مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

بالأرض بعد الصلاة. والأولى عدم قصد كونها من سجدة الشكر في الأخيرين.

وهل يجوز تكرير السجدتين بدون الخدّين؟ فيه نظر.

ثمَّ إنّه ذكر جماعة أنّ هذه السجدة بعد تمام التعقيب (١) ، واستدلّوا عليه بما رواه الصدوق من : أنّ الكاظم عليه‌السلام كان يسجد بعد ما يصلّي الفجر ، فلا يرفع رأسه حتّى يتعالى النهار (٢).

وفي دلالته نظر ، لعدم تعيّن كونه سجدة الشكر ، ولا بعد تمام التعقيب ، ولا على استحباب ما فعل بخصوصه.

ولكن لا بأس به بعد فتوى الفقيه ، سيّما مع إيجابه شكر التوفيق للدعاء أيضا.

وقد اختلفت الأخبار وكلمات الأخيار في سجدة الشكر في صلاة المغرب ، فصرّح في المنتهى أنّها بعد نافلتها ، لرواية حفص : صلّى بنا أبو الحسن صلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة ، فقلت له : كان آباؤك يسجدون بعد الثالثة ، فقال : « ما كان أحد من آبائي يسجد بعد الثالثة » (٣).

وظاهر الذكرى والمدارك التخيير (٤) ، جمعا بين ما مرّ وبين رواية جهم : رأيت أبا الحسن موسى وقد سجد بعد الثلاث ركعات من المغرب ، فقلت : جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث ، فقال : « رأيتني؟ » فقلت : نعم ، فقال : « فلا تدعها » (٥).

__________________

(١) منهم الشهيد الأوّل في الذكرى : ٢١٣ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣١٦ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٢٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٨ ـ ٩٧٠ ، الوسائل ٧ : ٨ أبواب سجدتي الشكر ب ٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١١٤ ـ ٤٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ـ ١٣٠٨ ، الوسائل ٦ : ٤٨٩ أبواب التعقيب ب ٣١ ح ١ ، وفي جميعها : « ما كان أحد من آبائي يسجد إلاّ بعد السابعة ».

(٤) الذكرى : ١١٣ ، المدارك ٣ : ١٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٧ ـ ٩٦٧ ، التهذيب ٢ : ١١٤ ـ ٤٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ـ ١٣٠٩ ، الوسائل ٦ : ٤٨٩ أبواب التعقيب ب ٣١ ح ٢.

٤٠١

وكان هذا الجمع حسنا لو لا ترجيح الثانية بالتوقيع المرويّ في الاحتجاج ، وفيه ـ بعد السؤال عن سجدة الشكر في صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد أربع ركعات النافلة ـ : « وأمّا الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع ، فإنّ فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل ، والسجدة دعاء وتسبيح ، فالأفضل أن تكون بعد الفرض ، وإن جعلت أيضا بعد النوافل جاز » (١).

وأمّا مع هذا الخبر فيتعيّن ترجيح الثانية كما لا يخفى.

ويستحبّ بعد رفع الرأس من السجدة أن يضع باطن كفّه موضع سجوده ثمَّ يرفعها فيمسح بها وجهه وصدره ، لمرسلة المقنعة : « فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده موضع سجوده ، ثمَّ يمسح بها وجهه وصدره » (٢).

وروي في مكارم الأخلاق : « إذا أصابك همّ فامسح يدك على موضع سجودك ، ثمَّ أمرّ يدك على وجهك من جانب خدّك الأيسر ، وعلى جبهتك إلى جانب خدّك الأيمن ، ثمَّ قل : بسم الله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، اللهم أذهب عنّي الهمّ والحزن ، ثلاثا » (٣).

ولكن الظاهر اختصاص استحباب هذا النوع بصورة إصابة الهمّ ، والطريق الأول عامّ ، وعلى أيّ تقدير لا يختصّ شي‌ء منهما بسجدة الشكر ، بل ورد بعد السجدة وإن ذكرهما بعض الأصحاب عقيبها (٤).

وكذا ما ذكره بعضهم من استحباب إطالة السجود وقول يا ربّ يا ربّ في السجدة حتّى ينقطع النفس (٥) ، فإنّ الكلّ في الأخبار مذكور (٦) ، ولكلّ فضل‌

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٨٦ ، الوسائل ٦ : ٤٩٠ أبواب التعقيب ب ٣١ ح ٣.

(٢) المقنعة : ١٠٩.

(٣) مكارم الأخلاق : ٢٨٧.

(٤) انظر : الحدائق ٨ : ٣٤٨.

(٥) انظر : الحدائق ٨ : ٣٥٢.

(٦) انظر : الوسائل ٧ : ب ٦ و ٧ من أبواب سجدتي الشكر.

