مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

الصلاة (١).

ولكن الظاهر أن مراده من العامة ، لأنّه قال في صدر المسألة ـ بعد قول الناصر : تكبيرة الافتتاح من الصلاة والتسليم ليس منها ـ : لم أجد لأصحابنا إلى هذه الغاية نصّا في هاتين المسألتين (٢).

لا للتأسي أو الاحتياط ، لعدم وجوبهما.

ولا لاستصحاب تحريم ما يحرم فعله في الصلاة ، لأنّه فرع عدم ثبوت خروجه عن الصلاة إذ معه لا يحرم ما ذكر ، مع أنه معارض باستصحاب عدم الحرمة بعد التشهد الثابت قبل أمر الشارع بالصلاة.

ولا لوجوب التسليم في الآية (٣) ولا شي‌ء منه بواجب في غير الصلاة ، لجواز كون المراد التسليم لأمره والإطاعة له.

ولا لأنه لولاه لم تبطل صلاة المسافر بالإتمام ، لجواز استناد البطلان إلى نية التمام إلى آخر الصلاة ، وإطلاق أخبار بطلانها ظاهر في القصد (٤) ، مع أن البطلان بلا قصد التمام محلّ نظر ، وأيضا يمكن أن تكون الزيادة ما دام المصلي في عرصة الصلاة وحيّزها مبطلة.

ولا لجعله في الأخبار المستفيضة العامية والخاصية ـ التي كادت تبلغ التواتر ـ تحليل الصلاة بما يفيد انحصار المحلّل فيه في كثير منها (٥) ، فينحصر المحلّل فيه قطعا ، وإن لم يضرّ قصور بعض هذه الأخبار سندا ، لاشتهارها بين العلماء ، وبلوغها من الكثرة إلى حدّ التواتر ، ونقلها في الأصول المعتبرة.

لأنه يرد عليه أنّه لا شك في أنّ المنافيات الواقعة بعد التشهد قبل التسليم‌

__________________

(١) الرياض ١ : ١٧٢.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥.

(٣) الأحزاب : ٥٦.

(٤) الوسائل ٨ : ٥٠٥ أبواب صلاة المسافر ب ١٧.

(٥) انظر : سنن البيهقي ٢ : ١٧٢ ، والوسائل ٦ : ٤١٥ أبواب التسليم ب ١.

٣٤١

كالحدث والنوم محلّل أيضا ، وكذا حصول ما يحلّل قطع الصلاة من الأعذار ، فلا ينحصر المحلّل في التسليم قطعا ، فلا يكون الكلام للحصر والاستغراق ، وإذا لم يكن كذلك فتتّسع دائرة الاحتمال.

مع أنّه لو ثبت ـ بمجرد كونه محلّلا ـ وجوبه لزم وجوب سائر المنافيات أي أحدها تخييرا أيضا ، ضرورة كون الجميع محلّلا ، وحرمة المنافيات إنّما هي في أثناء الصلاة ، وكون ما بعد التشهد أثناء فرع وجوب التسليم.

وعلى هذا فيمكن أن يكون المراد أفضل أفراد المحلل ونحوه ، مع أنّ في الاستدلال بها للوجوب أبحاثا أخر أيضا.

بل (١) للأمر به في المستفيضة من الصحاح وغيرها التي كادت تبلغ حدّ التواتر ، منها : صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان ، وفيها بعد التشهد : « فقيل : يا محمّد سلّم عليهم ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » (٢).

وأبي بصير : « إذا كنت في صفّ سلّم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك ، لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك ، فإذا كنت إماما فسلّم تسليمة واحدة وأنت مستقبل القبلة » (٣).

وسليمان بن خالد : عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين ، فقال : « إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتى يركع فليتمّ الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم وليسجد سجدتي السهو » (٤).

__________________

(١) عطف على قوله : لا للتأسّي ..

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٢ الصلاة ب ١٠٥ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٨ الصلاة ب ٣٠ ح ٧ ، الوسائل ٦ : ٤١٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٨ ـ ٦١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ـ ١٣٧٤ ، الوسائل ٦ : ٤٠٢ أبواب التشهد ب ٧ ح ٣.

٣٤٢

وفي موثقة غالب فيمن رعف قبل السلام : « فاغسله ثمَّ ارجع وسلّم » (١).

ومنها : الأخبار الواردة في باب الشك في عدد الركعات المتضمنة للأمر بالتسليم بعد التشهد ، كصحيحتي الحلبي (٢) ، وصحيحة أبي بصير (٣) ، وموثقة عبد الرحمن والبقباق (٤).

المؤيدة جميعا بالمروي في العلل : سأله عليه‌السلام عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة الحديث (٥).

وبأخبار أخر متضمنة لطلب التسليم وذكره بحيث يحدس بعدم الاهتمام بشأن المستحبات هذا الاهتمام (٦).

وبما دلّ على أنّ آخر الصلاة التسليم ، كموثقة أبي بصير فيمن رعف قبل التشهد : « فليخرج فليغسل أنفه ثمَّ ليرجع فليتمّ صلاته ، فإنّ آخر الصلاة التسليم » (٧).

وجعلها دليلا من حيث دلالة الأمر بالرجوع ـ الذي هو للوجوب ـ على كون آخر الصلاة التسليم.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٩ ـ ١٣٠٤ وفيه : غسله ثمَّ رجع فسلّم ، الوسائل ٦ : ٤٢٥ أبواب التسليم ب ٣ ح ٦.

