مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

وأرجع إليه إطلاق كلام علمائنا ، لأنّه ليس بأرض ولا نباتها ، وعلى هذا فيجب استثناء المأخوذ من الصوف أيضا.

وفيه : أنّ هذا إنّما يصحّ ، إذا جوّزنا السجود على النورة ، وقلنا بصدق النبات على القرطاس المتّخذ من النبات ، فإنّه يكون التعارض حينئذ بين العمومات المانعة عن السجود على غير الأرض ونباتها (١) وبين الصحيحة بالعموم من وجه ، فيرجع في محل التعارض وهو القرطاس المتّخذ من غير النبات إلى المرجّح ، ولا شكّ أنّه مع المانع لمخالفته للعامّة.

وأمّا إذا قلنا بعدم جواز السجود على النورة فتكون الصحيحة أخصّ مطلقا من العمومات ، فتخصّ بها ، وكذا إذا قلنا بعدم صدق النبات أو ما أنبتته الأرض على القرطاس مطلقا ، كما هو كذلك ، وصرّح به جماعة (٢) ، ولا يفيد كون أصله نباتا ، ألا ترى أنّه يقال لزيد إنّه ممّا أولدته زينب ، وإن كان ميّتا ، وكذا أجزائه ، بخلاف ما إذا استحيل إلى شي‌ء آخر كالرميم والتراب.

واستدلّ بعض مشايخنا المحقّقين لهذا القول ـ بعد تقويته ـ بندرة المأخوذ من الإبريسم ، والإطلاق ينصرف الى الغالب (٣).

ويضعّف بأنّ المجوّز عام لا مطلق ، مع أنّ الندرة الموجبة لانصراف اللفظ عنها ممنوعة جدّا.

وللدروس ، فلم يجوّز السجود بالقرطاس المأخوذ من القطن والكتان أيضا (٤).

ووجهه ظاهر ، وضعفه أظهر ، لعدم صدق الاسمين حينئذ ولا الملبوس.

ثمَّ إنّ مقتضى الصحيحة الأخيرة كراهة السجود على القرطاس المكتوب. وهو كذلك ، لها. وبه صرّح الأصحاب.

__________________

(١) انظر : الوسائل ٥ : ٣٤٣ أبواب ما يسجد عليه ب ١.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٣٧٥ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٢٤٨.

(٣) شرح المفاتيح للبهبهاني ( المخطوط ).

(٤) الدروس ١ : ١٥٧.

٢٦١

إلاّ أنّهم قالوا باشتراط الصحة حينئذ بوقوع الجبهة على المكان الخالي عن الكتابة ، أو كون المكتوب منه مما يصحّ السجود عليه ، وإلاّ فيحرم.

وهو حسن ، لأنّه إذا كان المكتوب منه مما لا يصحّ السجود عليه لم تصدق السجدة على القرطاس حتى تشمله أخباره ، ويخرج بها عن دليل المنع.

نعم يكون المنع إذا كان له جرم مانع من وصول الجبهة إلى القرطاس. وإن كان مجرد اللون فلا منع.

والظاهر عموم الكراهة للمبصر والقارئ وغيرهما.

خلافا للحلّي ، والمحكي عن المبسوط ، فخصّاها بالمبصر القارئ (١) وهو مبني على استنباط أنّ العلة في الكراهة حصول الشغل ، وهو مخصوص بالقارئ.

وضعّف : بمنع أنّه العلة ، بل النصّ ، وهو مطلق. مع أنّ القارئ لا يشغل حين السجدة ، لعدم إمكان القراءة حينئذ.

ولو كانت الكتابة في أحد وجهي القرطاس ، فهل يكره السجود على الوجه الآخر لصدق أنّ فيه كتابا؟.

الظاهر : نعم ، لذلك.

المسألة السابعة : يجوز السجود على غير ما مرّ جواز السجود عليه في حال الضرورة والتقيّة ، لسقوط وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه بالاضطرار ، وعدم سقوط السجود بالإجماع ، وللمستفيضة من الروايات.

كرواية عيينة : أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ ، فأكره أن أصلّي على الحصى فأبسط ثوبي ، فأسجد عليه؟ قال : « نعم ليس به بأس » (٢).

وابن الفضيل : الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ والبرد؟ قال : « لا بأس‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٦٨ ، المبسوط ١ : ٩٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ـ ١٢٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٨ ، الوسائل ٥ : ٣٥٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ١.

٢٦٢

به » (١).

وأبي بصير : عن الرجل يصلّي في حرّ شديد ، فيخاف على جبهته من الأرض قال : « يضع ثوبه تحت جبهته » (٢).

والأخرى : أكون في السفر فتحضر الصلاة ، وأخاف الرمضاء على وجهي ، كيف أصنع؟ قال : « تسجد على بعض ثوبك » قلت : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : « اسجد على ظهر كفّك ، فإنّها أحد المساجد » (٣).

والثالثة : عن الرجل يسجد على المسح ، فقال : « إذا كان في تقية فلا بأس به » (٤).

وعلي بن يقطين : عن الرجل يسجد على المسح والبساط ، فقال : « لا بأس إذا كان في حال التقيّة » (٥).

وأحمد بن عمر : عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ والبرد ، أو على ردائه إذا كان تحته مسح ، أو غيره ممّا لا يسجد عليه ، فقال : « لا بأس به » (٦).