٤٠٢

كثير ، ولكن لم يذكر شي‌ء منه لخصوص سجدة الشكر.

فائدة :

ذكر الشيخ وجمع من الأصحاب أنّ حكم المرأة حكم الرجل في غير الجهر والإخفات (١) ، نعم يختلفان في بعض الآداب ، كما ورد في حسنة زرارة حيث قال فيها : « إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ، ولا تفرّج بينهما وتضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها ، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فيرتفع عجزها ، وإذا جلست فعلى أليتها وليس كما يقعد الرجل ، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض ، وإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض ، وإذا نهضت انسلّت انسلالا لئلاّ يرتفع عجزها أولا » (٢).

* * *

__________________

(١) النهاية : ٧٣ وانظر القواعد ١ : ٣٦ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٦٣.

(٢) الكافي ٥ : ٣٣٥ الصلاة ب ٢٩ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٤ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٥ : ٤٦٢ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٤ ، وفي المصادر « عجيزتها » مكان « عجزها ».

٤٠٣
٤٠٤

الباب الثاني

في النوافل اليوميّة‌

٤٠٥
٤٠٦

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : النوافل المرتّبة أربع وثلاثون ركعة ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ عن الانتصار والخلاف (١). وفي المختلف : إنّه لم نقف فيه على خلاف (٢). وفي الذكرى : لا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب (٣) ـ وأمّا ما في الشرائع والنافع من أنّه الأشهر (٤) ، فالمراد في الرواية ـ فهو الحجّة فيه ، مضافا إلى المستفيضة الدالّة على العدد جملة أو تفصيلا (٥).

وأمّا الأخبار العادّة لها بأقلّ من الأربع والثلاثين ، بإسقاط الوتيرة كما في بعضها ، أو مع أربع من نوافل العصر كما في آخر ، أو معها وثنتين من المغربيّة كما في غيرهما (٦).

فهي على نفي استحباب الزائد غير دالّة ، فلما مرّ غير مخالفة. ومع مخالفتها فلعدم حجيّتها ـ وإن كثرت وتضمّنت الصحيح ـ باعتبار مخالفتها للشهرة بل الإجماع ، وعدم عمل أحد من الأصحاب بها ـ كما صرّح به الصيمريّ أيضا (٧) ـ مطروحة.

ثمَّ من هذه الأربع والثلاثين ثمان للظهر قبلها ، وثمان للعصر قبلها ، وأربع للمغرب بعدها ، والوتيرة ركعتان من جلوس يعدّ بركعة ، وصلاة الليل ثمان ركعات ، وركعتا الشفع ، وركعة الوتر ، وركعتان للفجر قبلها ، على المشهور على‌

__________________

(١) الانتصار : ٥٠ ، الخلاف ١ : ٥٢٥.

(٢) المختلف : ١٢٣.

(٣) الذكرى : ١١٢.

(٤) الشرائع ١ : ٦٠ ، المختصر النافع : ٢١.

(٥) انظر : الوسائل ٤ : ٤٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣.

(٦) انظر : الوسائل ٤ : ٤٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ، وص ٥٩ ب ١٤.

(٧) حكاه عنه في الرياض ١ : ٩٩.

٤٠٧

ما قيل (١) ، وهو صريح الدروس واللمعة والقواعد والنافع والسرائر والبيان (٢) وعن صريح المقنعة والمهذّب والإيضاح والإشارة (٣).

وهو في الشرائع والتذكرة والمنتهى والذكرى : ثمان قبل الظهر وثمان قبل العصر (٤) ، وهو ليس بنصّ بل ولا ظاهر في المشهور.

وفي الهداية وعن ظاهر الجامع : أنّ الستّ عشر للظهر (٥).

وعن الإسكافيّ : أنّ اثنتين منها للعصر والبواقي للظهر (٦).

وفي نهاية الشيخ والسرائر : ثمان بعد فريضة الظهر وقبل فريضة العصر (٧). وهو كما ترى لا يفيد أحد الأقوال.

للأوّل : المرويّ في العلل : لأيّ علة أوجب صلاة الزوال ثمان قبل الظهر وثمان قبل العصر؟ فقال عليه‌السلام : « لتأكيد الفرائض » (٨) الحديث.

وفي العيون : « ثمان ركعات قبل فريضة الظهر وثمان ركعات قبل فريضة العصر » (٩).

ولا دلالة لهما على أنّ الثمان قبل العصر تطوّع لصلاة العصر ، وترجيح قبل العصر على بعد الظهر لعلّه لاستحباب التأخير إلى أن يقرب وقت العصر ويتّصل بصلاته.

__________________

(١) المدارك ٣ : ١١.

(٢) الدروس ١ : ١٣٦ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٦٩ ، القواعد ١ : ٢٤ ، المختصر النافع : ٢١ ، السرائر ١ : ١٣٩ ، البيان : ١٠٨.

