حقوق أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم

حقوق أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-367-5
الصفحات: ١٤٨

والحسين. (١)

٦ ـ في حديث أنس بن مالك : إن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : « الصلاة يا أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ». (٢)

وأورده السيوطي في (الدر المنثور) قائلاً : وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن أنس ، وأورد حديثين آخرين أحدهما عن أبي سعيد الخدري والآخر عن ابن عباس بمثل حديث أنس. (٣)

دلالة الأحاديث :

بعد التأمل في الروايات التي ذكرناها يمكننا الخروج بالنتائج التالية :

أولاً : تنوع الأساليب وتكثّر الأحاديث بهذا الشكل المتعدّد في كيفيته

__________________

(١) مشكل الآثار / الطحاوي ١ : ٣٣٤ ، تاريخ دمشق / ابن عساكر ١٣ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ـ ترجمة الإمام الحسن عليه‌السلام ، الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ وأضاف إلى من في البيت جبرئيل وميكائيل عليهم‌السلام ، أخرجه عن ابن مردويه ، المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٥٢ ـ ٥٣ / ٢٦٦٢ ، تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ٩ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ترجمة سعد العوفي.

(٢) الجامع الصحيح / الترمذي ٥ : ٢٦٣ / ٣٢٠٦ ، المسند / أحمد بن حنبل ٤ : ٢٠٢ / ١٣٦٢٦ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٢ / ٤٧٤٨ ، شواهد التنزيل ٢ : ١٨ / ٦٣٧ ، المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٥٦ / ٢٦٧١ ، تفسير الطبري ١٢ : ٩ / ٢١٧٢٩.

(٣) الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

٢١

ومواقعه وأوقاته ، يعكس اهتمام الرسول البالغ وحرصه الشديد على تحديد المراد من أهل البيت بما لا يدع مجالاً للشكّ والالتباس ، لاعداد الأُمّة وتربيتها للتعامل مع هذه الثلّة الطاهرة تعاملاً خاصاً عَكَسَه سلوك الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معهم ليكون أسوة لهم فيقتدوا به.

ثانياً : أغلب ألفاظ الأحاديث صريحة في إرادة الحصر.

ثالثاً : الكيفية المتبعة لتشخيص المراد بأهل البيت كتغطيتهم بكساء ، والقول : « هؤلاء أهل بيتي » ، أو الوقوف على دارهم في كل صلاة والقول : « الصلاة يا أهل البيت » ، فإن هذه الكيفيات تؤكد بشكل واضح على حصر المراد من أهل البيت بهؤلاء حصراً عملياً ، وهو أبلغ بكثير من الحصر اللفظي ، ومما يؤكد هذا الحصر هو منعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوجاته من الدخول تحت الكساء مع طلبهن ذلك ، بل إن أم سلمة لم تكتفِ بالطلب فقط ، إنّما رفعت الكساء لتدخل فجذبه من يدها ـ كما مرّ في رواية أحمد بن حنبل ـ والجذب لغةً : أخذ الشيء بقوة ، وفيه إشارة بليغة إلى استحالة دخول غيرهم معهم ، وهو صريح في الحصر.

٢ ـ أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام

وهي تتضمّن تصريحهم عليهم‌السلام بأنّ آية التطهير نزلت فيهم ، ومنها :

١ ـ في حديث الإمام الحسن بن علي ، في خطبةٍ أيام خلافته ، قال : « يا أهل العراق ، اتقوا اللّه فينا ، فإنّا أُمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذي قال اللّه : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) » قال : فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلاّ وهو يحنّ

٢٢

بكاءً. (١)

٢ ـ ما رواه الخوارزمي فيما قاله الإمام الحسين عليه‌السلام لمروان بن الحكم حول بيعة يزيد لعنة اللّه عليه ، قال عليه‌السلام : « إليك عني فإنك رجسٌ ، وإني من أهل بيت الطهارة ، قد أنزل اللّه فينا : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) » فنكس رأسه ولم ينطق. (٢)

٣ ـ أخرج الطبري بسنده إلى أبي الديلم ، قال : قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام : « أما قرأت في الأحزاب : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )؟ » قال : ولأنتم هم؟ قال : « نعم ». (٣)

مع أدلة القول الثاني

ذكرنا أن أصحاب هذا القول يذهبون إلى أن المراد من أهل البيت هم أصحاب الكساء وأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد اعتمدوا على دليلين :

الدليل الأول : ما روي عن أم سلمة أنها قالت لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألست من أهل البيت؟ فقال : « بلى إن شاء اللّه ». (٤)

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم / ابن أبي حاتم ٩ : ٣١٣٢ / ١٧٧٦ ، المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٩٣ / ٢٧٦١ ، أسد الغابة / ابن الأثير ٢ : ٢٠ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، ط١ ـ ١٤١٧ه ، شواهد التنزيل ٢ : ٣١ / ٦٥٠ ، تفسير ابن كثير ٦ : ٤١٦.

