مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

المسألة الثالثة : يجب رفع الرأس منه والانتصاب والطمأنينة فيه بمسمّاها‌ إجماعا محقّقا ومحكيّا مستفيضا (١) ، له ، وللأخبار :

منها : صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان ، وفيها بعد ركوع النبي في الصلاة ليلة المعراج : « ثمَّ أوحى إليه أن ارفع رأسك يا محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ » (٢).

ومنها : رواية أبي بصير : « إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك ، فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه » (٣).

وإقامة الصّلب لا تتحقّق بدون الثلاثة.

وروايته الأخرى : « وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى يرجع مفاصلك ، وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك » (٤).

والرضوي : « وإذا رفعت رأسك من الركوع فانصب قائما حتى يرجع مفاصلك كلّها إلى المكان ، ثمَّ اسجد » (٥).

وعلى هذا فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل الانتصاب أو الطمأنينة.

نعم لو كان له عذر مانع من أحدهما سقط ، لأنّ الله أولى بالعذر ، كما ورد في الأخبار (٦). وكذا لو تركه ناسيا حتى يخرج من محلّه ، لأنّهما ليسا بركن. وعن الخلاف الركنيّة مدّعيا عليه الإجماع (٧). وهو شاذّ ، وسيأتي الكلام فيه.

__________________

(١) انظر : الخلاف ١ : ٣٥١ ، والمعتبر ٢ : ١٩٧ ، والمدارك ٣ : ٣٨٩ ، والمفاتيح ١ : ١٣٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٢ الصلاة ب ١٠٥ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٠ الصلاة ب ٢٤ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٧٨ ـ ٢٩٠ ، الوسائل ٦ : ٣٢١ أبواب الركوع ب ١٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٥ ـ ١٣٣٢ ، الوسائل ٦ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٩.

(٥) فقه الرضا (ع) : ١٠٢ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٨٧ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٧.

(٦) انظر : الوسائل ٨ : ٢٥٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٣.

(٧) الخلاف ١ : ٣٥١.

٢٠١

ولا فرق في وجوب الرفع والطمأنينة معه بين الفريضة والنافلة على ظاهر الإجماع ، وإن كان الوجوب في الثانية شرطيّا ، بل شرعيّا على القول بعدم جواز إبطال النافلة.

لقوله عليه‌السلام : « لا صلاة لمن لا يقيم صلبه » (١).

نفى حقيقة الصلاة كما هو مقتضى حقيقة هذا التركيب. ولا ينافيه كون الصلاة حقيقة في الأعمّ ، لأنّه إنّما هو فيما لم يكن نصّ من واضع اللفظ على انتفاء الحقيقة في فرد.

خلافا للمحكي عن الفاضل في النهاية ، فقال : لو ترك الاعتدال في الركوع أو السجود في صلاة التنفّل عمدا لم تبطل صلاته ، لأنّه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل (٢).

وهو شاذّ ، واستدلاله عجيب.

ولو افتقر الراكع في الانتصاب إلى الاعتماد وجب ، لوجوب مقدّمة الواجب. وكذا للرفع. بل الظاهر جواز الاعتماد له بلا عذر أيضا ، للأصل. بل وكذا حال الانتصاب ، لما مرّ في القيام (٣).

المسألة الرابعة : يجب فيه الذكر إجماعا محقّقا ، ومحكيّا في الانتصار والمنتهى والتذكرة وشرح القواعد والمدارك (٤) ، وغيرها (٥) ، له ، وللمستفيضة من الأخبار (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٠ الصلاة ب ٢٤ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٧٨ ـ ٢٩٠ ، الوسائل ٦ : ٣٢١ أبواب الركوع ب ١٦ ح ٢.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٤٨٣.

(٣) راجع ص ٥٥ ـ ٥٩.

(٤) الانتصار : ٤٥ ، المنتهى ١ : ٢٨٢ ، التذكرة ١ : ١١٩ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٨٥ ، المدارك ٣ : ٣٨٩.

(٥) كالمفاتيح ١ : ١٣٩.

(٦) انظر : الوسائل ٦ : ٢٩٩ أبواب الركوع ب ٤.

٢٠٢

والحقّ كفاية مطلقه فيه ، وفاقا للجمل (١) ، والمبسوط والسرائر والمنتهى والتذكرة والإيضاح وشرح القواعد والمدارك (٢) ، والشهيد الثاني (٣) ، ووالدي العلاّمة رحمه‌الله ، بل لعله الأشهر بين المتأخرين ، وفي السرائر نفي الخلاف فيه (٤).

للأصل ، ولصحيحتي الهشامين وحسنة أحدهما.

الأوليان : يجزئ عنّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أكبر؟ فقال : « نعم كلّ هذا ذكر الله » (٥).

والثالثة : « ما من كلمة أخفّ منها على اللسان من سبحان الله » قال ، قلت : يجزئني في الركوع والسجود أن أقول مكان التسبيح : لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أكبر؟ قال : « نعم كلّ ذا ذكر الله » الحديث (٦).

وتخصيصها بالأذكار الأربعة بعد تعميم التعليل بقوله : « كلّ ذا ذكر الله » غير ضائر. وتخصيص الإجزاء بحال الضرورة مع إطلاق الرواية لا وجه له.

