مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

ولا أرى له وجها وجيها ، لحصول التكبيرة بالنحو المجمع عليه ، وعدم كون الزيادة بنفسها مبطلة ولا موجبة للتغيير في التكبير.

المسألة الثانية : الأخرس ينطق على قدر الإمكان الأخرس الذي سمع التكبيرة وأتقن ألفاظها ولا يقدر على التلفظ بها ، ومن بحكمه من العاجز عن النطق لعارض ، ينطق على قدر الإمكان.

ومع العجز عن النطق أصلا يقصد هذا اللفظ مع الإشارة بالإصبع ، بلا خلاف في اعتبارها ـ كما صرّح به بعضهم (١) ـ من دون ضمّ شي‌ء معها ، كما عن المبسوط والمعتبر والمنتهى والتحرير (٢).

أو منضمّا معها عقد القلب بمعناها المطابقي أو غيره من كونها ثناء على الله سبحانه ، كما في الشرائع والنافع (٣) ، وعن الإرشاد والنهاية (٤).

أو هو مع تحريك اللسان ، كما في القواعد والبيان وشرح الجعفرية وروض الجنان (٥).

ولا دليل على شي‌ء منها إلاّ ما مرّ في الأول من حكاية نفي الخلاف.

وما قيل للثاني من أنه لولاه لما تشخصت الإشارة (٦).

وللثالث من وجوبه على غير الأخرس (٧) ، وما لا يدرك كله لا يترك كله (٨) ، والميسور لا يسقط بالمعسور (٩).

__________________

(١) انظر : الرياض ١ : ١٥٤.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٣ ، المعتبر ٢ : ١٥٤ ، المنتهى ١ : ٢٦٨ ، التحرير ١ : ٣٧.

(٣) الشرائع ١ : ٧٩ ، المختصر النافع ١ : ٢٩.

(٤) الإرشاد ١ : ٢٥٢ ، النهاية : ٧٥ وقال فيها : وقراءة الأخرس .. إيماء بيده مع الاعتقاد بالقلب.

(٥) القواعد ١ : ٣٢ ، البيان : ١٥٥ ، روض الجنان : ٢٥٩.

(٦) كما في الرياض ١ : ١٥٤.

(٧) كما في نهاية الإحكام ١ : ٤٥٥ و ٤٧٩ ، وجامع المقاصد ٢ : ٢٣٨ ، وروض الجنان : ٢٥٩ ، وكشف اللثام ١ : ٢١٣.

(٨) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨.

(٩) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨.

٢١

وللطرفين من رواية السكوني : « تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (١).

ويردّ الأول : بعدم حجيته.

والثاني : بأنه فرع وجوب الأول ، مع أن التشخص يحصل بالقصد إلى اللفظ الذي هو غير عقد القلب بالمعنى ، ومنه يظهر بطلان ما قيل من أنه ممّا لا بدّ منه فيتحد قول من ذكره مع قول من تركه (٢).

والثالث : بعدم الدلالة كما هو مبيّن في موضعه.

والرابع : بخروجه عن المفروض ، ودلالته عليه بالفحوى أو تنقيح المناط ممنوعة.

فالقول بسقوط التكبيرة عنه ـ كما احتمله في المدارك (٣) ـ قريب ، إلاّ أن اعتبار ما ذكره الأصحاب سيّما الأول بل مع الثاني أولى وأحوط.

وغير الأخرس العاجز عن التلفظ بخصوص هذا اللفظ ـ وإن قدر على غيره ـ يتعلّمه ما أمكن إجماعا ، لتوقف الواجب عليه.

ومع تعذّر التعلّم فالمشهور ـ بل المدّعى عليه إجماع علمائنا (٤) ـ أنه يتلفظ بترجمته بلغته ، أو مطلقا مع المعرفة بها. ولا يتعيّن عند الأكثر (٥) السريانيّة والعبرانيّة ، ولا الفارسيّة بعدهما ـ وإن قيل بتعيّن الثلاثة مرتبا بينها (٦) ـ لعدم وضوح مستنده.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٥ الصلاة ب ٢١ ح ١٧ ، التهذيب ٥ : ٩٣ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٨١ أبواب الإحرام ب ٣٩ ح ١.

(٢) كما في الرياض ١ : ١٥٤.

(٣) المدارك ٣ : ٣٢١.

(٤) انظر : مجمع الفائدة ٢ : ١٩٥ ، والمدارك ٣ : ٣٢٠ ، والرياض ١ : ١٥٤.

(٥) منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٥٥ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٥٦ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٦٧ ، وصاحب الرياض ١ : ١٥٤.

(٦) نقله في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٣٨ عن الموجز الحاوي وكشف الالتباس والمقاصد العلية.

٢٢

واستدل لأصل الحكم بوجوب تحصيل البراءة اليقينية.

وإبراز المعاني بالألفاظ المعروفة ، وبتعذّر تلك الألفاظ يجب إبراز المعاني بما أمكن ، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

ويردّ الأول : بحصول البراءة اليقينية عمّا قطع بالاشتغال به ، وأصالة عدم الاشتغال بغيره.

