مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

والمرويّ في قرب الإسناد : عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط ، فقال : « لا » (١).

وصحيحة حمّاد الواردة في تعليمه.

مضافا إلى أن المتبادر من القيام المأمور به إنما هو الخالي عن السناد ، كما صرّح به المحقّق الثاني حيث قال : إنّ المتبادر من أوامر القيام وجوب قيام المصلّي بنفسه ، ولا يعدّ المعتمد على شي‌ء قائما بنفسه (٢). وهو الظاهر من المنتهى (٣) ، وغيره (٤).

ولذا ترى أنّ راكب الخيل المعتمد على السرج مع انتصاب فقار الظّهر لا يقال : إنه قائم ، مع وجود جميع صفات القائم فيه سوى الاعتماد على الرجلين ، وكذا من تعلّق بشي‌ء ولم يعتمد على رجليه وإن كانتا على الأرض ، فهو حقيقة فيه مجاز في غيره ، كما هو الظاهر من فخر المحقّقين حيث قال : والقيام : الاستقلال (٥).

خلافا للمحكي عن الحلبي (٦) ، وقوّاه جماعة من متأخري المتأخرين منهم شيخنا صاحب الحدائق (٧) فقالوا بجواز الاستناد ولو مع الاعتماد مع كراهته ، للأصل ، ولصحيحة علي : عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلّي ، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علّة؟ فقال : « لا بأس » وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين ، هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض ليستعين به على القيام من غير ضعف ولا‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٧١ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨٧ أبواب القيام ب ١ ح ٢٠.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٢٠٣.

(٣) المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٤) كالمختلف : ١٠٠.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٩٩.

(٦) الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٧) الحدائق ٨ : ٦٢.

٤١

علّة؟ فقال : « لا بأس » (١).

وموثقة ابن بكير : عن الرجل يصلّي متوكئا على عصا أو على حائط ، فقال : « لا بأس أن يتوكأ على عصا أو على حائط » (٢).

ورواية ابن يسار : عن الاتكاء في الصلاة على الحائط يمينا وشمالا ، فقال : « لا بأس » (٣).

والاتكاء إنما يطلق حقيقة على ما فيه اعتماد ، كما صرّح به أهل اللغة (٤).

وأجيب عنها بأنها أعمّ مطلقا من أدلّة الأول باعتبار اختصاص أدلّته بالفرض ـ بالإجماع ـ وبالاستناد الموجب للسقوط برفع السناد كذلك ، وعموم هذه بالاعتبارين ، مع اختصاص الأول بغير المريض أيضا إجماعا وعموم أكثر الثاني بل غير ذيل الصحيحة بالنسبة إليه ، وأمّا صدرها فلعدم معلومية رجوع القيد إلى غير الجملة الأخيرة يكون قوله : « من غير مرض ولا علّة » قيدا لوضع اليد دون الاستناد ، فيجب تخصيصها بها.

مضافا إلى أنّ هذه الأخبار لشذوذها ، كما يستفاد من كلام فخر المحققين (٥) ، والصيمري (٦) ، وغيرهما (٧) ، بل من كلام الأكثر ـ حيث لم يسندوا الخلاف إلاّ إلى الحلبي القائل بالكراهة ، مع احتمال إرادته الحرمة منها كما هي شائعة في كلام القدماء ـ مضافا إلى ضعف سند بعضها ، ليست بحجّة.

وعلى فرض الحجية والتعارض فالترجيح مع أخبار الأول ، لموافقة الشهرة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٧ ـ ١٠٤٥ ، التهذيب ٢ : ٣٢٦ ـ ١٣٣٩ ، قرب الإسناد : ٢٠٤ ـ ٧٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩٩ أبواب القيام ب ١٠ ح ١ ، مسائل علي بن جعفر : ٢٣٥ ـ ٥٤٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٧ ـ ١٣٤١ ، قرب الإسناد : ١٧١ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب القيام ب ١٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٧ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب القيام ب ١٠ ح ٣.

(٤) مجمع البحرين ١ : ٤٥٤ ، معجم مقاييس اللغة ٦ : ١٣٧ ، لسان العرب ١ : ٢٠٠.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٩٩.

(٦) نقله عنه في الرياض ١ : ١٥٦.

(٧) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٤٢

والكتاب والسنّة النبويّة ، ومخالفة العامّة كما صرّح به فخر المحقّقين ، والكل من المرجّحات المنصوصة.

هذا مع أن نفي البأس في تلك الأخبار عن الاستناد يقتضي نفي الكراهة التي هي أيضا نوع بأس ، ولا يقول به المجوّز ، وهو أيضا وجه آخر لضعف تلك الأخبار وعدم حجيتها.

ويردّ هذا الجواب :

أولا : بأنّ تماميته إنما هي على فرض تمامية أدلة القول الأول ، وهي ممنوعة.

لما في الأول من منع وجوب التأسي.

وفي الثاني من عدم حجية الإجماع المنقول.

وفي الثالث من حصول القطع بالبراءة بحصول القيام المأمور به ، وهو يحصل مع عدم الاستقلال أيضا كما يأتي ، والأصل عدم وجوب الزائد.

وفي الرابع من عدم معلومية كيفية صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلعلّه كان مستندا على شي‌ء.

