مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

الدعائم عن علي عليه‌السلام : « إنّه كان يقول إذا نهض من السجود للقيام : اللهم بحولك وقوّتك أقوم وأقعد » (١). أو بإسقاطهما وإسقاط « اللهم » كما في موثّقة رفاعة : « كان علي عليه‌السلام إذا نهض من الركعتين الأوليين ، قال : بحولك وقوّتك أقوم وأقعد » (٢).

وبعض هذه الأخبار ، وإن ورد في القيام من السجود ، وبعضها في القيام من التشهّد ، وبعضها مطلق ، إلاّ أنّ الظاهر عدم الفرق ، فيستحبّ الكلّ في الكلّ. ولو عمل بما في الأخبار ما ورد في القيام من السجود فيه ، ومن التشهّد فيه ، والمطلق في ما أراد كان أحسن.

ووقت الدعاء عند الأخذ بالقيام ، كما ذكره الصدوقان (٣) ، والجعفي والإسكافي (٤) ، والشيخان (٥) ، والديلمي (٦) ، والحلبيان (٧) ، والذكرى (٨) ، ويدل عليه رواية الحضرمي ، وظاهر أكثر الأخبار المذكورة.

وعن بعضهم : أنّه في جلسة الاستراحة (٩) ، وكأنّه استفاده من قوله في بعض هذه الروايات : « إذا قمت من السجود قلت .. ».

وفيه : أنّ المراد إذا أردت القيام بعد السجود احترازا عن مطلق القيام ، مع أنّه على فرض إرادة الرفع من السجود يكون عاما ، يجب تخصيصه بما ذكر ، فالأوّل هو الأصح.

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٦٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٦٠ أبواب السجود ب ١١ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٨ ـ ٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ ـ ١٢٦٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦١ أبواب السجود ب ١٣ ح ٤.

(٣) انظر : الفقيه ١ : ٢٠٧ ، وحكاه عن والده في الذكرى : ٢٠٣.

(٤) حكاه عنهما في الذكرى : ٢٠٣.

(٥) المفيد في المقنعة : ١٠٦ ، والشيخ في المبسوط ١ : ١١١.

(٦) المراسم : ٧١.

(٧) أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٢٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٩.

(٨) الذكرى : ٢٥٣.

(٩) انظر : المعتبر ٢ : ٢١٦.

٣٠١

وهل يستحبّ التكبير عند القيام عن التشهّد؟ كما عن المفيد أنّه أثبته ، وأسقط تكبيرات القنوت (١) ، وإن حكي عنه رجوعه في آخر عمره (٢) ، وصريح التوقيع المذكور وجود القول به قبل المفيد أيضا ، بل ظاهره ـ حيث نسب خلافه إلى بعض الأصحاب ـ : أنّ الأكثر كان على الاستحباب (٣) ، للحديث الذي تضمّنه التوقيع المحكي عن الاحتجاج سابقا.

أو لا؟ كما حكي عن الأكثر ، للأصل ، وللروايات المصرّحة بأنّه إذا قمت من السجود قلت : بحول الله (٤) ، وضعفهما ظاهر.

نعم ، يدل عليه روايات حصر التكبيرات في خمس وتسعين (٥) ، والحديث الآخر الذي تضمّنه التوقيع ، وهو أخصّ من الأوّل ، فكان المتّجه تخصيصه به ـ سيّما مع اعتضاده بروايات الحصر ـ لو لا تصريح الإمام فيه بالتخيير ، ولكن معه لا محيص عنه أصلا ، فهو المتّجه.

الثالث والعشرون : كشفه جميع مساجده السبعة ، ذكره في المبسوط (٦) ، وقوله كاف في إثبات الاستحباب ، وإن لم نقف على مستنده.

__________________

(١) حكاه عنه في نهاية الإحكام ١ : ٥٠٩.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ١٨٤.

(٣) راجع ص ٢٨٢.

(٤) انظر : الوسائل ٦ : ٣٦١ أبواب السجود ب ١٣.

(٥) انظر : الوسائل ٦ : ١٨ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥.

(٦) المبسوط ١ : ١١٢.

٣٠٢

المطلب الثالث

في سائر ما يتعلّق بهذا المقام

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : يكره الإقعاء في الصلاة.

سواء فسّر بأن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ، ويجلس على عقبيه ، كما فسّره به الفقهاء (١).

أو بأن يجلس على أليتيه ، وينصب ساقيه ، ويتساند إلى ظهره ، كإقعاء الكلب ، كما حكي عن اللغويين ، وبه فسّره في الصحاح والقاموس والنهاية الأثيريّة والمغرب والمصباح المنير (٢) ، وابن القطّاع والمعمّر بن المثنّى ، والقاسم بن سلاّم ، وغيرهم.

أمّا الأوّل : فلاشتهاره بين الأصحاب ، وفتوى معاوية بن عمّار ومحمّد بن مسلم من أجلّة القدماء به (٣) ، بل نقل الإجماع في الخلاف عليه (٤).

مضافا إلى صحيحة زرارة : « إيّاك والقعود على قدميك ، فتتأذى بذلك ، ولا تكن قاعدا على الأرض ، فيكون إنّما قعد بعضك على بعض ، فلا تصبر للتشهد والدعاء » (٥).

__________________

(١) انظر : المعتبر ٢ : ٢١٨ ، والمنتهى ١ : ٢٩١ ، والذكرى : ٢٠٢.