ويؤيّده ما في حسنتي مسمع من إجزاء ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا في الركوع والسّجود (٧). وجعلهما مؤيّدتين لما فيهما من الإجمال ، إذ لا يتعيّن قدرهنّ‌

__________________

(١) نسب ذلك إلى جمل الشيخ في المنتهى ١ : ٢٨٢ ، ولكن الموجود فيه وكذا في جمل السيّد التسبيح في الركوع ، انظر : الرسائل العشر : ١٨٠ ، وجمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٢.

(٢) المبسوط ١ : ١١١ ، السرائر ١ : ٢٢٤ ، المنتهى ١ : ٢٨٢ ، التذكرة ١ : ١١٩ ، إيضاح الفوائد ١ : ١١٢ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٨٦ ، المدارك ٣ : ٣٩٢.

(٣) المسالك ١ : ٣١.

(٤) السرائر ١ : ٢٢٤.

(٥) الأولى : الكافي ٣ : ٣٢١ الصلاة ب ٢٤ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ـ ١٢١٨ ، الوسائل ٦ : ٣٠٧ أبواب الركوع ب ٧ ح ٢.

الثانية : التهذيب ٢ : ٣٠٢ ـ ١٢١٧ ، الوسائل ٦ : ٣٠٧ أبواب الركوع ب ٧ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٢٩ الصلاة ب ٢٦ ح ٥ ، مستطرفات السرائر : ٩٦ ـ ١٢ ، الوسائل ٦ : ٣٠٧ أبواب الركوع ب ٧ ح ١.

(٧) الاولى : التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٦ ، مستطرفات السرائر : ٩٥ ـ ١٠ ، الوسائل ٦ : ٣٠٢ أبواب الركوع ب ٥ ح ١.

الثانية : التهذيب ٢ : ٧٩ ـ ٢٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٠٨ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع ب ٥ ح ٤.

٢٠٣

من مطلق الذكر ، مع أنّ مطلق الذكر أعمّ من قدرهنّ ، إذ قد يكون أقلّ منهنّ (١).

خلافا للسيد وابني بابويه والمفيد والعماني والإسكافي (٢) ، والتهذيب والخلاف (٣) ، والنهاية (٤) ، والجامع (٥) ، والحلبي والقاضي والديلمي وابن حمزة (٦) ، والنافع والشرائع والدروس (٧) ، فأوجبوا التسبيح خاصّة ، وعن الذكرى أنّه قول المعظم (٨) ، بل في الانتصار وعن الخلاف والغنية الإجماع عليه (٩) ، والظاهر ـ كما قيل (١٠) ـ أنّه المشهور بين القدماء وإن اختلفوا في كيفيّته.

فمنهم من اكتفى بمطلق التّسبيح ولو واحدة صغرى ، ومرجعه إلى التخيير بين جميع صور التّسبيح ، وهو ظاهر الأوّل.

أمّا تعيينه ، فلعلّه لأصل الاشتغال.

ورواية الحضرمي : « تدري أيّ شي‌ء حدّ الركوع والسجود؟ » قلت : لا ،

__________________

(١) في الأقلّ خلاف منه رحمه الله تعالى.

(٢) السيد في الانتصار : ٤٥ ، الصدوق في المقنع : ٢٨ ، والهداية : ٣٢ ، المفيد في المقنعة : ١٠٥ ، وحكاه عن العماني في المعتبر ٢ : ١٩٥ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٩٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٨١ ، الخلاف ١ : ٣٤٨.

(٤) النهاية : ٨١. اعلم أنّ الشيخ في النهاية قال أوّلا : والتسبيح في الركوع فريضة إلى أن قال : ولو قال بدلا من التسبيح : لا إله إلا الله والله أكبر ، كان جائزا. وهو وإن خصّ ببدليّة الذكرين إلاّ أنّ الظاهر أنّ مراده مطلق الذكر ، للإجماع المركّب ، والتصريح بالبدليّة لا ينافي جواز مطلق الذكر. منه رحمه الله تعالى.

(٥) الجامع للشرائع : ٨٢.

(٦) الحلبي في الكافي : ١٤٢ ، القاضي في المهذب ١ : ٩٧ ، الديلمي في المراسم : ٦٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٩٣.

(٧) المختصر النافع : ٣٢ ، الشرائع ١ : ٨٥ ، الدروس ١ : ١٧٧.

(٨) الذكرى : ١٩٧.

(٩) الانتصار : ٤٥ ، الخلاف ١ : ٣٤٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

(١٠) انظر : الحدائق ٨ : ٢٤٦.

٢٠٤

قال : « تسبح في الركوع ثلاث مرّات : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، وفي السجود : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ، ثلاث مرّات ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته ، ومن لم يسبّح فلا صلاة له » (١).

حيث نفى حقيقة الصّلاة لمن لم يسبّح.

والروايات المصرّحة بإجزاء التسبيح الظاهر في عدم إجزاء غيره (٢).

ورواية هشام الآتية المصرّحة بكون التسبيحة فريضة (٣).

وأمّا كفاية مطلقه والتخيير بين أفراده ، فلعلّه لأصل البراءة ، والجمع بين الأخبار المتضمّنة للتسبيحة الكبرى والصغرى (٤) ، وصحيحتي ابن يقطين إحداهما : عن الركوع والسجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال : « ثلاثة ، وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض » (٥).

والأخرى : عن الرجل يسجد ، كم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال : « ثلاث ، وتجزئه واحدة » (٦).

ولا كلام لنا معه في الجزء الثاني ، أي كفاية مطلق التسبيح.

