مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

المسألة الثانية : محلّ القنوت في كلّ صلاة ـ سوى ما يأتي استثناؤه ـ في الركعة الثانية ، بلا خلاف يعرف ، بل بالإجماع المحقّق والمحكي في التذكرة وغيره (١) ، لموثّقة سماعة ورواية الخصال المتقدّمتين ، وصحيحة زرارة : « القنوت في كلّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع » (٢).

وصريحها كونه قبل الركوع ، كما عليه الإجماع أيضا في المنتهى والتذكرة (٣) ، وعن الخلاف ونهج الحق (٤) وغيرهما. وفي شرح القواعد : إنّه لا خلاف فيه (٥) ، وهو دليل آخر عليه.

مضافا إلى صحيحة ابن عمّار : « ما أعرف قنوتا إلاّ قبل الركوع » (٦).

وموثّقة أبي بصير : « كل قنوت قبل الركوع إلاّ الجمعة » (٧) وغير ذلك ممّا يأتي.

وأمّا رواية الجعفيّ ومعمّر : « القنوت قبل الركوع ، وإن شئت بعده » (٨).

فلشذوذها غير مقاومة لما مرّ. مع أنّها لا تنافيه بل تؤكّده ، لتصريحها بأنّ القنوت قبل الركوع غايتها تجويزه بعده على تقدير المشيئة ، ولا كلام فيه ، لأنّه دعاء يجوز في كلّ حال ، والكلام في الوقت المقرّر شرعا.

على أنّه يحتمل قريبا أن يكون « نسيت » مقام « شئت » فوقع التصحيف من النسّاخ.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٢٨ ، وانظر : المنتهى ١ : ٢٩٨ ، ونهاية الإحكام ١ : ٥٠٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٠ الصلاة ب ٣١ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٨٩ ـ ٣٣٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ ـ ١٢٧١ ، الوسائل ٦ : ٢٦٦ أبواب القنوت ب ٣ ح ١.

(٣) المنتهى ١ : ٢٩٩ ، التذكرة ١ : ١٢٨.

(٤) الخلاف : ٣٧٩ ، نهج الحق : ٤٣٧.

(٥) جامع المقاصد ٢ : ٣٣٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٤٠ الصلاة ب ٣١ ح ١٣ ، الوسائل ٦ : ٢٦٨ أبواب القنوت ب ٣ ح ٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٩٠ ـ ٣٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ ـ ١٢٧٥ ، الوسائل ٦ : ٢٧٣ أبواب القنوت ب ٥ ح ١٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٩٢ ـ ٣٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ـ ١٢٨٣ ، الوسائل ٦ : ٢٦٧ أبواب القنوت ب ٣ ح ٤.

٣٨١

فما عن المعتبر والروضة من الميل إلى التخيير بين فعله قبل الركوع وبعده (١) ، ضعيف جدّا.

ويستثنى من الحكم الأوّل الجمعة والوتر ، ومن الثاني الأوّل خاصّة كما يأتي في محلّه.

ويتعيّن فيما قبل الركوع بعد القراءة ، بلا خلاف ، له ، وللمعتبرة ، منها : روايتا ابن المغيرة والخصال المتقدّمتان.

وموثّقة سماعة : « والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة » (٢).

ومثلها المرويّ في تحف العقول (٣).

وصحيحة يعقوب وفيها ـ بعد السؤال عن أنّه قبل الركوع أو بعده ـ :

قال : « قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك » (٤).

ثمَّ لو نسيه قبل الركوع أتى به بعده ، بلا خلاف يوجد كما في المنتهى والمدارك والذخيرة (٥) ، وعلى الظاهر كما في الحدائق (٦) ، بل بالإجماع كما في المعتمد.

للمستفيضة من النصوص. منها : صحيحة زرارة ومحمّد : عن الرجل ينسى القنوت حتّى يركع ، قال : « يقنت بعد ركوعه ، فإن لم يذكر فلا شي‌ء عليه » (٧).

ومحمّد : عن القنوت ينساه الرجل ، فقال : « يقنت بعد ما يركع ، وإن لم‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٤٥ ، الروضة ١ : ٢٨٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٩ ـ ٣٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ ـ ١٢٧٤ ، الوسائل ٦ : ٢٦٧ أبواب القنوت ب ٣ ح ٣.

(٣) تحف العقول : ٤١٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٠ الصلاة ب ٣١ ح ١٤ ، الوسائل ٦ : ٢٦٨ أبواب القنوت ب ٣ ح ٥.

(٥) المنتهى ١ : ٣٠٠ ، المدارك ٣ : ٤٤٨ ، الذخيرة : ٢٩٤.

(٦) الحدائق ٨ : ٣٦٤.

(٧) التهذيب ٢ : ١٦٠ ـ ٦٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ ـ ١٢٩٥ ، الوسائل ٦ : ٢٨٧ أبواب القنوت ب ١٨ ح ١.

٣٨٢

يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه » (١).

وموثّقة عبيد : الرجل ذكر أنّه لم يقنت حتّى ركع ، قال : « يقنت إذا رفع رأسه » (٢).

وأمّا موثّقتا عمّار (٣) ، ورواية سهل (٤) ، ومرسلة الفقيه (٥) ، وصحيحة معاوية ابن عمّار (٦) ، في ناسي القنوت قبل الركوع المصرّحة بأنّه « ليس عليه شي‌ء » أو « لا إعادة عليه » أو « لا يقنت ».

فلا تنافي ما مرّ ، لظهور الفقرتين الأوليين في نفي الوجوب وعدم بطلان الصلاة ، واحتمال الثالثة له. مع أن المعاد في الثانية يمكن أن يكون هو الصلاة دون القنوت بل هو الظاهر ، لبعد إطلاق الإعادة على إعادة القنوت ، لعدم الإتيان به.

مضافا إلى موافقتها لأكثر العامّة ، الموجبة للمرجوحيّة على التنافي.

