مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

تجوّزا عن ترك القراءة كما احتمله في الوافي (١) ، فإنّه إذا تعيّن التجوّز فلا أولوية للأول. ثمَّ على المعنى الأول لا دلالة في الرواية على وجوبه فلعلّه على الأفضلية.

والرابع : بما مرّ من تعارض المجازين فيه.

والخامس : بعدم دلالته على الوجوب.

ولذلك ذهب الحلّي إلى انتفاء وجوب الإخفات وقال : يكون قياسه على القراءة باطلا (٢). وهو جيّد ، للأصل الخالي عن معارضة ما ذكر ، كما ذكر ، وإن كان الأحسن مراعاته ، لدعوى الشهرة.

ب : قيل : وجوب الإخفات في الأخيرتين على تقدير القراءة فيهما إجماعي (٣). ولعلّه أراد عند القائلين بوجوب الجهر والإخفات.

فإن ثبت وإلاّ فالأصل ينفيه ، إذ لا دليل عليه ، فإنّ الإجماع المركّب غير جار هنا.

وأمر النبي بالإخفات بالقراءة في صلاة العصر لا يفيد ، إذ لا يعلم قراءته في الأخيرتين ، بل لا يعلم أنّه أتى بالأخيرتين أيضا ، حيث إنّه ورد في المستفيضة بأنّ الصلاة المفروضة من الله سبحانه كانت ركعتين ركعتين وزاد النبي الأخيرتين (٤). ولم يعلم زيادتهما حينئذ.

ومن هذا يظهر فساد التمسك بإطلاق القراءة أيضا ، مع أنّ في إطلاقها في المورد ـ لكونها في مقام حكاية الحال ـ نظرا ظاهرا.

ج : يعذر الجاهل والناسي في الجهر والإخفات في مواضعهما ، فلا‌

__________________

(١) الوافي ٨ : ١٢٠٤.

(٢) السرائر ١ : ٢٢٢.

(٣) كما في السرائر ١ : ٢١٨.

(٤) انظر : الوسائل ٤ : ٤٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣.

١٦١

تجب الإعادة عليهما بتركهما ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا مستفيضا (١) ، له ، ولصحيحتي زرارة المتقدّمتين (٢). ومقتضاهما عدم وجوب التدارك ولو قبل الركوع ، ولا سجود سهو بالإخلال بهما ، وعدم الفرق بين جاهل الحكم وموضوعه. وهو كذلك.

د : صرّح جماعة ـ منهم : الحلّي ، والراوندي ، والفاضلان ، والشهيد (٣) ـ أنّ أقلّ الجهر أن يسمع القراءة من قرب منه تحقيقا أو تقديرا.

والإخفات كما في القواعد والمنتهى والشرائع (٤) ، أو أقلّه كما في النافع والتذكرة (٥) ، أو أعلاه كما في السرائر (٦) : أن يسمعها نفسه فقط ولو تقديرا. ونسبه في التبيان إلى أصحابنا (٧) ، بل في المعتبر والمنتهى والتذكرة الإجماع عليه.

وقال المحقّق الثاني ـ بعد نقل قول الفاضل : أقلّ الجهر إسماع القريب ، وحدّ الإخفات إسماع نفسه ـ : وينبغي أن يزاد في الجهر قيد آخر وهو تسميته جهرا عرفا ، وذلك بأن يتضمّن إظهار الصوت على الوجه المعهود ، إلى أن قال في الإخفات : ولا بدّ من زيادة قيد آخر وهو تسميته مع ذلك إخفاتا بأن يتضمّن إخفاء الصوت وهمسه (٨).

وقال في روض الجنان : أقلّ السرّ أن يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا ،

__________________

(١) كما في الحدائق ٨ : ١٤٣ ، والرياض ١ : ١٦٢.

(٢) في ص ١٥٧.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ٢٢٣ ، الراوندي في فقه القرآن ١ : ١٠٤ ، المحقق في المعتبر ٢ : ١٧٧ ، والشرائع ١ : ٨٢ ، العلامة في التذكرة ١ : ١١٧ ، والمنتهى ١ : ٢٧٧ ، والتحرير ١ : ٣٩ ، الشهيد في الدروس ١ : ١٧٣ ، والبيان : ١٥٨.

(٤) القواعد ١ : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٧٧ ، الشرائع ١ : ٨٢.

(٥) المختصر النافع : ٣٠ ، التذكرة ١ : ١١٧.

(٦) السرائر ١ : ٢٢٣.

(٧) التبيان ٦ : ٥٣٤.

(٨) جامع المقاصد ٢ : ٢٦٠.

١٦٢

وأكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر ، وأقلّ الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب للتسمية جهرا عرفا (١).

وبنحو ما ذكراه صرّح جماعة من المتأخرين (٢) ، بل كما قيل : كافّة من تأخّر عنهما (٣).

فالجهر على الأول إسماع الغير مطلقا ، والإخفات إسماع نفسه فقط.

وعلى الثاني الجهر اشتمال الكلام على إظهار الصوت على النحو المعهود ، إمّا مع إسماع الغير أيضا كما هو محتمل كلامهما ، أو مطلقا كما هو ظاهر تفسير الجهر عرفا بتضمّن إظهار الصوت كما في كلام الأول ، وجعل الاشتمال على الصوت موجبا للتسمية جهرا كما في كلام الثاني.

وبه صرّح صاحب الحدائق ، قال بعد نقل كلاميهما : فإن اشتمل الكلام على الصوت سمّي جهرا أسمع قريبا أو لم يسمع ، وإن لم يشتمل عليه سمّي إخفاتا كذلك ، وفسّره نفسه به أيضا ، قال : وبالجملة المتبادر عرفا من الجهر ما اشتمل على هذا الهزيز الذي هو الصوت وإن كان خفيّا ، وما لم يشتمل عليه فإنّه يسمّى إخفاتا وإن أسمعه قريبا (٤).

