مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من الصلاة ، وإذا قلت : السلام علينا ـ إلى آخره ـ فقد انصرفت » (١) تدلّ على كون التسليمة الأولى جزءا من الصلاة ، ولكن لا دليل على مخرجيّتها ، بل في رواية أبي كهمش تصريح بعدم كونها صارفة (٢) ، فهي جزء مستحب غير مخرج ولا صارف.

وأمّا المحلّلية فهي وإن كانت بالنسبة إليها بخصوصها مخالفة للأصل ، ولكن الأصل عدم حرمة شي‌ء بعد تمام الصلاة ما لم يكن عليها دليل. فتكون محلّلة من هذه الجهة أيضا ، بمعنى أنّه يحلّ بعدها جميع المحرّمات ، بل يحلّ قبلها أيضا ، لكون الجزء الأخير الواجبي هو الصلاة وتكون هذه التسليمة محلّلة كاملة ، بمعنى أنّه يستحب ترك المنافيات قبلها وإن جاز فعلها.

فإن قيل : كون الجزء الأخير محلّلا إنّما هو إذا لم يكن دليل على عدمه ، وهو هنا موجود ، وهو جعل تحليل الصلاة التسليم ، إذ لا معنى للتحليل بعد التحليل.

قلنا : لا شك في حصول التحليل الاضطراري بحدوث المبطلات اضطرارا ، والاختياري المحرّم بالإتيان بالمنافيات في الأثناء بلا عذر ، والمباح بل الواجب فيما إذا حصل العذر للقطع ، سيّما بعد التشهد قبل التسليم. وأيضا : المحلّل لا بدّ له من محلّل ـ بالفتح ـ وهو قد يكون جميع المحرّمات وقد يكون بعضها. وأيضا : المحلّل الكامل ما يكون بعد جميع الأجزاء المستحبّة ، فهو إمّا كامل أو غير كامل.

ولا شك أنّ جميع هذه الأنواع لا ينحصر بالتسليم ، فلا تكون القضيّة حصريّة حقيقية ، وإذا كانت مجازيّة يتّسع بابه ويدخل في حيّز الإجمال ، فلا يفهم منه معنى منافيا لمحلّلية الجزء الأخير ، ولا نافعا في محلّلية التسليم.

بل قد ورد في رواية أبي الجارود بعد الأمر بسجدتي السهو قبل التسليم :

__________________

(١) راجع ص ٣٣٣.

(٢) راجع ص ٣٥٠.

٣٦١

« فإنّك إذا سلّمت ذهبت حرمة صلاتك » (١).

والظاهر منها أنّ قبل التسليم يترجح ترك المنافيات احتراما للصلاة ، فيمكن أن يكون هذا هو المراد من كونها تحليلا.

وأمّا الثانية فلا دليل على جزئيّتها ، والقول بأنّها جزء مستحب للتشهد قول بلا دليل ، فيحكم بمقتضى الأصل.

ولكن دلّت الأخبار المتقدّمة المتكثرة على مخرجيّتها وصارفيّتها ، فيحكم بها قطعا ، فتكون مبطلة لو وقعت في الأثناء ، كما صرّح به في حسنة ميسر (٢) ، ومرسلة الفقيه (٣) ، ومخرجة فقط ، لو وقعت في الآخر ، بمعنى أنّها حاجزة عن عروض جميع المفسدات حتى الزيادة ، فلو زاد بعده تكبيرة أو ركوعا لم تفسد الصلاة.

وهل هي محلّلة أم لا؟ إن أريد ما يحلّل جميع المحرمات ومبيحها ، فلا دليل عليه أصلا ، وإن أريد حصول نوع تحليل بها ولو فرد كامل بأن يكون الأفضل ترك المنافيات كلا أو بعضا قبلها ، فلا بأس به من جهة رواية الخصال المتقدّمة (٤) ، إلاّ أنّ في دلالتها على المحلّلية بهذا المعنى نظرا مرّت إليه الإشارة.

وأمّا الثالثة فقد مرّت عدم جزئيّتها (٥).

ولا دليل على كونها مخرجة وصارفة أيضا من حيث هي هي بحيث لو وقعت في الأثناء لانقطعت الصلاة ، إذ لو وقعت قبل التسليم الثاني كانت حاجزة عن جميع المفسدات.

إلاّ أنّ الظاهر وقوع الإجماع على كونها مخرجة بهذا المعنى أيضا ، وقد ادّعى‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤٠ ، الوسائل ٨ : ٢٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٥.

(٢) الخصال : ٥٠ ـ ٥٩ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٠ ، الوسائل ٦ : ٤٠٩ أبواب التشهد ب ١٢ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦١ ـ ١١٩٠ ، الوسائل ٦ : ٤١٠ أبواب التشهد ب ١٢ ح ٢.

(٤) في ص ٣٥٤.

(٥) راجع ص ٣٤٨.

٣٦٢

جماعة الإجماع عليه (١) ، فلأجله يحكم بكونها مخرجة أيضا.

وأمّا المحلّلية فقد عرفت أنّه لا يمكن التمسك بقوله « وتحليلها التسليم » في إثبات شي‌ء ، لإجماله. ولو قيل بأنّه غاية كمال التحليل ـ بمعنى أنّه يستحب ترك جميع المنافيات حتى يسلّم بهذه التسليمة ـ فلا بأس به.