(٢) الأولى : الكافي ٣ : ٣٥٣ الصلاة ب ٤٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.

الثانية : الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠١٩ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤١ ، الوسائل ٨ : ٤٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ـ ١٣٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٣٠٢ ، الوسائل ٦ : ٤١٦ أبواب التسليم ب ١ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٣ الصلاة ب ٤٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢١١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ١.

(٥) علل الشرائع : ٣٥٩ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٤١٧ أبواب التسليم ب ١ ح ١١.

(٦) انظر : الوسائل ٦ : ٤١٠ أبواب التشهد ب ١٣ ح ١ وص ٤٢٥ أبواب التسليم ب ٣ ح ٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ـ ١٣٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٣٠٢ ، الوسائل ٦ : ٤١٦ أبواب التسليم ب ١ ح ٤.

٣٤٣

ليس بجيّد ، إذ ليس فيه دلالة على أنّ الرجوع لأجل ذكر التسليم ، بل لعلّه لأجل التشهّد المعلوم دخوله في الصلاة يجعل آخرها التسليم.

وما قيل من ضعف دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب (١) ، ضعيف غايته كما بيّن في الأصول.

خلافا للشيخين والقاضي والحلّي (٢) ، والفاضل في القواعد والتذكرة والنهاية وتهذيب النفس ، والمحقّق الثاني في شرح القواعد (٣) ، والمقدّس الأردبيلي (٤) ، والمدارك والذخيرة والكفاية (٥) ، بل جمهور المتأخرين كما قيل (٦) ، بل هو المشهور كما يظهر من تهذيب النفس ، وظاهر الجمل والعقود التردد (٧).

للأصل. ويدفع بما مرّ.

ولأنه لو كان من الصلاة لم تجب سجدة السهو ، ولم يتحقق قطع الصلاة بالتسليم في غير موضعه. ويضعّف بمنع الملازمة ، مع أنّ عدم كونه من الصلاة لا يوجب عدم الوجوب ، للأخبار المستفيضة.

ولصحيحة محمّد المتقدّمة (٨) ، حيث قال فيها بعد الشهادتين : « ثمَّ تنصرف ».

وصحيحة علي : عن المأموم يطول الإمام فتعرض له الحاجة ، قال : « يتشهّد‌

__________________

(١) الذخيرة : ٢٩١.

(٢) المفيد في المقنعة : ١٣٩ ، الطوسي في النهاية : ٨٩ ، القاضي في المهذب ١ : ٩٩ ، وفي شرح الجمل : ٩٥ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٣١.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣٢٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٠٤ ، التذكرة ١ : ١٢٧ ، القواعد ١ : ٣٥.

(٤) مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٨.

(٥) المدارك ٣ : ٤٣٠ ، الذخيرة : ٢٨٩ ، الكفاية : ١٩.

(٦) كما في الحدائق ٨ : ٤٧١.

(٧) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٣.

(٨) في ص ٣٢٤.

٣٤٤

وينصرف » (١).

وصحيحة الفضلاء السابقة (٢) ، حيث صرّحت بأنّه : « إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ».

وصحيحة معاوية بن عمّار في ركعتي الطواف الآمرة فيهما بالقراءة والتشهد والصلاة على النبي (٣) ، فإنّ ظاهرها عدم الوجوب فيهما ، ولا قائل بالفصل.

وموثقة يونس : صلّيت بقوم صلاة ، فقعدت للتشهد ، ثمَّ قمت ونسيت أن أسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّمت علينا ، فقال : « ألم تسلّم وأنت جالس؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس عليك ولو نسيت حتى قالوا لك استقبلتهم بوجهك فقلت : السلام عليكم » (٤).

والأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بتخلل المنافي من الحدث والالتفات والنوم وغير ذلك (٥)

ويجاب عن الصحاح الثلاثة الأولى : بأنّ غايتها حصول الانصراف عن الصلاة وتماميتها ومضيها بالفراغ من الشهادتين ، وذلك غير كاف في إثبات عدم الوجوب ، لجواز كون التسليم خارجا عن الصلاة ، مع أنّها لو دلّت لتعارضت مع ما دلّ على وجوبه بالعموم المطلق ، فتخصص به كما بالنسبة إلى الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦١ ـ ١١٩١ ، التهذيب ٢ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٦ ، قرب الاسناد : ٢٠٧ ـ ٨٠٣ ( بتفاوت ) ، الوسائل ٨ : ٤١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

(٢) في ص ٣٢٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٣ الحج ب ٣٢ ح ١ ، التهذيب ٥ : ١٠٤ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٣ أبواب الطواف ب ٧١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٨ ـ ١٤٤٢ ، قرب الاسناد : ٣٠٩ ـ ١٢٠٦ وفيه : ولو شئت حين قالوا لك ، الوسائل ٦ : ٤٢٥ أبواب التسليم ب ٣ ح ٥.

(٥) كما في الوسائل ٦ : ٤٢٣ أبواب التسليم ب ٣.

٣٤٥

بل قيل : إنّه يمكن أن يراد بالانصراف في الأوّلين هو التسليم (١) ، بل هو مقتضى بعض الصحاح كصحيحة الحلبي (٢) وغيرها (٣).