ثمَّ التذكّر إن كان قبل الدخول في السجود أتى به حينئذ ، بلا خلاف على الظاهر لإطلاق الصحيحتين وصريح الموثّق المتقدّمة.

وإن كان بعده أتى به بعده الصلاة جالسا مطلقا ، كما صرّح به والدي في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٠ ـ ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ ـ ١٢٩٦ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب القنوت ب ١٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٠ ـ ٦٣٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ ـ ١٢٩٧ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب القنوت ب ١٨ ح ٣.

(٣) الاولى : التهذيب ٢ : ٣١٥ ـ ١٢٨٥ ، الوسائل ٦ : ٢٨٦ أبواب القنوت ب ١٥ ح ٣.

الثانية : التهذيب ٢ : ١٣١ ـ ٥٠٧ ، الوسائل ٦ : ٢٨٦ أبواب القنوت ب ١٥ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦١ ـ ٦٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٢٩٩ ، الوسائل ٦ : ٢٨٥ أبواب القنوت ب ١٥ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٣١٢ ـ ١٤٢١ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب القنوت ب ١٨ ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ١٦١ ـ ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٣٠٠ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب القنوت ب ١٨ ح ٤.

٣٨٣

المعتمد ، ومال إليه شيخنا في روض الجنان (١) ، لموثّقة أبي بصير : في الرجل إذا سها في القنوت : « قنت بعد ما ينصرف وهو جالس » (٢).

والرضويّ : « وإن ذكرته بعد ما سجدت فاقنت بعد التسليم ، وإن ذكرت وأنت تمشي في طريقك فاستقبل القبلة واقنت » (٣).

والموثّقة وإن شملت قبل السجود أيضا إلاّ أنّه خرج منها بالصحيح والموثّق المتقدّمين ، لأنّ لزوم مخالفة ما بعد الغاية المذكورة فيهما لما قبلها خصّصهما بالتذكّر بعد دخول الركوع ، فيكون أخصّ من هذه الموثّقة فتخصّص بهما.

لا حين التذكّر ولو كان في الصلاة ، كما حكاه والدي في المعتمد نافيا عنه المستند ، ويمكن استناده إلى إطلاق صحيحة محمّد. ويضعّف بوجوب حمل المطلق على المقيّد.

وذكر الشيخان في المقنعة والنهاية (٤) ، والفاضل في التذكرة (٥) ، بل نسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافّة (٦) : أنّه لو لم يذكر القنوت حتى يركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ ، ولا دليل على التقييد.

وفي المنتهى وعن المبسوط : عدم الإتيان به بعد النسيان حتّى دخل في ركوع الثالثة مطلقا (٧) ، واحتجّ له في المنتهى بصحيحة زرارة ومحمّد السابقة وسائر ما نفى الإعادة أو الشي‌ء عليه.

وهي ـ كما مرّ ـ لا تدلّ إلاّ على نفي الوجوب ، وهو كذلك ، مع أنّ إرادة‌

__________________

(١) روض الجنان : ٢٨٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٠ ـ ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٢٩٨ ، الوسائل ٦ : ٢٨٧ أبواب القنوت ب ١٦ ح ٢.

(٣) فقه الرضا « ع » : ١١٩ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤١٢ أبواب القنوت ب ١٢ ح ١.

(٤) المقنعة : ١٣٩ ، النهاية : ٩٠.

(٥) التذكرة ١ : ١٢٩.

(٦) روض الجنان : ٢٨٣.

(٧) المنتهى ١ : ٣٠٠ ، المبسوط ١ : ١١٣.

٣٨٤

عدم التذكّر أصلا من الصحيحة محتملة بل هي فيها ظاهرة ، فالقول بالإتيان به بعد الفراغ حينئذ أصحّ.

بل لو لم يتذكّر حتّى فرغ من الصلاة أيضا أتى به ، لإطلاق ما مرّ.

بل وكذا لو تذكّر بعد الانصراف عن محلّ الصلاة يأتي به في الطريق مستقبل القبلة ، لما تقدّم من الرضويّ. ولا يضرّ ضعفه ، لقاعدة التسامح ، مع اعتضاده برواية زرارة : رجل نسي القنوت وهو في الطريق ، قال : « يستقبل القبلة ثمَّ ليقله » (١).

والظاهر اختصاص قضاء القنوت بصورة النسيان ، أمّا لو تركه في محلّه عمدا أو لعذر ـ كالمأموم المسبوق الخائف فوات متابعة الإمام في الركوع لو اشتغل بالقنوت ـ فلا قضاء عليه ، للأصل.

ولو ترك ناسية المتذكّر بعد الركوع عمدا فمقتضى بعض الإطلاقات المتقدّمة الإتيان به بعد الانصراف.

وقال والدي في المعتمد : وظاهر بعض الأخبار سقوطه ولعلّه أظهر.

أقول : لم أقف على هذا الخبر ، فالعمل بمقتضى الإطلاق أجود.

المسألة الثالثة : ليس في القنوت دعاء معيّن لا يتعدّى عنه ، بل يذكر فيه كلّ ما كان حمدا وثناء لله سبحانه ، أو صلاة على الرسول والأئمة عليهم‌السلام ، أو دعاء لنفسه أو لغيره ، مأثورا كان أو غير مأثور ، بالإجماع ، له ، ولصحيحة إسماعيل بن الفضل : عن القنوت وما يقال فيه ، قال : « ما قضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئا موقّتا » (٢).

وصحيحة الحلبيّ : عن القنوت ، فيه قول معلوم؟ فقال : « أثن على ربّك‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٠ الصلاة ب ٣١ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣١٥ ـ ١٢٨٣ ، الوسائل ٦ : ٢٨٦ أبواب القنوت ب ١٦ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٠ الصلاة ب ٣١ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣١٤ ـ ١٢٨١ ، الوسائل ٦ : ٢٧٧ أبواب القنوت ب ٩ ح ١.

٣٨٥

وصلّ على نبيّك واستغفر لذنبك » (١).