فرع :

الأولى والأحوط أن يراعى في التسليم جميع شرائط الصلاة من الاستقبال والطهور وترك المنافيات حتى السكوت الطويل.

وأن يكون جالسا عنده ، بل صرّح جماعة بوجوبه (٢) ، ولا شك أنّه أحوط بل الأظهر ، على الأظهر ، كما يستفاد من عمل الناس في جميع الأعصار ، بل من مطاوي الأخبار ، بل المستفاد منها لزوم مراعاة جميع الشرائط المذكورة.

المسألة الخامسة : الإمام يسلّم بالتسليمة الأخيرة ، مرّة واحدة ، لا تستحب له الزيادة ، بالإجماع كما في الخلاف وتهذيب النفس والتذكرة (٣) ، للأصل والأخبار ، منها صحيحة ابن حازم : « الإمام يسلّم واحدة ، ومن وراءه يسلّم اثنتين ، فإن لم يكن عن شماله أحد سلّم واحدة » (٤).

وصحيحة أبي بصير المتقدّمة في المسألة الأولى (٥) ، فإنّ التفصيل قاطع للشركة.

حال كونه مستقبل القبلة ، للأخيرة ، وموثقة أبي بصير السابقة في المسألة الثالثة (٦) ، والمروي في المعتبر : عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة ، قال :

__________________

(١) منهم المحقّق في المعتبر ٢ : ٢٣٥ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ١٢٧ ، والشهيد في الذكرى : ٢٠٨.

(٢) كالشهيد في الدروس ١ : ١٨٣.

(٣) الخلاف ١ : ٣٧٧ ، التذكرة ١ : ١٢٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ـ ١٣٠٤ ، الوسائل ٦ : ٤٢٠ أبواب التسليم ب ٢ ح ٤.

(٥) راجع ص ٣٤٢.

(٦) راجع ص ٣٥٦.

٣٦٣

« يقول : السلام عليكم » (١).

ومقتضى التفصيل في الأوليين بين الإمام والمأموم ، والمفهوم منه ـ بجعل التسليم الأوّل إلى القبلة والتسليم الثاني عن اليمين والشمال مع كونه مستقبلا للقبلة أيضا إجماعا ، وإنّما يميل إلى الجهتين بالإيماء عينا أو وجها ـ : أنّ التسليم الأوّل إلى تجاه القبلة من غير إيماء أصلا ، كما في الجمل والعقود حيث قال : ويسلّم أمامه إن كان إماما أو منفردا ، وإن كان مأموما يومئ إلى يمينه إيماء ، وإن كان على يساره غيره فعن يساره أيضا (٢) ، وكذا عن المبسوط ومحتمل الخلاف (٣).

إلاّ أنّ في الانتصار والنهاية والوسيلة والغنية والسرائر والشرائع والنافع والمنتهى والتذكرة وتهذيب النفس واللمعة والدروس (٤) ، بل أكثر كتب القوم ، بل عليه إجماع الفرقة صريحا في الانتصار (٥) ، وظاهرا في تهذيب النفس : استحباب السلام للإمام إلى اليمين بأن يميل إليه بصفحة الوجه قليلا.

وهو الأظهر ، لإمكان إرجاع التفصيل في الخبرين المتقدّمين إلى العدد ، أي التسليمة والتسليمتين ، فيبقى الإجماع المحكي والشهرة الكافيان في مقام الاستحباب خاليين عن المعارض.

بل يمكن أن يستدلّ له أيضا بصحيحة ابن عواض : « إن كنت تؤمّ قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك ، وإن كنت مع إمام فتسليمتين ، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة » (٦).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

(٢) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٣.

(٣) المبسوط ١ : ١١٦ ، الخلاف ١ : ٣٧٧.

(٤) الانتصار : ٤٧ ، النهاية : ٧٣ ، الوسيلة : ٦٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، السرائر ١ : ٢٨٧ و ٢٣١ ، الشرائع ١ : ٨٩ ، المختصر النافع : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٩٧ ، التذكرة ١ : ١٢٧ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٧٩ ، الدروس ١ : ١٨٣.

(٥) الانتصار : ٤٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٢ ـ ٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ـ ١٣٠٣ ، الوسائل ٦ : ٤١٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ٣.

٣٦٤

ومقتضاها وإن كان استحباب الميل بالسلام إلى اليمين كيف ما كان ـ إمّا بالالتفات إليه أو الإيماء بالعين أو الوجه ، كلاّ أو بعضا ، لصدق السلام عن اليمين عرفا في جميع الصور ـ ولكن خصّوه بالإيماء ببعض الوجه ، للإجماع على عدم إرادة صرف الوجه كلّه إلى اليمين. بل على كراهته تصريح رواية العلل ، وفيها : فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه ، ولكن يكون بالأنف لمن صلّى وحده ، وبالعين لمن يصلّي بقوم؟ (١).

وقد يوجّه التخصيص أيضا ، بأنّه المتبادر من اللفظ عند الإطلاق ، وبالأخبار الدالّة على أنّ كلا من الإمام والمأمومين يسلّم على الآخر (٢) ، وهو يستلزم الميل بصفحة الوجه لا أقلّ منه ، وإنّما اقتصروا عليه حذرا من الالتفات المكروه.

والتبادر مردود قطعا. والاستلزام ممنوع جدّا ، لكفاية الإسماع والقصد ، مع أنّه قد يكون المأموم في اليسار أو الخلف أو الجهتين.

