مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

ويندفعان بما مرّ.

وهل يجب جعل السجود حينئذ أخفض من الركوع؟.

ظاهر الأكثر نعم ، بل قيل : إنّه قطعي (١) ، لما يأتي في المضطجع والمستلقي بضميمة عدم الفرق.

وفيه : أنّ ما يأتي فيهما غير دالّ على الوجوب ، بل غايته الرجحان وهو مسلّم.

ولو لم يتمكّنا من الإيماء بالرأس يومئان بالعين لهما بالإجماع ، وهو الحجّة فيه ، مضافا إلى وجوب الركوع والسجود عليهما إجماعا وعدم القول بالإتيان بهما بوضع آخر ، وبعض مطلقات إيماء المريض.

ويضعان شيئا على الجبهة وجوبا ، لما مرّ.

والمضطجع إن تمكّن من السجود بوضع الجبهة على الأرض وجب ، لأدلّته ، واستصحابه ، واختصاص أدلّة الإيماء بحال عدم الإمكان كما هو الغالب في غير الجالس ، ويشعر به قوله : « ولن يكلّف الله ما لا طاقة له به » في ذيل موثّقة سماعة (٢).

وإن لم يتمكّن منه يومئ ـ هو والمستلقي ـ بالرأس مع إمكانه ، لإطلاق المرسلة المتقدّمة (٣) ، والمرسلة الأخرى وفيها : « إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه وإلاّ فوجّهوه إلى القبلة ، ومروه فليومئ برأسه ، ويجعل السجود أخفض من الركوع » (٤).

وبدونه يومئان بالعين ، لمرسلة محمّد بن إبراهيم : في المستلقي ، قال : « فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمَّ يسبّح ، ثمَّ يفتح عينيه ، ويكون فتح عينيه رفع رأسه‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ١٥٧.

(٢) المتقدمة في ص ٥٦.

(٣) في ص ٥٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٣٨ ، الوسائل ٥ : ٤٨٥ أبواب القيام ب ١ ح ١٦.

٦١

من الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمَّ يسبّح ، فإذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود » (١).

وقريبة منها مرسلته الأخرى (٢).

وهما وإن كانتا مطلقتين ولكن يجب تقييدهما بعدم إمكان الإيماء بالرأس ، للمرسلتين المتقدّمتين المقيّدتين بحال الإمكان قطعا ، فيكون أخصّ منهما. ولا يضرّ ورود الأخيرتين في المستلقي ، لعدم الفصل. ولا عدم دلالتهما على الوجوب ، لذلك.

وفي وجوب وضع شي‌ء على الجبهة في السجود وجعله أخفض من الركوع في حالتي الإيماء بالرأس والعين ، وجهان.

الأظهر : الأوّل في الأوّل ، لموثّقة سماعة في المضطجع ـ مع عدم الفصل في المستلقي ـ المؤيّدة بسائر الأخبار المتقدّمة. وفي الثاني : الثاني ، للأصل ، وعدم الدافع ، إلاّ قوله : « ويجعل سجوده أخفض من الركوع » في إحدى المراسيل المتقدّمة (٣).

وهو ـ مع اختصاصه بالإيماء بالرأس وعدم ثبوت عدم الفاصل بل ثبوت وجوده ـ لا يثبت الوجوب. وورود : « ليجعل » في بعض النسخ لا يفيد ، لوروده في الأكثر بقوله : « ويجعل ».

والظاهر أنّ الأعمى العاجز عن الإيماء بالرأس يومئ بعصر العينين ، لعدم سقوط الركوع والسجود عنه إجماعا ، وعدم قول بغير هذا النحو.

المسألة العاشرة : من عجز في الأثناء عن حالة انتقل إلى ما دونها‌ بلا خلاف‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب القيام ب ١ ذيل حديث : ١٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤١١ الصلاة ب ٦٩ ح ١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب القيام ب ١ ذيل حديث ١٣.

(٣) وهي مرسلة الفقيه ، راجع ص ٥٦ الهامش (٦) ، وقد ورد فيها « جعل » بصورة الماضي.

٦٢

فيه ظاهرا ، بل صرّح بنفيه بعضهم (١) ، ويدلّ عليه كثير من الأخبار المتقدّمة المصرّحة بمثل قوله : فإن لم يستطع صلّى جالسا ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه ، وهكذا ، فمتى عجز عن القيام منتصبا انحنى ، وعن الانحناء جلس ، وعنه اضطجع ، وعنه استلقى.

ثمَّ لو كان العجز عن القيام قبل القراءة أو في أثنائها ، فهل يقرأ حال الانتقال أم يؤخّرها إلى الجلوس؟

المشهور : الأول ، للاستصحاب ، وللمحافظة على القراءة في المرتبة العليا مهما أمكن ، وحالة الهويّ أعلى من القعود.

وقيل بالثاني (٢) ، لاشتراط القراءة بالاستقرار كما ينبّه عليه رواية السكوني : « في المصلّي يريد التقدّم ، قال : يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم ثمَّ يقرأ » (٣).

ويضعّف بمنع كون الاستقرار من شرائط القراءة ووجوبه فيها ـ والرواية واردة في مورد خاص ـ بل هو من واجبات الصلاة المنتفية هنا قطعا وكان لازم وجوبه لها مقارنته للقراءة أيضا ، والحاصل أنّ وجوبه حال القراءة إنّما كان لأجل الصلاة وهو منتف هنا ، لا لأجل القراءة.