(٢) الصحاح ٦ : ٢٤٦٥ ، القاموس ٤ : ٣٨٢ ، النهاية الأثيرية ٤ : ٨٩ ، المغرب ٢ : ١٣٠ ، المصباح المنير : ٥١٠.

(٣) حكاه عنهما في المعتبر ٢ : ٢١٨ ، والمنتهى ١ : ٢٩٠.

(٤) الخلاف ١ : ٣٦١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

٣٠٣

والأخرى وفيها : « ولا تقع على قدميك » (١).

والمروي في معاني الأخبار : « لا بأس في الإقعاء بين السجدتين ، وبين الركعة الاولى والثانية ، وبين الركعة الثالثة والرابعة » قال : « وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجافى ، ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلاّ من علّة ، لأنّ المقعي ليس بجالس ، وإنّما جلس بعضه على بعض » (٢).

قال الصدوق بعد نقل هذا الخبر : والإقعاء : أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في تشهده.

ثمَّ الظاهر أنّ كيفيّة الإقعاء بهذا المعنى : أن يضع صدر قدمه إلى ما يلي الأصابع من باطنه على الأرض ويعتمد عليه ، بحيث تكون رؤوس أصابعه إلى القبلة ، ويرفع باقي قدمه ، بحيث يماسّ عقبيه أليتيه ، فيجلس على عقبيه ، أي : يعتمد بأليتيه على عقبيه رافعا عقبيه ، مع وضع ركبتيه على الأرض ، أو مع رفع الركبتين أيضا.

أو كيفيّته : أن يضع ما يلي الأصابع من ظهر قدميه على الأرض بحيث تكون رؤوس أصابعه إلى خلاف جهة القبلة ، ويرفع باقي قدميه بحيث يصل العقبين إلى الأليتين فيجلس عليهما ، ولكنّه يتأذّى به كثيرا.

وأمّا بسط تمام ظهر القدمين على الأرض وافتراش الساقين وتثنية الفخذين عليهما ، فهو ليس إقعاء ، إذ ليس فيه اعتماد على صدر القدمين ، بل الاعتماد على مجموع الساق والقدم ، وليس قعودا على القدمين كما في الرواية ، ولا تأذّي فيه أصلا بل فيه الراحة ، وهو جلوس حقيقيّ ، فلا يصدق عليه ما في الأخبار أنّه ليس بجلوس.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٦ الصلاة ب ٢٩ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ٦ : ٣٤٩ أبواب السجود ب ٦ ح ٥.

(٢) معاني الأخبار : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٩ أبواب السجود ب ٦ ح ٦.

٣٠٤

وأمّا الثاني : فلموثقة أبي بصير : « لا تقع بين السجدتين إقعاء » (١).

وصحيحة محمّد ، وابن عمّار ، والحلبي : « لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب » (٢).

والإقعاء في الاولى ، وإن كان محتملا للمعنيين ، إلاّ أنّ التقييد بإقعاء الكلب في الثانية يعيّنه فيما ذكر ، بل مقتضى أصالة حمل اللفظ على المعنى اللغوي حتى يثبت النقل أو التجوّز دليل مستقل على وجوب حملهما عليه ، وإنّما يصار إلى كراهة الأوّل لا لأنّه إقعاء ، كما عرفت.

ثمَّ إنّ أكثر روايات المعنى الأوّل مخصوص بالتشهّد ، كما أنّ ما مرّ من روايتي الثاني مخصوصتان بما بين السجدتين.

إلاّ أنّ فتوى الأصحاب بالإطلاق ، ودعوى الشيخ الإجماع في الأوّل (٣) ، بل إطلاق الصحيحة الأولى يثبت تعميمه في مطلق جلوس الصلاة (٤). وكون ما نقل عن الصحيحة عقيب بيان جلوس التشهّد غير مفيد للتخصيص ، وإن كان جريان العلّة المذكورة فيه في التشهّد أظهر ، لأنّ الذكر فيه أكثر ، فيكون موردا للتساوي.

كما أنّ حديث زرارة المروي في مستطرفات السرائر : « لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين ، ولا ينبغي الإقعاء في موضع التشهّدين ، إنّما التشهّد في الجلوس وليس المقعي بجالس » (٥) يثبت كراهة الثاني في التشهد أيضا.

ولا يضرّ البأس المنفي فيها في كراهته فيما بين السجدتين ، لأنّ نفي البأس‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٦ الصلاة ب ٢٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠١ ـ ١٢١٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب السجود ب ٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ ـ ١٢٢٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب السجود ب ٦ ح ٢ ، وفيه : « قالوا : لا تقع ... ».

(٣) الخلاف ١ : ٣٦١.

(٤) راجع ص ٣٠٣ صحيحة زرارة.

(٥) مستطرفات السرائر : ٧٣ ـ ٩ ، الوسائل ٦ : ٣٩١ أبواب التشهد ب ١ ح ١.

٣٠٥

لا ينافي الكراهة.

نعم هو دليل انتفاء التحريم الذي هو مقتضى ظاهر النهي في الموثّقة والصحيحة ، كما ينفى أيضا بعدم القائل ، وبصحيحة الحلبي : « لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين » (١).

فلا شكّ في انتفاء التحريم للمعنى الثاني مطلقا.

