مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

وجوبه ولا جوازه إجماعا فالمراد نفي أفضليته. والناسخ أيضا ليس وجوب القراءة إجماعا ولا جوازها ، لعدم إيجابه لنسخ الأفضلية ، فيمكن أن يكون المراد نسخ فضيلتها لأفضليّته أو أفضليّتها لأفضليّته ، وحيث لا دليل على تعيين أحد الأمرين فالقدر الثابت منه ليس إلاّ نسخ أفضليّة التسبيح ، وأمّا كون القراءة أفضل فلا يثبت منه.

وعلى هذا لا يثبت من التوقيع ترجيح روايات أفضلية القراءة ، بل غايته عدم العمل بروايات أفضلية التسبيح ، ولازمه عدم ثبوت الأفضلية لشي‌ء منهما الموجب للحكم بالتساوي.

ثمَّ بعد ملاحظة روايات أفضلية كلّ منهما وعدم مرجّح آخر لشي‌ء منهما ، تعلم أنّه لا تثبت أفضلية شي‌ء منهما على الآخر ، وأنّ الحكم التساوي في حق الإمام كما هو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والجمل (١) ، بل نقله المحدّث المجلسي عن أكثر كتبه (٢) ، وهو ظاهر الفاضلين في المعتبر والإرشاد والمختلف (٣).

وهاهنا مذهب آخر ، وهو : التفصيل بأفضلية القراءة له مع تجويزه وجود مسبوق والتسبيح مع عدم ذلك ، نقل عن الإسكافي (٤) ، واختاره والدي العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد جمعا بين الأدلّة.

ويضعّفه خلوّ هذا الجمع عن الشاهد والبيّنة.

وكذا الحكم للمنفرد على الأقوى ، وفاقا لمن مرّ من القائلين بالتخيير للإمام ، وللاستبصار والشرائع والقواعد والمنتهى وشرح القواعد والبيان (٥) ، والمحقّق الأردبيلي (٦).

__________________

(١) النهاية : ٧٦ ، المبسوط ١ : ١٠٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨١.

(٢) البحار ٨٢ : ٩١.

(٣) المعتبر ٢ : ١٩٠ ، الإرشاد ١ : ٢٥٣ ، المختلف : ٩٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٩٢.

(٥) الاستبصار ١ : ٣٢٢ ، الشرائع ١ : ٨٢ ، القواعد ١ : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٧٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٥٩ ، البيان : ١٦٠.

(٦) مجمع الفائدة ٢ : ٢٠٩.

١٤١

لتعارض عمومات أفضلية التسبيح المتقدّمة (١) مع عمومات أفضلية القراءة وعمومات المساواة السابقتين (٢) ، وتعارض خصوصات أفضلية الأول للمنفرد كصحيحتي زرارة المذكورتين (٣) ، وموثقة الساباطي الواردة في المسبوق وفيها : « فإذا سلّم الإمام ركع ركعتين يسبّح فيهما » (٤) مع خصوصات المساواة له ، كصحيحة معاوية بن عمّار السالفة (٥) بل صحيحة منصور أيضا (٦) ، وعدم المرجّح ، فيصار إلى التخيير.

وتوهّم دلالة رواية جميل (٧) على أفضلية القراءة له ، فاسد ، لوقوع قوله : « ويقرأ الرجل وحده » عقيب النهي أو ما بمعناه ، فلا يفيد سوى انتفاء الحظر ، مع أنه مع الدلالة أيضا يعارض ما مرّ ويرجع إلى المساواة.

وخلافا لمن مرّ من القائلين بأفضلية التسبيح للإمام ، فقالوا بأفضليته له أيضا ، والتذكرة والدروس (٨) ، لنحو ما مرّ في الإمام بجوابه.

وأمّا المأموم فالأفضل له التسبيح ، وفاقا لكلّ من مرّ من القائلين بأفضلية التسبيح للإمام ، وللمنتهى (٩) ، لخصوص صحيحة معاوية ورواية جميل ، الخاليتين عن المعارض المساوي ، وأمّا المعارض العامّ فلا يقاوم الخاصّ بل يلزم تخصيصه به.

خلافا لمن قال بأفضلية القراءة له أو بالمساواة ، لنحو ممّا مر مع دفعه ،

__________________

(١) في ص ١٣٦.

(٢) في ص ١٣٦.

(٣) في ص ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٧ ـ ٦٧٥ ، الوسائل ٧ : ٣٥٠ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٩ ح ٢.

(٥) في ص ١٣٨.

(٦) المتقدمة في ص ١٣٨.

(٧) المتقدمة في ص ١٣٨.

(٨) التذكرة ١ : ١١٥ ، الدروس ١ : ١٧٥.

(٩) المنتهى ١ : ٢٧٥.

١٤٢

ولرواية أبي خديجة السابقة (١).

ويدفع بعدم تعيّن المستتر في قوله : « كان » فلعلّه الائتمام كما احتمله في الوافي (٢) بأن يكون المأمومون مسبوقين ، فتخرج الرواية عن المسألة. ومع كونه غير ذلك مما يشملها أيضا فتكون عامة أيضا ، لشمولها للمسبوق فلا يفيد.

المسألة الحادية والعشرون : اختلفوا في المجزئ من التسبيح في الركعات الأواخر على أقوال.

