حقوق أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم

حقوق أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-367-5
الصفحات: ١٤٨

للآية الأولى وكاشفة عن الموارد التي يصرف فيها الفيء ، وهذا ما عليه علماء أهل البيت عليهم‌السلام والكثير من علماء العامّة.

وفي هذا يقول الزمخشري : لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى ، فهي منها غير أجنبيّة عنها ، بيّن لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يصنع بما أفاء اللّه عليه ، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوماً على الأقسام الخمسة (١) ، ونقل عنه هذا الكلام الرازي في تفسيره. (٢)

ونقل القرطبي قول جماعة منهم الشافعي : أن معنى الآيتين واحد. (٣)

ثانياً : معنى الفيء لغةً وشرعاً

قال المبرّد : يقال : فاء يفيء : إذا رجع ، وأفاءه اللّه : إذا ردّه.

وقال الأزهري : الفيء : ما ردّه اللّه على أهل دينه من أموال من خالف أهل دينه بلا قتال ، إما بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلّوها للمسلمين ، أو يصالحوا على جزية يؤدّونها عن رؤوسهم ، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم. (٤)

والآية صريحة في بيان المراد من الفيء ، وهو كل ما تمّ الحصول عليه من

__________________

(١) الكشاف / الزمخشري ٤ : ٥٠٢ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٧ هـ.

(٢) تفسير الرازي ١٠ : ٥٠٧.

(٣) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٨ : ١٢ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ ط١ / ١٤١٦ هـ.

(٤) على ما نقله الرازي في تفسيره ١٠ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦.

٤١

الكفار بدون جهد وعناء ، بل سلّط اللّه رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمّا بأن يجلوا الكفار عن ديارهم ، أو يصالحوا عليها ، أو يعطوا مالاً مقابل دمائهم ، وهذا المال الحاصل بهذه الكيفية جعله اللّه تعالى خالصاً لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعمل فيه بما يراه مناسباً ، في وجوهٍ حصرتها الآية الثانية في ذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل.

وفي ذلك يقول سيد قطب : حكم هذا الفيء أنه كلّه للّه والرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هوالذي يتصرف فيه كلّه في هذه الوجوه. وذوو القربى المذكورون في الآيتين هم قرابة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ويقول الطبرسي أيضاً : ذكر سبحانه حكم الفيء فقال : « مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى » أي من أموال كفار أهل القرى « فللّه » يأمركم فيه بما أحب « وللرسول » بتمليك اللّه إياه « ولذي القربى » يعني أهل بيت رسول اللّه ، وقرابته ، وهم بنو هاشم « واليتامى والمساكين وابن السبيل » منهم ، لأن التقدير ولذي قرباه ، ويتامى أهل بيته ، ومساكينهم ، وابن السبيل منهم.

وروى المنهال بن عمرو ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام ، قال : قلت قوله « ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل »؟ قال : « هم قربانا ، ومساكيننا ، وأبناء سبيلنا ». (٢)

__________________

(١) في ظلال القرآن / سيد قطب ٦ : ٣٥٢٣ ، دار الشروق ـ ط ٢٤ / ١٤١٥ هـ.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٤٣١.

٤٢

ثالثاً : بين الغنيمة والفيء

ممّا تقدم اتّضح أنّ حكم الفيء غير حكم الغنيمة ، فالغنيمة هي ما يحصل عليه المسلمون من المشركين والكفار المحاربين بالقتال فيأخذونه عنوةً وبحدّ السيف ، وهي تُقسّم إلى خمسة أسهم : أربعة للمحاربين ، وواحد يقسم على ستة أسهم ، أما الفيء فإنّه كلّه لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالصاً دون المسلمين يصرفه في موارده كيف يشاء ، لأن الفيء يسلّط اللّه تعالى رسوله عليه دون أن يكون للمسلمين يدٌ في تحصيله.