وأمّا الأوّل ، فنجيب عن الأصل : بحصول اليقين بالبراءة بمطلق الذكر بمقتضى ما تقدّم من الأخبار الصحيحة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٩ الصلاة ب ٢٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٥٧ ـ ٦١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ ـ ١٢١٣ ، الوسائل ٦ : ٣٠١ أبواب الركوع ب ٤ ح ٧.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٣٠٢ أبواب الركوع ب ٥.

(٣) انظر : ص ٢٠٨.

(٤) انظر : الوسائل ٦ : ٢٩٩ ، ٣٠٢ أبواب الركوع ب ٤ ح ٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٦ ـ ٢٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٠٦ ، الوسائل ٦ : ٣٠٠ أبواب الركوع ب ٤ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٦ ـ ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٠٧ ، الوسائل ٦ : ٣٠٠ أبواب الركوع ب ٤ ح ٤.

٢٠٥

وأمّا عن رواية الحضرمي : بكونها أعمّ مطلقا ممّا مرّ ، لدلالتها على أنّه لا صلاة لمن لم يسبّح سواء ذكر ذكرا آخر أم لا ، ودلالة ما مرّ على صحّة صلاة الذاكر.

ولو جعل التعارض بالعموم من وجه باعتبار شمول الذكر للتسبيح أيضا ، تعيّن تخصيص قوله « من لم يسبّح » بغير الذاكر ، لعدم إمكان تخصيص الذاكر بالمسبّح ، لوقوع السؤال عن غير المسبّح. مضافا إلى ترجيح ما مرّ بالصحّة والأكثريّة والأصرحيّة.

بل ظاهر سوق الرواية نفي الفضيلة ، لمقابلة عدم التسبيح مع نقص الواحدة والثنتين وانتفاء (١) كلّ الصلاة بانتفاء ثلثها وثلثيها مع أنّهما في الفضيلة قطعا ، فإنّ المراد نقص ثلث الكمال وثلثيه ، فالمراد بعدم الصلاة أيضا انتفاء تمام الكمال وبقاء ماهيّة الصلاة ، فتأمّل.

وعن الروايات : بأنّ إجزاء التسبيح الواحد أعمّ من الأمر به ، ولا ينافي إجزاء غيره أيضا ، نعم لا يحكم به مع عدم دليل ، للأصل ، ومعه لا أثر للأصل. والحكم بلزومه وظهوره في عدم إجزاء غيره ممنوع جدّا ، سيّما مع ورود الإجزاء غالبا في السؤال.

وأمّا عن رواية هشام : فبأنّ الأصل في الأمر ولفظ الواجب وإن كان المعيّن وكان في المخيّر مجازا ، إلاّ أنّه يجب الحمل عليه مع القرينة ، وما ذكرنا من الأخبار قرينة عليه.

مضافا إلى أنّ الظاهر أنّ المراد من قوله : « من ذلك » التسبيحة الكبرى ، وكونها واجبة معيّنة قول شاذّ تردّه الأخبار ، فلا محيص فيه عن التجوّز إمّا بالحمل على المخيّر أو الندب ، ولا أقلّ من احتمال إرادة الكبرى فلا يتمّ الاستدلال.

ومنهم من عيّن ثلاث تسبيحات ، أو التهليل أو التكبير أو الصلاة على النبي ، بدلا عن التسبيحات ، فجعل الأولى أصلا وأحد الثلاثة الأخيرة رخصه ،

__________________

(١) اي : ولمقابلة انتفاء كلّ الصلاة ..

٢٠٦

وهو أحد الثانيين (١).

ولعلّه استند في أصالة التسبيحة وتعيينها ابتداء : بأخبارها مع حمل المطلق من التسبيح على المقيّد بالثلاث. وفي بدليّة غيرها : بالجمع بينها وبين غيرها. وفي التخصيص بالثلاثة : بالأمر بها في بعض الأخبار المتقدّمة مع التعبير فيه بالإجزاء ، الظاهر في البدليّة ممّا ذكر بما ذكرنا من أخبار مطلق الذكر.

ويضعّف : بأنّ الجمع لا يختصّ بذلك ، بل يمكن بالتخصيص والأفضلية وبيان بعض الأفراد ونحوها. مع أنّه لا تظهر لذلك فائدة إلاّ كون الأصل أفضل ، وأفضلية التسبيح مسلّمة مطلقا.

مضافا إلى أنّ تخصيص البدل مدفوع بما ذكرنا من عموم التعليل ، ولو قطع النظر عنه فاللازم الاقتصار على التهليل والتكبير ، لأنّهما المذكوران في الأخبار (٢) ، إلاّ أن يكون لاستخراج الصلاة من رواية أخرى كما يأتي (٣) ، ولا بأس به.

ولذا اكتفى في النهاية والجامع في البدل بهما (٤) ، ولكنه جعل ثلاث تسبيحات بدلا أيضا ، وجعل الأصل تسبيحة واحدة كبرى ، وهو أيضا قول آخر في المسألة ، ومستنده وجوابه واضح ممّا مرّ ، مضافا إلى أنّ المذكور في الأخبار المذكورة التحميد أيضا.

ومنهم من أوجب تسبيحة كبرى أو ثلاث صغريات من غير ذكر تجويزه غيرها مع الضرورة ، كما هو المنقول عن ظاهر التهذيب (٥) ، وابني بابويه (٦) ، أو مع‌

__________________

(١) الصدوق في الأمالي : ٥١٢ ، ومراده من الثانيين ابنا بابويه ، راجع ص ٢٠٤.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٣٠٧ أبواب الركوع ب ٧.