وفي رواية أبي بصير : عن أدنى القنوت ، قال : « خمس تسبيحات » (٢).

وفي رواية ابن أبي سمال (٣) : « تجزي من القنوت ثلاث تسبيحات » (٤).

وأفضله المأثور عن الحجج ، لأنّهم أعرف بآداب الثناء والدعاء.

وأفضله كلمات الفرج ، لتصريح أكثر الأصحاب به كما قيل ، ولما رواه الحلّي مرسلا ، قال : وروي أنها أفضله (٥). والعماني كذلك ، قال بعد ذكر دعاء : وبلغني أنّ الصادق عليه‌السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذه بعد كلمات الفرج (٦). فتأمّل.

وكلمات الفرج معروفة وهي : « لا إله إلاّ الله الحليم الكريم ، لا إله إلاّ الله العليّ العظيم ، سبحان الله ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين » ورد ذلك في بعض الروايات (٧).

وذكر المفيد (٨) وجمع من الأصحاب « وسلام على المرسلين » قبل التحميد ، ورواه في الفقيه في أوّل باب غسل الميّت عن الصادق عليه‌السلام ، ثمَّ قال : هذه الكلمات هي كلمات الفرج (٩) ، وقاله في كتاب الهداية أيضا في تلقين الميّت قال : تلقينه عند موته كلمات الفرج ، ثمَّ ذكرها كما ذكر (١٠) ، ونحو ذلك أيضا في الفقه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٧ ـ ٩٣٣ ، الوسائل ٦ : ٢٧٨ أبواب القنوت ب ٩ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٠ الصلاة ب ٣١ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٣١٥ ـ ١٢٨٢ ، الوسائل ٦ : ٢٧٣ أبواب القنوت ب ٦ ح ١.

(٣) في المصدر : ابن أبي سمّاك.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٢ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ٦ : ٢٧٤ أبواب القنوت ب ٦ ح ٣.

(٥) السرائر ١ : ٢٢٨.

(٦) حكاه عنه في الذكرى : ١٨٤.

(٧) انظر : الوسائل ٢ : ٤٥٩ أبواب الاحتضار ب ٣٨ ح ١.

(٨) المقنعة : ١٠٧.

(٩) الفقيه ١ : ٧٧ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٢ : ٤٥٩ أبواب الاحتضار ب ٣٨ ح ٢.

(١٠) الهداية : ٢٣.

٣٨٦

الرضويّ قال : « ويستحبّ تلقين كلمات الفرج وهي : لا إله إلاّ الله الحليم الكريم ». إلى آخره (١).

وزيد في بعض الروايات : « وما تحتهنّ » بعد « وما بينهنّ » والكلّ حسن إنشاء الله ، إلاّ أنّه لم يذكر فيه لفظ كلمات الفرج بل فيه : يقول في القنوت كذا (٢) ، وكذا الروايات الخالية عن لفظ « وسلام على المرسلين » (٣) فتأمّل.

وفي العيون ، عن رجاء بن أبي الضحاك في حديث نقل مولانا الرضا عليه‌السلام إلى خراسان : وكان قنوته في جميع صلواته : « ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم ، إنّك أنت الأعزّ الأكرم » (٤).

وتجوز تسمية الحاجة في القنوت ، روى في مستطرفات السرائر عن عبد الله بن هلال : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ حالنا قد تغيّرت ، قال : « فادع في صلاتك الفريضة » قلت : أيجوز في الفريضة فاسمّي حاجتي للدين والدنيا؟ قال : « نعم فإنّ رسول الله قد قنت فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم ، وفعله عليّ عليه‌السلام من بعده » (٥).

وفي الذكرى : روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في قنوته : اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين ، واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان (٦) ، وقنت أمير المؤمنين عليه‌السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى الأشعريّ وعمرو بن العاص ومعاوية وأبي‌

__________________

(١) فقه الرضا « ع » : ١٦٥ ، مستدرك الوسائل ٢ : ١٢٨ أبواب الاحتضار ب ٢٨ ح ٢.

(٢) انظر : فلاح السائل : ١٣٤.

(٣) انظر : البحار ٨٢ : ٢٠٦.

(٤) العيون ٢ : ١٨١ وفيه « الأعز الأجلّ الأكرم ».

(٥) مستطرفات السرائر : ٩٨ ـ ٢٠ ، الوسائل ٦ : ٢٨٤ أبواب القنوت ب ١٣ ح ٢.

(٦) مضر ورعل وذكوان : أسماء ثلاث قبائل. انظر : الصحاح ٤ : ١٧١٠ ، والمصباح المنير : ٢٣١ ، ولسان العرب ١١ : ٢٨٩.

٣٨٧

الأعور وأشياعهم (١).

وروى في كتاب محمّد بن المثنى قريبا من ذلك (٢).

ويظهر منها جواز تسمية من يدعو له في القنوت ، وكذا الدعاء على الغير إذا جاز شرعا. والظاهر أنّ الكلّ إجماعيّ أيضا.

وفي جواز القنوت بغير العربيّة قولان يأتي في بحث قواطع الصلاة.

المسألة الرابعة : يستحبّ في القنوت أمور :

منها : الجهر به لغير المأموم مطلقا ، إخفاتيّة كانت الصلاة أو جهرية ، إماما كان المصلّي أو منفردا ، على الأظهر الأشهر ، للشهرة ، ولصحيحة زرارة : « القنوت كلّه جهار » (٣).

ورواية ابن أبي سمال (٤) : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام الفجر ، فلمّا فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا ممّا كان يقرأ ، قال : « اللهم اغفر لنا » (٥) إلى آخره.

وأمّا ما في صحيحة عليّ ورواية ابن يقطين : « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » (٦) فلا ينافي الاستحباب.

وأمّا المأموم فيستحبّ له الإخفات ، لما مرّ من الشهرة ، ورواية أبي بصير :

__________________

(١) الذكرى : ١٨٤.