(٣) المقنعة : ٩١ ، المهذب ١ : ٦٧ ، الإيضاح ١ : ٧٣ ، الإشارة : ٨٧.

(٤) الشرائع ١ : ٦٠ ، التذكرة ١ : ٧٠ ، المنتهى ١ : ١٩٤ ، الذكرى : ١١٢.

(٥) الهداية : ٣٠ ، الجامع للشرائع : ٥٨.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ١٢٣.

(٧) النهاية : ٥٧ ، السرائر ١ : ١٩٣.

(٨) العلل : ٣٢٨ ـ ٣ ، الوسائل ٤ : ٥٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٢١.

(٩) عيون أخبار الرضا « ع » ٢ : ١٢١ ، الوسائل ٤ : ٥٤ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٢٣.

٤٠٨

وعلى ذلك يحتمل حمل ما ورد فيه أربع بعد الظهر وأربع قبل العصر أيضا (١) ، فلا يصير مثله قرينة على إرادة نسبة النافلة إلى الصلاة.

مع أنّهما مع الدلالة معارضتان بأكثر منهما وأقوى ، كما في خبر حنّان : « كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ثمان ركعات الزوال ، وأربعا الاولى ، وثمان بعدها ، وأربعا العصر » (٢).

وخبر حمّاد بن عثمان : عن التطوّع بالنهار ، فذكر أنّه يصلّي ثمان ركعات قبل الظهر وثمان بعدها (٣).

وصحيحة حمّاد بن عثمان وفيها : « إلا أخبرك كيف أصنع أنا؟ » فقلت : بلى فقال : « ثمان ركعات قبل الظهر وثمان بعدها » (٤) إلى غير ذلك.

ورواية سليمان بن خالد وفيها : « ستّ ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر » (٥).

ولعلّ غير الأخيرة ممّا ذكر دليل الهداية والجامع ، وهي دليل الإسكافي.

وقد عرفت ضعف الدلالة ، فإنّ البعديّة والقبليّة غير دالّتين على أنها نافلتها ، ووجه نسبة البعض إلى قبل العصر وبعضها إلى بعد الظهر فلعلّه أمر آخر كمراعاة الوقت ، أو استحباب الاتّصال والأقربيّة بإحدى الصلاتين كما مرّ.

مع أنّه على فرض الدلالة لا يصلح شي‌ء منها للاستناد ، للتعارض الخالي من المرجّح رأسا. فالمسألة محلّ تردّد وتوقّف جدّا.

إلاّ أنّ لقول الإسكافي قوة ، لموثّقة عمّار : « لكلّ صلاة مكتوبة ركعتان نافلة‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٤ : ٤٧ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٣ الصلاة ب ٨٩ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٤ ـ ٤ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ ـ ٧٧٤ ، الوسائل ٤ : ٤٧ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤٤ الصلاة ب ٨٩ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٩ ـ ١٨ ، الوسائل ٤ : ٤٨ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٥ ـ ٧ ، الوسائل ٤ : ٥٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٥ ـ ٨ ، الوسائل ٤ : ٥١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١٦.

٤٠٩

إلاّ العصر ، فإنّه تقدّم نافلتها وهي الركعتان اللتان تمّت بها الثماني بعد الظهر » (١).

وإجمال بعض أجزائه لا يوجب ترك ما يدلّ على المطلوب منها.

ثمَّ إنّه ذكر جماعة أنّه لا ثمرة مهمّة لتحقيق ذلك بعد ثبوت استحباب الثمان ، لعدم لزوم قصد ذلك في النية وعدم ظهور فائدة أخرى.

وما قيل من ظهورها في اعتبار إيقاع الستّ قبل القدمين أو المثل ، وفيما إذا نذر نافلة العصر (٢) ، ففيه تأمّل :

أمّا الأوّل فلأنّ المستفاد من الروايات ليس إلاّ استحباب إيقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل ، والثمان التي بعدها قبل الأربعة أو المثلين من غير إضافة إلى الظهر أو العصر ، فلا يتفاوت الحكم سواء قلنا أنّها للظهر أو العصر.

وأمّا الثاني فلأنّ النذر تابع للقصد ، فإن قصد الثمان أو الركعتين وجبت عليه ذلك. إلاّ أن يقصد ما هو نافلة العصر شرعا مجملا ، وحينئذ في انعقاد النذر إشكال ، لعدم ظهور اختصاص من الأخبار.

أقول : الظاهر لمزاول الأخبار استفادة اختصاص نافلة بالعصر أيضا ، ولو نوقش فيه أيضا فلا ريب في اختصاص صلاة الظهر بالنافلة كما تدلّ عليه موثّقة عمّار وفيها : « وللرجل إذا كان قد صلّى من نوافل الأولى شيئا قبل أن يحضر العصر فله أن يتمّ نوافل الاولى إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم » (٣).