وفي الخامس من احتمال كون قوله : « لا تستند » نفيا فلا يفيد التحريم ، ودعوى ظهوره فيه ممنوعة ، مع أنه لو سلّم لأوجب تخصيص الصلاة بالفريضة وهو ليس بأولى من التجوّز في الظهور المذكور.

ومنه يظهر ما في السادس والسابع.

وفي الثامن مما مرّ في المسألة الاولى.

وفي التاسع من منع التبادر المذكور ، لعدم صحة سلب القائم عمّن كان منتصبا وإن كان معتمدا على شي‌ء ، ولذا لا يقال لمن قام معتمدا على عصاه : إنه ليس بقائم ، وكذا من اعتمد منتصبا على جدار.

وأما راكب الخيل فعدم صدق القائم عليه لوضع مقعده على السرج ، ولا شك في أن صدق القيام يتوقف على عدم وضع المقعد على شي‌ء ، مع أنّ صريح المروي في الدعوات المتقدّم إطلاق القائم على المعتمد.

٤٣

وثانيا : بأنّ عموم أدلّة الثاني باعتبار الاستناد والاتكاء ممنوع ، بل المتبادر منهما هو الذي يسقط مع رفع السناد.

وشذوذها المخرج إيّاها عن الحجية غير معلوم ، كيف؟! ولم يتعرض للاستقلال في كثير من كتب القدماء منها نهاية الشيخ وسرائر الحلّي.

وموافقة الشهرة ليست من المرجحات المعتبرة.

ومطابقة الكتاب ممنوعة ، لعدم دلالته على القيام فضلا عن الاستقلال.

ومخالفة العامة غير ثابتة ، إذ لم يثبت جواز الاعتماد منهم ، ولم يصرّح فخر المحققين به وإنما حمل روايات الجواز على التقية ، فلعلّه لما ورد من أن إيقاع الاختلاف بين الشيعة من باب التقية.

والبأس هو الشدّة والعذاب كما صرّح به أهل اللغة (١) ، فنفيه لا ينفي إلاّ الحرمة.

وممّا ذكر ظهر قوّة القول الثاني ، ولكن الاحتياط في الأول ، وهو طريق النجاة ومطلوب في كلّ الحالات سيّما في الواجب من الصلاة.

وعلى أيّ حال فالظاهر جواز الاستناد والاعتماد على شي‌ء في حال النهوض ليستعين به عليه ، كما صرّح به بعض مشايخنا (٢) ، ودلّ عليه الأصل وصحيحة علي.

وحكي عن بعضهم عدمه (٣) ، ولا دليل له.

المسألة الثالثة : يجب الاعتماد حال القيام على الرجلين قد صرّح جمع من الأصحاب ـ منهم : المحقّق الثاني في شرح القواعد والجعفرية والشهيد في الدروس وصاحب المدارك (٤) ـ بوجوب الاعتماد‌

__________________

(١) انظر : مجمع البحرين ٤ : ٥٠ ، ولسان العرب ٦ : ٦.

(٢) كصاحب الحدائق ٨ : ٦٦.

(٣) كما في جامع المقاصد ١ : ٢٠٣.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٢٠٢ ، الدروس ١ : ١٦٩ ، المدارك ٣ : ٣٢٨.

٤٤

حال القيام على الرجلين ، ونسبه في البحار إلى المشهور (١).

لتوقف القطع بالبراءة عليه ، والتأسي بصاحب الشرع ، وعدم الاستقرار الواجب بدونه ، وكونه متبادرا من القيام ، والرضوي : « ولا نتّكئ مرّة على رجلك ومرّة على الأخرى » (٢).

ويردّ الأول بحصوله بأصالة عدم الوجوب ، والثاني بمنع الوجوب وعدم الثبوت من صاحب الشرع ، والثالث والرابع بالمنع ، والخامس بالضعف والمعارضة مع ما يأتي.

خلافا للمحكي عن النفليّة والذكرى (٣) ، وصرّح به بعض مشايخنا المحدّثين (٤). بل هو ظاهر الأكثر ، ومنهم الفاضلان حيث لم يتعرّضا له بوجه ، بل هو ظاهر من لم يمنع الاعتماد في القيام ، لأنه مناف للاعتماد على الرجلين.

وهو الأظهر ، للأصل ، وصحيحة أبي حمزة : رأيت عليّ بن الحسين عليهما‌السلام في فناء الكعبة في الليل وهو يصلّي ، فأطال القيام حتى جعل مرّة يتكئ على رجله اليمنى ومرّة على رجله اليسرى (٥).

وهل يجوز رفع إحدى الرجلين؟.

صريح جماعة عدمه (٦) ، بل صرّح في الحدائق بأنه لا خلاف في بطلان الصلاة به ، وباتفاق الأصحاب على وجوب القيام على الرجلين ، واستدل له بوقوعه على خلاف الوجه المتلقّى من صاحب الشريعة أمرا وفعلا (٧).

__________________

(١) البحار ٨١ : ٣٤٢ : المشهور وجوب الاعتماد على الرجلين. منه رحمه الله تعالى.

(٢) فقه الرضا (ع) : ١٠١ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١١٨ أبواب القيام ب ٢ ح ١.

(٣) النفلية : ٢٠ والذكرى : ١٨٢ : استحباب عدم الاعتماد على الرجل الواحدة. منه رحمه الله تعالى.

(٤) كصاحب الحدائق ٨ : ٦٣.