ومنصور : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج ، أفنسجد عليه؟ فقال :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ـ ١٢٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ـ ١٢٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٩ ـ ٧٩٧ ، الوسائل ٥ : ٣٥٢ أبواب ما يسجد عليه ب ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ـ ١٢٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ـ ١٢٤٩ ، الوسائل ٥ : ٣٥١ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٧ ـ ١٢٤٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٥ ، الوسائل ٥ : ٣٤٩ أبواب ما يسجد عليه ب ٣ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٦ ـ ٨٣١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٧ ـ ١٢٤٥ ، الوسائل ٥ : ٣٤٩ أبواب ما يسجد عليه ب ٣ ح ١ و ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٠٧ ـ ١٢٤٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ـ ١٢٥١ بتفاوت يسير ، الوسائل ٥ : ٣٥٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٣.

٢٦٣

« لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتّانا » (١).

والمروي في العلل : الرجل يكون في السفر ، فيقطع عليه الطريق ، فيبقى عريانا في سراويل ، ولا يجد ما يسجد عليه ، يخاف أن يسجد على الرمضاء أحرقت وجهه قال : « يسجد على ظهر كفه فإنّها أحد المساجد » (٢).

والرضوي : « وإن كانت الأرض حارّة تخاف على جبهتك أن تحترق ، أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حيّة أو شوكة أو شيئا يؤذيك ، فلا بأس أن تسجد على كمّك إذا كان من قطن أو كتان » (٣).

ثمَّ إنّ مقتضى رواية العلل تقديم القطن والكتان عند الضرورة على غيرهما ولو ظهر الكف. ولا تزاحمها الروايات المتضمّنة أوّلا للثوب الشامل لما كان من غيرهما ، لظهور عدم مدخليّة الثوبيّة ، ولا ثوب المصلّي في ذلك قطعا ، بل المنظور جنسه ، فيكون أعم مطلقا من القطن والكتان ، فيخصّص بهما ، ويؤكّده بل يدل عليه الرضوي المنجبر بفتوى الجماعة هنا.

ومقتضى رواية أبي بصير [ الأخرى ] (٤) تقديم ظهر الكف على سائر الأجناس بعد القطن والكتّان.

وحمل الأمر فيها على الإرشاد تجوّز بلا قرينة. والتخصيص بما إذا لم يمكن غيرهما تخصيص بلا مخصّص.

فالقول بالترتيب بين الثوب أي القطن والكتّان ، وبين الكف وغيرهما بتقديم الأوّل ثمَّ الثاني ، كما ذكره جماعة من الأصحاب من غير نقل خلاف ، بل بين الثاني والثالث ـ فيقدّم الكف على غيرها وغير القطن والكتان ـ قويّ جدا.

ولا تنافيه الروايات المتقدّمة المتضمّنة لتجويز السجود على المسح والبساط‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠٨ ـ ١٢٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٧ ، الوسائل ٥ : ٣٥١ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٧.

(٢) علل الشرائع : ٣٤٠ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٣٤٩ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٦.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١١٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٧ أبواب ما يسجد عليه ب ٣ ح ١.

(٤) في النسخ : الاولى ، والصحيح ما أثبتناه.

٢٦٤

من غير تقييد ، عند التقيّة (١) ، لجواز كون التقيّة في ترك السجود عليهما ووضع شي‌ء عليهما بل هو الظاهر ، فيكون مفهوم تلك الروايات دليلا آخر على الترتيب ، حيث يثبت البأس إذا لم تكن تقيّة في ذلك ، بالإطلاق ، فيشمل ما أمكن السجود على الثوب أو الكف.

المسألة الثامنة : ما مرّ من صحة السجود ببعض الأشياء دون بعض إنّما هو بالنسبة إلى مسجد الجبهة خاصّة ، وأمّا غيرها فيجوز وضعها على أيّ شي‌ء كان ، بالإجماع المحقّق والمحكي في كلام جماعة ، له ، وللأصل الخالي عن المعارض حتى ما مرّ ، لأنّ معنى السجود إنّما هو وضع الجبهة.

ولبعض الأخبار ، كصحيحة حمران : « كان أبي يصلّي على الخمرة ، يجعلها على الطنفسة ، ويسجد عليها ، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد » (٢).

والمستفاد منها وضع سائر مساجده عليه‌السلام على الطنفسة.

ورواية أبي حمزة : « لا بأس أن تسجد وبين كفّيك وبين الأرض ثوبك » (٣).

وفي الرضوي المنجبر : « ولا بأس بالقيام ووضع الكفّين والركبتين والإبهامين على غير الأرض » (٤).

المسألة التاسعة : السجود على الأرض أفضل من غيرها مما يصحّ السجود عليه ، بلا خلاف كما قيل (٥) ، له ، ولكونه أبلغ في التذلّل ، ولجملة من الأخبار ،

__________________

(١) راجع ص ٢٦٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٢ الصلاة ب ٢٧ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ـ ١٢٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ ـ ١٢٥٩ ، الوسائل ٥ : ٣٤٧ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٩ ـ ١٢٥٤ ، الوسائل ٥ : ٣٥٣ أبواب ما يسجد عليه ب ٥ ح ٢.

