السيدة سكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم

السيدة سكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام

المؤلف:

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٧

يوجب العتاب حتى من معصوم مثله والسبط المجتبى ( ع ) لا يعاتب أحداً على مجرد حب حليلته المرغوب فيه إلا أن يكون خارجاً عن الحدود الشرعية ولا يعقل مثله في الحسين ( ع ) .

وعلى فرض وقوع العتاب المزعوم ( فشهيد الدين ) أبر وأتقى من أن يجابه حجة الوقت والامام على الأمة أجمع بنظم البيتين.

ومما لا يلتئم مع حفاظه المر ووقاره المزري بشم الرواسي وعظمته المشتقة من النبوة مدح حليلته وابنته بشعر يعلم بطبع الحال انه ستسير به الركبان ثم يبث ذلك بين الناس فتلوكه الأشداق حتى يغني به المغنون في منتديات البطر ومجتمعات الفجور.

ولكن لم يكن بدعاً من مزاعمهم بعد أن طعنوا في ( ابي الضيم ) الحامل لأعبا الامامة بما هو أعظم وانكى فذكر ابن حجر العسقلاني ان الحسن ( ع ) لما عزم على الصلح شاور عبدالله بن جعفر الطيار فيه فلم ير منه خلافاً عليه وقال للحسين يا أخي اني رأيت رأياً واحب ان تتابعني عليه ثم قصه عليه فقال الحسين ( ع ) اعيذك بالله ان تكذب علياً في قبره وتصدق معاوية.

فقال الحسن ( ع ) :

والله ما أردت أمراً قط الا خالفتني الى غيره والله لقد هممت ان أقذفك في بيت فاطينه عليك حتى أقضي امري (١).

هكذا يتحدث ابن حجر ويغتر به الساذج من المتأخرين فيعد هذه المخالفة من الحسين من بواعث الشهامة والأباء وقد ذهب على المسكين ان الحسين المعصوم لا يجابه امام الوقت بتلك الشدة المزرية

__________________

١ ـ تهذيب ج ٢ ، ص ٢٩٩ بترجمة الحسن ( ع ) .

١٢١

وهو يعلم ان ما يفعله على وفق المصلحة الواقعية التي ارتضاها رب العالمين ونصت به الصحيفة المخصوصة به.

اليس هو القائل لجابر الأنصاري لما قال له :

الا تصالح كما صالح اخوك الحسن ؟

فقال الحسين :

ان أخي فعل بامر من الله ورسوله وأنا أفعل بأمر من الله ورسوله.

ألم يكن الأصلح للحسنين مداراة أخيه المجتبى والتسليم له ـ لو صدقت المزاعم والأوهام ـ ويكون كعبد الله بن جعفر لما أبدى له الامام نظرية الصلح فخضع لرأيه وسلم له أمن الجائز ان يكون عبدالله اعرف بحكم الوقت من السبط الشهيد ؟

ويحدث ابن شهراشوب في المناقب ج ٢ ص ١٤٣ طبع ايران ان الحسين ما تكلم بحضرة الحسن اعظاماً له ولا تكلم محمد بن الحنفية بحضرة الحسين اعظاماً له وفي مشكاة الأنوار للطبرسي ص ١٥٤ كان أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادق ( ع ) يقول ما مشى الحسين بين يدي الحسن قط ولابدره بمنطق قد اذا اجتمعا تعظيماً واجلاله له.

فهل يجوز العقل مع هذه الأداب الآلهية ان يخالف سيدالشهداء أخاه حجة الوقت ويخطأ رأيه مع علمه بانه لا يفعل الا وفق المصلحة الربوبية.

١٢٢
١٢٣

نظرة اجمالية

علمنا من شتى النواحي مستنبطين من مدونات التاريخ وجوامع الحديث ومما عرفناه من مواقف أئمة الهدى من الاصلاح والتهذيب وخضوع من دونهم من ذوي قراباتهم إلا افراداً اخرجهم النص الصريح ان السيدة سكينة لم تكن متروكة سدى ترتكب الشنع وتقتحم المخاريق وانما كانت بمرصد من أخيها زين العابدين وابنه الباقر والصادق وبعين رعايتهم لها وهب ان الخلافة الصورية والسلطة العامة كانت مبتزة منهم لكن لم تبتز منهم القدرة على نسائهم وعائلتهم كيف وكل من سوقة الناس يقدر على من تحت حيطته من أهل بيته فيكبحهم عما يحط بكرامته أو لا يراه من صالحهم لجهات أخرى.

فهل من المعقول ان الامام زين العابدين ( ع ) يدع اخته الكريمة عليه في حيث تنيخ فيه الضعة والصغار وهو القائل لأبي خالد الكابلي حين دخل عليه ورأى الباب مفتوحاً فتعجب من ذلك :

لا تعجب ان الخادمة خرجت من الدار ولا علم لها بفتح الباب ولا يجوز لبنات رسول الله ان يخرجن فيصفقن الباب (١).