(٥) الكافي ٢ : ٥٧٩ الدعاء ب ٦٠ ح ١٠ ، الوسائل ٥ : ٤٩٠ أبواب القيام ب ٣ ح ١.

(٦) لم نعثر على من صرّح بذلك إلا صاحب الحدائق (ره) ، نعم يمكن أن يستفاد من حكمهم بوجوب الاعتماد على الرجلين. راجع الهامش (٤) ص ٤٤.

(٧) الحدائق ٨ : ٦٤.

٤٥

ويمكن أن يستدل له بالرضوي المتقدّم المنجبر بدعوى نفي الخلاف ، بل عمل الأصحاب الخالي عن المعارض المعلوم في المقام ، لعدم معلوميّة كون اتكاء السجّاد على ذلك النحو ، وبأنه الفرد النادر من القيام الغير المنصرف إليه عند الإطلاق.

وأمّا ما في قرب الإسناد للحميري من أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي وهو قائم ، فرفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تعالى ( طه ما أَنْزَلْنا ) إلى آخره (١) ، الموجب لجوازه بالاستصحاب حيث إنه لم يدل على انتفاء الجواز بنزول الآية.

فلضعفه غير صالح للحجية ، ومع ذلك معارض بما روي أيضا في تفسير الآية المذكورة : « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقوم على أصابع رجليه في الصلاة حتى تورّمت قدماه فأنزل الله تعالى : طه » إلى آخره (٢).

ولأجل ذلك التعارض مع ضعف الرواية الثانية أيضا لا يمكن أن يستدل على جواز القيام على الأصابع بها أيضا ، فهو أيضا غير جائز ، لعدم انصراف القيام المطلق إليه ، بل ينصرف إلى ما هو الشائع المعتاد من القيام على الرّجلين.

ولأجل ذلك الانصراف يحكم أيضا بعدم جواز تباعد الرّجلين فاحشا بحيث يخرج عن المعتاد ، بل الظاهر كما صرّح به بعضهم (٣) خروجه بذلك عن حدّ القيام ، بل يمكن أن يستدل عليه أيضا ببعض الأخبار الدالة على أن غاية التباعد بينهما قدر شبر (٤).

ثمَّ الظاهر أنّ غير الجائز من رفع إحدى الرّجلين أو القيام على الأصابع هو ما كان بقدر معتدّ به ، فلو فعل واحدا منهما يسيرا في آن يسيرة لم يضرّ.

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٧١ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ٥ : ٤٩١ أبواب القيام ب ٣ ح ٤.

(٢) انظر : تفسير القمي ٢ : ٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٩٠ أبواب القيام ب ٣ ح ٣.

(٣) انظر : الحدائق ٨ : ٦٥.

(٤) انظر : الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١.

٤٦

ثمَّ لو تجاوز عن اليسير فهل تبطل به الصلاة أم ارتكب المحرّم خاصة؟.

مقتضى ما ذكرنا ـ من انصراف القيام الذي هو جزء الصلاة إلى غيره ـ البطلان ، لعدم موافقته المأمور به.

وكذا لو ترك الاستقلال بناء على وجوبه لأجل كونه حقيقة القيام كما قيل (١) ، وأما على وجوبه لا لأجل ذلك ففي البطلان به إشكال ، لأصالة عدم جزئيته للصلاة بل يكون واجبا فيها ، فتأمّل.

المسألة الرابعة : لو عجز عن الاستقلال ـ على القول بوجوبه ـ صلّى معتمدا‌ إجماعا ، له ، ولصحيحة ابن سنان (٢) بضميمة عدم الفصل بين أنواع العجز واستصحاب جواز الاعتماد له بعد رفع المرض ووجود الضعف ، ولعمومات جواز الاستناد الخارج عنها صورة التمكن بالدليل.

وقد يستدل باستصحاب وجوب غير الاستقلال من هيئات القائم ، وبنحو قوله : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٣).

وهما يتمّان على تقدير عدم كون الاستقلال مأخوذا في معنى القيام وإلاّ فلا ، كما بيّنّا وجهه في كتاب عوائد الأيّام (٤).

ولو عجز عن الانتصاب ، أو الاعتماد على الرّجلين على وجوبه ، أو عن القيام عليهما ، أو تقاربهما ، صلّى منحنيا مقدّما أقلّ الانحناء على الأكثر ، معتمدا على رجل واحدة قائما عليها ، مساعدا بينهما مقتصرا فيه على أقلّ ما يمكن ، لظاهر الإجماع في الجميع ، وإلاّ فلا دليل تامّا غيره عليه بعد ما عرفت من كون هذه الأمور مأخوذة في معنى القيام المأمور به ، نعم لولاه لدلّ عليه الاستصحاب ،

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٩٩ و ١٥٦.

(٢) التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٤ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب القيام ب ١٠ ح ٢.

(٣) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

(٤) عوائد الأيام : ٩٠.

٤٧

ونحو قوله : « الميسور لا يسقط بالمعسور ».

ولو تعارض بعض هذه الأمور مع بعض تخيّر على الأظهر ، وقد يقدّم الانتصاب لقوله : « لا صلاة لمن لا يقيم صلبه » (١).

وفيه : أنه يعارض أدلة وجوب غيره الموجب لانتفاء الصلاة بانتفائه ، فتأمل.

ولو عجز عن بعض هذه الأمور أو كلّها في بعض الحالات دون بعض أتى بها في حال المكنة إجماعا ، له ، ولما يأتي في القيام.