الأوّل : أنه اثنتا عشرة تسبيحة ، صورتها : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر » ثلاثا ، وهو قول العماني (٣) ، والشيخ في ظاهر النهاية (٤) ، ومختصر المصباح (٥) ، والاقتصاد (٦) ، والقاضي في ظاهر المهذّب (٧) ، والفاضل في التلخيص كما حكي (٨) ، وهو ظاهر أكثر نسخ الفقيه المشهورة (٩).

لاستصحاب الاشتغال.

وأقربيته إلى مساواة الحمد.

وللرضوي : « تقرأ فاتحة الكتاب وسورة في الركعتين الأوّلتين ، وفي الركعتين الأخيرتين الحمد وحده ، وإلاّ فسبّح فيهما ثلاثا ثلاثا تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، تقولها في كلّ ركعة منهما ثلاثا » (١٠).

__________________

(١) في ص ١٣٧.

(٢) الوافي ٨ : ١٢٠٥.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٩٢.

(٤) النهاية : ٧٦.

(٥) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٢١٩.

(٦) الاقتصاد : ٢٦١.

(٧) المهذب ١ : ٩٤.

(٨) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٢١٩.

(٩) الفقيه ١ : ٢٠٩.

(١٠) فقه الرضا (ع) : ١٠٥ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٠٢ أبواب القراءة ب ٣١ ح ١.

١٤٣

والمروي في العيون عن الضحّاك : إنّه صحب الرضا عليه‌السلام من المدينة إلى مرو فكان يسبّح في الأخراوين ويقول : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر » ثلاث مرّات ثمَّ يركع (١).

والمروي في صلاة السرائر عن كتاب حريز ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام » قلت : فما أقول فيهما؟ قال : « إن كنت إماما فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ثلاث مرّات ثمَّ تكبّر وتركع » (٢) الحديث.

قيل : ورواه الفقيه كذلك في باب كيفية الصلاة (٣). وهو اشتباه ، لأنّ المذكور فيه كلام الصدوق وليس رواية.

ويضعّف الأول : باندفاع الاستصحاب بالإتيان بما علم الاشتغال به.

والثاني : بعدم وجوب تحصيله.

والثالث : بالضعف الخالي عن الجابر أوّلا ، وبعدم الدلالة على الوجوب التعييني ـ لمقام الجملة الخبرية ـ ثانيا.

وأمّا قوله : « فسبّح » فإنّه وإن كان أمرا إلاّ أنّه لا يدلّ إلاّ على وجوب مجرد التسبيح فقط لأنّه حقيقة فيه ، فيمكن أن يكون البيان بيانا للأفضل ، فيكون الزائد على مطلق التسبيح مستحبا ، كما تقول : اجلس وتقرأ القرآن ، فإنّه لا يدلّ على وجوب القراءة أيضا.

وبه يضعّف الرابع أيضا ، إذ لا دلالة له على كونه على سبيل الوجوب أصلا ، مضافا إلى ما في البحار من أنّ الموجود في النسخ القديمة المصحّحة من العيون بدون التكبير ، والظاهر أنّ الزيادة من النسّاخ (٤). انتهى.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ : ١٨٠ ـ ١٨١ وليس فيه : « ثمَّ يركع » ، الوسائل ٦ : ١١٠ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٨.

(٢) السرائر ١ : ٢١٩ ، الوسائل ٦ : ١٢٣ أبواب القراءة ب ٥١ ح ٢.

(٣) انظر : الرياض ١ : ١٦٥.

(٤) البحار ٨٢ : ٨٨.

١٤٤

كما أنّ بالأول (١) يضعّف الخامس ، فإنّ حال كتاب حريز عندنا غير معلوم ، مع أنّ ناقله ـ الذي هو الحلّي ـ لم يعمل به وأفتى بالعشر (٢) ، وهو من مضعّفات الحديث جدّا.

مضافا إلى ما فيه من الاضطراب ، حيث إنّه رواه في آخر السرائر بعينه عن كتاب حريز بإسقاط : « الله أكبر » (٣).

ولذا قال في البحار : إنّ الظاهر أنّ زيادة التكبير من قلمه أو قلم النسّاخ ، وذكر له مؤيدات منها : نسبة القوم إلى حريز الاكتفاء بالتسع (٤). ولو لا الظهور فلا شك في سقوطه عن عرصة الاحتجاج. وذكر التكبير في روايات أخر لا يدلّ على ترجيح النسخة المتضمنة له بوجه.

هذا ، مع ما فيه من ضعف الدلالة ، لعدم كون الأمر فيه لحقيقته التي هي الوجوب التعييني ، لجواز قراءة الحمد أيضا. وحمله على التخييري ليس بأولى من الاستحباب.

والقول ـ بأنّ الأول أقرب إلى الحقيقة فيجب الحمل عليه ـ ضعيف غايته ، لمنع وجوب الحمل على الأقرب ، سيّما مع أنّ الثاني أشيع وأشهر.

مضافا إلى ما في الجميع من المعارضة مع ما يأتي.