وأمّا المعنى الأوّل فانتفاء تحريمه فيما بين السجدتين مجمع عليه أيضا ، ورواية معاني الأخبار المنجبرة ترشد إليه (٢).

وأمّا في التشهّد فقال الشيخ في النهاية : ولا يجوز ذلك في حال التشهّد (٣). وحكي عن الصدوق أيضا (٤).

إلاّ أنّ شذوذ هذا القول وعدم ظهور قائل به عدا من ذكر ، بل قال الحلّي في السرائر : وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا : ولا يجوز الإقعاء في حال التشهّدين ، وذلك يدلّ على تغليظ الكراهة لا الحظر ، لأنّ الشي‌ء إذا كان شديد الكراهة قيل لا يجوز ، ويعرف ذلك بالقرائن. انتهى (٥).

يمنع من المصير إليه ، كما يخرج الخبر الدالّ عليه عن الحجيّة.

ولذلك يشكل القول بالتحريم ، كما اختاره بعض مشايخنا الأخباريين أيضا (٦) ، إلاّ أنّ تركه أحوط جدّا.

وأمّا القول بانتفاء الكراهة ـ كما حكي عن السيّد والمبسوط (٧) ـ فبعيد عن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠١ ـ ١٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ـ ١٢٢٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب السجود ب ٦ ح ٣.

(٢) راجع ص ٣٠٤.

(٣) النهاية : ٧٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٦.

(٥) السرائر ١ : ٢٢٧.

(٦) انظر : الحدائق ٨ : ٣١٧.

(٧) حكاه عنهما في المنتهى ١ : ٢٩٠ ، والمعتبر ٢ : ٢١٨.

٣٠٦

الصواب ، وكأنّ نظرهما إلى ما مرّ من نفي البأس عن الإقعاء في بعض الأخبار. ولا يخفى أنّه لا ينافي الكراهة.

مع أنّ في المبسوط قال : وإن جلس بعد السجدتين وبعد الثالثة مقعيا كان جائزا (١). وهو لا ينافي الكراهة. بل قال في موضع آخر منه : ولا يقعي بين السجدتين (٢).

المسألة الثانية : من كان بجبهته دمّل أو جرح أو ورم : فإن أمكن السجود عليه سجد عليه إجماعا.

وإلاّ : فإن لم يستوعب الجبهة حفر حفيرة أو عمل شيئا من طين أو خشب أو نحوهما ، ويجعل فيها الدمّل ، ويوصل الصحيح من الجبهة على الأرض ، وجوبا ، وفاقا للمشهور ، بل في المدارك : أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (٣).

وهو كذلك ، كما يأتي ، لوجوب مقدمة الواجب ، وموثقة مصادف : « خرج بي دمّل ، فكنت أسجد على جانب ، فرأى أبو عبد الله عليه‌السلام أثره ، فقال : ما هذه؟ قلت : لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمّل ، فإنّما أسجد منحرفا ، فقال : لا تفعل ، ولكن احفر حفيرة ، واجعل الدمّل في الحفيرة ، حتى تقع جبهتك على الأرض » (٤).

والرضوي : « وإن كان في جبهتك علة لا تقدر على السجود ، أو دمّل ، فاحفر حفيرة ، فإذا سجدت جعلت الدمّل عليها » (٥).

وإن استوعبها ، أو لم يمكن إيصال السليم من الجبهة إلى ما يسجد ولو‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٣.

(٢) المبسوط ١ : ١١٨.

(٣) المدارك ٣ : ٤١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٣ الصلاة ب ٢٨ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ـ ٣١٧ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب السجود ب ١٢ ح ١.

(٥) فقه الرضا « ع » : ١١٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٥٩ أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

٣٠٧

بمثل الحفر ، سجد على أحد الجبينين جوازا ، بلا خلاف فيه ، بل بالإجماع ، ووجوبا على الأشهر ، كما صرّح به غير واحد ، بل في المدارك : أنّه قول علمائنا وأكثر العامّة (١) بل ظاهر المحقّق الثاني والأردبيلي : أنّه إجماعي (٢).

فإن ثبت فهو ، وإن لم يثبت بل كان قول بالتخيير بينه وبين ذقنه كما تحتمله عبارة الخلاف (٣) ، فالحكم به مشكل وإن كان هو مقتضى أصل الاشتغال ، لإطلاق المرسلة الآتية (٤).

وأمّا الرضوي والمروي في تفسير القمي الأوّل : « وإن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها ، فاسجد على قرنك الأيمن ، فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر ، فإن تعذّر عليك ، فاسجد على ظهر كفّك ، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك » (٥).

والثاني : رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها؟ قال : « يسجد ما بين طرف شعره ، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن ، وإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر ، وإن لم يقدر فعلى ذقنه » الحديث (٦).

فلا ينفعان ، لضعفهما الخالي عن الجابر ، حيث إنّ مدلولهما الترتيب ، مع أنّ الثاني غير دالّ على الوجوب.

نعم الأحوط تقديم الجبينين ، ولا ترتيب بينهما واجبا ، للأصل ، وضعف المرويّين المذكورين ، ولكنّه مستحبّ لأجلهما. ولو سجد عليهما معا ، بأن يحفر الحفيرة ويجعل فيها القرحة مع إمكانه جاز قطعا ، لصدق السجود على الأيمن.

