مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

وهو يكبّر » (١).

وفي الحسن : « إذا سجدت فكبّر وقل اللهمّ سجدت » (٢) الحديث ، أي : إذا أردت السجود ، إذ لا تكبير بعد الدخول فيه مستحبا إجماعا.

استحبابا على الأشهر الأظهر.

خلافا لشاذّ فأوجبه (٣).

وتحقيقه في الركوع قد مرّ.

ويجوز كونه حال القيام أو الهويّ ، كما صرّح به جماعة منهم الخلاف والمنتهى (٤).

ويستحبّ كونه في حال القيام لما في المنتهى من أنّ عليه فتوى علمائنا (٥) ، بل هو ظاهر المعتبر أيضا (٦) ، ومثله كاف في مقام الاستحباب.

وأمّا الاستدلال عليه بالروايات الثلاث الاولى فغير تامّ ، لعدم دلالة الأوليين منها على ترتيب ، والثالثة تثبت الترتيب بين التكبير والسجود لا بينه وبين الهويّ ، وأمّا بالرابعة فكان حسنا لو لا معارضتها مع الخامسة ، كما أنّ الاستدلال بالخامسة ، على استحباب البدأة به قائما والانتهاء به مع مستقرّه ساجدا ، لا يتمّ لذلك أيضا.

الثاني : التكبير بعد الرفع من السجدة الأولى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٦ الصلاة ب ٢٩ ح ٥ ، الوسائل ٦ : ٣٨٣ أبواب السجود ب ٢٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢١ الصلاة ب ٢٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ ـ ٢٩٥ ، الوسائل ٦ : ٣٨٣ أبواب السجود ب ٢٤ ح ١.

(٣) انظر : المراسم : ٧١ ، والذكرى : ١٩٨.

(٤) الخلاف ١ : ٣٥٣ ، المنتهى ١ : ٢٨٨.

(٥) المنتهى ١ : ٢٨٨.

(٦) المعتبر ٢ : ٢١٠.

٢٨١

الثالث : التكبير للسجدة الثانية ، لفتوى الفقهاء ، وصحيحة حمّاد : ثمَّ رفع رأسه من السجود ، فلمّا استوى جالسا قال : الله أكبر ، ثمَّ قعد على فخذه الأيسر. إلى أن قال : ـ ثمَّ كبّر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الأولى (١).

وللمرويّ في الاحتجاج وكتاب الغيبة : عن المصلي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ويجزئه أن يقول : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ، فوقّع عليه‌السلام : « إنّ فيه حديثين ، أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير ، وأمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثمَّ جلس ثمَّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود التكبير ، وكذلك التشهد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من جهة التسليم [ كان صوابا ] » (٢).

وتدلّ على الثانية رواية زرارة الثالثة أيضا.

الرابع : التكبير بعد الرفع من الثانية ، لفتوى الأصحاب ، ولرواية الاحتجاج.

وتؤيّده الروايات المصرّحة بأنّ تكبيرات الصلاة خمس وتسعون (٣).

وإنّما جعلناها مؤيّدة لاحتمال تبديل هذا التكبير بالتكبير بعد الرفع عن الركوع.

والمشهور استحباب كلّ من الثلاثة حال الاستواء جالسا ، وهي وإن صلحت لإثباته ، سيّما مع تكبير الإمام الأوّلين جالسا (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١١ ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، الوسائل ٥ : ٥٤٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الاحتجاج : ٤٨٣ ، الغيبة : ٢٣٢. ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) انظر : الوسائل ٦ : ١٨ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥.

(٤) راجع صحيحة حمّاد المذكورة آنفا.

٢٨٢

إلاّ أنّه روى السيد في مصباحه مرسلا : إنّه إذا كبّر للدخول في فعل من الصلاة ابتدأ بالتكبير حال ابتدائه ، وللخروج بعد الانفصال عنه.

وبه تعارض الشهرة والصحيحة.

مع أنّ في دلالة الصحيحة على الاستحباب نظرا ، لجواز عدم كونه كذلك من العبادة ، فإنّه لا بدّ من الإتيان به في حال.

فالوجه تساوي الأمرين في الثلاثة بل الأربعة ، بل الأولى في الرابع إتمامه قبل الجلوس ، لصريح رواية الاحتجاج ، ولعدم تلازم بين استحبابه وجلسة الاستراحة فمع تركها لا يكون جلوس ، نعم يستحبّ تكبير الركوع حال القيام لخصوصية دليله.

الخامس : أن يبدأ بيديه في الهويّ للسجود ، فيضعهما على الأرض قبل ركبتيه ، إجماعا كما في الخلاف والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام (١) ، له ، وللنصوص كصحيحة زرارة : « وابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك ، فضعهما معا » (٢).

وصحيحتي محمّد (٣) ، ورواية ابن أبي العلاء (٤) ، وقد يحمل عليه حديث التخوّي الآتي أيضا (٥).