والثاني : أنه عشر بإسقاط التكبير في المرّتين الأوليين ، وهو مختار المصباحين (٥) ، والجملين (٦) ، والمبسوط وعمل اليوم والليلة (٧) ، وابني حمزة وزهرة ،

__________________

(١) أي : بالتضعيف الأوّل للدليل الثالث ، وهو ضعف السند.

(٢) السرائر ١ : ٢٢٢.

(٣) مستطرفات السرائر : ٧١ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ١٢٢ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١.

(٤) البحار ٨٢ : ٨٧.

(٥) حكاه عن مصباح السيد في المعتبر ٢ : ١٨٩ ، مصباح المتهجد : ٤٤.

(٦) نقله عن جمل السيد في شرحه للقاضي : ٩٣ ، الجمل والعقود للشيخ ( الرسائل العشر ) : ١٨١.

(٧) المبسوط ١ : ١٠٦ ، عمل اليوم والليلة ( الرسائل العشر ) : ١٤٦.

١٤٥

والديلمي ، والحلّي ، والقاضي (١).

قال جماعة : ولم نقف له على مستند (٢).

ويحتمل أن يكون لصحيحة زرارة : قال : قلت : فما أقول [ فيهما؟ ] ـ أي في الأخيرتين ـ قال : « إن كنت إماما أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ، ثلاث مرّات ، تكمله تسع تسبيحات ثمَّ تكبّر وتركع » (٣).

وجه الاستناد : إفادة قوله : « ثمَّ تكبّر » للوجوب ، كما عليه جماعة في الجمل الخبريّة ، فلا يمكن أن يكون تكبيرة الركوع ، فيكون جزءا للتسبيح.

وهو حسن عند من يقول بتلك الإفادة ، ولكنها عندنا غير ثابتة ولأجله يخرج عن الدلالة ، مضافا إلى ما فيه من عدم أولوية الوجوب التخييري عن الاستحباب.

وقد تردّ أيضا (٤) باضطراب الرواية ، لاختلاف نسختها في الفقيه وكذا في السرائر فيشكل التمسك بها ، سيّما وأنّ احتمال السقوط أرجح من الزيادة ، سيّما مع وجود الزيادة في كثير من روايات المسألة وإن لم تكن لبعضها على الوجوب دلالة.

وفيه : منع الاختلاف في رواية الفقيه ـ التي هي الحجة ـ وإنّما هو في رواية السرائر خاصة (٥) ، ولا ضير في اختلافها ، مع أنّ زيادة قوله فيها : « تكمله تسع تسبيحات » ترجّح جانب القلّة.

والثالث : أنّه تسع بإسقاط التكبير في المرّات الثلاث ، حكي عن حريز بن‌

__________________

(١) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٧ ، الديلمي في المراسم : ٧٢ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٢٢ ، القاضي في شرح الجمل : ٩٣.

(٢) كما في المدارك ٣ : ٣٧٩ ، وكشف اللثام ١ : ٢١٩ ، والبحار ٨٢ : ٩٠ ، والحدائق ٨ : ٤١٣ ، والرياض ١ : ١٦٥ ، وغنائم الأيام : ١٨٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٥٨ ، الوسائل ٦ : ١٢٢ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١.

(٤) كما في الرياض ١ : ١٦٥.

(٥) السرائر ١ : ٢١٩ ، المستطرفات : ٧١ ـ ٢.

١٤٦

عبد الله السجستاني من قدماء الأصحاب (١) ، والصدوق (٢) ، ووالده كما في المختلف (٣) ، والحلبي كما قيل (٤).

للصحيحة المتقدّمة ، بجعل التكبيرة تكبيرة الركوع ، لعدم دلالتها على وجوبها. وهو كذلك ، بل في دلالتها على وجوب التسع أيضا ما مرّ من تعارض المجازين.

مع أنّ في النسبة إلى أكثر من ذكر أيضا كلاما ، فإنّه وإن أسنده في المعتبر والمنتهى والذكرى إلى حريز (٥) ، وفي بعض الكتب إلى الصدوق والحلبي (٦) ، ولكن عرفت رواية اثنتي عشرة عن حريز أيضا (٧) ، ومرّ تصريح الصدوق أيضا بها في الفقيه (٨). والظاهر أنّه لأجل روايته هذه الصحيحة في باب الجماعة ، ولا يخفى أنّ نقلها بعد تصريحه بخلافها لا يثبت مذهبه. وصرّح في المنتهى بأنّ مذهب الحلبي ثلاث تسبيحات : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله (٩).

والرابع : أنّه أربع وهي التسبيحات الأربع ، وهو مذهب المفيد (١٠) ، والشيخ في الاستبصار (١١) ، والمنتهى والتذكرة والقواعد وشرح القواعد (١٢) ، وجمع‌

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ١٨٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦.

(٣) المختلف : ٩٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٩٢.

(٥) المعتبر ٢ : ١٨٩ ، المنتهى ١ : ٢٧٥ ، الذكرى : ١٨٨.

(٦) كما في الذكرى : ١٨٨ ، والمنتهى ١ : ٢٧٥.

(٧) راجع ص ١٤٤.

(٨) راجع ص ١٤٤.

(٩) المنتهى ١ : ٢٧٥.

(١٠) المقنعة : ١١٣.

(١١) الاستبصار ١ : ٣٢١ ، وحكاه عنه في المنتهى ١ : ٢٧٥.