المسألة الخامسة : ولو عجز عن القيام في البعض أتى بالممكن منه ، بلا خلاف كما صرّح به جماعة (٢) ، لثبوت وجوب القيام في جميع مواقعه بالإجماع ، ولما دلّ على وجوبه في كل موقع بخصوصه ، والأصل عدم ارتباط بعضه ولا اشتراطه ببعض ، فلا يسقط وجوبه في شي‌ء من مواقعه بسقوطه في بعض آخر.

ويدل عليه أيضا عموم صحيحة جميل : ما حدّ المرض الذي يصلّي صاحبه قاعدا؟ فقال : « إن الرجل ليوعك ويحرج ولكنه أعلم بنفسه ، إذا قوي فليقم » (٣).

وعلى هذا فيقوم عند التكبيرة ويستمرّ قائما إلى أن يعجز فيجلس.

ولو قدر على القيام زمانا لا يسع القراءة والركوع معا.

ففي أولويّة القيام قارئا ثمَّ الركوع جالسا كما عن نهاية الإحكام (٤).

أو لزوم الجلوس ابتداء ثمَّ القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع حتى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٠ الصلاة ب ٢٤ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٧٨ ـ ٢٩٠ ، الوسائل ٥ : ٤٨٩ أبواب القيام ب ٢ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٢) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٦١ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٦٦ ، وصاحب الرياض ١ : ١٥٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٠ الصلاة ب ٦٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ـ ٦٧٣ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٤٣٩.

٤٨

يركع من قيام ، كما عن النهاية والمبسوط والسرائر والمهذّب والوسيلة والجامع (١) ، مع احتمال إرادة تجدّد القدرة في الثلاثة الأخيرة.

وجهان ، أوجههما الأول ، لأنه حال القراءة غير عاجز عمّا يجب عليه فيجب ، فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا فيأتي بالممكن.

وللثاني : أنّ الركوع عن قيام ـ للركنية ـ أهم من إدراك القراءة قائما ، وأنه ورد في النصوص : أنّ الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحتسب له صلاة القائم (٢).

ويضعّف الأول : بأنه غير صالح لتجويز ترك واجب ، والثاني : بأنه مختصّ بما إذا كان الجلوس جائزا إجماعا ، والكلام بعد فيه.

ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لم يسقط عنه بالإجماعين ، لعدم المقتضي ـ فإنّ كلا منهما واجب برأسه فلا يسقط بتعذر غيره ـ ولصحيحة جميل السابقة ، فيقوم ، ويركع ويسجد بما هو وظيفة العاجز عنهما.

ولو تعارض القيام مع الركوع والسجود بأن يكون إذا قام لم يمكنه الجلوس للسجود ولا الانحناء للركوع ، ففي لزوم القيام والاكتفاء عنهما بالإيماء ، والجلوس والإتيان بهما ، وجهان ، أقواهما بل المدعى عليه الاتفاق في كلام جماعة (٣) : الأول ، لما مرّ في تعارض قيام القراءة وقيام الركوع.

المسألة السادسة : لو عجز عن القيام بجميع أنحائه في جميع صلاته صلّى جالسا ، وكذا فيما يعجز فيه عن القيام في صورة التمكن عنه في بعض الأجزاء ،

__________________

(١) النهاية : ١٢٨ ، المبسوط ١ : ١٠٠ ، السرائر ١ : ٣٤٨ ، المهذب ١ : ١١١ ، الوسيلة : ١١٤ ، الجامع للشرائع : ٧٩.

(٢) انظر : الوسائل ٥ : ٧٠٠ أبواب القيام ب ٩.

(٣) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٦٥ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٦٧ ، وصاحب الرياض ١ : ١٥٦.

٤٩

إجماعا محققا ، ومحكيا مستفيضا (١) ، بل ضرورة كما قيل (٢).

وهو فيه الحجّة ، مضافا إلى أصالة بقاء التكليف بغير القيام من أفعال الصلاة الغير الممكن تحققه إلاّ بالجلوس ، والمستفيضة كصحيحة جميل ، وحسنة أبي حمزة (٣) ، ومرسلة محمّد بن إبراهيم (٤) ، والمراسيل الثلاث للفقيه (٥) ، وغيرها.

وحدّ العجز المسوّغ له ـ على الأصحّ الأشهر بل عليه عامة من تأخر ـ عدم التمكن من القيام عادة الموكول معرفته إلى نفسه ، لأنه المفهوم من عدم الاستطاعة المعلّق عليه الحكم في بعض الأخبار.

مضافا إلى تصريح بعض المعتبرة به كصحيحة جميل السابقة ، وصحيحة ابن أذينة : ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ، والمرض الذي يدع صاحبه فيه الصلاة قائما؟ قال : « ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، قال : ذاك إليه هو أعلم بنفسه » (٦).

وقريبة منها موثّقة زرارة ، إلاّ أنّ في آخرها : « هو أعلم بما يطيقه » (٧) بدل قوله : « هو أعلم بنفسه ».

وفي حكم عدم التمكن المشقّة العظيمة التي لا يتحمّل مثلها عادة ، أو‌

__________________

(١) كما في المعتبر ٢ : ١٥٩ ، والمنتهى ١ : ٢٦٥ ، وكشف اللثام ١ : ٢١٠ ، والحدائق ٨ : ٦٧.