وقد يستشهد له بالأمر بالانصراف ـ الذي أقلّه الطلب ـ في بعض الأخبار ، ولا مطلوب بعد التشهد سوى التسليم.

ولم نقف على الأمر المطلق بالانصراف إلاّ قوله : « ينصرف » في بعض الأخبار ، وهو يحتمل أن يكون إخبارا عن حصول الانصراف بعد التشهد ، مع أنّ في الأمر الوارد عقيب الحظر كلاما مشهورا. وأمّا الأمر المعلّق في هذه الصحيحة (٤) فغايته مطلوبية الانصراف عن اليمين وهو يمكن أن يكون بنفسه مطلوبا. نعم في بعض الأخبار الواردة في الشك الأمر بالانصراف ثمَّ صلاة الاحتياط (٥) ، ويحتمل أن يكون الأمر فيه لمطلق الانصراف لأجل أداء الاحتياط ، هذا ، مع أنّ إطلاق الانصراف على التسليم مجاز وهو ليس بأولى من التجوز في الأمر بإرادة الإباحة.

هذا ، مضافا إلى ما في الصحيحة الثانية من اختلاف نسخها ففي موضع من التهذيب كما ذكر ، وفي آخر منه وفي الفقيه بدل : « يتشهّد » « يسلّم » (٦).

ويعضد هذه النسخة ـ مضافا إلى التعدّد وأضبطية الفقيه ـ الموافقة لصحيحين آخرين مرويين فيهما : عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ١٧٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٧ الصلاة ب ٣٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٣ ، الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

(٣) انظر : الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم ب ٤.

(٤) كذا في جميع النسخ ، والصحيح ظاهرا : في بعض الاخبار. انظر : الوسائل ٦ : ٤٢١ أبواب التسليم ب ٢ ح ١٠ ، ١٣.

(٥) انظر : الوسائل ٨ : ٢١٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٤٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ ـ ١١٩١ ، الوسائل ٨ : ٤١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

٣٤٦

للتشهد ، قال : « يسلّم ويمضي لحاجته إن أحبّ » (١).

مع أنّها أوفق بالسؤال في صدر الصحيحة ، حيث كان السؤال عن طول الإمام التشهد ، وهو غالبا يكون في المستحبّات المتأخرة عن الشهادتين فقد حصل الفراغ عن التشهد.

وعن الرابعة : بأنّ عدم ذكر التسليم لا يدلّ على عدم وجوبه ، إذ لا يلزم ذكر كلّ واجب في كل خبر. مع أنّ المقام فيها ليس مقام ذكر الواجبات ، ولذا لم يذكر منها سوى قليل منها ، بل المقام فيها مقام بيان بعض ما يستحب فيها ، ولذا ذكر فيها الجحد والتوحيد والحمد والثناء.

وعن الموثقة : بأنّ تصريح السائل بالتسليم حين الجلوس يدل على أنّ السلام المنسي عند القيام هو السلام على القوم حين الالتفات إليهم كما كان سنّة يومئذ ـ لا سيما في مقام التقية ـ أو كان مستحبا ، فهو غير دالّ على مطلوبهم ، بل تفريع انتفاء البأس بوقوع السلام جالسا دليل على ثبوت البأس ـ الذي هو العذاب ـ إذا ترك السلام مطلقا ، فالموثقة على الوجوب أدلّ.

وعن الأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بتخلل المنافي : بأنّها لو دلّت لدلّت على عدم الجزئيّة لا عدم الوجوب.

المسألة الثانية : هل التسليم الواجب هو جزء من الصلاة أو خارج عنها؟.

صرّح بعض مشايخنا بالأول ، وقال : إنّه الأشهر ، بل ذكر دعوى الناصريّات والفاضل المقداد والمدارك والمنتهى الإجماع عليه (٢). وبهذا القول صرّح‌

__________________

(١) الأول : الفقيه ١ : ٢٥٧ ـ ١١٦٣ ، الوسائل ٦ : ٤١٦ أبواب التسليم ب ١ ح ٦.

الثاني : التهذيب ٢ : ٣١٧ ـ ١٢٩٩ ، الوسائل ٨ : ٤١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٣.

(٢) الرياض ١ : ١٧٢ ، وانظر : التنقيح ١ : ٢١٣ ، والمدارك ٣ : ٤٣١ ، ولم نعثر على دعوى الإجماع في المنتهى كما سيشير اليه المصنف.

٣٤٧

السيّد في الناصريّات ، بل قال بركنيته (١).

واختار والدي ـ قدس‌سره ـ في المعتمد الثاني ، ونسبه إلى الأكثر. ونقله في الدروس من بعضهم (٢). ونقل عن قواعد الشهيد والفاخر والبشرى (٣) ، والمحدّث الكاشاني والحرّ العاملي وصاحب الحدائق (٤).

وهو الأظهر ، للأصل ، والأخبار ، كصحيحتي سليمان والفضلاء المتقدّمتين (٥) ، وصحيحة الحسين بن أبي العلاء في ناسي التشهد حتى يركع : « فقال : فليتمّ صلاته ثمَّ يسلّم » (٦).

ويؤيّده ما في صحيحة زرارة : « وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » (٧).

وموثقته : عن الرجل يصلّي ثمَّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم ، قال : « قد تمّت صلاته ». (٨)

وموثقة غالب : عن الرجل يصلّي المكتوبة فينقضي صلاته ويتشهّد ثمَّ ينام قبل أن يسلّم ، قال : « تمّت صلاته » (٩).