وظاهر الأمر في الأوّل وإن كان الوجوب ، كما عن أمالي الصدوق مدّعيا في ظاهر كلامه الإجماع عليه (٦).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥٤ ، المنتهى ١ : ٢٨٨ ، التذكرة ١ : ١٢١ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٩٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٨ ـ ٢٩١ و ٢٩٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٥ ـ ١٢١٥ و ١٢١٧ ، الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب السجود ب ١ ح ١ و ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٨ ـ ٢٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٥ ـ ١٢١٦ ، الوسائل ٦ : ٣٣٨ أبواب السجود ب ١ ح ٤.

(٥) انظر : ص ٢٨٧ الهامش ٢.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٢.

٢٨٣

إلاّ أنّه مدفوع بصحيحة البصري : عن الرجل إذا ركع ثمَّ رفع رأسه ، أيبدأ فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟ قال : « لا يضرّ ، أيّ ذلك بدأ فهو مقبول » (١).

وموثقة أبي بصير : « لا بأس إذا صلّى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه » (٢).

وظاهر الصحيحة الأولى استحباب وضع اليدين معا كما صرّح به في الذكرى (٣) ، بل قيل : إنّه المشهور (٤) ، وفي رواية مذكورة في بعض كتب الأصحاب : إنّه يضع اليمنى قبل اليسرى (٥) ، وهو اختيار الجعفي.

والتخيير بينهما وجه الجمع وإن كان العمل بالأوّل أولى ، لشهرته وصحّة روايته.

السادس : التجنّح ، بمعنى تجافي الأعضاء حال السجود ، بأن يجنح بمرفقيه ويرفعهما عن الأرض ، مفرّجا بين عضديه وجنبيه ، ومبعّدا يديه عن بدنه ، وجاعلا يديه كالجناحين ، بالإجماع كما قيل (٦) ، له ، ولصحيحة زرارة : « لا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ، ولا تضعنّ ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح بمرفقيك » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠٠ ـ ١٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ ـ ١٢١٩ ، الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب السجود ب ١ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٨ ـ ٢٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ ـ ١٢١٨ ، الوسائل ٦ : ٣٣٨ أبواب السجود ب ١ ح ٥.

(٣) الذكرى : ٢٠١.

(٤) كما في الحدائق ٨ : ٢٩٢.

(٥) انظر : الذكرى : ٢٠٢.

(٦) انظر : الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٩.

(٧) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

٢٨٤

وصحيحة حمّاد الواردة في التعليم (١).

والمروي عن جامع البزنطي : « إذا سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط السبع ذراعيه ، ولكن اجنح بهما ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجنح بهما حتّى يرى بياض إبطيه » (٢).

وعن الإسكافي : أفضليّة عدم التجنّح (٣) ، وهو بما مرّ محجوج.

هذا للرجل ، وكذا سابقة.

وأمّا المرأة فتسبق في هويّها بالركبتين وتبدأ بالقعود ، ثمَّ تضع يديها على الأرض ، وتفترش ذراعيها حال السجود ، لأنّه أستر ، ولحسنة زرارة : « فإذا جلست فعلى أليتيها ، ليس كما يقعد الرجل ، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ، ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض » (٤).

وصحيحة ابن أبي يعفور : « إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها » (٥).

ومرسلة ابن بكير : « المرأة إذا سجدت تضمّمت ، والرجل إذا سجد تفتّح » (٦).

السابع : ضمّ الأصابع جميعا حال وضعها على الأرض ، لظاهر الوفاق كما في المعتمد ، ولقوله في صحيحة زرارة : « ولا تفرّجنّ بين أصابعك في سجودك ولكن‌

__________________

(١) انظر : الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، التهذيب ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٢.

(٢) رواه عنه في البحار : ٨٢ : ١٣٧ ـ ١٨.

(٣) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٥ الصلاة ب ٢٩ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٤ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٥ : ٤٦٢ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٦ الصلاة ب ٢٩ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٩٤ ـ ٣٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٤١ أبواب السجود ب ٣ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٦ الصلاة ب ٢٩ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٩٥ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب السجود ب ٣ ح ٣.

٢٨٥

ضمّهنّ جميعا » (١).

وفي صحيحة حمّاد : وبسط كفّيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه (٢).

وإطلاقهما يقتضي ضمّ الإبهام أيضا.

وعن الإسكافي : استحباب تفريقها عنها (٣) ، ولا أعرف مأخذه إلاّ المروي في كتاب النرسي بإسناده عن سماعة : إنّه رأى أبا عبد الله عليه‌السلام إذا سجد بسط يديه على الأرض بحذاء وجهه ، وفرّج بين أصابع يديه (٤).

وهو لا يختصّ بالإبهامين ، ومع ذلك لا يفيد ، لأنّ القول مقدم على الفعل عند التعارض ، فيحمل على الجواز.

مستقبلا بها إلى القبلة ، للرضوي : « وضمّ أصابعك ، وضعها مستقبل القبلة » (٥).

