مستند الشّيعة - ج ٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-80-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٥

عليهم‌السلام : « اقرؤوا كما يقرأ الناس » و « كما تعلّمتم » وللإجماع ، ولأنه المتبادر من قراءة الحمد أو السورة التامة ، كما هو مقتضى الأخبار والإجماع. مع أنّ بمخالفة الترتيب بين الكلمات يخرج الكلام عن العربيّة أو القرآنيّة كثيرا ، وبالمخالفة الكثيرة بين الآيات عن الفاتحة أو السورة.

المسألة السادسة : لا تجب القراءة من الحفظ على الأصح ، وفاقا للمحكي عن ظاهر الخلاف والمبسوط والنهاية (١) ، وصريح الفاضلين (٢) ، واختاره الأردبيلي (٣) ، وصاحب الذخيرة (٤) ، وبعض مشايخنا المحققين (٥) ، وهو مختار والدي ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد ، للأصل ، وإطلاقات القراءة ، ورواية الصيقل : ما تقول في الرجل يصلّي ، وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ قال : « لا بأس بذلك » (٦).

وخلافا للشهيد (٧) ومن تبعه (٨) ، فأوجبها إلاّ مع العجز عن الحفظ.

لأصل الاشتغال.

وعدم تبادر مثل ذلك من الإطلاقات ، سيّما بملاحظة المنع عن النظر في المصحف المفتوح الذي في قبلته (٩).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٢٧ ، المبسوط ١ : ١٠٩ ، النهاية : ٨٠.

(٢) المحقق في المعتبر ٢ : ١٧٤ ، العلامة في المنتهى ١ : ٢٧٤.

(٣) مجمع الفائدة ٢ : ٢١٢.

(٤) الذخيرة : ٢٧٢.

(٥) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٤ ـ ١١٨٤ ، الوسائل ٦ : ١٠٧ أبواب القراءة ب ٤١ ح ١.

(٧) الذكرى : ١٨٧.

(٨) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٠.

(٩) انظر : الوسائل ٥ : ١٦٣ أبواب مكان المصلي ب ٢٧.

٨١

والمروي في قرب الإسناد للحميري : عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلّي ، قال : « لا يعتدّ بتلك الصلاة » (١).

ويردّ أصل الاشتغال بما مرّ من الإطلاق والرواية ، وتخصيص الإطلاق بالسورة لا وجه له.

وعدم التبادر بعدم المضرّة ، وإنّما المضرّ تبادر الغير وهو ممنوع ، كيف؟! مع أنه لو نذر أحد أن يقرأ سورة يحكمون بالبراءة بالقراءة عن المصحف قطعا ، بل يحملون مطلقات مرغّبات التلاوة والقراءة على الأعمّ ، ولو رأوا حديثا أنه يستحب قراءة القرآن كلّ يوم كذا وكذا آية ، يحملونها على الأعمّ ، بل يجعلون القراءة من المصحف أولى وأتمّ.

وأما المنع عن النظر إلى المصحف المفتوح ، فإنّما هو على الكراهة وهي في المقام مسلّمة ، مع أنّ النظر إليه لغير القراءة ربما يشوّش القراءة ويختلط معها ، ففيه من المنع ما ليس فيما كان للقراءة.

ورواية قرب الإسناد بالضعف الخالي عن الجابر ، مع أنّ في دلالتها على الوجوب نظرا ظاهرا ، لخلوّها عن الدالّ عليه. نعم تدل على المرجوحية والكراهة وهي مسلّمة.

هذا كلّه مع الاختيار ، وأما بدونه فيجوز قطعا ، والظاهر أنه لا خلاف فيه.

المسألة السابعة : من لم يعلم الفاتحة أو شيئا منها يجب عليه أحد الأمور الثلاثة : التعلّم ، أو الائتمام ، أو متابعة القارئ ، من باب المقدّمة ، إجماعا ، فإنّه يجب أحد الأمرين من قراءة الحمد أو الائتمام ، وتحقّقه يتوقف على أحد الثلاثة.

والأكثر لم يذكروا غير الأوّل ، ولعلّه من باب التمثيل كما قيل ، أو لأجل‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٩٥ ـ ٧٤٢ ، الوسائل ٦ : ١٠٧ أبواب القراءة ب ٤١ ح ٢.

٨٢

تعيّنه لعدم إمكان الأخيرين غالبا سيّما في كلّ صلاة ، فهما غير مقدوران كلّية عادة ، فانحصر في الأول (١).

وفيه نظر ، لأنه قد يعلم الاقتدار على الائتمام في الصلاة الحاضرة.

فإن تعذّر لضيق وقت أو نحوه فإمّا يعلم بعض الفاتحة أو لا يعلم.

فإن علم بعضها فإمّا يكون آية تامة أو غير تامة.

فإن كانت تامة وجبت قراءتها بلا خلاف كما في الذخيرة والحدائق (٢) ، بل إجماعا كما في المدارك (٣) ، لإطلاقات الأمر بالقراءة وقراءة القرآن (٤) الصادقة مع ذلك قطعا.

وتقييدها بالفاتحة بأخبارها مخصوص بالإمكان البتّة ، لعدم التكليف بما لا يمكن ، ولنحو قوله : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٥).

إلاّ أنّ الأول لا يدل على تعيين ما يعلم من الفاتحة ، والثاني غير دالّ كما مرّ مرارا.