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥.

(٢) الدروس ١ : ١٨٣.

(٣) نقله عن قواعد الشهيد في التنقيح ١ : ٢١٢ وعن الفاخر في الذكرى : ٢٠٦ وعن صاحب البشرى في الحدائق ٨ : ٤٨٣.

(٤) المفاتيح ١ : ١٥٢ ، الحدائق ٨ : ٤٨٣ وحكاه فيه عن الحرّ العاملي.

(٥) في ص ٣٢٣ ، وص ٣٤٢.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٩ ـ ٦٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ـ ١٣٧٣ ، الوسائل ٦ : ٤٠٣ أبواب التشهد ب ٧ ح ٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣٤٧ الصلاة ب ٣٣ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ـ ١٣٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ ـ ١٢٩١ ، الوسائل ٦ : ٤١٠ أبواب التشهد ب ١٣ ح ١.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ـ ١٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٣٠١ ، الوسائل ٦ : ٤٢٤ أبواب التسليم ب ٣ ح ٢.

(٩) التهذيب ٢ : ٣١٩ ـ ١٣٠٤ ، الوسائل ٦ : ٤٢٥ أبواب التسليم ب ٣ ح ٦.

٣٤٨

دليل الجزئية : الإجماعات الأربعة المحكية.

واستصحاب تحريم ما حرم قبله ، والكون في الصلاة.

وجعله تحليلا كما مرّ.

والأخبار كموثقة أبي بصير : « إذا نسي الرجل أن يسلّم ، فإذا ولّى وجهه عن القبلة وقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد فرغ من صلاته » (١).

دلّت بالمفهوم على عدم الفراغ قبله.

وروايته وفيها : « فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة » (٢).

وتؤيده الروايات المعلّقة للانصراف بهذا القول (٣).

وموثقة أبي بصير المتقدمة (٤) المصرّحة بأنّ آخر الصلاة التسليم.

ويردّ الأوّل : بعدم حجيتها ، سيّما مع كون الأوّلين إجماعا مركّبا ، ففي الأوّل (٥) جعله قول كل من أوجب تكبيرة الافتتاح ، مع أنّ الظاهر منه كما مرّ إجماع العامة ، وفي الثاني (٦) قول من جعله واجبا ، وأمّا الثالث (٧) فالإجماع فيه على بطلان الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشهد لو وجب ، ودلالته على الجزئية ممنوعة ، لجواز كونه خارجا كذلك ، وأمّا الأخير فلم نعثر على دعوى إجماع بسيط أو مركّب فيه.

وأوّل الاستصحابين : بوجود المعارض له كما مرّ ، وعدم استلزامه للجزئية ، لجواز توقف التحليل على الإتيان بفعل خارج. وثانيهما : بزواله بما مرّ من الأدلّة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٩ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ٦ : ٤٢٣ أبواب التسليم ب ٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ـ ١٣٠٧ ، الوسائل ٦ : ٤٢١ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم ب ٤.

(٤) في ص ٣٤٣.

(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥.

(٦) التنقيح الرائع ١ : ٢١٣.

(٧) المدارك ٣ : ٤٣١.

٣٤٩

والثالث : بعدم توقف كونه محلّلا على الجزئية ، لجواز أن تكون حلّية ما يحرم في الصلاة بأمر خارج عنها قبل التسليم وإن كان واجبا خارجا ، إلاّ أنه لا دليل على جواز تعمّد فعل المنافي قبله ، وهذا معنى كونه تحليلا ، مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون المراد من التحليل الخروج عن الصلاة وحلّ ما عقدته الصلاة ، ويكون حينئذ على الخروج أدلّ ، فتأمّل.

والبواقي غير الأخير : بأنّها أعم مطلقا ممّا مرّ من أدلة الخروج ، لدلالتها بالمفهوم على عدم الفراغ والانقطاع والانصراف ما لم يقل بهذا القول سواء تمَّ التشهد أم لا ، فتخصّص به ، كما أنّ حديث الانقطاع يخصّص بسائر القاطعات أيضا.

ولا ينافي ذلك رواية أبي كهمش : عن الركعتين الأوليين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنا جالس : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ، انصراف هو؟ قال : « لا ، ولكن إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف » (١) من جهة التصريح بعدم حصول الانصراف بعد التشهد وقبل التسليم.

لأنّ هذا في الركعتين الأوليين ، ولا شك أنّ التشهد فيهما ليس آخر الصلاة ولا التسليم على النبي موجبا لانقطاع الصلاة. نعم ينقطع لو قال : السلام علينا ، لأنّه موجب لانقطاع الصلاة إمّا لكونه آخرا لها أو خارجا عنها ، ولهذا حكم ببطلان الصلاة به في حسنة ميسر (٢). مع أنّ حصول الانصراف به لا يدلّ على الجزئية ، ولذا قيل : الفراغ لا يستلزم الانصراف. انتهى.

هذا كلّه إذا كان التسليم المتنازع فيه مطلقة. وأمّا لو خصّ النزاع‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٤ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٢ ، الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم ب ٤ ح ٢.

(٢) الخصال : ٥٠ ـ ٥٩ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٠ ، الوسائل ٦ : ٤٠٩ أبواب التشهد ب ١٢ ح ١.