فإن تعذّر الجبين فيسجد على ذقنه ، وفاقا للأكثر ، بل لغير الصدوقين ، وفي‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤١٧.

(٢) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٠٤ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٦٥.

(٣) الخلاف ١ : ٤١٩.

(٤) في ص ٣٠٩.

(٥) فقه الرضا « ع » : ١١٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٥٩ أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

(٦) تفسير القمي ٢ : ٣٠ ، الوسائل ٦ : ٣٦٠ أبواب السجود ب ١٢ ح ٣.

٣٠٨

المدارك : انعقاد الإجماع عليه (١) ، لمرسلة الكافي : عمن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها ، قال : « يضع ذقنه على الأرض » (٢).

وضعفها ـ لو كان ـ بما مرّ منجبر ، وقصورها عن إفادة الوجوب بأصل الاشتغال يجبر ، فيقال : ثبت الجواز بالمرسلة فتحصل به البراءة وحصولها بغيره غير معلوم.

فإن تعذّر الجميع أومأ ، كما في موضعه مرّ.

خلافا في الثاني للمحكي عن المبسوط والنهاية والجامع (٣) ، فلم يوجبا الحفيرة بل خيّرا بينها وبين أحد الجبينين.

وعندي في نسبة الخلاف إليهما نظر ، لأنّ ظاهرهما التخيير عند تعذّر. السجود على الجبهة مطلقا ، فلم يلتفتا إلى النادر الذي هو إمكان إيصال جزء منها إلى الأرض مع وجود العلّة ، والتخيير حينئذ ممّا ليس فيه ريبة كما مرّت إليه الإشارة.

وكذا ما حكي عن ابن حمزة حيث قدّم السجدة على أحد الجبينين على الحفيرة (٤) ، فإنّ الظاهر أنّه أيضا في صورة الانتقال إلى الجبينين.

نعم يكون هو مخالفا في الثالث إن كان مراد القوم من السجود على أحد الجبينين السجود عليه كيف اتّفق ، ولو بحفر الحفيرة ، وتحقّقه في ضمن السجود على الجبينين معا كما ذكرنا.

ولو كان مرادهم منه السجود على أحدهما فقط فلا يكون خلاف أصلا ، لأنّهم أيضا يقولون بوجوب حفر الحفيرة حينئذ بعد تعذّر السجود على أحد الجانبين ، ولا ينتقلون إلى الذقن مع إمكانه.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤١٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٨ ح ٦ ، الوسائل ٦ : ٣٦٠ أبواب السجود ب ١٢ ح ٢.

(٣) المبسوط ١ : ١١٥ ، النهاية : ٨٢ ، الجامع للشرائع : ٨٤.

(٤) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠١.

٣٠٩

وخلافا في الثالث لطائفة (١) ، فأوجبوا الترتيب ، لما مرّ (٢).

ويدفع بما مرّ.

وفي الرابع للصدوقين ، فمع تعذّر الجبينين أوجبا ظهر الكف ، ومع تعذّره الذقن (٣) ، للرضوي المتقدّم ، المندفع بالضعف الخالي عن الجابر في المورد ، والمعارضة مع المرسل المتقدم ورواية القمّي.

ثمَّ المراد بالذقن مجمع اللحيين ، وهل يجب كشف البشرة؟ فيه وجهان بل قولان ، أظهرهما الثاني ، لصدق السجود على الذقن مع الشعر أيضا ، ولعدم وجوب حلق الشعر لمن يتوقّف الكشف عليه قطعا ، وبعدم القول بالفصل يثبت المطلوب فيمن لا يتوقّف.

وهل يجب وضع الجبين أو الذقن على ما يسجد عليه عند الانتقال إليهما أم لا؟.

فيه نظر ، ومقتضى الأصل الثاني.

المسألة الثالثة : سور العزائم في القرآن أربع : « حم السجدة » ، و « الم تنزيل » ، و « النجم » ، و « اقرأ » ، بالإجماع المحقّق ، والمحكي مستفيضا (٤) ، له ، وللنصوص ، منها : صحيحة ابن سنان : « إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها ، فلا تكبّر قبل سجودك ، ولكن تكبّر حين ترفع رأسك ، والعزائم أربع : حم السجدة ، وألم تنزيل ، والنجم ، واقرأ باسم ربك » (٥).

__________________

(١) كالصدوق في المقنع : ٢٦ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٣٢١.

(٢) راجع ص ٣٠٨ ، الرضوي والمروي في تفسير القمي.

(٣) الصدوق في المقنع : ٢٦ ، وحكاه عن والده في الذكرى : ٢٠١.

(٤) كما في الخلاف ١ : ٤٢٥ ، والمنتهى ١ : ٨٦ ، والمدارك ٣ : ٤١٨ ، وغيرها.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٧ الصلاة ب ٢٢ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ـ ١١٧٠ ، الوسائل ٦ : ٢٣٩ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ١.

٣١٠

ونحوه المروي في مستطرفات السرائر ، وفي آخره : « وكان علي بن الحسين يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة » (١).

والمروي في المجمع : « العزائم : الم تنزيل ، حم السجدة ، والنجم إذا هوى ، واقرأ باسم ربّك ، وما عداها في جميع القرآن مسنون ، وليس بمفروض » (٢) وفي الخصال : « إنّ العزائم أربع : اقرأ باسم ربّك الذي خلق ، والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة » (٣).

