن التذكرة : أنّه مذهب علمائنا أجمع (٢) ، وعن الشهيد الثاني : أنّ صحّة السابقة إنّما هي إذا لم يعلم بوقوع اللاحقة وإلاّ لم تصحّ صلاة كلّ منهما (٣) ، وعن بعضهم : عدم بطلان السابقة مطلقا وعدم بطلان اللاحقة إذا لم يكونوا عالمين بحال السابقة (٤).

والحقّ : بطلان الجمعتين مع علم كلّ منهما ، وصحتهما مع عدم علم شي‌ء منهما ، وبطلان جمعة العالم خاصّة مع الاختلاف ، ويظهر وجهه ممّا سبق.

الثانية : أن تقترنا‌ ، قالوا ببطلانهما جميعا ؛ لامتناع الحكم بصحتهما ، ولا أولويّة لإحداهما وإن كان إمام إحداهما أرجح من حيث الزهد والفقه والراتبيّة ؛

__________________

(١) كما في الروض : ٢٨٦.

(٢) التذكرة ١ : ١٥٠.

(٣) الروض : ٢٩٤.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ٢٥٢.

١٠٤

لعدم ثبوت الترجيح بذلك في المقام.

وإطلاق كلامهم بل صريح بعضهم عدم الفرق بين ما إذا علم كلّ فريق بالآخر ، أم لا ، مع حصول العلم بالاقتران بعد الفراغ (١).

واستشكل بعضهم في صورة عدم العلم (٢) ، وهو في موقعه ، بل التحقيق ـ على ما علم وجهه ـ أنّ مع علم الفريقين تبطل الجمعتان ، ومع جهلهما تصحّ كلتاهما ، ومع الاختلاف تبطل جمعة العالم خاصّة.

الثالثة : أن يشتبه الحال‌ إمّا باعتبار الاشتباه في تحقّق سبق لإحداهما وعدمه ، أو باعتبار اشتباه السابقة منهما مع العلم بسبق إحداهما من أوّل الأمر أو بعد العلم بالسابقة ، وحكم الكلّ واضح على ما قدّمناه.

ثمَّ على المختار إن بطلت جمعة واحدة دون الأخرى يعيد الأخرى الصلاة جمعة ، إن بقي وقتها بالاقتداء بالأولى إن أمكن ، أو التباعد من موضع الاولى بقدر النصاب ، وظهرا إن لم يبق وقتها ، أو لم يمكن الاقتداء ولا التباعد.

وإن بطلت الجمعتان يعيدها الطائفتان جمعة مجتمعتين على واحدة مع الوقت ، وظهرا بدونه.

وللقوم فيما إذا اشتبه السبق أو السابقة في المعاد أقوال نشأت من حكمهم بصحّة الجمعة السابقة ولو مع العلم بجمعة لاحقة ، وبطلان اللاحقة ولو مع عدم العلم ، ولا فائدة كثيرة في ذكرها على ما اخترناه.

__________________

(١) انظر : التذكرة ١ : ١٥٠ ، والروض : ٢٨٦ ، ومجمع الفائدة ٢ : ٣٧٠.

(٢) كما في الذخيرة : ٣١٢.

١٠٥

البحث الثالث

في من تجب عليه الجمعة‌

ويراعى فيه شروط :

الأوّل والثاني : البلوغ والعقل ، ويجمعهما التكليف‌ ، ولا ريب في اشتراطه في هذه الصلاة وغيرها.

فلا تجب على المجنون حال جنونه وإن كان دوريّا. ولو أفاق وقت الصلاة خوطب بها خطابا مراعى ببقاء الإفاقة إلى آخر الصلاة.

ولا على الصبيّ وإن كان مميّزا ؛ نعم تصحّ من المميّز تمرينا وتجزئه عن ظهره كذلك.

الثالث : عدم الأنوثيّة‌ بالإجماع المحقّق والمحكيّ في المعتبر والمنتهى والتذكرة (١) ، وتدلّ عليه الروايات بلا معارض (٢).

فلا تجب على المرأة وإن أذن لها زوجها وأمنت من الفتنة ، أو كانت من العجائز ؛ لعموم ما دلّ على السقوط. وإن استحبّت للعجائز مع الإذن ، عند الفاضل في النهاية (٣).

والحقّ وجوبها على المشكل من الخناثي ، وفاقا للروض (٤) ؛ للشك في خروجه عن العمومات ولو من جهة احتمال كونها طبيعة ثالثة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٨٩ ، المنتهى ١ : ٣٢١ ، التذكرة ١ : ١٥٣.

