مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

ظاهر الشيخ في النهاية بل صريحه : الثاني (١) ، ونسب إلى ظاهر الأصحاب من جهة إيرادهم الحكم في طيّ أحكام الفرائض (٢).

وقد يحتاط بالمنع في النوافل ، وهو كذلك إلاّ أنّه غير الفتوى.

والظاهر فيها المنع على القول بتحريم قطع النوافل ، لعموم الأخبار المتقدّمة. والجواز على القول بجوازه ، لأنّ دلالة أخبار المنع بعد التجاوز عن النصف وفي الجحد والتوحيد إنّما هي من حيث الأمر بالإمضاء في الصلاة أو إثبات البأس في الرجوع ونحوهما ممّا يتوقف ثبوته في النوافل على عدم جواز قطعها ، فتأمّل.

هـ : لو قرأ البسملة بقصد الجحد أو التوحيد لا يجوز الرجوع ، لصدق الشروع ، لاختصاص الأجزاء المشتركة بين أمور بأحدها مع قصده عرفا ، فإنّ من كتب البسملة والحمد لله رب العالمين بقصد كتابة القرآن يصدق أنه شرع فيها مع اشتراك كتب كثيرة معه فيهما ، وكذلك في الإمساك بقصد الصوم ، وغسل العضو بقصد الوضوء أو الغسل ، وغير ذلك.

و : العدول المحرّم فيما زاد على النصف أو من الجحد أو التوحيد إنّما هو إذا شرع في السورة بقصد الجزئية للصلاة. وأمّا لو قرأها لا بذلك القصد فيجوز الترك والشروع إلى الغير مطلقا ، للأصل ، واختصاص الروايات ـ كما يشهد به قرينة المقام ، ولفظ الرجوع ، وسياق الكلام ـ بسورة الصلاة.

ز : لو عدل إلى ما لا يجوز تبطل الصلاة ، لأنّ العدول ليس إلاّ قراءة المعدول‌

__________________

(١) قال الوحيد البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح : بل في النهاية صرّح بذلك حيث قال ( ص ٧٧ ) : وإذا قرأ الإنسان في الفريضة سورة بعد الحمد وأراد الانتقال إلى غيرها جاز ذلك ما لم يتجاوز نصفها ، إلاّ سورة الكافرين والإخلاص ، فإنه لا ينتقل عنهما إلاّ في صلاة الظهر يوم الجمعة.

(٢) شرح المفاتيح للبهبهاني ( المخطوط ).

١٢١

إليها ، فيكون منهيّا عنها ، فيكون النهي متعلّقا بالجزء للصلاة ، وهو مفسد.

المسألة السادسة عشرة : يجب قصد السورة المعيّنة في الصلاة قبل البسملة المشهور بين متأخري أصحابنا ـ كما قيل (١) ـ وجوب قصد السورة المعيّنة في الصلاة قبل البسملة.

لتوقف البراءة اليقينية عليه.

ولوجوب قراءة السورة الكاملة وعدم صيرورة البسملة جزءا منها في نفس الأمر إلاّ بقصد كونها منها ، لبطلان التخصيص بلا مخصّص.

ولأنّ المتبادر ممّا دلّ على قراءة السورة أن يقرأ جميع كلماتها المشتركة بقصد كونها منها.

ولأنّه كما يتوقف تحقق الامتثال على قصد القربة يتوقف على قصد التعيين أيضا ، ولذا لو قرأ « الحمد لله ربّ العالمين » لا بقصد قراءة الحمد بل من غير قصد أو بقصد الشكر لله سبحانه ، لم يعدّ ممتثلا للأمر بقراءة الفاتحة للصلاة ولو ضمّ بعدها سائر الآيات.

ولأنّ المأمور به قراءة سورة معيّنة ، ولا تتعيّن إلاّ بتعيين جميع أجزائها لها ، ولا تتعيّن أجزاؤها المشتركة في الواقع ونفس الأمر إلاّ بقصد كونها منها.

ويرد على الأول : أنّ ما علم الشغل به وهو قراءة سورة مع بسملة فقد علم الإتيان به ، وما لم يعلم البراءة عنه لم يعلم الشغل به أيضا.

وعلى الثاني : منع توقف صيرورتها جزءا من سورة مخصوصة على القصد ، بل يتحقق بما يعقبها أيضا من المميّزات أي تتمة السورة.

ألا ترى أنّه لو أمر المولى عبده بكتابة سورتي التوحيد والفاتحة وعيّن لكلّ منهما أجرا فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، متردّدا في أن يبدأ بأيّ من السورتين ،

__________________

(١) انظر : الحدائق ٨ : ٢٢٨.

١٢٢

ثمَّ ظهر له أن يبدأ بكتابة التوحيد ، بل ولو أراد حين كتابة البسملة أن يبدأ بالفاتحة ثمَّ بدا له الابتداء بالتوحيد فكتبه ، يعدّ ممتثلا عرفا ويقال : كتب تمام التوحيد ، ويستحقّ الأجر المعيّن. ولو عاقبه مولاه ولم يعطه الأجر معتذرا بأنّه لم يكتب السورة الكاملة ، لعدم تعيّن السورة في قصده عند كتابة البسملة ، يلام ويقبّح.

وكذا لو أمره بقراءة السورتين فقرأهما يستحقّ الأجر ، ولا يتأمّل في أنه هل كان قاصدا قبل البسملة لتعيين السورة حتى تكون السورة كاملة أم لا ، بل وكذلك لو علم عدم التعيين قبلها كما إذا قرأ البسملة ثمَّ قال لمولاه : بأيتهما أبدا؟

وهذا أمر ظاهر جدّا ، نعم لمّا كان يتوقف صدق الامتثال على قصد الإطاعة فلو قرأ البسملة أولا بقصد آخر غير إطاعة أمر المولى لم يكن كافيا ، لذلك.