فإن ثبت الإجماع البسيط أو المركّب كما هو الظاهر ، وإلاّ فالاكتفاء بمطلق القرآن قويّ جدّا.

وهل يجب التعويض عن الباقي؟ كما عن نهاية الإحكام وفي شرح القواعد (٦) ، وعن روض الجنان نسبته إلى أكثر المتأخرين (٧) ، أم لا؟ كما عن ظاهر‌

__________________

(١) انظر : شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٢) الذخيرة : ٢٧٢ ، الحدائق ٨ : ١١٠.

(٣) المدارك ٣ : ٣٤٣.

(٤) من الأخبار الآمرة بقراءة القرآن صحيحة ابن سنان وفيها : « لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي ». منه رحمه الله تعالى. والرواية في التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ـ ١١٥٣ ، الوسائل ٦ : ٤٢ أبواب القراءة ب ٣ ح ١.

(٥) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

(٦) نهاية الاحكام ١ : ٤٧٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٥١.

(٧) روض الجنان : ٢٦٢.

٨٣

المعتبر والمنتهى (١) ، وفي صريح المدارك (٢) ، والمعتمد.

الحقّ هو الثاني ، للأصل.

دليل الأول : توقف اليقين بالبراءة عليه.

ودلالة الأمر بالحمد على وجوبه ووجوب هذا القدر ، ولا يسقط الثاني لسقوط الأول.

وقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ ) (٣).

وقوله : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (٤) خرج منه ما خرج بالإجماع فيبقى الباقي ومنه ما لا عوض فيه.

ويجاب عن الأول : بأنه مع التعذر لم يعلم الاشتغال بالأزيد.

وعن الثاني : بأنّ الدلالة التبعيّة منتفية بانتفاء المطابقة.

وعن الثالث : بعدم الدلالة كما مرّ.

وعن الرابع : بأنه لا يعلم أنّ المراد منه نفي الذات الذي هو الحقيقة ، لمعارضته مع إطلاق الصلاة على الفاقدة لها في صحيحة ابن سنان الآتية (٥) ، وفي أخبار سهو القراءة (٦) ، ولا يتعيّن كون مجازه نفي الصحة.

مع أنه على فرض تسليم الحقيقة تكون غاية ما يدل عليه نفي الصلاتية ، ولا بأس بتسليمه في المورد ولو مع التعويض ، ويلزمه عدم وجوب الصلاة عليه لعدم إمكانها ـ على ذلك ـ في حقّه ، ويكون ما يجب عليه ـ بالإجماع وغيره ـ بدلا عن الصلاة ، ووجوبه بل مع تسميته في لسان المتشرّعة صلاة لا يستلزم كونه صلاة حقيقة. فلا يفيد قوله : « لا صلاة » للمورد.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٧٠ ، المنتهى ١ : ٢٧٤.

(٢) المدارك ٣ : ٣٤١.

(٣) المزمل : ٢٠.

(٤) عوالي اللئالي ١ : ١٩٦ ـ ٢ وج ٢ : ٢١٨ ـ ١٣ وج ٣ : ٨٢ ـ ٦٥.

(٥) في ص ٨٦.

(٦) انظر : الوسائل ٦ : ٨٧ أبواب القراءة ب ٢٧ وص ٨٨ ب ٢٨.

٨٤

أو نقول : بعد إثبات صحة الفاقدة للعوض بالأصل تثبت صلاتيته بعدم الفصل ، فإنّ كلّ ما يصح من هذه الأفراد فهو صلاة قطعا.

ثمَّ على القول بالتعويض هل يجب أن يكون بتكرار ما يعلم من الحمد مقدّما على غيره من القرآن أو الذّكر ـ لأقربيته إلى الفاتحة كما في التذكرة (١) ـ؟ أو بغيره من القرآن؟ أو مطلق الذكر مقدّما على التكرار ـ كما في شرح القواعد (٢) ، لئلاّ يكون شي‌ء واحد بدلا وأصلا ـ؟ أو بأحد الأوّلين وإلاّ فبالثالث؟ أو بأحد الثانيين وإلاّ فبالأول؟ أو التخيير بين الجميع؟.

أوجه ، مقتضى بعض أدلّة التعويض : الثالث ، ومقتضى الأصل : الأخير.

واعتبار الأقربيّة ممنوع. واستلزام التكرار لوحدة الأصل والبدل غير مسلّم ، لأن المكرّر غير الأصل.

وقيل : وعلى التعويض مطلقا تجب مراعاة الترتيب بين البدل والمبدل منه ، فإن علم الأول أخّر البدل ، أو الآخر قدّمه ، أو الطرفين وسّطه بينهما ، أو الوسط حفّه بهما (٣).

ولا دليل تاما على وجوبه ، والأصل ينفيه.

وإن كانت غير تامة ففي وجوب قراءتها [ مطلقا ] (٤) أو عدمه كذلك ، أو التفصيل بين تسميته قرآنا وعدمها.

أقوال ، أقواها : الثاني ، إذ الإجماع الذي هو الدليل في الآية التامة منتف هنا قطعا ، فالاكتفاء هنا بمطلق القراءة قويّ (٥).

وإن لم يعلم شيئا منها فإمّا يعلم شيئا من القرآن غيرها أم لا.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١١٥.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٢٥٠.

(٣) انظر : الروضة البهية ١ : ٢٦٧ ، والرياض ١ : ١٥٨.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح العبارة.