(٢) نقله عنه في البحار ٨٢ : ٢١٠ ـ ٢٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٩ ـ ٩٤٤ ، مستطرفات السرائر : ٧٢ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ٢٩١ أبواب القنوت ب ٢١ ح ١.

(٤) في الفقيه : ابن أبي سمّاك.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ١١٨٨ ، الوسائل ٦ : ٢٩١ أبواب القنوت ب ٢١ ح ٢.

(٦) أ ـ التهذيب ٢ : ٣١٣ ـ ١٢٧٢ ، قرب الإسناد : ١٩٨ ـ ٧٥٨ ، الوسائل ٦ : ٢٩٠ أبواب القنوت ب ٢٠ ح ٢.

ب ـ التهذيب ٢ : ١٠٢ ـ ٣٨٥ ، الوسائل ٦ : ٢٩٠ أبواب القنوت ب ٢٠ ح ١.

٣٨٨

« ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي للمأموم أن يسمعه شيئا ممّا يقول » (١).

وعن السيّد والجعفيّ أنّه تابع للصلاة في الجهر والإخفات (٢) ، لعموم قوله عليه‌السلام : « صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهرية » (٣).

وردّ بأنّه عامّ مطلقا بالنسبة إلى ما مرّ.

وفيه نظر. والأولى أن يقال : لا دلالة لكون الصلاة عجماء على إخفات كلّ ما يذكر فيها حتّى الأذكار المستحبة ، بل يتحقّق بإخفات القراءة أيضا.

وعن الإسكافيّ اختصاص الجهر بالإمام (٤) ، ولا دليل له.

ومنها : تطويل القنوت ، لما رواه الصدوق : إنّه قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف » (٥).

وفي الذكرى : وروي عنهم : « أفضل الصلاة ما طال قنوتها » (٦).

ورأيت في بعض فوائد نصير الدين الطوسيّ أنّه ذكر أنّ طول القنوت في الصلاة يوجب الغنى ، وللأئمة قنوتات طويلة مذكورة في المهج وغيره ، وفي البحار عقد بابا للقنوتات الطويلة المروية عن أهل العصمة (٧).

وينبغي أن يستثنى من ذلك صلاة الجماعة إلاّ مع حبّ المأمومين ، لما يستفاد من الأخبار من استحباب الإسراع فيها (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٢ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٨ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.

(٢) حكاه عنهما في الذكرى : ١٨٤.

(٣) روى الجملة الأولى فقط ، في الغوالي ١ : ٤٢١ ـ ٩٨ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك في مستدرك الوسائل ٤ : ١٩٤ أبواب القراءة ب ٢١ ح ٣.

(٤) حكاه عنه في الذكرى : ١٨٤.

(٥) الفقيه ١ : ٣٠٨ ـ ١٤٠٦ ، الوسائل ٦ : ٢٩١ أبواب القنوت ب ٢٢ ح ١.

(٦) الذكرى : ١٨٥.

(٧) انظر : البحار ٨٢ : ٢١١ ب ٣٣.

(٨) انظر : الوسائل ٨ : ٤١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٩.

٣٨٩

ومنها : التكبير له ، على الحقّ المشهور ، له ، ولصحيحة ابن عمّار (١) وغيرها.

وعن المفيد : نفيه في آخر عمره وإن كان يفتي به أولا (٢) ، ولا أعرف مستنده.

ومنها : رفع يديه حال القنوت تلقاء وجهه مبسوطتين تستقبل بطونهما السماء وظهورهما الأرض ، لفتوى العلماء ، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب (٣) مشعرة بدعوى الإجماع ، وهي كافية في المقام.

ويدلّ على رفع اليدين أيضا التوقيع المرويّ في الاحتجاج : عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه يردّ يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي : « أنّ الله أجلّ من أن يردّ يدي عبد صفرا بل يملؤهما من رحمته » أم لا يجوز فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّه عمل في الصلاة؟ فأجاب عليه‌السلام : « ردّ اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض ، والذي عليه العمل فيه إذا رجع يديه في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء أن يردّ بطن راحتيه من (٤) صدره تلقاء ركبتيه على تمهّل ويكبّر ويركع ، والخبر صحيح ، وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض ، والعمل به فيها أفضل » (٥).

فإنّ في رجوع اليدين من الصدر دلالة على كونهما مرفوعتين.

وعلى رفعهما حيال الوجه صحيحة ابن سنان : « وترفع يديك في الوتر حيال وجهك » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٠ الصلاة ب ٢٠ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٧ ـ ٣٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٨ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥ ح ١.

(٢) حكاه عنه الشيخ في الاستبصار ١ : ٣٣٧.

(٣) الذكرى : ١٨٤.

(٤) كذا في النسخ ، وفي الاحتجاج : مع ، وفي نسخة من الوسائل : على.

(٥) الاحتجاج : ٤٨٦ ، الوسائل ٦ : ٢٩٣ أبواب القنوت ب ٢٣ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٣٠٩ ـ ١٤١٠ ، التهذيب ٢ : ١٣١ ـ ٥٠٤ ، الوسائل ٦ : ٢٨٢ أبواب القنوت ب ١٢ ح ١.

٣٩٠

وهي وإن كانت مخصوصة بالوتر إلاّ أنّه ـ كما قيل ـ لا قائل بالفرق ، وهو كاف في مقام المسامحة.

مضافا إلى المرويّ في معاني الأخبار : « الرغبة أن تستقبل براحتيك إلى السماء وتستقبل بهما وجهك » (١).

وعن المقنعة الرفع حيال الصدر (٢). والأوّل أولى لشهرته.

ويستفاد من الأخير وجه آخر لجعل بطن اليدين إلى السماء مبسوطتين أيضا.

وحكى في المعتبر القول بالعكس (٣) ، لظواهر جملة من الأخبار (٤).

وهو شاذّ ، وأخباره مطلقة ، محتملة للحمل على غير حال الصلاة.