والتوضيح : أنّ وجود السورة أمّا وجود كتبي ، وهو صورتها المرقومة ، أو قولي ، وهو السورة المقروءة ، أو ذهني ، وهو صورتها الذهنية ، وليس لها وعاء واقع ونفس أمر سوى أحد الثلاثة ، ولا أفهم لجزئية البسملة لها في أحد هذه الأوعية معنى إلاّ ضمّها مع سائر أجزائها في ذلك الوعاء ، فإذا كانت معها تكون السورة كاملة والبسملة لها جزءا كائنا ما كان قصد الكاتب أو القارئ أو المتصوّر.

نعم لو تعلّق أمر بالكتابة أو القراءة يجب قصد الإطاعة في كتابة البسملة أو قراءتها في صدق الامتثال لا في جزئية البسملة للسورة ، فإنّه لو قصد المصلّي في قراءة آية من الفاتحة الرياء تبطل صلاته ، لا لعدم قراءة الفاتحة الكاملة ، بل لعدم قصد القربة في جميع اجزائها.

وعلى الثالث : منع التبادر المذكور جدّا ، بل لا يخطر ببال السامع قصد المأمور أصلا.

وعلى الرابع : منع توقف تحقق الامتثال على قصد التعيين أبدا ، ومنع عدم امتثال القارئ لآية الحمد من غير قصد الفاتحة إذا قصد القربة كما إذا تردّد بينها وبين غيرها ثمَّ عزم عليها ، وأمّا عدم امتثال من قصد بها الشكر فهو لأجل قصد الغير لا عدم قصد الفاتحة ، وهو أمر آخر يأتي.

١٢٣

وعلى الخامس : منع عدم تعيّن السورة إلاّ بتعيّن جميع أجزائها لها إن أريد تعيّن كلّ جزء قبل قراءته أو حينها ، بل يكفي تعيّنه بعدها أيضا ، ومنع عدم تعيّن الأجزاء المشتركة إلاّ بالقصد إن أريد مطلق التعيّن ، بل يتعيّن بما يتعقّب له.

ولضعف هذه الأدلّة ذهب جماعة من الأجلّة من متأخري متأخري الفرقة إلى عدم لزوم القصد (١). وهو الحقّ ، للأصل ، وصدق الامتثال.

وهل يجب عدم قصد سورة أخرى غير ما قرأها ، حتى لو قصد بالبسملة سورة وقرأ غيرها عمدا وجب الرجوع إلى الأولى أو البسملة ثانيا قبل الركوع وبطل بعده ، أم لا؟

الظاهر : نعم ، إذ لا شك في تخصيص المشتركات وتميّزها بالنيّات كما مرّ في بحث نيّة الصلاة ، ولذا ترى أنّه لو كتب أحد البسملة بقصد سورة يقال : إنه شرع في كتابة السورة ، فمع قراءة البسملة بقصد سورة تكون جزءا منها ، فلو قرأ غيرها بدون البسملة كان قارئا لبعضها. وتعقّب المميّز هنا يعارض القصد فلا يفيد.

مع أنه بقصد السورة الأولى صارت جزءا منها فيستصحب حتى علم خروجه عن هذه الجزئية وصيرورته جزءا لأخرى ، وذلك مع ممانعة القصد غير معلوم ، فيكون قارئا لبعض كلّ من السورتين لا لسورة تامة.

ولكن ذلك إذا دخل البسملة بقصد السورة المعيّنة ، أما لو أراد قبل الشروع فيها قراءة سورة ، ثمَّ ذهل عن هذا القصد حتى دخل البسملة بلا قصد فلا ضير فيه.

ثمَّ إنّه لا ينافي ما ذكرناه من الحكمين شيئا من الأخبار الواردة في هذا المضمار ، كما لا يخفى على من تأمّل فيها.

__________________

(١) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٤٨ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٢٢٨.

١٢٤

المسألة السابعة عشرة : صرّح جماعة بوجوب الموالاة في القراءة ، (١) وأريد بها قراءة الحمد والسورة متتالية الكلمات والآيات.

فإن أرادوا التتالي الحقيقي فلا دليل عليه ، والأصل ينفي وجوبه.

وإن أرادوا ضربا من التوالي العرفي فهو كذلك ، لا للتأسّي أو أصل الاشتغال ، لضعفهما في المقام كما عرفت مرارا. بل لأنه المتبادر من قراءة الحمد والسورة.

والتوضيح : أنه أمر بقراءتهما والواجب الإتيان بالمأمور به ، والمفهوم عرفا من قراءة سورة قراءتها مع نوع توال عرفا بمعنى أنّه المتبادر من التركيب ، فلو أخلّ بها لم يأت بالمأمور به ، ولذا لو نذر أن يقرأ الحمد مثلا لا يمتثل بقراءة كلّ يوم بل ساعة آية منها.

ثمَّ الإخلال بها تارة يكون بقراءة شي‌ء آخر في خلالها ، واخرى بالسكوت.

والأول : إمّا يكون بمزج كلمات اخرى بين كلمات الحمد مثلا بحيث يفهم الارتباط ويتوهّم السامع الجزئية والاتحاد ، كأن يقول : الحمد والشكر لله رب العالمين ، الرحمن المنّان الكريم الرحيم ، مالك يوم الحشر والجزاء والدين ، إياك نعبد وعليك نتوكّل وإيّاك نستعين ، اهدنا الطريق القويم والصراط المستقيم ، وهكذا.

أو بدون المزج ، كأن يقول بعد مالك يوم الدين : جلّ جلاله.