(٥) في « ه‍ » : أقوى.

٨٥

فإن علمه وجبت عليه قراءته على الأشهر الأظهر ، بل قيل : إنه لا خلاف فيه (١) ، للنبوي المنجبر الآمر بقراءة القرآن بعد العجز بقوله : « وإن كان معك قرآن فاقرأ وإلاّ فاحمد الله وكبّره وهلّله » (٢).

وللإطلاقات المتقدمة.

وصحيحة ابن سنان : « إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام ثمَّ لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي » (٣).

وظاهر الشرائع التخيير بينه وبين مطلق الذكر (٤). وهو ضعيف لا أعرف وجهه.

وإن لم يعلم يجب عليه الذّكر ، للإجماع. لا للنبوي ومنطوق الصحيح ، لدلالة الأول على وجوب ذكر خاص لم يثبت الانجبار فيه ، وعدم صراحة الثاني في الوجوب.

وهل الواجب مطلق الذكر كما ذهب إليه طائفة (٥)؟ أو التسبيح والتكبير كما هو ظاهر بعض مشايخنا (٦)؟ أو بضمّ التهليل معهما كجماعة منهم الشرائع (٧)؟ أو التحميد مع الثلاثة كبعضهم (٨)؟ أو مطلق الذكر والتكبير كما عن الخلاف (٩)؟

__________________

(١) كما في كشف اللثام ١ : ٢١٧.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٣٨٠.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ـ ١١٥٣ ، الوسائل ٦ : ٤٢ أبواب القراءة ب ٣ ح ١.

(٤) الشرائع ١ : ٨١.

(٥) منهم الشهيد الأول في اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٦٨ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ١ : ٢٦٨‌

(٦) انظر : الحدائق ٨ : ١١٢.

(٧) الشرائع ١ : ٨٢ ، ومنهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٠٧ ، والعلامة في الإرشاد ١ : ٢٥٣ والفيض في المفاتيح ١ : ١٢٩.

(٨) كالعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٧٤.

(٩) الخلاف ١ : ٣٤٣.

٨٦

أو تعين ما يجزي في الأخيرتين من التسبيح كما في الذكرى (١) وجعله في المدارك (٢) الأحوط؟.

أقوال ، أقواها : الأول ، للإجماع على ثبوته ، وأصالة عدم وجوب الزائد ، إذ لا دليل على سائر الأقوال إلاّ النبوي لبعضها ، والصحيح لبعض آخر ، وثبوت بدلية التسبيح عن الحمد في الأخيرتين فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين منهما ، للأخير.

وقد عرفت عدم ثبوت الوجوب من الأوّلين ، والأخير ضعيف غايته ، لمنع البدلية في الأخيرتين أوّلا ، ومنع إيجابها لوجوب التبديل به في الأوليين ثانيا.

ثمَّ إنّه هل تجب مساواة البدل من القرآن أو الذكر للفاتحة أم لا؟.

المشهور بين المتأخرين الأول ، ولا دليل عليه سوى مثل ما مرّ من أدلّة التعويض ، وقد عرفت ضعفها.

والأصل يقتضي العدم ، فهو الأقوى وفاقا للمعتبر (٣) وجمع آخر (٤).

ثمَّ على القول بوجوب المساواة ففي وجوبها في الآيات أو الحروف أو فيهما معا ، أقوال ، أظهرها بل ـ كما قيل (٥) ـ أشهرها أيضا الثاني.

والظاهر عدم وجوب كون الذكر بالعربيّة ، للأصل.

نعم يتّجه الوجوب على القول بوجوب الأذكار الخاصّة المتقدّمة ، لأصل الاشتغال ، حيث إنّ المعنى المراد من التكبير والتسبيح ونحوهما مجازا ـ لعدم إرادة معناها الحقيقي المصدري قطعا ـ متعدّد ولا يعلم التعيّن.

نعم لو عجز عن العربيّة يحتمل جواز غيرها بل وجوبه ، ويحتمل العدم على‌

__________________

(١) الذكرى : ١٨٧.

(٢) المدارك ٣ : ٣٤٣.

(٣) المعتبر ٢ : ١٦٩.

(٤) انظر المبسوط ١ : ١٠٧ ، ومجمع الفائدة ٢ : ٢١٦ ، والمدارك ٣ : ٣٤٣ ، والمفاتيح ١ : ١٢٩.

(٥) انظر : الروضة البهية ١ : ٢٦٧.

٨٧

تلك الأقوال ، لعدم ثبوت التوقيف.

ثمَّ إنّ هذا كلّه في الذي لا يعلم الفاتحة كلا أو بعضا بالمرّة.

هاهنا قسم آخر وهو الذي يعلمها كلا ولكن مع غلط وتبديل في الحروف والكلمات.

وهو على قسمين : لأنه إمّا يمكنه التعلّم والتصحيح ، أو لا يمكنه.

والأول على قسمين :

أحدهما : أن يقصّر حتى ضاق الوقت.

وثانيهما : أن لا يقصّر بل يشتغل بالتصحيح حتى ضاق الوقت ولكن لم يصحّحه حتى ضاق.

والثاني ـ وهو الذي لا يمكنه التعلّم ـ أيضا على قسمين : لأنه إمّا لأجل نقصان في لسانه كالذي يبدّل بعض الحروف ببعض كالفأفاء (١) والتمتام (٢) والألثغ (٣) وبعض من نشاهد أنه ليس له مخرج الخاء (٤) أو العين.