(٢) مقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي : ٢٦٩ ـ نشر أنوار الهدى ، ط١ / ١٤١٨ هـ.

(٣) تفسير الطبري ١٢ : ١٢ / ٢١٧٣٧.

(٤) مناقب الخوارزمي : ٣٠٦ / ٣٥١ ، شواهد التنزيل / الحاكم الحسكاني ٢ : ٦٠ / ٧١٨ ، معالم التنزيل / البغوي ٤ : ٤٦٥.

٢٣

وهذا الدليل مردود بما يلي :

١ ـ هذه الرواية ضعيفة الاسناد ، ففي طريقها عبد الرحمن بن عبد اللّه بن دينار ، وقد ضعّفوه وطعنوا في حديثه. (١)

٢ ـ إنها مخالفة لما تواتر عن أُم سلمة مما هو صريح بعدم ادخالها في أهل البيت.

قال الآلوسي في تفسير آية التطهير : وأخبار إدخاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً وفاطمة وابنيهما عليهم‌السلام تحت الكساء ، وقوله عليه الصلاة والسلام : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي » ودعائه لهم ، وعدم إدخاله أُمّ سلمة أكثر من أن تُحصى ، وهي مخصصة لعموم أهل البيت بأيّ معنى كان ، فالمراد بهم من شملهم الكساء ، ولا يدخل فيهم أزواجه (٢).

وقال الطحاوي : إن المراد بما فيها هم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين دون ما سواهم ، يدلّ على مراد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله لأم سلمة فيما روي في هذه الآثار من قوله لها : «أنت من أهلي».

وقال في الصفحة اللاحقة : قد أحطنا علماً أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما دعا من أهله

__________________

(١) راجع : تهذيب التهذيب / ابن حجر ٦ : ١٨٧ / ٤٢٢ ، ميزان الاعتدال / الذهبي ٢ : ٥٧٢ / ٤٩٠١ ، الجرح والتعديل / ابن أبي حاتم ٥ : ٢٥٤ / ١٢٠٤ ، الضعفاء الكبير / العقيلي ٢ : ٣٣٩ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط٢ / ١٤١٨ هـ. وراجع تفصيل ذلك في هامش رسالة السحاب المطير في تفسير آية التطهير / القاضي نور اللّه التستري : ٤٣٨ ـ ٤٤١ من مجلة تراثنا ـ العدد (٣٨ ـ ٣٩) سنة ١٤١٥ هـ.

(٢) روح المعاني / الآلوسي البغدادي مج١٢ ، ٢٢ : ٢١ ، دارالفكر ـ بيروت / ١٤١٧ هـ.

٢٤

عند نزولها لم يبقَ من أهلها المرادين فيها أحد سواهم ، وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل معهم فيما أريد به سواهم. (١)

٣ ـ ممّا قدّمنا من الأحاديث النبوية المفسّرة لآية التطهير بالخمسة أهل الكساء ، يتضح أن طلب نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للدخول تحت الكساء يعكس أن المرتكز في أذهانهنّ هو عدم شمولهنّ بأهل البيت ، وإلاّ لما أصبح لطلبهنّ معنى، حتى أن أم سلمة (رضي اللّه عنها) قالت : «فوددت أنه قال نعم، فكان أحبّ إليّمماتطلع عليه الشمس وتغرب» (٢). ولاكتفين بأنهنّ المخاطبات بصريح الآية المباركة ، ولا حاجة إلى هذا الطلب والرجاء والتمني للفوز بالدخول تحت الكساء.

وفي هذه النقطة ردٌ بليغ على أصحاب الرأي الثاني القائلين بأن المراد من أهل البيت هم أصحاب الكساء وأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الدليل الثاني : وحدة السياق ، أي مجيء آية التطهير ضمن آيات تتحدّث عن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالآيات السابقة والتالية لآية التطهير تتعلّق بهنّ ، ووحدة السياق تقتضي أن تكون هذه الآية فيهنّ أيضاً.

وهذا الأمر مدفوع بوجوه :

الأول : سياق الآية له أمثلة كثيرة في القرآن الكريم حيث ينتقل من مطلب إلى آخرلحكمة يقتضيها المقام، وفيهذا المعنى روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام قوله : «إنّ الآية من القرآن ينزل أولها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء» (٣).