والإخفات يتضمن إخفاء الصوت وهمسه ، إمّا مع عدم إسماع الغير كما هو المحتمل ، أو مطلقا كما هو الظاهر.

ثمَّ دليل الأوّلين الإجماع المنقول ، ومتابعة اللغة ، حيث إنّ الجهر هو الإعلان ، أي الإظهار ، والإخفات هو الإسرار ، أي الكتمان ، كما صرّح بهما في الصحاح والقاموس (٥) ، ولا شك أنّ الإظهار هو الإظهار للغير ، والكتمان الإخفاء عنه ، فالجهر لا يتحقق إلاّ مع إسماع الغير ومعه يتحقق ، والإخفات لا يتحقق إلاّ‌

__________________

(١) روض الجنان : ٢٦٥.

(٢) منهم الفيض في المفاتيح ١ : ١٣٤ ، وصاحب الحدائق ٨ : ١٤٠.

(٣) كما في الحدائق ٨ : ١٣٩.

(٤) الحدائق ٨ : ١٣٩ و ١٤٠.

(٥) الصحاح ١ : ٢٤٨ وج ٢ : ٦١٨ ، القاموس المحيط ١ : ١٥٢ و ٤٠٩.

١٦٣

مع عدم إسماعه وإن اشترط إسماع نفسه بدليل آخر.

ويضعّف الأوّل : بعدم حجيّة الإجماع المنقول ، مع أنّه لا يتعين أن يكون على معنى الجهر والإخفات ، بل يمكن أن يكون المراد الإجماع على أنّ أقلّ ما يجهر به إسماع الغير وإن كان الجهر غير الإسماع ، يعني لا يكفي في الجهر مجرده بل يجب إسماع الغير أيضا ، كما أنّه لا يكفي في الإخفات مطلق الإخفاء بل يجب إسماع نفسه.

والثاني : بأنّ تفسير الجهر والإخفات بما ذكر معارض بتفسيرهما في الكتابين أيضا برفع الصوت وجعله عاليا ، والإخفات بالإسكان ، وأنّ المتبادر من الإعلان والكتمان العرفيان ، ولا يتحقق الأول بمجرد إسماع القريب كيف كان ولو مع همس الصوت ، كما لا ينافي الثاني ذلك أيضا ، ولو سلّم فلا شك في استلزام إسماع النفس لإسماع الغير إذا قرّب اذنه الفم بقدر اذن المتكلّم أو أقرب منه.

وإرادة إسماع الغير في بعض الأوضاع في الجهر وعدمه كذلك في الإخفات تجوّز خارج عن متابعة اللغة.

وبالجملة : مطلق الإعلان والكتمان غير مراد ، ونوع خاص منهما خروج عن متابعة اللغة ، مع عدم دليل عليه.

ودليل الآخرين وجوب الرجوع إلى العرف في تعيين معاني الألفاظ ، لأنّه المحكّم فيما لم يرد فيه توقيف. ولا ريب أنّ إسماع الغير لا يسمّى جهرا ما لم يتضمن صوتا ، وما لم يتضمن الصوت يسمّى إخفاتا وإن أسمعه الغير. وتقديم اللغة على العرف ممنوع سيّما مع التعارض.

مع أنّه روي في العيون أنّ أحمد بن علي صحب الرّضا عليه‌السلام فكان يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات (١).

ويضعّف الأول : بأن الرجوع إلى العرف في تعيين معنى اللفظ إنما هو إذا‌

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ : ١٧٨ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ١١٠ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٨.

١٦٤

كان عرف المتكلّم أو مطلقا مع عدم العلم بتغايره للّغة ، وأمّا عرف الزمان المتأخر عن زمانه المغاير للّغة فلا يرجع إليه أبدا. مع أنّ مساعدة العرف لما ذكروه غير معلومة ، إذ موافقة عرف العرب فيهما له غير ثابتة ، ومرادفهما من سائر اللغات غير معيّن حتى يرجع إليها.

والثاني : بأنّ تماميته موقوفة على وجوب الإخفات في التسبيحات في الأخيرتين ، وهو ممنوع.

ومنه يظهر ضعف دليل الطرفين ، ولكن نقول : إنّ الجهر المأمور به في الأخبار على هذا يكون مجملا بين معان ثلاثة : التصويت ، أو إسماع الغير ، أو هما معا ، والإخفات أيضا كذلك : الهمس ، أو عدم إسماع الغير ، أو هما معا.

وليس قدر مشترك يحكم بوجوبه ويعمل في الزائد بأصل البراءة ، والاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة وهو لا يحصل إلاّ بأن يوجب في الجهر الوصفان : التصويت وإسماع الغير ، وفي الإخفات : الهمس وعدم إسماعه ، عملا بأصل الاشتغال ، فيجبان معا.

ويظهر أنّ الواجب في الجهرية التصويت مع إسماع الغير ، وفي الإخفاتية الهمس مع عدم إسماعه الكلام والقراءة ، لا الهمهمة أو صفير بعض الحروف أو قلقلته ونحوهما ، فإنّه لا حجر فيه قطعا.

فإن قيل : التصويت يستلزم إسماع الغير ، كما أنّ عدم إسماعه لا ينفكّ عن الهمس ، فيكون إسماع الغير في الجهر والهمس في الإخفات واجبا على جميع الأقوال ، فيتحقّق القدر المشترك.