وعن الصدوق تخصيصه الإيماء بالعين (٣) ، ولعلّه لرواية العلل.

وهو حسن ، إلاّ أنّ الأوّل أولى ، للشهرة القويّة. بل أظهر ، لوقوع ذلك التفصيل في السؤال ، وإثبات الحكم به موقوف على حجيّة التقرير على الاعتقاد سيّما في المستحبات.

والمنفرد كالإمام في العدد والاستقبال والإيماء والجهة ، إجماعا ، له ، ولصحيحة ابن عواض في الأولين ، ورواية العلل في الثالث ، ورواية البزنطي : « إن كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك » (٤) في الأوّل والأخير.

بل في الإيماء بصفحة الوجه أيضا ، على الأظهر ، وفاقا للانتصار ـ مدّعيا‌

__________________

(١) العلل : ٣٥٩ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٤٢٢ أبواب التسليم ب ٢ ح ١٥.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٤١٩ أبواب التسليم ب ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢١٠ ذيل الحديث ٩٤٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٣٧.

٣٦٥

عليه الإجماع ـ والسرائر والوسيلة وظاهر المعتبر (١) ، بل الفقيه والمقنع والاقتصاد (٢) ، بل هو المشهور عند القدماء ، لدعوى الإجماع المذكورة ، وظاهر التقرير في رواية العلل حيث إنّ الإيماء بالأنف لا يمكن إلاّ مع الإيماء بالوجه ، ومنه يظهر وجه النسبة إلى الثلاثة الأخيرة.

خلافا للنهاية والشرائع والنافع (٣) ، والفاضل (٤) ، بل هو المشهور بين المتوسطين ، فبمؤخّر العين ، جمعا بين ما دلّ على الاستقبال به وما دلّ على أنّه عن اليمين.

ويضعّف بأنّ الجمع ممكن بما مرّ أيضا ، سيّما مع وجود الشاهد له وأوفقيّته لما هو الظاهر من إطلاق « عن يمينك ».

وترجيح الثاني بالشهرة والأوفقيّة لأخبار الاستقبال فاسد ، لمكافأة الشهرة الجديدة بالقديمة ، بل الإجماع المنقول. ومنع الأوفقيّة ، لصدق الاستقبال على التقديرين.

وللمبسوط والجمل والعقود ، فقالا بالتسليم تجاه القبلة (٥) ، لأخبار الاستقبال. وجوابه ظاهر.

وربّما قيل بالتخيير ، للرضوي : « ثمَّ تسلّم عن يمينك ، وإن شئت يمينا وشمالا تجاه القبلة » (٦).

وفيه : أنّه ظاهر في الدلالة على أفضليّة اليمين ، وأمّا الجواز بغيره أيضا ، فلا كلام فيه.

__________________

(١) الانتصار : ٤٧ و ٤٨ ، السرائر ١ : ٢٣١ ، الوسيلة : ٦٩ ، المعتبر ٢ : ٢٣٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٠ ، المقنع ٢٩ ، الاقتصاد : ٢٦٤.

(٣) النهاية : ٧٢ ، الشرائع ١ : ٨٩ ، المختصر النافع : ٣٣.

(٤) انظر : المنتهى ١ : ٢٩٧ ، التذكرة ١ : ١٢٧ ، التحرير ١ : ٤١ ، القواعد ١ : ٣٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٠٤.

(٥) المبسوط ١ : ١١٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٣.

(٦) فقه الرضا « ع » : ١٠٩ ، مستدرك الوسائل ٥ : ٢٢ أبواب التسليم ب ٢ ح ١.

٣٦٦

ويستحب للمأموم أن يسلّم تسليمتين ، بلا خلاف أجده ، لصحيحة ابن عواض.

إحداهما إلى اليمين ، سواء كان فيه أحد أو لا ، والأخرى إلى اليسار ، بلا خلاف ظاهر أيضا ، لصحيحة أبي بصير وموثقته المتقدّمتين (١) ، وبهما يقيّد إطلاق الصحيحة السابقة (٢).

إلاّ أن لا يكون على يساره أحد فيكتفي بالواحدة لليمين ، على المشهور المصرّح به في أكثر العبارات كالنهاية والخلاف والجمل والعقود والانتصار والسرائر والوسيلة والشرائع والقواعد ونهاية الإحكام وتهذيب النفس والمنتهى والتذكرة (٣) ، وغيرها.

للموثّقة وصحيحة ابن حازم المتقدّمتين (٤) ، ورواية ابن مصعب : عن الرجل يقوم في الصف خلف الإمام وليس على يساره أحد ، كيف يسلّم؟ قال : « يسلّم واحدة عن يمينه » (٥).

وبها يقيّد إطلاق الصحيحتين المتقدّمتين (٦) الشامل لما لم يكن في اليسار أحد ، مضافا إلى ما في ثانيتهما من التعليل الظاهر في اختصاصه بالمقيّد.

خلافا لظاهر بعض العبارات ـ كالنافع (٧) ـ حيث أطلق التسليمتين إلى الجهتين ، وكأنّه للمطلقات الواجب تقييدها بما ذكر.

__________________

(١) في ص ٣٤٢ و ٣٥٦.

(٢) وهي صحيحة ابن عواض ، راجع ص ٣٦٦.