(١٢) المنتهى ١ : ٢٧٥ ، التذكرة ١ : ١١٥ ، القواعد ١ : ٣٣ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٥٦.

١٤٧

آخر من المتأخرين (١) ، وجوّزه الحلّي للمستعجل (٢) ، وجعله في المعتبر الأولى (٣).

لصحيحة زرارة : ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : « أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، وتركع » (٤).

ورواية أبي خديجة : « إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر » إلى أن قال في الركعتين الأخيرتين : « وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأوليين » (٥).

وغيرهما من الأخبار المتضمنة لهذه الأربع من غير تقييد بعدد ، الظاهرة في كفاية الواحدة.

وردّ باحتمال أن يكون المراد بيان إجزاء القول دون العدد.

وفيه : أنّه يفيد لو تمّت أدلة الزائد عن الواحدة.

نعم يرد على الأول أنّه لا يدلّ على عدم إجزاء غيره إلاّ بالأصل المندفع بسائر الأخبار ، فإنّ أجزاء شي‌ء لا ينافي إجزاء غيره سيّما مع ثبوت إجزاء الحمد أيضا.

وعلى الثاني بعدم إمكان الحمل على الحقيقة ، التي هي الوجوب التعييني كما مرّ.

والخامس : أنّه ثلاث : التسبيح والتحميد والتهليل ، عزاه في المنتهى إلى الحلبي (٦) ، ولم أعثر على دليله.

__________________

(١) كالفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٠٥ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦١.

(٢) السرائر ١ : ٢٢٢.

(٣) المعتبر ٢ : ١٩٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٣ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٣٦٧ ، الوسائل ٦ : ١٠٩ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٧٥ ـ ٨٠٠ بتفاوت يسير ، الوسائل ٦ : ١٢٦ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١٣.

(٦) المنتهى ١ : ٢٧٥.

١٤٨

والسادس : أنّه الثلاث المذكور لكن مع تبديل التهليل بالتكبير ، نسب إلى الإسكافي (١) ، لصحيحة الحلبي : « إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر » (٢).

حيث إنّ الأمر فيها للوجوب قطعا ، لأنّه إذا لم يقرأ يجب غيرها عينا ، أو أنّ هذا التركيب مفيد للوجوب التخييري.

ويرد عليه ما مرّ سابقا من احتمال كون : « لا تقرأ » بمعنى لا تجب القراءة ، أو إنشاء فالأمر حينئذ يكون مجازا قطعا.

والسابع : أنه مطلق الذكر ، اختاره في البحار (٣) ، واحتمله صاحب الذخيرة (٤) ، لرواية عليّ بن حنظلة : عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال : « إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله ، فهما سواء » قلت : فأيّهما أفضل؟ قال : « هما والله سواء ، إن شئت سبّحت وإن شئت قرأت » (٥).

وفيه : أنّه لا بدّ إمّا من حمل التسبيح في قوله : « سبّحت » على مطلق الذكر ، أو المطلق في قوله : « فاذكر الله » على التسبيح ، ولا دليل على التعيين ، فلا دليل على كفاية مطلق الذكر.

والثامن : أنّ المصلّي مخيّر ـ اختاره المحقّق في المعتبر (٦) ، وصاحب‌

__________________

(١) نسبه إليه في المختلف : ٩٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٤ أبواب القراءة ب ٥١ ح ٧.

(٣) البحار ٨٢ : ٨٩.

(٤) الذخيرة : ٢٧٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ـ ١٢٠٠ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٣.

(٦) المعتبر ٢ : ١٩٠.

١٤٩

البشرى (١) ، وجملة من المتأخرين ، منهم : المدارك والمنتقى والذخيرة والمفاتيح والحدائق (٢) ـ بين جميع ما ذكر حتى مطلق الذكر كبعض من ذكر (٣) ، أو جميع ما روي كبعض آخر (٤) ، فإنّه قد روي غير ما مرّ أيضا كثلاث تسبيحات ، كما في مرسلة الفقيه : « أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله » (٥).

أو التسبيح والتحميد والاستغفار ، كما في صحيحة عبيد : عن الركعتين الأخيرتين من الظهر ، قال : « تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء » (٦).

أو مطلق التسبيح ، كما في رواية ابن عمّار : عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : « الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ومن خلفه يسبّح ، وإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبّح » (٧).

أقول : بعد رفع اليد عن دليلي القولين الأولين لما عرفت ، وعن القول الخامس لعدم الدليل ، وعن رواية مطلق الذكر والتسبيح ، لمرسلة الفقيه المثبتة لأدنى ما يجزي من القول ، ولما مرّ من عدم ثبوت مطلق الذكر.

يبقى دليل التسع ، والأربع ، وثلاث الإسكافي ، وثلاث تسبيحات ،

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى : ١٨٩.

(٢) المدارك ٣ : ٣٨١ ، المنتقى ٢ : ٢٣ ، الذخيرة : ٢٧٠ ، المفاتيح ١ : ١٣٠ ، الحدائق ٨ : ٤١٦.

(٣) الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٣٠.

(٤) المحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٧٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٥٩ ، الوسائل ٦ : ١٠٩ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٣٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ـ ١١٩٩ ، الوسائل ٦ : ١٠٧ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٣ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٤ ـ ١١٨٥ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٢.