ويجب السجود في هذه العزائم بالإجماعين (٤) ، والمستفيضة كرواية أبي بصير : « إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع ، فسمعتها ، فاسجد وإن كنت على غير وضوء وان كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار ، إن شئت سجدت ، وإن شئت لم تسجد » (٥).

وموثّقة سماعة : « إذا قرأت السجدة فاسجد ، ولا تكبّر حتّى ترفع رأسك » (٦).

وصحيحة محمّد : عن الرجل يعلّم السورة من العزائم ، فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد ، قال : « عليه أن يسجد كلّما سمعها ، وعلى الذي يعلّمه أن يسجد » (٧).

والمروي في الدعائم وفيها ـ بعد ذكر العزائم الأربع ـ : « وهذه العزائم لا بدّ من السجود فيها ، وأنت في غيرها بالخيار » (٨).

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٣١ ـ ٢٨ ، الوسائل ٦ : ٢٤٤ أبواب قراءة القرآن ب ٤٤ ح ٢.

(٢) مجمع البيان ٥ : ٥١٦ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٩.

(٣) الخصال : ٢٥٢ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٧.

(٤) انظر : جامع المقاصد ٢ : ٣١١ ، والمدارك ٣ : ٤١٩ ، وكشف اللثام ١ : ٢٣٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٨ الصلاة ب ٢٢ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ـ ١١٧١ ، الوسائل ٦ : ٢٤٠ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ـ ١١٧٥ ، الوسائل ٦ : ٢٤٠ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ـ ١١٧٩ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب قراءة القرآن ب ٤٥ ح ١.

(٨) الدعائم ١ : ٢١٥ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣١٨ أبواب قراءة القرآن ب ٣٥ ح ١.

٣١١

وتستحبّ السجدة في أحد عشر موضعا آخر بالتفصيل الآتي ، بالإجماع أيضا ، كما صرّح به جماعة منهم : الذكرى والمدارك والحدائق والتذكرة وشرح القواعد (١) ، وهو الدليل عليه.

مع المروي في العلل : « إنّ أبي علي بن الحسين عليه‌السلام ما ذكر نعمة الله عليه إلاّ سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله عزّ وجلّ فيها سجدة إلاّ سجد » إلى أن قال : « فسمّي السجّاد لذلك » (٢).

وفي الدعائم : « موضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا : أوّلها آخر الأعراف ، وفي سورة الرعد ( وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) وفي النحل : ( وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) وفي بني إسرائيل ( وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) وفي كهيعص : ( خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) وفي الحج ( إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) وفيها ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) وفي الفرقان ( وَزادَهُمْ نُفُوراً ) وفي النمل ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) وفي تنزيل السجدة ( وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) وفي ص ( وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ ) وفي حم السجدة ( إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) وفي آخر النجم ، وفي إذا السماء انشقت ( وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ) وآخر اقرأ باسم ربّك ـ إلى أن قال : ـ العزائم من سجود القرآن أربع : في الم تنزيل السجدة ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ. وهذه العزائم لا بد فيها من سجود ، وأنت في غيرها بالخيار إن شئت فاسجد ، وإن شئت فلا تسجد ، وكان علي بن الحسين يعجبه أن يسجد فيهن كلهن » (٣).

وعن الصدوق : استحباب السجدة في كل سورة فيها أمر بالسجدة ، قال في الفقيه : ويستحبّ أن يسجد الإنسان في كل سورة فيها سجدة ، إلاّ أنّ الواجب‌

__________________

(١) الذكرى : ٢١٣ ، المدارك ٣ : ٤١٩ ، الحدائق ٨ : ٣٣٢ ، التذكرة ١ : ١٢٣ ، جامع المقاصد ٢ : ٣١١.

(٢) علل الشرائع : ٢٣٢ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٢٤٤ أبواب قراءة القرآن ب ٤٤ ح ١.

(٣) الدعائم ١ : ٢١٤ ـ ٢١٥ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣٢٠ أبواب قراءة القرآن ب ٣٧ ح ١.

٣١٢

في هذه العزائم الأربع (١).

ويومئ إليه المرويان في العلل والمستطرفات المتقدمان (٢).

ويحتمل بعيدا أن يكون مراد الصدوق كالروايتين استحباب السجدة في كل ما أمر فيه بالسجدة ، ويكون المعنى : وتستحبّ السجدة في مواضع السجدة إلاّ في العزائم فتجب ، وحينئذ لا يخالف المشهور.

فروع :

أ : مواضع السجود في العزائم الأربع ، والإحدى عشر الأخر هي آي السجدة المتقدمة ، بالإجماع ، وتدلّ عليه موثّقة الساباطي : عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم ، قال : « إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرؤها » (٣).

فلا تجب في تتمة السورة ، وتدلّ عليه رواية الدعائم المنجبرة ، وأصالة عدم الوجوب أو الاستحباب في غيرها ، إذ لم يثبت في كل إلاّ سجدة واحدة.

وصريح الدعائم أنّه تمام الآية كما صرّح به جملة من الأصحاب ، بل ظاهر الذكرى والبحار والحدائق : اتفاق الأصحاب عليه (٤) ، وبه ينجبر الخبر المذكور ، فهو حجة عليه ، مع أنّه مقتضى الأصل.