أو ليس لأجل ذلك ولا نقصان في لسانه ولا في مخارجه ، بل لا ينطلق لسانه بأداء كلمة وإن تكلّم بجميع حروفها صحيحة في لغته كما نشاهد كثيرا.

وحكم الأخيرين ـ على ما صرّح به في الذكرى (٥) ، وهو ظاهر المنتهى وشرح القواعد (٦) ، وغيره (٧) ، بل لعلّه إجماعي ـ هو القراءة بمقدوره ، أي بما يعلمه وعليه جرى لسانه ، كما يدلّ عليه الحديث المشهور : « إنّ سين بلال عند الله شين » (٨).

__________________

(١) الفأفاء على فعلال هو الذي يتردد في الفاء إذا تكلّم. الصحاح ١ : ٦٢.

(٢) التمتام هو الذي يتردد في التاء. الصحاح ٥ : ١٨٧٨.

(٣) الألثغ هو الذي يصيّر الراء غينا أو لاما ، والسين ثاء. الصحاح ٤ : ١٣٢٥.

(٤) في « ق » و « س » : الحاء.

(٥) الذكرى : ١٨٨.

(٦) المنتهى ١ : ٢٧٤ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٥٢.

(٧) كالذخيرة : ٢٧٣.

(٨) عدة الداعي : ٢١ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٧٨ أبواب قراءة القرآن ب ٢٣ ح ٣.

٨٨

ورواية السكوني : « إنّ الرجل الأعجمي من أمتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته » (١).

والمروي في قرب الإسناد للحميري : سمعت جعفر بن محمّد عليهما‌السلام يقول : « إنك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك ، فهذا بمنزلة العجم المحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح ، ولو ذهب العالم المتكلّم الفصيح حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه ويعمل به وينبغي له أن يقوم به حتى يكون ذلك منه بالنبطيّة والفارسية لحيل بينه وبين ذلك بالأدب حتى يعود إلى ما قد علمه وعقله ، [ قال : ] ولو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجم المحرّم ففعل فعال الأعجمي والأخرس على ما وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا للشي‌ء من الخير ولا يعرف الجاهل من العالم » (٢).

وأما الأوّلان فالظاهر أنّ وجوب قراءة ما يعلمه حسنا إجماعي. وأمّا ما لا يعلمه كذلك فالظاهر ـ كما هو مقتضى الأصل ـ عدم وجوب قراءته ، لأنّ الغلط ليس بقرآن بل هو كلام غير القرآن موجب للبطلان.

ثمَّ إذا تركه هل يترك ما يتعلق به لفظا أو معنى وإن أحسنه ، أم لا؟

الظاهر : نعم ، لخروج الباقي حينئذ عن كونه قرآنا ، بل ذكرا.

والأحوط تكرير الصلاة بترك الغلط وما يتعلّق به تارة وقراءته اخرى.

المسألة الثامنة : قراءة الأخرس وتشهّده تحريك لسانه بهما مهما أمكن ، لظاهر الإجماع ، ورواية السكوني المتقدّمة في تكبيرة الإحرام (٣).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦١٩ فضل القرآن ب ١٢ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٢٢١ أبواب قراءة القرآن ب ٣٠ ح ٤.

(٢) قرب الاسناد : ٤٨ ـ ١٥٨ ، الوسائل ٦ : ١٥٠ أبواب القراءة ب ٦٧ ح ٢. وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في ص ٢٢.

٨٩

ومقتضاها وجوب الإشارة بالإصبع أيضا ، وكذا يجب عقد القلب بأن يقصد أنّ هذا التحريك للقراءة ، لما مرّ في التكبيرة (١).

وأمّا عقده بمعناها فذكره جماعة (٢) ، ولا دليل عليه ، والأصل ينفيه.

المسألة التاسعة : تجب قراءة سورة كاملة بعد الحمد ـ في كلّ من الركعتين الأوليين من الفرائض وركعتي الفجر مع عدم الاضطرار كالخوف أو الضيق أو عدم إمكان التعلّم ـ عند الشيخ في التهذيب (٣) ، والاستبصار والخلاف والجمل (٤) ، والعماني (٥) ، والسيّد ، والحلبي ، والحلّي ، والقاضي (٦) ، بل الأكثر كما صرّح به غير واحد (٧) ، بل عن الانتصار وأمالي الصدوق والغنية والوسيلة ، والقاضي : الإجماع عليه (٨) ، وبه تشعر عبارة التهذيب أيضا.

وهو الأظهر.

لا للإجماعات المنقولة.

أو قوله سبحانه ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ ) (٩).

__________________

(١) في ص ٢١.

(٢) منهم الشهيد في الذكرى : ١٨٨.

(٣) حيث قال في التهذيب ٢ : ٧٢ : وعندنا أنه لا تجوز قراءة هاتين السورتين ـ يعني والضحى وألم نشرح ـ إلاّ في ركعة واحدة. ولا يتم « لا تجوز » إلاّ على القول بالوجوب لجواز التبعيض على القول بالاستحباب. منه رحمه الله تعالى.

(٤) الاستبصار ١ : ٣١٤ ، الخلاف ١ : ٣٣٥ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٠.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٩١.