وفي ذلك يقول الشيخ الطوسي رحمه اللّه تعالى : والذي نذهب إليه أن مال الفيء غير مال الغنيمة ، فالغنيمة : كل ما أخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله الى دار الإسلام ، وما لا يمكن نقله إلى دار الإسلام فهو لجميع المسلمين ينظر فيه الإمام ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين. والفيء : كل ما أُخذ من الكفار بغير قتال ... وكان ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة ، يضعه في المذكورين في هذه الآية ، وهو لمن قام مقامه من الأئمة الراشدين. (١)

وذكر الرازي في معنى الآية أن الصحابة طلبوا من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم ، فذكر اللّه الفرق بين الأمرين ، وهو أن الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها ، وأوجفتم عليها الخيل والركاب ، بخلاف الفيء فإنكم ما تحمّلتم في تحصيله تعباً ، فكان الأمر فيه مفوضاً إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضعه حيث يشاء. (٢)

__________________

(١) تفسير التبيان / الطوسي ٩ : ٥٦٣ ـ ٥٦٤.

(٢) تفسير الرازي ١٠ : ٥٠٦.

٤٣

ولقد ورد : أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول اللّه ، ألا تخمّس ما أصبت من بني النضير كما خمّست ما أصبت من بدر؟

فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا أجعل شيئاً جعله اللّه عزّوجلّ لي دون المؤمنين بقوله تعالى : ( مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ..... ) الآية ، كهيئة ما وقع فيه السّهمان للمسلمين ». (١)

والفيء يكون للإمام الحق بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل به كما كان يعمل به رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن هذا الحقّ غصب من أهله بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجرى عليه ما جرى على غيره من الأموال التي خصّها اللّه تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأهل بيته من بعده.

وقد تعدّى ذلك إلى ما وهبه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل بيته من أموال الفيء ، ومن مصاديقه فدك ، وهي قرية بناحية الحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ، وأرضها كانت لليهود ، فأفاءها اللّه تعالى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلحاً سنة ٧ هـ دون أن يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.

وقد ورد أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منح فدك إلى ابنته الزهراء عليها‌السلام في حياته حينما نزلت الآية « وآت ذا القربى حقّه » (٢) على ما رواه المحدّثون والمفسرون عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري. (٣)

__________________

(١) المغازي / الواقدي ١ : ٣٧٧ ، منشورات مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، ط٣ / ١٤٠٩ هـ.

(٢) الإسراء : ١٧ / ٢٦.

(٣) راجع : تفسير الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٢٧٢ ، مجمع الزوائد / الهيثمي ٧ : ٤٩ ، كنز العمال / المتقي الهندي ٣ : ٧٦٧ / ٨٦٩٦ ، مجمع البيان / الطبرسي ٦ : ٦٣٤ ، الشافي / المرتضى ٤ : ٩٠ و ٩٨ وغيرها كثير.

٤٤

وحينما توفّي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضعت سلطة الخلافة يدها على نحلة الزهراء عليها‌السلام في فدك ، وأخرجت وكيلها منها ، وجعلتها من مصادر بيت المال وموارد ثروة الدولة كما زعمت.

المبحث الثاني : الخمس

اتفقت كلمة المسلمين على ثبوت الخمس كحق مالي يجب أداؤه على المسلمين كافة ، فان اللّه تعالى أمرهم به ، وجعل أداءه من علائم الايمان حيث يقول تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّه وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّه عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١).

مفهوم الغنيمة عام لا خاص

المعروف أن الآية نزلت في واقعة خاصّة يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ، وهذا مما لا خلاف فيه ، ومن هنا قيل بأن المراد من قوله تعالى : « أَنَّمَا غَنِمْتُم » ما يغنم من المشركين في دار الحرب ، ولكن الأصل في الغنيمة هو عموم ما يغنمه الإنسان ويكسبه سواء كان في الحرب أم في غيرها ، وورودها في هذا المورد الخاص لا يخصّص معناها ، على ما سنبينه من موارد استعمالها في

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٤١.

٤٥

اللغة والكتاب والسنة وفتاوى بعض الفقهاء.