فإن كان من الأول تبطل به القراءة قطعا ولو كان بكلمة ، لا للإخلال بالموالاة الواجبة ، بل لأنّ المقروء يخرج عن كونه حمدا ، فهو المخلّ بكونه حمدا مثلا دون قراءته.

وإن كان من الثاني ، فإن زاد المتخلّل بحيث يخلّ بالمعنى المنصرف إليه الأمر بقراءة الحمد عرفا بطلت القراءة ، وإلاّ لم تبطل. فلا تبطل بتخلل كلمة أو كلمتين‌

__________________

(١) منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٦٣ ، والشهيد في الذكرى : ١٨٨ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٢٩.

١٢٥

أو ثلاث أو فقرة دعاء أو آية ، إلاّ أن يتكرّر بحيث يخرج الحمد مثلا عن كونه حمدا عرفا.

وإن كان من الثالث فهو أيضا كالثاني ، والظاهر عدم الخروج به عن المعنى المفهوم عرفا إلاّ بوصوله حدّ السكوت الطويل المبطل للصلاة أيضا ، وسيجي‌ء بيانه في بحث المبطلات.

ثمَّ مع الإخلال فإن كان بالسكوت تبطل الصلاة ، لأنّ غير المبطل لها لا يبطل القراءة أيضا.

وإن كان بغيره فقبل الركوع يستأنف القراءة ـ عمدا كان أو سهوا ـ لوجوب الامتثال وبقاء المحلّ. ولا تبطل الصلاة مطلقا ، للأصل. إلاّ إذا كان المتخلل غير القرآن والدعاء.

وقيل بالبطلان مع العمد (١) ، للنهي المستلزم للفساد ، أو لعدم ثبوت جواز مطلق القرآن والدعاء.

ويضعّف الأول بانتفاء النهي ، والأمر بالموالاة نهي عن تركها مطلقا لا في الجملة. والثاني بما يأتي في محلّه.

المسألة الثامنة عشرة : « والضحى » و « ألم نشرح » سورة واحدة ، وكذا « الفيل » و « لإيلاف » ، على الأظهر الموافق للصدوق في اعتقاداته والأمالي والفقيه (٢) ، والانتصار (٣) ، بل السيّد مطلقا كما نقلوه (٤) ، والمفيد (٥) ، والشيخ في‌

__________________

(١) كما في المختصر النافع : ٣٠.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٢ ، الفقيه ١ : ٢٠٠.

(٣) الانتصار : ٤٤.

(٤) حكاه المحقق في المعتبر ٢ : ١٨٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٢٠٣ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٢٠٢.

(٥) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ١٨٧.

١٢٦

النهاية والتهذيب والاستبصار (١) ، بل مطلقا كما ذكروه (٢) ، والنافع والشرائع ونهاية الفاضل وتحريره وتذكرته (٣) ، بل هو الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخر (٤) ، بل في الاعتقادات والانتصار والتهذيب والثلاثة الأخيرة الإجماع عليه ، وفي الأمالي نسبته إلى دين الإمامية (٥) ، وفي الاستبصار إلى آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

للنصوص المستفيضة المنجبر ضعفها بما مرّ :

منها : الرضوي : « لا تقرأ في الفريضة الضحى وألم نشرح ، وكذا ألم تر كيف ولإيلاف » إلى أن قال : « لأنّه روي أنّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذلك ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة » إلى أن قال : « فإذا أردت قراءة بعض هذه السور فاقرأ والضحى وألم نشرح ولا تفصل بينهما ، وكذلك ألم تر كيف ولإيلاف » (٧).

ومرسلة الصدوق المروية في الهداية : « وموسّع عليك أيّ سورة قرأت في قراءة فرائضك إلاّ أربع وهي : والضحى وألم نشرح في ركعة ، لأنّهما جميعا سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف في ركعة ، لأنّهما جميعا سورة واحدة ، ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع السور في ركعة فريضة » (٨).

والمروي في المجمع والشرائع مرسلا : « إنّ الضحى وألم نشرح سورة‌

__________________

(١) النهاية : ٧٨ ، التهذيب ٢ : ٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٧.

(٢) انظر : المنتهى ١ : ٢٧٦ ، والتنقيح الرائع ١ : ٢٠٣ ، والحدائق ٨ : ٢٠٢.

(٣) المختصر النافع : ٣١ ، الشرائع ١ : ٨٣ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٦٨ ، التحرير ١ : ٣٩ ، التذكرة ١ : ١١٥.

(٤) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٩ ، والروضة البهية ١ : ٢٦٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٧٩.

(٥) أمالي الصدوق : ٥١٠.

(٦) الاستبصار ١ : ٣١٧.

(٧) فقه الرضا (ع) : ١١٢ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٦٤ أبواب القراءة ب ٧ ح ٣.

(٨) الهداية : ٣١ ، البحار ٨٢ : ٤٥ ـ ٣٤.

١٢٧

واحدة ، وكذا سورة ألم تر كيف ولإيلاف » (١).

وفي تفسير العيّاشي عن أحدهما عليهما‌السلام : « ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة » قال : « وروي أنّ ابيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه » (٢).

وفي كتاب القراءة لأحمد بن محمّد بن سيّار بسندين عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنه قال : « الضحى وألم نشرح سورة واحدة » و « ألم تر ولإيلاف سورة واحدة » (٣).

وتؤيّدهما صحيحة الشحّام : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة (٤).

وجعلها دليلا على الوحدة ـ باعتبار أنّه لولاها لزم تخصيص أخبار النهي عن القران والأصل عدمه ـ مردود بأنّ الوحدة أيضا مستلزمة للنقل في لفظ السورة المستعملة في هذه الأربع ، إذ لا تكون الواحدة منها سورة ، مع أنّها يصدق عليها سورة الضحى حقيقة ، للتبادر. والأصل عدم النقل أيضا.