والثاني : بعدم الدلالة ، مع احتمال كون الواجب هو التلفظ بهذا اللفظ خاصة من غير التفات إلى المعنى وإن كان بعيدا ، ولذا احتمل بعض المتأخرين. سقوط التكبيرة حينئذ (١). وهو حسن لو لا الإجماع على خلافه ، ولا شك أن متابعة المشهور أحوط.

والظاهر أن الاكتفاء بالترجمة إنما هو مع ضيق الوقت إلاّ إذا قطع بعدم إمكان التعلّم مع السعة فيجوز فيها أيضا ، ولعلّه مراد من خصّه بالضيق مطلقا بناء على تعارف حصول المعرفة بالسعي.

وفي وجوب التلفظ بالمرادف العربي لو أمكن والاكتفاء في الترجمة بما يتعذر تعلمه ـ لو علم البعض ـ احتمال.

المسألة الثالثة : المصلي مخيّر في تعيين تكبيرة الإحرام من التكبيرات السبعالمشهور ـ كما نصّ عليه جماعة (٢) ، بل بلا خلاف بين أصحابنا كما صرّح به بعضهم (٣) ، بل به قال أصحابنا كما في المنتهى (٤) مؤذنا بالإجماع عليه ، بل بالإجماع كما عن ظاهر الذكرى (٥) ـ أن المصلي مخيّر في تعيين تكبيرة الإحرام من التكبيرات السبع التي يستحب التوجه بها ، لإطلاق النصوص‌

__________________

(١) كما في المدارك ٣ : ٣٢٠.

(٢) منهم صاحب الحدائق ٨ : ٢١.

(٣) منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٢٧ ، والمجلسي في البحار ٨١ : ٣٥٧.

(٤) المنتهى ١ : ٢٦٨.

(٥) الذكرى : ١٧٩.

٢٣

باستحباب السبع من دون تصريح بتعيين تكبيرة الإحرام منها (١) ، مع أنّها واحدة منها إجماعا ، ولأن تكبيرة الإحرام ليست بخارجة منها إجماعا ، ولا مجموعها كذلك ، ولا واحدة معيّنة منها ، لأصالة عدم التعيين ، ولبطلان الترجيح من غير مرجّح ، فيكون واحدا لا بعينه.

وصرّح بعض مشايخنا المحدّثين بتعيين الاولى منها لها (٢) ، وهو ظاهر الوافي (٣) ، والمنقول عن البهائي في بعض حواشيه ، والسيد نعمة الله الجزائري (٤) ، لصحيحة الحلبي : « إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ، ثمَّ ابسطها بسطا ، ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات » إلى أن قال : « ثمَّ تكبّر تكبيرتين » الحديث (٥).

فإنّ الافتتاح لا يطلق حقيقة إلاّ على تكبيرة الإحرام ، وما يقع قبلها ليس من الافتتاح في شي‌ء وإن سمّي ما عداه تكبيرات الافتتاح بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام التي يقع بها الافتتاح.

وصحيحة زرارة ، الواردة في علّة استحباب السبع بإبطاء الحسين عليه‌السلام عن الكلام ، وفيها : « فافتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة فكبر الحسين ، فلمّا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكبيره أعاد ، فكبّر الحسين عليه‌السلام ، حتى كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع تكبيرات وكبّر الحسين عليه‌السلام ، فجرت السنّة بذلك » (٦).

فإنها تدل على أنّ التكبير الأول هو تكبيرة الإحرام ، لإطلاق الافتتاح‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٦ : ٢٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧.

(٢) كما في الحدائق ٨ : ٢١.

(٣) الوافي ٨ : ٦٣٨.

(٤) نقله عنهما صاحب الحدائق ٨ : ٢١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٠ الصلاة ب ٢٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ـ ٢٤٤ ، الوسائل ٦ : ٢٤ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٩٩ ـ ٩١٨ ، علل الشرائع : ٣٣٢ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ٢١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٤.

٢٤

عليها ، وكون العود إلى البواقي لتمرين الحسين عليه‌السلام.

وصحيحته الأخرى ، الآمرة بإعادة الصلاة بنسيان أوّل تكبيرة من الافتتاح (١) ، ولو لا أنه تكبيرة الإحرام لما تعاد الصلاة بنسيانه.

والثالثة ، الواردة في صلاة الخوف ، وفيها : « ولكن يستقبل بأول تكبيرة حين يتوجّه » (٢).

ويردّ الأوّلان : بمنع كون الافتتاح حقيقة في تكبيرة الإحرام ، بل يطلق على الجميع ، وعلى خصوص تكبيرة الإحرام مجازا.

وقد أطلق على الجميع كثيرا ، كما ورد في بعض الأخبار أنه : « إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة ، وإن شئت ثلاثا ، وإن شئت خمسا ، وإن شئت سبعا » (٣).

وفي بعض الصحاح : الافتتاح؟ قال : « تكبيرة تجزيك » قلت : فالسبع؟ قال : « ذلك الفضل » (٤).