ويقول الطبرسي في هذا أيضاً : من عادة العظماء في كلامهم أنهم يذهبون من

__________________

(١) مشكل الآثار / الطحاوي ١ : ٣٣٦.

(٢) مشكل الآثار / الطحاوي ١ : ٣٣٦، شواهد التنزيل / الحسكاني ٢ : ١٣٢ ـ ١٣٣ / ٧٦٤.

(٣) تفسير العياشي ١ : ١٧ / ١.

٢٥

خطاب إلى غيره ويعودون إليه ، والقرآن من ذلك مملوء ، وكذلك كلام العرب وأشعارهم (١).

ومن أمثلة ما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى : ( إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) (٢) فنلاحظ أن الخطاب ابتدأ أولاً بالنساء ، ثم انتقل إلى يوسف عليه‌السلام ، ثمّ عاد إلى النساء ولم يختلّ السياق.

الوجه الثاني : تذكير الضمائر حيث كان الخطاب السابق والتالي بضمير (هنّ) المؤنث ، أما آية التطهير فكانت بضمير (هم) المذكر ، وهذا صريح بأن المراد من آية التطهير غير ما أريد بالسابق والتالي من الآيات.

الوجه الثالث : دلالة الآية على طهارة وعصمة المشار لهم ، وهذا الأمر لا يوجد فيهنّ ولم تدَّعيه واحدة منهنّ.

الوجه الرابع : نزلت هذه الآية مستقلّة عن آيات السورة المتعلّقة بالنساء ، وعند مراجعة الروايات التي نقلناها ستجد ذلك واضحاً أنها نزلت في بيت أم سلمة.

الوجه الخامس : عند متابعة السيرة الذاتية لكلّ منهنّ لا تجد واحدة منهنّ ادّعت نزول آية التطهير فيها ، وهي منقبة ليس فوقها منقبة ، ولا يمكن لشخص أن يتناساها أو يغفل عنها مع مسيس الحاجة لها ، خصوصاً لعائشة التي أقحمت نفسها في معترك السياسة ، وخرجت تبغي حرب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ومن جملة ما تقدّم تبيّن أن المراد من أهل البيت الذين نزلت فيهم آية

__________________

(١) مجمع البيان / الطبرسي ٨ : ١٥٨ ، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٥ هـ.

(٢) سورة يوسف : ١٢ / ٢٨ ـ ٢٩.

٢٦

التطهير ، هم الخمسة الذين لفّهم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكسائه ، وذكرهم بأسمائهم ، على ما صرّحت به الأحاديث الصحيحة التي قدّمناها ، دون غيرهم من أفراد الأمّة رجالاً ونساءً ، إلاّ ما نصّ الدليل الشرعي على دخوله في مصطلح أهل البيت ، وهم الأئمة التسعة المعصومون من ذرية الحسين عليهم‌السلام.

ومن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه سُئل عن معنى قول رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي » مَنْ العترة؟ فقال : « أنا والحسن والحسين ، والأئمة التسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللّه حوضه » (١).

وأحاديث كثيرة أُخرى حصرت أهل البيت بأصحاب الكساء والأئمة التسعة من ذريّة الحسين عليه‌السلام وذكرتهم بأسمائهم الشريفة. (٢)

ثالثاً : معنى الآل

الآل في اللغة : الأهل ، قال ابن منظور : آل الرجل : أهله ، وآل اللّه وآل رسوله : أولياؤه، أصلها أهل، ثمّ أُبدلت الهاء همزة، فصارت في التقدير : أأل، فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً، كما قالوا : آدم وآخر، وفي الفعل : آمن وآزر (٣).

__________________

(١) معاني الأخبار / الصدوق : ٩٠ / ٤.

(٢) راجع : إكمال الدين / الصدوق ١ : ٢٣٠ / ٦٢ ، مختصر إثبات الرجعة / الفضل بن شاذان : ٢٠٨ / ٦ ـ مطبوع في مجلة تراثنا ـ إصدار مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، العدد ١٥ ، السنة الرابعة ، فرائد السمطين / الحمويني ١ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الكافي / الكليني ١ : ٢١ / ٩ ، دار الأضواء ـ بيروت ، ١٤٠٥ هـ.

(٣) لسان العرب / ابن منظور ١١ : ٢٨ مادة (أهل).