(٢) انظر : شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ الصلاة ب ٦٩ ح ١١ ، التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨١ أبواب القيام ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٤١١ الصلاة ب ٦٩ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ ـ ١٠٣٣ ، التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب القيام ب ١ ح ١٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٥ ـ ١٠٣٣ و ٢٣٦ ـ ١٠٣٧ ، ١٠٣٨ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ ، ٤٨٥ أبواب القيام ب ١ ح ١٣ ، ١٥ ، ١٦.

(٦) الكافي ٤ : ١١٨ الصيام ب ٣٩ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٧ ـ ٣٩٩ ، الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب القيام ب ٦ ح ١.

(٧) الفقيه ٢ : ٨٣ ـ ٣٦٩ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب القيام ب ٦ ح ٢.

٥٠

خوف حدوث مرض أو زيادته ، أو بطء برئه ، أو عسر علاجه ، لأدلة نفي العسر والضرر (١).

خلافا للمحكي عن المفيد في بعض كتبه ، فقال بأنّ حدّه أن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة (٢).

وللشيخ في النهاية ، فقال بأنّ حدّه الأمران : أمّا علمه من نفسه أنه لا يتمكن منها قائما ، أو لا يقدر على المشي زمان صلاته (٣) ، لرواية المروزي : « المريض إنما يصلّي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي بقدر صلاته إلى أن يفرغ قائما » (٤).

وردّ بالضعف في السند ، لجهالة الراوي.

والمخالفة للاعتبار ، فإنّ المصلّي قد يتمكن من القيام بمقدار الصلاة ولا يتمكن من المشي بمقدار زمانها ، وقد يكون بالعكس.

ويردّ الأول : بعدم قدح ذلك في الحجية.

والثاني : بعدم اعتبار الاعتبار بعد نصّ الأطهار ، وإن هو إلاّ اجتهاد في مقابلة النص ، فيجوز تجويز الشارع الجلوس بعد بلوغ المصلّي إلى هذا الحدّ وإن قدر على القيام.

نعم تردّه المعارضة مع مثل رواية محمّد بن إبراهيم : « المريض يصلّي قائما ، وإن لم يقدر على القيام صلّى جالسا » (٥) ونحوه مرسلة الفقيه (٦) بتبديل : « وإن لم‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٥ ، الحج : ٧٨ ، وانظر : الوسائل ٢٥ : ٤٢٧ أبواب إحياء الموات ب ١٢.

(٢) المقنعة : ٢١٥.

(٣) النهاية : ١٢٩.

(٤) التهذيب ٣ : ١٧٨ ـ ٤٠٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب القيام ب ٦ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٥ ـ ١٠٣٣ ، التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب القيام ب ١ ح ١٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٣٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٥ أبواب القيام ب ١ ح ١٥.

٥١

يقدر » بقوله : « فإن لم يستطع ».

فإنه يدل منطوقا ومفهوما على وجوب القيام مع التمكّن وإن لم يقدر على المشي أصلا.

فيعارض تارة منطوق الأول ـ الدالّ على الجلوس مع القدرة على القيام إذا لم يتمكّن من المشي ـ مع منطوق قوله في الثاني : « يصلّي قائما » ومفهوم قوله فيه : « وإن لم يقدر » ـ الدالّ على القيام مع القدرة عليه ـ بالعموم من وجه ، لأنّ عدم التمكّن من المشي الذي هو موضوع الأول أعمّ من التمكّن من القيام ساكنا ومن عدمه ، والتمكّن من القيام الذي هو موضوع الثاني أعم من التمكن من المشي وعدمه.

ومحل التعارض هو التمكّن من القيام ساكنا ، فيدل الأول على الجلوس معه والثاني على القيام.

فإن رجّحنا الثاني بالشهرة فتوى ورواية واعتبار روايتها سندا فهو ، وإلاّ فيرجع إلى عمومات وجوب القيام واستصحابه ، فيجب تقديم الثاني بهذا الاعتبار ، ويحكم بوجوب الصلاة قائما ساكنا بعد القدرة عليه وإن لم يقدر على المشي بقدرها.

ويعارض تارة أخرى مفهوم الأول ـ الدالّ على عدم الجلوس مع التمكّن من المشي ـ مع منطوق الثاني ـ الدالّ على الجلوس مع عدم التمكّن على القيام على أن يجعل القيام حقيقة فيما معه السكون ـ بالعموم من وجه أيضا ، لأنّ التمكّن من المشي أعمّ من التمكّن من القيام السكوني ومن عدمه ، كما أنّ عدم التمكن من القيام ـ على الجعل المذكور ـ أعمّ من التمكّن من المشي وعدمه.

ومحل التعارض هو التمكن من المشي دون القيام السكوني ، فالأول يدلّ على عدم الجلوس فيه والثاني على الجلوس.

فإن رجّحنا الثاني بأكثرية الرواية يتعيّن الجلوس ، وإن لم نجعلها من‌

٥٢

المرجّحات ـ كما هو الحقّ ـ فمقتضى القواعد وفاقا لبعض مشايخنا المحقّقين (١) التخيير بين الصلاة ماشيا ـ كما عن ابن نما والفاضل والشهيد الثاني (٢) ـ وجالسا كما عن المحقّق الثاني (٣).