(٤) فقه الرضا (ع) : ١١٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٨ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ذيل حديث ١.

(٥) الحدائق ٧ : ٢٥٩.

٢٦٥

كرواية إسحاق : عن السجود على الحصر والبواري؟ فقال : « لا بأس ، وأن يسجد على الأرض أحبّ إليّ » (١) الحديث.

وصحيحة هشام : « السجود على الأرض أفضل ، لأنّه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّ وجلّ » (٢).

ويستفاد من التعليل أفضليّة السجود على التراب من غيره من الأجزاء الأرضية ، بل وضع سائر المساجد السبعة على الأرض ، بل على التراب.

وتدلّ على استحباب وضع اليدين على الأرض صحيحة زرارة الطويلة ، وفيها في حكم اليدين عند السجود : « وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرّك ، وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل » (٣).

ورواية السكوني : « إذا سجد أحدكم فليباشر بكفّيه الأرض لعلّ الله يدفع عنه الغلّ يوم القيامة » (٤).

وظاهرها وإن كان الوجوب ولكن يحمل على الاستحباب بقرينة ما مرّ.

وأمّا روايته الأخرى : « ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه فإنّهما تسجدان كما يسجد الوجه » (٥).

فيحتمل أن يكون المراد منه حيث يوضع الوجه من جهة الارتفاع والانخفاض.

وأفضل أفراد الأرض للسجود التربة الحسينيّة ، لمرسلة الصدوق : « السجود على طين قبر الحسين عليه‌السلام ينوّر إلى الأرض السابعة » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١١ ـ ١٢٦٣ ، الوسائل ٥ : ٣٦٨ أبواب ما يسجد عليه ب ١٧ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤٠ ، علل الشرائع : ٣٤١ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٣٦٧ أبواب ما يسجد عليه ب ١٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٥ ـ ٩٣٠ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب السجود ب ٤ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٧ ـ ١١٩٨ ، الوسائل ٦ : ٣٥٧ أبواب السجود ١٠ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٧٤ ـ ٧٢٥ ، الوسائل ٥ : ٣٦٥ أبواب ما يسجد عليه ب ١٦ ح ١. بتفاوت يسير.

٢٦٦

والمرويّ في الاحتجاج : عن السجود على لوح من طين القبر ، هل فيه فضل؟ فأجاب عليه‌السلام : « يجوز ذلك وفيه الفضل » (١).

وفي مصباح الشيخ : كان لأبي عبد الله عليه‌السلام خريطة ديباج صفراء وفيها تربة أبي عبد الله ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجّادته وسجد عليه ، ثمَّ قال : « إنّ السجود على تربة أبي عبد الله عليه‌السلام يخرق الحجب » (٢).

وفي كتاب الحسن بن محمّد الديلميّ : كان الصادق عليه‌السلام لا يسجد إلاّ على تربة الحسين تذلّلا لله واستكانة إليه (٣).

وهل تتعدّى الفضيلة إلى تربة سائر الأئمة والأنبياء؟

احتمله في شرح النفلية (٤) ، والأصل ينفيه.

ثمَّ المراد من طين القبر والتربة وإن كان ما يسمّى بذلك عرفا وهو ما على القبر أو قريب منه جدّا ، ولكن في مرسلة السراج ، والمروي في كامل الزيارة ، والمصباحين ، ومصباح الزائر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : « يؤخذ طين قبر الحسين من عند القبر على سبعين ذراعا » (٥).

وفي الأخير : وروي في حديث آخر : « مقدار أربعة أميال » وروي « فرسخ في فرسخ » (٦).

وفي كامل الزيارة عنه عليه‌السلام : « يؤخذ طين قبر الحسين عليه‌السلام من عند القبر على سبعين باعا في سبعين باعا » (٧).

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٨٩ ، الوسائل ٥ : ٣٦٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٦ ح ٢.

(٢) مصباح المتهجد : ٦٧٧ ، الوسائل ٥ : ٣٦٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٦ ح ٣.

(٣) إرشاد القلوب : ١١٥ ، الوسائل ٥ : ٣٦٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٦ ح ٤.

(٤) حكاه عنه في الحدائق ٧ : ٢٦١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٨٨ الحج ب ٢٤ ح ٥ ، التهذيب ٦ : ٧٤ ـ ١٤٤ ، الوسائل ١٤ : ٥١١ أبواب المزار وما يناسبه ب ٦٧ ح ٣ ، كامل الزيارات : ٢٧٩ ـ ٢ وفيه : باعا مكان ذراعا ، مصباح المتهجد : ٦٧٦ ، مصباح الكفعمي : ٥٠٨ ، حكاه عن مصباح الزائر في البحار ٩٨ : ١٣١ ـ ٥٣.

(٦) حكاه عنه في البحار ٩٨ : ١٣١ ـ ٥٤.

(٧) كامل الزيارات : ٢٨١ ـ ٦ ، الوسائل ١٤ : ٥١١ أبواب المزار وما يناسبه ب ٦٧ ذيل ح ٤.

٢٦٧

ومقتضى هذه الأخبار ترتّب الفضيلة على ما أخذ من سبعين ذراعا أو باعا ، بل فرسخ ، بل أربعة أميال. وهو كذلك ، لذلك.

ولا يضرّ ضعف بعض الأخبار إن كان ، لكون المقام مقام المسامحة.