قلنا : لو سلّم ذلك يعلم ـ بانضمام الإجماع على عدم جواز اجتماعهما في صلاة واحدة ـ لزوم تغاير آخر بينهما أيضا من التصويت في الجهر أو عدم الإسماع في الإخفات ، ولا يتعيّن ، فيعمل بأصل الاشتغال.

والمراد بالغير اللازم عدم إسماعه ليس الغير المتصل بالشخص ، أو القريب بقدر لا يتعارف القرب بهذا القدر عادة ، بل بقدر يتعارف من قرب الغير وبعده.

١٦٥

هـ : لا جهر على المرأة في مواضعه إجماعا محقّقا ، ومحكيا مستفيضا (١) ، للأصل ، إمّا لأجل اختصاص النصوص الموجب له بحكم التبادر ومقتضى سياق أكثرها بالرجل ـ كما قيل (٢) ـ وإن كان محل تأمل ، أو لأجل عدم معلومية المأمور في الصحيحتين اللتين هما المعوّل عليهما في المقام (٣) ، وعدم إطلاق فيهما ، وإطلاق الأمر والوجوب لا يقتضي إطلاق المأمور. والرواية مخصوصة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ، ويتوقّف التعميم فيها على الإجماع المركّب المفقود في المقام.

وللمروي في قرب الإسناد : هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال : لا ، إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء ، فتجهر بقدر ما تسمع » (٥).

ولا يعارضه ذيله ، لضعف الرواية المحتاج رفعه إلى الجابر ، وهو مختصّ بصدره.

ومنه يظهر عدم وجوب الإخفات في مواضعه أيضا ، كما صرّح به جماعة (٦) ، وإن أوهم تخصيص النفي بالجهر في كثير من العبارات وجوبه ، ولا دليل له.

فيجوز لهنّ كل من الجهر والإخفات في كلّ من الموضعين ، إلاّ أن تعلم بسماع صوتها الأجانب ، فلا يجوز الجهر لها فيما لا يجوز لها الإسماع.

وهل تبطل الصلاة حينئذ؟.

الظاهر : نعم ، للنهي الموجب للفساد (٧) ، وهو وإن كان متعلّقا بالعارض‌

__________________

(١) كما في المعتبر ٢ : ١٧٨ ، والتذكرة ١ : ١١٧ ، والذكرى : ١٩٠.

(٢) انظر : الرياض ١ : ١٦٢.

(٣) المتقدمتين في ص ١٥٧.

(٤) المتقدمة في ص ١٥٨.

(٥) قرب الإسناد : ٢٢٣ ـ ٨٦٧ ، الوسائل ٦ : ٩٥ أبواب القراءة ب ٣١ ح ٣.

(٦) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٥ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٢٨ ، وصاحب الرياض ١ : ١٦٢.

(٧) انظر : الوسائل ٢٠ ـ ١٩٧ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠٦ ، والمستدرك ١٤ : ٢٧٢ أبواب مقدمات النكاح ب ٨٣.

١٦٦

الأخصّ من وجه ، إلاّ أن الحقّ الفساد معه أيضا.

و : يجب أن لا يبلغ الجهر العلوّ المفرط ، كما صرّح به المحقّق الثاني (١) ، وغيره (٢) ، لموثقة سماعة : عن قول الله تعالى ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (٣) ، قال : « المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديدا » (٤).

والمرويين في تفسير القمي : أحدهما : في قوله تعالى ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) ذلك الجهر بها رفع الصوت ، والمخافتة ما لم تسمع بإذنك » (٥).

وثانيهما : « الإجهار : رفع الصوت عاليا ، والمخافتة : ما لم تسمع نفسك » (٦).

وعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة حين نزول الآية غير ضائر ، لأن القراءة في الصلاة دعاء أيضا ، مع تصريح صحيحة ابن سنان : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : على الإمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا؟ فقال : « ليقرأ قراءة وسطا يقول الله تعالى ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (٧) بشمول الآية للصلاة ، مضافا إلى إيجابها للقراءة الوسطى أيضا.

ولا الإخفات حدّا لا يسمع نفسه القراءة ، أي الكلام والحروف إجماعا ، لما مرّ من الموثقة والروايتين ، إذ بدونه لا تخرج الحروف عن مخارجها ومع خروجها عنها يسمعها قطعا ، ولأنّ ما لا تسمع حروفه لا يعدّ قراءة ولا فاتحة.

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٢٦٠.

(٢) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٥.

(٣) الاسراء : ١١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٥ الصلاة ب ٢١ ح ٢١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ـ ١١٦٤ ، الوسائل ٦ : ٩٦ أبواب القراءة ب ٣٣ ح ٢.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٣٠ ، الوسائل ٦ : ٩٨ أبواب القراءة ب ٣٣ ح ٦.

(٦) تفسير القمي ٢ : ٣٠ ، المستدرك ٤ : ١٩٩ أبواب القراءة ب ٢٦ ح ٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٧ الصلاة ب ٢١ ح ٢٧ ، الوسائل ٦ : ٩٧ أبواب القراءة ب ٣٣ ح ٣.

١٦٧

وصحيحة زرارة : « لا يكتب من القرآن والدعاء إلاّ ما أسمع نفسه » (١).

وأما صحيحة الحلبي : هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال : « لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة » (٢).

فإنّ الهمهمة الصوت الخفي كما في القاموس (٣) من غير تقييد بتشخيص الحروف.

فلا تنافيها ، لوجوب تقييدها بما إذا تضمن سماع الحرف أيضا بصحيحة زرارة ، لأنّ الموصول فيها هو القرآن والدعاء ، وإسماعهما لا يكون إلاّ بإسماع حروفهما.

أو بحال التقيّة ، حيث إنّ الأدلة المذكورة مختصة بغيرها إجماعا ونصّا ، كمرسلة محمّد بن أبي حمزة : « يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس » (٤).