(٣) انظر : ص ٢٢٥.

(٤) النهاية : ٨١ ، الجامع للشرائع : ٨٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٠.

(٦) قد نسب هذا القول إلى ابني بابويه في المدارك ٣ : ٣٩١ ، والظاهر من الهداية ص ٣٢ والفقيه ١ ص ٢٠٥ التخيير بين ثلاث كبريات وثلاث صغريات وإجزاء واحدة للمريض والمستعجل. فراجع.

٢٠٧

التصريح بتجويز واحدة صغرى مع الضرورة كما في الشرائع والنافع والدروس (١) ، بل في المنتهى : الإجماع عليه (٢) ، وعلى هذا فعليه يحمل إطلاق عبارات الأوّلين. أو تجويز مطلق الذكر معها كما في اللمعة (٣).

ومستندهم أمّا في كفاية التسبيحة الواحدة الكبرى فرواية هشام : عن التسبيح في الركوع والسجود ، فقال : « يقول في الركوع : سبحان ربّي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربّي الأعلى ، الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنّة ثلاث ، والفضل في سبع » (٤).

والمروي في العلل ، وفيها بعد ذكر أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركع في ليلة الإسراء لما رأى من عظمة الله وقال : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، وسجد وقال : سبحان ربّي الأعلى وبحمده : « فلذلك جرت به السنّة » (٥).

ورواية عقبة بن عامر : لمّا نزلت ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) (٦) قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اجعلوها في ركوعكم » فلمّا نزلت ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) (٧) قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اجعلوها في سجودكم » (٨).

وأمّا في كفاية الثلاثة من الصغرى ، فموثّقة سماعة وفيها : « أمّا ما يجزيك‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٨٥ ، المختصر النافع : ٣٢ ، الدروس ١ : ١٧٧.

(٢) المنتهى ١ : ٢٨٣.

(٣) اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٧٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٦ ـ ٢٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٤ ، الوسائل ٦ : ٢٩٩ أبواب الركوع ب ٤ ح ١.

(٥) علل الشرائع : ٣٣٢ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٢٨ أبواب الركوع ب ٢١ ح ٢.

(٦) الواقعة : ٧٤.

(٧) الأعلى : ١.

(٨) التهذيب ٢ : ٣١٣ ـ ١٢٧٣ ، علل الشرائع : ٣٣٣ ـ ٦ ، الوسائل ٦ : ٣٢٧ أبواب الركوع ب ٢١ ح ١.

٢٠٨

من الركوع فثلاث تسبيحات تقول : سبحان الله ، سبحان الله ، ثلاثا » (١).

وصحيحة ابن عمّار : أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال : « ثلاث تسبيحات مترسّلا ، تقول : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله » (٢).

ورواية أبي بصير : عن أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود ، فقال : « ثلاث تسبيحات » (٣).

فإنّ التسبيح صادق على الصغرى قطعا.

وأمّا في التخيير بينهما : فحسنة مسمع : « يجزئك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا » (٤).

والأخرى : « لا تجزئ الرجل في صلاته أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ » (٥).

فإنّ الواحدة الكبرى بقدر ثلاث صغرى قطعا.

وصحيحة زرارة : ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ فقال : « ثلاث تسبيحات في ترسّل ، وواحدة تامّة تجزئ » (٦).

والظاهر أنّ المراد بالواحدة التامّة التسبيحة الكبرى ، وبالثلاث‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ ـ ١٢١١ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع ب ٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ ـ ١٢١٢ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع ب ٥ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٠ ـ ٢٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ١٢١٠ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع ب ٥ ح ٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٦ ، مستطرفات السرائر : ٩٥ ـ ١٠ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع ب ٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٩ ـ ٢٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٠٨ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع ب ٥ ح ٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٦ ـ ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٠٥ وفيه : في ترسل واحد وواحدة ، الوسائل ٦ : ٢٩٩ أبواب الركوع ب ٤ ح ٢.

٢٠٩

الصغريات ، وجعل كلّ منهما في قالب الإجزاء يقتضي كونهما في مرتبة واحدة.

وبهذه الأخبار يرتفع الإجمال عمّا تضمّنت الثلاث تسبيحات وواحدة مطلقا ، كصحيحتي ابن يقطين المتقدّمتين (١) بحمل الثلاث على الصغريات ، والواحدة على الكبرى ، لأنّ المجمل يحمل على المفصّل.

ولعلّ المصرّح بتجويز الصغرى الواحدة عند الضرورة يحمل التسبيح على مطلقه الصادق على الصغرى أيضا ، ويخصّص إجزاء الواحدة بحال الضرورة ، بشهادة المرسل المروي في الهداية : « سبّح في ركوعك ثلاثا ، تقول : سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاث مرّات ، وفي السجود : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات ، لأنّ الله عزّ وجل لما أنزل على نبيّه ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجعلوها في ركوعكم ، فلمّا أنزل الله ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) قال : اجعلوها في سجودكم ، فإن قلت : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله أجزأك ، والتسبيحة الواحدة تجزي للمعتل والمريض والمستعجل » (٢).

كما أنّ المخصّص لتجويز مطلق الذكر بها يحمل أخباره عليها.