وأمّا رواية الحجّال : « التربة من قبر الحسين بن علي عليهما‌السلام عشرة أميال » (١).

فلاختلاف النسخ فيها حيث إنّ في كثير منها « البركة » مقام « التربة » لا يتمّ الاستدلال بها.

المسألة العاشرة : يجب أن يكون موضع سجود الجبهة خاليا عن النجاسة إجماعا ، كما مرّ في بحث المكان مفصّلا.

ولا بأس بالموضع المشتبه بالنجس محصورا كان أو غير محصور. نعم لا يسجد على الجميع ، بأن يسجد في كلّ سجدة من الصلاة بموضع أو في كلّ صلاة بموضع ، فتفسد الصلاة في الأوّل وواحدة منها في الثاني. ولو صلّى كلّ واحد من أشخاص عديدة على موضع صحّت صلاة الجميع.

ولو جهل نجاسة موضع السجود وعلم به بعد الصلاة ، ففي وجوب الإعادة مطلقا ، وعدمه كذلك ، والأوّل في الوقت والثاني في خارجه ، أقوال : الأوّل ظاهر الجمل والعقود ، قال : ما يوجب الإعادة في أحد وعشرين موضعا ـ إلى أن قال ـ : أو من سجد على شي‌ء نجس بعد علمه بذلك (٢). وإنّما قيّدنا بالظاهر لاحتمال أن يكون المعنى مع علمه بذلك.

والثاني ظاهر المعتبر والإرشاد (٣) ، وحكي عن المبسوط ومهذّب القاضي والتذكرة ونهاية الإحكام والتبصرة والبيان والذكرى (٤).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٧٢ ـ ١٣٦ ، الوسائل ١٤ : ٥١٢ أبواب المزار وما يناسبه ب ٦٧ ح ٧.

(٢) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٦. وفيه : مع تقدم علمه بذلك.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٧٧ ، الإرشاد ١ : ٢٦٧.

(٤) المبسوط ١ : ١١٩ ، المهذب ١ : ١٥٤ ، التذكرة ١ : ١٣٤ ، النهاية ١ : ٥٢٧ ، التبصرة : ٣٥ ،

٢٦٨

وفي نسبته إلى الأخير نظر ، لأنّه صرّح فيه بأنّ السجود على النجس كالصلاة في الثوب النجس ، وقد نقل في حكم الثوب قولين من غير ترجيح ، ثمَّ قال بإمكان القول بعدم الإعادة مع الاجتهاد قبل الصلاة والإعادة بدونه إن لم يكن إحداث قول ثالث.

والثالث للمحقّق الثاني في حاشية الشرائع وحاشية الإرشاد ، والمسالك بل روض الجنان (١) ، وغيرهما (٢).

والعجب من بعض المعاصرين أنّه قال بعدم العثور في المسألة على من حكمها بخصوصها بحكم (٣).

وسيأتي تحقيقها في بحث الخلل.

المسألة الحادية عشرة : لو ألصق ترابا بجبهته ، أو وضع شيئا ممّا يسجد عليه تحت كور عمامته ، أو كانت قلنسوته من الثياب المجوّز عليه السجود ، أو إلى جبهته بطين فجفّ إذا كان له جرم ولو قليلا : فصريح الذكرى : صحّة السجود (٣).

وعن الشيخ : المنع من السجود على ما هو حائل له ككور العمامة وطرف الرداء (٤).

فإن أراد المنع عن المحمول من حيث هو محمول ـ كما هو مقتضى التمثيل بطرف الرداء ـ حتّى يشمل مثل قطعة من المدر يأخذها الإنسان بيده ويضعها عند السجود ويسجد عليهما ، فلا دليل على المنع.

__________________

البيان : ٢٤٨ ، الذكرى : ٢١٩ و ١٧.

(١) المسالك ١ : ٤٠ ، روض الجنان : ٣٢٩.

(٢) كالسبزواري في الذخيرة : ٣٥١.

(٣) الرياض ١ : ٢١١.

(٤) الذكرى : ١٥٩.

(٥) الخلاف ١ : ٣٥٧.

٢٦٩

وإن أراد ما كان محمولا وموضوعا على الجبهة ـ كالأمثلة الّتي ذكرناها ـ فللمنع وجه قويّ ، لعدم صدق الوضع على الأرض أو السجود عليها معه إن كان ملصقا به قبل السجود أيضا.

المسألة الثانية عشرة : لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة ، فإن أمكن تحصيله من غير قطع الصلاة أو فعل كثير وجب ، وإلاّ فإن لم يمكن مع قطع الصلاة أيضا ، يسجد على ما أمكن ، وإن أمكن فظاهر والدي ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد : السجود على ما لا يقطع معه الصلاة وإن كان من غير ما يصحّ السجود عليه.

ولعلّه لتحريم قطع الصلاة فهو ضرورة شرعيّة.

ويعارض بجواز القطع مع الضرورة أيضا ووجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه فهو أيضا ضرورة شرعيّة.

مع أنّ حرمة القطع مطلقا ـ حتى في مثل ذلك الحال ـ لا دليل عليها ، ودليلها لا يتعدّى إلى مثل هذا الموضع أيضا ، ولو سلّم فيعارض أدلّة عدم جواز السجود إلاّ على الأرض ، والترجيح لها ، لمخالفتها العامّة.