الثامن : وضع اليدين طولا ـ أي : فيما بينه وبين القبلة ـ : حيث يحاذي وجهه لا متجاوزا عنه إلى القبلة ، ولا غير واصل إليه قريبا إلى سمت الركبة ، وعرضا : بين يدي الركبتين ، لا قريبا من الوجه ، ولا متجاوزا عن مقابلة الركبتين إلى اليمين والشمال ، لصحيحة حمّاد المتقدّمة ، فقوله : « بين يدي ركبتيه » بيان لجهة العرض ، أي : يضعهما حيث يقابل الركبتين من غير تجاوز إلى يمينهما أو شمالهما ، وقوله : « حيال وجهه » بيان لجهة الطول ، أي حيث يحاذي الوجه ، لا أقرب إلى الركبة منه ، ولا إلى القبلة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠٣.

(٤) رواه عنه في البحار ٨٢ : ١٤٠ ـ ٢٧.

(٥) فقه الرضا (ع) : ١٠٢ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٨٧ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٧.

٢٨٦

أو وضعهما طولا : حيث لم يصل حذاء الوجه ، بل بحيث يحاذي المنكبين ، وعرضا : حيث ينحرف عن بين يدي الركبتين قليلا إلى اليمين والشمال ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « ولا تلصق كفّيك بركبتيك ، ولا تدنهما من وجهك ، بين ذلك حيال منكبيك ، ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ، ولكن تحرّفهما عن ذلك شيئا » (١).

فيكون قوله : « ولا تلصق » إلى قوله : « حيال منكبيك » بيانا لجهة الطول ، وما بعده للعرض.

مخيّرا بين الطريقين ، للخبرين. مع أولوية الثاني ، لقوليّة روايته وإن ضمّ مع فعليّة الأوّل قوله أخيرا : « هكذا صلّ ».

ويمكن أن يحمل الثاني على ما يطابق الأوّل أيضا ، بأن يحمل قوله : « ولا تلصق » على بيان جهة الطول كما هو كذلك ، وقوله : « ولا تدنهما » على جهة العرض ، وقوله : « حيال منكبيك » على جهة العرض أيضا حيث إنّه يطابق حذاء الوجه عرضا ، وقوله : « ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك » أي : وسطهما ، بل تحرفه عن الوسط إلى محاذاة الركبتين ، ولكنّه تكلّف ، ومع ذلك يلغو قوله : « بين ذلك » فتأمّل.

التاسع : أن يجافي بطنه ، أي : رفعه عن الأرض ، لأنّه معنى التخوّي الثابت رجحانه من الأخبار (٢) ، ولقوله في مرسلة ابن بكير المتقدم : « والرجل إذا سجد تفتّح » (٣) ولفتوى الأصحاب.

العاشر : قبض اليدين إليه بعد بسطه على الأرض ، وهو عند رفع الرأس ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٣٤١ أبواب السجود ب ٣.

(٣) راجع ص ٢٨٥.

٢٨٧

ويحتمل وجهين :

أحدهما : ما ذكره والدي ـ رحمه‌الله ـ وهو أن يضمّها إلى جانبه بعد الرفع ، ثمَّ يرفعهما بالتكبير ، حتّى يكون رفعهما بالتكبير غير رفعهما عن الأرض ، ولا يتحقّق الرفعان برفع واحد.

والثاني : أن يكون المراد قبض الكفين بجمعهما ، كمن يأخذ في قبضته شيئا.

ولم أعثر على مصرّح باستحبابه ، والظاهر أنّ في معناه إجمالا ، لا يمكن أن يتمسك به لأحد الوجهين.

وأمّا حمله على أنّ المراد ضمّهما إلى الجانب ووضعهما على الركبتين ثمَّ بالتكبير ، فلا يستفاد من القبض.

وأمّا قول الصدوق : وإذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه إليه قبضا ، فإذا تمكّن من الجلوس رفعهما بالتكبير (١).

فلا يفيد ذلك المعنى ، كما توهّم (٢).

الحادي عشر : رفع اليدين للسجدتين والرفعين ، للروايات المتقدمة في الركوع (٣).

وصريح الصحيحين رفعهما بالتكبير عند السجود الاولى ، والأولى جعلهما كذلك في البواقي أيضا.

الثاني عشر : أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه ، لما مرّ (٤).

__________________

(١) كما في الفقيه ١ : ٢٠٦.

(٢) انظر : الحبل المتين : ٢١٣.

(٣) انظر : الوسائل ٦ : ٢٩٦ أبواب الركوع ب ٢.

(٤) راجع ص ٢٧٢.

٢٨٨

وأمّا الأخفضيّة ـ كما في الشرائع (١) ـ فلا دليل على رجحانه.

الثالث عشر : وضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه ، لصحيحة حمّاد التعليمية (٢) ، وموثقة عمّار : « لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف فيها ما يصيب الجبين » (٣).

ورواية ابن المغيرة : « لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه » (٤).

وظاهر الروايتين وإن كان الوجوب ، إلاّ أنّ عدم قائل به ينفيه ، ويوجب حمله على الاستحباب ، وأمّا الصدوق فظاهر كلامه وجوب الإرغام (٥) ، كما يأتي.

وأمّا نفي الوجوب هنا بخبر ابن مصادف ـ المنجبر بالشهرة بل الإجماع حقيقة ـ : « إنّما السجود على الجبهة ، وليس على الأنف سجود » (٦) وبما يصرّح بظاهر الحصر فيما قال : « السجود على سبعة أعظم » (٧).