١٥٠

والتسبيح والتحميد والاستغفار.

ولا يمكن حمل هذه الأدلّة على الوجوب المعيّن ، لانتفائه قطعا. ولا على الاستحباب المصطلح ـ بمعنى جواز الترك لا إلى بدل مع الثواب على الفعل ـ لوجوب البدل إجماعا ، ولأنه إنما كان لو ثبت وجوب غيره معيّنا واحتمل كون ضمّ ذلك مستحبا ولم يثبت ذلك في شي‌ء منها.

والقول باستحباب واحد منها من غير ضمّ غير لو كان فيكون هو من باب الوجوب التخييري ويكون أفضل أفراد المخيّر.

فالأوامر ونحوها في هذه الأدلّة يراد بها الوجوب التخييري إما مطلقا أو أفضل أفراده ، ولا يحتمل مجاز آخر.

ثمَّ المراد بالتخيير فيها إمّا أنه أحد أفراد المخيّر من بين جميع ما روي ، أو أنه أحد فردي المخيّر منه ومن الفاتحة حتى يتعيّن أحدهما.

وعلى الأول لا يكون تعارض بين الأخبار ، ويكون الحكم التخيير بين هذه المذكورات.

وعلى الثاني وإن حصل التعارض ولكن الحكم معه أيضا للتخيير بينها ، فهو الحكم في المسألة.

فروع :

أ : الأظهر الأشهر ـ كما صرّح به بعض من تأخّر (١) ـ وجوب الترتيب بين هذه الأذكار ، وإليه ذهب الفاضل والشهيد (٢). فإن اختار الأربع يقدّم التسبيح ثمَّ التحميد ثمَّ التهليل ثمَّ التكبير ، وإن اختار التسع يكتفي بالثلاثة الأولى على‌

__________________

(١) صرّح في كشف اللثام ١ : ٢١٨ ، والحدائق ٨ : ٤٣٥ بأنه المشهور.

(٢) الفاضل في التذكرة ١ : ١١٥ ، المنتهى ١ : ٢٧٦ ، الشهيد في الذكرى : ١٨٩ ، الدروس ١ : ١٧٣.

١٥١

الترتيب المذكور ، وعلى الثلاث يبدّل التهليل بالتكبير مقدّما للتحميد.

للأمر بالترتيب في الأخبار ، أي الأمر بقول هذه الهيئة المرتّبة ، فلو خالفها لم يكن المقول ما أمر به.

خلافا لطائفة ، منهم : المعتبر والمدارك والذخيرة (١).

للأصل. وهو مدفوع بما مرّ.

ولعدم إفادة العطف بالواو للترتيب.

وفيه : أنّ العطف هنا جزء من أجزاء الكيفية المنقولة فتختلّ باختلاله كالعطف في قوله عزّ شأنه ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) لا لتعداد المقول كما في قوله : اقرأ سورة كذا وسورة كذا. والحاصل : أنّ خصوص حرف العطف أيضا جزء من المقول ، وهو مجموع المعطوف والمعطوف عليه والعطف.

ولاختلاف الروايات في تعيينها ، فبأيّ ترتيب ذكرت يوافق الرواية.

وردّ بأنّه إنّما يتمّ على القول بالتخيير خاصة ، وإلاّ فكلّ من ذهب إلى قول استنادا إلى رواية مخصوصة فالواجب عنده الإتيان بما دلّ عليه دليله.

وفيه نظر ، أمّا أوّلا : فلأنّ تماميته على التخيير إنّما هي لو لم يقصد أحد الأفراد أوّلا ولم يتعيّن بالقصد ، وأمّا مع قصده والقول بتعيّنه به فلا بدّ من مراعاة الترتيب المستفاد من دليله.

وأمّا ثانيا : فلأن المخيّر فيه على القول بالتخيير أيضا لا يخلو من ترتيب ، لتقديم التسبيح والحمد على الباقيين على كلّ قول ودليل.

وأمّا ثالثا : فلأنّ وجوب الترتيب على سائر الأقوال ومتابعة كلّ قائل دليله ، إنّما هو إذا ترك سائر الروايات بالمرجوحية أو عدم الحجيّة.

وأما إذا لم يكن كذلك ، بل سلّم حجية أخبار المسألة ، وكان عمله بالأقلّ‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٩٠ ، المدارك ٣ : ٣٨١ ، الذخيرة : ٢٧٢.

١٥٢

لحمله الزائد في أخباره على الاستحباب ، أو بالزائد بحمل أخبار الناقص على عدم اشتمالها إلاّ على بعض القدر الواجب ، فلا تخرج عنده أخبار سائر الأقوال المخالفة لدليله عن الحجيّة فيما اشتمل عليه ومنه الاختلاف في الترتيب.

فالصواب أن يجاب ـ على المختار ـ بأنّ اختلاف الرواية كما أوجب التخيير في أصل الذكر كذلك أوجبه في ترتيبه ، ولكن في الترتيبات الواردة في أخبار الأقوال الثلاثة. فإن أريد من نفي الترتيب ذلك فهو كذلك. وإن أريد مطلقه فهو فاسد ، لخروج بعض الهيئات عن جميع النصوص.