بل هنا كلام آخر ، وهو : أنّا نقول بانقطاع الصلاة وفسادها بترك السجود ، أو بالسجود على غير ما يصحّ عليه مع إمكان تحصيله ، فهي منقطعة لا أنّه يقطعها.

فالظاهر وجوب تحصيل ما يصحّ السجود عليه ولو بالخروج عن الصلاة.

واستصحاب صحّة الصلاة معارضة باستصحاب وجوب السجدة على ما يصحّ عليه.

المسألة الثالثة عشرة : عدم إمكان تحصيل ما يصحّ السجود عليه في أوّل الوقت لو لم يمكن تحصيل ما يصحّ السجود عليه في أوّل الوقت أو في مكان معيّن كمسجد وأمكن في غيره ، فهل يجب التأخير أو يجوز السجود على ما أمكن؟

الظاهر : الأوّل ، لأدلّة وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه الموقوف‌

٢٧٠

على التأخير ، ووجوب مقدّمة الواجب.

وأمّا الأخبار المتقدّمة ، المجوّزة للسجود على الكمّ وبعض الثوب ونحوهما مع العذر الشامل لما اختصّ بزمان أو مكان دون غيرهما.

فتعارض أخبار عدم جواز السجود إلاّ على الأرض أو ما ينبت منها (١) ـ بعد تخصيصها بغير صورة عدم إمكانهما مطلقا بالإجماع وغيره ـ بالعموم من وجه ، فيرجع إلى المرجّحات ، وهي مع أخبار عدم الجواز ، لمخالفتها العامّة.

المسألة الرابعة عشرة : لو سجد على ما لا يصحّ السجود عليه سهوا ولم يتفطّن حتّى رفع رأسه ، يمضي‌

ولا يعود إلى السجدة ولا يعيد الصلاة ، للأصل ، وانتفاء العود باستلزامه الزيادة المبطلة ، والإعادة بتصريح الصحيح بأنّه : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة » (٢) فلم يبق إلاّ المضيّ.

ولا يرد أنّه أيضا ينتفي بوجوب السجود على ما يصحّ ، لأنّ الوجوب إنّما هو مع الاختيار ، ولا وجوب مع الغفلة ، فلا تشمله أدلّة وجوبه.

وبعبارة أخرى : دليل وجوبه إمّا الإجماع المنتفي في المقام أو نحو قوله : « لا يجوز السجود إلاّ على الأرض » ولا شكّ أنّ نفي الجواز إنّما هو مع التذكّر. وأمّا التوقيع فقد عرفت إجماله (٣).

الثالث من واجبات السجود : الانحناء بقدر لم يكن موضع جبهته أرفع من موقفه بقدر معتدّ به ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ في المعتبر والتحرير (٤).

بل بالأزيد عن اللبنة المقدّرة عند الأصحاب بأربع أصابع مضمومة تقريبا ،

__________________

(١) انظر : الوسائل ٥ : ٣٤٣ أبواب ما يسجد عليه ب ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٥.

(٣) كذا في النسخ ، ولكن سيأتي التوقيع ووجه إجماله في ص ٢٧٦ و ٢٧٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٠٧ ، التحرير ١ : ٤٠.

٢٧١

كما يؤيّده الآجر الموجود الآن في أبنية بني العبّاس بسرّ من رأى ، وظاهر المنتهى الإجماع على هذا التحديد (١).

لا لما قيل من أنّ الانحناء بأقلّ من هذا القدر غير معلوم كونه سجودا مأمورا به شرعا (٢) ، لوضوح عدم اختلاف صدقه بزيادة إصبع ونحوها كما هو المطلوب.

بل لمرسلة الكافي : « إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس » (٣).

وحسنة ابن سنان : عن السجود على الأرض المرتفعة ، فقال : « إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك بقدر لبنة فلا بأس » (٤).

دلّتا بمفهوم الشرط على ثبوت البأس ـ الذي هو العذاب والشدّة ـ مع الزيادة.

والقول بعدم دلالة البأس على الحرمة ضعيف.

وربّما يوجد في بعض نسخ الحسنة « يديك » بالياءين المثنّاتين من تحت ، بدل « بدنك » بالباء والنون في بعض النسخ ، وعلى هذا فلا يتمّ الاستدلال بها.

وصحيحته : عن موضع جبهة الساجد ، أيكون أرفع من مقامه؟ فقال : « لا ، ولكن يكون مستويا » (٥).

وظاهر أنّ السؤال فيها عن الجواز قطعا فالنفي له ، دلّت على عدم جواز الرفع مطلقا ، خرج قدر اللبنة وما دونه بما مرّ فيبقى الباقي.

ولا ينافي التخصيص جزأه الأخير ، لأنّه كلام برأسه مثبت لحكم آخر ، وهو رجحان الاستواء ، ولا ريب فيه ، ولا دلالة له على الوجوب أيضا.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٨٨.

(٢) كما في الرياض ١ : ١٦٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٣ الصلاة ب ٢٨ بعد ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب السجود ب ١١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٣ ـ ١٢٧١ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب السجود ب ١١ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٣ الصلاة ب ٢٨ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ـ ٣١٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٧ أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

٢٧٢

نعم في بعض النسخ : « وليكن مستويا » وعليه يكون أمرا مفيدا للوجوب.