(٢) انظر : الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٤٢.

(٤) الروض : ٢٨٧.

١٠٦

وخلافا للشهيد (١) ، بل نهاية الإحكام (٢) ، بل ظاهر كلّ من اشترط الذكورية (٣) ؛ للشكّ في ذكوريته التي هي سبب الوجوب.

ويردّ بمنع اشتراط الذكوريّة ، بل الشرط عدم الأنوثيّة ، فيشكّ في خروجه بعد ما علم دخوله في عنوان كلّ أحد ؛ نعم لو لم يخرج عن الطبيعتين جاء فيه الإشكال.

الرابع : الحريّة‌ ، بالإجماع والأخبار ، فلا تجب على العبد مطلقا سواء كان قنّا أو مدبّرا أو مكاتبا لم يؤدّ شيئا ، وإن أمره المولى ؛ للعمومات.

والإيجاب حين الأمر ـ لأنّ السقوط لرعاية حقّ المولى ـ استنباط مردود.

نعم يمكن القول به حينئذ ؛ لوجوب إطاعته ، لا لخصوصيّة الصلاة.

الخامس : انتفاء السفر‌ فلا تجب على المسافر ، إجماعا فتوى ونصّا.

قالوا : المراد منه السفر الشرعيّ ، فتجب على من لم يقصد المسافة ، وناوي الإقامة عشرة ، والمقيم في بلد ثلاثين يوما ، وعن المنتهى الإجماع عليه (٤)

ولا تجب على كثير السفر والعاصي بسفره ، وفي المنتهى : لم أقف على قول لعلمائنا في اشتراط الطاعة بالسفر في السقوط (٥) ، واستشكل فيه بعضهم (٦)

أقول : لا شكّ في عدم ثبوت حقيقة شرعيّة للسفر والمسافر ، فيجب الحكم بالسقوط عمّن كان مسافرا عرفا ، وفي صدقه عرفا على من لم يقصد المسافة نظر ، فيكون داخلا تحت عمومات الجمعة ، ولكن يصدق على البواقي ، فالحكم فيها بالسقوط إلاّ من ثبت فيه الإجماع متّجه.

__________________

(١) الذكرى : ٢٣٢.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٤٥.

(٣) كالمعتبر والمنتهى راجع الرقم (١) من الصفحة السابقة وجامع المقاصد ٢ : ٣٨٥.

(٤) المنتهى ١ : ٣٢٢.

(٥) المنتهى ١ : ٣٢٢.

(٦) انظر : الذخيرة : ٣٠٠.

١٠٧

والمسافر في أحد المواضع الأربعة مسافر تسقط عنه الجمعة ، وإن تخيّر بين القصر والإتمام في الصلاة.

السادس : انتفاء المرض والعمى‌ إجماعا نصا وفتوى. ولا ينافيه عدم ذكر الأعمى في بعض الأخبار (١) ؛ لأنّ غايته الإطلاق الواجب تقييده بالمقيّد ، مع إمكان إدخاله في المريض ، وإن كان فيه نظر.

وإطلاق النصّ وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق فيهما بين ما يشقّ معهما الحضور وعدمه ، بل صرّح جماعة بالتعميم (٢). واعتبر بعض أصحابنا فيهما التعذّر أو التعسّر (٣) ، وهو تقييد للنصّ بلا دليل.

السابع : انتفاء العرج‌ ، ذكره الشيخ في عدّة من كتبه (٤) ، والمحقّق (٥) ، وجمع آخر من أصحابنا ، بل في المنتهى : أنّه مذهب علمائنا أجمع (٦) ، وعليه الإجماع في شرح القواعد أيضا (٧).

وقيّده في التذكرة بالبالغ حدّ الإقعاد وادّعى عليه إجماعنا (٨) ، وقيّده بعضهم بحصول المشقّة بالحضور (٩)

وليس في الروايات تصريح به سوى ما ذكره السيّد في المصباح قال : وقد يروى : « أنّ العرج عذر » (١٠).

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١.

(٢) كالعلاّمة في المنتهى ١ : ٣٢٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٠٠ ، وصاحب الرياض ١ : ١٨٧.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٤ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٨٦.

(٤) كالنهاية : ١٠٣ ، والمبسوط ١ : ١٤٣ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩٠.