٣٥٠

بالتسليمة الأخيرة وجعل هي المرادة من التسليم ـ كما يظهر من نهاية الشيخ (١) ـ فلا دلالة لهذه الأخبار مطلقا ، لورود كلّها أو أكثرها في : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

والأخير : بعدم صراحة التسليم فيها في المتنازع فيه ، فيحتمل إرادة السلام المستحب في التشهد على النبي ويكون المراد التسليم المستحب كما مرّ الإشارة إليه.

المسألة الثالثة : اختلفوا في عبارة التسليم ـ الواجب عند الموجبين والمستحب عند الآخرين ـ أنّه هل هو السلام عليكم ، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أو أحدهما؟

فذهب الشيخ في النهاية والصدوق والحلّي وعن السيد والحلبي وفي المدارك وظاهر شرح القواعد ـ وإن عبّر أوّلا بالأحوط ـ إلى الأوّل (٢) ، وهو مختار والدي رحمه‌الله ، ونسبه بعض المتأخرين إلى المشهور (٣) ، بل في الدروس : إنّ عليه الموجبين (٤) ، وفي البيان : إنّ السلام علينا لم يوجبه أحد من القدماء ، ويلزمه وجوب السلام عليكم (٥) ، وهو محتمل كلّ من أطلق التسليم ، حيث إنّه كثيرا ما يطلق ويراد به هذا كما في النهاية والسرائر (٦) ، بل في الأحاديث (٧).

__________________

(١) نسب التسليم الأخير إلى نهاية الشيخ وأنّه قال بعد ضمّ التشهد إلى قوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين : ثمَّ يسلّم به. منه رحمه‌الله. انظر : النهاية : ٨٤.

(٢) النهاية : ٨٤ ، الصدوق في المقنع : ٢٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٣١ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤٣ ، والناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٦ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١١٩ ، المدارك ٣ : ٤٣٧ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٢٦.

(٣) انظر : الحدائق ٨ : ٤٨٥.

(٤) الدروس ١ : ١٨٣.

(٥) البيان : ١٧٧.

(٦) النهاية : ٧٢ ، السرائر ١ : ٢٣١.

(٧) انظر : الوسائل ٦ : ٤١٩ أبواب التسليم ب ٢.

٣٥١

وعن الجامع : الثاني (١).

وذهب المحقّق في كتبه الثلاثة (٢) ، والشهيد في الألفيّة واللمعة والدروس (٣) ، والفاضل في القواعد وتهذيب النفس والنهاية والإرشاد والمنتهى والتذكرة بل جميع كتبه (٤) ، وروض الجنان والروضة (٥) ، إلى الثالث ، وهو محتمل كلّ من أطلق التسليم ، كالخلاف والجمل والعقود والوسيلة والناصريات (٦) ، وعن المهذّب والنكت : دعوى الشهرة عليه (٧). والاحتمال الآخر إرادة السلام عليكم ، كما يأتي وجهه.

والحق هو الأوّل ، لأصل الاشتغال ، لحصول البراءة عن التسليم الواجب بالعبارة الأولى ، للإجماع كما في التذكرة (٨) وغيره (٩) ـ ولا يقدح مخالفة الجامع في الإجماع ـ وعدم العلم بحصولها بغيرها.

ولصحيحة ابن أذينة في بدو الأذان ، وفيها : « فقيل : يا محمّد سلّم عليهم ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » (١٠).

ورواية الحضرمي : إنّي أصلّي بقوم ، فقال : « تسلّم واحدة ولا تلتفت ، قل :

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٨٤.

(٢) الشرائع ١ : ٨٩ ، المعتبر ٢ : ٢٣٤ ، المختصر النافع : ٣٣.

(٣) الألفية : ٦٠ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٧٧ ، الدروس ١ : ١٨٣.

(٤) القواعد ١ : ٣٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٠٤ ، الإرشاد ١ : ٢٥٦ ، المنتهى ١ : ٢٩٦ ، التذكرة ١ : ١٢٧ ، وانظر : التحرير ١ : ٤١ ، والمختلف : ٩٧.

(٥) روض الجنان : ٢٧٩ ، الروضة البهية ٢ : ٢٧٩.

(٦) الخلاف ١ : ٣٧٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٣ ، الوسيلة : ٩٦ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥.

(٧) المهذب ١ : ٩٥.

(٨) التذكرة ١ : ١٢٦.

(٩) كالذخيرة : ٢٩١.

(١٠) الكافي ٣ : ٤٨٢ الصلاة ب ١٠٥ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

٣٥٢

السلام عليك أيّها النّبي ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم » الحديث (١).

وتؤيده صحيحة علي : رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمّدا بني جعفر يسلّمون في الصلاة عن اليمين والشمال : « السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله » (٢).

وموثقة أبي بصير المتقدّمة في التشهد الطويل ، حيث قال فيها بعد قوله « والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » : « ثمَّ يسلّم » (٣).

فإنّ الظاهر من إطلاقه أنّ التسليم المأمور به هو غير السلام علينا ، وليس إلاّ السلام عليكم. وأيضا ، ظاهره انصراف التسليم المطلق إليه.

ومثله الرضوي المتقدّم (٤).

وما في المؤثّق من أنّ التسليم إذن (٥) ، والتصريح في رواية أبي بصير : « بأنّ الإذن إنّما هو بالسلام عليكم » (٦).

فعليه تحمل مطلقات الأمر بالتسليم.