٢٧

وجاء في القرآن الكريم استعمال كلا اللفظين في مراد واحد ، قال الشيخ الصدوق : الآل : الأهل ، قال اللّه تعالى في قصة لوط : ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ) (١) وقال : ( إِلاَّ آلَ لُوْطٍ نَّجّيْناهُمْ بِسَحَر ) (٢) فسمّى الآل أهلاً. (٣)

وقد ورد لفظ آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الكساء الذي أخرجه الحاكم النيسابوري بسنده إلى عبد اللّه بن جعفر : لما نظر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرحمة هابطة قال : ادعوا إليّ ، ادعوا إليّ ، فقالت صفية : من يا رسول اللّه؟ قال : أهل بيتي ، علياً وفاطمة والحسن والحسين. فجيء بهم ، فألقى عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كساءه ، ثمّ رفع يديه ، ثمّ قال : « اللهمّ هؤلاء آلي ، فصلّ على محمد وعلى آل محمد » وأنزل اللّه عزّوجلّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ). (٤)

وكذلك في حديث التصلية المروي في الصحاح والمسانيد والجوامع الحديثية عن جمع كبير من الصحابة ، وفيه : قلنا : يا رسول اللّه ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فإن اللّه قد علّمنا كيف نسلّم؟ قال : « قولوا : اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد » (٥).

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ٨١.

(٢) سورة القمر : ٥٤ / ٣٤.

(٣) إكمال الدين ١ : ٢٣١ ـ معنى العترة والآل والأهل.

(٤) المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري ٣ : ١٦٠ / ٤٧٠٩.

(٥) صحيح البخاري ٤ : ٦٠٤ ـ ٦٠٥ / ١٥٢٦ كتاب بدأ الخلق ـ دار القلم ـ بيروت ، ط١ / ١٩٨٧م.

٢٨

فالمراد بالآل الذين شملتهم الصلاة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم أهل بيته عليهم‌السلام ، وقد اتفقت كلمة أغلب اللغويين والمفسرين على ذلك.

قال ابن الأثير : قد اختلف مَنْ آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالأكثر على أنهم أهل بيته. (١)

وقال الرازي : أقول : آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شكّ أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل.

وأيضاً اختلف الناس في الآل ، فقيل : هم الأقارب ، وقيل : هم أُمّته ، فإن حملناه على القرابة فهم الآل ، وإن حملناه على الاُمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل ، فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل ، وأمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه (٢).

رابعاً : التعريف بذي القربى

جاءت لفظة ذي القربى في القرآن الكريم أكثر من مرّة ، وكان المراد منها في كل مرّة يختلف عن الآخر ، وتحديد مدلولها يرتبط بسياق الكلام والقرائن المحتفّة به وماهية المضاف له ، ممّا يعكس عمومية هذا المفهوم.

وقد ورد هذ اللفظ في القرآن وأُريد به قربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في آية المودة : ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٣).

__________________

(١) النهاية / ابن الأثير (مادة أهل).

(٢) تفسير الرازي ٩ : ٥٩٥ ـ تفسير الآية ٢٣ من سورة الشورى.

(٣) سورة الشورى : ٢١ / ٢٣.

٢٩

وقد يفهم أن المراد من قرابة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عموم أقربائه ، واللفظ ابتداءً يقبل ذلك لعمومه ، إلاّ أنّ المراد حقيقةً هم أصحاب الكساء عليهم‌السلام ليس إلاّ ، وقد جاءت السنّة المطهرة مصرحةً بأسمائهم ، ونقلها الفريقان ، وسنتعرض إلى ذكر هذه الأحاديث عندما نبحث آية المودة إن شاء اللّه تعالى ، حيث نجد الكثير من الروايات التي يسأل فيها الأصحاب عندما نزلت آية المودة : مَنْ قرابتك يا رسول اللّه الذين وجبت علينا مودتهم؟ فيقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علي وفاطمة وابناهما » وهو نصّ على أنّهم أهل البيت المتقدّم ذكرهم في حديث الكساء.

إلى هنا تحصّل أن العترة وأهل البيت والآل وغيرها مفاهيم قد يثبت لها عموم ، إلاّ أن السنّة وقرائن أُخرى قد خصّصتها في ثلّة خاصّة وهم (علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومون من ذريّة الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين) حتى أصبحت أعلاماً لهم ، ينتقل الذهن لهم عليهم‌السلام بمجرّد سماعها ، ولا يشترك معهم فيها غيرهم ، وإن كان اللفظ يتحمّل ذلك.

وعليه عندما نتعرّض إلى هذه المفاهيم أثناء البحث لا نتكفّل مؤونة تحديد المراد منها إلاّ بما يتعلّق بالشّبهات المثارة حول الآية ، فإننا نعالج الشبهة ونوضّح المراد من المفهوم بما يرتبط بتلك الآية.