ولكن هذا على جعل القيام حقيقة في المستقر ، وكذا إذا تردّدنا في اختصاصه به أو أعميّته فيستصحب وجوب الهيئة القياميّة المتحققة في ضمن المشي أيضا ، ويعارضه استصحاب وجوب الاستقرار المتحقق مع الجلوس فيحكم بالتخيير.

ولو قلنا بأنه أعمّ منه وممّا في ضمن المشي ـ كما هو الظاهر ومقتضى الاستعمال في قول العرف : يمشي جالسا ويمشي قائما ـ فلا يكون بينهما تعارض من هذه الجهة كما لا يخفى ، ويكون الحكم للأول ، وتتعيّن الصلاة ماشيا كما هو المحكي عمّن ذكر ، واختاره بعض مشايخنا الأخباريين (٤).

ولا يعارضه دليل وجوب الاستقرار ، لعدم دليل عليه سوى الإجماع ، وهو منفي في المقام ، واستصحابه لا يعارض الخبر.

وتؤكّده حينئذ أدلة وجوب القيام أيضا.

ومنه يظهر أنّ الأحوط الصلاة ماشيا ، لكونها إمّا معيّنة أو أحد فردي المخيّر. والأتمّ منه احتياطا الجمع.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ حدّ العجز ـ الموجب للجلوس في الصلاة ـ على كون القيام أعم ممّا معه الاستقرار : ما هو المشهور من عدم التمكّن من القيام بحسب علمه.

وعلى اختصاصه بما فيه الاستقرار هو : عدم التمكّن منه ومن المشي ، كما هو قول كلّ من جوّز الصلاة ماشيا مع العجز عن الاستقرار ، ويحتمله كلام النهاية‌

__________________

(١) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٢) الفاضل في التذكرة ١ : ١١٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٩.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٢٠٥.

(٤) صاحب الحدائق ٨ : ٧١.

٥٣

بجعل لفظة : « أو » بمعنى الواو (١) ، بل كلام المفيد (٢) بجعل العجز عن المشي بهذا المقدار كناية عن العجز عن القيام مستقرا ، لتلازم العجزين والقدرتين غالبا كما نبّه عليه في الذكرى (٣).

فرعان :

أ : مقتضى ما تقدم من وجوب القيام بقدر الإمكان ـ الثابت بالأصل وصحيحة جميل (٤) ـ أنه لو تمكّن من القيام قبل القراءة أو في أثنائها أو بعدها وجب. وهو كذلك ، لذلك ، وعن ظاهر المنتهى الإجماع عليه أيضا (٥).

ولا تجب الطمأنينة في الأخير ، وفاقا للمحكي عن جماعة منهم : الفاضل في النهاية والقواعد والتحرير (٦) ، والصيمري (٧) ، للأصل ، وعدم وجوبها أولا حتى يستصحب. وما كان واجبا أولا إنما كان لأجل القراءة ، لأصالة عدم الوجوب بنفسها.

وقد يحتمل الوجوب ، لأصل الاشتغال ، المندفع بالإتيان بما ثبت به الاشتغال.

ولاستصحاب وجوبها السابق على العجز ، المندفع بمنعه ، وكونها لازمة للقراءة لا يدلّ على وجوبها بنفسها ، والوجوب التبعي يسقط بسقوط متبوعه.

ولضرورة تحقّق سكون بين الحركتين المتضادّتين الصعودية والهبوطية ، المردودة بأنها غير محلّ النزاع ، لأنه سكون حقيقة لا يلزم الإحساس به ، والكلام‌

__________________

(١) راجع ص ٥١ ـ ٥٢.

(٢) راجع ص ٥١.

(٣) الذكرى : ١٨٠.

(٤) المتقدمة في ص ٤٨.

(٥) المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٦) نهاية الاحكام ١ : ٤٤٢ ، القواعد ١ : ٣١ ، التحرير ١ : ٣٧.

(٧) نقله عنه في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٥٤

فيما يحسّ به ، مع أنه لو صحّ لدلّ على الوجوب العقلي دون الشرعي.

وكذا مقتضى الأصل والصحيحة وجوب القيام للسجود لو تمكّن منه بعد الركوع ، ووجوب الطمأنينة في هذا القيام وعدمه مبني على وجوبها أولا وعدمه.

وكذا مقتضى الأصل وجوب الركوع مع القيام الانحنائي لو تمكّن منه بعد القراءة دون الانتصاب ، لثبوت وجوبه كذلك ، وأصالة عدم الارتباط فيستصحب.

ولا تجب في شي‌ء مما ذكر إعادة ما تقدّم عليه جالسا من القراءة أو الركوع ، لأصالة الصحّة والبراءة.

ب : يركع الجالس بما يصدق عليه الركوع ، وهو مبرئ للذمة ، للأصل.

وقد ذكروا في ركوع الجالس وجهين :

أحدهما : أن ينحني فيه بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم.

وثانيهما : أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده ، وأدناه أن ينحني بحيث يحاذي جبهته قدّام ركبتيه.

والظاهر أن كلاّ منهما محصّل ليقين البراءة.

وعن بعض كتب الشهيد (١) إيجاب رفع الفخذين من الأرض ، استنادا إلى وجوبه حال القيام ، والأصل بقاؤه.

وفيه : أنه غير مقصود فيه لأجل الركوع ، بل إنما هو تابع للهيئة الواجبة في تلك الحالة المنفيّة هنا قطعا.