وعلى هذا فتجوز قراءتهما معا في ركعة من فريضة ولا يجوز الاكتفاء بواحدة منها ، لأنّ أصالة هذين الحكمين مقتضى الحكم الأول وهو الوحدة ، مع دلالة الروايتين الأوليين عليهما ، والأخيرة على أولهما ، حيث إنّ الصلاة كانت فريضة بقرينة قوله : « صلّى بنا ».

__________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٥٠٧ ، الشرائع ١ : ٨٣ ، الوسائل ٦ : ٥٥ ، ٥٦ أبواب القراءة ب ١٠ ح ٤ و ٩.

(٢) الموجود بأيدينا من تفسير العياشي من أول القرآن إلى سورة الكهف ، وقد رويت هذه الرواية عن العياشي في مجمع البيان ج ١٠ ـ ٥٤٤. والظاهر أن قوله : وروي أنّ ابيّ بن كعب .. من المجمع لا من تفسير العياشي ، فهي رواية مستقلة ، وقد رواهما في الوسائل ٦ : ٥٥ أبواب القراءة ب ١٠ ح ٦ و ٧ عن مجمع البيان.

(٣) مستدرك الوسائل ٤ : ١٦٣ أبواب القراءة ب ٧ ح ١ و ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٢ ـ ٢٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ ـ ١١٨٢ ، الوسائل ٦ : ٥٤ أبواب القراءة ب ١٠ ح ١.

١٢٨

خلافا لجماعة من المتأخرين (١) في الأول ، فمنعوا الوحدة تمسّكا ـ بعد تضعيف غير الصحيحة من الروايات ومنع دلالتها إلاّ على جواز الجمع وهو أعمّ من الوحدة ـ بأصالة عدم النقل التي سبق ذكرها.

وتواتر اثنينيّتهما في المصاحف.

ورواية المفضّل المتقدّمة في مسألة القران (٢) ، حيث إنّ الأصل في الاستثناء الاتّصال.

وصحيحة الشحّام : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ في الاولى والضحى ، وفي الثانية ألم نشرح (٣).

ويردّ الأول ـ بعد الجواب عن الضعف بالانجبار بما سبق ـ باندفاع الأصل بما ذكر.

والثاني بمنع التواتر ، وإنّما المتواتر تخلل البسملة ، وهو غير المدّعى ، مع أنّ في حجية هذا التواتر كلاما طويلا.

والثالث بالحمل على متعارف الناس ، مع أنّ الرواية ضعيفة وفي هذا الحكم من الجابر خالية.

والرابع بالحمل على النافلة ، وبعدم الدلالة على التعدد فيمكن أن تكون هذه السور مستثناة من التبعيض الممنوع.

مضافا في الروايتين إلى رجحان معارضهما عليهما بمخالفة العامة (٤).

مع أنه إذا قلنا بوجوب الجمع بين السورتين للروايتين ـ كما هو المصرّح به‌

__________________

(١) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٩ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٤٣ ، وصاحب المدارك ٣ : ٣٧٨.

(٢) راجع ص ١٠٩ ، وهي رواية البزنطي عن المفضّل.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٢ ـ ٢٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ ـ ١١٨٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ٦ : ٥٤ أبواب القراءة ب ١٠ ح ٣.

(٤) كما في غرائب القرآن ( جامع البيان ٣٠ ) : ١١٤ ، والتفسير الكبير ٣٢ : ٢ ، وروح المعاني ٣٠ : ١٦٥.

١٢٩

في كلام الثانيين (١) ـ انتفت ثمرة نزاع البين كما أشار إليه ، ولكن يرد عليهما عدم دلالة الخبرين إلاّ على الجواز ، وتظهر الثمرة حينئذ في الاكتفاء بأحدهما.

ومما ذكر يظهر دليل من خالف في الأحكام الثلاثة أيضا ، إلاّ أنّ ظاهر بعض مشايخنا عدم القول به بين أصحابنا (٢).

ثمَّ على المختار هل تعاد البسملة بينهما؟ كالحلّي والفاضل (٣) ، وكثير من المتأخرين (٤) ، لثبوتها بينهما متواترا ، وكتبها في المصاحف إجماعا ، ولحصول البراءة اليقينية به.

أو لا؟ كالنافع (٥) ، وعن الشيخ (٦) ، لاقتضاء الوحدة ذلك ، ودعوى المجمع أنّ الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (٧) ، وقوله في الرضوي المتقدم : « ولا تفصل بينهما » وما روي أنّ ابيّ لم يفصل بينهما بها.

الظاهر هو الأول ، لا لما ذكر ، لعدم حجية هذا التواتر لانتهائه إلى عمل الخلفاء الثلاث ، وعدم العلم بالاشتغال بأزيد ممّا علم منه البراءة.

بل للأمر في رواية سالم بن سلمة بالقراءة كقراءة الناس (٨) ، ولا شك أنّهم يقرؤون كذلك. واقتضاء الوحدة لترك البسملة ممنوع ، لجواز تخللها بين السورة‌

__________________

(١) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٦٢ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٩ ، ولا يخفى أن المراد بالروايتين هنا هو صحيحة الشحام الاولى ورواية المفضل المتقدّمتان في الصفحة السابقة ، كما صرّح به في جامع المقاصد وروض الجنان.

(٢) شرح المفاتيح للبهبهاني ( المخطوط ).

(٣) الحلي في السرائر ١ : ٢٢١ ، الفاضل في التحرير ١ : ٣٩.