(٣) النهاية : ٧٣ ، الخلاف : ٣٧٧ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٣ ، الانتصار : ٤٨ ، السرائر ١ : ٢٣١ ، الوسيلة : ٩٦ ، الشرائع ١ : ٨٩ ، القواعد ١ : ٣٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٠٤ ، المنتهى ١ : ٢٩٧ ، التذكرة ١ : ١٢٧.

(٤) في ص ٣٥٦ و ٣٦٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٨ الصلاة ب ٣٠ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ـ ١٣٠٥ ، الوسائل ٦ : ٤٢٠ أبواب التسليم ب ٢ ح ٦ ، ٧.

(٦) صحيحة أبي بصير المتقدمة في ص ٣٤٢ ، وصحيحة ابن عواض المتقدمة في ص ٣٦٤.

(٧) المختصر النافع : ٣٣.

٣٦٧

وللفقيه والمقنع والدروس (١) ، فجعلوا الحائط على اليسار كالمأموم أيضا ، فيسلّم إليها مع كون الحائط بجنبه.

ولم أجد دليلا عليه ، إلاّ أنّ الشهيد قال بعد نقل هذا القول عن الصدوقين : ولا بأس باتباعهما ، لأنّهما جليلان لا يقولان إلاّ عن ثبت (٢).

وهو كان حسنا لو لا معارضته للنصّ الدالّ على عدم الاستحباب حينئذ. فتدبّر.

والإيماء له أيضا ـ كما للإمام ـ بصفحة الوجه ، كما هو المصرّح به في أكثر العبارات لا كلّه ، بل الظاهر أنّه مراد من أطلق الوجه أيضا ، كالنافع والمنتهى والتذكرة (٣).

لحصول السلام عن اليمين بانصراف الصفحة ، فيبقى الزائد خاليا عن الدليل ، ولكون الالتفات بالجميع هو الالتفات المدّعى على كراهته الإجماع ، مضافا إلى ما مرّ من رواية العلل (٤).

ثمَّ إنّ الصدوق زاد للمأموم تسليمة اخرى للردّ على الإمام حتى يكون المجموع ثلاثا (٥) ، وظاهر والدي ـ رحمه‌الله ـ الميل إليه ، لرواية العلل : قلت : فلم يسلّم المأموم ثلاثا؟ قال : « تكون واحدة ردّا على الإمام وتكون عليه وعلى ملائكته ، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكلين به ، وتكون الثالثة على من على يساره و [ ملكيه ] الموكلين به » (٦).

وهو جيّد وإن لم يذكرها الأكثر.

ومقتضى الرواية كون سلام الإمام مقدّما على الآخرين. وجعله الصدوق‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢١٠ ، المقنع : ٢٩ ، الدروس ١ : ١٨٣.

(٢) الذكرى : ٢٠٨.

(٣) المختصر النافع : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٩٧ ، التذكرة ١ : ١٢٧.

(٤) في ص ٣٦٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٠ ، المقنع : ٢٩.

(٦) العلل : ٣٥٩ ، الوسائل ٦ : ٤٢٢ أبواب التسليم ب ٢ ح ١٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٣٦٨

واجبا ، لكونه حق آدمي مضيّق (١).

وفيه : أنّه إذا علم قصد الإمام التحيّة ، وإلاّ فلا يجب الرد ، ومع ذلك لم يثبت هذا القدر من التضيّق.

المسألة السادسة : ينبغي أن يقصد المصلّي بالتسليم التسليم على الأنبياء والأئمّة والحفظة ، ويزيد الإمام المأمومين ، والمأموم الردّ عليه ومن على بجانبه ، كذا قيل (٢).

فإن أريد قصد الأنبياء والأئمة من قوله : وعباد الله الصالحين ، فهو جيد ، وإن أراد قصده من قوله : السلام عليكم ، فلا دليل عليه. والمصرّح به في رواية العلل قصده ملكيه ، ويزيد الإمام المأمومين ، وهم الإمام وملكيه ومن على يمينهم ويسارهم.

إلاّ أنّ المقام مقام المسامحة والمقصود أمر مرغوب ، ومع ذلك في رواية صلاة النبي في المعراج دلالة عليه أيضا (٣).

ولو اقتصر المأموم بواحدة جاز جمع الجميع في القصد ، ولو كرّرها مرّتين يحتمل جمع الإمام وملكيه في القصد مع التسليمتين ، وقصدهم في الأولى خاصّة ، ولو كرّر ثلاثا جعل الأولى للمأموم وملكيه ، والثانية لأصحاب اليمين ، والثالثة لأصحاب اليسار كما به نطقت رواية العلل.

وهل يجب قصد الردّ إلى الإمام على المأمومين؟ قيل : نعم (٤) ، والمشهور لا.

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في الذكرى : ٢٠٩.

(٢) كما في المفاتيح ١ : ١٥٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٨٢ الصلاة ب ١٠٥ ح ١ ، العلل : ٣١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٤) قال الصدوق في الفقيه ١ : ٢١٠ ، والمقنع : ٢٩ : وإن كنت خلف إمام تأتمّ به فسلّم تجاه القبلة واحدة ردّا على الإمام. انتهى ، واحتمله الشهيد الأوّل في الذكرى : ٢٠٨ ، واستظهره من كلام

٣٦٩

والظاهر أنّه إن علم منه قصدهم وجب ولكن كفاية ، فيسقط بالعلم بقصد البعض ، وإلاّ فلا.

__________________

الصدوق ، وقال الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٨٠ : ولو كانت وظيفة المأموم التسليم مرّتين فليقصد بالأولى الردّ على الإمام وبالثانية مقصده.