وصحيحة ابن يقطين : عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة ، قال : « اقرأ لنفسك ، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس » (٥).

ومنه يظهر كون الأدلّة أخصّ من صحيحة علي أيضا : عن الرجل له أن يقرأ في صلاته ويحرّك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال : « لا بأس أن [ لا ] يحرّك لسانه يتوهم توهما » (٦) فتخصّ هي أيضا بها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٣ الصلاة ب ٢١ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٩٧ ـ ٣٦٣ ، الاستبصار ٣٢٠ ـ ١١٩٤ ، الوسائل ٦ : ٩٦ أبواب القراءة ب ٣٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٥ الصلاة ب ٢١ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٩٧ ـ ٣٦٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ـ ١١٩٥ ، الوسائل ٦ : ٩٧ أبواب بالقراءة ب ٣٣ ح ٤.

(٣) قال في القاموس ٤ : ١٩٤ : الهمهمة : الكلام الخفي. وفي لسان العرب ١٢ : ٦٢٢ : الصوت الخفي.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٥ الصلاة ب ٢١ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ٩٧ ـ ٣٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ـ ١١٩٧ ، الوسائل ٦ : ١٢٨ أبواب القراءة ب ٥٢ ح ٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٦ ـ ١٢٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ ـ ١٦٦٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٧ أبواب القراءة ب ٥٢ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٧ ـ ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ـ ١١٩٦ ، الوسائل ٦ : ١٢٨ أبواب القراءة ب

١٦٨

ز : وجوب الجهر والإخفات في مواضعهما مختصّ بالقراءة خاصة دون غيرها من الأذكار ، بلا خلاف كما قيل (١) ، للأصل ، وعدم ثبوت الزائد من أدلّتهما ، وصحيحة علي : عن التشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت للرجل أن يجهر به؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » (٢).

ح : حكم القضاء ـ ولو عن الغير تبرّعا أو إجارة مع اتحاد القاضي والمقضيّ عنه ذكورية وأنوثية ـ في الجهر والإخفات حكم الأداء ، بالإجماع ، كما عن الخلاف والمنتهى (٣). وهو الحجة فيه ، دون عموم التشبيه في قوله : « فليقضها كما فاتته » (٤) لمنع العموم. ودون أدلّة وجوب الجهر أو الإخفات ، لعدم شمولها للمورد بعموم أو إطلاق.

ومع اختلافهما ـ كالرجل يقضي عن المرأة وبالعكس ـ فقيل : المعتبر حال القاضي (٥).

والحقّ عندي : التخيير ، لانتفاء الإجماع المقتضي للتعيين فيه.

ط : القدر الواجب أن تسمّى القراءة جهرية أو إخفاتيّة عرفا ، فلا يضرّ الجهر بحرف أو كلمة وكلمتين ونحوها في الإخفاتية وبالعكس ، لبقاء التسمية.

المسألة الثالثة والعشرون : تستحب في القراءة أمور :

__________________

٥٢ ح ٢ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(١) انظر : الحدائق ٨ : ١٤٣ ، والرياض ١ : ١٦٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٣ ـ ١٢٧٢ ، قرب الإسناد : ١٩٨ ـ ٧٥٨ ، الوسائل ٦ : ٢٩٠ أبواب القنوت ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الخلاف ١ : ٣٨٧ ، المنتهى ١ : ٢٧٧.

(٤) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٣ وج ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

(٥) كما في الحدائق ٨ : ١٤٤.

١٦٩

منها : الجهر بالبسملة في أوّل الحمد والسورة في مواضع الإخفات ، في جميع الركعات ، للإمام والمأموم ، على الأظهر الأشهر ، كما صرّح به جماعة منهم المنتهى وشرح القواعد والمدارك (١) ، بل عن الخلاف وفي ظاهر التذكرة الإجماع عليه (٢).

لنا على نفي الوجوب : إطلاق صحيحة الحلبيّين : عمّن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، قال : « نعم إن شاء سرّا وإن شاء جهرا » (٣).

وما صرّح بجهر المعصوم بها في صلاة لا يجهر فيها كصحيحة صفوان : صلّيت خلف أبي عبد الله أيّاما ، كان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم ، فإن كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم (٤).

وروايته : صلّيت خلف أبي عبد الله أيّاما ، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان يجهر في السورتين جميعا (٥).

وحسنة الكاهلي : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام في مسجد كأهل ، فجهر مرّتين ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى (٦).

أو في جميع صلواته بالليل والنهار ، كالمروي في العيون : إنّ الرضا عليه‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٧٨ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٦٨ ، المدارك ٣ : ٣٦٠.

(٢) الخلاف ١ : ٣٣١ ، التذكرة ١ : ١١٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٨ ـ ٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣١٢ ـ ١١٦١ ، الوسائل ٦ : ٦١ أبواب القراءة ب ١٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٨ ـ ٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ـ ١١٥٤ ، الوسائل ٦ : ٥٧ أبواب القراءة ب ١١ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٥ الصلاة ب ٢١ ح ٢٠ ، الوسائل ٦ : ٧٤ أبواب القراءة ب ٢١ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٨ ـ ١١٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣١١ ـ ١١٥٧ ، الوسائل ٦ : ٥٧ أبواب القراءة ب ١١ ح ٤.

١٧٠

السلام كان يجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في جميع صلواته بالليل والنهار (١) المنجبر ضعفه ـ لو كان ـ بما مرّ.

وعدم ثبوت قراءته في الأخيرتين حتى يجهر بالبسملة غير ضائر ، لعدم ثبوت وجوب الإخفات فيهما ، مع أنه على فرض تسليمه لا دليل على وجوب إخفات البسملة فيهما أيضا كما لا يخفى ، فيعمل فيهما بالأصل.