وأمّا في تعيين أحدهما وعدم كفاية غيره للمختار ، فما مرّ دليلا لوجوب مطلق التسبيح ، وبحمله على المقيّد.

والأمر بالكبرى في الكتاب العزيز حيث أمر بالتسبيح باسم ربّك العظيم ، وباسم ربك الأعلى ، ولا وجوب في غير الصلاة إجماعا.

وفي صحيحة ابن أذينة الطويلة في صفة صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج : « فأوحى إليه وهو راكع قل : سبحان ربّي العظيم ، تفعل ذلك ثلاثا » (٣).

__________________

(١) في ص ٢٠٥.

(٢) الهداية : ٣٢ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٢٤ أبواب الركوع ب ٤ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤٨٢ الصلاة ب ١٠٥ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

٢١٠

وفي روايتي هشام وعقبة.

والأمر بالتسبيح كذلك في مرسلة الهداية ، وفي صحيحة زرارة وفيها : « ثمَّ اركع وقل : اللهمّ لك ركعت ولك أسلمت ـ إلى أن قال ـ : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، ثلاث مرّات » (١).

وفي الرضوي : « وقل في ركوعك بعد التكبير : اللهم لك ركعت » إلى أن قال : « سبحان ربّي العظيم وبحمده » ثمَّ ساق الكلام في السجود كذلك إلى أن قال : « سبحان ربي الأعلى وبحمده » (٢).

والتصريح في الصغريات بأنّها أخفّ ما يكون ، أو أدنى ما يجزئ ، في صحيحه ابن عمّار ، ورواية أبي بصير المتقدّمتين (٣).

ولا كلام لنا معهم في كفاية أحد التسبيحين ، ولا في التخيير بينهما ، ولا في كفاية الواحدة الصغرى أو مطلق الذكر عند الضرورة.

ونجيب عن دليلهم على التعيين : أمّا عمّا مرّ دليلا لوجوب مطلق التسبيح ، فبما مرّ.

وأمّا عن الأمر بالكبرى في الآية ، فبمنع أنّ المراد أنّه قل هذا اللفظ ، بل المراد نفس التنزيه وهو واجب في كلّ حال ، وقول بعض المفسّرين ليس بحجة (٤).

وأمّا عن صحيحة ابن أذينة ، فبأنّ الأمر وإن كان حقيقة في الوجوب إلاّ أنّه ليس باقيا على حقيقته هنا قطعا ، لجواز غير الكبرى أيضا بصريح الأخبار وقول المعظم من الفقهاء. والحمل على الوجوب التخييري غير متعيّن ، إذ هو أيضا مجاز كالندب ، بل هو أرجح ، لشيوعه. غاية الأمر تكافؤ الاحتمالين ، فتبقى أخبار‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٢) فقه الرضا « ع » : ١٠٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ٢.

(٣) في ص ٢٠٩.

(٤) انظر : مجمع البيان ٥ : ٢٢٨ ، والدرّ المنثور للسيوطي ٦ : ١٦٨.

٢١١

مطلق الذكر خالية عن المعارض اليقيني. وحمل المطلق على الرخصة ، والمقيّد على الأصالة غير مفيد ، لأنّ المقصود في المطلق الكفاية ، من باب الرخصة كانت أو الأصالة.

ومنه يظهر الجواب عن رواية عقبة.

وأمّا عن الأمر بها في رواية هشام ، فبأنّه ليس أمرا. وأمّا قوله : « الفريضة من ذلك .. » فإن حمل على الكبرى فهي ليست بفرض حقيقي عنده ومجازه متعدّد ، وإن حمل على المطلق فمع كونه خلاف الظاهر هو لا يقول به.

وأمّا عن صحيحة ابن عمّار ، ورواية أبي بصير ، فبعدم دلالتهما على الوجوب ، لاحتمال كون ما ذكر أخفّ ما يكون في مرتبة الاستحباب ، وأدنى ما يجزئ عن الأمر الندبي.

ويؤيّده منع كونهما أخفّ وأدنى من تسبيحة كبيرة سيّما إذا لم يكن معها : وبحمده ، كما في كثير من الأخبار (١) ، فيتعيّن الحمل على الخفّة والدنو في الرجحان.

على أنّ مدلولهما أنّ الثلاث أخفّ ما يكون من التسبيح وأدنى ما يجزئ منه لا من مطلق الذكر ، ولا ينافي ذلك جواز مطلق الذكر أصلا.

مضافا إلى أنّه قد مرّ في صحيحة ابن يقطين إجزاء تسبيحة واحدة (٢) ، وحملها على الكبيرة ليس بأولى من حمل ذلك على الاستحباب. بل قيد الترسّل في الصحيحة قرينة على الندب ، لعدم وجوبه قطعا. ومع ذلك إرادة تسبيح الركعتين الأخيرتين فيها ممكنة.

وأمّا عن مرسلة الهداية ، فبالضعف الخالي عن الجابر ، بل وجود المضعّف وهو شذوذ القول بوجوب ثلاث كبريات ، مضافا إلى معارضتها مع بعض ما مرّ.

ومنه يظهر الجواب عن صحيحة زرارة ، مع أنّ الأمر فيها ورد أوّلا على‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٦ : ٢٩٩ أبواب الركوع ب ٤ وص ٣٠٤ ب ٦.

(٢) راجع ص ٢٠٥.

٢١٢

الدعاء الغير الواجب قطعا ، فحمله على الندب متعيّن.