وعن المعتبر وفي المنتهى : أنّ موضعه في حم السجدة ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ ) حاكيين له عن الخلاف أيضا (٥) ، وليس كذلك ، بل كلام الخلاف صريح في أنّه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٢) في ص ٣١١ ـ ٣١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ـ ١١٧٧ ، الوسائل ٦ : ١٠٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٣.

(٤) الذكرى : ٢١٤ ، البحار ٨٢ : ١٧٧ ، الحدائق ٨ : ٣٣٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٧٣ ، المنتهى ١ : ٣٠٤.

٣١٣

عقيب الآية (١) ، بل قيل : إنّه ممّا لم يقل به أحد من المسلمين (٢) ، نعم قال بعض العامّة بأنّ موضع السجود ( وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ ) (٣).

واستدل له بأنّه مقتضى فورية الأمر بالسجود ، بل قيل : إنّ ظواهر الأخبار هو السجود عند ذكر السجدة ، لتعلق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها ، والمتبادر منها هو لفظ السجدة ، والحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير (٤).

ويردّ بما مرّ من الدعائم ، والمروي في المجمع : إنّ السجود في سورة فصّلت عند قوله ( إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) (٥).

ويجاب عن فورية الأمر ـ مضافا إلى منعها ـ بأنّه لم يتعلق حينئذ أمر الله سبحانه حتى تجب المسارعة إليه ، فإنّه لا مدخليّة لتلاوة القارئ في تعلّق الأمر أصلا ، فلو اقتضى الأمر الفورية كان تجب السجدة بمجرد بلوغ كل أحد بعد اطلاعه على أمر الله سبحانه وإن لم يسمع آيها ، مع أنّ هذا القدر من التأخير لا ينافي الفورية.

وعن ظواهر الأخبار بأنّ لفظ السجدة مجاز في كلّ من لفظها والآية المتضمّنة للفظها والسورة المتضمّنة لآيتها ، والحمل على كلّ واحد منها يحتاج إلى دليل ، وإن لم يكن يؤخذ بالمتيقن وجوب السجدة عنده ، وهو الفراغ عن الآية.

ثمَّ إنّه هل يجوز التقديم عليه والسجدة عند قوله تعالى ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ )

__________________

(١) قال في الخلاف ١ : ٤٢٩ : موضع السجود في حم السجدة عند قوله ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) ثمَّ قال : وأيضا قوله تعالى ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) أمر والأمر يقتضي الفور عندنا وذلك يوجب السجود عقيب الآية. منه رحمه‌الله.

(٢) قال في الذكرى ص ٢١٤ : فما قاله في المعتبر لا قائل به.

(٣) انظر : أحكام القرآن لابن العربي ٤ : ١٦٦٤ ، أحكام القرآن للقرطبي ١٥ : ٣٦٤ ، احكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٨٥ ، المجموع ٤ : ٦٠.

(٤) انظر : الحدائق ٨ : ٣٣٤.

(٥) مجمع البيان ٥ : ١٥ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٨.

٣١٤

أم لا ، بمعنى أنّه لو قدّمها لم يجز عن الواجب؟

مقتضى أصالة عدم الوجوب قبل تمام الآية ، وأصالة الاشتغال : الثاني.

ومنه يظهر عدم وجوب السجدة بتلاوة بعض الآية ما لم يتمّها ، بل عدم وجوبها بتلاوة ما بعد لفظ السجدة إلى آخر الآية فقط ، فلا تجب إلاّ بقراءتهما معا ، بل يمكن أن يقال بعدم وجوبها إلاّ بقراءة تمام الآية لو لا الإجماع على وجوبها بقراءة لفظ السجدة وما بعدها.

ب : استحباب السجود في المواضع الإحدى عشر على القارئ والمستمع والسامع إجماعيّ ، كما في التذكرة وشرح القواعد وغيرهما (١) ، له ، ولإطلاق بعض ما مرّ ، كرجحانه للأخير ، ووجوبه على الأوّلين في العزائم.

والحقّ أنّها لا تجب فيها على السامع ، وفاقا للشيخ وتهذيب النفس للفاضل والشرائع والمنتهى والقواعد والتذكرة (٢) ، بل في الخلاف : الإجماع عليه (٣).

للأصل ، ورواية بن سنان : عن رجل يسمع السجدة تقرأ ، قال : « لا يسجد إلاّ أن يكون منصتا لقراءته مستمعا لها أو يصلّي بصلاته ، فأمّا أن يكون يصلّي في ناحية وأنت تصلّي في ناحية أخرى ، فلا تسجد لما سمعت » (٤).

ولا توهن الرواية بتضمّنها وجوب السجود إذا صلّى بصلاة التالي لها ، مع أنّه لا تجوز قراءة العزيمة في الفريضة ، ولا الائتمام في النافلة.

لجواز الائتمام في بعض النوافل كالاستسقاء والعيدين والغدير ، أو كون‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٢٣ ، جامع المقاصد ٢ : ٣١١ ، وانظر : كشف اللثام ١ : ٢٣٠.

(٢) الشيخ في الخلاف ١ : ٤٣١ ، الشرائع ١ : ٨٧ ، المنتهى ١ : ٣٠٤ ، القواعد ١ : ٣٥ ، التذكرة ١ : ١٢٣.