وهناك مفاهيم أُخرى تشير إلى العترة الطاهرة كمفهوم أُولي الأمر ، والذرية ، والرحم ، والسبب ، والحبل ، وكلّها قد ورد فيها ما يثبت أن المراد منها هم العترة الطاهرة عليهم‌السلام.

* * *

٣٠

الفصل الثاني

حقوق أهل البيت المالية

وفيه مبحثان :

المبحث الأول : الأنفال

وهي أموال جعلها اللّه تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن ثم للإمام الحق من أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد وردت الأنفال مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الاْءَنْفَالِ قُلِ الاْءَنْفَالُ للّه وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ) (١).

المعنى اللغوي للأنفال :

الأنفال في الأصل مأخوذة من مادة (نَفَل) بمعنى الزيادة على الأصل ، وكل شيء كان زيادة على الأصل فهو نفل ونافلة ، ومنه يقال : نفلتك كذا إذا زدته ، ومنه قيل لولد الولد : نافلة ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ) (٢) لأنه زيادة على الأصل وهو الولد ، ومنه قيل لما زاد على فرائض الصلاة نافلة

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ١.

(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٧٢.

٣١

( وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ) (١) ، وهذا المعنى للنفل هو جماع معناه كما يقول ابن منظور (٢). لذا نجده يطلق على الموارد الطبيعية لأنها زيادة وهبة من اللّه تعالى على أصل ما يتملكه الإنسان بكدّه وسعيه ، وقد ورد ذلك صريحاً في كلام أهل البيت عليهم‌السلام ، ومنه : سئل الإمام الصادق عليه‌السلام عن الأنفال ، فقال عليه‌السلام : « بطون الأودية ، ورؤوس الجبال ، والآجام ، والمعادن ، ووو ... » (٣).

وكذلك تطلق على المال الذي ليس له مالك ، لأنه زيادة على أصل الماليّة ، مثل ميراث من لا وارث له ، وقد ورد أيضاً في كلمات أهل البيت عليهم‌السلام. وكذلك يطلق على الفيء ، وهو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أي لم يبذلوا في تحصيله أي جهد ، وهو على هذا زيادة ونافلة على الأصل في الغنيمة ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم و ..... » (٤) وعلى هذا رأي الطائفة دون خلاف.

ومن الجمهور من قال بهذا المعنى ، قال الآلوسي : والنفل ما كان قبل الظفر ، أو ما كان بغير قتال ، وهو (الفيء) (٥). وقال الراغب الأصفهاني : هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال ، وهو الفيء (٦). وقال أحمد البدوي الشنقيطي في نظم

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٧٩.

(٢) لسان العرب / ابن منظور ١١ : ٦٧٠ مادة (نفل).

(٣) و (٤) وسائل الشيعة / الحر العاملي / أبواب الأنفال ـ الباب الأول.

(٥) روح المعاني / الآلوسي تفسير آية الأنفال ٩ : ١٦٠ ، التفسير الوسيط / سيد طنطاوي ٦ : ٢٥ ، نشر دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع / ١٩٩٧م.

(٦) المفردات / الراغب الأصفهاني وهامشه ـ مادة (نفل).

٣٢

مغازي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وفيؤهم ، والفيء في الأنفال

ما لم يكن أخذهُ عن قتالِ (١)

ويطلق النفل على الغنيمة أيضاً باعتبار أنها زيادة ، وهذه الزيادة بلحاظ أنهم لم يخرجوا من أجل الغنيمة ، إنما خرجوا من أجل إعلاء كلمة اللّه تعالى في الأرض ، أو بلحاظ أنّها زيادة فضل من اللّه تعالى على المسلمين دون الأُمم السابقة ، لأن الأمم السابقة لم تكن تحلّ لهم الغنائم ، أو باعتبار أنها منحة وهبة من اللّه تعالى من غير وجوب. وعلى أي لحاظ فإن الغنيمة يطلق عليها نفل ، والأنفال الواردة في الآية موضع البحث المراد منها الغنيمة.

ومما تقدم اتّضح أن معنى الأنفال ـ وهو الزيادة على أصل الشيء ـ ثابت في كل مورد أُصطلح عليه نفلٌ ، والاختلاف إنما بالمصاديق وليس بالمفهوم.