ب : لو شرع في القراءة أو التسبيح فهل يجوز له العدول إلى الآخر أم لا؟

الأظهر وفاقا لجماعة : نعم (١) ، للأصل.

وقيل : لا (٢) ، للنهي عن إبطال العمل.

وفيه : منع النهي بحيث يشمل المورد ـ أوّلا ـ كما بيّنّاه في موضعه ، ومنع كونه إبطالا ثانيا.

ولإيجابه الزيادة في الصلاة.

وفيه : منع كونه زيادة مبطلة ، كما يظهر وجهه ممّا سنذكره في بيان الزيادة المبطلة.

ج : قال في شرح القواعد : تجوز قراءة الحمد في إحدى الأخيرتين والتسبيح في الأخرى ، لانتفاء المانع (٣). انتهى.

ويخدشه : أنّ انتفاء المانع إنما يفيد مع وجود المقتضي ولا مقتضي له.

وأمّا ما في المدارك ـ من أنّ التخيير في الركعتين تخيير في كلّ واحدة منهما (٤) ـ

__________________

(١) منهم صاحب المدارك ٣ : ٣٨٢ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٤٣٨.

(٢) كما في الذكرى : ١٨٩.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٢٥٧.

(٤) المدارك ٣ : ٣٨٢.

١٥٣

فإنّما يتمّ لو ورد مثل تلك العبارة وليس. وما ادّعاه من إشعار بعض الروايات به فلم نعثر عليه.

واستصحاب اشتغال الذمّة بذكر في الثانية بعد الأولى ، يقتضي الإتيان بالمتيقّن ، وهو ما أتى في الأولى ، إلاّ مع دليل على كفاية غيره ، ولم نقف عليه.

د : صرّح جمع من الأصحاب بأنّه لو شك في عدد التسبيح يبني على الأقل (١). وهو كذلك ، لأصالة عدم الزيادة. ثمَّ لو ذكرها فلا بأس.

هـ : تستحب الاثنتا عشرة تسبيحة ، للرضوي (١) ، وروايتي العيون والسرائر (٢) ، وفتوى جمع من الأجلة (٣).

وهل تستحب الزيادة؟ المشهور : لا ، للأصل.

وعن العماني : أنه يقال التسبيحات الأربع سبعا أو خمسا ، وأدناه الثلاث في كلّ ركعة (٤). ونفى في الذكرى البأس عن اتباعه في الاستحباب (٥). وهو كذلك ، حيث إنّ المقام يتحمل التسامح.

و : لا يجب القصد إلى واحد من القراءة أو التسبيح قبل الشروع في أحدهما ، لأصالة عدم وجوب التعيين ، وكفاية القصد الإجمالي إلى أجزاء الصلاة في نيّة القربة المعتبرة.

ولو كان قاصدا إلى أحدهما معيّنا ، فسبق إلى لسانه الآخر ، فله الإبقاء‌

__________________

(١) منهم الشهيد في الذكرى : ١٨٩ ، وصاحب المدارك ٣ : ٣٨٢ ، والمجلسي في البحار ٨٢ : ٩٥ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٤٤٠.

(٢) راجع ص ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٧٦ والاقتصاد : ٢٦١ وابن أبي عقيل حكاه عنه في المدارك ٣ : ٣٧٩ والعلامة في القواعد ١ : ٣٣.

(٤) راجع ص ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٩٢.

(٦) الذكرى : ١٨٩.

١٥٤

عليه ، والعدول إلى غيره ، لما مرّ.

وعلى الإبقاء هل يستأنفه أم لا؟.

استجود في الذكرى الأوّل ، لأنّه عمل بغير نيّة (١).

ومال في الحدائق إلى الثاني (٢). وهو الأقرب ، لكفاية الاستدامة الحكمية في نيّة القربة المعتبرة فيه ، ولا دليل على اعتبار الأزيد فإنّه لا يشترط في كلّ جزء قصده بخصوصه ، بل يكفي كونه بحيث إذا التفت علم أنّه يصلّي لله ، وهو كذلك ، فهو في حال سبق اللسان إليه قاصد له إجمالا كمن يقرأ الفاتحة من غير التفات إليها.

والحاصل : أنه لا شك في أنّ استباق لسانه إلى أحد المخيّرين ليس بحيث يكون فعله بلا قصد وشعور أصلا ، بل هو قاصد في الجملة ، وعمله للقربة وإن لم يكن ملتفتا إليها ، ولم يثبت من دليل اشتراط النيّة أزيد من ذلك في أجزاء الفعل المركّب.

ز : ليس في التسبيح بسملة لا وجوبا ولا استحبابا ، لعدم دليل عليها.

ولو أتى بها فإن كان لا بقصد جزئيتها فلا بأس قطعا. وكذا إن كان باعتقادها ، على الأقرب ، إذ اعتقاده إمّا ناش عن دليل شرعي دلّه إليها فهي جزء في حقه ، أو عن تقصير في السؤال واستقرار ذلك في ذهنه ، فغايته إثمه في التقصير أو في ذلك الاعتقاد أيضا ، وأما حرمة البسملة حينئذ فلا دليل عليها أصلا. وتوهّم كونها تشريعا (٣) فاسد جدّا ، كما بيّنّاه في موضعه.