ومنه يظهر الجواب عن الرضوي.

ومنهم من أوجب ثلاث كبريات أو مثلها صغريات مخيّرا بينهما ، مع أفضلية الكبرى ، وهو ظاهر كلام الحلبي (١) ، ونقل عنه في المختلف قولا آخر (٢).

ومنهم من أوجب ثلاث كبريات خاصّة ، حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا (٣).

ودليلهما يظهر ممّا مرّ كجوابهما ، مع أنّه يكفي في ردّهما شذوذهما الموجب لدخولهما في خلاف المجمع عليه.

فروع :

أ : هل يقدّر مطلق الذكر ـ على القول بكفايته ـ بقدر أم لا؟.

قيل : ظاهر كلام الصدوق أنّه يتعيّن منه مقدار ثلاث صغريات أو واحدة كبرى (٤) ، واختاره بعض مشايخنا المعاصرين (٥) ، لظاهر حسنتي مسمع المتقدمتين (٦).

ويردّ بأنّهما معارضتان مع صحيحتي ابن يقطين (٧). وحملهما على الكبيرة ليس بأولى من حمل الحسنتين على إجزاء الأمر الندبي سيّما مع قرينة قوله مترسّلا في‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤٢.

(٢) المختلف : ٩٦.

(٣) التذكرة ١ : ١١٩.

(٤) قال في الأمالي ص ٥١٢ : والقول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات ، إلى أن قال : ومن لم يسبح في ركوعه وسجوده فلا صلاة له إلاّ أن يهلّل أو يكبّر أو يصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدد التسبيح ..

(٦) الرياض ١ : ١٦٧.

(٦) في ص ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٧) راجع ص ٢٠٥.

٢١٣

إحداهما ، فإنّه ليس بواجب قطعا. مع أنّه ليس في إحداهما تصريح بالركوع ، فإرادة تسبيح الركعتين الأخيرتين ممكنة. مضافا إلى أنّ نفس الإجزاء وعدمه لا يتعيّن كونهما للأمر الوجوبي كما مرّ مرارا.

فالقول الثاني ـ كما هو ظاهر أكثر الفتاوى ـ أقوى.

ب : لا شك في أنّه على القول بكفاية مطلق الذكر لا يجب ضمّ قوله : وبحمده مع التسبيحة الكبرى. وأمّا على القول بوجوبها معيّنا أو مخيّرا فهل يجب أم لا؟.

صريح المحقق الثاني : نعم (١) ، للأمر به في مرسلة الهداية ، وصحيحة زرارة ، والرضوي (٢) ، ورواية حمّاد الطويلة المتضمنة لصلاته عليه‌السلام ، وقوله في الآخر : هكذا صلّ (٣) ، والتصريح بجريان السنّة به في رواية العلل (٤).

ولا ينافيه خلوّ بعض الأخبار عنه ، لعدم وجوب ذكر كلّ واجب في كلّ خبر. مع أنّه يمكن أن يراد من « سبحان ربّي العظيم » ما تضمن قوله « وبحمده » كما يراد من بسم الله « بسم الله الرحمن الرحيم ».

وصريح بعض آخر : لا (٥). وهو الأقوى ، للأصل ، وعدم تمامية شي‌ء ممّا ذكر.

أمّا المرسلة ، فلضعفها وخلوّها عن الدال على الوجوب.

وأمّا الصحيحة والرضوي ، فلعدم كون الأمر فيهما للوجوب قطعا كما مر.

وكذا رواية حمّاد ، لاشتمالها على كثير من المستحبّات.

وأمّا رواية العلل ، فلأنّ السنّة أعمّ من الواجب.

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٢٨٧.

(٢) راجع ص ٢٠٩ و ٢١٠ و ٢١١.

(٣) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ ، ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ ، ٢.

(٤) راجع ص ٢٠٨.

(٥) كما في المدارك ٣ : ٣٩٣.

٢١٤

نعم يستحبّ ضمّه معه على جميع الأقوال قطعا ، ووجهه ظاهر.

ج : لا يختصّ وجوب الذكر في الركوع والسجود بالفريضة ، بل يجب في النافلة شرطا أيضا ، بل شرعا على المختار من تحريم إبطال النافلة.

والظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وهو الحجة فيه ، مضافا إلى قوله في رواية الحضرمي المتقدمة : « ومن لم يسبّح فلا صلاة له » (١) خرج من خرج عنه بالدليل أي الذاكر مطلقا ، فيبقى الباقي. وكون نقص الثّلث أو الثّلثين نقصا في الكمال بدليل من خارج ، لا يوجب حمل انتفاء الصلاة ـ الذي هو حقيقة في نفي حقيقتها ـ عليه أيضا.

د : يجب أن يكون الذكر حال الركوع إجماعا ، فتوى ونصا.

وهل يجب كونه حال الطمأنينة؟ لا دليل عليه ، والأصل ينفيه.

بل لو نوقش في وجوب كونه بعد وصول اليد إلى الركبتين وقيل بإجزاء وقوعه بعد الوصول إلى حدّ الركوع اللغوي ، لم يكن بذلك البعد. وأمر الاحتياط واضح.

المقام الثاني

في مستحبّاته ومكروهاته‌

أمّا المستحبّات فأمور :

منها : أن يكبّر له ، على المشهور ، وعليه أكثر أهل العلم كما في المنتهى (٢) ،

__________________

(١) راجع ص ٢٠٤.