٣٧٠

الفصل الثاني

في أفعالها المستحبّة‌

وهي كثيرة قد مرّ أكثرها في طيّ الأفعال الواجبة ، وبقيت أمور :

الأوّل : الدعاء قبل الافتتاح‌ بما في حسنة أبان وابن وهب : « إذا قمت إلى الصلاة فقل : اللهم إنّي أقدّم إليك محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين يدي حاجتي ، وأتوجّه به إليك ، فاجعلني به وجيها عندك في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ، واجعل صلاتي به مقبولة ، وذنبي به مغفورا ، ودعائي به مستجابا ، إنّك أنت الغفور الرحيم » (١).

ورواه البرقيّ أيضا بأدنى تغيير : قال : « تقول قبل دخولك في الصلاة : اللهم إني أقدّم » (٢) إلى آخره.

وبما في رواية صفوان : شهدت أبا عبد الله استقبل القبلة قبل التكبير‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٩ الصلاة ب ١٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٨٧ ـ ١١٤٩ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب القيام ب ١٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٢ : ٥٤٤ الدعاء ب ٥١ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٥٠٩ أبواب القيام ب ١٥ ح ٣ بتفاوت يسير.

٣٧١

فقال : « اللهم لا تؤيسني من روحك ، ولا تقنّطني من رحمتك ، ولا تؤمّنّي مكرك فإنّه لا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون » (١).

وبما في رواية علي بن النعمان : « من قال هذا القول كان مع محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذا قام من قبل أن يستفتح الصلاة : اللهم إنّي أتوجّه إليك بمحمّد وآل محمّد وأقدّمهم بين يدي صلاتي ، وأتقرّب بهم إليك ، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ، أنت مننت عليّ بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم فإنّها السعادة ، اختم لي بها ، إنّك على كلّ شي‌ء قدير » (٢).

وبما رواه ابن طاوس في فلاح السائل : « قال قبل أن يحرم ويكبّر : يا محسن قد أتاك المسي‌ء ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي‌ء ، وأنت المحسن وأنا المسي‌ء ، فبحقّ محمّد وآل محمّد صلّ على محمّد وآل محمّد وتجاوز عن قبيح ما تعلم منّي » (٣).

ولا شكّ في أنّ محلّ هذه الأدعية قبل تكبيرة الإحرام كما يصرّح به في الروايات ، ولا في كون محلّها قبل تكبيرات الست الأخر أيضا.

وهل يتعيّن ذلك أو يجوز بعدها أيضا؟ الظاهر الأوّل ، كما هو الظاهر من قوله « قبل التكبير » « وقبل أن يستفتح ».

الثاني : التوجه إلى الصلاة بستّ تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الإحرام الواجب ، بإجماع الإماميّة على الظاهر ، والمحكيّ عن الانتصار والخلاف (٤) ، وبه صرّح والدي في المعتمد ، له ، ولاستفاضة النصوص كحسنة زرارة : « أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات أحسن ، والسبع‌

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥٤٤ الدعاء ب ٥١ ح ٣ ، الوسائل ٥ : ٥٠٨ أبواب القيام ب ١٥ ح ١.

(٢) الكافي ٢ : ٥٤٤ الدعاء ب ٥١ ح ١ ، الوسائل ٥ : ٥٠٨ أبواب القيام ب ١٥ ح ٢.

(٣) فلاح السائل : ١٥٥ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٢٣ أبواب القيام ب ٩ ح ٢.

(٤) الانتصار : ٤٠ ، الخلاف ١ : ٣١٥.

٣٧٢

أفضل » (١).

وصحيحة الشحّام : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الافتتاح؟ قال : « تكبيرة تجزيك » قلت : فالسبع؟ قال : « ذلك الفضل » (٢).

ومحمّد : « التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي ، والثلاث أفضل ، والسبع أفضل كلّه » (٣) إلى غير ذلك.

ويستحب أن يدعو خلالها بثلاثة أدعية ، كما في حسنة الحلبيّ : « إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ، ثمَّ ابسطهما بسطا ، ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات ، ثمَّ قل : اللهم أنت الملك الحقّ لا إله إلاّ أنت ، سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي ، إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت. ثمَّ تكبّر تكبيرتين ، ثمَّ قل : لبّيك وسعديك ، والخير في يديك ، والشرّ ليس إليك ، والمهديّ من هديت ، لا ملجأ منك إلاّ إليك ، سبحانك وحنانيك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك ربّ البيت. ثمَّ تكبّر تكبيرتين ، ثمَّ تقول : وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، ـ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، ـ حَنِيفاً مُسْلِماً ـ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ـ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وأنا من المسلمين » (٤).

وظهر ممّا مرّ في الحسنة والصحيحة جواز الاكتفاء بالثلاث ، وأنّها أفضل من الواحدة ، وإن كان دون السبع في الفضيلة.

وكذلك يجوز الاكتفاء بالخمس ، لرواية أبي بصير : « إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة ، وإن شئت ثلاثا ، وإن شئت خمسا ، وإن شئت سبعا ، فكلّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٠ الصلاة ب ٢٠ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ١١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٨.

(٢) العلل : ٣٣٢ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٤١ ، الوسائل ٦ : ٩ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ٦ : ١٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٠ الصلاة ب ٢٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ـ ٢٤٤ ، الوسائل ٦ : ٢٤ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

٣٧٣

ذلك مجز عنك ، غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلاّ بتكبيرة » (١).