كما يضعّف دليل الأول بأنّ الاستصحاب لا يدل على وجوب القراءة ، لعدم وجوبها أوّلا متّصلا بل كان يجوز يسير فصل ، وقد يحصل الانتقال في آن يسيرة لا تنافي توالي القراءة عرفا.

ووجوب المحافظة عليها في المرتبة العليا مطلقا ممنوعة ، نعم يجب كونها في حال القيام مهما أمكن ، وليس تمام حالة الهويّ والانتقال قياما.

فإن كان مراد المشهور الجواز فهو كذلك ، ويدل عليه الأصل والاستصحاب ، وإن أريد الوجوب فهو فيما يصدق عليه القيام كذلك ، وأمّا بعده‌

__________________

(١) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ١٩٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٢٢.

(٢) كما في مجمع الفائدة ٢ : ١٩٢ ، والمدارك ٣ : ٣٣٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٦ الصلاة ب ٢١ ح ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ـ ١١٦٥ ، الوسائل ٦ : ٩٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٤ ح ١.

٦٣

من حالات الهويّ فلا.

وإن كان العجز بعد القراءة قبل الركوع فمع العجز عن الانحناء مطلقا يركع جالسا.

ومع التمكّن من الانحناء والطمأنينة فيه والذكر ، ينحني مطمئنّا ذاكرا فيه للركوع ، ثمَّ يجلس فيسجد.

وإن تمكّن من الانحناء دون الطمأنينة والذكر ، ينحني للركوع ويهوي منحنيا حتى يجلس كذلك ، فيذكر فيه من غير فصل الجلوس منتصبا ، لئلاّ يزيد في الركن ، حيث إنّ الطمأنينة والذكر خارجان عن حقيقة الركوع. وكذا إذا لم يتمكّن من الذّكر خاصة.

ومنه يظهر حال تجدّد العجز بعد الانحناء أيضا.

وإن لم يتمكّن من وصل الانحناءين ففي الاكتفاء بالانحناء قائما للركوع وسقوط الطمأنينة والذكر ، أو الركوع جالسا ، أو قائما منحنيا ثمَّ الجلوس منتصبا ثمَّ الانحناء فيه لدرك الطمأنينة والركوع ، أوجه.

المسألة الحادية عشرة : من تجدّد له الاقتدار على الحالة العليا من الدنيا انتقل إليها‌ بالإجماع ، له ، ولصحيحة جميل المتقدّمة (١) بضميمة الإجماع المركّب.

ويترك القراءة حتى ينتقل إليها وجوبا ، لقدرته على دركها فيها ، فلا يجزي الأدون منها إلاّ إذا احتاج الانتقال إلى زمان ينتفي فيه التوالي في القراءة.

ويبني على ما قرأ في الدنيا ، لاقتضاء الأمر للإجزاء.

ولو خفّ في الركوع قبل الطمأنينة وجب الانتقال منحنيا إلى حدّ الراكع من غير أن ينتصب ، لئلاّ يزيد في الركن أو ينقص في الواجب.

ولو خفّ بعد الركوع قام ثمَّ سجد ليسجد عن قيام ، وفيه تأمّل.

وهكذا من الصور المتصورة في هذه المسألة والمسألة السابقة.

المسألة الثانية عشرة : يستحب أن يكون نظر المصلّي قائما حال قيامه إلى

__________________

(١) في ص ٤٨.

٦٤

موضع سجوده‌ بالإجماع ، لصحيحة زرارة (١) ، وغيرها.

وأن تكون يداه على فخذيه بحذاء ركبتيه كما في صحيحة زرارة ، وحمّاد (٢).

المسألة الثالثة عشرة : يستحب أن يتربّع الجالس حال قراءته‌ بأن ينصب فخذيه وساقيه ، رافعا أليتيه عن الأرض.

لا لرواية حمران : « كان أبي إذا صلّى جالسا تربّع فإذا ركع ثنّى رجليه » (٣).

للإجمال في المراد من التربّع الذي ذكره ، حيث إنّه يستعمل في معان.

منها : ما مرّ ، وهو الذي ذكره الفقهاء في هذا المقام.

ومنها : أن يقعد على وركيه ويمدّ ركبته اليمنى إلى جانب يمينه وقدمه إلى جانب شماله ، واليسرى بالعكس ، ذكره في المجمع (٤).

ومنها : ذلك إلاّ أن يضع إحدى رجليه على الأخرى ، فسّره به أبو الحسن عليه‌السلام في رواية رواها الكشّي في ترجمة جعفر بن عيسى (٥).

ومنها : الأعم من الجميع بل من غيره أيضا ، ذكره القاموس حيث قال : وتربّع في جلوسه : خلاف جثا وأقعى (٦).

ولا يعلم المراد من التربّع الوارد في الرواية ، وحكاية الواقعة لا تفيد العموم.

ومع ذلك معارض ببعض روايات أخر :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، أمالي الصدوق : ٣٣٧ ـ ١٣ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ ، بتفاوت في بعضها.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٨ ـ ١٠٤٩ ، التهذيب ٢ : ١٧١ ـ ٦٧٩ ، الوسائل ٥ : ٥٠٢ أبواب القيام ب ١١ ح ٤.

(٤) نقله في مجمع البحرين ٤ : ٣٣١ عن المجمع ، أي مجمع البحار للشيخ محمد طاهر الصديقي المتوفّى ٩٨١.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٧٩٠.

(٦) القاموس المحيط ٣ : ٢٨.