فإنّما يفيد لو قلنا بعدم دخول الاعتماد في معنى السجود ، وصدقه بمطلق الإصابة.

وأمّا إذا قلنا بدخوله فيه ـ كما صرّح به جماعة منهم شيخنا البهائي ، ولذا جعل السجود أعمّ من وجه من الإرغام (٨) ـ فلا تنافي ، إذ نفي وجوب السجود‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٨٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ ، ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ ، ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٨ ـ ١٢٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ـ ١٢٢٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب السجود ب ٤ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٣ الصلاة ب ٢٨ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٣٤٥ أبواب السجود ب ٤ ح ٧.

(٥) قال في الفقيه ١ ص ٢٠٥ : ومن لا يرغم أنفه فلا صلاة له. وقال في الهداية ص ٣٢ : والإرغام بالأنف سنّة ومن تركها لم يكن له صلاة.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٨ ـ ١٢٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ ـ ١٢٢٠ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب السجود ب ٤ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٩٩ ـ ١٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ـ ١٢٢٤ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب السجود ب ٤ ح ٢.

(٨) انظر : نهاية الإحكام ١ : ٤٨٩ ، والذكرى : ٢٠١ ، والحدائق ٨ : ٢٩٦ نقلا عن الشيخ البهائي.

٢٨٩

بذلك المعنى لا ينفي الإصابة والإرغام.

وقد يستدلّ (١) على نفي الوجوب بقوله في صحيحة حمّاد ، وقوله في صحيحة زرارة : إنّ الفرض سبعة ، والإرغام سنّة (٢).

وهو شبهة ، لأنّ السنّة في مقابل الفرض ما ليس في كتاب الله سبحانه ، كما تصرّح به صحيحة حمّاد أيضا (٣).

ويستحب إرغامه ، أي وضعه على الرغام وهو التراب ، لصحيحة زرارة ، وفيها بعد ذكر الأعضاء السبعة : « وترغم بأنفك إرغاما ، فأمّا الفرض فهذه السبعة ، وأمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤).

والرضوي : « وترغم بأنفك ومنخريك في موضع الجبهة ، من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم » (٥).

والظاهر أنّه مستحب في مستحب ، أي يستحبّ مع وضع الأنف على ما يصحّ السجود ، وضعه على التراب بخصوصه أيضا ، لورود الأمرين.

فهو سنّة مغايرة للأوّل ، كما صرّح به شيخنا البهائي (٦) ، ونقله عن بعض مؤلّفات الشهيد.

وعن الشهيدين ، ومن تأخّر عنهما : إنّ هنا مستحبا واحدا ، هو وضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه من إرغام أو غيره (٧). قيل : لأنّ مزيّة الأنف على الجبهة غير معقولة.

__________________

(١) انظر : جامع المقاصد ٢ : ٣٠٦.

(٢) انظر : الهامش (٢) من الصفحة السابقة و(٤) من هذه الصفحة.

(٣) وتصرّح به أيضا صحيحة زرارة كما ستأتي.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٩ ـ ١٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ـ ١٢٢٤ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب السجود ب ٤ ح ٢.

(٥) فقه الرضا (ع) : ١١٤.

(٦) حكاه عنه في الحدائق ٨ : ٢٩٦.

(٧) كما في الدروس ١ : ١٨١ ، والمسالك ١ : ٣٢ ، وروض الجنان : ٢٧٧. وانظر : الذخيرة : ٢٨٦.

٢٩٠

ويضعّف بأنّ هذا إذا خصّصنا الأنف بالإرغام وإلاّ فيساوي الجبهة ، لأنّ وضعها على التراب أيضا مستحبّ.

وقيل : لأنّ التغيير في التعبير في الأخبار ـ من لفظ الإرغام في بعض والسجود في بعض ـ من باب المسامحة ، وإلاّ فالمراد واحد ، وهو وضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه ، وذكر الإرغام إنّما هو من حيث أفضليّة السجود على الأرض بالجبهة ، والأنف تابع لها (١).

وفيه ما فيه : فإنّ بعد أفضليّة السجود على الرغام لا يكون المستحبّ أمرا واحدا.

ثمَّ ظاهر إطلاق الأخبار إجزاء إصابة الأنف المسجد بأيّ جزء اتّفق.

والسيّد ، والحلّي عيّنا العرنين منه (٢) ، ولعلّ مأخذه رواية العيون الآتية (٣) ، ولكنّها لا تدلّ على اختصاص الموضوع بالعرنين ، فلعلّه كان يضع مجموع الأنف ، وإن حصل الأثر في العرنين ، لأنّه أقرب إلى التأثير ، فتأمّل.

ويحتمل إرادتهما الإجزاء لا التعيين.

ويؤيّد المشهور بالرضوي المتقدّم ، حيث إنّ ظاهره كفاية وضع الأنف بأيّ جزء منه حتى المنخرين.

وفيه : أنّ الظاهر أنّ قوله فيه : « ومنخريك » غلط النسّاخ ، وإن كان كذلك في كلّ نسخة منه رأيناه ، إذ لا معنى صحيحا له.