وفي آخر : « التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي ، والثلاث أفضل ، والسبع أفضل كلّه » (٥).

وفي الموثق : « استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء » (٦).

ويكون إطلاق الافتتاح على الاولى باعتبار كونها افتتاحا لمطلوبات الصلاة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٥ ـ ٥٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ ـ ١٣٣١ ، الوسائل ٦ : ١٤ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٥ ـ ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٨ : ٤٤١ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ٦ : ٢١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٤١ ، علل الشرائع : ٣٣٢ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ٩ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ٦ : ١٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ـ ١١٥٢ ، الخصال : ٣٤٧ ـ ١٧ ، الوسائل ٦ : ٢١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٢.

٢٥

التي منها التكبيرات ودعواتها ، وعلى الأخيرة باعتبار كونها افتتاحا لواجباتها.

والثالثة : بأنها إنما تفيد لو كان المعنى : ينسى أول التكبيرات من تكبيرات الافتتاح ، ولكن يمكن أن يكون المعنى : ينسى أول تكبيرة من التكبيرات الداخلة في الصلاة ، وهي التي من الافتتاح أي بعضه حيث إنه يحصل به وبالنية ، أو التي لأجله حتى تكون لفظة : « من » بمعنى اللام ، أو المسببة عن الافتتاح حتى تكون سببيّة.

والرابعة : بمنع الدلالة ، إذ لا يثبت منها إلاّ رجحان الاستقبال ، وهو ثابت في غير تكبيرة الإحرام أيضا.

مضافا إلى ما في الاولى من أن المراد بقوله فيها : « افتتحت » ليس بالتكبيرة قطعا ، للأمر بسبع تكبيرات بعده متراخيا ، فمعناه : أردت الافتتاح ، فلا يفيد شيئا.

وفي الثانية أنّ افتتاحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأولى لا ينافي التخيير ، وليس المراد بجريان السنّة بذلك جريانها بجعل الاولى افتتاحا بل بالسبع ، وأيضا المستفاد منها أنّ السبع لم تكن مشروعة بعد فكانت الاولى افتتاحا قطعا وتكون خارجة عن المقام. والاستصحاب ـ كما قيل (١) ـ لا يفيد ، إذ المشروع قبل ذلك كما كان أولا كان آخرا أيضا ، للانحصار فيه. واستصحاب فعل النبي لا معنى له.

ومع ذلك كلّه يعارضها الرضوي : « واعلم أن السابعة هي الفريضة ، وهي تكبيرة الإحرام ، وبها تحرم الصلاة » (٢).

فإنها تدلّ على تعيّن الأخيرة للإحرام كما حكي عن ظاهر المراسم والكافي والغنية (٣).

إلاّ أنه ـ لضعفه ـ عن إثبات الحكم قاصر ، وانجباره بعمل القوم غير‌

__________________

(١) انظر : شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٢) فقه الرضا (ع) : ١٠٥ بتفاوت يسير.

(٣) المراسم : ٧٠ ، الكافي في الفقه : ١٢٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٩.

٢٦

ظاهر ، بل نقل الاشتهار على التخيير المنافي له متواتر (١) ، نعم لثبوت التسامح في أدلّة الفضل لإثباته صالح.

فالقول بالتخيير لما مرّ ، مع أفضلية جعلها الأخيرة كما عن المبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره والذكرى والروضة وروض الجنان وشرح القواعد (٢) ، لأجل الرضوي ، وللخروج عن خلاف من ذكر ، أقوى.

المسألة الرابعة : يشترط فيها جميع ما يشترط في الصلاة ، من الطهارة والستر والقيام والاستقبال ، فلا تجزي التكبيرة لو كبّر مع انتفاء واحد مما ذكر ، لأن ذلك مقتضى الجزئيّة والركنيّة الثابتتين بالإجماع وغيره.

مضافا في اشتراط القيام ـ الموجب لعدم الإجزاء ولو كبّر هاويا إلى الركوع ـ إلى الموثّقة : « وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعليه أن يفتتح صلاته ويقوم ، فيفتتح الصلاة وهو قائم ، ولا يعتدّ بافتتاحه وهو قاعد » (٣).

ومفهوم الصحيحة : « إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه ، فقد أدرك الركعة » (٤).

خلافا للمحكي عن المبسوط وروض الجنان فقالا : إن كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنيا صحّت صلاته (٥).

واستدل له بأصالة عدم البطلان ، واحتياجه إلى الدليل.

__________________

(١) راجع ص ٢٣.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٤ ، الاقتصاد : ٢٦١ ، مصباح المتهجد : ٣٣ ، الذكرى : ١٧٩ ، الروضة ١ : ٢٨١ ، روض الجنان : ٢٦٠ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٣٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ٥ : ٥٠٣ أبواب القيام ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٢ الصلاة ب ٦١ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٥٢ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ ـ ١٦٧٩ ، الوسائل ٨ : ٣٨٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ١.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٥ ، روض الجنان : ٢٥٨ و ٢٥٩.

٢٧

ويردّ بوجوده كما عرفت.