وعلى الاستحباب : ما مرّ من الشهرة والإجماع المنقول الكافيين هنا ـ للتسامح ـ مؤيّدين بما مرّ من جهر الإمام ، وبالمستفيضة الناطقة بأنّ من علامات المؤمن أو الشيعة الجهر ببسم الله الرّحمن الرحيم (٢).

وجعلهما دليلين على المطلوب غير جيّد.

أمّا الأول ، فلجواز كون جهر الإمام على الجواز ، وعدم ثبوت رجحان متابعة غير النبي فيما لم يعلم وجهه ، مضافا إلى اختصاص غير رواية العيون بحال الجماعة فلا يدل على غيرها.

ولا يرد النقض باختصاصه بإمام الأصل أيضا مع أنه لا يقال به ، لأنّه لعدم قول به.

وأما الثاني ، فلأنه لا عموم فيه بالنسبة إلى محلّ الجهر ، بل هو إمّا مطلق في مقام الإثبات فيكتفى فيه بفرد ، أو مجمل. وإرجاعه إلى العموم ـ كما قيل (٣) ـ لا وجه له.

خلافا للمحكي عن الإسكافي ، فخصّ الاستحباب بالإمام (٤) ، والحلّي فخصّه بالركعتين الأوليين (٥) ، محتجّين بلزوم الاقتصار ـ فيما خالف لزوم الإخفات المجمع عليه ـ على المتيقن ، وهو الإمام فقط عند الأول ، والأوليان عند الثاني.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ : ١٨١ ، الوسائل ٦ : ٧٦ أبواب القراءة ب ٢١ ح ٧.

(٢) انظر : الوسائل ١٤ ـ ٤٧٨ أبواب المزار ب ٥٦.

(٣) انظر : الرياض ١ : ١٦٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٩٣.

(٥) السرائر ١ : ٢١٨.

١٧١

ويضعّفان بمنع كون الإخفات مطلقا مجمعا عليه ، وإنّما هو في غير المسألة ، ولا عموم ولا إطلاق يشمل الجميع سوى رواية الفقيه (١) العامة بالنسبة إلى ما تقدم فتخصّ به ، مع أنّها ـ كما مرّ ـ لا تدلّ على لزوم الإخفات في الأخيرتين.

وهو وجه آخر لتضعيف الثاني ، إذ اللازم الاقتصار ـ في وجوب الإخفات المخالف للأصل ـ على ما يشمله النصّ ، وهو غير الأخيرتين.

والقاضي ، فأوجب الجهر بها مطلقا (٢) ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (٣) ، بل جعله في الأمالي من دين الإماميّة (٤).

والحلبي ، ففي الأوليين خاصة (٥).

لمداومتهم عليهم‌السلام على ذلك.

وللاحتياط.

ودعوى الإجماع.

والمروي في الخصال : « والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب » (٦).

وصحيحة ابن قيس في خطبة طويلة لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام يذكر فيها بدع الخلفاء ، فقال : « قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » إلى أن قال : « وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » الحديث (٧).

ويدفع الأول : بالمنع ، وعدم الدلالة على الوجوب لو ثبت.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٢ ـ ٩٢٥.

(٢) المهذب ١ : ٩٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٢.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١١.

(٥) الكافي في الفقه : ١١٧.

(٦) الخصال : ٦٠٤ ، الوسائل ٦ : ٧٥ أبواب القراءة ب ٢١ ح ٥.

(٧) الكافي ٨ : ٥٨ ـ ٢١ ، الوسائل ١ : ٤٥٧ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ٣.

١٧٢

والثاني : بمنع كونه احتياطا ـ لوجود القول بالحرمة ـ وعدم وجوب الاحتياط.

والثالث : بالمعارضة بنقل الحلّي الإجماع على صحة الصلاة بترك الإجهار مطلقا (١) ، وعدم الحجية.

والرابع ـ بعد تسليم ثبوت الحقيقة الشرعية في الوجوب كما هو الأظهر ـ بوجوب تخصيصه بصحيحة الحلبيين المتقدّمة ، لاختصاصها بغير الجهرية من الصلاة إجماعا. مضافا إلى ضعفه ، لمخالفته الشهرتين العظيمتين.

وبهما يدفع الخامس أيضا.

مضافين إلى عدم عمومهما ، فإرادة الأوليين من الصلاة الجهرية ممكنة.

ومنها : الاستعاذة بعد التوجه قبل القراءة إجماعا ، كما عن الخلاف والمجمع والذكرى (٢) ، وغيرها (٣) ، له ، وللآية (٤) ، والمعتبرة ، كصحيحة الحلبي : « إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ثمَّ ابسطهما بسطا ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات » إلى أن قال : « ثمَّ تكبّر تكبيرتين » إلى أن قال أيضا : « ثمَّ تكبّر تكبيرتين » إلى أن قال : « ثمَّ تعوّذ من الشيطان الرجيم ، ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب » (٥).

ومرسلة الفقيه وفيها : « ثمَّ كبّر تكبيرتين وقل : وجّهت وجهي » إلى قوله : « وأنا من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم » (٦).

وموثقة سماعة : عن الرجل يقوم في الصلاة فنسي فاتحة الكتاب ، قال :

__________________

(١) السرائر ١ : ٢١٨.

(٢) الخلاف ١ : ٣٢٤ ، مجمع البيان ٣ : ٣٨٥ ، الذكرى : ١٩١.

(٣) كالمنتهى ١ : ٢٦٩ ، وجامع المقاصد ٢ : ٢٧١ ، والبحار ٨٢ : ٧ ، وكشف اللثام ١ : ٢٢١.