(٥) في الشرائع ١ : ٩٦ ، والمختصر النافع : ٣٦.

(٦) المنتهى ١ : ٣٢٣.

(٧) جامع المقاصد ٢ : ٣٨٦.

(٨) التذكرة ١ : ١٥٣.

(٩) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٤ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٨٦.

(١٠) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٢٩٠.

١٠٨

وما في كتاب الشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد بن عليّ القميّ ، قال ـ بعد ذكر صحيحة زرارة ـ : وروي مكان « المجنون » « الأعرج » (١).

وهما وإن كانا كافيين بعد انجبارهما بدعوى الإجماع المتقدّمة ، إلاّ أن احتمال إرادة المقعد أو ما يشقّ معه الحضور ـ لا أقلّ ـ من الإجماع ـ بل قيل (٢) : يشعر به سياق عبارة المنتهى (٣) ـ يضعّف الانجبار في غير ما يشقّ ، فتخصيص السقوط به أولى.

الثامن : انتفاء الكبر بالشيخوخة‌ ، فلا تجب على الشيخ الكبير ، إجماعا كما في المنتهى (٤) ؛ للنصوص منها : صحيحة زرارة : « وضعها عن تسعة : الصغير والكبير » (٥) الحديث.

وخطبة الأمير المنقولة في الفقيه والمصباح : « إلاّ على الصبيّ والمريض والمجنون والشيخ الكبير » (٦) الخبر.

وقيّده بعضهم بالبالغ حدّ العجز (٧) ، وجماعة بالبالغ حدّه أو المشقّة الشديدة (٨) ، وعبّر بعضهم بالهمّ ـ بكسر الهاء ـ أي الشيخ الفاني (٩) ، وآخر بالكبير المزمن (١٠)

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٦ : ٥ أبواب صلاة الجمعة ب ١ ح ١ ، نقلا عن كتاب العروس.

(٢) الرياض ١ : ١٨٧.

(٣) قال فيه : ولا تجب على الأعرج وهو مذهب علمائنا أجمع ، لأنّه معذور بعرج لحصول المشقة في حقه. المنتهى ١ : ٣٢٣.

(٤) المنتهى ١ : ٣٢٤.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٩ الصلاة ب ٧٣ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٧٥ ـ ١٢٦٢ ، مصباح المتهجد : ٣٤١ ، الوسائل ٧ : ٢٩٧ أبواب صلاة الجمعة ب ١ ح ٦.

(٧) كالعلاّمة في القواعد ١ : ٣٧.

(٨) كما في جامع المقاصد ٢ : ٣٨٧.

(٩) كالمحقق في الشرائع ١ : ٩٦ ، والشهيد في الروض ٢٨٧ ، وصاحب الرياض ١ : ١٨٧.

(١٠) كما في الإرشاد ١ : ٢٥٧.

١٠٩

وقيل : كلّ ذلك تقييد للنصّ بلا دليل (١).

أقول : الظاهر انفهام بعض هذه المراتب ـ لا أقلّ من كونه موجبا للمشقّة ـ من النصّ ، ويؤكّده حصول الكبر والشيخوخة لغة بالتجاوز عن الستّين مع إتيان من بلغها من الحجج بالجمعة ، فالتقييد بإيجابه المشقّة لازمة.

التاسع : انتفاء المطر‌ ، وفاقا للأكثر ، بل عن التذكرة أنّه لا خلاف فيه بين جملة العلماء (٢) ؛ وتدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن : « لا بأس بأن يترك الجمعة في المطر » (٣).

والظاهر أنّ المراد المطر الكثير الموجب لنوع تعسّر لا مطلقا.

وألحق به بعضهم الوحل ، والحرّ والبرد الشديدين ، إذا خاف الضرر معها (٤).

وعن السيّد أنّه قال : وروي أنّ من يخاف على نفسه ظلما أو ماله فهو معذور (٥) ، وكذا من كان متشاغلا بجهاز ميّت ، أو تعليل والد ، ومن يجري مجراه من ذوي الحرمات الوكيدة.

والظاهر عدم السقوط إلاّ بما ورد به النصّ أو أوجب الحرج أو الضرر أو كان واجبا مضيّقا.

العاشر : عدم تباعد الجمعة منه بفرسخين أو بأزيد من فرسخين على اختلاف القولين والروايتين‌ ، فالأوّل‌ قول الصدوق في المقنع والفقيه والأمالي (٦) ،

__________________

(١) قاله صاحب الحدائق ١٠ : ١٥١‌

(٢) التذكرة ١ : ١٥٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢١ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤١ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٣ ح ١ ؛ وفي الجميع : تدع ، بدل يترك.