(٢) المنتهى ١ : ٢٨٤.

٢١٥

وفي المدارك : إنّه المعروف من مذهب الأصحاب (١) ، وفي الحدائق : إنّ عليه اتّفاق غير أبي عقيل من الأصحاب قديما وحديثا (٢) ، بل هو الظاهر من المذهب كما عن المبسوط (٣) ، بل إجماعي كما عن الذكرى (٤).

أمّا رجحانه فبالإجماع ، والأمر به في الأخبار كصحيحة زرارة : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثمَّ اركع » (٥).

والأخرى : « إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبّر ، ثمَّ اركع واسجد » (٦).

وأمّا عدم وجوبه ، فللأصل الخالي عن معارضة ما دلّ على الوجوب ظاهرا ، لشذوذه المخرج له عن الحجيّة لو ابقي على ظاهره وحقيقته ، مع أنّ القرينة الصارفة عنها موجودة ، وهي رواية أبي بصير : عن أدنى ما يجزئ من التكبيرة في الصلاة ، قال : « تكبيرة واحدة » (٧).

والمروي في علل الفضل : « إنّ التكبير المفروض في الصلاة ليس إلاّ واحدة » (٨) وضعفه ـ لو كان ـ بما مرّ مجبور.

والحمل على تكبيرات الافتتاح ـ كما قيل (٩) ـ بلا حامل ، وجعل الأمر بتكبيرة الركوع حاملا له ليس أولى ممّا قلنا ، فيتعارض الاحتمالان ويرجع إلى‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ٣٩٤.

(٢) الحدائق ٨ : ٢٥٦.

(٣) المبسوط ١ : ١١٠.

(٤) الذكرى : ١٩٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٢٠ الصلاة ب ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩٧ ـ ١١٩٧ ، الوسائل ٦ : ٢٩٦ أبواب الركوع ب ٢ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ٦ : ١٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٥.

(٨) علل الشرائع : ٢٥١.

(٩) انظر : الحدائق ٨ : ٢٥٧.

٢١٦

الأصل.

مع أنّه على القول بجواز قطع النافلة لو ابقي الأمر على ظاهره لزم التخصيص بغير النافلة ، وهو ليس بأولى من حمل الأمر على مطلق المطلوبية.

فالقول بالوجوب ، كما عن العماني والديلمي (١) ، ويميل إليه كلام المدارك والحدائق (٢) ، ولا يبعد كونه مذهب السيّد أيضا ، حيث إنّه صرّح في الانتصار بوجوب رفع اليدين لغير تكبيرة الافتتاح من تكبيرات الصلاة أيضا (٣) ، وإيجاب رفع اليد للتكبير دون التكبير نفسه حتى يكون الوجوب تعليقيّا بعيد ، للأمر به فيما مرّ ، باطل.

والاحتجاج بالرضوي : « وإنّ لها ـ أي للصلاة ـ أربعة آلاف حدّ ، وإنّ فروضها عشرة : ثلاثة منها كبار وهي : تكبيرة الإحرام والركوع والسجود ، وسبعة منها صغار وهي : القراءة وتكبيرة الركوع وتكبيرة السجود وتسبيح الركوع وتسبيح السجود والقنوت والتشهد » (٤).

بضعفة الخالي عن الجابر مردود ، مع إمكان حمل الفرض على شدّة الرجحان بقرينة ما مرّ.

ويستحب أن يكون التكبير حال القيام قبل الهويّ ، لقوله في الصحيحة الأولى : « فقل وأنت منتصب » وفي صحيحة حمّاد المتضمّنة لصلاة الصادق عليه‌السلام : ثمَّ رفع يديه حيال وجهه فقال : « الله أكبر » وهو قائم ، ثمَّ ركع (٥).

وهل يشترط فيه القيام حتى لو كبّر حين الهوي لم يأت بالمستحب؟

الظاهر : لا ، وفاقا للخلاف والمنتهى والتذكرة وشرح القواعد والشرائع‌

__________________

(١) حكاه عن العماني في الذكرى : ١٩٨ ، الديلمي في المراسم : ٧١.

(٢) المدارك ٣ : ٣٩٤ ، الحدائق ٨ : ٢٥٨.

(٣) الانتصار : ٤٤.

(٤) فقه الرضا (ع) : ١١٠ بتفاوت يسير ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٢٧ أبواب الركوع ب ٨ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ وص ٤٦١ ح ٢.

٢١٧

والمدارك (١) ، والأردبيلي (٢).

فهو مستحب في المستحب لا أنّ مجموع التكبير قائما مستحب واحد ، لإطلاقات الأمر بالتكبير قبل الركوع ، وأصالة عدم تقييده بحال.

وأمّا الصحيحتان فلا تفيدان أزيد من استحباب كونه في الانتصاب ، وهو مسلّم ، وأمّا الاشتراط وعدم الاستحباب بعده لو ترك فيه فلا ، ولا يحمل المطلق على المقيّد في مقام الاستحباب ، ولو حمل لا يفيد الاشتراط.

نعم ، يشترط كونه قبل الركوع ، للإجماع. فلو كبّر بعد الوصول حدّ الركوع أو ذكر جزءا منه فيه لم يأت بالمستحب.

ولكن الثابت من الإجماع وجوب كونه قبل وصول اليد إلى الركبتين دون الركوع اللغوي ، فلو كبّر قبل هذا الحدّ أتى بالمستحب وإن صدق عليه الراكع لغة.