(٤) النحل : ٩٨ ( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ).

(٥) الكافي ٣ : ٣١٠ الصلاة ب ٢٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ـ ٢٤٤ ، الوسائل ٦ : ٢٤ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٩٧ ـ ٩١٧.

١٧٣

« فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنّ الله هو السميع العليم ، ثمَّ يقرؤها ما دام لم يركع » (١).

والمروي في قرب الإسناد : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب ، فتعوّذ بإجهار « أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون » (٢).

وفي تفسير الإمام : « أمّا قوله الذي ندبك الله إليه وأنزل عند قراءة القرآن : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم » (٣).

والرضوي : « ثمَّ افتتح الصلاة وارفع يديك » ثمَّ ذكر تكبيرات الافتتاح إلى أن قال : « أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم » (٤).

وفي الدعائم : « تعوّذ ـ بعد التوجّه ـ من الشيطان الرجيم ، تقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم » (٥).

وظاهر الآية وبعض الروايات وإن كان الوجوب ـ كما عن ولد الشيخ (٦) ـ إلاّ أنّ الإجماع المحقّق على عدمه ، مضافا إلى رواية الأحنف ـ المنجبر ضعفها لو كان بما ذكر ـ : « إذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبال أن لا تستعيذ » (٧) ورواية حمّاد الطويلة المتضمّنة لصلاة الإمام عليه‌السلام (٨) ، يدفعه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٦ : ٨٩ أبواب القراءة ب ٢٨ ح ٢.

(٢) قرب الاسناد : ١٢٤ ـ ٤٣٦ ، الوسائل ٦ : ١٣٤ أبواب القراءة ب ٥٧ ح ٥.

(٣) تفسير الإمام العسكري (ع) : ١٦ ، الوسائل ٦ : ١٩٧ أبواب قراءة القران ب ١٤ ح ١. بتفاوت يسير.

(٤) فقه الرضا (ع) : ١٠٤ و ١٠٥ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢١٣ أبواب القراءة ب ٤٣ ح ١.

(٥) دعائم الإسلام ١ : ١٥٧ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢١٣ أبواب القراءة ب ٤٣ ح ٢.

(٦) حكاه عنه في الذكرى : ١٩١.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٣ الصلاة ب ٢١ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ٥٩ أبواب القراءة ب ١١ ح ٨ ، وفيهما : عن فرات بن أحنف ..

(٨) الكافي ٣ : ٣١١ الصلاة ب ٢٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ و ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ و ٢.

١٧٤

والمشهور أنّ محلّها الركعة الاولى من كل صلاة خاصة ، وفي المنتهى وشرح القواعد وعن ظاهر الذكرى الإجماع عليه (١).

فإن ثبت فهو ، وإلاّ فعموم الآية والموثقة يثبته في كل ركعة يقرأ فيه ، وهو الأقوى.

إلاّ أن يراد استحبابه من جهة الصلاة فلا شك في انتفائه في غير الركعة الأولى ، لعدم الدليل. ولكن لا دليل على ثبوته فيها أيضا ، إذ لا يثبت من أدلّته الزائد على استحبابه ، وهو ثابت لأجل ابتداء القراءة ، وغيره غير معلوم ، وكلام القوم أيضا غير ناصّ فيه بل احتجاجهم بالآية قرينة على عدم إرادته.

والحاصل : أنّه إن أريد استحبابه من جهة أنّه دعاء أو ابتداء قراءة فلا دليل على تخصيصه بالأولى ، وإن أريد من جهة الصلاة فلا دليل على ثبوته فيها أيضا.

والظاهر كفاية كلّ ما يؤدّي الاستعاذة بالله من الشيطان.

والأولى ذكر ما ورد في الروايات من قولهم عليهم‌السلام : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

أو : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنّه هو السميع العليم ، كما في الأخبار المتقدّمة.

أو : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، كما ذكرها في النفلية (٢). وقال شارحها : وهذه الصيغة محل وفاق (٣) ، وبها رواية الخدري : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول قبل القراءة : « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » (٤).

ويستحب الإسرار بها ولو في الجهرية ، لأنه المشهور ، بل عليه الإجماع عن‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٧٠ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٧١ ، الذكرى : ١٩١.

(٢) النفلية : ٢٢.

(٣) حكاه عنه في الحدائق ٨ : ١٦٢.

(٤) الذكرى : ١٩١ ، الوسائل ٦ : ١٣٥ أبواب القراءة ب ٥٧ ح ٦.

١٧٥

الخلاف (١) ، وقيل : بلا خلاف أجده (٢) ، وأمثال ذلك كاف في المقام.

ولا تنافيه رواية قرب الإسناد المتقدمة ، لجواز الإجهار قطعا ، وعدم وجوب المستحبات عليهم دائما.

ومنها : الترتيل في القراءة إجماعا محقّقا ، ومحكيّا مستفيضا (٣) ، وكتابا وسنّة ، ففي مرسلة ابن أبي عمير : « ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته » الحديث (٤).

وقد أجمع أئمّة اللغة على أخذ التأنّي في القراءة والتبيّن في الحروف والحركات في معناه (٥). وتدل عليه رواية ابن سنان : عن قول الله تعالى ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) (٦) ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تبينه تبيانا ، ولا تهذّه هذّ الشعر ، ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة » (٧) والهذّ : السرعة.

فهو المستحب.

وأمّا ما زاد على ذلك ، من توفية الحقّ من الإشباع كما في المغرب والكشّاف (٨) ، وحسن التأليف كما في القاموس (٩) ، وعدم مدّ الصوت كما عن نهاية الفاضل (١٠) ، وتحسين الصوت كما في رواية ضعيفة فسّره فيها بأن تمكث فيه وتحسن به صوتك (١١) ، ومراعاة صفات الحروف من الهمس والجهر والاستعلاء والإطباق‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٢٧.