ومقتضى الأمر بالسبع كونها أفضل من الخمس.

وهل الخمس أفضل من الثلاث في المقام بخصوصه من حيث هو وإن كان أفضل مطلقا من وجه الزيادة؟ قيل : نعم (٢). وفيه نظر ، لعدم الدليل.

وتجزئ التكبيرات ولاء من غير دعاء ، لإطلاق ما مرّ ، وموثّقة زرارة : رأيت أبا جعفر أو سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء (٣).

ويجوز الاكتفاء ببعض الأدعية الثلاثة ، لأصالة عدم الارتباط.

ويتخيّر في جعل أيّها شاء تكبيرة الإحرام وإن كان الأفضل جعلها الأخيرة ، كما مرّ في بحث التكبير.

ثمَّ هذا الحكم يعمّ جميع الصلوات ، المفروضة منها والمسنونة ، المرتبة وغيرها ، وفاقا للمحكيّ عن ظاهر الإسكافيّ والانتصار والجمل وصريح السرائر والمعتبر والفاضل والشهيد والمدارك (٤) والمعتمد واللوامع ، وهو ظاهر الشرائع والنافع (٥) ، بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر (٦) لإطلاق جملة من الأخبار ، بل عموم طائفة من جهة اللفظ كما في حسنة الحلبيّ ورواية أبي بصير ، أو ترك الاستفصال كما في بعض آخر ، مضافا إلى الشهرة الكافية في مقام التسامح.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ٦ : ٢١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٣.

(٢) كما في الرياض ١ : ١٧٤.

(٣) الخصال : ٣٤٧ ـ ١٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨٧ ـ ١١٥٢ ، الوسائل ٦ : ٢١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٢.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٩٩ ، الانتصار : ٤٠ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣١ ، السرائر ١ : ٢٣٧ ، المعتبر ٢ : ١٥٥ ، الفاضل في المختلف : ٩٩ ، والمنتهى ١ : ٢٦٩ ، الشهيد في الذكرى : ١٧٩ ، والبيان : ١٥٨ ، والدروس ١ : ١٦٨ ، المدارك ٣ : ٤٤١.

(٥) الشرائع ١ : ٨٩ ، المختصر النافع : ٣٣.

(٦) انظر : الرياض ١ : ١٧٥.

٣٧٤

وقد يؤيّد بفحوى لفظ « يجزيك » في رواية فلاح السائل : « افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجّه والتكبير : في أول الزوال وصلاة الليل والمفردة من الوتر ، وقد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوّع أن تكبّر تكبيرة لكلّ ركعتين » (١).

ويضعّف بأنّه يحتمل أن يكون المراد بالتوجّه دعاء التوجه الذي هو الأخير من الأدعية الثلاثة ، فيكون فحوى « يجزيك » جواز هذا الدعاء في سائر الصلوات أيضا.

وخلافا للمحكيّ عن السيّد في المسائل المحمديّة ، فخصّ التكبيرات الستّ بالفرائض ، واستدلّ له بانصراف الإطلاقات إليها للشيوع والتبادر (٢). وهو ممنوع جدّا.

وعن علي بن بابويه والمفيد (٣) ، فخصّاها بأوّل كلّ فريضة ، وأوّل ركعة من صلاة الليل ، ومفردة الوتر ، وأوّل ركعة من ركعتي الزوال ، وأوّل ركعة نوافل المغرب ، وأوّل ركعتي الإحرام ، وزاد الأخير الوتيرة أيضا.

للرضويّ : « ثمَّ افتتح الصلاة وتوجّه بعد التكبير ، فإنّه من السنّة الموجبة في ستّ صلوات .. » (٤) فذكر الستّ الاولى.

ونحوه مرسلا في الهداية (٥).

ويردّ ـ مع عدم صلاحيّته سندا للمفيد ـ بمنع وروده في التكبيرات ، بل الظاهر أنّه ورد لدعاء التوجّه. ولو سلّم فلا يدلّ على الاختصاص إلاّ بمفهوم اللقب الضعيف. ولو سلّم فلا يصلح لتقييد المطلقات وتخصيص العمومات ، لضعفه الخالي عن الجابر.

وكذا يعمّ المنفرد والجامع ، لما ذكر ، مضافا إلى صحيحة الحلبي : « فإذا كنت‌

__________________

(١) فلاح السائل : ١٣٠ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٣٩ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥ ح ١.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٩٩.

(٣) حكاه عن ابن بابويه في التهذيب ٢ : ٩٤ ذيل الحديث ٣٤٩ ، المفيد في المقنعة : ١١١.

(٤) فقه الرضا « ع » : ١٣٨ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٥٢ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٠ ح ١١.

(٥) الهداية : ٣٨.

٣٧٥

إماما فإنّه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها وتسرّ ستّا » (١).

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي ، فقال بالاختصاص بالأوّل (٢) ، ولعلّه للصحاح المصرّحة بأنّه « إذا كنت إماما أجزأتك تكبيرة واحدة » (٣).

وبأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أتمّ الناس صلاة وأوجزهم ، وكان إذا دخل في صلاته قال : الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم (٤).

فإنّ الإيجاز ليس عن الواجب ، لأنّها ليست بواجبة على المنفرد أيضا ، فيكون عن المستحب.