١ ـ في اللغة :

قال اللغويون في كلمة الغنيمة : إنّ الأصل فيها أعمّ مما يظفر به في دار الحرب ، بل هي تطلق في اللغة على كلّ ما يكسبه الإنسان ويدخل في حوزته ، وفي ذلك يقول الراغب الأصفهاني : الغُنم : إصابته ـ أي الغَنَم ـ والظفر به ، ثم استعمل في كل مظفورٍ به من جهة العدى وغيرهم ، قال تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم مِن شيء ) ، ( فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً ) (١) ، والمغنم : ما يُغنَمُ ، وجمعهُ مغانِمُ. قال : « فعند اللّه مغانم كثيرة » (٢).

وقال الفراهيدي : الغنم الفوز بالشيء في غير مشقة. (٣)

وقال ابن الأثير : في الحديث : « الرهن لمن رهنه ، له غنمه وعليه غرمه » غنمه : زيادته ونماؤه وفاضل قيمته. (٤)

٢ ـ في الكتاب والسنّة :

أما في الكتاب فقد جاءت في بعض الموارد في معنى أعمّ من مكاسب الحرب ، كما في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّه فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٦٩.

(٢) المفردات للراغب مادة (غنم). والآية من سورة النساء : ٤ / ٩٤.

(٣) كتاب العين / الفراهيدي مادة (غنم) ، انتشارات أسوة ، ط١ / ١٤١٤ هـ.

(٤) النهاية / ابن الأثير ، مادة (غنم).

٤٦

الْدُّنْيَا فَعِندَ اللّه مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) (١) والمراد من المغانم هنا أجر الآخرة.

وأما ما ورد في السنّة فكثير جداً ، وحسبك شاهداً على ذلك قول علي عليه‌السلام : « من أخذ بها لحق وغنم » و « يرى الغنم مغرماً ، والغرم مغنماً » و « اغتنم من استقرضك » و « الطاعة غنيمة الأكياس » و « الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ».

وفي الدعاء عند إعطاء الزكاة : « اللهم اجعله مغنماً ، ولا تجعله مغرماً » و « غنيمة مجالس الذكر الجنّة » وفي وصف الصوم : « هو غنم المؤمن » إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره واستقصاؤه ... وعليه فالغنم هو مطلق الحصول على الشيء ... (٢)

وكذلك جاء في السنّة المطهرة بأن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد فرض الخمس في غير غنائم الحرب ، كفرضه ذلك في الركاز والكنوز والسيوب وغيرها. (٣)

٣ ـ في مكاتيب الرسول وعهوده

بيّن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهوده مع القبائل الداخلة إلى الإسلام وفي بعض مكاتيبه فرائض الدين ومنها الخمس ، كعهده مع وفد عبد القيس عندما وفدوا على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إنّ بيننا وبينك المشركين من مضر ، وإنّا لا نصل

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٩٤.

(٢) الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم / جعفر مرتضى العاملي ٥ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ الفصل الخامس ، دار الهادي ، دار السيرة ، ط٤ / ١٤١٥ هـ.

(٣) راجع : صحيح البخاري ٢ : ٦٣٠ ـ ٦٣١ ـ كتاب الزكاة ـ باب ٩٤٩ ـ ٩٥٠ ، سنن الترمذي ٤٨١ / ٣٠٨٥ ـ كتاب الخراج والامارة.

٤٧

إليك إلاّ في أشهر حرم ، فمرنا بجمل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنّة ، وندعو إليها من ورائنا : فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « آمركم بأربع ، وأنهاكم عن أربع ، آمركم بالإيمان باللّه ، وهل تدرون ما الإيمان باللّه؟ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وتعطوا من المغنم الخمس ... » (١).

ومنها ما ذكره ابن سعد قال : كتب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للفجيع كتاباً : « من محمد النبي للفجيع ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وأطاع اللّه ورسوله ، وأعطى من المغانم خُمس اللّه ، و .... » (٢).