احتج من قال بالتخيير : بأنّ السلام علينا موجبة للخروج عن الصلاة وقاطعة لها ، وكلّ ما كان كذلك فهو محلّل ، فهذه العبارة محلّلة ، وإذا كانت محلّلة كانت واجبة ، وليس عينا إجماعا ، فيكون مخيرا.

أمّا المقدمة الأولى : فللأخبار المتكثرة المتقدمة أكثرها ، المصرّحة بأنّه إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت ، أو فقد انقطعت‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٦ ـ ٨٠٣ ، الوسائل ٦ : ٤٢١ أبواب التسليم ب ٢ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٧ ـ ١٢٩٧ ، الوسائل ٦ : ٤١٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧٣ ، الوسائل ٦ : ٣٩٣ أبواب التشهد ب ٣ ح ٢.

(٤) في ص ٣٣٥.

(٥) انظر : التهذيب ٢ : ٣١٧ ـ ١٢٩٦ ، الوسائل ٦ : ٤١٦ أبواب التسليم ب ١ ح ٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ـ ١٣٠٧ ، الوسائل ٦ : ٤٢١ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

٣٥٣

الصلاة ، أو فقد فرغ من صلاته (١).

وأمّا الثانية : فلأنّ بالخروج منها يتحقق التحليل ، وللمرويّين في الخصال والعيون : « لا يقال في التشهد الأوّل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، لأنّ تحليل الصلاة هو التسليم ، فإذا قلت هذا فقد سلّمت » (٢).

وأمّا الثالثة : فلوجوب تحصيل التحليل من الصلاة ، وللمروي في العلل : عن العلّة الّتي من أجلها وجب التسليم في الصلاة ، قال : « لأنّه تحليل الصلاة » ـ إلى أن قال : ـ فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال : « لأنّه تحيّة الملكين » (٣).

وبتقرير آخر : علّة وجوب التسليم حصول التحليل به ، فهو يحصل بذلك ، فيكون واجبا. وسند المقدّمتين يظهر ممّا مرّ.

ويجاب عنه بالتقرير الأوّل ، مضافا إلى منع كلّية الثانية أي استلزام الخروج للتحليل ـ وجعله كلاما شعريا في الشرعيّات التي لا سبيل للعقل إليها غالبا غريب ـ وإلى منع دلالة رواية العلل على أنّه علّة الوجوب ، لأنّ الوجوب إنّما وقع في كلام السائل ، وغايته تقرير الإمام على هذا الاعتقاد ، وحجيّته غير واضحة ، فيمكن أن يكون العلّة لمطلق الرجحان : بأنّه إن أريد أنّ كلّ ما كان محللا كان واجبا فهو لا يقول به ، وإلاّ أوجب الصيغتين.

وإن أريد أنّ شيئا من المحلّل واجب ، فهو لا يفيد.

فإن قلت : المراد أنّه من المحلّلات ، ولا يجب في الصلاة إلاّ تحصيل شي‌ء من المحلّلات.

قلنا : لا نسلّم أنّه لا يجب إلاّ تحصيل شي‌ء من المحلّلات ، كما يظهر وجهه ممّا يجاب به عن التقرير الآخر ، وهو :

__________________

(١) انظر : الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم ب ٤.

(٢) الخصال : ٦٠٤ ، العيون ٢ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، الوسائل ٦ : ٤١٠ أبواب التشهد ب ١٢ ح ٣.

(٣) علل الشرائع : ٣٥٩ ـ ١. الوسائل ٦ : ٤١٧ أبواب التسليم ب ١ ح ١١.

٣٥٤

أنّه إن أريد أنّ علّة وجوب ماهيّة التسليم حصول التحليل به فهو مسلّم ، ولكن يجب الزائد عنها أيضا إجماعا ، وإلاّ لكفى التسليم بأيّ نحو اتّفق ولو بمثل السلام على النبي ، أو على الملائكة ، أو على الناس ، ولم تجب إحدى الصيغتين.

وإن أريد أنّ علّة وجوب التسليم المعهود هو ذلك ، فلا دليل عليه ، ومقتضى رواية العلل ليس إلاّ علّية التحليل لوجوب المطلق. وحمله في الرواية على التسليمين مجاز لا دليل عليه ، ولو سلّم جواز إرادة المعهود فلا يتعيّن كونه الصيغتين ، فلعلّه السلام عليكم كما أطلق عليه التسليم في الأخبار وكلمات القدماء ، بل يدلّ عليه ما في الأخبار من أنّ التسليم إذن ، وأنّ الإذن يحصل بالسلام عليكم.

وعلى هذا فنقول : التحليل وإن حصل بذلك ولكن لا تنحصر علّة وجوب أحد التسلمين المعهود بالتحليل. ولذا قال بعض أصحابنا ـ بل جماعة كما قيل ـ : إنّه يخرج من الصلاة بقوله : السلام علينا .. وإن وجب الإتيان بالسلام عليكم أيضا (١) ، وقال صاحب البشرى : لا مانع من أن يكون الخروج بالسلام علينا .. وإن كان يجب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (٢).

مع أنّ لنا أن نقول : إنّ مقتضى الرواية كون التحليل معلولا للتسليم المعيّن الذي هو السلام عليكم ، لأنّه علّل فيها صيرورته تحليلا بأنّه تحيّة الملكين ، ومثله ورد في المروي في معاني الأخبار (٣) ، ولا شك أنّها مخصوصة بالسلام عليكم.