وحينئذ فتظهر الثمرة فيما إذا نذر ما هو نافلة صلاة الظهر.

ويمكن ظهور الفائدة أيضا فيما إذا صلّى المسافر الظهر في السفر ثمَّ دخل الوطن وصلّى العصر فيه ، أو صلّى الظهر في الوطن وسافر قبل صلاة العصر ، فإنّه يجوز له إيقاع الثمان التي قبل العصر في الأوّل ولا يجوز في الثاني على المشهور ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ٤ : ٢٨٤ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٥.

(٢) قد ذكر الثمرة الثانية في المختلف : ١٢٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ٥ : ٢٤٥ أبواب المواقيت ب ٤٠ ح ١.

٤١٠

ويعكس الأمر على قول الهداية ، وتجوز الركعتان خاصّة في الأوّل ولا تجوز كذلك في الثاني على قول الإسكافيّ.

المسألة الثانية : يكره الكلام بين أربع ركعات المغرب ، لرواية أبي الفوارس : نهاني أبو عبد الله أن أتكلّم بين أربع ركعات التي بعد المغرب (١).

ورواية أبي العلاء : « من صلّى المغرب ثمَّ عقّب ولم يتكلّم حتّى يصلّي ركعتين كتبتا [ له ] في علّيّين ، فإن صلّى أربعا كتبت له حجّة مبرورة » (٢).

وتدلّ الأخيرة على كراهة الكلام بينها وبين المغرب بغير التعقيب أيضا ، كما صرّح بها الجماعة (٣).

وأمّا التعقيب ففي استحباب تأخيره عنها مطلقا ، للمرويّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه لمّا بشّر بالحسن عليه‌السلام صلّى ركعتين بعد المغرب شكرا ، فلمّا بشّر بالحسين عليه‌السلام صلّى ركعتين ولم يعقّب حتّى فرغ منها (٤). فإن ظاهره عدم الإتيان بشي‌ء من التعقيب إلى الفراغ من الأربع.

والمرويّ في إرشاد المفيد عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : فصلى عليه‌السلام بالناس صلاة المغرب ، وقام من غير أن يعقّب. فصلّى النوافل أربع ركعات ، وعقّب بعدها ، وسجد سجدتي الشكر (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٣ الصلاة ب ٨٩ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ١١٤ ـ ٤٢٥ ، الوسائل ٦ : ٤٨٨ أبواب التعقيب ب ٣٠ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٣ ـ ٦٦٤ ، التهذيب ٢ : ١١٣ ـ ٤٢٢ ، الوسائل ٦ : ٤٨٨ أبواب التعقيب ب ٣٠ ح ٢.

(٣) كما في التذكرة ١ : ٧٢ ، والذكرى : ١١٣ ، والمدارك ٣ : ١٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٩ ـ ١٣١٩ ، التهذيب ٢ : ١١٣ ـ ٤٢٤ ، الوسائل ٤ : ٨٨ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٤ ح ٦. ولا يخفى أن فقرة : ولم يعقب حتى فرغ منها ، غير مذكورة في المصادر ولا إشعار بها فيها. ولكن ذكرها المفيد في المقنعة ص ١١٧ ، حيث استدلّ على تأخير التعقيب عن نافلة المغرب بهذه الرواية.

(٥) الإرشاد ٢ : ٢٨٨ ، الوسائل ٦ : ٤٩٠ أبواب التعقيب ب ٣١ ح ٤.

٤١١

أو تأخير غير التسبيح بتخصيص ما مرّ بغيره ، لصحيحة ابن سنان : « من سبّح تسبيح فاطمة عليها‌السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر له » (١).

أو تأخير بعض وتقديم بعض ، جمعا بين ما مرّ وبين ما يأتي ، وللمرويّ في العيون عن الرضا عليه‌السلام أنّه كان يصلّي المغرب ثلاثا ، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبّح الله ويحمده ويكبّره ويهلّله ما شاء الله ، ثمَّ يسجد سجدة الشكر ، ثمَّ يرفع رأسه ولم يتكلّم حتّى يقوم ، فيصلّي أربع ركعات بتسليمتين ، ثمَّ جلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله (٢).

أو تقديمه مطلقا ، كما عن شيخنا البهائي ، لرواية أبي العلاء المتقدّمة ، والتوقيع المرويّ في الاحتجاج : كتب إليه يسأله عن سجدة الشكر في صلاة المغرب بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب عليه‌السلام : « إنّ فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل ، والسجدة دعاء وتسبيح ، والأفضل أن تكون بعد الفرض فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز » (٣).

وتؤيّده رواية سعيد بن زيد : « إذا صلّيت المغرب فلا تبسط رجلك ولا تكلّم أحدا حتّى تقول مائة مرّة : بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم » (٤).