وعند التأمل في المراد من المغنم هنا يُقطع بأن المراد منه خمس الأرباح وليس خمس غنائم الحرب ، ذلك لأنّ هذه القبائل غير قادرة على شنّ الحروب ، وذلك واضح من كلام وفد عبد القيس ، فإنهم لا يستطيعون أن يصلوا إلى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ في الأشهر الحرم مخافة من المشركين ، ثمّ إنّ أمر الحرب لا يعود لقبيلة ، بل يعود لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون غيره ، فلو جاز لكل قبيلة أن تشنّ حرباً لأصبحت البلاد فوضى لا يمكن السيطرة عليها ، وكذلك فإن قبول الخمس من مغانم حروبهم معناه إقرارهم على تلك الحروب العدوانية ، وهذا ممتنع. (٣)

٣ ـ في فتاوي بعض الفقهاء :

أفتى بعض فقهاء العامّة بوجوب الخمس في غير غنائم الحرب ، منهم

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ : ٨٣٩ ـ ٨٤٠ ، كتاب التوحيد ، باب قوله تعالى ( واللّه خلقكم وما تعملون ).

(٢) طبقات ابن سعد ١ : ٢٣٢.

(٣) من أراد المزيد في هذا الموضوع فليراجع مقدمة مرآة العقول / السيد العسكري : ١٠١ ـ ١١٠.

٤٨

أبو يوسف حيث قال : في كل ما أصيب من المعادن قليل أو كثير الخمس ، ولو أن رجلاً أصاب في معدن أقل من وزن مائتي درهم فضّة أو أقل من وزن عشرين مثقالاً ذهباً ، فإن فيه الخمس. (١)

ومما تقدّم يتّضح بشكل جلي أن المراد من الغنيمة هو كلّ ما يكسبه الإنسان في حياته صغيراً كان أو كبيراً ، وعليه فتخصيص الغنيمة بما يغتنم في الحرب اعتماداً على ورودها في واقعة خاصّة لا يصحّ ، فإن مجيئها في هذا المورد الخاص لا يخصص معناها ، ولا يضيّق من مفهومها ، وإنما يكون من باب استعمال المعنى العام في أحد مصاديقه ، وقد اعترف القرطبي بأن اللغة لا تقتضي تخصيص الآية بغنائم الحرب. (٢)

تحديد مواضع الخمس

تكفلت الآية الكريمة بيان مواضع الخمس بشكل صريح وواضح لا يقبل الشبهة ولا التأويل ، وفي ذلك جاءت الروايات الكثيرة المصرّحة بمواضع الخمس بما ينطبق ومفاد الآية الشريفة.

فقد ذكرت الآية الخمس وقسمته إلى ستة أسهم ، وهي : سهم اللّه تعالى ، سهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سهم ذوي القربى ، سهم اليتامى ، سهم المساكين ،سهم أبناء السبيل.

وجميع الروايات الواردة في ذلك تدلّ على أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحرص على إعطاء الخمس إلى مستحقيه بما ينطبق ومفاد الآية المباركة ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) كتاب الخراج / أبو يوسف : ٢٢.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١.

٤٩

كان يختصّ بسهمٍ من الخمس ، ويخصّ ذوي قرباه بسهمٍ آخر منه ، ولم يعهد منه أن غيّر أو بدّل في ذلك منذ نزول الآية المباركة حتى قبضه اللّه تعالى إليه.

منها ما أخرجه الطبري بسنده إلى أبي العالية الرياحي ، قال : كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة ، تكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس ، فيضرب بيده فيه ، فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة ، وهو سهم اللّه ، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل. (١)

وروى الزمخشري عن ابن عباس قوله : إنه كان على ستة أسهم : للّه وللرسول سهمان ، وسهم لأقاربه حتى قُبض. (٢)

وأخرج البخاري وغيره عن جبير بن مطعم ، قال : لما كان يوم خيبر ـ وفي رواية : حنين ـ وضع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب ، وترك بني نوفل وبني عبد شمس (٣) ، فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا : يا رسول اللّه ، هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع

__________________

(١) تفسير جامع البيان / ابن جرير الطبري مج ٦ ، ١٠ : ١٢٤٩٥ ، دار الفكر ـ بيروت / ١٤١٥ه ، الدر المنثور / السيوطي ٣ : ٣٣٦ ، تفسير الرازي ٥ : ٤٨٥ ،تفسير ابن كثير ٤ : ٥٩.