وعلى هذا فيجب إمّا حمل التحليل في رواية الخصال على ما حملها به بعضهم من الانقطاع أو الانصراف أو الخروج (٤) ، أو ارتكاب تجوّز في رواية العلل.

__________________

(١) انظر : المنتهى ١ : ٢٩٦ ، والحبل المتين : ٢٥٣ ، والمفاتيح ١ : ١٥٢.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠٨.

(٣) معاني الأخبار : ١٧٥ ، الوسائل ٦ : ٤١٨ أبواب التسليم ب ١ ح ١٣.

(٤) كما في الحدائق ٨ : ٤٨٩.

٣٥٥

فما قيل من أنّ صرف التحليل فيها عن معناه المعروف إلى أنّه عبارة عن انقطاع الصلاة والخروج منها لا وجه له (١) ، غير صحيح.

ومنه يظهر الخدش في عموم التسليم الوارد في الرواية المصرّحة بأنّ « تحليلها التسليم » (٢) لجميع الصيغ.

ثمَّ إنّ ذكر الدليل بتقرير به على تقرير القول باستحباب التسليم مع جوابه ظاهر.

وقد يستدلّ لهذا القول أيضا ، بموثقة أبي بصير : « إذا كنت إماما فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي عليه وآله السلام وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ، ثمَّ تؤذن للقوم وتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم ، وكذلك إذا كنت وحدك تقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، مثل ما سلّمت وأنت إمام ، وإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت ، وسلّم على من على يمينك وشمالك » الحديث (٣).

دلّت على أنّ التسليم المعهود هذه الصيغة ، فيكون هو الواجب أو المستحب ، بل ظاهرها انحصار التسليم فيها.

ويضعّف بأنّ مدلولها أنّ التسليم هو التسليم على النبي وهذه الصيغة ، ولا شكّ أنّهما معا ليسا التسليم المعهود ، فالمراد أمر آخر فلا يفيد ، بل يمكن أن تكون الصيغة الأخرى أيضا جزءا له ، فيكون « ثمَّ تؤذن وتقول » معطوفا على قوله « وتقول » ويكون قوله « فإذا قلت » إلى آخره جملة معترضة.

واستدلّ أيضا ، بورود الأمر بالتسليم وهو يصدق على كلّ منهما ، فيكون الواجب أو المستحب أحدهما.

__________________

(١) انظر : الرياض ١ : ١٧٣.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٤١٥ أبواب التسليم ب ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ـ ١٣٠٧ ، الوسائل ٦ : ٤٢١ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

٣٥٦

ويردّ بأنّ التسليم وإن صدق على مطلقه ، ولكن يجب الزائد على المطلق بالإجماع ، بل الضرورة ، حيث إنّه تجب كيفية خاصّة فبه يقيّد المطلق ، فإذا لم يتعيّن القيد يرجع إلى أصل الاشتغال.

وبأنّ الروايات دلّت على انقطاع الصلاة بالسلام علينا ، فلا يكون بعده واجب. وهو إنّما يرد على القائل بالجزئيّة.

وبما ذكر ظهر ضعف قول آخر يحكى عن الجامع ، وهو وجوب السلام علينا ـ إلى آخره ـ خاصّة (١). ونسبه في المعتبر (٢) إلى الشيخ ، وخطّأه الشهيد (٣) ، فإنّه شاذّ ، بل في الذكرى : إنّه خروج عن الإجماع (٤).

ومع ذلك لا يساعده دليل سوى ما قيل من أنّه ظهر من الأخبار أنّ التسليم الواجب أو المستحب هو المحلّل ، وصرّح في المستفيضة بأنّ الانصراف الذي هو التحليل يحصل بهذه الصيغة (٥).

ويردّ بأنّ حصوله بها لا ينافي حصوله بصيغة أخرى أيضا ، سيّما مع شمول التسليم لها ، بل ظهوره فيها.

وأضعف منه ما حكي عن الفاخر (٦) ، وكنز العرفان ، ونقله عن بعض مشايخه المعاصرين أيضا (٧) ، لعدم وضوح مستند له إلاّ ما قيل من الآية (٨) ، والموثّقة المتقدّمة (٩).

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٤٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٣٤.

(٣) انظر : الذكرى : ٢٠٧.

(٤) الذكرى : ٢٠٨.

(٥) انظر : الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم ب ٤.

(٦) انظر : الذكرى : ٢٠٦ ، قد حكى فيه عن صاحب الفاخر وجوب : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته.

(٧) كنز العرفان ١ : ١٤١.

(٨) ( ... يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) الأحزاب : ٥٦.

(٩) في ص ٣٥٨.

٣٥٧

ويردّ الأوّل بأنّ الظاهر من التسليم فيه الانقياد ، بل به صرّح في بعض الروايات (١). والثاني بعدم صراحته في الوجوب ، إذ ظاهر أنّ المحصور فيه ليس الموضوع حقيقة ، وباب المجاز واسع ، فلعلّه التسليم المستحب.

نعم ، في موثّقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل : « ثمَّ قل : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته » (٢).

ولكن لتعقّبها ما لا قائل بوجوبه يتعيّن حمل الأمر فيها على مطلق الرجحان.