وقد يردّ بتوقيفيّة العبادة ، وتوقّف الصحة على الدلالة ، واستصحاب عدم البراءة (١) ، وفيه نظر.

المسألة الخامسة : يستحب للإمام الجهر بها إجماعا ، لصحيحة الحلبي : « إذا كنت إماما يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها ، وتسرّ ستّا » (٢) ونحوها غيرها (٣).

ولا يضرّ عدم تصريحها بتكبيرة الإحرام ، لأن الإجماع على أنّ ما يجهر بها من السبع هو تكبيرة الإحرام يجعلها صريحة فيها ، مع أنّ الواحدة التي تجزي ليست إلاّ هي.

وعموم موثقة أبي بصير : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول ، وللمأموم أن لا يسمع الإمام شيئا ممّا يقول » (٤) خرج منه ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

ويستفاد من الأخيرة ما صرّح به بل بعدم الخلاف فيه ـ الذي هو أيضا حجة مستقلة فيه لتحمّل المقام للمسامحة ـ جماعة منهم المنتهى (٥) ، من استحباب إسماع الإمام جميع المأمومين إيّاها.

وهو كذلك ، لذلك. إلاّ أنه يجب استثناء من يفتقر من المأمومين إسماعه إلى العلوّ المفرط ، لما دلّ على المنع منه في الصلاة (٦).

__________________

(١) انظر : كشف اللثام ١ : ٢١٤ ، والرياض ١ : ١٥٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ـ ١١٥١ ، الخصال : ٣٤٧ ـ ١٨ ، الوسائل ٦ : ٣٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢ ح ١ و ٣.

(٣) انظر : الوسائل ٦ : ٣٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.

(٥) المنتهى ١ : ٢٦٩.

(٦) انظر : الوسائل ٦ : ٩٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٣.

٢٨

وكذلك يستفاد منها حكم آخر صرّح به الأكثر (١) ، وهو استحباب الإسرار بها للمأموم.

وأما غيرهما فيتخير ، لإطلاق النصوص ، وأصالة البراءة عن أحد الأمرين.

خلافا للمحكي عن الجعفي ، فأطلق استحباب رفع الصوت بها (٢).

ولا مستند واضحا له عدا إطلاق بعض النصوص بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكبّر واحدة يجهر بها ويسرّ ستّا (٣).

ولكنه بيان للفعل الذي لا عموم فيه ، فيحتمل وقوعه جماعة كما هو الغالب في صلاته.

المسألة السادسة : ويرفع المصلّي بها يديه إجماعا محقّقا ومنقولا (٤) ، له ، وللمستفيضة من الصحاح وغيرها.

فمن الأولى صحيحة ابن عمّار : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلا (٥).

والجمّال : رأيت أبا عبد الله إذا كبّر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه (٦).

وابن سنان : يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (٧).

وحمّاد : ثمَّ كبّر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه (٨).

__________________

(١) منهم صاحب المدارك ٣ : ٣٢٤ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٣٦ ، وصاحب الرياض ١ : ١٥٥.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ١٧٩.

(٣) الخصال : ٣٤٧ ـ ١٦ ، الوسائل ٦ : ٣٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢ ح ٢.

(٤) كما في الخلاف ١ : ٣١٩ ، والمعتبر ٢ : ١٥٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٥ ـ ٢٣٤ ، الوسائل ٦ : ٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٥ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ٦ : ٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٣٦ ، الوسائل ٦ : ٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٣.

(٨) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٢٩

ومن الثانية مرسلة الفقيه ، وفيها : « وارفع يديك بالتكبير إلى نحرك ، ولا تجاوز بكفيك أذنيك حيال خدّيك ، ثمَّ ابسطهما بسطا وكبّر ثلاث تكبيرات ـ إلى أن قال ـ : ثمَّ كبّر تكبيرتين في ترسّل ترفع بهما يديك » الحديث (١).

وحسنتا زرارة ، إحداهما : « ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا ترفعهما كلّ ذلك » (٢).

والأخرى : « إذا قمت في الصلاة فكبّرت فارفع يديك ، ولا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خدّيك » (٣).

ورواية ابن حازم : رأيت أبا عبد الله افتتح الصلاة ، فرفع يديه حيال وجهه واستقبل القبلة ببطن كفيه (٤).

والرضوي : « فإذا افتتحت الصلاة فكبّر وارفع يديك بحذاء أذنيك ، ولا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك » (٥).

استحبابا بالإجماع المصرّح به في أمالي الصدوق والمنتهى وشرح القواعد (٦) ، بل في كلام جماعة كما قيل (٧) ، وصريح الأخير أنه إجماع المسلمين.

لا لأجل معارضة الدالّ على الوجوب من الأخبار مع صحيحة علي : « على الإمام أن يرفع يده في الصلاة ، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة » (٨) حيث إنها تدلّ على نفي الوجوب على غير الإمام المستلزم لنفيه مطلقا بالإجماع المركّب.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٧ ـ ٩١٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٩ الصلاة ب ٢٠ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٣١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٩ الصلاة ب ٢٠ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٣١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٠ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ٦ : ٢٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٦.