٦٥

منها : ما رواه في الكافي في جلسة الطعام وفيها : « ولا يضع إحدى رجليه على الأخرى ، ولا يتربّع فإنها جلسة يبغضها الله ويبغض صاحبها » (١).

ومنها : رواية أخرى في جلسة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ولم ير متربّعا قطّ (٢).

بل (٣) لتصريح بعض الفقهاء منهم الثانيان (٤) باستحباب التربع بهذا المعنى ، بل تصريح المنتهى بالإجماع على استحبابه (٥) ، وفيه وإن لم يفسّره بهذا المعنى ولكنه استدل له بأنه أقرب إلى هيئة القائم ، وهو صريح في أنه المراد.

ولا يعارضه الخبران المذكوران ، لما عرفت من الإجمال ، مضافا إلى تعارضهما مع غيرهما من جلوس الصادق عليه‌السلام وأكله متربّعا (٦).

وأن يثنّي رجليه حال ركوعه ، بأن يفترشهما تحته ويقعد على صدرهما ، بالإجماع كما عن الخلاف (٧) ، له ، ولرواية حمران المتقدّمة.

وأن يتورّك حال تشهّده وفاقا للشيخ (٨) ، وجماعة من الأصحاب (٩) ، ولعموم‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٧٢ الأطعمة ب ٢٣ ح ١٠ ، الوسائل ٢٤ : ٢٥٧ أبواب آداب المائدة ب ٩ ح ٢ ، وفيه بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٢ : ٦٦١ العشرة ب ٢١ ح ١ ، الوسائل ١٢ : ١٠٦ أبواب أحكام العشرة ب ٧٤ ح ١.

(٣) عطف على قوله : لا لرواية حمران ..

(٤) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٠٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٩.

(٥) المنتهى ١ : ٢٦٦ ، وفيه ادعاء الإجماع على عدم الوجوب لا على الاستحباب ، فراجع.

(٦) الكافي ٦ : ٢٧٢ الأطعمة ب ٢٣ ح ٩ ، الوسائل ٢٤ : ٢٤٩ أبواب آداب المائدة ب ٦ ح ٣ ، وفيه بتفاوت يسير.

(٧) لم نعثر عليه في الخلاف ، وقال في الرياض : وفي الخلاف الإجماع على أفضلية التربّع ، وفي المدارك الإجماع عليها فيه وفي تثنية الرجلين. راجع الرياض ١ : ١٥٧.

(٨) المبسوط ١ : ١٠٠ ، الخلاف ١ : ٣٦٣.

(٩) منهم الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٠٧ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ١٩٢ ، وصاحب المدارك ٣ : ٣٣٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢١١.

٦٦

ما دلّ على استحبابه فيه (١) وعدم المخصّص.

خلافا لظاهر الشرائع والنافع فتردّد (٢) ، ولعلّه لإطلاق الرواية السابقة.

ويدفعه أنّ الظاهر من قوله : « صلّى جالسا » ما يقابل القيام في حالة الاختيار.

* * *

__________________

(١) انظر : الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١.

(٢) الشرائع ١ : ٨١ ، المختصر النافع : ٣٠.

٦٧

البحث الرابع

في القراءة‌

وهي واجبة بإجماع الأمة إلاّ من شذّ من العامة (١) ، وعليه عمل النبي والأئمة ، وهما الأصل فيه بعد المستفيضة (٢).

والحقّ المشهور عدم ركنيّتها ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٣) ، لدلالة الأخبار على عدم بطلان الصلاة بتركها سهوا كصحيحة محمّد : « إنّ الله عزّ وجلّ فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمّدا أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته » (٤).

وقريبة منها صحيحة زرارة (٥).

وصحيحته الأخرى : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » ثمَّ قال : « القراءة سنّة ، والتشهد سنّة ، فلا ينقض السنّة الفريضة » (٦).

وموثّقة منصور : إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها ، فقال : « أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ » قلت : بلى ، قال : « فقد تمّت صلاتك‌

__________________

(١) حكاه عن الحسن بن صالح بن حي في الخلاف ١ : ٣٢٧ ، وكذا حكاه النووي في المجموع ٣ : ٣٣٠.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٣٧ أبواب القراءة ب ١.

(٣) الخلاف ١ : ٣٣٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٧ الصلاة ب ٣٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٣ ـ ١٣٣٥ ، الوسائل ٦ : ٨٧ أبواب القراءة ب ٢٧ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٧ ـ ١٠٠٥ ، الوسائل ٦ : ٨٧ أبواب القراءة ب ٢٧ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٦ : ٩١ أبواب القراءة ب ٢٩ ح ٥.

٦٨

إذا كان نسيانا » (١).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

خلافا للمحكي في المبسوط عن بعض الأصحاب (٢) وفي التنقيح عن ابن حمزة (٣) فقالا بالركنيّة.

لعمومات نفي الصلاة بانتفاء الفاتحة (٤).

وكون القراءة فريضة ، لدلالة قوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) (٥) بضميمة الإجماع على عدم وجوب القراءة في غير الصلاة عليه ، وكلّ ما كان فريضة فهو ركن كما صرّح به جماعة (٦) ، وتشير إليه الصّحاح الثلاثة المتقدّمة.

ويضعّف الأول : بوجوب تخصيص العام بالخاص.

والثاني : بمنع الفريضة أولا ، كما صرّح به في الصّحاح الثلاثة ، ومنه تبطل دلالة الآية ، لأنّهم عليهم‌السلام أعلم بمواقعها ، مع أنّ فيها محلّ كلمات أخر ، منها عدم أولويّة تخصيص عموم : « ما تيسّر » بالحمد والسورة ، وتقييد إطلاق القراءة بحالة الصلاة ، عن حمل الأمر على الاستحباب.