(٣) الخلاف ١ : ٤٣١.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٨ الصلاة ب ٢٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ـ ١١٦٩ ، الوسائل ٦ : ٢٤٢ أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ١.

٣١٥

الصلاة خلف المخالف المجوّز لقراءة العزيمة في الفريضة ، مع أنّ صدر الخبر يكفي في الاستدلال.

ثمَّ بهذه الرواية يخصّص عموم ما دلّ على الوجوب بمطلق السماع الشامل للاستماع وغيره ، لكونها أخصّ منه مطلقا.

وجعل التعارض بالعموم من وجه ـ لشمولها للسجدات المستحبّة أيضا ـ باطل ، لعدم تفاوت الحكم الثابت لها إجماعا ، فلا يلائم التفصيل القاطع للشركة ، مع أنّه عليه أيضا يثبت عدم الوجوب ، للأصل.

وترجيح الموجب ـ لمخالفته العامة ـ باطل ، لأنّه وإن خالف قول مالك وأحمد وبعض آخر (١) ، ولكنه يوافق أبا حنيفة بل الشافعي وابن عمر والنخعي وسعيد بن جبير وبعضا آخر (٢).

فالقول بالوجوب على السامع أيضا ـ كما ذهب إليه جماعة (٣) ، بل في السرائر الإجماع عليه (٤) ـ غير سديد.

ج : لا يستحبّ التكبير لهذه السجدة ، وفي المدارك : إجماع الأصحاب على عدم مشروعيته (٥) ، للأصل ، وصحيحة ابن سنان وموثّقة سماعة المتقدمتين (٦).

وعن أكثر العامّة القول بوجوبه قبلها (٧).

نعم يستحبّ التكبير إذا رفع رأسه منها ، للصحيحة ، والموثّقة ، ومرسلة الفقيه : « يقول في سجدة العزائم : لا إله إلاّ الله حقّا حقّا ، لا إله إلاّ الله إيمانا‌

__________________

(١) انظر : المغني ١ : ٦٨٨ ، وعمدة القارئ ٧ : ١٠٤.

(٢) انظر : المغني ١ : ٦٨٨ ، وعمدة القارئ ٧ : ١٠٤.

(٣) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣١١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٢.

(٤) السرائر ١ : ٢٢٦.

(٥) المدارك ٣ : ٤٢٠.

(٦) في ص ٣١٠ ـ ٣١١.

(٧) كما في المغني ١ : ٦٨٦.

٣١٦

وتصديقا ، لا إله إلاّ الله عبودية ورقّا ، سجدت لك يا ربّ تعبّدا ورقّا لا مستنكفا ولا مستكبرا ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير. ثمَّ يرفع رأسه ثمَّ يكبّر » (١).

وعن ظاهر الخلاف والمبسوط والذكرى وبعض آخر : وجوب هذا التكبير ، لظاهر الأمر (٢).

ويجاب عنه : بمنع كونه أمرا وإنّما هو إخبار يحتمل الأمرين.

ولو كان أمرا يحمل على الاستحباب ، للمرويين في مستطرفات السرائر والدعائم ، المنجبرين بالشهرة ، الأوّل : عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال : « ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ، ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود » (٣).

والثاني : « ويسجد وإن كان على غير طهارة ، وإذا سجد فلا يكبّر ، ولا يسلّم إذا رفع ، وليس في ذلك غير السجود ، ويدعو في سجوده ما تيسّر من الدعاء » (٤).

ومقتضى الأصل والروايتين ـ كفتاوى الأصحاب ـ خلوّ هذه السجدة عن التشهد والتسليم.

د : لا يشترط فيها الطهارة عن الحدث الأصغر ، ولا الأكبر ، ولا الخبث ، ولا ستر العورة ، ولا استقبال القبلة ، وفاقا في الجميع للأكثر ، بل في المنتهى : الإجماع على الأوّلين (٥) ، وفي التذكرة : على عدم اشتراط ما يشترط في الصلاة (٦).

للأصل في الكل.

والمرويّ في المستطرفات : فيمن قرأ السجدة وعنده رجل على غير وضوء ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠١ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ٢.

(٢) الخلاف ١ : ٤٣٢ ، المبسوط ١ : ١١٤ ، الذكرى : ٢١٤ ، وانظر : كفاية الأحكام : ٢٠.

(٣) مستطرفات السرائر : ٩٩ ـ ٢٢ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ٣.

(٤) الدعائم ١ : ٢١٥ ـ ٢١٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣١٨ أبواب قراءة القرآن ب ٣٥ ح ٢.

(٥) المنتهى ١ : ٣٠٥.

(٦) التذكرة ١ : ١٢٣.

٣١٧

قال : « يسجد » (١) وفيه أيضا : يقرأ الرجل السجدة وهو على غير وضوء ، قال : « يسجد » (٢) في الأوّل.

وموثّقة أبي بصير : « الحائض تسجد إذا سمعت السجدة » (٣) وصحيحة الحذّاء : عن الطامث تسمع السجدة ، قال : « إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها » (٤) في الثاني.

وروايتي الدعائم وأبي بصير ـ المتقدمتين ـ فيهما معا.

والمروي في العلل : عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابّته ، قال : « يسجد حيث توجهت به » (٥) في الأخير في الجملة.

خلافا في الأوّل لنهاية الشيخ ، حيث لم يجوّزها للحائض (٦).