وقال ابن إدريس : إنّ حين الرفع يفرّق الإبهام عن الأصابع (٥). ولا بأس به ، لقوله.

الرابع : أن يكون نظره حال قيامه إلى موضع سجوده كما مرّ ، وحال القنوت إلى باطن كفّيه ، للشهرة ، وقيل (٦) : للجمع بين الخبرين الناهي أحدهما عن النظر إلى السماء وثانيهما عن التغميض فيها (٧). وراكعا إلى ما بين قدميه ، وساجدا إلى طرف أنفه ، وجالسا بين السجدتين أو للتشهّد إلى حجره كما مرّ ، لما مرّ ، مع كونه أبلغ في الخضوع المطلوب في العبادة.

الخامس : أن تكون يداه قائما : على فخذيه حذاء ركبتيه ، وساجدا : كما مرّ ، ومتشهّدا : على فخذيه مضمومة الأصابع مبسوطة ، على المشهور كما في‌

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٦٩ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٥٠ أبواب الدعاء ب ١٣ ح ٦.

(٢) المقنعة : ١٢٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٤٧.

(٤) انظر : الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب الدعاء ب ١٣.

(٥) السرائر ١ : ٢٢٨.

(٦) انظر : المعتبر ٢ : ٢٤٦ ، والمنتهى ١ : ٣٠١.

(٧) انظر : الوسائل ٥ : ٥١٠ أبواب القيام ب ١٦ ، وج ٧ : ٢٤٩ أبواب قواطع الصلاة ب ٦.

٣٩١

الذخيرة (١) ، وفي روض الجنان : تفرّد ابن الجنيد بأنّه يشير بالسبّابة في تعظيم الله تعالى كما يفعله العامّة (٢).

السادس : التعقيب ، وهو من السنن الأكيدة ، والروايات في الحثّ عليه مستفيضة ، ومنافعه في الدين والدنيا كثيرة.

ففي مرسلة بزرج : « من صلّى صلاة فريضة وعقّب إلى أخرى فهو ضيف الله ، وحقّ على الله أن يكرم ضيفه » (٣).

وفي رواية الوليد : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد ، يعني بالتعقيب الدعاء تعقيب الصلاة » (٤).

وفي رواية عبد الله بن محمّد : « ما عالج الناس شيئا أشدّ من التعقيب » (٥).

وفي رواية : « من عقب في صلاته فهو في صلاة » (٦) إلى غير ذلك.

ولا شكّ في صدق التعقيب بالجلوس من بعد الصلاة لدعاء ومسألة أو ثناء الله سبحانه ، بل فسرّه به في القاموس والمجمل والمصباح المنير (٧).

وهل يصدق على الجلوس بعدها بلا دعاء كما هو ظاهر النهاية الأثيريّة (٨) واحتمله بعض الأصحاب كما حكاه في البحار (٩) ، أو الدعاء بلا جلوس كما نقل عن بعض فقهائنا (١٠) ، أم لا؟.

__________________

(١) الذخيرة : ٢٩٥.

(٢) روض الجنان : ٢٨٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤١ الصلاة ب ٣٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٠٣ ـ ٣٨٨ ، المحاسن : ٥١ ـ ٧٥ ، الوسائل ٦ : ٤٣٠ أبواب التعقيب ب ١ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٤ ـ ٣٩١ ، الوسائل ٦ : ٤٢٩ أبواب التعقيب ب ١ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٤ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ٦ : ٤٢٩ أبواب التعقيب ب ١ ح ٢.

(٦) الذكرى : ٢١٠.

(٧) القاموس المحيط ١ : ١١٠ ، المجمل لابن فارس ٣ : ٣٩٢ ، المصباح المنير : ٤٢١.

(٨) النهاية الأثيرية ٣ : ٢٦٧.

(٩) البحار ٨٢ : ٣١٦.

(١٠) حكاه عنه في الحبل المتين : ٢٥٩ ، والذخيرة : ٢٩٥ ، والبحار ٨٢ : ٣١٤.

٣٩٢

الظاهر الثاني ، بمعنى أنّه لا يحكم بحصوله شرعا بدون الأمرين ، لعدم ثبوت حقيقة شرعيّة فيه وتعدّد المجاز ، فيقتصر ـ في الحكم بثبوت أحكامه له ـ على المتيقّن.

والاستدلال على صدقه بمجرّد أحدهما بالأخبار المثبتة للفضيلة لكلّ منهما لا يدلّ على كونه تعقيبا ، لجواز ثبوتها لكلّ أيضا.

والتفسير المذكور في رواية الوليد لعلّه من أحد الرواة.

وأمّا ما في صحيحة هشام ومرسلة الفقيه ـ من أنّ الخارج لحاجته معقّب إن كان على وضوء (١) ، وأنّ المؤمن معقّب ما دام على وضوئه (٢) ـ فهو ليس بحقيقة ، إذ ليس مجرّد البقاء على الوضوء تعقيبا إجماعا ، فالمراد أنّه بمنزلته ولا يثبت منه ثبوت جميع أحكامه له ، فلعلّه في شي‌ء من الفضيلة.

والظاهر اشتراط اتّصاله بالصلاة وعدم الفصل مطلقا أو الكثير منه في صدق التعقيب ، كما استظهره شيخنا البهائي (٣).

وهل يشترط فيه الكون في المصلّى وعلى الطهارة والاستقبال والإقبال؟

الظاهر لا ، للأصل وعدم قول به ، ومراعاتها أولى.

والظاهر عدم تعيّن الدعاء والمسألة في صدقه ، فيصدق بالاشتغال بالتلاوة والبكاء ـ رغبة أو رهبة ـ والتفكّر.

ولا يشترط كون الدعاء بالعربيّة وإن كان هو الأفضل ، بل الأفضل الأدعية المأثورة كما هي في كتب القوم مذكورة.