ومنع الكليّة ثانيا ، والصحاح لا تدلّ على أزيد من أنّ السنّة ليست بركن ، وأمّا أنّ كلّ فريضة ركن فلا.

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : تتعيّن قراءة الحمد في الفريضة‌ بالإجماع المحقّق والمحكي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٨ الصلاة ب ٣٥ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧٠ ، الوسائل ٦ : ٩٠ أبواب القراءة ب ٢٩ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٣) التنقيح ١ : ١٩٧.

(٤) انظر : الوسائل ٦ : ٣٧ أبواب القراءة ب ١.

(٥) المزمل : ٢٠.

(٦) منهم صاحب الحدائق ٨ : ٩٢ ، وقال الوحيد في شرح المفاتيح ( المخطوط ) : كل جزء من أجزاء العبادة يكون الأصل ركنيته لها حتى يثبت من الشرع عدم الركنية.

٦٩

مستفيضا (١) ، له ، ولعمل الحجج (٢) ، والمستفيضة من النصوص.

منها : صحيحة محمّد : عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته ، قال : « لا صلاة له إلاّ أن يقرأها في جهر أو إخفات » (٣).

ورواية أبي بصير : عن رجل نسي أمّ القرآن ، قال : « إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن » (٤).

وموثّقة سماعة : عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ، قال : « فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم ، ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع ، فإنّه لا قراءة حتى يبتدئ بها في جهر أو إخفات ، فإنه إذا ركع أجزأه » (٥).

والمروي في كتاب المجازات النبويّة : « كلّ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهو خداج » (٦) إلى غير ذلك.

وكذا في النافلة على الأشهر الأقرب ، للصحيحة المتقدّمة ، والرواية الأخيرة المنجبرة ، ولأنّ الصلاة كيفية متلقاة من الشارع فيجب الاقتصار فيها على موضع النقل.

__________________

(١) كما في الخلاف ١ : ٣٢٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٧ ، التذكرة ١ : ١١٤ ، الحدائق ٨ : ٩١.

(٢) انظر : الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٣٩ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب القراءة ب ٢٧ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٧ الصلاة ب ٣٥ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب القراءة ٢٨ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٦ : ٨٩ أبواب القراءة ب ٢٨ ح ٢.

(٦) المجازات النبوية : ١١١ ـ ٧٩ ، الوسائل ٦ : ٣٩ أبواب القراءة ب ١ ح ٦. والخداج أي نقصان ، وصفت بالمصدر للمبالغة يقال : خدجت الناقة فهي خادج إذا ألقت ولدها قبل تمام الأيام وإن كان تام الخلق ـ مجمع البحرين ٢ : ٢٩٠.

٧٠

خلافا للمحكي عن التذكرة فلا تجب ، للأصل (١).

ويضعّف بما مرّ ، إلاّ أن يريد بالوجوب المنفي الشرعي. فهو مسلّم ، لانتفائه في أصل النوافل فكيف بأجزائها. إلاّ أن تثبت حرمة القطع فيها أيضا فيثبت لأجزائها الوجوب الشرعي بعد الإحرام بها.

المسألة الثانية : موضع وجوب قراءة الحمد في الفريضة الركعتان من الثنائيّة والأوليان من الرباعيّة والثلاثيّة ، فتجب فيها دون غيرها.

أمّا الثاني فيأتي بيانه ، وأمّا الأول فبالإجماعين (٢) وفعل الحجج (٣) ، وتوقف القطع بالبراءة عليه ، والأخبار (٤).

المسألة الثالثة : تجب قراءة الحمد أجمع ، للأمر بقراءته وهو اسم للجميع ، المنتفي بانتفاء بعضه.

وهو وإن صدق بالمجموع العرفي الذي لا يخلّ به نقص حرف ، إلاّ أنه انعقد الإجماع القطعي على قراءة مجموعه الحقيقي بحيث لم يخلّ بحرف منه ، فهو الحجّة فيه ، ومقتضاه أداء كل حرف حرف منه بحيث يعدّ هذا الحرف عرفا.

ويدلّ عليه أيضا أنّ الإخلال بحرف منه إمّا يكون بنقصه أو بإبداله بحرف آخر ، والأول إذا كان الحرف جزء كلمة والثاني مطلقا يجعل المقروء خارجا من القرآن ، فتبطل بالتكلّم به عمدا الصلاة.

ومنه يظهر سرّ ما أجمعوا عليه من وجوب إخراج الحروف من مخارجها ، بل الحكمان متّحدان ، إذ عدم خروج الحرف من مخرجه يخرجه عن صدق هذا الحرف‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١١٤.

(٢) انظر : التذكرة ١ : ١١٤ ، والرياض ١ : ١٥٨.

(٣) انظر : الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١.

(٤) انظر : الوسائل ٦ : ٣٧ أبواب القراءة ب ١.

٧١

عرفا ، وخروجه منه يدخله في الصدق ، إذ اختلاف الحروف إنّما هو باختلاف المخارج. بل المخرج لكلّ حرف ما يصدق مع الخروج عنه أنه هذا الحرف عرفا ، سواء كان متّسعا ، كمخرج التاء المثنّاة الفوقانيّة ، والجيم ، والدال ، والكاف ، وغيرها ، حيث إنّه يمكن إخراجها من أصول مقاديم الأسنان العليا إلى أواخر الحنك ، أو لا ، كمخرج الباء الموحّدة ، والفاء ، والميم ، ونحوها ، ولا يلزم بعد الصدق العرفي الإخراج من موضع معيّن من المخارج المتّسعة كما يقوله القرّاء ، لعدم الدليل.