(٢) الكشاف / الزمخشري ٢ : ٢١١ ، تفسير غرائب القرآن / النيسابوري ٣ : ٤٠٢ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٦ هـ.

(٣) هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل ، كلّهم إخوة ، أولاد عبد مناف بن قصي ، وأمهم عاتكة إلاّ نوفل فأمه واقدة. وجبير بن مطعم من أولاد نوفل ، وعثمان بن عفّان من أولاد عبد شمس ، وعندما أعطى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني المطلب دونهم ،قالوا مقالتهم تلك. راجع طبقات ابن سعد ١ : ٧٥.

٥٠

الذي وضعك اللّه به منهم ، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة؟ فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّا وبني المطلب لا نفترق » وفي رواية النسائي : « إن بني المطلب لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد » وشبّك بين أصابعه. (١)

وأخرج الطبري بسنده إلى ابن الديلمي ، قال : قال علي بن الحسين رضي‌الله‌عنه لرجل من أهل الشام : « أما قرأت في الأنفال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) ... الآية؟ » قال : نعم ، قال : فإنكم لأنتم هم؟ قال : « نعم » (٢).

وجاء في الأثر الصحيح أن المراد من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل في الآية ، هم يتامى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، وليس عموم المسلمين ، فقد أخرج الطبري بسنده إلى المنهال بن عمرو ، قال : سألت عبد اللّه بن محمد بن علي وعلي بن الحسين فقالا : هو لنا : فقلت لعليّ : إن اللّه يقول : « واليتامى والمساكين وابن السبيل » فقال : « يتامانا ومساكيننا ». (٣)

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ٢٤٩ / ٦٩٦ باب غزوة خيبر ، سنن أبي داود / السجستاني ، كتاب الخراج والإمارة : ٤٦٣ / ٢٩٨٠ ، دار ابن حزم ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٩ه مجلد واحد ، سنن ابن ماجه ، ٣٠ : ٤٠١ / ٢٨٨١ باب قسمة الخمس ، دار المعرفة ـ بيروت ، ط٢ / ١٤١٨ه ، تفسير الطبري ١٠ : ٩ ـ ١٠.

(٢) تفسير جامع البيان / الطبري ١٠ : ١٠.

(٣) تفسير ابن كثير ٤ : ٦٣ ، تفسير جامع البيان / الطبري ١٠ : ١٠ ، تفسير الكشاف / الزمخشري ٢ : ٢١١.

٥١

علّة تخصيص الخمس لأهل البيت عليهم‌السلام

ورد في الآثار والروايات ما يدلّ على أن اللّه تعالى جعل الخمس لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعويضاً عن الصدقات التي حرّمها عليهم ، فقد أخرج الطبري بسنده عن مجاهد قوله : كان آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تحلّ لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس. وعنه أيضاً : كان النبي وأهل بيته لا يأكلون الصدقة فجعل لهم خمس الخمس. وعنه أيضاً : قد علم اللّه أن في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة. (١)

وأخرج ثقة الإسلام الكليني بسنده إلى سليم بن قيس في حديث لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً ، أكرم اللّه رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس ». (٢)

إلى هنا تحصّل أن الخمس كلّه لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسهم اللّه تعالى وسهم النبيّ وسهم ذي القربى لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما الأسهم الثلاثة الباقية فهي لأيتام ومساكين وأبناء سبيل آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ماعليه الشيعة أخذوه عن أئمتهم عليهم‌السلام ، وهم أخذوه عن جدّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قسمة الخمس بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

يقول السيد شرف الدين : قد أجمع أهل القبلة كافة على أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يختصّ بسهمٍ من الخمس ، ويختص أقاربه بسهم آخر منه ، وأنه لم يعهد

__________________

(١) تفسير جامع البيان / الطبري ١٠ : ١٠.