(٥) فقه الرضا (ع) : ١٠١ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٨٧ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٧.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١١ ، المنتهى ١ : ٢٦٩ ، جامع المقاصد ١ : ٢٤٠.

(٧) انظر : الرياض ١ : ١٥٥.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ـ ١١٥٣ ، قرب الاسناد : ٢٠٨ ـ ٨٠٨ ، الوسائل ٦ : ٢٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٧.

٣٠

لدلالتها على الوجوب على الإمام المستلزم لوجوبه مطلقا أيضا بما ذكر.

والقول (١) بأنها نصّ في رفع الوجوب على غير الإمام ، وظاهر في وجوبه عليه لجواز إرادة شدة الاستحباب منه ، وصرف الظاهر إلى النصّ لازم حيث لا يمكن الجمع بينها بإبقاء كلّ منهما على حاله هنا للإجماع المركب.

مردود بمنع النصوصية في الأول ، لجواز إرادة خفّة الوجوب منه ، فإنّ للوجوب مراتب كالاستحباب.

بل (٢) لضعف الدال على الوجوب منها بشذوذ القول به جدّا كما في الجميع ، أو بعدم ثبوت الحجية كما في الرضوي ، مع القصور عن إفادة الوجوب دلالة أيضا باعتبار عدم اشتمال الحجّة منها غير المرسلة وإحدى الحسنتين على الأمر المفيد للوجوب ، وهما وإن اشتملتا عليه إلاّ أنّ إطلاقهما بالنسبة إلى جميع التكبيرات السبع ـ بل تصريح الاولى بها ـ وعدم القول بوجوب الرفع في غير واحدة منها ، يوجب دوران الأمر بين حمل الأمر على الاستحباب أو تقييد التكبير بالإحرام ، ولا ترجيح بينهما عندنا ، مع أنّ الأول في الأولى ـ لما قلنا ـ متعيّن ، مضافا إلى مفهوم الحصر في الرضوي الآتي في تكبيرة الركوع (٣).

خلافا للانتصار فأوجبه (٤).

لادّعائه الإجماع عليه الذي هو في نفسه عندنا ليس بحجّة ، سيما مع معارضته مع الإجماعات العديدة ومخالفته لفتوى معظم الطائفة.

ولظاهر بعض الأخبار المتقدّمة بجوابه.

ولقوله سبحانه ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٥) بملاحظة الأخبار المفسّرة للنحر‌

__________________

(١) انظر : الرياض ١ : ١٥٥.

(٢) عطف على قوله : لا لأجل معارضة ..

(٣) لعلّ مراده (ره) رواية علل الفضل المنقولة عن الرضا عليه‌السلام ، انظر ص ٢١٦.

(٤) الانتصار : ٤٤.

(٥) الكوثر : ٢.

٣١

فيها برفع اليدين بالتكبير في الصلاة (١).

ويجاب عنه ـ مع خلوّ الحجّة من تلك الأخبار عن التفسير بالرفع في الصلاة ـ بمعارضتها مع ما يفسّره بغير ذلك ، وهو مرسلة حريز : قلت له ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال : « النحر هو الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه ونحره » (٢).

وإمكان تفسير الآية بالأمرين ـ كما قيل (٣) ـ لكون القرآن دلولا ذا وجوه فلا تعارض ، كلام خال عن التحصيل ، لأن المراد أنّه يمكن حمله على معان كثيرة ، لا أن يستدل بالجميع.

إلى (٤) أن يصل أسفل الوجه قليلا ، كما في الصحيحة الاولى ، وهو الموافق للنحر المصرّح به في المرسلة ، فيتحد ذلك مع قول من ندب الإيصال إلى المنحر (٥) ، بل وكذا المنكب (٦) ، لأنهما أسفل الوجه.

أو يصل حيال الوجه ، لأكثر الروايات المتقدّمة ، وهو شحمتا الأذنين المذكورة في بعض الروايات (٧) ، المصرّح بها في طائفة من العبارات كما هو المعلوم وتدل عليه الحسنة الأخيرة أيضا من حيث التفسير بقوله « أي حيال خدّيك ».

مخيرا بين الغايتين وإن كان الأولى بل الأقوى تعيين الأخيرة ، لكون رواياتها أخص من مفهوم الغاية في رواية المنحر الدال على عدم الرفع زائدا عليه ، سواء بلغ إلى الحدّ أو تجاوز عنه ، فيحمل الأخيرة على الاولى ، وهو منتهى الرفع اتفاقا نصّا وفتوى ، فيكره ما زاد عليه كما صرّح به في طائفة من الأخبار (٨).

__________________

(١) انظر : مجمع البيان ٥ : ٥٥٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٦ الصلاة ب ٢٩ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ٥ : ٤٨٩ أبواب القيام ب ٢ ح ٣.

(٣) انظر : الحدائق ٨ : ٤٥.

(٤) تحديد لرفع اليد.

(٥) حكاه عن ابن أبي عقيل في الذكرى : ١٧٩.