ولكن يشكل إثباته به بعد اختلاف النسخ ، مع أنّه يتعيّن حمله على الندب لو كان صريحا في الوجوب أيضا ، بقرينة ما مرّ ، وشهادة صحيحة أبي بصير : عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد قال : « إنّي أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي ، وكرهه » (١).

فالقول بوجوب المساواة ـ كما عن بعض (٢) ـ ضعيف.

وظاهر كلام المتقدّمين عدم لحوق الانخفاض بالارتفاع ، فيجوز بأيّ قدر كان ، وعن التذكرة الإجماع عليه (٣).

وهو الحقّ ، للأصل ، وصدق السجود معه ، ورواية محمّد بن عبد الله : عمّن صلّى وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه ، فقال : « إذا كان وحده فلا بأس » (٤).

وبها يخصّ المفهوم المتقدّم ، حيث إنّ مقتضاه ثبوت البأس مع عدم ارتفاع الجبهة الشامل لمطلق الانخفاض أيضا.

وعن الشهيدين وبعض آخر : الإلحاق (٥) ، واختاره والدي العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد.

لموثقة عمّار : في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض ، فقال : « إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض ، وإن كان أكثر من ذلك فلا » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٥ ـ ٣١٦ ، الوسائل ٦ : ٣٥٧ أبواب السجود ب ١٠ ح ٢.

(٢) انظر : غنائم الأيام : ٢٠٠.

(٣) التذكرة ١ : ١٢١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٢ ـ ٨٣٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب السجود ب ١٠ ح ٤.

(٥) الشهيد الأول في الدروس ١ : ١٥٧ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٧٦ ، وانظر : جامع المقاصد ٢ : ٢٩٩ ، والمدارك ٣ : ٤٠٧.

(٦) الكافي ٣ : ٤١١ الصلاة ب ٦٧ ح ١٣ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ ـ ٩٤٩ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب

٢٧٣

ويضعّف بأنّها تدلّ على نفي الاستقامة ، وهو لا يدلّ على التحريم من وجه ، بل غايته الكراهة وهي مسلّمة.

والعجب من صاحب الحدائق حيث إنّه بعد ما نقل انتفاء دلالة الموثّقة على التحريم عن بعضهم طعن عليه بأنّه مبنيّ على أصله الضعيف من عدم دلالة الأمر والنهي على الوجوب والتحريم (١).

ولا أدري أيّ أمر أو نهي في الموثّقة ، على أنّها واردة في الفراش فيمكن أن يكون ذلك لأجل أنّ مع غلظته لا يحصل الاستقرار المطلوب.

وظاهر الأخبار والفتاوي ومقتضى الأصل اختصاص الحكم بالموقف ومسجد الجبهة ، فلا ضير في ارتفاعهما أو انخفاضهما عن باقي المساقط بالأزيد عن المقدّر.

قال والدي ـ رحمه‌الله ـ : إلاّ أن يثبت الإجماع على العموم ، والظاهر عدم ثبوته كما يفهم عن المنتهى والذكرى (٢) ، وإن كان الأحوط اعتباره. انتهى.

وهو كذلك.

فروع :

أ : صرح جماعة بأنّه لا فرق في الارتفاع الممنوع بين ما كان بالانحدار وغيره (٣).

وهو كذلك ، لإطلاق النصّ.

ب : لو وقعت الجبهة على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه ، أو‌

__________________

السجود ب ١١ ح ٢.

(١) الحدائق ٨ : ٢٨٦.

(٢) المنتهى ١ : ٢٨٨ ، الذكرى : ٢٠٢.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٢ ، وروض الجنان : ٢٧٦ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٠٨ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٢٨٧ ، والمحقق القمي في غنائم الأيام : ٢٠١.

٢٧٤

على ما لا يصحّ السجود عليه مع كونه مساويا للموقف أو مخالفا بالقدر المجزئ ، فمقتضى القاعدة فيهما وجوب جرّ الجبهة على الأرض حتى يوضع على الموضع المأمور به ، وعدم جواز الرفع إلاّ إذا كان الارتفاع كثيرا لا يصدق معه السجود لغة أو يشك صدق السجود معه ، إذ بالرفع يزيد في سجود الصلاة.

وكون السجود باطلا لا ينفع في تجويز الرفع ، إذ السجود واجب ، والوضع على الموضع الغير المرتفع أو ما يصحّ السجود عليه واجب آخر ، فعدم تحقّق أحدهما لا يجوّز زيادة الآخر.

ولا تتحقّق زيادة السجود بالجرّ ، لأنّ السجود هو الوضع المسبوق بالرفع ، فلا تلزم من الوضع على موضع بجرّة من موضع آخر زيادة سجود وإن تحقّق تجدّد وضع.

والفرق بين الوضع على المرتفع أو ما لا يصحّ السجود عليه بتجويز الرفع في الأوّل وعدمه في الثاني ، لعدم استلزام الأوّل للزيادة واستلزام الثاني لها.

باطل ، إلاّ إذا قلنا بانتفاء صدق السجود على الوضع على المرتفع مطلقا ، وهو تحكّم.

إلاّ أنّ هاهنا أخبارا دالّة على جواز الرفع في الموضعين.