وأفضل الجميع ـ كما صرّح به في الشرائع والنافع والمنتهى والمدارك (٤) ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢١٦ ـ ٩٦٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٠ ـ ١٣٠٨ ، الوسائل ٦ : ٤٥٧ أبواب التعقيب ب ١٧ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٣٥٩ ـ ١٥٧٦ ، الوسائل ٦ : ٤٥٧ أبواب التعقيب ب ١٧ ح ٢.

(٣) الحبل المتين : ٢٦٠.

(٤) الشرائع ١ : ٩٠ ، المختصر النافع : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٣٠٢ ، المدارك ٣ : ٤٥٢.

٣٩٣

وغيرها ـ تسبيح الزهراء ، لقول هؤلاء الأعلام ، مضافا إلى ما في رواية مفضّل : « سبّح تسبيح فاطمة عليها‌السلام ، وهو : الله أكبر أربعا وثلاثين مرّة ، وسبحان الله ثلاثا وثلاثين مرّة ، والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرّة ، فو الله لو كان شي‌ء أفضل منه لعلّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاها » (١).

وفي رواية ابن عقبة : « ما عبد الله بشي‌ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها‌السلام ، ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام » (٢).

وصدرها وإن دلّ على الأفضلية من التحميد خاصّة ولكن ذيلها يعطي العموم.

وفي صحيحة ابن سنان : « من سبّح تسبيح فاطمة عليها‌السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ، ويبدأ بالتكبير » (٣) وفي مرسلة ابن ابي نجران : « من سبّح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمة ، المائة ، وأتبعها بلا إله إلاّ الله مرّة غفر الله له » (٤).

وفي رواية أبي خالد : يقول : « تسبيح فاطمة كل يوم في دبر كل صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٦٦ ـ ٢١٨ ، الاستبصار ١ : ٤٦٦ ـ ١٨٠٢ ، الوسائل ٦ : ٤٤٥ أبواب التعقيب ب ١٠ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٣ الصلاة ب ٣٢ ح ١٤ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٨ ، الوسائل ٦ : ٤٤٣ أبواب التعقيب ب ٩ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٢ الصلاة ب ٣٢ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ٦ : ٤٣٩ أبواب التعقيب ب ٧ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٢ الصلاة ب ٣٢ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ٦ : ٤٤٠ أبواب التعقيب ب ٧ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٣ الصلاة ب ٣٢ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٩ ، الوسائل ٦ : ٤٤٣ أبواب التعقيب ب ٩ ح ٢.

٣٩٤

وفي رواية زرارة : « تسبيح فاطمة الزهراء الذكر الكثير الذي قال الله تعالى : ( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) » (١).

إلى غير ذلك من الأخبار.

وصورتها أن يكبّر أربعا وثلاثين مرة ، ويحمد ثلاثا وثلاثين مرّة ، ويسبّح كذلك ، إجماعا ، للنصوص المستفيضة منها : رواية المفضّل المتقدّمة ، وصحيحة محمّد بن عذافر (٢) ، ورواية أبي بصير (٣) ، والمرويّ في مشكاة الأنوار (٤) ، وغيرها.

ويقدّم التكبير ـ كما مرّ ـ إجماعا.

والحقّ المشهور تقديم التحميد على التسبيح ، وفاقا للنهاية والمبسوط والمقنعة والديلميّ والقاضي والحلي (٥) ، وغيرهم ، لصحيحة ابن عذافر المصرّحة بلفظة « ثمَّ » الدالّة على التعقيب ، المؤيّدة بالترتيب الذكري في بعض آخر.

وظاهر عليّ بن بابويه وولده والإسكافيّ والاقتصاد (٦) : تقديم التسبيح على التحميد ، لتقديمه ذكرا في بعض الروايات.

وهو للترتيب غير مفيد ، فيحمل على الصحيحة ، مع أنّ تقديم التسبيح موافق لروايات العامّة (٧) ، فالعمل على خلافها.

ويستحبّ ختمها بلا إله إلاّ الله مرّة ، للمرسلة المتقدّمة.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥٠٠ الدعاء ب ٢٣ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٢ الصلاة ب ٣٢ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ٦ : ٤٤٤ أبواب التعقيب ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٢ الصلاة ب ٣٢ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٦ ـ ٤٠١ ، الوسائل ٦ : ٤٤٤ أبواب التعقيب ب ١٠ ح ٢.

(٤) مشكاة الأنوار : ٢٧٨.

(٥) النهاية : ٨٥ ، المبسوط ١ : ١١٧ ، المقنعة : ١١٠ ، الديلمي في المراسم : ٧٣ ، القاضي في المهذب ١ : ٩٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٣٣.

(٦) حكاه عن علي بن بابويه والإسكافي في المختلف : ٩٨ ، الصدوق في المقنع : ٢٨ ، الاقتصاد : ٢٦٤.

(٧) انظر : صحيح البخاري ١ : ٢١٣.

٣٩٥

ثمَّ إنّ التعقيب لا يختصّ بالفرائض ، بل هي سنّة في الفرائض والنوافل ، كما صرّح به الشيخ في النهاية في مطلق التعقيب وتعقيبات خاصة أيضا كالتكبير ثلاثا رافعا بها يديه وتسبيح الزهراء وغيرهما (١) ، وهو كاف في التعميم ، مضافا إلى إطلاق أكثر الروايات بل عمومه سيّما في التكبير والتسبيح.

ثمَّ إنّه كما يستحبّ التعقيب المركّب من الجلوس والدعاء ، يستحبّ كلّ منهما منفردا عقيب الصلاة أيضا ، لورود الحثّ على كلّ منهما منفردا ، وبيان الثواب له في المستفيضة من الروايات. ويتحقّق كل منهما بمسمّاه عرفا وإن زاد الأجر بالزيادة.

نعم وردت فضائل خاصّة لقدر معيّن من بعضها كالجلوس في المصلّى إلى طلوع الشمس (٢) ، والأدعية الخاصّة ، فمن أراد أن يستحرزها فيعمل بما تترتّب الفضيلة عليه ، كما أنّه وردت لبعض الأدعية أيضا آداب وشرائط ، من شاء الوصول إلى كمال الأجر فليراعها.