(٤) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٢٠٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٦٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٤٤ ، والخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة : ٢٧٦.

(٥) المختصر النافع : ٣١.

(٦) التبيان ١٠ : ٣٧١.

(٧) مجمع البيان ٥ : ٥٠٧.

(٨) الكافي ٢ : ٦٣٣ فضل القرآن ب ١٤ ح ٢٣.

١٣٠

كما في النمل. وعدم حجيّة دعوى الإجماع. وعدم دلالة الرضوي ، لجواز أن يكون المراد عدم التفرّد بواحدة منها.

المسألة التاسعة عشرة : تخيّر المصلّي في كلّ ثالثة ورابعة من الفرائض الخمس بين قراءة الحمد وحدها والتسبيح ، بإجماعنا المحقّق ، والمنقول في كلام الأصحاب مستفيضا (١) ، بل ـ كما قيل ـ متواترا (٢) ، وعليه استفاضت أخبارنا بل تواترت كما تأتي طائفة منها.

وإطلاق كثير منها يقتضي عدم الفرق بين ناسي القراءة في الأوليين وغيره كما هو الأشهر ، بل عليه غير من شذّ وندر وهو ـ كما قيل (٣) ـ الشيخ في الخلاف (٤) ، ولكن عبارته فيه في الوجوب غير صريحة ، بل احتجاجه بإجماع الفرقة وتعبيره أخيرا فيه بالأحوط ظاهر في عدمه ، بل يريد الأولويّة والاستحباب كما صرّح هو به في المبسوط (٥) ، وتبعه جماعة من الأصحاب (٦).

لما مرّ من الإطلاق ، بل عموم كثير من نصوص التخيير وعدم وجوب القراءة في الأخيرتين وإجزاء التسبيح فيهما.

وللأصل.

واستصحاب التخيير.

وصحيحة ابن عمّار : في الرجل يسهو عن القراءة في الأوليين فيذكر في‌

__________________

(١) كما في المختلف : ٩٢ ، والمهذب البارع ١ : ٣٧١ والذكرى : ١٨٨ ، وجامع المقاصد ٢ : ٢٥٦ ، وروض الجنان : ٢٦١ ، ومدارك الاحكام ٣ : ٣٤٤ ، والذخيرة : ٢٧٠ ، وكشف اللثام ١ : ٢١٨.

(٢) كما في الرياض ١ : ١٦١.

(٣) انظر : الرياض ١ : ١٦١.

(٤) الخلاف ١ : ٣٤١.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٦.

(٦) منهم ابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع : ٨٠ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٤٢٢ ، وصاحب الرياض ١ : ١٦١.

١٣١

الأخيرتين ، قال : « أتمّ الركوع والسجود؟ » قلت : نعم ، قال : « إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها » (١).

وموثقتي أبي بصير وسماعة ، الأولى : « إذا نسي أن يقرأ في الاولى والثانية أجزأه تكبير الركوع والسجود » (٢).

والثانية : عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ، قال : « فليقل ـ إلى أن قال : ـ فإذا ركع أجزأه إن شاء الله » (٣).

وخبر أبي بصير : عن رجل نسي أمّ القرآن ، قال : « إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن » (٤).

فإنها ظاهرة في إجزاء الركوع وتسبيحه عن القراءة إذا شرع فيهما ، ولو وجبت القراءة في الأخيرتين تداركا لما صدق عليه الإجزاء.

ويضعّف الأول : بكونه إمّا أعمّ مطلقا ممّا صرّح بأنّه : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (٥) كما صرّح به بعض مشايخنا (٦) فيخصّص به ، أو من وجه كما ذكره بعض آخر منهم (٧) وهو الأظهر ، فيتساقطان ويرجع إلى الأصل وهو مع قراءة الفاتحة ، لثبوت الاشتغال بشي‌ء إجماعا ولا يتعين بعد التساقط فيستصحب الاشتغال.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٣٧ ، الوسائل ٦ : ٩٢ أبواب القراءة ب ٣٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٣٨ ، الوسائل ٦ : ٩٠ أبواب القراءة ب ٢٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٦ : ٨٩ أبواب القراءة ب ٢٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٧ الصلاة ب ٣٥ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب القراءة ب ٢٨ ح ١.

(٥) عوالي اللئالي ١ : ١٩٦ ـ ٢ ، المستدرك ٤ : ١٥٨ أبواب القراءة ب ١ ح ٥.

(٦) كصاحب الحدائق ٨ : ٤٢٢.

(٧) كصاحب الرياض ١ : ١٦١.

١٣٢

ومنه يظهر ضعف الثاني أيضا.

والثالث : بمنع التخيير أوّلا ، لأنه فرع عدم النسيان في الأوليين.

والرابع : بمنع الدلالة ، لجواز أن يكون المراد بجعل آخر الصلاة أولها قراءة الحمد والسورة كما تؤكّده بل تدل عليه مرسلة أحمد : « أيّ شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الإمام ركعتان؟ » قلت : يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد والسورة ، فقال : « هذا يقلب صلاته فيجعل أوّلها آخرها!! » فقلت : ما يصنع؟ قال : « يقرأ فاتحة الكتاب في كلّ ركعة » (١).

ولا دلالة للسؤال عن إتمام الركوع والسجود على عدم إرادة ذلك أصلا.

والبواقي : بأنها إنما تفيد لو كان مراد من يوجب القراءة في الأخيرتين أنها عوض عنها في الأوليين ، وهو غير معلوم ، ولا منافاة بين إجزاء الركوع عن ركعته وبين وجوب قراءة أخرى بدليل آخر.

احتجّ الشيخ : بإجماع الفرقة.

وما مرّ من أصل الاشتغال.

ومن قولهم : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ».