ورواية الحسين بن خالد : « من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثني رجليه : أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم ذو الجلال والإكرام ، ثلاث‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٢ الصلاة ب ٨٩ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ٦ : ٤٣٩ أبواب التعقيب ب ٧ ح ١.

(٢) العيون ٢ : ١٧٩ ، الوسائل ٤ : ٥٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٢٤.

(٣) الاحتجاج : ٤٨٦ ، الوسائل ٦ : ٤٩٠ أبواب التعقيب ب ٣١ ح ٣.

(٤) الكافي ٢ : ٥٣١ الدعاء ب ٤٨ ح ٢٩ ، الوسائل ٦ : ٤٧٩ التعقيب ب ٢٥ ح ١٢.

٤١٢

مرّات ، غفر الله له ذنوبه » (١).

وما ورد من استحباب التكبيرات الثلاث ودعائها بعد التسليم (٢).

أقوال (٣) ، أقواها الأخير ، لما ذكر ، مع ضعف الاحتجاج بما احتجّ به على خلافه : أمّا حديث البشارة فلعدم ثبوته. ولا يفيد التسامح في أدلة السنن ، لأنّه إنّما كان يفيد إذا ثبتت الملازمة بين فعله عليه‌السلام وبين استحبابه لنا ، وهي غير ثابتة ، بل الثابت ـ لو سلّم ـ هو الملازمة بين علمنا بفعله أو ثبوته بظنّ ثابت الحجيّة وبين استحبابه لنا ، وهو هنا غير متحقّق ، مع أنّ ثبوت الاستحباب بثبوت فعله مطلقا أيضا ممنوع.

وأمّا البواقي فلعدم ثبوت الاستحباب في حقّنا في فعل غير النبيّ من المعصوم إذا لم يعلم وجهه مطلقا ، مع معارضتها بما روي في العيون عن الرضا عليه‌السلام أنّه كان يسجد بعد تعقيب المغرب قبل النافلة (٤).

ومنه ومن التوقيع المذكور تظهر أفضليّة تقديم سجدتي الشكر على النافلة أيضا ، كما يظهر ممّا ذكرنا ضعف دلالة ما يستند إليه في أفضليّة تأخيرهما عنها.

المسألة الثالثة : قد عرفت أنّ من النوافل ركعتين بعد العشاء ، وهما من جلوس تعدّان ركعة من قيام ، كما صرّح به المستفيضة بل المتواترة ، كحسنة الفضيل : « الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة وهو قائم » (٥).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥٢١ الدعاء ب ٤٧ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٤٧٠ أبواب التعقيب ب ٢٤ ح ٤ ، وفيهما عن الحسين بن حماد.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٤٥٢ أبواب التعقيب ب ١٤.

(٣) أي : في استحباب تأخير التعقيب عن نوافل المغرب مطلقا ، أو تأخير غير التسبيح ، أو تأخير بعض أو تقديمه مطلقا أقوال.

(٤) راجع ص ٤١٢ الرقم ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٤٣ الصلاة ب ٨٩ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٤ ـ ٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ ـ ٧٧٢ ، الوسائل ٤ : ٤٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٣.

٤١٣

ورواية البزنطي : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّ أصحابنا يختلفون في التطوّع فبعضهم يصلّي أربعا وأربعين ، وبعضهم يصلّي خمسين ، فأخبرني بالذي تعمل به كيف هو حتّى أعمل بمثله؟ فقال : « أصلي واحدة وخمسين ركعة » وعدّها إلى أن قال : « وركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام » (١).

ورواية الحجّال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه كان يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ولا يحتسب بهما ، وركعتين وهو جالس يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون (٢) الحديث.

والمرويّ في الخصال بعد عدّ صلاة الفريضة « والسنة أربع وثلاثون ركعة » إلى أن قال : « وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدّان بركعة » (٣).

ومثله في العيون وتحف العقول (٤).

وفي دعائم الإسلام : « وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بركعة ، لأنّ صلاة الجالس لغير علّة على النصف من صلاة القائم » (٥).

وفي فقه الرضا : « وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس يحسب ركعة من قيام » (٦).

وفي العلل : لأيّ علّة يصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال : « لأنّ الله فرض سبع عشرة ركعة فأضاف إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثليها ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٤ الصلاة ب ٨٩ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٨ ـ ١٤ ، الوسائل ٤ : ٤٧ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤١ ـ ١٤١٠ ، الوسائل ٤ : ٢٥٣ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٥.

(٣) الخصال : ٦٠٣ ، الوسائل ٤ : ٥٧ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٢٥.

(٤) العيون ٢ : ١٢٠ ـ ١ ، تحف العقول : ٣١٢ ، الوسائل ٤ : ٥٤ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٢٣.

(٥) دعائم الإسلام ١ : ٢٠٨ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٤٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٢.