المراد من الأنفال في الآية :

لتحديد المراد من الأنفال هنا وبناءً على ما تقدم من معنى الأنفال ، لابدّ من تحديد ظروف الآية وأجوائها التأريخية والتشريعية :

إن آية الأنفال على الاتفاق نزلت في معركة بدر الكبرى عندما اختلف المسلمون فيما ظفروا به من عدوهم اختلافاً غير محمود ، كما جاءت به المصادر الناقلة لأخبار المعركة ، وظاهر الآية صريح بذلك ، وممن نقل ذلك الطبري في تأريخه بسنده إلى أبي أمامة الباهلي ، قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه

__________________

(١) المفردات / الراغب الأصفهاني وهامشه ـ مادة (نفل).

٣٣

أخلاقنا ، فنزعه اللّه من أيدينا. (١)

وهذا الخلاف له اُصوله وأسبابه ، والتوفّر على أسبابه يفتح لنا الطريق لتشخيص الزيادة ، والتي أطلق عليها بالتالي نفلاً ، فإن الخلاف حول الغنائم له أسباب مرتبطة بحالة التفاوت الكبير بين واقع الحرب في العصر الجاهلي وبين واقعها في العصر الإسلامي ، ولكي نتوفر على حقيقة هذا التفاوت نحتاج إلى وقفة قصيرة عن طبيعة الحرب في العصر الجاهلي ، ضمن نقطتين :

الأولى : إن الدافع والمنطلق لهم في غزواتهم هو الظفر بالمال ، واتخاذ ذلك وسيلة للعيش ، وليس من أجل نشر عقيدة أو مبدأ أو فكر ، وهذا من المسلمات التأريخية التي لا تحتاج إلى توثيق.

الثانية : إن الثابت حسب المصادر التأريخية أنهم يطلقون على ما يظفرون به من العدو لفظة السلب والنهب والحَرَب ، ولكل منها معنى خاص ، فالسلب : هو ما يأخذه الرجل ممن قتله مما يكون عليه من لباس وسلاح ودابّة وغيرها ،والنهب : أخذ المال قهراً ، والحَرَب : هو سلب الناس أموالهم جميعها وكل ما يعيشون به ، ولم يعهد أنهم كانوا يسمون ذلك بالأنفال.

أما عن عائدية ذلك وملكيته ، فالتاريخ ينقل لنا أنه يكون لناهبه وسالبه وحاربه ، ويكون ملكاً صرفاً له لا يشاركه فيه أحد ، إلاّ ما تواطؤوا عليه من إعطاء ربع المظفور به للرئيس وسموه بالمرباع ، كما يحدّثنا التاريخ عن قضية عدي بن حاتم قبل أن يسلم حيث قال له رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنك لتأكل المرباع ، وهو لا يحلّ في دينك » (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٨ ، سيرة ابن هشام / ٢ : ٥٦٦.

(٢) لسان العرب / ابن منظور ـ ربع ـ ٨ : ٩٩ ، النهاية / ابن الأثير ـ ربع ـ ٢ : ١٨٨.

٣٤

وأما الحرب في واقعها الإسلامي فإنّ المسلم لا يحارب من أجل الظفر بالمال بل من أجل مبدأ وعقيدة ، ولا يستأثر بما يظفر به بل يتركه للقائد يتصرف به كيف يشاء ، ولا يسمون ما يظفرون به بالنهبة بل يسموه بالنفل والغنيمة ، بالاضافة إلى أن المعارك التي خاضها المسلمون كانت تتسم بالسعة والشدّة ، وقد أعدّ لها أطرافها العدّة ، وكانت العساكر تنظم على شكل مجاميع قد تقتضي طبيعة مهمة بعضها أن لا تشارك في القتال مباشرةً ، وهذه الحالة من القتال لم يعتادها العصر الجاهلي في معاركه التي كانت عبارة عن معارك مباغتة وسريعة يشارك الكل في القتال فيها من أجل الظفر أكثر ما يمكن بالمال.

وهذا التفاوت الشاسع بين النظرتين أثّر في بروز خلاف بين المسلمين في معركة بدر الكبرى ، وهي أول مواجهة عسكرية بين المسلمين والمشركين ، اختلفوا فيها حول ما ظفروا به من عدوهم بعد انتصارهم الساحق عليه حيث شاء الظافرون أن يستأثروا بالمال تحكيماً لتلك النظرة المتجذرة في النفوس والمتأصلة بالسلوك ، فاعترض عليهم من لم يشارك بالقتال مباشرة أو لم ينشغل بجمع الغنائم ، فحصل بينهم نزاع تصوره لنا رواية ابن هشام والطبري ، قالا : إن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع ، فاختلف المسلمون فيه ، فقال من جمعه : هو لنا ، وقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه : واللّه لولا نحن ما أصبتموه ، لنحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم ، وقال الذين كانوا يحرسون رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخافة أن يخالف إليه العدو : واللّه ما أنتم بأحق به منا ، لقد رأينا أن نقتل العدو إذ منحنا اللّه تعالى أكتافه ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ، ولكنّا خفنا على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرّة العدو ، فقمنا دونه ، فما أنتم بأحقّ به