(٤) كما في التذكرة ١ : ١٥٣ ، والروض : ٢٨٧ ، والحدائق ١٠ : ١٥١.

(٥) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٩١.

(٦) لم نعثر عليه في المقنع ، وحكاه عنه في الحدائق ١٠ : ١٥٢ ، ووجدناه في الهداية : ٣٤ ؛ وهو في الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، والأمالي : ٥١٤.

١١٠

وابن حمزة (١) ؛ وعليه دلّت صحيحة زرارة ، ورواية خطبة الأمير عليه‌السلام.

والثاني‌ مختار الشيخين والسيّد والحلبيّ والحلي والديلميّ والفاضلين (٢) ، بل هو الأشهر كما قيل (٣) ، وعن الخلاف والغنية وظاهر المنتهى : الإجماع عليه (٤) ؛ وعليه دلت صحيحة محمّد (٥) ، والمرويّات في العلل (٦) ، والعيون (٧) ، والدعائم (٨) ، والأمر في ذلك سهل.

وعن العماني : الوجوب على من إذا غدا من أهله بعد ما يصلّي الغداة يدرك الجمعة (٩) ، وعن الإسكافيّ : وجوبها على من يصل إلى منزله إذا راح منها قبل خروج نهار يومه (١٠) ، وهو مناسب لسابقة.

وتدلّ عليهما صحيحة زرارة المتقدّمة (١١) ، وهي بمخالفة الشهرة العظيمة شاذّة ، ومع ذلك بجميع ما مرّ معارضة ، فحمل الوجوب فيها على الاستحباب متعيّن.

__________________

(١) الوسيلة : ١٠٣.

(٢) المفيد في المقنعة : ١٦٤ ، الطوسي في النهاية : ١٠٣ ، حكاه عن السيّد في المعتبر ٢ : ٢٩٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥١ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٩٣ ، الديلمي في المراسم : ٧٧ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٢٩١ ، والشرائع ١ : ٩٦ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٣٧ ، والمختلف : ١٠٦.

(٣) كما في الرياض ١ : ١٨٨.

(٤) الخلاف ١ : ٥٩٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، المنتهى ١ : ٣٢٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٩ الصلاة ب ٧٣ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ـ ٦٤١ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦١٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٤ ح ٦.

(٦) العلل : ٢٦٦ ب ١٨٢.

(٧) العيون ٢ : ١١١ ، الوسائل ٧ : ٣٠٨ أبواب صلاة الجمعة ب ٤ ح ٤.

(٨) الدعائم ١ : ١٨١ ، المستدرك ٦ : ١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٤ ح ١.

(٩) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٢٩٠ ، والمختلف : ١٠٦.

(١٠) حكاه عنه في المختلف : ١٠٦.

(١١) في ص ٣٨.

١١١

وها هنا مسائل :

المسألة الأولى : قد عرفت سقوط وجوب حضور الجمعة عن المذكورين قطعا ، فهل يجوز لهم الحضور والتجميع ، ويجزئ ذلك عن ظهرهم أم لا؟.

الظاهر نعم ، وفاقا لجماعة (١) ؛ لعدم دلالة أخبار الوضع والسقوط على الزائد على وضع الوجوب ، حتّى ما صرّح فيه بوضع الجمعة ؛ إذ لا معنى لوضع نفسها ، بل حكمها ، وهو كما يحتمل أن يكون مطلق المشروعيّة يحتمل الرجحان ، فإنّ أدلّة الجمعة منها ما يثبت منه الوجوب ، ومنها ما لا يدلّ على أزيد من الرجحان والمشروعيّة ، ولا يلزم من انتفاء الأوّل انتفاء الثاني.

نعم لو كان أخبار الجمعة منحصرة بما كان صريحا في الوجوب ، أمكن أن يقال إنّ بانتفائه ووضعه ينتفي الرجحان ؛ لأنّ ثبوته حينئذ يكون تبعيّا ، كثبوت الجنس بثبوت فصله ، فيرتفع بارتفاع متبوعه ، ولكن ليست منحصرة ، فيبقى ما دلّ على مطلق مشروعيّته أو رجحانه خاليا عن المعارض.