(٦) فقه الرضا « ع » : ٩٩ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٥٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٤.

٤١٤

فصارت إحدى وخمسين ركعة ، فتعدّ هاتان الركعتان من جلوس بركعة » (١).

وفي رجال الكشي عن الرضا عليه‌السلام قال : « إنّ أهل البصرة سألوني فقالوا : إنّ يونس يقول : من السنّة أن يصلّي الإنسان ركعتين وهو جالس بعد العتمة ، فقلت : صدق يونس » (٢) إلى غير ذلك.

وتدلّ عليه المستفيضة المصرّحة بأنّ الفرائض والنوافل إحدى وخمسون ركعة (٣) والمستفيضة الدالة على أنّ التطوّع مثلا الفريضة (٤).

وفي أفضليّة الجلوس فيهما من القيام وعكسها قولان :

الأوّل صريح روض الجنان (٥) وظاهر الأكثر إن لم نقل بأنّ ظاهرهم تعيّن الجلوس ، لما مرّ وللمستفيضة الدّالة على استحباب البيتوتة على وتر ، وأنّه هو هاتان الركعتان.

فمن الأولى صحيحة زرارة : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر » (٦) ومثله في العلل (٧).

وفيه أيضا : « ولا يبيتنّ الرجل وعليه وتر » (٨).

ومن الثانية المرويّ فيه أيضا : قلت : أصلّي العشاء الآخرة فإذا صلّيت صلّيت ركعتين وأنا جالس ، فقال : « أما إنّها واحدة ولو بتّ بتّ على وتر » (٩).

وفيه أيضا : قال : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر » ‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٣٠ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٩٦ أبواب أعداد الفرائض ب ٢٩ ح ٦.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٧٨٤ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ٤ : ٩٧ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٩ ح ٩.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ٤٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣.

(٤) انظر الوسائل ٤ : ٤٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣.

(٥) روض الجنان : ١٧٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٤١ ـ ١٤١٢ ، الوسائل ٤ : ٩٤ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٩ ح ١.

(٧) علل الشرائع : ٣٣٠ ـ ٤ ، الوسائل ٤ : ٩٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٩ ح ٤.

(٨) علل الشرائع : ٣٣٠ ـ ٣ ، الوسائل ٤ : ٩٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٩ ح ٥.

(٩) علل الشرائع : ٣٣٠ ـ ٢ ، الوسائل ٤ : ٩٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٩ ح ٧ وفيهما : « ولو متّ متّ على وتر ». وفي البحار ٨٤ : ١٠٥ نقلا عن العلل مثل ما في المتن.

٤١٥

قلت : يعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال : « نعم إنّهما ركعة ، فمن صلاّهما ثمَّ حدث به حدث مات على وتر ، فإن لم يحدث حدث الموت صلّى الوتر في آخر الليل » فقلت له : هل يصلّي رسول الله هاتين الركعتين؟ قال : « لا » قلت : ولم؟ قال : « لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتيه الوحي ، وكان يعلم أنه هل يموت في هذه الليلة أو لا ، وغيره لا يعلم ، فمن أجل ذلك لم يصلّهما وأمر بهما » (١).

وردّ دلالة الأحاديث المتقدّمة : بأنّ غاية ما تدلّ عليه أنّ ما هو المقصود من شرعيّة النافلة يتحقّق مع الجلوس وهو غير مناف لأفضليّة غيره. والحاصل أنّها لا تدلّ على أزيد من ثبوت فضيلة للجلوس لا أفضليّته ، ولعلّ ذكره لأنّ هذا القدر من الفضيلة كاف في المقصود من النافلة والزائد فضل آخر.

والبواقي : بأنّه إذا كانت الركعتان من قيام بدل الركعتين من جلوس المحسوبتين بركعة يصحّ إطلاق الركعة والوتر عليهما مجازا.

ويجاب عن الأوّل : بأنّه إنّما يفيد لو ثبت أفضليّة الغير بل توقيفه.

والثاني : بأنّ صحة التجوّز لا تدلّ على وقوعه.

والثاني صريح الروضة (٢) ، ووالدي في المعتمد ، ونفى المحقّق الأردبيلي عنه البعد (٣) ، ومال إليه في الحدائق (٤) ، لصحيحة الحارث النصريّ على ما في التهذيب : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « صلاة النهار ستّ عشرة ركعة : ثمان إذا زالت الشمس وثمان بعد الظهر ، وأربع ركعات بعد المغرب. يا حارث ، لا تدعهنّ في سفر ولا في حضر ، وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيهما وهو قاعد ، وأنا أصلّيهما وأنا قائم » (٥).

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٣٠ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٩٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٩ ح ٨ مع تفاوت يسير.

(٢) الروضة ١ : ١٦٩.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٦.