(٢) كما في الرياض ١ : ١٦٢.

(٣) كما في المدارك ٣ : ٣٦١ ، والحدائق ٨ : ١٧٢ ، والرياض ١ : ١٦٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٢٤ ـ ٤٧١ ، الوسائل ٦ : ٦٨ أبواب القراءة ب ١٨ ح ١.

(٥) انظر : مجمع البحرين ٥ : ٣٧٨ ، والنهاية لابن الأثير ٢ : ١٩٤ ، ولسان العرب ١١ : ٢٦٥.

(٦) المزمل : ٤.

(٧) الكافي ٢ : ٦١٤ فضل القرآن ب ٩ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٢٠٧ أبواب قراءة القرآن ب ٢١ ح ١ ، وفيهما : عن عبد الله بن سليمان ..

(٨) المغرب ١ : ٢٠١ ، الكشاف ٤ : ٦٣٧.

(٩) القاموس المحيط ٣ : ٣٩٢.

(١٠) نهاية الإحكام ١ : ٤٧٦.

(١١) مجمع البيان ٥ : ٣٧٧ ، الوسائل ٦ : ٢٠٧ أبواب قراءة القرآن ب ٢١ ح ٤.

١٧٦

والغنّة وغيرها كما في النفلية (١) ، وحفظ الوقوف كما في رواية ضعيفة منسوبة إلى مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال فيها : « إنّه حفظ الوقوف وبيان الحروف » (٢).

فلم يثبت استحبابه من جهة اعتباره في الترتيل وإن قلنا باستحباب بعض ما ذكر من جهة أخرى : فنقول باستحباب الإشباع في الحركات ، لإمكان إدخاله في لحن العرب المرغّب إلى القراءة به في بعض الأخبار (٣).

وتحسين الصوت ، باعتبار الرواية المتقدّمة للتسامح في أدلّة السنن وإن لم يتسامح من جهة تفسير الترتيل.

وحفظ الوقوف ، لمثل ما ذكر أيضا. والمراد به إمّا المحافظة على الوقوف المثبتة في المصاحف أي أواخر الآيات ، أو المحافظة على موضع الوقف بأن لا يقف إذا أراد الوقف إلاّ في موضع يحسن فيه الوقف ، فيقف على التامّ ثمَّ الحسن ثمَّ الجائز ، فعلى الأول يكون الوقوف جمعا واللام فيه للعهد ، وعلى الثاني يحتمله ويحتمل المصدرية واللام تكون جنسية.

ولا يتعيّن الوقف على موضع وجوبا ، ولا يحرم في موضع ما لم يختلّ به النظم ، للأصل ، والإجماع.

وكذا لا يتعيّن التنفّس في موضع ولا عدمه فيه ، لما ذكر. وفي صحيحة عليّ التصريح بجواز قراءة الفاتحة وسورة أخرى بنفس واحد (٤).

ومنها : ترك قراءة سورة قل هو الله أحد بنفس واحد ، لرواية محمّد بن يحيى (٥).

ومنها : قراءة السور المعيّنة في الفرائض.

__________________

(١) النفلية : ٢٢.

(٢) تفسير الصافي ١ : ٦١ ، الوافي ٩ : ١٧٣٩.

(٣) الكافي ٢ : ٦١٤ فضل القرآن ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ٢١٠ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ـ ١١٩٣ ، قرب الإسناد : ٢٠٣ ـ ٧٨٣ ، الوسائل ٦ : ١١٣ أبواب القراءة ب ٤٦ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٤ الصلاة ب ٢١ ح ١١ ، الوسائل ٦ : ١١٤ أبواب القراءة ب ٤٦ ح ٣.

١٧٧

وبيان المقام : أنّه لا يجب في شي‌ء من الفرائض سورة معيّنة إجماعا قطعيّا ، وبه يحمل بعض ما يتضمّن الأمر على الاستحباب ، وإنّما اختلفت الأخبار وكلمات العلماء الأخيار في المستحب منها في بعض الموارد.

واللازم فيها أنّ ما اتفقت أدلّة الاستحباب فيه يحكم باستحبابه ، وما اختلفت فيه فإن كان الاختلاف في نفس الاستحباب أو الأفضلية يعمل بالراجح ، ومع انتفاء الرجحان بالتخيير ، وإن كان بسبب مراتبه بأن يدلّ دليل على استحباب هذه السورة والآخر على أفضليّة سورة أخرى فيعمل بالدليلين لعدم المنافاة ، فيحكم بفضيلة للأولى وأفضلية للثانية.

وعلى هذا فالمستحب في غير ليلة الجمعة ويومها قراءة « الأعلى » « والشمس » ونحوهما في الظهر والعشاء ، « وإذا جاء » « والتكاثر » وشبههما في العصر والمغرب ، « وعمّ » « وهل أتى » « ولا اقسم » ومثلها في الغداة ، لصحيحة محمّد المصرّحة بأنه يقرأ كذلك (١).

ولا تنافيها صحيحة عيسى بن عبد الله الحاكية لقراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأوليين بما مرّ وب « هل أتيك » وشبهها ، وفي الثانيتين بـ « التوحيد » « وإذا جاء » « وإذا زلزلت » ، وفي الأخيرة بما مرّ « وهل أتيك » وشبهها (٢).

لإمكان إدخال محلّ الاختلاف في الشبه ، مع أنّها لا تدل على استحباب الجميع فلعلّ البعض على الجواز.