(٦) السيد في الانتصار : ٤٤ ، الحلبي في الكافي : ١٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٢١ ، القاضي في المهذب ١ : ٩٧.

(٧) كالعلامة في المنتهى ١ : ٢٧١ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٦٨.

(٨) الانتصار : ٤٤ ، أمالي الصدوق : ٥١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٧ ، الوسيلة : ٩٣.

(٩) المزمل : ٢٠.

٩٠

أو التأسّي.

أو الأخبار البيانيّة (١) ولو بضميمة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (٢).

أو صحيحة منصور : « لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » (٣).

أو الرضوي المنجبر بما مرّ : « تقرأ سورة بعد الحمد في الركعتين الأوليين ، ولا تقرأ في المكتوبة سورة ناقصة » (٤).

أو صحيحة زرارة في المسبوق : « قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك سورة تامة أجزأته أمّ الكتاب » الحديث (٥).

أو معاوية : « من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثمَّ ليركع » (٦).

أو ابن سنان : « يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ، ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار » (٧).

أو محمّد بن إسماعيل : أكون في طريق مكّة ، فننزل للصلاة في موضع يكون فيه الأعراب ، أنصلّي المكتوبة على الأرض فنقرأ أمّ الكتاب وحدها أم نصلّي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ قال : « إذا خفت فصلّ على الراحلة‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٤ الصلاة ب ٢١ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ـ ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ـ ١١٦٧ ، الوسائل ٦ : ٤٣ أبواب القراءة ب ٤ ح ٢.

(٤) فقه الرضا (ع) : ١٠٥ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٦٠ أبواب القراءة ب ٣ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٦٢ بتفاوت يسير ، التهذيب ٣ : ٤٥ ـ ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٣ ، الوسائل ٨ : ٣٨٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٦ : ١١٠ أبواب القراءة ب ٤٣ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٤ الصلاة ب ٢١ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٧٠ ـ ٢٥٦ ، الوسائل ٦ : ٤٠ أبواب القراءة ب ٢ ح ٥.

٩١

المكتوبة وغيرها ، فإن قرأت الحمد والسورة أحبّ إليّ » (١).

حيث إنّه لو لا وجوب السورة لما جاز لأجلها ترك القيام والاستقرار الواجبين.

أو الحلبي : « لا بأس أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا أعجلته حاجة أو تخوّف شيئا » (٢).

حيث دلّ المفهوم على ثبوت البأس ـ الذي هو العذاب والشدّة ـ في ترك السورة مع عدم الخوف أو الحاجة.

أو محمّد : عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ قال : « لا ، لكلّ سورة ركعة » (٣).

أو المروي في علل ابن شاذان : « وإنما بدئ بالحمد دون سائر السور » الخبر (٤).

حيث إنّه لو لا وجوب السورة لما صحّ إطلاق لفظ البدأة.

أو الأخبار الناهية عن القران بين السورتين في الفريضة (٥) ، حيث إنّه لا وجه له إلاّ لزوم زيادة الواجب في الصلاة عمدا.

أو عن العدول من سورتي التوحيد والجحد إلى ما عدا سورتي الجمعة والمنافقين (٦) ، حيث إنّه لو لا وجوب السورة هنا لما حرم العدول عنهما ولم يجب‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٧ الصلاة ب ٩١ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩٩ ـ ٩١١ ، الوسائل ٦ : ٤٣ أبواب القراءة ب ٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٧١ ـ ٢٦١ ، الاستبصار ١ : ٣١٥ ـ ١١٧٢ ، الوسائل ٦ : ٤٠ أبواب القراءة ب ٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٠ ـ ٢٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ـ ١١٦٨ وفيه : لكل ركعة سورة ، الوسائل ٦ : ٤٤ أبواب القراءة ب ٤ ح ٣ وص ٥٠ ب ٨ ح ١.

(٤) عيون اخبار الرضا ٢ : ١٠٥ ، الوسائل ٦ : ٣٨ أبواب القراءة ب ١ ح ٣.

(٥) انظر : الوسائل ٦ : ٥٠ أبواب القراءة ب ٨.

(٦) الوسائل ٦ : ١٥٢ أبواب القراءة ب ٦٩.

٩٢

إتمامهما.

لضعف الأوّل : بعدم الحجّية.

والثاني : بعدم الدلالة كما مرّ.

والثالث : بعدم الوجوب.

والرابع : بعدم إثباته للوجوب كما مرّ مرارا ، وعدم ثبوت اشتمال ما قال بعده : « صلّوا » للسورة.

والخامس (١) : بعدم صراحته في الوجوب ، لجواز كون قوله : « لا تقرأ » نفيا وهو غير مثبت للتحريم. ولو كان نهيا لما أفاد التحريم ، لجواز قراءة الأكثر بالعدول ، فيجب الحمل على المرجوحيّة لئلاّ يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.

وإمكان تخصيص الأكثر بغير العدول لا يفيد ، لعدم ثبوت أولويته من التجوّز في نحو ذلك المقام.

والسادس : بما مرّ أيضا ، لكونه إخبارا.

ومنه يظهر ضعف السابع أيضا ، وأمّا مفهوم قوله فيه : « فإن لم يدرك » فلا يفيد ، لأنّ عدم الإجزاء يكون في المستحب أيضا.