مضافا في المسافر ، إلى المرويّ في ثواب الأعمال والأمالي : « أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبة فيها وحبّا لها ، أعطاه أجر مائة جمعة [ للمقيم ] » (٢).

وفي المرأة ، إلى صحيحة أبي همام : « إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها ، وإن صلّت في المسجد أربعا نقصت صلاتها ، لتصلّ في بيتها أربعا أفضل » (٣).

المسألة الثانية : غير الصبيّ والمجنون من هؤلاء لو حضروا فهل تجب عليهم حينئذ كلا أو بعضا ، أم لا؟.

__________________

(١) كالشيخ في النهاية : ١٠٣ ، والحلبي في الكافي : ١٥١ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٢) ثواب الأعمال : ٣٧ ، الأمالي : ١٩ ـ ٥ ، الوسائل ٧ : ٣٣٩ أبواب صلاة الجمعة ب ١٩ ح ٢ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٤ ، الوسائل ٧ : ٣٤٠ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٢ ح ١.

١١٢

صرّح الشيخ في النهاية بالوجوب (١) ، وحكي عن المفيد أيضا (٢) ، وفي المعتبر والنافع والشرائع : الوجوب في غير المرأة (٣) ، وفي المدارك : أنّه المشهور مطلقا (٤) ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع في غير المرأة (٥) ، وعن الإيضاح في غيرها وغير العبد والمسافر (٦) ، وفي شرح القواعد : نفي الخلاف عن الوجوب على الأعمى والمريض والكبير والأعرج ومن هو على رأس أزيد من فرسخين (٧) ، وفي التذكرة : على المريض والممنوع للمطر والخوف (٨) ، وفي المنتهى : على المريض (٩) ، وفي المدارك : نفي الخلاف عنه في البعيد (١٠).

لعمومات وجوب الجمعة.

واختصاص ما دلّ على وضعها عنهم ـ بعد ضمّ بعضها إلى بعض ـ بإفادة وضع وجوب الحضور عليهم إليها ، لا مطلقا ، وإلاّ لما جاز فعلها لهم بدلا عن الظهر ، وهو باطل إجماعا.

وخبر حفص المنجبر بالشهرة المحقّقة والمحكيّة : إنّ الله عزّ وجلّ فرض الجمعة على جميع المؤمنين والمؤمنات ، ورخص للمرأة والمسافر والعبد أن لا يأتوها ، فلمّا حضروها سقطت الرخصة ، ولزمهم الفرض الأوّل ، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم (١١).

__________________

(١) النهاية : ١٠٣.

(٢) حكاه عنه في المدارك ٤ : ٥٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٩٢ ، النافع ١ : ٣٦ ، الشرائع ١ : ٩٦.

(٤) المدارك ٤ : ٥٤.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٦) الإيضاح ١ : ١٢٤.

(٧) جامع المقاصد ٢ : ٣٨٨.

(٨) التذكرة ١ : ١٤٤.

(٩) المنتهى ١ : ٣٢٣.

(١٠) لم نعثر عليه في المدارك ، وحكى في الرياض ١ : ١٨٨ ، عن المدارك نفي الخلاف في العبد ، ولم نعثر عليه أيضا فيه.

(١١) الكافي ٣ : ٤٢٩ الصلاة ب ٨٠ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٧٠ ـ ١٢٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٨ ،

١١٣

ويؤيّده في المرأة : المرويّ في قرب الإسناد : عن النساء هل عليهنّ من صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال؟ قال : « نعم » (١) بحمله على صورة الحضور.

ويضعّف الأوّل : بتخصيص العمومات بالمسقطات.

والثاني : بالمنع ، غايته تصريح بعض ما دلّ على الوضع بوضع لزوم الشهود ، ولكنّه صرّح في بعض آخر بوضع وجوب الجمعة أو نفسها ، ولا يدلّ الأوّل على تقييد الثاني أيضا. وجواز الفعل بدلا عن الظهر إجماعا ـ لو سلّم ـ لا يدلّ على الوجوب العينيّ.

والرواية مخصوصة بثلاثة.

فالحكم بالوجوب بالحضور في الثلاثة متّجه. وكذا في البعيد ؛ لأنه مع الحضور يخرج من عنوان البعيد ويدخل في العنوان الآخر. وفي الأعرج أيضا إذا كان السقوط عنه بواسطة الإجماع أو الانجبار المفقودين في المقام جدّا. بل في المحبوس بالمطر على الظاهر ؛ لتبادر أنّ المراد التحرّز عن المطر ، فبعد الحضور لا يكون في المطر. وكذا في كلّ من كان السقوط عنه للحرج أو الضرر دون النصّ.