ورواية ابن حمّاد : أسهو عن القراءة في الركعة الأولى ، قال : « اقرأ في الثانية » قلت : أسهو في الثانية ، قال : « اقرأ في الثالثة » قلت : أسهو في صلاتي كلّها ، قال : « إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمّت صلاتك » (٢).

وصحيحة زرارة : رجل نسي القراءة في الأوليين فذكرها في الأخيرتين ، فقال : « يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأوليين في الأخيرتين ، ولا شي‌ء عليه » (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٣ الصلاة ب ٦١ ح ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٦٣ ـ ١٢٠٣ بتفاوت يسير ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ ـ ١٦٨٦ ، التهذيب ٣ : ٤٦ ـ ١٦٠ ، الوسائل ٨ : ٣٨٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٧ ـ ١٠٠٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ ـ ٥٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ـ ١٣٤٢ ، الوسائل ٦ : ٩٣ أبواب القراءة ب ٣٠ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٧ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ٦ : ٩٤ أبواب القراءة ب ٣٠ ح ٦.

١٣٣

وردّ الأول : بمنع الإجماع ، بل الظاهر تحققه على خلافه.

والثاني : باندفاعه بما مرّ.

والثالث : بما ذكر من التعارض مع العموم الأول الراجح بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل لعلّها إجماع. مضافا إلى ضعف العموم الثاني وقصوره عن الشمول لما نحن فيه ، لاختصاصه بحكم التبادر ـ الحاصل من تتبّع النصوص والفتاوي ـ بالفاتحة في محلّها المقرّر لها شرعا ، وهو الركعتان الأوليان خاصة.

والرابع : بالضعف في السند والدلالة ، لظهوره في القراءة في الأخيرتين ، والمراد بها حيث يطلق الحمد والسورة معا ، وهو مخالف للإجماع.

ومنه يظهر ما في الخامس ، مضافا إلى ظهوره في كون الإتيان بها قضاء عمّا فات في الأوليين لا أداء لوظيفة الأخيرتين كما هو المطلوب ، مع أنّه صرّح فيه بقضاء التكبير والتسبيح الفائتين في الأوليين وهو أيضا مخالف للإجماع ، مع أنّه ـ كسابقه ـ موافق لرأي أبي حنيفة (١) وإن كان رأيه مطلقا شاملا لما كان الترك عمدا.

وفي الجميع ـ غير الأول ـ نظر :

أمّا الثاني ، فلما عرفت من ضعف الدافع.

وأما الثالث ، فلمنع إيجاب الشهرة في الفتوى للرجحان ، وبمنع التبادر جدّا.

وأمّا الرابع ، فلأن ضعف السند غير ضائر ، وإرادة الحمد والسورة من مطلق القراءة ممنوعة ، ولو سلّم فالإجماع على عدم إرادتهما معا قرينة.

وأمّا الخامس ، فلذلك ، ولعدم خروج جزء من الحديث عن الحجية بخروج جزء آخر منه عنها.

ولأجل ما ذكر نفى بعض مشايخنا المحدّثين البعد عن هذا القول (٢) ،

__________________

(١) انظر : المبسوط للسرخسي ١ : ١٨ ، والمجموع للنووي ٣ : ٣٦١ ، والاستذكار ١ : ١٧٠.

(٢) انظر : الحدائق ٨ : ٤٢٢.

١٣٤

وجعله بعض آخر الأحوط (١).

إلاّ أنّ شذوذ هذا القول جدّا ـ حتى نفى بعضهم وجود القائل به ـ يوجب عدم حجية ما دلّ عليه من الرواية والصحيحة أصلا ، مضافا إلى ما في الثانية من عدم الدلالة على الوجوب رأسا.

وأما عمومات نفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيه ، فهي وإن كانت مقبولة عند القوم في غير ذلك المقام ، مستندا لهم في غير واحد من الأحكام ، ولم تتحمّل الشذوذ المخرج لها عن الحجية ، إلاّ أنّه قد عرفت تعارضها مع عمومات إجزاء التسبيح في الأخيرتين وما بمعناها بالعموم من وجه ، ولو لا ترجيح الثانية بما مرّ لتكافأتا ووجب الحكم بالتخيير الذي هو المطلوب. وأمّا التساقط والرجوع إلى الأصل فإنّما هو فيما كان التخيير منفيّا بإجماع ونحوه وليس هاهنا منه. فيتعيّن الحكم بالتخيير حينئذ أيضا ، وبه يندفع أصل الاشتغال.

المسألة العشرون : الأفضل في هذه الركعات للإمام التسبيح‌ عند العماني (١) ، والصدوقين (٢) ، والحلّي (٣) ، وجملة من متأخّري المتأخّرين (٤) ، ومشايخنا (٥) ، والمعاصرين (٦).

لطائفة جمّة من الأخبار الدالّة عليه.

إمّا بالعموم ، كصحيحتي زرارة المصرّحتين بأنّ في السبع ركعات الأخيرة من الصلوات الخمس ليس قراءة ، وزاد في إحداهما : « إنّما هو تسبيح وتكبير وتهليل‌

__________________

(١) كالفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٠٥.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٩٢.

(٣) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٠٩ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٩٢.

(٤) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٧٢ ، والحر العاملي في الوسائل ٦ : ١٢٢.

(٥) السرائر ١ : ٢٣٠.

(٦) انظر : الحدائق ٨ : ٣٨٨ ، وشرح المفاتيح للبهبهاني ( المخطوط ) ، والدرة النجفية : ١٣٧ ، وكشف الغطاء : ٢٣٧ ، وغنائم الأيام : ١٨٣.