والمناط في الحروف التي لم ترد في لسان العجم ـ وهي الثاء ، والذال ، والصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء والقاف ، ولذا لا يعرفون مخارجها ولا يميّزونها في التكلّم عن السين ، والزاي ، والغين ـ عرف العرب ، فيجب أداؤها بحيث لو سمعها العرب حكم بكونها هذه الحروف ، فالعجم لا يميّز في التكلّم بين ألفاظ : ذلّ ، وزلّ ، وضلّ ، وظلّ ، فيجب في التكلّم بواحد منها أن يكون بحيث لو سمعها العرب حكم بأنه أيّها ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بإخراجها من مخارجها المقرّرة عند العرب ، ولا تكفي التفرقة بينها بفرق اختراعي ، فاللازم تعلّم مخارجها من أهلها ومنهم القرّاء ، فيلزم الأخذ منهم قطعا لو لم يتمكّن من التعلم من العرب.

ثمَّ إنّ من الحروف ما يظهر بمجرّد وصول الهواء الصوتي بمخرجه وهي غير الحروف المتقلقلة ، كالخاء (١) والعين وغيرهما ، فلا يلزم فيها غير الإيصال المذكور.

ومنها ما لا يكفي فيه ذلك ، بل يلزم في ظهوره بحيث يصدق التكلّم به عرفا من مجاوزة الهواء الصوتي عن مخرجه بعد الوصول إليه وهو المراد بالتقلقل ، وهي الحروف المتقلقلة ، فالظاهر لزوم التقلقل فيها ، فلو اكتفى بوضع اللسان على مخرج الدال مثلا من غير رفعه عنه لم يكف في أدائها بل يلزم التقلقل.

وما ذكر هو القدر اللازم في مادة الحروف.

__________________

(١) في « ق » و « س » : كالحاء.

٧٢

وأمّا أوصافها فلا شك في وجوب مراعاة التشديد ، أي قراءة الحرف الواحد المشدّد مشدّدا. والتشديد هو غير الإدغام اصطلاحا ، لأنه يستعمل فيما كان الثابت في اللفظ حرفين نحو : يدرككم ويوجهه.

والدليل على وجوبه وبطلان الصلاة بالإخلال به إجماع الفقهاء عليه ، مضافا إلى أنّ الإخلال به إمّا بإظهار الحرفين المخفّفين أو حرف واحد مخفّف ، والأوّل موجب لزيادة حرف غير القرآن في الصلاة وبه تخرج الكلمة عن القرآنية بل عن العربيّة في الأكثر ، والثاني لخروج اللفظ عن العربيّة والقرآنيّة وعمّا هو هو ، بل يتغيّر فيهما المعنى في الأغلب.

وأمّا المدّ المتصل والإدغام الصغير ـ وهو إدغام حرفين متجانسين أو متناسبين أوّلهما ساكن في كلمة أو كلمتين في الآخر ، ولو كان أوّلهما متحركا فهو الإدغام الكبير الذي حكم الأكثر من القرّاء بعدم وجوبه (١) ـ فقد حكم جماعة من الفقهاء منهم الشهيد والمحقّق الثاني بوجوب مراعاتهما (٢) ، بل يخطر ببالي ادّعاء الإجماع على الأوّل.

والأصل يقتضي عدم وجوبهما أيضا ، لعدم دليل عليه ، فإنّه لا يخرج بالإخلال بهما اللفظ عن كونه لفظا عربيّا وقرآنا عرفا ، ولا يتغيّر به المعنى ، ولا الحرف عن كونه ذلك الحرف أصلا.

غاية الأمر ثبوت اتفاق القرّاء ـ أو مع العرب ـ على مراعاتهما ، بل على وجوبهما في التكلّم ، ولذا يثبتون علامة المدّ المتّصل في المصاحف ، ولا يثبت منه إلاّ توقف اللهجة العربيّة والأداء على نحو العرب عليه وأنّ العرب لا يتلفّظ إلاّ كذلك ، ولم يثبت وجوب ذلك ، ولذا لا يحكمون بوجوب إمالة الألف في مواضعه ولا إشباع الحركات وتفخيم الراء مثلا مع أنا نعلم قطعا أن العرب لا يؤدّي إلاّ‌

__________________

(١) ووجوب الإدغام فيه مذهب يعقوب وأبي يوسف من القرّاء ، وأوجبه عاصم أيضا في كلمتين من القرآن ( ما مَكَّنِّي ) في سورة الكهف ، ( لا تَأْمَنّا ) في سورة يوسف. منه رحمه الله تعالى.

(٢) الشهيد في البيان : ١٥٧ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٤٥.

٧٣

كذلك ألا ترى أن أهل الفرس لا يميلون ألفا ولا يفخّمون الراء ولا يشبعون حركة ولا يخرجون الغين المعجمة من مخرجها ، بل لو فعل ذلك أحد في لسانهم يضحكون منه ، ومع ذلك لا يخرج اللفظ بشي‌ء منها ـ لو فعله أحد ـ عن الفارسية ، ولو أمر أحد بقراءة نظم أو نثر فارسي فقرأ بهذا النحو لا يقال : لم يمتثل ، وإن قيل : لم يقرأ باللهجة الفارسية.