فإن ثبت الإجماع المركّب في البواقي ، وهم : الكبير والمريض والأعمى ، فيتمّ الحكم بالوجوب فيهم أيضا ، وإلاّ فلا.

خلافا لمن لم يوجبها عينا على شي‌ء منهم كالمدارك (٢) ؛ لعموم المسقطات وضعف الروايات.

أو على المرأة والعبد والمسافر كبعضهم ؛ لذلك أيضا ، وللزوم الاقتصار في تخصيص المسقطات بالمجمع عليه وهو غير الثلاثة.

أو على الأوّلين خاصّة ، كبعض آخر ؛ لما مرّ مع ظنّ الإجماع على الوجوب‌

__________________

الوسائل ٧ : ٣٣٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٨ ح ١.

(١) قرب الإسناد : ٢٢٤ ـ ٨٧١ ، الوسائل ٧ : ٣٣٨ أبواب صلاة الجمعة ب ١٨ ح ٢.

(٢) المدارك ٤ : ٥٥.

١١٤

على البواقي.

أو على الاولى خاصّة ، كما عن المبسوط (١) ، بل نسب إلى الأكثر أيضا.

للأصل.

والاتّفاق ، كما في المعتبر (٢).

واختصاص انجبار الخبر بغيرها.

وإطلاق صحيحة أبي همام المتقدّمة بالكراهة الغير المجامعة للوجوب.

ويردّ الأوّل : باندفاعه بما مرّ.

والثاني : بعدم الحجيّة سيّما مع مخالفة الأجلّة.

والثالث : بأن الضعف سندا غير ضائر بعد وجود الرواية في الكتب المعتبرة ، مع أنّ دعوى الشهرة في الجميع لها جابرة ، مضافا إلى فتوى الأجلّة ومنهم التهذيب والكافي والمقنعة والنهاية والإرشاد والتحرير والمنتهى وغيرهم بمضمونها (٣).

والرابع : بأنّ النقص غير الكراهة المصطلحة ، ولذا جمع مع الصلاة أربعا في المسجد أيضا ، فيمكن أن يكون هذا واجبا ناقصا أجره عن واجب آخر ، وهو الصلاة أربعا في البيت.

وممّا ذكر يظهر الجواب عن أدلّة الأقوال السابقة عليه أيضا.

المسألة الثالثة : هل ينعقد بهؤلاء عدد الجمعة أم لا؟.

الظاهر عدم الخلاف في غير المرأة والعبد والمسافر ، بل ادّعي الاتّفاق في بعضهم في طائفة من العبائر (٤).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٩٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١ ، الكافي في الفقه : ١٥١ ، حكاه عن المقنعة في المدارك ٤ : ٥٤ ، النهاية ٣ : ١ ، الإشارة : ٩٧ ، التحرير ١ : ٤٤ ، المنتهى ١ : ٣٢١ ؛ وانظر : المدارك ٤ : ٥٤ ، والذخيرة : ٣٠١.

(٤) كما في الإيضاح ١ : ١٢٤ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٨٨ ، والرياض ١ : ١٨٨.

١١٥

ووجهه ؛ بعد ما عرفت من جواز تجميعهم بل وجوبه مع الحضور ، وإطلاق ما دلّ على اشتراط العدد بالنسبة إليهم ؛ ظاهر.

ومنه يظهر الانعقاد أيضا بالعبد والمسافر ، كما هو مذهب الأكثر.

وأمّا المرأة فالظاهر عدم الانعقاد بها ، وفاقا للأكثر ، بل عن جماعة دعوى الاتّفاق عليه (١).

لاختصاص أدلّة اشتراط العدد بالمسلمين أو الضمير الراجع إلى المذكّر ، أو القوم أو الرهط أو النفر.

واختصاص الأوّلين بالرجال ظاهر ، وكذا البواقي ؛ لتصريح اللغويّين باختصاصها بالرجال. ومنهم من تردّد بين الاختصاص والاشتراك ، وغايته الإجمال الموجب لعدم حجيّة عمومات انعقاد الجمعة في موضع الإجمال. والجواز والوجوب لا يستلزمان الانعقاد أيضا كما لا يخفى.

__________________

(١) كما في المدارك ٤ : ٥٥ ، والذخيرة : ٣٠١.