السابع : سجدة الشكر على التوفيق لأدائها ، بالإجماع كما في التذكرة (٣) ، له ، وللمستفيضة من النصوص بل المتواترة معنى.

وفيها فضل كثير ، ففي صحيحة مرازم : « سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم ، تتمّ بها صلاتك ، وترضي بها ربّك ، وتعجب الملائكة منك ، لأنّ العبد إذا صلّى ثمَّ سجد سجدة الشكر فتح الربّ تبارك وتعالى الحجاب بين العبد والملائكة ، ويقول : يا ملائكتي ، انظروا إلى عبدي أدّى فرضي وأتمّ عهدي ثمَّ سجد لي شكرا على ما أنعمت به ، ملائكتي ما ذا له؟ قال : فتقول له الملائكة : يا ربّنا رحمتك » (٤) الحديث.

__________________

(١) النهاية : ٨٦.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٤٥٨ أبواب التعقيب ب ١٨.

(٣) التذكرة ١ : ١٢٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٠ ـ ٩٧٨ ، التهذيب ٢ : ١١٠ ـ ٤١٥ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب سجدتي الشكر

٣٩٦

خلافا للجمهور ، فأنكروها بعد الصلاة وشدّدوا في إنكارها مراغمة لنا مع ورودها في أخبارهم (١).

وبالموافقة لهم تردّ وعلى التقيّة تحمل صحيحة سعد بن سعد : عن سجدة الشكر فقال : « أيّ شي‌ء سجدة الشكر؟ » فقلت له : إنّ أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة ويقولون هي سجدة الشكر ، فقال : « إنّما الشكر إذا أنعم الله على عبده أن يقول : سبحان الذي .. » (٢) الى آخره.

كما يشهد له التوقيع المرويّ في الاحتجاج ، وفيه ـ بعد السؤال عن سجدة الشكر بعد الفريضة وأنّ أصحابنا ذكروا أنّها بدعة ـ : « سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها ، ولم يقل إنّ هذه السجدة بدعة إلاّ من أراد أن يحدث في دين الله بدعة » (٣) الحديث.

ويشترط فيه قصد سجدة الشكر لتمتاز عن غيرها من السجدات.

وليس فيها تكبير حتى تكبير الرفع وإن أثبته في المبسوط (٤) ، ولا دليل عليه.

وليكن سجوده على ما يسجد عليه ، لما مرّ في سجدة العزائم (٥). وتردّد فيه في شرح القواعد (٦) ، ولم يشترطه في الذكرى والحبل المتين (٧) ، للأصل ، وهو يندفع‌

__________________

ب ١ ح ٥. تمام الحديث : « ثمَّ يقول الرب تبارك وتعالى : ثمَّ ما ذا؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا جنّتك ، ثمَّ يقول الرب تبارك وتعالى : ثمَّ ما ذا؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا كفاية مهمّه ، فيقول الربّ تبارك وتعالى : ثمَّ ما ذا؟ قال : ولا يبقى شي‌ء من الخير الاّ قالته الملائكة ، فيقول الله تبارك وتعالى : يا ملائكتي ثمَّ ما ذا؟ فتقول الملائكة ربّنا لا علم لنا ، فيقول الله تبارك وتعالى : أشكر له كما شكر لي واقبل إليه بفضلي وأريه وجهي ». منه رحمه‌الله.

(١) سنن النسائي ٣ : ٦٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٨ ـ ٩٧٢ ، التهذيب ٢ : ١٠٩ ـ ٤١٣ ، الوسائل ٧ : ٧ أبواب سجدتي الشكر ب ١ ح ٦.

(٣) الاحتجاج : ٤٨٦ ، الوسائل ٦ : ٤٩٠ أبواب التعقيب ب ٣١ ح ٣.

(٤) المبسوط ١ : ١١٤.

(٥) راجع ص ٣٢١.

(٦) جامع المقاصد ٢ : ٣١٧.

(٧) الذكرى : ٢١٣ ، الحبل المتين : ٢٤٥.

٣٩٧

بما مرّ.

وكذا الكلام في ارتفاع موضع السجود.

واشترط في الذكرى فيها السجود على الأعضاء السبعة ، معللا بتوقف صدق السجود عليه (١). وأنكره شيخنا البهائي (٢) ، وبعض آخر (٣) ، وهو كذلك.

فعدم الاشتراط قويّ. وأمّا أدلّة اشتراطه في سجود الصلاة فغير جارية هنا إلاّ المطلقات المتضمّنة لقوله : « السجود على سبعة أعظم » (٤) ودلالتها على الزائد على الرجحان ممنوعة. وأمّا ما في بعضها من أنّ السبعة فرض فحمله على الوجوب الأعمّ من الشرطيّ مجاز لا قرينة له ، بل يحتمل التخصيص بالسجدات الواجبة.

والظاهر حصول المستحبّ بسجدة واحدة من غير ذكر أيضا.

ولكن يستحبّ فيها أن يفترش ذراعيه ويلصق صدره وبطنه بالأرض ، لرواية ابن خاقان : رأيت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام سجد سجدة الشكر ، فافترش ذراعيه وألصق صدره وبطنه بالأرض ، فسألته عن ذلك فقال : « كذا يجب » (٥).

وقريبة منها رواية جعفر بن عليّ (٦).

وأن يقول فيه : شكرا شكرا ثلاث مرّات ، كما في المرويّ في الذكرى (٧) ، أو يقول : شكرا لله ثلاثا ، للمرويّين في العلل والعيون : « السجدة بعد الفريضة‌

__________________

(١) الذكرى : ٢١٣.

(٢) الحبل المتين : ٢٤٥ وظاهره أنّ في المسألة وجهين ، فهو غير منكر فيه.

(٣) كصاحب الحدائق ٨ : ٣٥٠.