وبالجملة : القدر الثابت شرعا ليس إلاّ وجوب أداء اللفظ المنزل من غير إخلال بحرف منه عرفا ، وأما وجوب أدائه على نحو أداء العرب وهيئته ولهجته وكيفيته فلا دليل عليه أصلا وأبدا ، بل لو قال العرب : هذا ليس بعربي أو غلط ، لم يضرّ ، كما يقول الفارسي لمن فخّم الراء أو أمال أو أخرج الغين من مخرجه في لفظ فارسي : إنه غلط وليس بفارسي ، فإن المراد نفي العربية في اللهجة والأداء والتغليظ فيه ، ولم يثبت وجوب الموافقة فيهما ، نعم لو ثبت الإجماع الشرعي على وجوب مراعاة واحد منهما لوجب ، ولكن الشك فيه ، ومع ذلك فالمحتاط لا يتركهما البتّة. وأمّا ما ورد في بعض الأخبار ـ من الأمر بالقراءة كما يقرأ الناس (١) ، أو كما تعلّمتم (٢) ـ فلا يفيد العموم ، مع أنه إنما ورد في مقام السؤال عمّا وجد في مصاحف الأئمّة من بعض الآيات والكلمات الخالية عنها سائر المصاحف وأنهم لا يحسنون قراءة ذلك.

وأما سائر الأوصاف من الإمالة ، والإخفاء ، والغنّة ، والتفخيم ، والترقيق ، والاستعلاء ، والإطباق ، والمدّ المنفصل ، ونحوها فلا دليل على وجوب شي‌ء منها ، ولم أعثر على مصرّح من الفقهاء بوجوبه وإن جعل نادر الاحتياط في مراعاته (٣).

وهل يستحب؟ لا دليل شرعيا عليه أيضا كما صرّح به الأردبيلي (٤) ، وغيره ،

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٣٣ فضل القرآن ب ١٤ ح ٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٦٢ أبواب القراءة ب ٧٤ ح ١.

(٢) الكافي ٢ : ٦١٩ فضل القرآن ب ١٢ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ١٦٣ أبواب القراءة ب ٧٤ ح ٢.

(٣) كما في مجمع الفائدة ٢ : ٢١٩.

(٤) مجمع الفائدة ٢ : ٢١٩.

٧٤

إلاّ أنه صرّح كثير من الفقهاء فيها بالاستحباب (١) ، ولا بأس به لأجل فتواهم ما لم يبلغ حدّا يخلّ بالاسلوب أو يوجب الاستهجان كما يشاهد في بعض ، بل قد يبلغ حدّا يقطع بأنّ العرب لا يقرأ هكذا ويستقبحه.

وأما حركاتها وسكناتها : فما كان من غير الإعرابيّة والبنائيّة ، أي غير ما في أواخر الكلمات كفتح حاء الحمد ، وعين أنعمت ، وسكون ميمهما ، فلا شكّ في وجوب مراعاتها بالكيفيّة المنزلة ، وبطلان الصلاة بالإخلال بها ، للإجماع. ولأنّ القرآن والفاتحة ليسا اسمين للأجزاء المادية أي الحروف فقط قطعا ، بل للمركّب منها ومن الجزء الصوري الذي هو الهيئة ، فمع انتفائه لا يكون فاتحة ولا قرآنا. ولأنّ القرآن ليس إلاّ هذا المنزل ، فكلّ كلمة لم يكن منزلا لم يكن قرآنا ، ولا شكّ أنّ المنزل هو الكلمة بالحركة والسكون المخصوصين وبغيرهما ليس منزلا ، فتبطل بها الصلاة.

ومنه يظهر وجوب مراعاتها في كل حرف ، وبطلان الصلاة بالإخلال بها عمدا ولو نادرا لا يخرج المجموع بالإخلال به عن اسم الفاتحة عرفا.

وما كان في أواخر الكلمات فإمّا سكون أو حركة ، والأوّل تبطل الصلاة بالإخلال به أيضا قطعا ، للإجماع ، وعدم معلومية كون الكلمة المتحرّكة آخرها من القرآن ، فإنه لو قال في سورة التوحيد ( لَمْ يَكُنْ لَهُ ) بضمّ النون تبطل صلاته ، إذ ليس « لم يكن » كلمة قرآنية ، ولو سئل عنها يسلب عنها القرآنية.

ومنه يظهر وجوب مراعاة الثاني ، والبطلان بالإخلال به أيضا ، لو كان بإبداله بحركة أخرى مضادّة ، سواء كان مغيّرا للمعنى كضمّ تاء « أنعمت » أو لا كضمّ باء « رب العالمين » إذ « أنعمت ، ولله ربّ العالمين » مضمومة التاء والباء ليس قرآنا.

مع أنّ البطلان في الأول إجماعي ، بل في الثاني أيضا ، لعدم ثبوت ما حكي‌

__________________

(١) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٥ ، وصاحب المدارك ٣ : ٣٣٧ ، وصاحب الحدائق ٨ : ١١٤.

٧٥

عن السيّد في بعض مسائله (١) من القول بعدم البطلان مع عدم تغيّر المعنى ، وعدم قدحه في الإجماع لو ثبت.

مع أنّ تغيّر الحركة يوجب تغيّر المعنى قطعا ، فإنّ استفادة الوصفيّة من « الرّب » المكسورة باؤه معنى غير الخبريّة للمبتدإ المحذوف المستفادة منه مضمومة الباء ، وكذا إذا قال : « الحمد » بفتح الدال ، فإنّ المعنى المستفاد منه مضمومة الدال لا يستفاد منه مفتوحة قطعا وإن علم المراد بقرينة الحال والمقام ، واللازم استفادة المعنى من نفس اللفظ ولا شك أنّ « الحمد » المفتوحة لا يفيد المعنى الابتدائي.