والظاهر أنّه « ويجزيك .. ». ويؤيّده أنّ مقتضاه ـ من اعتبار قدر الدرهم في موضع الجبهة ـ هو فتوى الصدوق (٤) ، المطابقة لعبارات ذلك الكتاب غالبا.

__________________

(١) انظر : الحدائق ٨ : ٢٩٧.

(٢) السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٢ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٢٥.

والعرنين هو كل شي‌ء أوّله ، وعرنين الأنف : تحت مجتمع الحاجبين وهو أوّل الأنف حيث يكون فيه الشمم. انظر : الصحاح ٦ : ٢١٦٣.

(٣) انظر : ص ٢٩٤.

(٤) كما في المقنع : ٢٦.

٢٩١

الرابع عشر : أن يكون ذكره تسبيحا ، على ما مرّ في الركوع عددا وكيفيّة (١) ، إلاّ بتبديل العظيم بالأعلى.

الخامس عشر : الدعاء أمام الذكر‌ بما في حسنة الحلبي : « إذا سجدت فكبّر ، وقل : اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، وعليك توكّلت ، وأنت ربي ، سجد وجهي للّذي خلقه ، وشقّ سمعه وبصره ، الحمد لله ربّ العالمين ، تبارك الله أحسن الخالقين. ثمَّ قل : سبحان ربّي الأعلى وبحمده. فإذا رفعت رأسك ، فقل بين السجدتين : اللهمّ اغفر لي ، وارحمني وأجرني ، وادفع عنّي ، إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير ، تبارك الله ربّ العالمين » (٢).

أو بما في الرضوي ، وهو كما سبق ، إلى قوله : « أنت ربي ، سجد لك وجهي وشعري وبشري ومخّي ولحمي ودمي وعصبي وعظامي ، سجد وجهي البالي الفاني الذليل المهين ، للّذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره ، تبارك الله أحسن الخالقين ، سبحان ربّي الأعلى وبحمده ـ إلى أن قال : ـ وقل بين سجدتيك : اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني ، فإنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير. ثمَّ اسجد الثانية ، وقل فيه ما قلت في الأولى » الحديث (٣).

ويستحبّ أن يقول في السجدات الأربع ( الأولى ) (٤) قبل الذكر أو بعده ما في صحيحة الحذّاء (٥).

__________________

(١) راجع ص ٢٠٢ ـ ٢١٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢١ الصلاة ب ٢٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ ـ ٢٩٥ ، الوسائل ٦ : ٣٣٩ أبواب السجود ب ٢ ح ١.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١٠٧.

(٤) ليس في « ه‍ » و « ح ».

(٥) قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول وهو ساجد : « أسألك بحقّ حبيبك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ بدّلت سيئاتي حسنات وحاسبتني حسابا يسيرا » ثمَّ قال في الثانية : « أسألك بحق حبيبك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ كفيتني مئونة الدنيا وكلّ هول دون الجنة » وقال في الثالثة : « أسألك بحق

٢٩٢

وأن يدعو ما في المرويّ في السرائر : « ادع في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد : يا خير المسؤولين ويا خير المعطين ، ارزقني وارزق عيالي من فضلك ، فإنّك ذو الفضل العظيم » (١).

وأمّا الدعاء بغير المأثور بخصوصه وطلب الحاجات وإن جاز في سجدة الصلاة بالإجماع والأصل والنصوص ، إلاّ أنه لا يستحبّ بخصوصه.

ويظهر من بعضهم استحبابه (٢) ، استنادا إلى رواية ابن سيابة : أدعو وأنا ساجد؟ قال : « نعم ، فادع للدنيا والآخرة » (٣).

وابن عجلان (٤) : شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام تفرّق أحوالنا وما دخل علينا ، فقال : « عليك بالدعاء وأنت ساجد ، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى الله عزّ وجلّ وهو ساجد » قال ، قلت : فأدعو في الفريضة وأسمي حاجتي؟ فقال : « نعم فقد فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وفعله عليّ عليه‌السلام بعده » (٥).

ولا دلالة لهما إلاّ على الجواز ، فإنّ السؤال ظاهر فيه أو محتمل له.

نعم ، تدلّ الثانية على استحباب كون الدعاء حالة السجود لا خصوص‌

__________________

حبيبك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل وقبلت منّى عملي اليسير » ثمَّ قال في الرابعة : « أسألك بحق حبيبك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أدخلتني الجنّة وجعلتني من سكّانها ولما نجّيتني من سفعات النار برحمتك ». الكافي ٣ : ٣٢٢ الصلاة ب ٢٥ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٤٠ أبواب السجود ب ٢ ح ٢. منه رحمه‌الله.

(١) لم نجده في السرائر ، وهو موجود في الكافي ٢ : ٥٥١ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٧٢ أبواب السجود ب ١٧ ح ٤.

(٢) انظر : الرياض ١ : ١٧٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٣ الصلاة ب ٢٥ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٩٩ ـ ١٢٠٧ ، الوسائل ٦ : ٣٧١ أبواب السجود ب ١٧ ح ٢.

(٤) كذا في النسخ ، وفي المصادر : عبد الله بن هلال.