فما يدلّ في الأوّل رواية ابن حمّاد : أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع ، فقال : « ارفع رأسك ثمَّ ضعه » (١).

وما يدلّ في الثاني التوقيع المرويّ في الاحتجاج والغيبة : عن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة ، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويقع جبهته على مسح أو نطع ، فإذا رفع رأسه وجد السجادة ، هل يعتدّ بهذه السجدة أم لا يعتدّ بها؟ فوقّع عليه‌السلام : « ما لم يستو جالسا فلا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة » (٢).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠٢ ـ ١٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ـ ١٢٣٧ ، الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب السجود ب ٨ ح ٤.

(٢) الغيبة : ٢٣٣ ، الاحتجاج : ٤٨٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب السجود ب ٨ ح ٦.

٢٧٥

ورواية ابن حمّاد : عن الرجل يسجد على الحصى ، قال : « يرفع رأسه حتى يستمكن » (١).

ولكنّ الأوّل : معارض برواية أخرى لابن حمّاد : أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شي‌ء مرتفع ، أحوّل وجهي إلى مكان مستو؟ قال : « نعم جرّ وجهك عن الأرض من غير أن ترفعه » (٢).

وصحيحة ابن عمّار : « إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ، ولكن جرّها على الأرض » (٣).

والثاني : أمّا توقيعه فمقدوح بأنّه إنّما يبيّن حكم ما إذا رفع الرأس ، كما هو المسؤول عنه ، فلا دخل له بالمتنازع فيه ، مع أنّه إن كان منه أيضا لا يفيد ، لتحقّق الإجمال فيه بالتقييد بقوله : « ما لم يستو » حيث إنّه يعارض منطوقه بضميمة الإجماع المركّب مفهومه مع هذه الضميمة.

وأمّا روايته فبمعارضتها مع صحيحة علي : عن الرجل يسجد على الحصى ولا يمكّن جبهته من الأرض قال : « يحرّك جبهته حتّى تمكّن فتنحّى الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه » (٤).

وقد يجاب عن معارض الأوّل بأنّه يشمل جميع أفراد الارتفاع ، والأوّل مخصوص بما لا يجوز وضع الجبهة عليه ، للإجماع على عدم جواز الرفع إذا كان الارتفاع أقلّ منه ، فهو أخصّ مطلقا من معارضه فيجب التخصيص به.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٠ ـ ١٢٦٠ ، الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب السجود ب ٨ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٢ ـ ١٢٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ـ ١٢٣٩ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب السجود ب ٨ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٣ الصلاة ب ٢٨ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ـ ١٢٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ـ ١٢٣٨ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب السجود ب ٨ ح ١. والنبكة : بالتحريك وقد تسكّن الباء : الأرض التي فيها صعود ونزول ، والتلّ الصغير أيضا. مجمع البحرين ٥ : ٢٩٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٢ ـ ١٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ـ ١٢٤٠ ، قرب الإسناد : ٢٠٢ ـ ٧٧٩ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب السجود ب ٨ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

٢٧٦

ويضعّف بأنّ المعارض أيضا مخصوص بذلك ، لعدم وجوب الجرّ مع الوضع على ما ارتفع بقدر يجوز السجود عليه ، فيحصل التكافؤ.

مع أنّ المعارض مخصوص أيضا بصورة إمكان الجرّ بدون انفصال الجبهة ، والأوّل أعمّ منه ، بل الغالب في المكان المرتفع أنّه تنفصل الجبهة بالجرّ إلى الموضع المساوي عن الأرض ، فيتعارضان إمّا بالعموم من وجه فيرجع إلى القاعدة ، أو المطلق ، فيقدّم الخاصّ وهو أيضا مطابق للقاعدة.

وعن معارض الثاني بأنّه غير صريح في النهي عن الرفع بل غايته رجحان عدمه ، وهو لا ينافي جواز الرفع.

إلاّ أنّ دليل الرفع مخصوص بصورة عدم تمكّن الجبهة لا الوضع على ما لا يسجد عليه كما هو المطلوب ، وعدم الفصل غير معلوم.

فالقول بوجوب الجرّ مع الإمكان في الصورتين ـ كما هو مختار المدارك والذخيرة (١) ـ أقوى ممّا عليه الأكثر من التفصيل بين الموضعين بتجويز الرفع في الأوّل وإيجاب الجرّ في الثاني (٢) ، مع أنّه أقرب إلى الاحتياط أيضا.

ج : لو وضع جبهته على ما لا يسجد عليه سهوا ولم يتفطّن حتى رفع رأسه فيجي‌ء حكمه في باب خلل الصلاة (٣).

الرابع : الذكر فيه مطلقا ، أو التسبيح منه خاصّة ، على الخلاف المتقدّم في الركوع ، فإنّ السجود كالركوع في ذلك ، لاتّحاد الدليل ، إلاّ أنّه يبدّل لفظ العظيم بالأعلى استحبابا ، للمستفيضة من النصوص (٤).

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤٠٨ ، الذخيرة : ٢٨٥.

(٢) انظر : جامع المقاصد ٢ : ٢٩٩ و ٣٠٠ ، روض الجنان : ٢٧٦ ، الحدائق ٨ : ٢٨٧.