(٤) انظر : الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب السجود ب ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٢٤ الصلاة ب ٢٥ ح ١٥ بتفاوت يسير ، التهذيب ٢ : ٨٥ ـ ٣١٢ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب سجدتي الشكر ب ٤ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٢٤ الصلاة ب ٢٥ ح ١٤ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ـ ٣١١ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب سجدتي الشكر ب ٤ ح ٣.

(٧) الذكرى : ٢١٣.

٣٩٨

شكرا لله على ما وفّق له العبد من أداء فرضه ، وأدنى ما يجزئ فيها من القول أن يقول : شكرا لله شكرا لله شكرا لله ، ثلاث مرّات » (١) الحديث.

وأفضل منه مائة مرّة شكرا ، أو عفوا ، كما في رواية المروزي : « قل في سجدة الشكر مائة مرّة شكرا شكرا ، وإن شئت عفوا عفوا » (٢).

وأن يسجد سجدتين ، كما صرّح به جماعة ، ودلّت عليه رواية أخرى للمروزي : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في سجدتي الشكر ، فكتب إليّ : « مائة مرّة شكرا شكرا ، وإن شئت عفوا عفوا » (٣).

فإنّ المستفاد منها معروفيّة التعدّد ، وظاهرها كفاية المائة مرّة فيهما بأيّ نحو كان ، سواء وزّعها عليهما أو خصّصها بإحداهما. ولكن صرّح في حسنة ابن جندب الآتية بذكرها في الأخيرة.

وأن يلصق بين السجدتين خدّيه بالأرض ، بل في المنتهى والتذكرة وشرح القواعد : الإجماع على استحباب تعفيرهما فيه (٤)

ويدعو بالمأثور ، كما في حسنة ابن جندب : عمّا أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه ، فقال : « قل وأنت ساجد : اللهم إنّي أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنّك أنت الله ربّي ، والإسلام ديني ، ومحمّد نبيّي ، وفلان وفلان ـ إلى آخرهم ـ أئمتي ، بهم أتولّى ومن عدوّهم أتبرّأ ، اللهمّ إنّي أنشدك دم المظلوم ، ثلاثا ، اللهمّ إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنّهم بأيدينا وأيدي المؤمنين ، اللهمّ إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك‌

__________________

(١) العلل : ٣٦٠ ـ الباب ٧٩ ، العيون ١ : ٢١٩ ـ ٢٧ ، الوسائل ٧ : ٥ أبواب سجدتي الشكر ب ١ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٨ ـ ٩٦٩ ، العيون ١ : ٢١٨ ـ ٢٣ ، الوسائل ٧ : ١٦ أبواب سجدة الشكر ب ٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٤ الصلاة ب ٣٢ ح ٢٠ ، التهذيب ٢ : ١١١ ـ ٤١٧ ، وفيهما : سجدة الشكر ، بلفظ المفرد. الوسائل ٧ : ١٦ أبواب سجدتي الشكر ب ٦ ذيل حديث ٢.

(٤) المنتهى ١ : ٣٠٣ ، التذكرة ١ : ١٢٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٣١٦.

٣٩٩

لأوليائك لتظفرنّهم بعدوّك وعدوّهم أن تصلّي على محمّد وعلى المستحفظين من آل محمّد ، ثلاثا ، اللهم إنّي أسألك اليسر بعد العسر ، ثلاثا. ثمَّ ضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق عليّ الأرض بما رحبت ، ويا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيّا ، صلّ على محمّد وعلى المستحفظين من آل محمد. ثمَّ ضع خدك الأيسر وتقول : يا مذلّ كل جبّار ويا معزّ كل ذليل ، قد وعزّتك بلغ مجهودي ، ثلاثا. ثمَّ تقول : يا حنّان يا منّان يا كاشف الكرب العظام ثلاثا. ثمَّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة شكرا شكرا ، ثمَّ تسأل حاجتك إن شاء الله » (١).

وورد في رواية سليمان أدعية اخرى للسجدة الاولى ووضع الخدّين ، ولم يذكر السجدة الثانية (٢) ، ولكن لا دلالة فيها على أنّها سجدة الشكر فلعلّها سجدة أخرى.

وذكر جماعة منهم الشهيدان وصاحب المدارك الجبينين بدل الخدّين (٣) ، ولا دليل عليه إلاّ بعض الأخبار الذي ـ لو تمّت دلالته على استحباب تعفيرهما ـ لم نعدّه في سجدة الشكر (٤).

ويجوز إلصاق الخدّين بدون ذكر الدعاء ، لأصالة عدم الاشتراط. بل بدون السجدة الأخيرة ، بل بدون سجدة ، لورود استحباب مطلق إلصاق الخدّين‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٥ الصلاة ب ٢٥ ح ١٧ ، الفقيه ١ : ٢١٧ ـ ٩٦٦ ، التهذيب ٢ : ١١٠ ـ ٤١٦ ، الوسائل ٧ : ١٥ أبواب سجدتي الشكر ب ٦ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٦ الصلاة ب ٢٥ ح ١٩ ، التهذيب ٢ : ١١١ ـ ٤١٨ ، الوسائل ٧ : ١٧ أبواب سجدتي الشكر ب ٦ ح ٥.

(٣) الشهيد الأوّل في الذكرى : ٢١٣ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٢ ، والروضة البهية ١ : ٢٨٦ ، صاحب المدارك ٣ : ٤٢٤ ، لكن الظاهر من كلماتهم استحباب تعفير الجبينين والخدين معا بين سجدتي الشكر.

(٤) يظهر من الكتب الفقهية أنّ المراد من بعض الأخبار رواية مولانا العسكري عليه‌السلام : « علامات المؤمن خمس ـ إلى أن قال : ـ وتعفير الجبين » مصباح المتهجد : ٧٣٠ ، الوسائل ١٤ : ٤٧٨ أبواب المزار ب ٥٦ ح ١.

٤٠٠