(٧) انظر : الحدائق ٨ : ٣٨٨ ، وشرح المفاتيح للبهبهاني ( المخطوط ) ، والدرة النجفية : ١٣٧ ، وكشف الغطاء : ٢٣٧ ، وغنائم الأيام : ١٨٣.

١٣٥

ودعاء » (١).

وصحيحته الأخرى الواردة في حكم المسبوق ، وفيها : « فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأنّ الصلاة إنما يقرأ [ فيها ] في الأوليين ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما إنّما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ، ليس فيهما قراءة » (٢).

وروايتي العجلي ومحمّد بن أبي حمزة : الاولى في الفقيه (٣) ، والثانية في العلل (٤) ، المعللتين أفضلية التسبيح عن القراءة في الأخيرتين بتذكّر النبي ليلة المعراج فيهما عظمة الله عزّ وجلّ فقال : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ».

وجعلهما خاصّتين بالإمام لاقتداء الملائكة حينئذ غير جيّد ، لأنه غير الإمامة المتنازع فيها ، وإلاّ لكان المنفرد أيضا إماما ، حيث ورد : إنّ من صلّى مثلا بأذان صلّى معه صفوف من الملائكة (٥). ونحو ذلك.

ورواية الفقيه المعللة لجعل القراءة في الأوليين والتسبيح في الأخيرتين بالفرق بين ما فرضه الله عز وجل وبين ما فرضه رسول الله (٦).

وصحيحة محمّد بن قيس المصرّحة بأنّ أمير المؤمنين كان يسبّح في الأخيرتين (٧).

والمروي في العيون المصرّح بأنّ مولانا الرضا عليه‌السلام كان يسبّح فيهما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٧٣ الصلاة ب ٣ ح ٧ ، الوسائل ٦ : ١٠٩ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٦٢ ، التهذيب ٣ : ٤٥ ـ ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٣ ، الوسائل ٨ : ٣٨٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٢ ـ ٩٢٥ ، الوسائل ٦ : ١٢٣ أبواب القراءة ب ٥١ ح ٣.

(٤) علل الشرائع : ٣٢٢ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ١٢٣ أبواب القراءة ب ٥١ ملحق بالحديث ٣. وقد ضبط اسم الراوي فيهما محمد بن حمزة.

(٥) انظر : الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب الأذان والإقامة ب ٤.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠٢ ـ ٩٢٤ ، الوسائل ٦ : ٣٨ أبواب القراءة ب ١ ح ٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٩٧ ـ ٣٦٢ ، الوسائل ٦ : ١٢٥ أبواب القراءة ب ٥١ ح ٩.

١٣٦

يقول : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر » ثلاث مرّات ، من المدينة إلى المرو (١). إلى غير ذلك.

أو بالخصوص ، كصحيحة زرارة : « لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أم غير إمام » قال : قلت : فما أقول؟ قال : « إن كنت إماما أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ، ثلاث مرّات تكمله تسع تسبيحات » (٢).

ورواية أبي خديجة وفيها : « فإذا كان ـ أي الاقتداء ـ في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب وعلى الإمام التسبيح » الحديث (٣).

وقد يستدل (٤) أيضا بصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة في المسألة السابقة (٥) ، وصحيحة الحلبي : « إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر » (٦).

وفيهما نظر : أمّا في الأولى فلما مرّ ، وأمّا في الثانية فلاحتمال كون قوله : « لا تقرأ » جملة حاليّة فلا دلالة فيها على المطلوب ، بل وكذا لو كانت وصفيّة ويكون المعنى : الركعتين اللتين لا تجب القراءة فيهما ، نعم لو كانت الجملة إنشائيّة لكانت لها دلالة ، ولكن لا يتمّ الاستدلال بالاحتمال.

والأفضل له القراءة عند الشيخ في الاستبصار (٧) ، والحلبي (٨) ، والشرائع‌

__________________

(١) عيون اخبار الرضا ٢ : ١٧٨ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ١١٠ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٥٨ ، الوسائل ٦ : ١٢٢ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٧٥ ـ ٨٠٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٦ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١٣.

(٤) كما في المختلف : ٩٢ ، والحبل المتين : ٢٣٢ ، والحدائق ٨ : ٣٩٧.

(٥) راجع ص ١٣١.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٤ أبواب القراءة ب ٥١ ح ٧.

(٧) الاستبصار ١ : ٣٢٢.

(٨) الكافي في الفقه : ١٤٤.

١٣٧

والقواعد والمنتهى والتذكرة واللمعة والبيان والدروس وشرح القواعد (١) ، والأردبيلي (٢) ، والمدارك (٣).

لما دلّ عليه إمّا بالعموم ، كرواية محمّد بن حكيم : أيّما أفضل ، القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال : « القراءة أفضل » (٤).

أو بالخصوص كصحيحة ابن حازم : « إذا كنت إمام قوم فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل » (٥).

وصحيحة معاوية بن عمّار : عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : « الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ومن خلفه يسبّح ، وإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبّح » (٦).

ورواية جميل : عمّا يقرأ الإمام في الركعتين الأخيرتين في آخر الصلاة ، فقال « بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه ، ويقرأ الرجل وحده إذا صلّى فيهما بفاتحة الكتاب » (٧).

والتوقيع المروي في الاحتجاج وكتاب الغيبة للشيخ بسند قويّ وهو : أنه كتب إليه يسأل عن الركعتين الأخيرتين فقد كثرت فيهما الروايات ، فبعض يرى أنّ قراءة الحمد فيهما أفضل ، وبعض يرى أنّ فيهما التسبيح أفضل ، فالفضل لأيّهما‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٨٢ ، القواعد ١ : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٧٥ ، التذكرة ١ : ١١٦ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٥٩ ، البيان : ١٦٠ ، الدروس ١ : ١٧٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٥٩.