(٤) الحدائق ٦ : ٦٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٤ ـ ٥ و ٩ ـ ١٦ ، الوسائل ٤ : ٤٨ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٩.

٤١٦

دلّت على مواظبة الإمام عليه‌السلام على القيام وهي آية الأفضليّة. ولا يعارضه فعل أبيه ، لأنّه كان يصلّي جميع النوافل جالسا ، كما نطقت به الأخبار (١).

ولموثّقة سليمان بن خالد : « صلاة النافلة ثماني ركعات حين تزول الشمس » إلى أن قال : وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا ، والقيام أفضل ، ولا تعدّهما من الخمسين » (٢).

ولعمومات أفضليّة القيام في الصلاة على القعود (٣).

ويضعّف الأوّل : بأنّه معارض مع رواية البزنطيّ المتقدّمة الدالّة على مواظبة أبي الحسن عليه‌السلام على القعود فيهما (٤). بل هذه بالتمسّك بها على أفضليّة الجلوس أحرى ، لمعارضة الاولى مع رواية الحجّال السابقة الدالّة على مواظبة أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا على الجلوس (٥) ، الموجبة لتساقطهما ، وخلوّ فعل أبي الحسن عليه‌السلام عن المعارض.

بل هنا كلام آخر وهو أنّ المستفاد من رواية الحجّال أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام كان يصلّي بعد العشاء ركعتين أخريين غير الوتيرة أيضا ، وتصرّح به صحيحة ابن سنان : رأيته ـ يعني أبا عبد الله ـ يصلّي بعد العتمة أربع ركعات (٦).

فلعلّ هاتين الركعتين أيضا اللتين كان يصلّيهما من قيام كانتا غير الوتيرة ، وهو وجه الجمع بين صحيحة الحارث ورواية الحجّال.

__________________

(١) منها خبر حنّان بن سدير. انظر : الوسائل ٥ : ٤٩١ أبواب القيام ب ٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٥ ـ ٨ ، الوسائل ٤ : ٥١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١٦.

(٣) انظر : الوسائل ٥ : ٤٩٢ أبواب القيام ب ٤ ح ٣ ، ورواها في الفقيه ١ : ٣٤٢ ـ ١٥١٣.

(٤) راجع ص ٤١٤.

(٥) راجع ص ٤١٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٦ ـ ٩ ، الاستبصار ١ : ٢١٩ ـ ٧٧٥ ، الوسائل ٤ : ٦٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٤ ح ٤.

٤١٧

ومنه يظهر ضعف التمسّك بالموثّقة أيضا ، بل اتّحاد الركعتين اللتين جعل القيام فيهما أفضل فيها مع ما كان يضمّهما مع الركعتين من جلوس أظهر ، بقرينة قراءة مائة آية فيهما وعدم احتسابهما من الركعتين ـ كما صرّح به في الموثّقة وفي رواية الحجّال ـ ولا أقلّ من الاحتمال المساوي فيسقط الاستدلال.

ومن ذلك يظهر القدح في تجويز القيام فيهما أيضا ، إذ لا مجوّز له إلاّ الصحيحة والموثّقة ، وبعد ما عرفت من عدم دلالتهما يبقى جواز القيام بلا دليل. ولتوقيفيّة العبادة وعدم توقيف الركعتين إلاّ جالسا لا يكون القيام فيهما جائزا. وهو الأقوى ، كما هو ظاهر الأكثر أيضا حيث قيّدوهما بالجلوس من غير تجويز القيام ، خلافا للجامع والشهيد (١) ، فصرّحا بجواز القيام لبعض ما عرفت ضعفه.

وأمّا ما ذكر أخيرا من عمومات أفضليّة القيام في الصلاة ففيه : منع ما دلّ بعمومه على أنّ القيام في كلّ صلاة أفضل ، بل غاية ما ثبت من الأخبار أنّ صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد ، وهو لا يدلّ على جواز القيام أو أفضليّته في كلّ صلاة.

ثمَّ الأفضل تأخير هاتين الركعتين عن التعقيب ، للتوقيع المتقدّم (٢). بل عن كلّ تنفّل يتنفل به بعد العشاء ، لتصريح جماعة من العلماء به (٣) ، وهو كاف في مقام الاستحباب.

ويستحبّ أن يقرأ فيهما بالواقعة والتوحيد ، لصحيحة ابن أبي عمير (٤) ورواية عبد الخالق (٥).

وفي فلاح السائل عن أبي جعفر الثاني : « من قرأ سورة الملك في ليلته فقد‌

__________________

(١) الجامع للشرائع : ١١١ ، الشهيد في الدروس ١ : ١٣٦.

(٢) في ص ٤١٢ الرقم ٣.

(٣) كالمفيد في المقنعة : ١١٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٧ : ١٧٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١١٦ ـ ٤٣٣ ، الوسائل ٦ : ١١٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ـ ١١٩٠ ، الوسائل ٦ : ١١٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٥ ح ٢.