ويردّ بالمعارضة مع ما مرّ ، فتبقى الإطلاقات والشهرة العظيمة خالية عن المعارض.

الثالث : القنوت ، وهو في اللغة لمعان : كالطاعة ، والسكون ، والدعاء ، والقيام مطلقا أو في الصلاة ، والخشوع ، والعبادة ، وغير ذلك.

وفي عرف المتشرّعة : الدعاء بعد القراءة في الصلاة قائما.

والظاهر بحكم الحدس والوجدان وتتبّع الأخبار اللذان هما الحاكمان في ثبوت الحقيقة الشرعيّة ثبوتها هنا في عصر الصادقين وما بعده.

وفي دخول رفع اليد في حقيقته الشرعيّة وعدمه وجهان بل قولان ، أجودهما الثاني ، للأصل. ودخوله في العرف المتأخّر ـ لو سلّم ـ لم يفد ، لأصالة تأخّر الحادث.

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : القنوت في الصلاة مندوب إليه ، إجماعا فتوى ونصّا متواترا ، كما تأتي جملة منها.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ـ ١١٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢ ح ١.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ١٨٠.

(٣) انظر : الوسائل ٦ : ٩ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٠ ـ ٩٢١ ، الوسائل ٦ : ١١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١١ وهي مرسلة الصدوق.

٣٧٦

ولا يجب على الأظهر الأشهر ، عند كلّ من تقدّم وتأخّر ، بل في الانتصار والناصريّات والسرائر والمنتهى والتذكرة (١) : الإجماع على استحبابه الظاهر في نفي الوجوب ، بل في التذكرة (٢) : التصريح به.

للأصل بل الإجماع ، لعدم قدح خلاف من يأتي في انعقاده.

وصحيحة البزنطيّ : « إن شئت فاقنت وإن شئت لا تقنت ، قال أبو الحسن عليه‌السلام : فإذا كان التقيّة فلا تقنت وأنا أتقلّد هذا » (٣).

ورواية عبد الملك : عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال : « لا قبله ولا بعده » (٤).

وموثقة سماعة : « فمن صلّى من غير إمام وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر ، فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع وإن شاء لم يقنت ، وذلك إذا صلّى وحده » (٥).

وصحيحة سعد النافية للقنوت إلاّ عن الغداة والجمعة والوتر والمغرب (٦) ، وموثقة يونس النافية له عن غير الفجر (٧).

__________________

(١) الانتصار : ٤٦ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٩ ، السرائر ١ : ٢٤٢ ، المنتهى ١ : ٢٩٨ ، التذكرة ١ : ١٢٨.

(٢) التذكرة ١ : ١٢٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٩١ ـ ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ ـ ١٢٨١ ، الوسائل ٦ : ٢٦٩ أبواب القنوت ب ٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٩١ ـ ٣٣٧ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ ـ ١٢٧٨ ، الوسائل ٦ : ٢٦٩ أبواب القنوت ب ٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٥ ، الوسائل ٦ : ٢٧٢ أبواب القنوت ب ٥ ح ٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٩١ ـ ٣٣٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ ـ ١٢٧٩ ، الوسائل ٦ : ٢٦٥ أبواب القنوت ب ٢ ح ٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٩١ ـ ٣٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ ـ ١٢٨٠ ، الوسائل ٦ : ٢٦٥ أبواب القنوت ب ٢ ح ٧.

٣٧٧

خلافا لظاهر الفقيه والمقنع والهداية (١) ، والعماني على أحد النقلين عنه (٢) ، فأوجباه في اليوميّة ، وقوّاه بعض متأخّري المتأخرين من علماء البحرين (٣).

لقوله سبحانه ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٤) والأمر للوجوب ولا وجوب إلاّ في المسألة.

وموثّقة عمّار : « وليس له أن يدعه متعمّدا » (٥).

وصحيحة محمّد : « القنوت في كلّ صلاة في الفريضة والتطوّع » (٦).

ونحوها من الأخبار المثبتة للقنوت في كلّ صلاة أو بعض الصلوات.

وصحيحة ابن عبد ربّه : « من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » (٧).

وموثّقة محمّد عن أبي جعفر : عن القنوت في الصلوات الخمس ، فقال : اقنت فيهنّ جميعا » قال : وسألت أبا عبد الله بعد ذلك عن القنوت ، فقال لي : « أمّا ما جهرت فيه فلا تشكّ » (٨).

وصحيحة زرارة « الفرض في الصلاة : الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والتوجّه ، والركوع ، والسجود ، والدعاء » قلت : ما سوى ذلك؟ قال : « سنّة في فريضة » (٩) ولا دعاء واجبا إلاّ القنوت.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٧ ، المقنع : ٣٥ ، الهداية : ٢٩.

(٢) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٢٤٣ ، والمختلف : ٩٦.

(٣) قال في الحدائق ٨ : ٣٥٣ : وإلى القول بوجوبه ـ كما هو ظاهر الصدوق ـ مال شيخنا أبو الحسن سليمان بن عبد الله البحراني وذكر أنّه صنّف رسالة في القول بالوجوب ولم أقف عليها.

(٤) البقرة : ٢٣٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٥ ـ ١٢٨٥ ، الوسائل ٦ : ٢٨٦ أبواب القنوت ب ١٥ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٤٠ الصلاة ب ٣١ ح ١٥ ، الفقيه ١ : ٢٠٧ ـ ٩٣٤ وفيه : في كل ركعتين ، الوسائل ٦ : ٢٦٤ أبواب القنوت ب ١ ح ١٢.