(٦) الصدوق في الفقيه ١ : ١٩٨.

(٧) انظر : الوسائل ٦ : ٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ وص ٣١ ب ١٠.

(٨) انظر : الوسائل ٦ : ٣١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٠.

٣٢

مضمومتي الأصابع كلّها ، كما عليه الأكثر ، ومنهم الخلاف مدّعيا عليه الإجماع (١).

أو ما عدا الإبهام ، كما في السرائر (٢) ، وعن الإسكافي والسيّد والمفيد والقاضي (٣).

أو ما عدا الخنصر.

ويدل على الأول ما في صحيحة حمّاد في وصف صلاة الصادق عليه‌السلام حيث قال : فقام مستقبل القبلة منتصبا ، فأرسل يديه على فخذيه قد ضمّ أصابعه (٤) باستصحاب تلك الحالة إلى الرفع.

وعلى الثاني ما في الذكرى (٥) من أنه منصوص ، ومثله كاف في المقام.

وعلى الثالث ما في البحار عن كتاب زيد النرسي ، عن أبي الحسن الأول : أنه رآه يصلّي ، فكان إذا كبّر في الصلاة ألزق أصابع يديه ، الإبهام والسبابة والوسطى والتي تليها ، وفرّج بينها وبين الخنصر (٦).

ويردّ الأول باندفاع الاستصحاب بما للثاني ذكر.

والآخر بأنه مخالف للإجماع لاتفاقهم على استحباب ضمّ الخنصر ، فبقي الثاني وهو الأقوى.

مستقبلا للقبلة بباطن كفّيه ، لخبر منصور المذكور (٧).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٢١.

(٢) السرائر ١ : ٢١٦.

(٣) نقله عن الإسكافي والسيد في المعتبر ٢ : ١٥٦ ، المفيد في المقنعة : ١٠٣ ، القاضي في المهذب ١ : ٩٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٥) الذكرى : ١٧٩.

(٦) البحار ٨١ : ٢٢٥ ـ ١٢.

(٧) في ص ٣٠.

٣٣

مبتدئا بالرفع بابتداء التكبير ، منتهيا له بانتهائه على المشهور ، بل في المعتبر والمنتهى (١) الإجماع عليه ، وهو الحجّة فيه.

مضافا إلى أنه مقتضى الرفع حين الافتتاح كما في الصحيحين الأول والثالث (٢) ، إذ لو تقدّم أحدهما على الآخر لم يتّحدا في الحين. بل هو مقتضى الصحيح الثاني (٣) الدال على كون الرفع وقت التكبير ، والحسن الأول (٤) المصرّح بالرفع في الافتتاح ، والمرسلة (٥) المصرّحة بالرفع بالتكبير.

ولا ينافيه الحسن الآخر والرواية المتعقبة له (٦) الظاهران في كون الرفع بعد التكبير ، لوجوب جعل الفاء فيهما بمعنى الواو كما في الرضوي (٧) ، للإجماع على خلافه ، مع كون ما ذكرنا صالحا للقرينة له.

نعم ظاهر المرسل المنافاة ، لاقتضائه ـ لمكان ثمَّ ـ لكون التكبير بعد الرفع قبل الإرسال ، كما هو القول الثاني في المسألة (٨) ، أو مقارنا له كما هو القول الآخر (٩).

ويدفعها وجوب إخراج لفظة : « ثمَّ » عن معناها الحقيقي الذي هو التعقيب المقيّد بالمهلة بالإجماع ، لعدم استحباب الإمهال ، سيّما إمهال بعد إمهال. ومجازها كما يمكن أن يكون التعقيب المطلق يمكن أن يكون المعيّة ليكون بمعنى لفظة الواو ، فلا يعلم المنافاة.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٠٠ ، المنتهى ١ : ٢٨٥.

(٢) المتقدمين في ص ٢٩.

(٣) المتقدم في ص ٢٩.

(٤) المتقدم في ص ٣٠.

(٥) المتقدمة في ص ٣٠.

(٦) المتقدمان في ص ٣٠.

(٧) المتقدم في ص ٣٠.

(٨) نسبه في التذكرة ١ : ١١٣ إلى ظاهر الشافعي.

(٩) حكاه عن البعض في نهاية الإحكام ١ : ٤٥٧ ، التذكرة ١ : ١١٣.

٣٤

ثمَّ إنّ ظاهر بعض الأخبار ـ سيّما الواردة في رفع اليد للركوع والسجود (١) ـ كون رفع اليدين بنفسه مستحبا غير موقوف على التكبير ، كما صرّح به بعض الأصحاب أيضا (٢).

* * *

__________________

(١) انظر : الوسائل ٦ : ٢٩٦ أبواب الركوع ب ٢.

(٢) كصاحب الحدائق ٨ : ٢٦١.

٣٥

البحث الثالث

في القيام‌

وهو واجب في الفرائض حال تكبيرة الإحرام والقراءة وقبل الركوع وبعده ، إجماعا من المسلمين ، بل ضرورة من الدين ـ إلاّ فيما مرّ فيه الخلاف في التكبيرة (١) ـ وهو الحجّة فيه.