مضافا إلى دعوى الفاضل الإجماع على استحباب هذا التسليم (٣) ، وجعل الشهيد القول بوجوبه غير معدود من المذهب مؤذنا بمخالفته الإجماع ، بل الضرورة (٤).

هذا. ثمَّ إنّ القائلين بالقول الثاني (٥) جعلوا الثانية مستحبة ، ولا دليل عليه لو قدّم السلام عليكم.

فرعان :

أ : الواجب في التسليم بالصيغة الأولى ، هل هو مجموع السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ـ كما عن ابن زهرة وظاهر الشرائع والنافع (٥) ـ؟

__________________

(١) انظر : معاني الأخبار : ٣٦٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧٣ ، الوسائل ٦ : ٣٩٣ أبواب التشهد ب ٣ ح ٢.

(٣) انظر : المنتهى ١ : ٢٩٦.

(٤) الذكرى : ٢٠٦.

(٥) مراده (ره) بالقول الثاني هو القول بالتخيير بين الصيغتين ، لا القول بوجوب السلام علينا .. كما يوهمه صدر المسألة.

(٦) انظر : الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، الشرائع ١ : ٨٩ ، المختصر النافع : ٣٣.

٣٥٨

أو السلام عليكم خاصّة ـ كما عن الصدوق (١) ، والعماني والإسكافي (٢) ، ووالدي رحمه‌الله ، وغيرهم ، بل الأكثر كما قال بعض من تأخّر (٣) ـ؟

أو بزيادة ورحمة الله خاصّة؟.

الظاهر الثاني ، لقوله في موثّقة أبي بصير : « وتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم » (٤).

فإنّ الموضوع فيها إمّا التسليم الواجب ، أو الكامل ، أو نحوهما ، وكيف ما كان ينفى وجوب الزائد.

وينفى وجوب قوله : وبركاته بما مرّ في صحيحة علي أيضا (٥) ، مع أنّه صرّح جماعة بنفي الخلاف أو الإجماع على عدم وجوب : وبركاته (٦).

ب : التسليمان الآخران وإن لم يكونا واجبين ، ولكن لا شكّ في استحبابهما ، بالإجماع ، والأخبار (٧).

والوظيفة تقديم السلام على النّبي عليهما كما في موثّقتي أبي بصير (٨) ، ثمَّ تقديم السلام علينا كما فيهما أيضا.

المسألة الرابعة : اختلفوا في المخرج من الصلاة من الصيغتين بما لا مزيد فائدة في بسط الكلام فيه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢١٠.

(٢) حكاه عنهما في المنتهى ١ : ٢٩٦.

(٣) انظر : المفاتيح ١ : ١٥٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ـ ١٣٠٧ ، الوسائل ٦ : ٤٢١ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٥) راجع ص ٣٥٣.

(٦) انظر : المنتهى ١ : ٢٩٦ ، والمفاتيح ١ : ١٥٣.

(٧) انظر : الوسائل ٦ : أبواب التسليم ب ٢ و ٤.

(٨) راجع ص ٣٥٨ ـ ٣٦٠.

٣٥٩

ولتحقيق المقام نقول :

اعلم أوّلا أنّه يستعمل هاهنا ألفاظ الصارف ، والقاطع ، والمخرج ، والمحلّل.

والأوّلان متساويان ، وهما أعمّان مطلقا من المبطل ، فإنّ كلّ مبطل للصلاة صارف عنها قاطع لها ولا عكس ، لأنّهما لو لحقا في الأثناء كانا مبطلين ، ولو تعقّبا الجزء الأخير من الصلاة أو كانا نفسه لم يكونا مبطلين ، بل يكونان حاجزين من عروض المفسد والمبطل ، ويتساوقان للمخرج.

وأمّا المحلّل فهو أعمّ من وجه من المخرج وأخويه ، إذ لا مانع عقلا من أن يحلّ بعض الأشياء أو كلّها قبل تمام الصلاة ، كما قد يقال بعدم إبطال الحدث سهوا قبل السلام على القول بجزئيته ، ولا من أن يتم الصلاة ويخرج منها ، وتوقف حلّية بعض الأشياء على أمر آخر ، كما قاله صاحب الحدائق (١) ، وإن أمكن دعوى ثبوت التلازم شرعا من أحد الطرفين بل من كليهما.

وهاهنا أمر آخر وهو المتمّم أي الجزء الأخير من الصلاة ، فهو مباين للمبطل ، وأعمّ من وجه من المخرج وأخويه ، إذ يمكن أن يكون الجزء الأخير مخرجا ، ويمكن أن لا يكون كذلك بل يتوقف الخروج والصرف على أمر خارج يكون هو كالحاجز بينها وبين غيرها ، فما لم يفعله يكون المصلّي في حيّز الصلاة ويكون ما يفعل بعده زيادة في الصلاة كما مرّ في إتمام المسافر (٢) ، وكذا من المحلّل.

إذا عرفت ذلك فنقول : قد ثبت حكم التسليمات من الوجوب والاستحباب ممّا تقدّم.

ومقتضى الأصل عدم جزئية شي‌ء منها للصلاة أيضا ، ولا كونه صارفا ولا مخرجا ولا محلّلا.

إلاّ أنّ صحيحة الحلبي المتقدّمة المصرّحة بأنّ « كلّ ما ذكرت الله به والنبي‌

__________________

(١) الحدائق ٨ : ٤٨٤.

(٢) راجع ص ٣٤١.

٣٦٠