المسألة السابعة : لو عجز عن القعود مطلقا ولو مستندا صلّى مضطجعا‌

__________________

(١) الدروس ١ : ١٦٨.

٥٥

بالإجماع المحقّق ، والمحكي في المعتبر والمنتهى والمدارك والحدائق (١) ، وغيرها (٢) ، له ، وللمستفيضة كحسنة أبي حمزة : في قول الله عز وجل ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً ) (٣) قال : « الصحيح يصلّي قائما ، وقعودا : المريض يصلّي جالسا ، وعلى جنوبهم : الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالسا » (٤).

وموثّقة سماعة : عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : « فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه ، ولن يكلّف الله ما لا طاقة له به » (٥).

ومرسلة الفقيه : « المريض يصلّي قائما ، فإن لم يستطع صلّى جالسا ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر ، فإن لم يستطع استلقى وأومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه » (٦).

وموثّقة الساباطي : « المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا ، كيف قدر صلّى ، إمّا أن يوجّه فيومئ إيماء » وقال : « يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده وينام على جنبه الأيمن ثمَّ يومئ بالصلاة ، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن ، فكيف ما قدر ، فإنّه له جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء » (٧).

والمرويّ في الدعائم : « فإن لم يستطع أن يصلّي جالسا ، صلّى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة ، فإن لم يستطع أن يصلّي على جنبه الأيمن ، صلّى‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٦٠ ، المنتهى ١ : ٢٦٥ ، المدارك ٣ : ٣٣٠ ، الحدائق ٨ : ٧٥.

(٢) كالذخيرة : ٢٦٢ ، كشف اللثام ١ : ٢١١ ، والرياض ١ : ١٥٧.

(٣) آل عمران : ١٩١.

(٤) الكافي ٣ : ٤١١ الصلاة ب ٦٩ ح ١١ ، التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨١ أبواب القيام ب ١ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠٦ ـ ٩٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٢ أبواب القيام ب ١ ح ٥.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٣٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٥ أبواب القيام ب ١ ح ١٥.

(٧) التهذيب ٣ : ١٧٥ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٨٣ أبواب القيام ب ١ ح ١٠.

٥٦

مستلقيا ورجلاه ممّا يلي القبلة يومئ إيماء » (١).

وبهذه الروايات يخصّص ما دلّ على الاستلقاء بعد الجلوس مطلقا كمرسلتي محمّد بن إبراهيم وفيها : « فإن لم يقدر على ذلك صلّى قاعدا ، فإن لم يقدر صلّى مستلقيا » (٢).

وقريبه منها مرسلته الأخرى (٣).

والمروي في العيون وفيه : « فإن لم يستطع جالسا فليصلّ مستلقيا ناصبا رجليه حيال القبلة يومئ إيماء » (٤).

فالروايات ـ لكونها دالة على عدم الاستلقاء إلاّ بعد العجز عن الاضطجاع ـ أخصّ مطلقا من الثلاثة الأخيرة فتخصص بها.

مضافا إلى أنّ عمومها موافق للمنقول عن جماعة من العامة كابن المسيب وأبي ثور وأصحاب أبي حنيفة (٥) ، ومخالف لعمل علمائنا ، بل لإجماعهم ، بل وللكتاب بملاحظة التفسير الوارد فيه ، فلو لا تخصيصها لكان طرحها متعيّنا.

ويتخيّر بين الجنبين ، وفاقا للمحكي عن موضع من المبسوط وظاهر الشرائع والنافع والتذكرة ونهاية الإحكام والإرشاد واللمعة والمدارك (٦) ، للأصل ، وإطلاق الأوليين الخالي عن الدافع كما يأتي ، مع أفضليّة تقديم الأيمن لما سنذكر.

وخلافا للأكثر ، فقالوا بتعيّن الأيمن.

إمّا مطلقا ومع تعذّره يستلقي كجماعة ، لرواية الدعائم.

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٩٨ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١١٦ أبواب القيام ب ١ ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٥ ـ ١٠٣٣ ، التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب القيام ب ١ ح ١٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ الصلاة ب ٦٩ ح ١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب القيام ب ١ ذيل حديث ١٣.

(٤) عيون اخبار الرضا ٢ : ٦٧ ـ ٣١٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨٦ أبواب القيام ب ١ ح ١٨.

(٥) المغني والشرح الكبير ١ : ٨١٥.

(٦) المبسوط ١ : ١٠٠ ، الشرائع ١ : ٨٠ ، المختصر النافع : ٣٠ ، التذكرة ١ : ١١٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٤٠ ، الإرشاد ١ : ٢٥٢ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٥١ ، المدارك ٣ : ٣٣١.

٥٧

أو مقدّما على الأيسر ، فلا يجوز الأيسر إلاّ مع تعذّر الأيمن (١) كما عن الجامع والسرائر (٢) ، للمرسلة والموثقة مع ضعف الرواية.

ويردّ الجميع بعدم الدلالة على الوجوب والتعيّن ، للخلو عن الدالّ عليه فلا يفيد ، غايته الرجحان ، وهو مسلّم ، لأجل ذلك وللإجماع المنقول عن المعتبر والمنتهى (٣) على تعيّن الأيمن المثبت للرجحان ، للمسامحة فيه ، حيث لا حجّيّة في حكاية الإجماع.