(٥) الكافي ٣ : ٣٢٤ الصلاة ب ٢٥ ح ١١ ، مستطرفات السرائر : ٩٨ ـ ٢٠ ، الوسائل ٦ : ٣٧١ أبواب السجود ب ١٧ ح ٣.

٢٩٣

سجود الصلاة ، بل ربّما يشعر بنوع كراهة فيه رواية محمّد : صلّى بنا أبو بصير بطريق مكّة فقال وهو ساجد ـ وقد كانت ضاعت ناقة لجمّالهم ـ : اللهمّ ردّ على فلان ناقته. قال محمّد : فدخلت على أبي عبد الله فأخبرته ، فقال : « قد فعل؟ » فقلت : نعم. قال : فسكت. قلت : أفأعيد الصلاة؟ قال : « لا » (١).

السادس عشر : الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على ما مرّ في الركوع كيفيّة ودليلا (٢).

السابع عشر : أن يزيد في تمكّن السجود على الجبهة ، لفتوى الفقهاء (٣) ، ولأنّه الظاهر من مطلوبيّة تحصيل أثره الذي مدح الله عليه بقوله ( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (٤).

وفي رواية السكوني : « إنّي لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس عليها أثر السجود » (٥).

والمرويّ في العلل : « إنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده ، فسمّي السجّاد » (٦).

ومنه يظهر استحباب زيادة الاعتماد في سائر المساجد أيضا. وفي العيون :

قال : دخل على أبي الحسن موسى بن جعفر قال : فإذا بغلام أسود بيده مقصّ ، يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة السجود (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٣ الصلاة ب ٢٥ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٠ ـ ١٢٠٨ ، الوسائل ٦ : ٣٧٠ أبواب السجود ب ١٧ ح ١.

(٢) راجع ص ٢٢٥.

(٣) انظر : المنتهى ١ : ٢٨٩ ، الذكرى : ٢٠٣ ، الحدائق ٨ : ٣٠٠.

(٤) الفتح : ٢٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٣ ـ ١٣٧٥ ، الوسائل ٦ : ٣٧٦ أبواب السجود ب ٢١ ح ١. الجلحاء : الملساء ، والأرض الجلحاء : التي لا نبات فيها. مجمع البحرين ٢ : ٣٤٥.

(٦) علل الشرائع : ٢٣٢ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٣٧٦ أبواب السجود ب ٢١ ح ٢.

(٧) العيون ١ : ٦٣ ، الوسائل ٦ : ٣٧٧ أبواب السجود ب ٢١ ح ٤.

٢٩٤

الثامن عشر : أن يكون نظره حال السجود إلى طرفي أنفه ، للرضوي : « ويكون بصرك في وقت السجود إلى أنفك ، وبين السجدتين في حجرك ، وكذلك في وقت التشهد » (١).

التاسع عشر : الجلوس بعد السجدة الثانية والطمأنينة فيه ، ويسمّى بجلسة الاستراحة.

ورجحانها مجمع عليه بين الأصحاب ، والنصوص به متكثّرة كموثقة أبي بصير : « إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى حين تريد أن تقوم ، فاستو جالسا ثمَّ قم » (٢).

وروايته وفيها : « فإذا كنت في الركعة الاولى والثالثة فرفعت رأسك من السجود ، فاستتمّ جالسا حتّى ترجع مفاصلك » (٣).

ومعتبرة أبي بصير ومحمّد المرويّة في الخصال : « اجلسوا في الركعتين حتّى تسكن جوارحكم ثمَّ قوموا ، إنّ ذلك من فعلنا » (٤).

وصحيحة ابن عواض : رأى أبا عبد الله عليه‌السلام إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتّى يطمئنّ ثمَّ يقوم (٥).

ورواية الأصبغ : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا رفع رأسه من الصلاة قعد حتّى يطمئنّ ثمَّ يقوم ، فقيل له : يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا برؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل ،

__________________

(١) فقه الرضا « ع » : ١٠٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٢ ـ ٣٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ ـ ١٢٢٩ ، الوسائل ٦ : ٣٤٦ أبواب السجود ب ٥ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٥ ـ ١٣٣٢ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٩.

(٤) الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ٥ : ٤٧١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٢ ـ ٣٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ ـ ١١٢٨ ، الوسائل ٦ : ٣٤٦ أبواب السجود ب ٥ ح ١.

٢٩٥

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنّما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس ، إنّ هذا من توقير الصلاة » (١).

والمرويّ في كتاب النرسيّ : « إذا رفعت رأسك من سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم ، فاجلس جلسة ، ثمَّ بادر بركبتيك الأرض قبل يديك وابسط يديك بسطا واتّك عليهما ثمَّ قم ، فإنّ ذلك وقار المؤمن الخاشع ، ولا تطيش من سجودك مبادرا إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم » (٢).

ومقتضى الأمر في الثلاث الاولى الوجوب ، كما ذهب إليه السيّد ـ مدّعيا عليه إجماع الفرقة ـ وصاحب الوسيلة (٣). وظاهر المحكيّ عن الإسكافي والعمانيّ وابن بابويه (٤) وجوب الجلوس ، وإن لم يظهر وجوب الطمأنينة من كلماتهم.