والثامن : بعدم كون الأمر فيه للوجوب المعيّن الذي هو حقيقته ، ومجازه كما يمكن أن يكون الوجوب التخييري يمكن أن يكون استحبابا ـ ومنه يظهر عدم دلالة سائر الأخبار المتضمّنة للأمر بقراءة سورة معيّنة (٢) ـ مع أنه معارض بصحيحة زرارة (٣).

والتاسع : بأنه استدلال بمفهوم الوصف ، وهو غير ثابت الاعتبار ، ولا دلالة في المقابلة بالصحيح على اعتبار مفهوم المريض أصلا.

__________________

(١) وقد يضعف الخامس بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسورة في غير الفاتحة. وفيه : أنّ ذكره الأكثر يعيّن إرادته. منه رحمه الله تعالى.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٤٣ أبواب القراءة ب ٤.

(٣) المتقدمة في ص ٩١.

٩٣

والعاشر : بعدم صراحته في أنّ الأمر بالصلاة على الراحلة وجوبا أو تخييرا لأجل المحافظة على السورة ، بل لعلّة اخرى.

وظهور سوق السؤال في قطع السائل بوجوب السورة ممنوع ، ولو سلّم فتقريره إنما هو على الاعتقاد ، وفي حجيته بإطلاقه نظر.

ومنه يظهر ضعف الاستدلال بالتقرير على الاعتقاد في صحيحة أخرى : قلت : أيّهما أحبّ إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ بسورة أو فاتحة الكتاب؟ قال : « فاتحة الكتاب » (١).

والحادي عشر : بدلالة منطوقه على نفي البأس في ترك السورة مع مطلق الحاجة ولو كانت يسيرة ، وبه يثبت عدم الوجوب مطلقا بالإجماع المركّب ، فيعارض المفهوم ، وتخصيصه ببعض الحاجات ليس بأولى من إرادة المرجوحيّة من البأس.

والثاني عشر : بعدم الدلالة وإنّما كان دالا لو قال : لكلّ ركعة سورة ، مع أنّ في دلالته أيضا خدشة.

والثالث عشر : بأنّ البدأة يمكن أن تكون بالنسبة إلى الركوع والسجود دون السورة ، مع أنه لو كانت بالنسبة إليها أيضا لما دلّ على وجوبها ، ولذا يصحّ أن يقال : إنّما بدئ بالقراءة قبل القنوت لأجل الفلان.

والرابع عشر : باحتمال كون الوجه لزوم التشريع ، فإنّ الزيادة في المستحب بدون التوقيف أيضا غير جائزة.

والخامس عشر : بأن تحريم العدول لا يوجب الإتمام ، لاحتمال الترك ، فيجوز أن يكون نفس العدول عن سورة مستحبّة حراما.

بل (٢) لرواية يحيى بن أبي عمران ـ المنجبر ضعفها لو كان ـ بل صحيحته‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٧ الصلاة ب ٢١ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ـ ١١٥٢ ، الوسائل ٦ : ٣٧ أبواب القراءة ب ١ ح ١.

(٢) عطف على قوله : لا للإجماعات المنقولة .. ( في ص ٩٠ ).

٩٤

كما قيل (١) : ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أمّ الكتاب فلمّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها ، فقال العبّاسي : ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطّه : « يعيدها مرّتين على رغم أنفه » العبّاسي (٢).

ولو لا وجوب السورة الكاملة لم يكن في ترك البسملة البأس ـ الذي هو العذاب ـ كما قال العبّاسي فلم يكن وجه لرغم أنفه.

وتؤيّده رواية عمر بن أبي شعبة في حكم من يصلّي خلف من لا يقتدى به : أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته ، قال : « فأتمّ السورة ومجّد الله وأثن عليه حتى يفرغ » (٣).

وجعلها مؤيّدة لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للسورة في غير الفاتحة.

خلافا للمحكي عن الإسكافي (٤) ، ونهاية الشيخ (٥) ، والديلمي (٦) ، والمعتبر والمنتهى (٧) ومال إليه في المدارك والذخيرة (٨) ، وجمع آخر من المتأخرين (٩) ، فلم يوجبوا إتمامها كما عن الأول ، أو مطلقا كالباقين ، للصحيحين المصرّحين بجواز أمّ الكتاب وحدها في الفريضة (١٠) ، والأخبار الدالة على جواز‌

__________________

(١) انظر : المنتهى ١ : ٢٧٢ ، وغنائم الأيام : ١٨٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٣ الصلاة ب ٢١ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ـ ٢٥٢ وفيه : يحيى بن عمران ، الاستبصار ١ : ٣١١ ـ ١١٥٦ ، الوسائل ٦ : ٨٧ أبواب القراءة ب ٢٧ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٨ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٨ : ٣٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ٣.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٩١.

(٥) النهاية : ٧٥.

(٦) المراسم : ٦٩.

(٧) المعتبر ٢ : ١٧٣ ، المنتهى ١ : ٢٧٢.

(٨) المدارك ٣ : ٣٤٧ ، الذخيرة : ٢٦٨.

(٩) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ١٩٨ ، والمحقق السبزواري في الكفاية : ١٨ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٣١.

(١٠) الأول : التهذيب ٢ : ٧١ ـ ٢٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ـ ١١٦٩ ، الوسائل ٦ : ٣٩ أبواب القراءة ب ٢ ح ١.

الثاني : التهذيب ٢ : ٧١ ـ ٢٦٠ ، الوسائل ٦ : ٤٠ أبواب القراءة ب ٢ ح ٣.