نعم ظاهر الرضوي : « اقرأ في صلاة الغداة : المرسلات ، وإذا الشمس كوّرت ، ومثلهما ، وفي الظهر : إذا السماء انفطرت ، وإذا زلزلت ، ومثلهما ، وفي العصر : والعاديات ، والقارعة ، ومثلهما ، وفي المغرب : والتين ، وقل هو الله أحد ، ومثلهما ، وفي يوم الجمعة وليلة الجمعة : بسورة الجمعة ، والمنافقين » (٣) ينافيها في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٥ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ٦ : ١١٧ أبواب القراءة ب ٤٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٥ ـ ٣٥٥ ، الوسائل ٦ : ١١٦ أبواب القراءة ب ٤٨ ح ١.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١٢٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٠٧ أبواب القراءة ب ٣٦ ح ١.

١٧٨

العصر والمغرب.

ولم أعثر على مصرّح بمضمونه ، وبه مع ما فيه من الضعف يصير مرجوحا ، فالعمل على ما مرّ ، فيقرأ واحدة ممّا مرّ في الركعتين ممّا ذكر ، أو كلّ واحدة في ركعة ، لصدق الامتثال بالأمرين.

خلافا للمشهور ، فقالوا باستحباب قراءة سور المفصّل وهي من سورة « محمّد » إلى آخر القرآن عند الأكثر (١) ، وقيل من « الجاثية » (٢) ، وقيل من « الحجرات » (٣) ، وقيل من « الفتح » (٤) وقيل من « ق » (٥) ، وقيل من « الأعلى » (٦) وقيل من « الضحى » (٧) ، سمّيت به لكثرة ما يقع فيها من فصول التسمية.

فمطوّلاتها وهي من « محمّد » إلى « عمّ » في الصبح ، ومتوسطاتها وهي من « عمّ » إلى « الضحى » في العشاء ، وقصارها وهي من « الضحى » إلى آخر القرآن في الظهرين والمغرب ، وخصوص « هل أتى » في الاولى من غداة الاثنين والخميس ، وزاد الصدوق « هل أتيك » في ثانيتها (٨).

ولم أعثر على رواية من طرقنا تدلّ على حكم غير غداة اليومين ، مع كونه مخالفة لوجوه كثيرة لما ورد في أخبارنا الصحيحة ، سيّما في التفرقة بين الظهر والعشاء المصرّح في الصحيحة المتقدّمة بأنهما سواء.

نعم هو للعامّة موافق (٩) ، وبه تترك الشهرة التي يمكن التمسك بها في مقام المسامحة أيضا.

وأمّا حكم غداة اليومين فاستدل عليه برواية رجاء الآتية (١٠) ، وهي عليه غير دالّة ، لجواز كون ما فعل أحد أفراد ما يستحب.

__________________

(١) منهم صاحب المدارك ٣ : ٣٦٣ ، وصاحب الحدائق ٨ : ١٧٦.

(٢) انظر الإتقان للسيوطي ١ : ٢٢١.

(٣) انظر الإتقان للسيوطي ١ : ٢٢١.

(٤) انظر الإتقان للسيوطي ١ : ٢٢١.

(٥) انظر الإتقان للسيوطي ١ : ٢٢١.

(٦) انظر الإتقان للسيوطي ١ : ٢٢١.

(٧) انظر الإتقان للسيوطي ١ : ٢٢١.

(٨) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٩) انظر : المغني لابن قدامة ١ : ٥٦٨.

(١٠) في ص ١٨١.

١٧٩

نعم روى أبو عليّ ابن الشيخ في مجالسه ، عن أبي الحسن العسكري عليه‌السلام : « من أحب أن يقيه الله شرّ يوم الاثنين فليقرأ في أوّل ركعة من صلاة الغداة هل أتى على الإنسان » (١).

والصدوق في ثواب الأعمال : « من قرأ سورة هل أتى على الإنسان في كلّ غدوة خميس زوّجه الله من الحور العين ثمان مائة عذراء وأربعة آلاف ثيّب » (٢).

وهما لا يدلاّن إلاّ على تعيين ثواب ، ولا شك أنّ لغيرهما أيضا ثوابا ولم تثبت أقلّيته ، فلا يفيدان ، مع أنّ الأخير لا يثبت حكم الصلاة.

ثمَّ ما ذكر هو المستحب ، والأفضل منه ـ وفاقا للفقيه (٣) ـ قراءة القدر والتوحيد في الجميع ، الاولى في الاولى ، والثانية في الثانية ، لرواية أبي عليّ بن راشد : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك ، إنّك كتبت إلى محمّد بن الفرج تعلمه أنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض إنّا أنزلناه وقل هو الله أحد ، وإنّ صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر ، فقال عليه‌السلام : « لا يضيق صدرك بها ، فإنّ الفضل والله فيهما » (٤).

والمروي في فلاح السائل : يسأله عمّا يقرأ في الفرائض ، وعن أفضل ما يقرأ فيها ، فكتب عليه‌السلام إليه : « إنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض إنّا أنزلناه في ليلة القدر وقل هو الله أحد » (٥).

والتوقيع المروي في كتابي الغيبة والاحتجاج : كتب إليه : إنّ العالم عليه‌السلام قال : « عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنّا أنزلناه في ليلة القدر كيف تقبل‌

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٢٢٨ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢١٠ أبواب القراءة ب ٣٨ ح ٢.

(٢) ثواب الأعمال : ١٢١ ، الوسائل ٦ : ١٢٢ أبواب القراءة ب ٥٠ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٥ الصلاة ب ٢١ ح ١٩ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ـ ١١٦٣ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب القراءة ب ٢٣ ح ١.

(٥) فلاح السائل : ١٦٢ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٩٠ أبواب القراءة ب ١٩ ح ١.

١٨٠