(٢) الكافي ٨ : ٦٣ / ٢١.

٥٢

بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه اللّه إليه ، واختاره اللّه إلى الرفيق الأعلى.

فلما ولي أبو بكر رضي‌الله‌عنه تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنع ـ كما في الكشاف وغيره ـ بني هاشم من الخمس ، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.

وقد أرسلت فاطمة عليها‌السلام تسأله ميراثها من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة عليها‌السلام منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي عليهما‌السلام ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر. (١)

وهذه القضية من الحقائق المشهورة التي لا تحتاج إلى دليل ، ومع ذلك سنشير إلى بعض ما ورد فيها :

أخرج الطبري بسنده عن ابن عباس ، قوله : فلما قبض اللّه رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّ أبو بكر نصيب القرابة في المسلمين ، فجعل يحمل به في سبيل اللّه ، لأنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا نورث ، ما تركنا صدقة ». (٢)

أقول : لا أدري ما علاقة خمس ذي القربى بإرث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وهل أصبح إرث الميت يشمل ما يملكه أقاربه؟!

وقال الطبري : ثم اختلف الناس في هذين السهمين [سهم الرسول وسهم ذي القربى] بعد وفاة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال قائلون : سهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقرابة

__________________

(١) النصّ والاجتهاد / شرف الدين : ١٠١ المورد ٦ ، منشورات ـ قسم الدراسات الإسلامية ـ ط٢ / ١٤٠٨ هـ.

(٢) تفسير جامع البيان / الطبري ١٠ : ١١.

٥٣

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال قائلون : سهم القرابة لقرابة الخليفة ، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة في سبيل اللّه ، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر. (١)

وروى الزمخشري عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه أنه كان على ستة أسهم : للّه وللرسول سهمان ، وسهم لأقاربه حتى قبض ، فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة. وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء.

وروي أن أبا بكر منع بني هاشم الخمس وقال : إنما لكم أن يعطى فقيركم ، ويزوّج أيمكم ، ويخدم من لا خادم له منكم ، فأما الغني منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غنيّ ، لا يُعطى من الصدقة شيئاً ، ولا يتيم موسر. (٢)

وأخرج أبو داود عن جبير بن مطعم قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قَسْم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان النبي يعطيهم. (٣)

أقول : إذا لم يعطِ القربى كما كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطيهم ، فكيف يقول كان يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! أم يقصد بـ (نحو) أي قريب منه ، فهذا يعني أن مخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقدار ما جائزة عنده!

وعلى هذا النهج في توزيع الخمس سار الخليفة الثاني مقتفياً أثر أبي بكر ، وحاول أن يسترضي بني هاشم فيعيد إليهم بعض ما سُلِب منهم ، فأبوا إلاّ

__________________

(١) جامع البيان / الطبري ١٠ : ١٠.

(٢) الكشاف / الزمخشري ٢ : ٢١١.

(٣) سنن أبي داود : ٤٦٣ / ٢٩٧٨ ، كتاب الخراج والإمارة والفيء ـ باب بيان مواضع قسم الخمس.

٥٤

إرجاع كامل حقّهم.

وفي ذلك روي عن ابن عباس أن نجدة الحروري الخارجي أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى الذين ذكر اللّه ، فكتب إليه : إنّا كنّا نرى أنّا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا .. وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا ، فرددناه عليه وأبينا أن نقبله. وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم ، وأن يقضي عن غارمهم ، وأن يعطي فقيرهم ، وأبى أن يزيدهم على ذلك. (١)

وعلى هذا سار بقية القوم حتى أصبح منهجاً ثابتاً لا تطاله يدُ التغيير متسالمين سنّة الخليفتين حتى وصلت إلى أئمة الجمهور ، فأفتوا وفق ذلك مشرعين إسقاط حق آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الخمس.