مع أنّ عدم تغيّر المعنى ـ لو سلّم ـ غير كاف في كون اللفظ قرآنا ، فإنّ اللفظ أيضا له مدخليّة فيه.

وأما الإخلال بالثاني بالإسكان وحذف الإعراب ، فقد صرّح في المنتهى بالبطلان به (٢).

وهو بإطلاقه غير صحيح قطعا ، للإجماع بل الضرورة على جواز الوقف ، وليس هو إلاّ حذف الإعراب وإسكان المتحرّك إمّا مطلقا أو مع قطع النفس.

ثمَّ بملاحظة عدم اختصاص جواز الوقف أصلا وإجماعا بموضع معيّن ـ سوى ما وقع الاتفاق على عدم جوازه ، كالوقف في خلال الكلمة الواحدة وما في حكمها كالحرف ومدخولها ، بل المضاف والمضاف إليه على ما هو المظنون ، حيث إنّ الظاهر الاتفاق على عدم جوازه ، مع إيجابه خروج اللفظ عن العربيّة بل القرآنيّة بل عدم إفادة المعنى في الأغلب ـ يظهر جواز حذف الإعراب والإسكان في كلّ غير ما ذكر. وهذا التغيير لا يخرج الكلمة عن القرآنيّة ، إذ لم يعلم نزول القرآن متّصلا متحرّكا كلّه. ولا عن العربيّة ، لأنّ بناء العرب على الوقف فهو يجوز‌

__________________

(١) حكاه عن السيد المرتضى في المدارك ٣ : ٣٣٨.

(٢) المنتهى ١ : ٢٧٣.

٧٦

قطعا.

وهل يشترط فيه قطع النفس ، أو يجوز الإسكان من غير فصل بتوقف أو تنفّس؟

الظاهر : الثاني ، للأصل ، وعدم دليل على وجوب التحريك أو التوقف أو بطلان الصلاة بدونهما ، فإنّ المناط في إيجاب مراعاة الحركات والسكنات والبطلان بالإخلال بها ـ كما عرفت ـ هو الإجماع ، أو خروج اللفظ عن القرآنيّة أو العربيّة ، ولا يعلم شي‌ء منهما في المقام ، بل نرى أنه لو قرأ أحد ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ) بإسكان القاف من غير توقف لا يقال : « ما خلق » ليس بقرآن ، بخلاف ما لو قال : « خلق » بضمّ الخاء.

وأمّا ما قيل من اتفاق القرّاء وأهل العربيّة على عدم جواز الوقف بالحركة والوصل بالسكون (١).

فلو ثبت لم يضرّ ، لما أشير إليه من أنّ الواجب هو قراءة القرآن العربي دون القراءة على نحو العرب ، وهذا كيفيّة في القراءة ، غاية الأمر أنه لا يكون قراءة عربيّة بل يكون قراءة عربيّ ، ولم يثبت أزيد من وجوب الأخيرة.

مع أنّ ذلك الاتفاق ممنوع ، فإنّا رأينا العرب يسكنون كثيرا من غير توقّف ، فينادون : يا علي يا علي ، يا حسين يا حسين ، يا محمّد يا محمّد ، بإسكان الياء والنون والدال من غير تنفّس وتوقّف. وأيضا : لو كان هذا مبطلا لم يجوّزوه في الأذان والإقامة مع أنّ منهم من صرّح فيه بالجواز ، ففي روض الجنان : ولو ترك الوقف أصلا سكّن أواخر الفصول أيضا (٢).

غاية الأمر أنه لا يكون وقفا لغة ، وعدم وقفيته لا يستلزم عدم الجواز.

مع أنّ إطلاق الوقف على هذا النوع من التوقف مجاز قطعا ، فيحتمل أن‌

__________________

(١) حكاه المجلسي في البحار ٨٢ : ٨ عن والده.

(٢) روض الجنان : ٢٤٤.

٧٧

يكون المعنى المجازي هو مطلق الإسكان فيما من شأنه التحريك ، مع أنّ منهم من أطلق الوقف على مجرّد الإسكان ، ففي شرح الإرشاد للأردبيلي في مستحبات الأذان والإقامة : والوقف بمعنى إسكان أواخر الفصول هنا (١). إلى غير ذلك ممّا مرّ.

فإن قيل : يلزم أن لا يكون فرق بين الكلمات اللاّزمة الجزم وغيرها نحو : لم يفعل ويفعل ، بل بين النفي والنهي.

قلنا : الفرق في المعنى واللفظ ، أمّا الأول فظاهر ، وأمّا الثاني فبجواز التحريك وعدمه ، ويحصل الامتياز حين الإسكان بالقصد ، وبما هو في الواقع من وجود سبب الجزم وعدمه واقعا ، وهو كاف في التفرقة.

وبذلك يظهر جواز الإسكان والوقف حال جهل الإعراب من غير إشكال ، لوجود الامتياز الواقعي.

وتردّد فيه في المنتهى (٢). وليس بشي‌ء ، إذ لا دليل على وجوب العلم بالإعراب ، بل لو كان كذلك لزم بطلان صلاة أكثر العجم ، بل العرب ، لتعلّمهم مواضع الوقوف من الحمد والسورة موقوفة من غير علمهم بإعرابها.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر أيضا جواز الوقف بالحركة فيما يجوز فيه الوقف ، للأصل ، وعدم الخروج عن العربيّة ، وعدم وجوب القراءة العربيّة لو ثبت عدم قراءة العرب هكذا.