٣٥

منّا. (١)

وعندما وصل الأمر الى هذا الحدّ تدخّل النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفضّه بطريقة تربوية تنسجم مع طبيعة المجتمع الإسلامي آنذاك الذي يعيش طور الإعداد التربوي والفكري ولم تكتمل فيه قوانين السماء بعد ، فهو ينتظر أوامرها في كل واقعة جديدة.

لقد ذكّرهم النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الإسلام لا يحارب إلاّ بإذن اللّه ورسوله من أجل إعلاء كلمة اللّه في الأرض وتطهيرها من الشرك والوثنية ، هذا هو الهدف الحقيقي من وراء المعارك التي يضطر لها الإسلام ، أمّا ما يتمّ الظفر به من أموال العدو فهو هبةٌ من اللّه تعالى وزيادة ونافلة على الأصل الذي خرجوا من أجله.

وفي إطلاق لفظة النفل ـ بمعنى الزيادة ـ على ما ظفر به المسلمون من عدوهم إشارة رائعة ودرس تربوي بليغ لمعالجة الخلفية الذهنية التي دخل بها المسلمون للمعركة ، والتي ادّت الى وقوع النزاع بينهم حول الأنفال. فكان الأجدر بالمؤمنين أن يتنازعوا ويتسابقوا في مجال التضحية من أجل الدين والتفاني في أداء المهمات الصعبة ، لا أن يتنافسوا من أجل المال.

جُمِعت تلك الأنفال بأمرٍ من المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنع أي شخص من التصرّف بها ، فنزعت نفوسهم إلى السؤال عن مصيرها ومن يتملكها؟ ومن له حقّ التصرف بها؟ وهو قوله تعالى : « ويسألونك عن الأنفال » فأمره المولى عزّوجلّ بأن يقول لهم بأن تلك الأنفال ملكاً للّه ولرسوله لا يشاركهما فيها أحد ،

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٥٦٦ ، تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٧.

٣٦

وهو قوله تعالى : ( قل الأنفال للّه والرسول ).

واستعمال القرآن للأنفال ، وإرادته الغنائم ، فيه إشارة بليغة ودلالة عميقة أراد منها تركيز معنى أنّ الغنائم في حقيقة أمرها زيادة على الأصل الذي من أجله يحارب المسلمون ، أو بلحاظ أنها زيادة لا مالك لها.

وأمرهم اللّه تعالى بالطاعة لهذا الأمر والتسليم له وجعله من معالم الدين ، حيث قال عزّوجلّ : « وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين » ومن هذا المقطع من الآية نستشعر حال المسلمين حيال الوضع الجديد للأنفال وحالة الممانعة العفوية التي أبدوها ، تلك الممانعة النابعة من فهمهم الخاص للغنائم ، ولولا ذلك لما لزم الأمر بالطاعة وجعله من معالم الدين.

وفي رواية عبادة بن الصامت إشارة لما تقدّم ذكره حيث قال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه اللّه من أيدينا ، فجعله الى رسوله ، فقسمه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المسلمين على السواء ، فكان في ذلك تقوى اللّه ، وطاعة رسوله ، وصلاح ذات البين. (١)

ثم تستمر الرواية فتقول : أقبل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قافلاً الى المدينة ، فاحتمل معه النفل الذي اُصيب من المشركين ، حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية ـ يقال له سَيَر ـ الى سرحة به ، فقّسم هنالك النفل الذي أفاء اللّه على المسلمين من المشركين على السواء. (٢)

وهكذا تذكر لنا كتب التاريخ أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسمها على الجميع بالتساوي حتى شملت من بقي بالمدينة ولم يصل أرض المعركة ، قسمها تفضلاً منه لا استحقاقاً

__________________

(١) و (٢) تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٧ ، ٤٥٨ ، سيرة ابن هشام ٢ : ٥٦٦.

٣٧

كما يقول إمامنا الصادق عليه‌السلام : « إن غنائم بدر كانت للنبي خاصّة فقسمها بينهم تفضلاً منه » (١).