ح : صرّح في الذكرى بوجوب الموالاة الواجبة في القراءة في التسبيح أيضا (٤).

__________________

(١) الذكرى : ١٨٩.

(٢) الحدائق ٨ : ٤٣٩.

(٣) كما في الحدائق ٨ : ٤٣٩.

(٤) الذكرى : ١٨٩.

١٥٥

ونفاه في الحدائق (١). وهو جيّد ، لعدم دليل عليه.

ولو قيل بالتفصيل ، بأنه أمر مثلا بقراءة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، فيجب أن لا يتخلل شي‌ء بين هذه الأذكار بحيث لم يصدق على المجموع قراءة هذا المركّب لو كان له اسم ، ولا ضير في التخلل بين المرّات ، كان أجود.

نعم لو سكت سكوتا مبطلا للصلاة بطلت لأجله.

ط : ظاهر المدارك استحباب الاستغفار مع التسبيحات أيضا (٢) ، ولعلّه لصحيحة عبيد المتقدّمة (٣) ، وهي لا تدل عليه إلاّ مع الاكتفاء بالتسبيح والتحميد على القول بكفاية كلّ ما روي ، فلا يستحب في غير هذه الصورة ، ولا يبعد وجوبه حينئذ ، فتأمّل.

المسألة الثانية والعشرون : يجب الجهر بالقراءة خاصة في الصبح وأوليي المغربين ، والإخفات بها في أوليي الظهرين ، على الحقّ المشهور ، ونسبه في المنتهى والتذكرة إلى أكثر علمائنا (٤) ، وعن الخلاف والغنية الإجماع على الحكمين (٥) ، وعن السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز الجهر في الإخفاتية (٦).

لا للشهرة أو الإجماع المنقول ، لعدم حجيتهما.

ولا للتأسّي ، لعدم وجوبه.

__________________

(١) الحدائق ٨ : ٤٣٩.

(٢) المدارك ٣ : ٣٨١.

(٣) في ص ١٥٠.

(٤) المنتهى ١ : ٢٧٧ ، التذكرة ١ : ١١٦.

(٥) الخلاف ١ : ٣٣٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

(٦) السرائر ١ : ٢١٨.

١٥٦

ولا لصحيحتي زرارة : إحداهما : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه ، فقال : « أيّ ذلك فعل متعمّدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ساهيا أو ناسيا أو لا يدري فلا شي‌ء » (١).

والأخرى مثلها مع زيادة في السؤال والاقتصار بالناسي والساهي (٢).

لعدم دلالة الأولى إلاّ إذا قلنا بأولوية تخصيص ما لا ينبغي بما لا يجوز ، عن التجوز في قوله : « نقض صلاته وعليه الإعادة » بالحمل على الاستحباب ، أو مجاز آخر. والثانية إلاّ على حجية مفهوم الوصف. والأمران ممنوعان.

ولا لصحيحة محمّد : عن صلاة الجمعة في السفر ، قال : « تصنعون كما تصنعون في الظهر ، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة ، وإنّما يجهر إذا كانت خطبة » (٣).

لمكان الجملة الخبرية سيّما مع مقابلتها بقوله : « وإنّما يجهر » وهو للاستحباب إجماعا.

بل للصحيحين : أحدهما : عن القراءة خلف الإمام ، فقال : « أمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه » الحديث (٤).

وثانيهما : « إنّ الصلاة التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة ، فوجب أن‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٧ ـ ١٠٠٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ ـ ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ـ ١١٦٣ ، الوسائل ٦ : ٨٦ أبواب القراءة ب ٢٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٧ ، الوسائل ٦ : ٨٦ أبواب القراءة ب ٢٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥ ـ ٥٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ـ ١٥٩٨ ، الوسائل ٦ : ١٦٢ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٧ الصلاة ب ٥٨ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ـ ١١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ ـ ١٦٤٩ ، علل الشرائع : ٣٢٥ ـ ١ ، الوسائل ٨ : ٣٥٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٥.

١٥٧

يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة » (١).

ورواية الفقيه المصرّحة بعلّة الجهر في صلاة الجمعة والمغرب والعشاء والفجر : وإنّما أمر الله سبحانه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإجهار في القراءة فيها وبالإخفاء في القراءة في صلاة العصر (٢). والأمر حقيقة في الطلب الحتمي لغة كلفظ الوجوب في مثل زمان الصادقين عليهما‌السلام بحكم الحدس والوجدان.

وكونها أخصّ من المدّعى غير ضائر ، لعدم القول بالفصل.

وتؤيّد المطلوب : المستفيضة المصرّحة بانقسام الصلاة إلى الجهرية والإخفاتيّة (٣) في نحو صحيحتي ابن يقطين (٤) ، وصحيحة ابن سنان (٥) ، وروايتي الأزدي (٦) ، ومحمّد بن أبي حمزة (٧) ، فإنّ ظاهرها التوظيف الظاهر في الوجوب ، سيّما مع انضمام الأخبار بعضها مع بعض.