خلافا للأكثر (٥) ، بل عن نهج الحقّ : الإجماع عليه (٦) ، للأصل المعتضد بالشهرة ، ورواية زرارة : رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام إذا رفعا رأسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا (٧).

ورواية رحيم : أراك إذا صلّيت ورفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى والثالثة فتستوي جالسا ثمَّ تقوم ، فنصنع كما تصنع؟ قال : « لا تنظروا إلى ما أصنع إنّما اصنعوا ما تؤمرون » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٤ ـ ١٢٧٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب السجود ب ٥ ح ٥.

(٢) البحار ٨٢ : ١٨٤ بعد ح ١٠. الأقشاب جمع قشب بكسر الشين المعجمة ككتف : من لا خير فيه من الرجال. مجمع البحرين ٢ : ١٤٣.

(٣) السيّد في الانتصار : ٤٦ ، الوسيلة : ٩٣ وعدّها من المختلف فيه.

(٤) حكاه عنهم في الذكرى : ٢٠٢.

(٥) انظر : نهاية الإحكام ١ : ٤٩٤ ، والذكرى : ٢٠٢ ، والحدائق ٨ : ٣٠٢.

(٦) نهج الحق : ٤٢٨.

(٧) التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ ـ ١٢٣١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٦ أبواب السجود ب ٥ ح ٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٨٢ ـ ٣٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ ـ ١٢٣٠ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب السجود ب ٥ ح ٦.

٢٩٦

ويمكن دفع الأصل بما مرّ ، والروايتين ـ مع عدم دلالة الثانية على عدم الوجوب ـ بأنّ غايتهما التعارض ، والترجيح لما مرّ ، لمخالفته العامّة (١) كما تظهر من الأخبار المتقدّمة ، وترجيح القول على الفعل ، وعدم فتوى الشيخ الناقل له غير موجب لوهنه ، لأنّه إنّما هو لأجل المعارض الغير الراجح بزعمه. وكذا عدم عمل أكثر القدماء بعد عمل طائفة ، واحتمال عمل جماعة أخرى أيضا بل ظنّه ، لدعوى السيّد الإجماع. فتأمّل.

العشرون : أن يجلس بين السجدتين‌ وفي جلسة الاستراحة متورّكا أي : قاعدا على فخذه الأيسر ، بالإجماع ، لرواية أبي بصير : « إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك واجلس على يسارك » (٢).

والرضوي : « وإذا جلست فلا تجلس على يمينك ، لكن انصب يمينك واقعد على أليتيك » (٣).

وصحيحة حمّاد : ثمَّ قعد على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه اليمنى على بطن قدمه اليسرى وقال : أستغفر الله وأتوب إليه ، ثمَّ كبّر وهو جالس وسجد الثانية (٤).

واضعا ظاهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى ، للصحيحة المذكورة.

ملصقا أليتيه بالأرض ، للرضوي المذكور ، ورواية سعد : إنّي أصلّي في المسجد الحرام ، فأقعد على رجلي اليسرى من أجل الندى؟ قال : « اقعد على أليتيك وإن كنت في الطين » (٥).

__________________

(١) انظر : نيل الأوطار ٢ : ٣٠٢ ، والمغني ١ : ١٧١.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٦ أبواب السجود ب ٥ ح ٤.

(٣) فقه الرضا « ع » : ١٠٢ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٨٧ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ و ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٧ ـ ١٥٧٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب السجود ب ٦ ح ٤.

٢٩٧

وصحيحة زرارة الآتية.

ويلزم هذا الجلوس وضع الركبة اليسرى على الأرض.

وأمّا سائر ما ذكره بعض الأصحاب من وضع الركبة اليمنى وطرف الإبهام على الأرض والإفضاء بالمقعدة عليها.

فمع صعوبة وضع الركبتين مع الأليتين على الأرض ، ليس على بعضها في مطلق الجلوس دليل ، وإنّما ورد في التشهّد في صحيحة زرارة قال : « وإذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك الأرض وفرّج بينهما شيئا ، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وأليتاك على الأرض ، وطرف إبهامك اليمنى على الأرض » (١) الحديث.

والإجماع المركّب غير معلوم ، كيف؟! وقال الإسكافي في الجلوس بين السجدتين : إنّه يضع أليتيه على بطن قدميه ، ولا يقعد على مقدّم رجليه وأصابعهما ، ولا يقعي إقعاء الكلب. وقال في تورّك التشهّد : يلزق أليتيه جميعا ووركه الأيسر وظاهر فخذه الأيسر بالأرض [ ولا يجزئه غير ذلك ولو كان في طين ] (٢) ويجعل باطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر (٣) ، ويلزق طرف إبهام رجله اليمنى ممّا يلي طرفها الأيسر بالأرض وباقي أصابعها عاليا عليها ، ولا يستقبل بركبتيه جميعا القبلة (٤).

وهو كما ترى فرّق بين جلوس التشهّد وغيره وإن كان ما ذكره في جلوس السجدتين وبعض ما ذكره في التشهّد ممّا لم يذكره الأصحاب ولم يدلّ عليه دليل.