فكان في سلب ملكية الأنفال من المسلمين درساً تربوياً وروحياً كبيراً ، أيسره أن يخوضوا معاركهم القادمة دون التفكير مطلقاً بالغنائم ، وأن ينحصر همهم وسعيهم في إعلاء الدين وتطهير الأرض من المشركين ، فيخلص عملهم لوجهه تعالى لا يشوبه شيء من مغريات الدنيا.

مصاديق الأنفال في حديث أهل البيت عليهم‌السلام

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكل أرض خربة ، وبطون الأودية ، فهو لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء » (٢).

وفي جوابه لسؤال أحد الأصحاب عن الأنفال ، قال عليه‌السلام : « بطون الأودية ، ورؤوس الجبال والآجام والمعادن ، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكل أرض ميتة قد جلا أهلها ، وقطايع الملوك » (٣).

قال الشيخ الطوسي : وروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما‌السلام : « أنّ الأنفال كلما أخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى عنها أهلها » ، ويسميه الفقهاء فيئاً ، وميراث من لا وارث له ، وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب ، والآجام وبطون الأودية والموات ، وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه.

__________________

(١) كنز العرفان ١ : ٢٥٤.

(٢) و (٣) وسائل الشيعة / الحر العاملي ، أبواب الأنفال الباب الأول ، منشورات المكتبة الإسلامية ـ طهران ، ط٦ / ١٤٠٣ هـ.

٣٨

وقالا : « هو للّه وللرسول وبعده للقائم مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالح نفسه ومن يلزمه مؤونته ليس لأحدٍ فيه شيء ». (١)

قول آخر في الأنفال :

لجمهور العامّة آراء عديدة في معنى الأنفال هنا اصطلاحاً لا لغةً ، وإن كان العموم على رأي أشار له السيد البروجردي حيث قال : قالت الفقهاء من العامة : هي عبارة عن الزيادات التي كان يعطيها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعض المجاهدين خاصّة (٢). وكذلك تجده في كلمات المفسّرين كالطبري والرازي والآلوسي وغيرهم ، إلاّ أنّ هذا الرأي لا يمكن قبوله لعدّة أمور منها :

١ ـ صريح الآية والرواية أن هناك خلافاً حول الأنفال حصل بين المقاتلين أنفسهم ، أما على هذا الرأي فلابد أن يكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد طرفيه حيث هو الجاعل لهذه الزيادات ، وصريح الآية والرواية يخالفه مضافاً لما يلزمه من محاذير لا تناسب مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢ ـ من جعل له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعلاً لا يحق لأحد معارضته ، ولو عورض لكان من المناسب أن يقول أنّه بأمرٍ من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أمر مهمٌ للغاية ، فلماذا لم يصلنا منه خبر يذكر؟

٣ ـ المتعارف أن القائد له حق جعل الجعول لمن قام بأمر يستحق ، ويطاع في ذلك دون اعتراض ، فلماذا اختلف الأمر هنا مع أن القائد كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

__________________

(١) التبيان / الطوسي ٥ : ٧٢ ، نشر مكتب الاعلام الإسلامى ـ ط١ / ١٤٠٩ هـ.

(٢) زبدة المقال في خمس الرسول والآل للسيد البروجردي : ١٤٣ ، المطبعة العلمية ـ قم.

٣٩

مضافاً إلى أن المعترضين يعلمون أنهم لن ينالوا مما جُعل شيئاً لعدم مشاركتهم فيما جعل له ، فلماذا لم يعترضوا على أصل الجعل ، وهو أولى بالاعتراض؟

الفيء

الفيء من مصاديق الأنفال التيوردذكرهافيالقرآن الكريم، وأكدّتها السنّة قولاً وعملاً، فغدامن ثوابت الشريعة بأنه من الأموال التيخصّ اللّه تعالى بها نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم‌السلام ، ونظراً لذلك أفردناه ببحث مستقل ، وكما يلي :

أولاً : في رحاب الآية الدالّة عليه :

الآية الدالّة على الفيء قوله تعالى من سورة الحشر : ( وَمَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلكِنَّ اللّه يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّه عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاْءَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (١).

الآية الأولى بينت أن الفيء للّه وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط ، أما الثانية فقسمته في مواضع اُخرى بالاضافة للمسمّين في الآية الأولى ، ومنه قد يتصور أن الآية الثانية تريد أن توضح حكم فيءٍ غير الفيء الذي ذكرته الآية الأولى ، وهذا وإن تبنّاه بعض علماء العامّة ، إلاّ أنه بعيد عن ظاهر الآية ، والصحيح هو أنّها مبيّنة

__________________

(١) سورة الحشر : ٥٩ / ٦ ـ ٧.

٤٠