مضافا إلى الروايات المتكثّرة التي منها الصحيحة الواردة في صلاة الصادق عليه‌السلام في مقام تعليم حمّاد ، المشتملة على القيام في جميع تلك الحالات ، المتضمّنة لقوله : « يا حمّاد هكذا صلّ » (٢) الموجب لوجوب كل ما اشتمل عليه ، إلاّ ما قام الدليل على استحبابه.

والعامي المنجبر وهو قوله عليه‌السلام لرافع : « صلّ قائما » (٣) الموجب له في غير ما أخرجه الدليل من أجزاء الصلاة.

وصحيحة جميل : ما حدّ المريض الذي يصلّي قاعدا؟ ـ إلى أن قال ـ : « إذا قوي فليقم » (٤) والتقريب ما مرّ.

والاستدلال بقوله سبحانه ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٥) بملاحظة انتفاء الوجوب المدلول عليه بالأمر في غير الصلاة ضرورة. وقوله تعالى : ( الَّذِينَ

__________________

(١) راجع ص ٢٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) مسند أحمد ٤ : ٤٢٦.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٠ الصلاة ب ٦٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ـ ٦٧٣ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

(٥) البقرة : ٢٣٨.

٣٦

يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ) (١) بملاحظة ما ورد في تفسيره كحسنة أبي حمزة في هذه الآية ، قال : « الصحيح يصلّي قائما ، وقعودا : المريض يصلّي جالسا » الحديث (٢). وقريب منها غيرها (٣). وبما ورد في الصحاح من قوله : « من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له » (٤).

غير جيّد ، لعدم أولويّة تخصيص القنوت في الأول بالصلاة عن حمل الأمر على الاستحباب ، وعدم دلالة الثاني على الوجوب وعلى تعيين القيام أيضا ، والثالث على القيام فإنّ إقامة الصلب أعمّ منه لتحققها مع الجلوس أيضا إذا لم ينحن فيه ، ولذا أمر في صحيحة زرارة (٥) بها حين الركوع أيضا ، مع أنهما على فرض الدلالة لا تفيدان إلاّ في الجملة ، فتأمّل (٦).

والأصل فيه الركنيّة مطلقا ، لما مرّ في التكبيرة ، خرج منه المواضع التي لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقصه بالدليل الخارجي.

وقيل بركنيته في الجملة (٧). وقيل : في حال التكبيرة والمتصل بالركوع (٨). وقيل : تابع لما وقع فيه (٩) ، ينقسم بانقسامه في الركنية والوجوب والاستحباب (١٠).

ومئال الكل واحد ، فلا تترتب على ما ذكرنا من الأصل ثمرة ، لاتفاقهم على‌

__________________

(١) آل عمران : ١٩١.

(٢) الكافي ٣ : ٤١١ الصلاة ب ٦٩ ح ١١ ، التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨١ أبواب القيام ب ١ ح ١.

(٣) انظر : الوسائل ٥ : ٤٨١ أبواب القيام ب ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٠ الصلاة ب ٢٤ ح ٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٩ أبواب القيام ب ٢ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٦) إشارة إلى إمكان استنباط الأصل منهما. منه رحمه الله تعالى.

(٧) كما في الحدائق ٨ : ٦٠.

(٨) كما في المفاتيح ١ : ١٢٠ ، والرياض ١ : ١٥٦.

(٩) كما في جامع المقاصد ٢ : ١٩٩ ، والمدارك : ٣٢٦ ، وكفاية الأحكام : ١٨.

(١٠) اتصافه بالاستحباب انما هو في حال القنوت ، والقول بأنه متصل بالقراءة فهو في الحقيقة قيام‌

٣٧

البطلان بتركه عمدا في جميع ما ذكر ، وسهوا في حال التكبيرة وقبل الركوع ، وبزيادته عمدا في غير موضعه ، وعلى عدم البطلان بنقصانه في القراءة وأبعاضها نسيانا ، وبزيادته في غير المحل سهوا.

ومنه يظهر تخلف مقتضى الأصل في غير حال التكبيرة والقيام المتّصل بالركوع ، وبقاؤه والحكم بالركنية في الحالين ، وثمرتها فساد الصلاة لو أتى بهما من غير قيام.

والقول بأن تركه في الحالة الأخيرة مقترن بترك الركوع ومعه يستغنى عن القيام ، لأنّ ترك الركوع مستقل في الإبطال.

باطل ، لمنع قوله : مقترن بترك الركوع ، إذ لا تلازم بين ترك القيام قبل الركوع وتركه ، للتخلف فيما لو أتى به عن جلوس ، لأنه ركوع حقيقة وعرفا ، ولا وجه لفساد الصلاة حينئذ إلاّ ترك القيام. إلاّ أن يمنع كون الإتيان بالركوع عن الجلوس ركوعا حقيقة كما هو الظاهر ، فإنّ الظاهر اعتبار الانحناء عن القيام فيه كما يأتي.