والمقنعة ، حيث علّل منع الجنب والحائض عن قراءة العزائم بقوله : لأنّ فيها سجودا واجبا ، ولا يجوز السجود إلاّ لطاهر من النجاسات بلا خلاف (٧). انتهى.

والظاهر أنّ مراده النجاسة الحدثية ، وإلاّ لم يتمّ التعليل.

وهو ظاهر الانتصار أيضا ، حيث قال ـ في بيان الفرق بين العزائم وغيرها ، في المنع عن قراءة الجنب والحائض الأولى دون غيرها ـ : ويمكن أن يكون الفرق بين عزائم السجود وغيرها أنّ فيها سجودا واجبا لا يكون إلاّ على طهر (٨). انتهى.

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٢٩ ـ ١٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٥.

(٢) مستطرفات السرائر : ٢٨ ـ ١٢ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٨ الصلاة ب ٢٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ـ ١١٦٨ ، الوسائل ٦ : ١٠٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٨ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٠٦ الحيض ب ١٨ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٢٩ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٤٠ أبواب الحيض ب ٣٦ ح ١.

(٥) علل الشرائع : ٣٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٢٤٨ أبواب قراءة القرآن ب ٤٩ ح ١.

(٦) النهاية : ٢٥.

(٧) المقنعة : ٥٢.

(٨) الانتصار : ٣١.

٣١٨

ونسب إلى الإسكافي أيضا ، وفيه كلام ، لأنّه قال : غير الطاهر يتيمم (١). وإرادة الاستحباب ممكنة.

لنفي الخلاف المتقدّم في كلام المفيد ، ولصحيحة البصري : عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال : « تقرأ ولا تسجد » وفي بعض النسخ : « لا تقرأ ولا تسجد » (٢).

والمرويّ في السرائر : « لا تقضي الحائض الصلاة ، ولا تسجد إذا سمعت السجدة » (٣).

ويضعّف الأوّل : بعدم الحجيّة.

والروايتان : بعدم الدلالة على الحرمة. نعم تصلحان لإثبات جواز الترك واشتراط الطهارة في الوجوب ـ كما ذهب إليه في التهذيبين (٤) ـ لو لا معارضتهما مع ما مرّ ، وأمّا معها فتخصّصان به ، لكون بعضه أخصّ من جهة اختصاصه بالعزائم والقارئ والمستمع ، وعمومهما ، فتحملان على نفي الوجوب في غير العزيمة أو السامع.

وفي الثالث لمحتمل كلام المقنعة كما مرّ ، بحمل النجاسة على الخبثية ، وتوجيه الاستدلال بعدم خلوّ الجنب عنها غالبا.

ولا دليل له سوى ما مرّ من نفي الخلاف الظاهر ضعفه.

وفي الأخير للمرويّ في الدعائم : « إذا قرأت السجدة وأنت جالس فاسجد متوجّها إلى القبلة ، وإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد حيث توجّهت » (٥).

__________________

(١) انظر : الذكرى : ٢١٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ـ ١١٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ـ ١١٩٣ ، الوسائل ٢ : ٣٤١ أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٤.

(٣) مستطرفات السرائر : ١٠٥ ـ ٤٧ ، الوسائل ٢ : ٣٤٢ أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ـ ١١٧٢ ذ. ح ، والاستبصار ١ : ٣٢٠ ـ ١١٩٣ ذ. ح.

(٥) الدعائم ١ : ٢١٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣٢٦ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ١.

٣١٩

ولكن ضعفه يمنع عن إثبات الحكم المخالف للأصل به ، فيحكم بالاستحباب.

هـ : هل يشترط في هذه السجدة وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، وعدم ارتفاع موضعها عن الموقف بأزيد من اللبنة ، ووضع سائر المساجد السبعة؟

ظاهر جماعة منهم : الذكرى وشرح القواعد والمدارك (١) : التوقّف من حيث إطلاق اشتراط الثلاثة في السجود كما مرّ ، ومن حيث انصراف مطلق السجود إلى الشائع منه وهو سجدة الصلاة.

وقد ذكرنا في موضعه أنّ هذا الانصراف إنّما هو فيما إذا بلغ الشيوع حدّا يصلح قرينة للتجوّز وإرادة الفرد الخاصّ من المطلق بأن يكون صارفا للّفظ إليه ، وهو في المورد ممنوع.

فالقول بالاشتراط قويّ.

نعم لا يشترط خلوّ موضع السجدة عن النجاسة ، لأنّ دليله إمّا الإجماع الغير الثابت هنا ، أو أخبار مخصوصة بالصلاة ، أو عامّة ضعيفة خالية عن الجابر في المقام.

و : صرّح جماعة من الأصحاب بفوريّة هذه السجدة ، بل في شرح القواعد عزاه إلى أصحابنا (٢) ، وفي المدارك : الإجماع عليه (٣) ، وفي الحدائق : نفي الخلاف عنه (٤).

وتدلّ عليه من الأخبار موثّقة أبي بصير : « إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ‌

__________________

(١) الذكرى : ٢١٤ ، جامع المقاصد ٢ : ٣١٣ ، المدارك ٣ : ٤٢٠.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٣١٣.

(٣) المدارك ٣ : ٤٢١.

(٤) الحدائق ٨ : ٣٣٩.

٣٢٠