وأما دعوى تبادر الأيمن من إطلاقهما فمن أغرب الدعاوي.

ويجب أن يكون حينئذ مستقبلا للقبلة بمقاديم بدنه كالملحد ، للموثّق ، ورواية الدعائم ، وعدم دلالتهما على الوجوب لا يضرّ في المورد ، للإجماع المركّب.

المسألة الثامنة : لو عجز عن الصلاة مضطجعا وجب عليه أن يصلّي مستلقيا‌

على قفاه بالإجماع والنصوص المتقدّمة. مستقبلا للقبلة بباطن كفّيه كالمحتضر ، لروايتي الدعائم والعيون المتقدّمتين ، المنجبرتين بالعمل في المورد. ممدودة رجلاه ، لأنه مقتضى كون بطنهما إلى القبلة.

وقيل : الأولى أن يجعل تحت رأسه شيئا يصير وجهه مواجها للقبلة (٤). ولا بأس به.

المسألة التاسعة : القائم والجالس إذا لم يتمكّنا من الانحناء الواجب ، فإن تمكّنا من أقلّ ما يصدق عليه أسماء الركوع والسجود حيث إنهما انحناء بقدر‌

__________________

(١) منهم الطوسي في المبسوط ١ : ١١٠ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦١ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٢) الجامع للشرائع : ٧٩ ، السرائر ١ : ٣٤٩.

(٣) المعتبر ٢ : ١٦٠ ، المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٤) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٥٨

يصدق عليه الاسم ، مع وضع الجبهة على شي‌ء في الثاني ، من غير مدخلية فيه لعدم تفاوت موضعي الجبهة والقدم ولا لسائر الشرائط في الصدق ولذا أطلق السجدة على مثل ذلك في الصحيحة والموثّقة الآتيتين ، وجب ، لمطلقات الأمر بالركوع والسجود ، وضرورة تقييد ما أوجب الزيادة بالإمكان.

ويجب في السجدة أن يرفع شيئا يضع جبهته عليه بلا خلاف فيه ـ على الظاهر ـ المصرّح به في جملة من العبارات (١) ، بل عن ظاهر المعتبر والمنتهى الإجماع عليه (٢) ، لموجبات وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه (٣) ، ولمرسلة الفقيه ، المؤيدة بصحيحة زرارة وموثقتي أبي بصير والبصري :

الاولى : شيخ كبير لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال : « ليومئ برأسه إيماء ، وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد ، فإن لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء » (٤).

والثانية : « المريض يسجد على الأرض أو على مروحة أو على مسواك يرفعه ، وهو أفضل من الإيماء » (٥).

ولا تنافي الأفضليّة للوجوب ، إذ يراد أنّ ثواب ذلك حين وجوبه أكثر من ثواب ذاك حين وجوبه أيضا.

والثالثة : عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه؟ قال : « لا ، إلاّ أن يكون مضطرّا ليس عنده غيرها » (٦).

__________________

(١) انظر : مجمع الفائدة ٢ : ١٩١ ، والذخيرة : ٢٦٣ ، والحدائق ٨ : ٨٤.

(٢) المعتبر ٢ : ١٦١ ، المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٣) انظر : الوسائل ٥ : ٣٤٣ أبواب ما يسجد عليه ب ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٨ ـ ١٠٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب القيام ب ١ ح ١١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٣٩ ، التهذيب ٢ : ٣١١ ـ ١٢٦٤ ، الوسائل ٥ : ٣٦٤ أبواب ما يسجد عليه ب ١٥ ح ١ و ٢.

(٦) التهذيب ٣ : ١٧٧ ـ ٣٩٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٣ أبواب القيام ب ١ ح ٧.

٥٩

والرابعة : « ويضع في الفريضة بوجهه على ما أمكنه من شي‌ء » (١).

وبها تقيّد مطلقات الإيماء بالرأس للسجود في المريض ، فيخصّ بصورة عدم إمكان الرفع.

وهل يجب ازدياد الانخفاض في السجود مهما أمكن بعد التجاوز عن اللبنة ما لم يصل حدّا يسلب اسم السجود؟.

فيه نظر ، والاحتياط معه.

ولو تعذّر الوضع سقط وهل يسقط معه الانحناء؟.

مقتضى القاعدة ذلك ، إذ لا سجدة بدون الوضع ، وأمر الاحتياط واضح.

ولو تعذّر الانحناء الذي يصدق معه الركوع والسجود يومئ بالرأس لهما إجماعا ، للمرسلة المتقدّمة وغيرها ، وبها تقيّد مطلقات الإيماء فيحمل على الإيماء بالرأس مع إمكانه.

وهل يجب عليهما الانحناء للركوع والسجود إذا لم يصل حدّا يصدق معه الركوع أو السجود؟.

الأصل يقتضي العدم ، وإثباته بنحو قوله : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) باطل ، إلاّ أن يدّعى الإجماع عليه فيتّبع إن ثبت.

والظاهر أنه يجب مع الإيماء للسجود وضع الجبهة على شي‌ء يرفعه ، لموثّقة سماعة المتقدّمة (٣) بضميمة الإجماع المركّب المؤيّدة بالصحيحة ، والموثقتين السابقتين.

وقيل : لا ، للأصل ، وخلوّ كثير من الأخبار والفتاوي عنه.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

(٢) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

(٣) في ص ٥٦.

٦٠