(٣) قد مرّ حكم هذا الفرع في ص ٢٧١ فراجع.

(٤) انظر : الوسائل ٦ : ٣٠٧ أبواب الركوع ب ٧ ، ٣٣٩ أبواب السجود ب ٢.

٢٧٧

الخامس : الاعتماد على المواضع السبعة بإلقاء الثقل عليها ، على ما صرح به جماعة (١).

فلو اكتفى بمجرّد الإلصاق لم يجز ، لأنّه المأخوذ في معنى الوضع المأخوذ في معنى السجدة.

فإن ثبت ذلك أو الإجماع فهو ، وإلاّ فللنظر فيه مجال ، سيّما بملاحظة الأخبار المتضمّنة لمسّ الجبهة الأرض أو إلصاقها أو إصابتها إياها (٢).

وأمّا صحيحة علي : « تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض » (٣) ورواية ابن حمّاد وصحيحة علي المتقدّمتان (٤) وإن صلحت للتأييد ولكن في دلالتها نظر من وجوه ، منها عدم صراحة الإمكان والاستمكان في المطلوب.

والأحوط مراعاته جدّا ، فلو سجد على مثل الصوف أو القطن أو الفراش الغليظ يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء.

السادس : الطمأنينة ، للإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا (٥) ، والمرسل والحسنة المتقدّمتين في الركوع (٦).

والظاهر أنّ المراد منها السكون والاستقرار ( لا مجرّد استقراره على هيئة الساجد ، فلو سجد محرّكا جبهته جارّا إيّاها على الأرض لم يطمئنّ ) (٧).

ومن هذا يظهر عدم تماميّة الاستدلال على وجوب الطمأنينة بوجوب كون‌

__________________

(١) كالشهيد في الذكرى : ٢٠١ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٢٧٩ ، وصاحب الذخيرة : ٢٨٦.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب السجود ب ٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٦ ـ ٢٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٠٦ ، الوسائل ٦ : ٣٠٠ أبواب الركوع ب ٤ ح ٣.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ه‍ ».

(٥) في ص ٢٧٦.

(٦) كما في المعتبر ٢ : ٢١٠ ، والمدارك ٣ : ٤٠٩ ، والمفاتيح ١ : ١٤٤.

(٧) راجع ص ١٩٩.

٢٧٨

الذكر في السجود ، وكذا يظهر عدم وجوب كونها بقدر الواجب من الذكر وإن كان الأحوط مراعاته ، بل الظاهر اتّحاده مع المسمّى على ما اخترناه من كفاية مطلق الذكر.

ولو تعذّرت الطمأنينة سقطت ، ويسقط معه الذكر أيضا لو لم يتمكّن من أداء الواجب منه في السجدة.

السابع : أن يراعي هيئة السجود ، فلو أكبّ على وجهه ومدّ يديه ورجليه ووضع جبهته على الأرض لم يجز ، لأنّ هذه الهيئة لا تسمّى سجودا ، بل يقال نوم على وجهه.

وعن الفاضل : وجوب تجافي البطن ، معلّلا بأنّ بدونه لا يسمّى سجودا (١).

وفيه منع ظاهر ، كما صرّح به بعض آخر أيضا (٢).

فلو ألصق بطنه الأرض مع كونه على هيئة الساجد ووضع باقي المساجد على كيفيتها الواجبة ، فالظاهر الصحّة.

الثامن : رفع الرأس من السجود حتّى يجلس.

التاسع : الطمأنينة في الجلوس بمسمّاها ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا في الموضعين (٣).

ولمرسلة الذكرى (٤).

وإحدى روايتي أبي بصير المتقدّمتين في الركوع (٥).

__________________

(١) كما في نهاية الإحكام ١ : ٤٩٠.

(٢) انظر : الحدائق ٨ : ٢٨٠.

(٣) انظر : الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، والمعتبر ٢ : ٢١٠ ، والمنتهى ١ : ٢٨٨ ، والتذكرة ١ : ١٢١.

(٤) الذكرى : ١٩٦.

(٥) راجع ص ٢٠١.

٢٧٩

وصحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان ، وفيها ـ بعد أمر الله سبحانه للنبي بالسجود للصلاة ـ : « ثمَّ أوحى الله تعالى إليه : استو جالسا يا محمّد » (١).

وظاهر أنّ الاستواء في الجلوس لا يتحقّق إلاّ مع الطمأنينة.

المطلب الثاني

في مستحبّات السجود

وهي أمور :

الأوّل : التكبير للأولى إجماعا ، له ، ولصحيحة زرارة وفيها : « فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخرّ ساجدا » (٢).

والأخرى : « ثمَّ ترفع يديك بالتكبير وتخرّ ساجدا » (٣).

والثالثة : « إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبّر ثمَّ اركع واسجد » (٤).

ورواية حمّاد وفيها : ثمَّ كبّر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ثمَّ سجد (٥).

ورواية معلّى : « كان عليّ بن الحسين عليه‌السلام إذا هوى ساجدا انكبّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٢ الصلاة ب ١٠٥ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٠ الصلاة ب ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩٧ ـ ١١٩٧ ولم يذكر فيه قوله : وكبّر ، الوسائل ٦ : ٢٩٦ أبواب الركوع ب ٢ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٢٨٠