(٨) الكافي ٣ : ٣٣٩ الصلاة ب ٣١ ح ٦ ، الوسائل ٦ : ٢٦٣ أبواب القنوت ب ١ ح ١١.

(٩) الكافي ٣ : ٣٣٩ الصلاة ب ٣١ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٩ ـ ٣٣١ ، الوسائل ٦ : ٢٦٢ أبواب القنوت ب ١ ح ٧.

(١٠) الكافي ٣ : ٢٧٢ الصلاة ب ٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ١٣٩ ـ ٥٤٣ ، الوسائل ٤ : ٢٩٥ أبواب القبلة ب ١ ح ١.

٣٧٨

ورواية ابن المغيرة : « اقنت في كلّ ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع » (١).

والمرويّ في الخصال : « القنوت في جميع الصلوات سنّة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة » (٢).

وللنقل الآخر عن العماني فأوجبه في الجهريّة خاصّة (٣) ، للأخبار كذيل موثّقة محمّد المتقدمة ، وصحيحة ابن وهب : « القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة ، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » (٤).

وموثّقة سماعة : عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال : « كلّ شي‌ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت ، والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة » (٥).

والجواب أمّا عن دليل الأوّل للأوّل : فبمنع ثبوت الحقيقة الشرعيّة للقنوت عند نزول الآية الكريمة ، وإرادة معنى آخر محتملة ، بل الأخبار بها مصرّحة ، ففي المرويّ في تفسير العيّاشيّ : « ( قانِتِينَ ) أي : مطيعين راغبين » (٦) وفي آخر مرويّ فيه أيضا : « مقبلين على الصلاة محافظين لأوقاتها » (٧) ونحوه في تفسير القميّ (٨).

نعم في المجمع عن الصادق عليه‌السلام في تفسيرها : « أي : داعين في الصلاة حال القيام » (٩).

وهو وإن ناسب المعنى الشرعيّ إلاّ أنّه غير صريح فيه ، لأنّ الدعاء حال‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٩ الصلاة ب ٣١ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٢٦٣ أبواب القنوت ب ١ ح ٩.

(٢) الخصال : ٦٠٤ ، الوسائل ٦ : ٢٦٢ أبواب القنوت ب ١ ح ٦.

(٣) حكاه عنه في الذكرى : ١٨٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٠ ـ ٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ ـ ١٢٧٦ ، الوسائل ٦ : ٢٦٥ أبواب القنوت ب ٢ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٩ ـ ٣٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ ـ ١٢٧٤ ، الوسائل ٦ : ٢٦٧ أبواب القنوت ب ٣ ح ٣.

(٦) تفسير العياشي ١ : ١٢٧ ـ ٤١٦.

(٧) تفسير العيّاشي ١ : ١٢٧ ـ ٤١٨ بتفاوت يسير.

(٨) تفسير القمي ١ : ٧٩ ـ ٢٣٨.

(٩) مجمع البيان ١ : ٣٤٣.

٣٧٩

القيام لا ينحصر في القنوت سيّما مع تضمّن الحمد للدعاء أيضا.

ومع تسليم إرادته يتعيّن حمل الأمر فيه على الاستحباب ، بقرينة ما مرّ من الأخبار المعتضدة بعضها ببعض والأصل والشهرة العظيمة بل الإجماع على الظاهر.

ولو سلّم عدم التعيّن فيحتمله ، للزوم ارتكابه أو التخصيص بحال الصلاة وليس الأخير أولى ، هذا.

مع أنّه على التعارض مع الأخبار المذكورة أيضا إمّا يرجع إلى التخيير المنافي للوجوب ، أو الأصل. والقول بلزوم ترجيح أخبار الوجوب لمخالفتها العامّة ، مردود بمخالفة أكثر الاولى لهم أيضا ، فإنّ حوالة القنوت إلى المشيئة أيضا لهم مخالفة.

ومنه يظهر الجواب عن باقي أدلّته.

مضافا إلى عدم دلالة الأخبار المثبتة له على الوجوب أصلا.

وعدم دلالة صحيحة ابن عبد ربّه إلاّ على نفي الصلاة عمّن كان تركه للقنوت رغبة عنه وهم العامّة ، فيمكن أن يكون نفي الصحّة لذلك ، حيث إنّه لا ينفكّ عن انتفاء الإيمان الموجب لعدم صحة الصلاة ، لا لترك القنوت.

ومعارضة ذيل وموثّقة محمّد ـ باعتبار التفصيل القاطع للشركة ـ لصدرها.

وعدم اختصاص الدعاء الوارد في صحيحة زرارة بالقنوت كما مرّ ، مع أنّ القنوت لا يتعيّن بالدعاء بل يجوز فيه التسبيح أيضا كما ورد في الأخبار بل كلمات الفرج التي ليست بدعاء ، وإن عمّمت الدعاء فيحتمل أن يراد به القراءة ، مع أنّها تتضمّن ذكر التوجّه الغير الواجب إجماعا ، وبه يتعيّن حمل الفرض فيه على المؤكّد من الرجحان.

وعدم صراحة رواية ابن المغيرة في الوجوب إلاّ على القول بحرمة إبطال النوافل.

ومنه يظهر خدش آخر فيما بعدها.

ومن جميع ما ذكر يظهر الجواب عن أدلّة المخالف الثاني أيضا.

٣٨٠