موقف المذاهب الأربعة من الخمس :

لم يختلف موقف المذاهب الأربعة كثيراً عن موقف الخليفتين ، بل جاء في أغلبه مقلداً ومشرعاً له ، وإن أقرّ بعضهم بسهم ذي القربى إلاّ أنّه حرمهم من سهم اللّه تعالى وسهم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وجعل الأسهم الثلاثة الأخيرة في عموم المسلمين ، خلاف الثابت عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّها في آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة.

وإليك مجمل أقوالهم :

١ ـ قالت الشافعية والحنابلة : تقسّم الغنيمة ـ وهي الخمس ـ إلى خمسة أسهم : واحد منها سهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويُصرف على مصالح المسلمين ، وواحد يعطى لذوي القربى ـ وهم من انتسب إلى هاشم بالأُبوة من غير فرق بين

__________________

(١) سنن أبي داود ٤٦٣ / ٢٩٨٢ ، الدر المنثور / السيوطي ٣ : ٣٣٧.

٥٥

الأغنياء والفقراء ـ والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أم من غيرهم.

٢ ـ وقالت الحنفية : إن سهم الرسول سقط بموته ، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.

٣ ـ وقالت المالكية : يرجع أمر الخمس إلى الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة. (١)

ومن الواضح أنّ هذه الفتاوى مخالفة لصريح الآية وللثابت من سيرة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد صرّح بهذا بعض علمائهم في معرض تعليقهم على هذه الفتاوى ، بل إنّ منهم من لم يكتفِ باتهامهم بالمخالفة ، بل صرّح بخروج بعضهم عن الإيمان في فتواه هذه ، مستنكراً مخالفتهم الصريحة للكتاب والسنّة.

وفي ذلك يقول الرازي : واعلم أن ظاهر الآية مطابق لقول الشافعي رحمه‌الله وصريح فيه ، فلا يجوز العدول عنه إلاّ لدليل منفصل أقوى منها ، وكيف وقد قال في آخر الآية : « إن كنتم آمنتم باللّه » يعني : إن كنتم آمنتم باللّه فاحكموا بهذه القسمة ، وهو يدلّ على أنه متى لم يحصل الحكم بهذه القسمة ، لم يحصل الإيمان باللّه. (٢)

وهذا تعريض صريح بأبي حنيفة ومالك ، واتهامهما بعدم الإيمان لمخالفتهما باجتهادهما هذا صريح الآية والثابت من فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله ، حيث إنهم أسقطوا حق آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الخمس ، مقتفين أثر الخليفتين الأول والثاني.

__________________

(١) الفقه على المذاهب الخمسة / محمد جواد مغنية : ١٨٨ ، نشر مؤسسة الصادق ـ طهران ، ط٣ / ١٤١٦ هـ.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ٤٨٥.

٥٦

وقال الطبري : والصواب من القول عندنا أنّ سهم رسول اللّه مردود في الخمس ، .... لأن اللّه أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات ، كما أوجب الأربعة أخماس الآخرين ، وقد أجمعوا أن حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم ، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم ، فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم. (١)

أمّا ابن قدامة المقدسي فقد صرّح بمخالفة اجتهاد أبي بكر وعمر في الخمس لنصّ الكتاب. وفاقاً لما ذهب إليه أحمد بن حنبل. وإليك نصّ ما قاله : وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية ، فإن اللّه تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئاً ، وجعل لهما في الخمس حقاً ، كما سمى الثلاثة الأصناف الباقية ، فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب ، وأما حمل أبي بكر وعمر على سهم ذي القربى في سبيل اللّه ،فقد ذكر لأحمد فسكت ، وحرك رأسه ولم يذهب إليه ، ورأى أن قول ابن عبّاس ومن وافقه أولى لموافقته كتاب اللّه وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (٢)

إلى هنا اتضح كيف تمالأ القوم على إغماط حقّ آل محمد خلافاً لصريح الكتاب والسنّة ، وقد صرّح آل البيت عليهم‌السلام بهذا الظلم والمنع لحقوقهم بلوعةٍ وتحسّرٍ في كثير من الأخبار.