خلافا للمحكي عن الإسكافي ، فقال بالاستحباب (٨) ، ونسب إلى السيّد ، حيث قال : إنه من وكيد السنن. وليس بصريح في المخالفة ولو مع ضمّ ما بعده وهو قوله : حتى روي أنّه من تركهما عمدا أعاد. كما نقله في المنتهى (٩) ، حيث‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٣ ـ ٩٢٧ ، علل الشرائع : ٢٦٣ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١٠٨ ، الوسائل ٦ : ٨٢ أبواب القراءة ب ٢٥ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٢ ـ ٩٢٥ ، الوسائل ٦ : ٨٣ أبواب القراءة ب ٢٥ ح ٢.

(٣) ذكرها البهبهاني في شرح المفاتيح. منه رحمه الله تعالى.

(٤) الاولى : التهذيب ٣ : ٣٤ ـ ١٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ ـ ١٦٥٧ ، الوسائل ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١١ ، الثانية : التهذيب ٢ : ٢٩٦ ـ ١١٩٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٥ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٩.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٦١ ، التهذيب ٣ : ٢٧٦ ـ ٨٠٦ ، قرب الاسناد : ٣٧ ـ ١٢٠ ، الوسائل ٨ : ٣٦٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ١.

(٧) علل الشرائع : ٣٢٢ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٨٣ أبواب القراءة ب ٢٥ ح ٢.

(٨) حكاه عنه في المختلف : ٩٣.

(٩) المنتهى ١ : ٢٧٧.

١٥٨

إنّ ظاهره عدم قوله بالإعادة ، لأنّ الوجوب لا يستلزم الإعادة بالترك عند جميعهم ، واختاره طائفة من متأخري المتأخرين ـ كصاحبي المدارك والذخيرة (١) ـ ويميل إليه كلام الأردبيلي (٢).

للأصل.

وقوله عزّ شأنه ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ) الآية (٣).

وصحيحة علي : عن الرجل يصلّي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة فهل عليه أن لا يجهر؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » (٤).

والأصل مندفع بما مرّ.

والآية مجملة ، مع أنّها على جميع تفاسيرها عليه غير دالّة ، بل على بعضها تدل على المطلوب.

والصحيحة ضعيفة ، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة والجديدة ، فهي بالشذوذ عن حيّز الحجية خارجة. ومع ذلك بالنسبة إلى معارضها مرجوحة ، لموافقتها العامّة (٥) ، كما صرّح به الشيخ (٦) وجماعة من الخاصة (٧).

فروع :

أ : المشهور ـ كما في الحدائق (٨) ، بل ربما ادّعي عليه الإجماع كما فيه أيضا ـ

__________________

(١) المدارك ٣ : ٣٥٨ ، الذخيرة : ٢٧٤.

(٢) مجمع الفائدة ٢ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٣) الإسراء : ١١٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٢ ـ ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ـ ١١٦٤ ، قرب الاسناد : ٢٠٥ ـ ٧٩٦ وفيه : هل عليه أن يجهر؟ ، الوسائل ٦ : ٨٥ أبواب القراءة ب ٢٥ ح ٦.

(٥) انظر : المغني لابن القدامة ١ : ٦٤٢ ، وعمدة القاري ٦ : ٢٧ ، ومغني المحتاج ١ : ١٦٢.

(٦) التهذيب ٢ : ١٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٣.

(٧) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٧٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٧٤ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٣٤ ، وصاحب الرياض ١ : ١٦١.

(٨) الحدائق ٨ : ٤٣٧.

١٥٩

تحتم الإخفات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين.

للتسوية بينها وبين مبدلها.

وعموم الإخفات في الفرائض.

وصحيحة ابن يقطين : عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام ، أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال : « فلا بأس وإن صمت فلا بأس » (١).

حيث إنّ الظاهر من قوله : « يصمت » أي يخافت ، ففيه إشارة إلى أنه السنّة فيهما.

وصحيحة زرارة المتقدّمة (٢) ، حيث أمر فيها بالإعادة بالجهر فيما لا ينبغي الجهر فيه مطلقا ، والمورد أيضا ممّا لا ينبغي الجهر فيه قطعا.

وما في بعض الأخبار : إنّه عليه‌السلام أخفى ما سوى القراءة في الأوليين (٣).

ويردّ الأول : بمنع البدليّة أولا ، ووجوب التسوية ثانيا ، وثبوت الحكم في المبدل ثالثا.

والثاني : بمنع عموم الإخفات ، وأين هو؟ فإنّ ثبوته في خصوص الموارد بأمر النبي بالإخفات في القراءة في صلاة العصر ، وبالإجماع المركّب ، وهو في المقام غير ثابت.

والثالث : بمنع إرادة الإخفات من الصمت ، بل يحتمل كون المعنى الحقيقي مرادا ويكون إشارة إلى مذهب العامة ، حيث إنّ أبا حنيفة ذهب إلى الصمت فيهما (٣) ، يعني : الركعتين اللتين هكذا يفعل الناس فيهما أو يكون‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ـ ١١٩٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٣.

(٢) في ص ١٥٧.

(٣) روى المحقق (ره) في المعتبر ٢ : ١٧٦ : « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجهر في هذه المواضع : ـ أي في الصبح وأولتي المغرب والعشاء ـ ويسرّ ما عداها ».

(٤) حكاه عنه في التفسير الكبير ١ : ٢١٦ ، وعمدة القارئ ٦ : ٨.

١٦٠