ولو كان بعده همزة الوصل يظهرها ، لأنّ الثابت وصلها عند اتصال المتحرّك معها ، وكذا لو أسكن ما قبلها من غير توقف لعدم الحركة الموجبة لوصلها ، كما في فصول الأذان والإقامة عند عدم التوقف.

هذا كلّه في أصل الإعراب. وأمّا وصفه من الإشباع كما يفعله القرّاء بل العرب أيضا ، فلا يجب وإن واظب عليه العرب ، لصدق الضمّة وأخواتها على غير‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ٢ : ١٧٢.

(٢) المنتهى ١ : ٢٧٣.

٧٨

المشبع أيضا ، وكون المشتمل عليه قرآنا وعربيّا عرفا.

وإيجاب بعض القرّاء له لا يوجبه ، بل الكلّ أيضا كذلك كما مرّ ، ولذا ترى الفقهاء في مواضع عديدة ربما يقولون : فلان غير واجب وإن أجمع القرّاء على وجوبه ، لعدم وجوب تقليدهم.

ثمَّ الواجب من الحركات والسكنات هو ما وافق إحدى القراءات دون مطلق العربيّة ، لما يأتي.

بقي هاهنا شي‌ء وهو : إنه قد ثبت بما ذكر عدم جواز الإخلال بحرف ولا إعراب وأنه يجب الإتيان بكلّ من الحروف والإعرابات صحيحا ، فهل الصحيح المجزي قراءته هو ما وافق العربية مطلقا ، أو إحدى القراءات كذلك ولو كانت شاذّة ، أو العشر ، أو السبع ، أو بالجميع عند الاختلاف؟

ليس الأول ولا الأخير بالإجماع القطعي ، وأمرهم عليهم‌السلام بالقراءة كما يقرأ الناس (١) ، وكما تعلّموا (٢) ، ولا شك أنّ الناس لا يتجاوزون القراءات.

ومنه يظهر بطلان الثاني أيضا.

فالحق جواز القراءة بإحدى العشر.

والتخصيص بالسبع لتواترها أو إجماعيّتها غير جيّد ، لمنع التواتر ، وعدم دلالة الإجماعيّة على التعيّن ، لما عرفت من أنّ مستند التزام جميع الكلمات والحروف والإعرابات ـ مع صدق قراءة القرآن وأم الكتاب عرفا لو وقع الإخلال ببعضها ـ الإجماع والخروج عن القرآنية والعربيّة ، وشي‌ء منهما في كل من العشر غير لازم.

ولزوم التكلم بغير ما يعلم أنه قرآن أو تجوز قراءته في غير السبع إذا كان الاختلاف بحرفين فصاعدا ، فلا يجوز لإطلاقات النهي عن التكلم ، ويتعدّى إلى غيره بعدم الفصل.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٣٣ فضل القرآن ب ١٤ ح ٢٣.

(٢) الكافي ٢ : ٦١٩ فضل القرآن ب ١٢ ح ٢.

٧٩

يعارض بجواز القراءة بغير السبع إذا كان الاختلاف بأقلّ من حرفين ، لصدق قراءة الفاتحة والقرآن عرفا ، ويتعدّى إلى غيره بعدم الفصل ، فيبقى الأصل بلا معارض.

فائدة :

من الفاتحة البسملة إجماعا منّا ومن أكثر العامة ، وهو الحجّة ، مضافا إلى الأخبار المتكثرة (١) ، فتجب قراءتها فيها.

وكذا في السورة على الأشهر ، بل هو أيضا مجمع عليه ، لعدم قدح ما نسب إلى الإسكافي من المخالفة في السورة (٢) ، فبه يردّ قوله ، مضافا إلى بعض المعتبرة (٣).

والأخبار المخالفة في الموضعين (٤) ـ لو سلّمت دلالتها ـ لم تفد أصلا ، لشذوذها غايته ، وموافقتها العامة (٥).

المسألة الرابعة : لا تجزي الترجمة مع القدرة على القراءة العربيّة‌ بإجماعنا المحقّق ، والمصرّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة كالناصريّات والخلاف والمنتهى والذكرى والمدارك (٦) ، وهو الحجّة فيه. مضافا إلى عدم كون الترجمة : القرآن أو الفاتحة أو السورة المأمور بقراءتها ، لصحة السلب ، وتبادر غيرها. ولا دلالة لقوله تعالى ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (٧).

المسألة الخامسة : يجب ترتيب آيها وكلماتها على الوجه المنقول ، لقولهم‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٦ : ٥٧ أبواب القراءة ب ١١.

(٢) نسبه اليه الشهيد في الذكرى : ١٨٦.

(٣) انظر : الوسائل ٦ : ٥٨ أبواب القراءة ب ١١ ح ٥.

(٤) انظر : الوسائل ٦ : ٦٠ أبواب القراءة ب ١٢.

(٥) انظر : بداية المجتهد ١ : ١٢٦ ، والمغني ١ : ٥٥٨ و ٥٦٨.

(٦) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٧ ، الخلاف ١ : ٣٤٣ ، المنتهى ١ : ٢٧٣ ، الذكرى : ١٨٦ ، المدارك ٣ : ٣٤١.

(٧) الانعام : ١٩.

٨٠