١١٦

البحث الرابع

في كيفيّتها‌

وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : اعلم أنّ صلاة الجمعة كصلاة الصبح كميّة وكيفيّة ، بالإجماع والنصوص.

إلاّ أنّه لا يجب فيها الجهر بالقراءة ، كما لا يجب الإخفات أيضا ؛ للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة.

ومرسلة ابن فضّال : « السنّة في صلاة النهار بالإخفات » (١). غير صريحة في إيجاب الإخفات.

كما أنّ قوله في صحيحتي ابن أبي عمير ومحمّد : « وإنّما يجهر إذا كانت خطبة » (٢) غير صريحة في إيجاب الجهر.

نعم يستحبّ الجهر فيها ؛ لذلك ، مضافا إلى فتوى الأصحاب ، بل إجماعهم كما في المدارك وغيره (٣).

المسألة الثانية : المشهور ـ كما صرّح به غير واحد (٤) ـ أنّ في الجمعة قنوتين ، أحدهما في الأولى قبل الركوع ، والثاني في الثانية بعده ، وعن الخلاف الإجماع‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ـ ١١٦١ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ـ ١١٦٥ ، الوسائل ٦ : ٧٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٢ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥ ـ ٥٣ و ٥٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ـ ١٥٩٧ ، و ١٥٩٨ ، الوسائل ٦ : ١٦١ و ١٦٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٣ ح ٨ و ٩.

(٣) المدارك ٤ : ١٠ ، وانظر : نهاية الإحكام ٢ : ٤٩ ، والذخيرة : ٣١٧.

(٤) انظر : المدارك ٣ : ٤٤٦ ، والحدائق ٨ : ٣٧٢.

١١٧

عليه (١).

لصحيحة أبي بصير : سئل عن القنوت يوم الجمعة فقال : « في الركعة الثانية » فقال له : حدّثنا بعض أصحابنا أنّك قلت : في الركعة الأولى ، فقال : « في الأخيرة » وعنده ناس كثير ، فلمّا رأى غفلة منهم قال : « يا محمّد هو في الركعة الاولى والأخيرة » قلت : جعلت فداك قبل الركوع أو بعده؟ قال : « كلّ القنوت قبل الركوع إلاّ الجمعة ، فإنّ الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع ، والأخيرة بعد الركوع » (٢).

وصحيحة زرارة وفيها بعد ذكر صلاة الجمعة : « وعلى الإمام فيها قنوتان ، قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعد الركوع » (٣)

وموثّقة سماعة : « أمّا الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل الركوع ، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود » (٤).

والمرويّين في العلل والعيون في صلاة الجمعة : فإن قال : فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل القراءة ، ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة »؟ (٥) الحديث.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافيّ والمفيد والمختلف والمدارك ، فقالوا : إنّ قنوتها واحد في الأولى قبل الركوع (٦) ؛ لظواهر المستفيضة ، كصحاح ابن عمّار (٧) ،

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٣١‌

(٢) التهذيب ٢ : ٩٠ ـ ٣٣٤ ، التهذيب ٣ : ١٧ ـ ٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ ـ ١٢٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٦ ، الوسائل ٦ : ٢٧٣ أبواب القنوت ب ٥ ح ١٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، الوسائل ٦ : ٢٧١ أبواب القنوت ب ٥ ح ٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٥ ، الوسائل ٦ : ٢٧٢ أبواب القنوت ب ٥ ح ٨.

(٥) العلل : ٢٦٠ ب ١٨٢ ، العيون ٢ : ١٠٥ ، الوسائل ٦ : ٢٦٢ أبواب القنوت ب ١ ح ٥.

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٠٦ ، المفيد في المقنعة : ١٦٤ ، المختلف : ١٠٦ ، المدارك ٣ : ٤٤٧.

(٧) الكافي ٣ : ٤٢٧ الصلاة ب ٧٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٦ ـ ٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٧ ـ ١٦٠٣ ، الوسائل ٦ : ٢٧٠ أبواب القنوت ب ٥ ح ١.

١١٨

وسليمان (١) ، وعمر بن يزيد (٢) ، وموثّقتي أبي بصير (٣) ، ورواية عمر بن حنظلة (٤).

وأكثرها لا يدلّ إلاّ على ثبوت القنوت في الاولى ، وهو غير مناف للقنوت في الثانية أيضا بدليل آخر ، ولا دلالة له على الاختصاص ، وما دلّ منه عليه يحتمل إرادة القنوت المخصوص بصلاة الجمعة.