(٢) مجمع الفائدة : ٢٠٨.

(٣) المدارك ٣ : ٣٤٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠١ ، الوسائل ٦ : ١٢٥ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٢ ، الوسائل ٦ : ١٢٦ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١١.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٣ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٤ ـ ١١٨٥ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ـ ١١٨٦ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٤.

١٣٨

لنستعمله؟ فأجاب عليه‌السلام : « قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ، والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه‌السلام : كلّ صلاة لا قراءة فيها خداج ، إلاّ للعليل أو من يكثر عليه السهو ، فيتخوّف بطلان الصلاة عليه » (١).

ولعلّ وجه النسخ بالقول المذكور أنّه دلّ على كثرة مناسبة وفضيلة واهتمام للفاتحة في الصلاة ، أو لأنّه إذا كان كذلك فالأفضل أن يكون في جميع الصلاة لتكون أحفظ من البطلان.

ويمكن أن يكون قوله : « فيتخوّف » متعلقا بذلك أيضا ، أي نسخ بهذا القول ، لخوف بطلان الصلاة بالسهو في القراءة في الأوليين.

ويمكن أن يكون المراد بالنسخ أنّه بني على أفضلية التسبيح بعد مقدمة ليلة المعراج ، وكان البناء عليها لأجلها حتى صدر ذلك القول من العالم ، فرفعت اليد عن تلك المقدمة ونسخت.

وأجاب الأوّلون عن هذه الروايات بأنّها مرجوحة بالنسبة إلى الأولى ، لأنّها أكثر وأشهر ، وفي الدلالة أظهر ، ومع ذلك مخالفة للعامة وهذه موافقة لها (٢) ، ويجب تقديم المخالف عند التعارض.

ويرد عليه : منع الأكثرية أوّلا ، فإنّ العمومات وإن كانت كذلك إلاّ أنّ خصوصات أفضليّة القراءة للإمام أكثر ، مع أنّ بعد تحقّق الكثرة من الطرفين ـ سيّما مع اعتبار السند بل صحّته بل مع تعدّد الصحاح ـ لا يوجب نوع كثرة في أحد الطرفين ترجيحا.

والأشهرية ثانيا ، كيف؟! والقائلون بأفضليّة القراءة للإمام أكثر.

والأظهرية ثالثا ، وهو ظاهر جدّا.

ومخالفة الأولى لجميع العامّة رابعا ، كيف؟! والمنقول عن سفيان كراهة‌

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٩١ ، كتاب الغيبة : ٢٢٩ ولكن لم يذكر فيه السؤال ، الوسائل ٦ : ١٢٧ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١٤.

(٢) انظر : الام ١ : ١٠٧ ، والمغني ١ : ٥٦١.

١٣٩

القراءة في الأخيرتين كما يظهر من كتب السيّد والفاضل (١) ، وعن الشافعي والأوزاعي وأحمد روايتان (٢) ، إحداهما وإن كانت وجوب القراءة ولكن الأخرى غير معلومة لنا ، فلعلّها موافقة لها.

وموافقة هذه خامسا ، كيف؟! وصحيحتا ابني حازم وعمّار مصرّحتان بالتفصيل الذي لم ينقل من أحد من العامة ، فهما أيضا مخالفتان لهم قطعا ، فإنّه يصدق عليهما أنّهما مخالفتان للعامة.

مع أنّه لم تثبت أفضلية القراءة أو تعيينها في الركعتين من أحد من العامة ، إذ قد عرفت أنّ لمن ذكر روايتان ، وسفيان يكرهها ، والحسن يوجبها في كلّ صلاة في ركعة واحدة (٣) ، ومالك لا يوجبها في مجموع الأخيرتين (٤) ، والمنقول عن أبي حنيفة في كتب أصحابنا التخيير (٥) ، من غير تعرّض للأفضلية أصلا.

نعم ذكرها ابن روزبهان العامي الكذّاب في كتابه أنه يقول بالأفضلية ، ولا يثبت بمجرّد ذلك أنّ ذلك قول أبي حنيفة بحيث يصير منشأ لمرجوحية الأخبار.

ثمَّ مع تسليم ذلك الترجيح للأولى نقول : صرّح التوقيع بمرجوحية روايات أفضلية التسبيح ، وهو أخصّ من روايات الترجيح بمخالفة العامة ، فيجب تقديمه قطعا.

والخدش في التوقيع ـ إمّا بالإجمال (٦) ، أو بعدم جواز النسخ في المورد ، أو بعدم صلاحية ما ذكره ناسخا للنسخ ـ ليس بشي‌ء ، كما لا يخفى على المتدبّر.

نعم المستفاد من التوقيع ليس إلاّ نسخ التسبيح بالقراءة ، وإذ ليس هو نسخ‌

__________________

(١) كالتذكرة ١ : ١١٦.

(٢) انظر : الأم للشافعي ١ : ١٠٧ ، المغني ١ : ٥٦١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٨.

(٣) انظر : بداية المجتهد ١ : ١٢٦ ، المجموع ٣ : ٣٦١ ، المغني ١ : ٥٦١.

(٤) انظر : بداية المجتهد ١ : ١٢٦ ، المغني ١ : ٥٦١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٨.

(٥) راجع الخلاف ١ : ٣٤١ ، والتذكرة ١ : ١١٥ ، والمنتهى ١ : ٢٧٥ ، وانظر المبسوط للسرخسي ١ : ١٩ ، عمدة القارئ ٦ : ٨ ، المجموع ٣ : ٣٦١ ، المغني ١ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ١ : ٥٦٠ ، نيل الأوطار ٢ : ٢٣٣.

(٦) في « ق » : بالإجماع.

١٤٠