كما حكي عن السيد في مصباحه أنّه قال : يجلس مماسّا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه الأيسر للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) العرقوب : عصب غليظ فوق عقب الإنسان. القاموس ١ : ١٠٧.

(٤) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠٢.

٢٩٨

إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه معا القبلة (١).

ولكن لا بأس بمراعاة ما ذكراه ممّا لا يخالف الصحيحة ، إلاّ أنّ ما ذكره السيّد لا يخالف شيئا ممّا ذكروه وانّما زاد فيه العرقوب ولا بأس به ، لقوله.

بل يحتمل عدم الاختلاف ، ولذا قال الحلّي في السرائر : والظاهر اتّحاد الجميع للتلازم غالبا (٢).

بل لا يبعد إرجاع قول الإسكافي أيضا إلى ما لا يختلف مع الجميع ، ففي الجلوس الحكم ما مرّ ، وفي التشهّد ما في الصحيحة ، مخيّرا في الجلوسين بين وضع ركبته اليمنى على الأرض وطرف الإبهام أو لا.

ولا يستحبّ عندنا الافتراش ، وهو أن يثنّي رجله اليسرى ، فيبسطها ، ويجلس عليها ، وينصب رجله اليمنى ، ويخرجها من تحته ، ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ، فتكون أطرافها إلى القبلة.

الحادي والعشرون : أن يقول بين السجدتين بين التكبيرتين : ما مرّ في حسنة الحلبي ، أو الرضوي المتقدّمتين (٣) ، أو : أستغفر الله ربي وأتوب إليه ، كما في صحيحة حمّاد الفعليّة (٤).

الثاني والعشرون : أن يقوم سابقا برفع ركبتيه قبل يديه ، بالإجماع المحقّق ، والمحكي في المنتهى والتذكرة وظاهر المدارك وصريح الحدائق (٥) ، وغيرها (٦) ، له ، ولصحيحة محمّد (٧) ، والمروي في كتاب النرسي المتقدم (٨) ، ولأنّه ملزوم الاعتماد‌

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٢١٥.

(٢) لم نعثر عليه في السرائر.

(٣) في ص ٢٩٢.

(٤) انظر : الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٢.

(٥) المنتهى ١ : ٢٩١ ، التذكرة ١ : ١٢٢ ، المدارك ٣ : ٤١٥ ، الحدائق ٨ : ٣٠٩.

(٦) كالذكرى : ٢٠٣ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٠٨ ، والذخيرة : ٢٨٧ ، وغنائم الأيام : ٢١٠.

(٧) التهذيب ٢ : ٧٨ ـ ٢٩١ ، الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب السجود ب ١ ح ١.

(٨) في ص ٢٩٦.

٢٩٩

على اليدين.

معتمدا على يديه ، لرواية الحضرمي : « إذا قمت من الركعة ، فاعتمد على كفّيك ، وقل : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد » (١).

والمروي في الدعائم : « إذا أردت القيام من السجود ، فلا تعجن بيدك ـ يعني يعتمد عليها ، وهي مقبوضة ـ ولكن ابسطهما بسطا ، واعتمد عليهما ، وانهض قائما » (٢).

باسطا كفّيه على الأرض ، لا مقبوضة كالعاجن ، لما مرّ ، ولحسنة الحلبي : « إذا سجد الرجل ، ثمَّ أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض ، ولكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض » (٣).

داعيا عند القيام بقوله : « بحول الله وقوته أقوم وأقعد » كما في رواية الحضرمي المتقدّمة ، وصحيحة محمّد (٤). أو بإسقاط لفظ « وقوّته » كما في صحيحته الأخرى (٥).

أو : « اللهم ربّي بحولك وقوّتك أقوم وأقعد » فقط ، أو مع زيادة « وأركع وأسجد » كما في صحيحة ابن سنان (٦) ، أو بإسقاط « ربّي » وإثبات الزيادة ، كما في صحيحته الأخرى المروية في السرائر (٧) ، أو بإسقاطهما معا ، كما في المرويّ في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٨ الصلاة ب ٣٠ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٨٩ ـ ٣٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ ـ ١٢٦٩ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب السجود ب ١٣ ح ٥.

(٢) الدعائم ١ : ١٦٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٦٥ أبواب السجود ب ١٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٦ الصلاة ب ٢٩ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ـ ١٢٢٣ ، الوسائل ٦ : ٣٧٤ أبواب السجود ب ١٩ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٨ الصلاة ب ٣٠ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ ـ ٣٢٦ ، الوسائل ٦ : ٣٦١ أبواب السجود ب ١٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٧ ـ ٣٢١ ، الوسائل ٦ : ٣٦١ أبواب السجود ب ١٣ ح ٢.

(٦) انظر : التهذيب ٢ : ٨٦ ـ ٣٢٠ ، الوسائل ٦ : ٣٦١ أبواب السجود ب ١٣ ح ١.

(٧) مستطرفات السرائر : ٩٦ ـ ١٤ ، الوسائل ٦ : ٣٦٢ أبواب السجود ب ١٣ ح ٦.

٣٠٠