وللمحكيّ عن الصدوق والحليّ ، فقالا بأنّه واحد في الثانية (٥) ، كسائر الصلوات ؛ لعمومات القنوت المتقدّمة في محلّه ، الواجب تخصيصها بهذه المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة ومخالفة العامّة ، كما يستفاد من الصحيحة الاولى.

ثمَّ على المختار من تعدّد القنوت فهل هو ثابت مطلقا ، كما عن ظاهر الأكثر ، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه (٦) ، أم يختصّ بالإمام ، كما عن جماعة (٧).

الظاهر الأوّل ؛ لإطلاق جملة من الأخبار المتقدّمة.

احتجّ الثاني بظواهر جملة أخرى منها.

ويجاب بأنّها مثبتة للقنوتين للإمام ، لا نافية لهما عن غيره ، مع أنّ الظاهر من سياقها أنّ المراد من الإمام فيها من يقابل المنفرد ومن يصلّي أربعا ، لا المأموم أيضا.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٦ ـ ٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٧ ـ ١٦٠٠ ، الوسائل ٦ : ٢٧١ أبواب القنوت ب ٥ ح ٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٤ ، الوسائل ٦ : ٢٧٢ أبواب القنوت ب ٥ ح ١١.

(٣) الأولى : الكافي ٣ : ٤٢٦ الصلاة ب ٧٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٨ ـ ٦٤ ، الوسائل ٦ : ٢٧٠ أبواب القنوت ب ٥ ح ٢.

الثانية : التهذيب ٣ : ١٦ ـ ٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤١٧ ـ ١٦٠٢ ، الوسائل ٦ : ٢٧١ أبواب القنوت ب ٥ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٧ ، الصلاة ب ٧٧ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٦ ـ ٥٧ ، الوسائل ٦ : ٢٧١ أبواب القنوت ب ٥ ح ٥.

(٥) الهداية : ٣٤ ، السرائر ١ : ٢٩٩.

(٦) الخلاف ١ : ٦٣١‌

(٧) انظر : المعتبر ٢ : ٢٤٤ ، والتذكرة ١ : ١٢٨.

١١٩

البحث الخامس

في وقتها‌

أوّل وقتها الزوال بمعنى أن يخطب في الفي‌ء الأوّل ، فإذا زالت الشمس صلّى ، أو يخطب أيضا بعد الزوال ، على اختلاف القولين كما يأتي ، فيكون المراد على الثاني أنّ وقت الصلاة بعد الزوال بقدرهما ، أو يبنى على دخولهما في الصلاة ، أو يكون المراد وقت الصلاة ومقدماتها ، وأنّ الوقت بالأصالة للصلاة وإن وجب تأخيرها عن الخطبتين ، كما أنّ بعد أربع الركعات من الزوال مشترك بين الظهرين ، لكن يجب تقديم الظهر على العصر.

ثمَّ إنّ كون أوّل وقتها ما ذكر للإجماع المحكيّ في الخلاف وروض الجنان وشرح القواعد (١) ، بل المحقّق عند المحقّق ؛ لعدم قدح مخالفة من سيذكر فيه ، والأخبار المتكثّرة من الصحاح وغيرها ، كصحاح عليّ وابن أبي عمير والفضيل وزرارة والحلبيّ وابن سنان ومرسلتي الفقيه وموثّقتي سماعة والساباطي ورواية القسري ، الآتية كثير منها ، (٢) ، وغير ذلك.

والاستدلال بأصالة عدم المشروعيّة قبل الزوال ، وتوقّف الوظائف الشرعية على التوقيف ضعيف ؛ لاندفاع الأوّل ، وحصول الثاني بالمطلقات.

خلافا للمحكيّ في الخلاف عن بعض أصحابنا ، وعزاه إلى السيّد أيضا (٣) ، فيجوز فعلها عند قيام الشمس.

وهو شاذّ جدّا ، مع أنّه قال الحلّي بعد نقل هذه النسبة عن الشيخ : ولعلّ‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٢٠ ، الروض : ٢٨٤ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٦٦.

(٢) في ص ١٢٣ و ١٢٤ و ١٢٥ ، ورواية القسري في التهذيب ٢ : ٢٨٤ ـ ١١٣٧ ، الوسائل ٥ : ٣٧٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ٣.

(٣) الخلاف ١ : ٦٢٠.

١٢٠