وأمّا التصريح في أكثر الأخبار (٣) بقوله : « ثمَّ اركع » الصريح في كونه قبل الركوع الصادق على الركوع اللغوي ، فلا يضرّ بعد إطلاق صحيحة زرارة : ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : « أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، وتكبّر وتركع » (٤).

ومنها : رفع اليدين بالتكبير ، وهو راجح اتّفاقا فتوى ونصّا.

ولا يجب على الأظهر الأشهر ، بل وفاقا لغير السيّد ، للإجماع الغير القادح فيه خلاف النادر ، وللأصل السالم عن المعارض التام.

وقد يستدلّ بعدم ذكره في بعض الأخبار. وفيه نظر.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٤٧ ، المنتهى ١ : ٢٨٤ ، التذكرة ١ : ١١٩ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٩١ ، الشرائع ١ : ٨٥ ، المدارك ٣ : ٣٩٥.

(٢) مجمع الفائدة ٢ : ٢٥٧.

(٣) انظر : الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع ب ١ وص ٢٩٦ ب ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٣ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٣٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ـ ١١٩٨ الوسائل ٦ : ١٠٩ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٥.

٢١٨

احتجّ السيّد (١) : بالإجماع ، وهو ليس بحجّة علينا. والأمر ، وهو للاستحباب ، ولولاه لخرج المتضمّن له عن الحجيّة بالشذوذ.

وهل يختصّ استحبابه بكونه للتكبير أو لا : بل يستحبّ ولو لم يكبّر أيضا؟.

ظاهر جماعة : الثاني (٢) ، وهو الحق ، لإطلاق الحكم باستحبابه في إحدى صحيحتي زرارة ، وصحيحة ابن مسكان : في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع والسجود وكلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود ، قال : « هي العبودية » (٣).

والحكم باستحبابه مع التكبير في بعض الأخبار لا يوجب التقييد ، فهنا ثلاثة أمور مستحبّة : التكبيرة ، ورفع اليدين ، وتقارنهما.

ثمَّ الظاهر من الأصحاب اتحاد كيفيّة الرفع وقدره في تكبيرة الافتتاح وفي غيرها من حالات الرفع ، فالأولى كونه كذلك وإن اختصّ الدليل في البعض بالأولى.

ثمَّ إنّه يظهر من استحباب التكبير قائما وانتهاء الرفع بانتهاء التكبير أنّه ينبغي أن يكون الركوع بعد إرسال اليدين.

ومنها : أن يضع يديه على ركبتيه ، مقدّما لوضع اليمنى ، مالئا كفّيه منهما ، مفرّجات الأصابع ، قابضا بها الركبتين ، رادّا ركبتيه إلى خلفه ، مستويا ظهره بحيث لو صبّت عليه قطرة ماء لم تزل لاستوائه ، مادّا عنقه ، مستحضرا فيه : آمنت بك ولو ضربت عنقي ، أو : آمنت بوحدانيّتك ولو ضربت عنقي ، صافّا لقدميه ، باعدا بينهما قدر شبر ، ناظرا بينهما ، مجنّحا يديه ، متجافيا بهما ، داعيا أمام التسبيح بالآتي ، كلّ ذلك للروايات.

ففي صحيحة زرارة : « ثمَّ اركع وقل : اللهم لك ركعت ، ولك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكّلت ، وأنت ربّي ، خشع لك قلبي وسمعي وبصري‌

__________________

(١) الانتصار : ٤٤.

(٢) كالعلامة في التذكرة ١ : ١١٩ ، وصاحب المدارك ٣ : ٣٩٦ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٢٥٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٥ ـ ٢٨٠ ، الوسائل ٦ : ٢٩٧ أبواب الركوع ب ٢ ح ٣.

٢١٩

وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعصبي وعظامي وما أقلّته قدماي ، غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر ، سبحان ربّي العظيم وبحمده ، ثلاث مرّات في ترتيل ، وتصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، و [ بلّع ] بأطراف أصابعك عين الركبة ، وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، وأقم صلبك ، ومدّ عنقك ، وليكن نظرك بين قدميك » (١).

وفي صحيحة حمّاد الواردة في التعليم : ثمَّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه منفرجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه ، ثمَّ سوّى ظهره حتى لو صبّت عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه ، وغمض عينيه ، ثمَّ سبّح ثلاثا بترتيل فقال : « سبحان ربّي العظيم وبحمده » الحديث (٢).

وفيها أيضا : ولم يضع شيئا من بدنه على شي‌ء منه في ركوع ولا سجود ، وكان مجنّحا.

وقريبة منها صحيحته الأخرى (٣).

والرضوي : « وإذا ركعت فألقم ركبتيك راحتيك ، وتفرّج بين أصابعك واقبض عليهما ».

وفيه أيضا : « فإذا ركعت فمدّ ظهرك ولا تنكس رأسك ».

وفيه أيضا : « وليكن نظرك في وقت القراءة إلى موضع سجودك ، وفي وقت‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع ب ١ ح ١ ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ وفي الوسائل : بلّغ بالمعجمة ، وقال في الحبل المتين ص ٢١٣ : هو تصحيف. وفي التهذيب : تلقم ، وما أثبتناه موافق للكافي.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ ، ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ ، ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ الصلاة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣ ، وفي الجميع : عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة ..

٢٢٠