٩٥

تبعيض السورة في الصلاة أو الفريضة (١).

ويجاب عنها بكونها أعمّ مطلقا من دليل الوجوب ، لاختصاصه بعدم الاضطرار إجماعا وعمومها بالنسبة إليه ، والخاص مقدم على العام قطعا.

مع أنهما لو تعارضا أيضا لكان الترجيح لدليل الوجوب ، لمخالفته للعامة (٢) ، وموافقته للشهرة العظيمة ، بل كما قيل : الإجماع من القدماء (٣) ، لتشويش كلام النهاية ، وإيجاب الإسكافي بعض السورة ، فلم يبق إلاّ الديلمي ، وهو واحد معروف لا يقدح خلافه في الإجماع. كما لا يقدح خلاف الإسكافي ، لكونه منفردا فيما ذهب إليه.

ومنه يظهر وجه آخر لردّ الصحيحين ، وهو : مخالفتهما لشهرة القدماء المخرجة لهما عن الحجيّة.

ولردّ دلالة أخبار التبعيض على [ عدم ] (٤) وجوب السورة الكاملة ، وهو : توقف دلالتها عليه على عدم الفصل ، وهو غير ثابت.

هذا ، مضافا إلى ما في كثير من أخبار التبعيض من عدم الدلالة على جواز الاكتفاء بالبعض :

كصحيحة ابن يقطين (٥) ، لتضمنها للفظ الكراهة الأعمّ لغة من الحرمة.

وصحيحة سعد بن سعد (٦) ، لعدم نفيها لقراءة سورة أخرى زائدة على‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب القراءة ب ٥. وسيشير المصنف (ره) إلى بعض منها في الصفحة الآتية.

(٢) انظر : الام ١ : ١٠٩ ، والمجموع ٣ : ٣٨٨ ، والمغني ١ : ٥٦٨.

(٣) انظر : الرياض ١ : ١٥٩.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح العبارة.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ـ ١١٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٦ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٦ : ٤٤ أبواب القراءة ب ٤ ح ٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ـ ١١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣١٦ ـ ١١٧٧ ، الوسائل ٦ : ٤٥ أبواب القراءة ب ٤ ح ٦.

٩٦

قراءة ما بقي من السورة الاولى. وأمّا تقريره عليه‌السلام على قراءة النصف في الركعة الأولى فغير حجّة في المقام ، لأنّ حجّيّته إنّما هي مع عدم المانع المنفي بالأصل الغير الجاري هنا ، لوجود مانع التقية.

وصحيحة عمر بن يزيد المقيّدة لجواز التبعيض بما إذا زادت عن ثلاث آيات (١) ، لعدم صراحتها في إرادة البعض ، بل ولا ظاهرة ، لاحتمال إرادة قراءة سورة واحدة في كل من الركعتين.

واستبعاده ـ من جهة أنه لو أريد ذلك لم تكن للتقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة ـ مردود بجواز كراهة التكرير حينئذ تعبّدا ، وعدم القول به مشترك الورود.

مع أنّ روايات التبعيض تعارض بعضها بعضا من حيث الإطلاق والتقييد بما إذا كانت ستّ آيات أو زائدة على ثلاث ، وإن أمكن دفعه بمرجوحيّة المقيّد منها بعدم القائل ، ورجحانه لتقييده لو كان به قائل.

فرع :

لا تجب قراءة السورة ـ مطلقة ولا معيّنة ـ شرعا في النوافل مطلقا ولو في الرواتب ، للأصل ، والإجماع. ولا تحرم الزيادة من السورة فيها إجماعا وأصلا ونصّا (٢).

ولكن يستحب مطلقها في مطلقها شرعا ، إجماعا محقّقا ومنقولا (٣).

ويجب ما وظّف ـ من المطلقة أو المعيّنة الواحدة أو المتعدّدة ـ شرطا فيما وظّف فيه ، للتوظيف. ومع ترك الموظّف فيه يكون المأتي به فاسدا ، لعدم انطباقه على ذلك الأمر التوظيفي وهو ظاهر ، ولا على غيره من المطلقات ، لانتفاء القصد إليه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧١ ـ ٢٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٥ ـ ١١٧٣ ، الوسائل ٦ : ٤٧ أبواب القراءة ب ٦ ح ٣.

(٢) انظر : الوسائل ٦ : ٥٠ أبواب القراءة ب ٨.

(٣) كما في الرياض ١ : ١٦٣.

٩٧

المسألة العاشرة : يجب تقديم الحمد على السورة ، لموثّقة سماعة : عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ـ إلى أن قال : ـ « ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع ، فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات » (١).

ورواية محمّد : عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : « لا صلاة له إلاّ أن يبدأ بها في جهر أو إخفات » (٢).

وتؤيده رواية العلل والرضوي المتقدّمتان (٣) ، وما ورد في بيان بدو الصلاة ليلة المعراج من أمره سبحانه بالسورة بعد الأمر بالحمد (٤) ، إلى غير ذلك.

فلو عكس فإن كان عمدا ولم يقرأ سورة بعد الحمد حتى ركع بطلت الصلاة قطعا.

ولو قرأها بعدها أيضا فالمحكي عن القواعد والمنتهى وشرح القواعد والذكرى والدروس والبيان والمسالك (٥) ـ بل كما قيل هو المشهور (٦) ـ البطلان أيضا ، لتعلق النهي بالجزء أو الوصف ، وهو مفسد.