٤١٨

أكثر وأطاب ولم يكن من الغافلين ، وإنّي لأركع بها بعد العشاء وأنا جالس » (١). ويستشمّ منها أنّه كان يقرأ فيها في الوتيرة.

المسألة الرابعة : لا خلاف بيننا في جواز فصل واحدة الوتر عن ركعتي الشفع ، وحكاية الإجماع عليه متكرّرة (٢) ، ورواياتنا عليه مستفيضة كصحيحتي الحنّاط (٣) ، وروايتي عليّ بن أبي حمزة (٤) ، وغيرهما.

ومنها ما يدلّ على رجحانه كموثّقة سليمان بن خالد : « الوتر ثلاث ركعات تفصل بينهنّ وتقرأ فيهن جميعا بقل هو الله أحد » (٥).

بل منها ما يدلّ على تعيّنه ، كصحاح أبي بصير ، وسعد وابن عمّار ، الاولى : « الوتر ثلاث ركعات ثنتين مفصولة وواحدة » (٦).

والثانية : عن الوتر أفصل أم وصل؟ قال : « فصل » (٧).

__________________

(١) فلاح السائل : ٢٥٩.

(٢) انظر : الخلاف ١ : ٥٣١ ، والمنتهى ١ : ١٩٥ ، وكشف اللثام ١ : ١٥٤.

(٣) الأولى : الكافي ٣ : ٤٤٩ الصلاة ب ٨٩ ح ٢٩ ، التهذيب ٢ : ١٢٧ ـ ٤٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٨ ـ ١٣١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٢ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ١.

الثانية : التهذيب ٢ : ١٢٨ ـ ٤٨٩ ، الوسائل ٤ : ٦٤ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ٨.

(٤) الاولى : التهذيب ٢ : ١٢٨ ـ ٤٩٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ١٤.

الثانية : التهذيب ٢ : ١٢٨ ـ ٤٩٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ١٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٢٧ ـ ٤٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤٨ ـ ١٣١٠ ، الوسائل ٤ : ٦٤ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ٩.

(٦) التهذيب ٢ : ١٢٧ ـ ٤٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٨ ـ ١٣١١ ، الوسائل ٤ : ٦٤ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ١٠.

(٧) التهذيب ٢ : ١٢٨ ـ ٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٤٨ ـ ١٣١٤ ، الوسائل ٤ : ٦٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ١٢.

٤١٩

والثالثة : « اقرأ في الوتر في ثلاثتهنّ بقل هو الله أحد وسلّم في الركعتين ، توقظ الراقد وتأمر بالصلاة » (١).

كما ذهب إليه جماعة ، بل ظاهر التهذيب والمعتبر والتذكرة إجماعنا عليه (٢).

خلافا لطائفة من المتأخرين منهم : المدارك والمفاتيح والحدائق والفاضل الهندي (٣) ، فجوّزوا الوصل أيضا ، لصحيحتي يعقوب بن شعيب وابن عمّار : في ركعتي الوتر : « إن شئت سلّمت ، وإن شئت لم تسلّم » (٤).

والرضوي : « الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة مثل صلاة المغرب ، وروي أنّه واحد ويوتر بركعة ويفصل ما بين الشفع والوتر بسلام » (٥).

ورواية كردويه : عن الوتر ، فقال : « صله » (٦).

وردّ الأوليان : بوجوه بعيدة ، أقربها حمل التسليم فيهما على التسليم المستحبّ يعنى : السلام عليكم ، لشيوع إطلاقه عليه في الأخبار والفتاوي إطلاقا شائعا ، بحيث يفهم منه كون الإطلاق عليه حقيقيا وعلى غيره مجازيّا.

والأخريان : بالضعف.

والأخيرة : باحتمال كون قوله « صله » بتشديد اللام أمرا من الصلاة.

والجميع بالشذوذ ، كما ذكره في المعتبر حيث قال بعد ذكر رواية التخيير : وهي متروكة عندنا (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٨ ـ ٤٨٨ ، الوسائل ٤ : ٦٤ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٢٩ ، المعتبر ٢ : ١٤ ، التذكرة ١ : ٧١.

(٣) المدارك ٣ : ١٨ ، المفاتيح ١ : ٣٣ ، الحدائق ٦ : ٤٣ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٥٤.

(٤) التهذيب ٢ : ١٢٩ ـ ٤٩٤ و ٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٨ ـ ١٣١٥ و ١٣١٦ ، الوسائل ٤ : ٦٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ١٦ و ١٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٢٩ ـ ٤٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٩ ـ ١٣١٧ ، الوسائل ٤ : ٦٦ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ١٨.

(٦) فقه الرضا « ع » : ١٣٨.

(٧) المعتبر ٢ : ١٤.

٤٢٠