منها خطبة الإمام الحسن عليه‌السلام يوم بايع معاوية ، إذ قال عليه‌السلام : « إنّا لم نزل أهل البيت مخيفين ، مظلومين ، مضطهدين ، منذ قبض رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاللّه بيننا وبين من ظلمنا حقنا ، ونزل على رقابنا ، وحمل الناس على

__________________

(١) تفسير جامع البيان ١٠ : ١٢.

(٢) المغني / ابن قدامة المقدسي ٦ : ٢٨٤ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٤ هـ.

٥٧

أكتافنا ، ومنعنا سهمنا في كتاب اللّه في الفيء والغنائم ، ومنع أُمّنا فاطمة عليها‌السلام إرثها من أبيها ». (١)

ومحصّل الكلام فإن رأي الإمامية في الخمس ـ اعتماداً على صريح الآية وفعل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله ـ هو أنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوَّض أمرها إلى الإمام أو نائبه ، يضعها في مصالح المسلمين ، والأسهم الثلاثة الباقية تعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ولا يشاركهم فيها غيرهم. (٢)

__________________

(١) البرهان / السيد البحراني ٣ : ٤٥٧.

(٢) الفقه على المذاهب الخمسة / مغنية : ١٨٨.

٥٨

الفصل الثالث

حقوق أهل البيت المعنويّة

وفيه ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : حقّ المودّة لهم

لقد فرض اللّه تعالى على المسلمين مودة أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في محكم كتابه الكريم ، وجعلها أجراً لرسالته في قوله تعالى : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللّه غَفُورٌ شَكُورٌ ) (١) يدلّ على ذلك الآثار الواردة في تفسير الآية ؛ وأقوال جملة من المفسرين ، ومعطيات الآية ودلالاتها.

الآثار الواردة في تفسير الآية :

صرّحت جملة من الروايات الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت عليهم‌السلام والصحابة والتابعين بأنّ المراد من القربى في الآية هم أهل البيت عليهم‌السلام ومنها :

١ ـ أخرج أحمد بن حنبل وغيره عن ابن عباس ، قال : لما نزلت ( قُلْ لاَ

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٢٣.

٥٩

أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قالوا : يا رسول اللّه ، مَنْ قرابتنا هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : « علي وفاطمة وابناهما ». (١)

٢ ـ وأخرج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني بسنده إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد أعرض علي الإسلام ،فقال : « تشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله » ، قال : تسألني عليه أجراً ، قال : « لا ، إلاّ المودّة في القربى » قال : قرباي أو قرباك؟ قال : « قرباي » قال : هات أُبايعك ، فعلى من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنة اللّه ، قال صلى الله عليه وسلم : « آمين » (٢).

٣ ـ أخرج الطبري باسناده إلى سعيد بن جبير ، في قوله تعالى : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قال : « هي قربى رسول اللّه ».

وفي إسنادٍ آخر إلى عمرو بن شعيب ، قال : قربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

٤ ـ أخرج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني وغيره عن زاذان ، عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « وفينا (ال حم) إنه لا يحفظ مودّتنا إلاّ كل مؤمن » ثمّ

__________________

(١) فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل ٢ : ٦٦٩ / ١١٤١ ، المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٤٧ / ٢٦٤١ ، مجمع الزوائد / الهيثمي ٧ : ٣ و ٩ : ١٦٨ ، تفسير ابن أبي حاتم ٨ : ٣٢٧٧ / ١٨٤٧٧ ، تفسير ابن كثير ٧ : ٢٠١ ، الكشاف / الزمخشري ٤ : ٢٢٣ ، تفسير الرازي ٩ : ٥٩٥ ، الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٦ : ٢١ ـ ٢٢ ،الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٧٠١ ، الصواعق المحرقة / ابن حجر ٢ : ٤٨٧.

(٢) حلية الأولياء / أبو نعيم الأصفهاني ٣ : ٢٠١ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(٣) تفسير جامع البيان / الطبري ١٣ : ٣٤ ، الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٧٠١.

٦٠