أمّا الثاني فظاهر.

وأمّا الأوّل فللأمر بقراءة الحمد مقدّمة على السورة وتضادّها قراءة السورة قبله ، أو للأمر بتقديم الحمد المضادّ لتأخيره ، والأمر بالشي‌ء نهي عن ضدّه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٦ : ٣٨ أبواب القراءة ب ١ ح ٢ وص ٨٩ أبواب القراءة ب ٢٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٧ الصلاة ب ٢١ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٣٩ ، الوسائل ٦ : ٣٧ أبواب القراءة ب ١ ح ١.

(٣) في ص ٩١ و ٩٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٨٢ الصلاة ب ١٠٥ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ـ ١ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٥) القواعد ١ : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٧٢ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٥٥ ، الذكرى : ١٨٨ ، الدروس ١ : ١٧١ البيان : ١٥٧ ، المسالك ١ : ٣٠.

(٦) انظر : الحدائق ٨ : ١٢٤.

٩٨

مع أنّ المستفاد من الروايتين الأوليين أيضا البطلان.

ويضعف الأول : بأنّ المأمور به هو تقديم الحمد على السورة التي تجب في الصلاة ـ وهو يتحقق بقراءة سورة أخرى بعده ـ لا على مطلق السورة.

والثاني : بأنه لا شك في عدم بقاء الابتداء في الروايتين على معناه الحقيقي ، لتقدّم التكبيرة ودعاء الافتتاح على الحمد ، وليس الابتداء عامّا أو مطلقا حتى يقتصر فيه على القدر الثابت ، بل المراد الابتداء الإضافي ، ويمكن كون المضاف إليه السورة الواجبة في الصلاة.

وظاهر الشرائع وصريح المدارك الصحة (١) ، للأصل.

وقيل بالأول مع اعتقاد كون السورة الأولى هي الواجبة ، لكونه بدعة.

وبالثاني مع عدمه (٢).

وفيه : أنه لا اعتقاد إلاّ مع دليل ، ومعه لا بدعة.

والتحقيق : أنّه يجب بناء المسألة على مسألة القران بين السورتين ، فإن حرّمناه مطلقا بطلت الصلاة ، وإلاّ فلا.

وإن كان سهوا ولم يتذكر حتى ركع صحّت الصلاة ، وإن تذكّر قبله قرأ سورة بعد الحمد ، لبقاء وقتها.

وهل يعيد الحمد لو كان التذكّر بعد قراءته؟.

ظاهر القواعد : نعم (٣) ، وصريح شرحه : لا (٤) ، وهو الأقوى للأصل.

وكذا في صورة العمد على القول بالصحة لو أراد إعادة السورة بعد الحمد قبل قراءته. وكذا لو أرادها بعده مع قراءة الحمد بقصد القربة كمن لا يعلم البطلان بالإخلال بالترتيب. وإن قرأه على وجه لا تتأتى فيه القربة فيعيده.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٨٢ ، المدارك ٣ : ٣٥١.

(٢) انظر : مجمع الفائدة ٢ : ٢١٩.

(٣) القواعد ١ : ٣٣.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٢٥٥.

٩٩

وأمّا على البطلان فيعاد جميع ما فعل من أجزاء الصلاة.

المسألة الحادية عشرة : لا يجوز أن يقرأ في الفرائض سورة عزيمة على الأظهر الأشهر ، وعليه الإجماع عن الانتصار ونهاية الشيخ وخلافه والغنية وشرح القاضي لجمل السيد ونهاية الفاضل وتذكرته (١) ، ويظهر من شرح الإرشاد للأردبيلي (٢) ، وصرّح به بعض مشايخنا أيضا (٣).

بل الظاهر تحقّق الإجماع ، لعدم نقل خلاف فيه من القدماء إلاّ من الإسكافي (٤). وكلامه ليس صريحا فيه ، لاحتمال إرادته النسيان أو التقيّة ، مع أنه لو كان صريحا أيضا لم يقدح في الإجماع. فهو الحجّة في المسألة.

لا غيره مما ذكروه كرواية زرارة : « لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم ، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة » (٥).

وموثّقة سماعة : « من قرأ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) فإذا ختمه فليسجد ، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب ويركع » وقال : « إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء والركوع ، ولا تقرأ في الفريضة ، اقرأ في التطوّع » (٦).

واستلزامه أحد الأمرين : إمّا الإخلال بالسجود ، أو زيادة سجدة في الصلاة ، وكلاهما محذوران :

__________________

(١) الانتصار : ٤٣ ، النهاية : ٧٧ ، الخلاف ١ : ٤٢٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، شرح الجمل : ٨٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٦٦ ، التذكرة ١ : ١١٦.

(٢) مجمع الفائدة ٢ : ٢٣١ و ٢٣٢.

(٣) كصاحب الحدائق ٨ : ١٥٥ ، وصاحب الرياض ١ : ١٦٠.

(٤) حكاه عنه صاحب الرياض ١ : ١٦٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٨ الصلاة ب ٢٢ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٩٦ ـ ٣٦١ ، الوسائل ٦ : ١٠٥ أبواب القراءة ب ٤٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ـ ١١٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ـ ١١٩١ ، الوسائل ٦ : ١٠٢ أبواب القراءة ب ٣٧ ح ٢.

١٠٠