وأما النيّة فلعدم ثبوت جزئيتها للصلاة فلا يعلم وجوب القيام فيها ، مع أن النيّة هي الحكمية الواجب تحققها مع التكبيرة الواجب معها القيام قطعا فلا ثمرة في الكلام في قيام النيّة.

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : حدّ القيام الواجب ما يصدق عليه القيام عرفا ، لأنه المرجع في تعيين المعاني.

__________________

واحد فكيف يتصف بعضه بالوجوب وبعضه بالاستحباب باطل ، لأنه أمر ممتدّ يقبل الانقسام ، وقد يقال : ان القيام المتصل بالركوع مع ما للقراءة أمر واحد ، وهو باطل لإمكان التخلف كما في ناسي القراءة والجالس بها سهوا أو الساكت بعدها ، مع أنه فرق بين الكلي وجزئيّة كالوقوف بعرفة فإنه ركن واستيعابه واجب. منه رحمه الله تعالى.

٣٨

وهو يتحقق بانتصاب فقار الظّهر عرفا المتحد مع إقامة الصلب كذلك أيضا ، لشهادة العرف ، وللأمر بالانتصاب في مرسلة الفقيه بقوله : « وقم منتصبا » (١) والرضوي المنجبر : « وانصب نفسك » (٢). والمروي في قرب الإسناد الآتي في بحث طمأنينة الركوع (٣).

ولنفي الصلاة عمّن لا يقيم صلبه في المعتبرة.

ولصحيحة زرارة : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثمَّ اركع » (٤). ولا قائل بالفصل في حالات القيام.

ولانتصاب الصادق عليه‌السلام كما في صحيحة حمّاد (٥) وأمره بالصلاة هكذا.

وإن كان في دلالة الأخيرين نظر ، لعدم وجوب القول في الأول ، واشتمال الثاني على غير الواجب الموجب للتجوّز إمّا في قوله : « هكذا » أو في « صلّ ».

وإذا ظهر وجوب الانتصاب فلا يجوز الانحناء ولو لم يصل حدّ الركوع ، ولا الميل إلى أحد الجانبين ، إلاّ إذا كان قليلا جدّا بحيث لا ينافي صدق الانتصاب بإقامة الصلب في العرف.

وأما إطراق الرأس فهو غير مناف له ولا لصدق القيام ، فهو ليس بمخلّ وإن كان الأولى تركه ، لفتوى جماعة (٦) بأولويّته ، مضافا إلى تفسير قوله سبحانه :

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٧ ـ ٩١٧ عن الصادق عليه‌السلام ، ورواه في موضع آخر ( ص ١٨٠ ـ ٨٥٦ ) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وفي الوسائل ٥ : ٤٨٨ أبواب القيام ب ٢ ح ١.

(٢) فقه الرضا (ع) : ١٠١ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٨٧ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٧.

(٣) انظر : ص ١٩٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٥) المتقدمة في ص ٣٦.

(٦) منهم صاحب المدارك ٣ : ٣٢٨ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٦٥ ، وصاحب الرياض ١ : ١٥٦.

٣٩

( وَانْحَرْ ) (١) بإقامة الصلب والنحر في الخبر (٢) ، وإن لم تخل دلالته عن نظر.

وعن الحلبي (٣) : استحباب إرسال الذقن إلى الصدر المستلزم للإطراق ، ولعلّه لكونه أقرب إلى الخضوع المأمور به ، ولا بأس به.

المسألة الثانية : لا يجوز الاعتماد على شي‌ء بحيث لو رفع السناد لسقط الأشهر ـ بل عليه عامة من تأخر عدا من ندر كما قيل (٤) ، بل عن المختلف (٥) الإجماع عليه ـ وجوب الاستقلال مع الاختيار ، بمعنى عدم الاعتماد على شي‌ء بحيث لو رفع السناد لسقط.

للتأسّي.

والإجماع المنقول.

وتوقف القطع بالبراءة عليه.

وقوله : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (٦).

وصحيحة ابن سنان : « لا تستند بخمرك وأنت تصلّي ، ولا تستند إلى جدار إلاّ أن تكون مريضا » (٧).

ومفهوم المروي في دعوات الراوندي : « فإن لم يتمكن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة وليصلّ قائما » (٨).

__________________

(١) الكوثر : ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٦ الصلاة ب ٢٩ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ٥ : ٤٨٩ أبواب القيام ب ٢ ح ٣.

(٣) الكافي في الفقه : ١٤٢.

(٤) انظر : الرياض ١ : ١٥٦.

(٥) المختلف : ١٠٠.

(٦) عوالي اللئالي ١ : ١٩٧ ـ ٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٧٣.

(٧) التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٤ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب القيام ب ١٠ ح ٢ ، وفيهما : لا تمسك بخمرك. والخمر بالخاء المعجمة والميم المفتوحتين : ما واراك من شجر. منه رحمه الله تعالى.

(٨) دعوات الراوندي : ٢١٣ ـ ٥٧٦ ، المستدرك ٤ : ١١٧ أبواب القيام ب ١ ح ٧.

٤٠