__________________

١ ـ مدينة المعاجز ص ٣١٨ حديث ٨٦.

١٢٤

أمن المعقول أنه لا يجوز لهن رد الباب وليس فيه إلا الخروج الى مظنة رؤية الأجنبي لهن من وراء الأزر والأخمرة ويكون من الجائز لهن التبرج الى الاجانب والمحادثة معهم والخوض في مجاملاتهم خصوصاً ما تمنع منه الشريعة وهو سماع الغناء وعقد المجالس للمغنين.

ثم ما بال الامام الباقر ( ع ) يذر عمته السيدة بين تلكم المخازي وما بال الاباة الهاشميون يغضون الطرف عما هنالك من بواعث العيب والنقص فالى من يدخرون الاصلاح وهم يتركون عقائل بيتهم والى أي زمن يرجئونه ان أخروه عن ايام حياتهم في خفراتهم.

وهذه جبلة فطر الله عليها الأمم جمعاء فضلاً عمن قيضهم المولى سبحانه لهداية البشر وارشادهم الى ما هو الأصلح وقد كان في الأمة العربية من لا يرضخ لمنافيات الغيرة والشهامة وان بلغوا في القساوة كل مبلغ حتى كان من امرهم ان وأدوا البنات كيلا يلحقهم بسببهن العار وكانوا لا يزوجون المرأة من الرجل اذا شبب بها (١)

ولما شبب عبدالله بن مصعب المعروف بعائذ الكلب بامرأة من بني نصر بن دهمان وكان اسمها ( جمل ) عمد اليها اخوتها فقتلوها غيرة منهم (٢).

ولما بلغ الحجاج الثقفي ان محمد بن عبدالله النميري شبب باخته زينب اسمعه السباب المقذع ولم يتركه حتى كتب الى عبدالملك بن مروان بذلك (٣) ولما شبب وضاح بامرأة الوليد قتله (٤).

__________________

١ ـ شرح امالي القالي للبكري ج ٢ ، ص ٦٥٩.

٢ ـ المصدر.

٣ ـ شرح امالي القالي ج ٢ ص ٦٥٨.

٤ ـ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج ١ ص ٢٨٣.

١٢٥

وشبب الهذلي بابنة جندل بن معبد من بني الحساس فساء ذلك أباها فعدا عليه وقتله ثم احرقه (١)

وكان ابن رهيمة يشبب بزينب بنت عكرمة بن عبدالرحمن بن الحرث ابن هشام فاستعدى عليه اخوها هشام بن عبدالملك فأمر بضربه خمسمائة سوط وأباح دمه إن وجد يفعل مثل ذلك.

وغضب يزيد بن معاوية على عبدالرحمن بن حسان لما شبب باخته رملة بنت معاوية واستعدى عليه اباه معاوية بن أبي سفيان (٢).

واشترى ابن معبد ( سحيم ) الشاعر فلما شبب سحيم بابنته عميرة وشهرها عدا إبن معبد عليه فأحرقه بالنار (٣).

وفي هذه الشواهد مقنع للتعريف بما جبلت عليه نفوس العرب من الغيرة والشهامة فكيف بالهاشميين منهم الذين لم يرضخوا للدنايا وترفعوا عن كل ما يمس كرامتهم فتراهم ينكرون على من يتناول اعراض غيرهم فضلاً عن أعراضهم.

فهذا الحسن بن زيد بن الحسن المثنى بن الامام السبط الحسن بن اميرالمؤمنين ( ع ) بلغه يوم كان والياً على المدينة ان ابن المولى الشاعر يشبب بحرم المسلمين فأغلظ القول له وتهدده ولم يتركه حتى حلف بالايمان المغلظة انه لم يقصد امرأة بعينها وانما عنى في شعره قوسه وسماها ( ليلى ).

__________________

١ ـ شرح امالي القالي ج ٢ ص ٧٢١.

٢ ـ شرح امالي القالي للبكري ج ٢ ص ٧٢١.

٣ ـ شرح امالي القالي للبكري ج ٢ ص ٧٢١.

١٢٦

ولقد أنكر الرشيد على اسحاق الموصلي لما غناه بشعر عمر بن أبي ربيعة وفيه لفظ سكينة ولم يتعين انها ابنة الحسين ولأجل المشابهة في الاسم قال له :

لعن الله الفاسق ولعنك معه ويحك أتغنيني بأحاديث الفاسق في سكينة ألا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من راسك.

فهل والحالة هذه ترى الهاشميين الذين هم في المدينة يغضون الطرف عما تفعله خفرة من نسائهم من المخاريق والشنع واذا لم يسعهم ذلك معها فهلا يسعهم ان يوصدوا الأبواب دون من يريد الاجتماع معها من شعراء ومغنين مع انه لم يكن لهؤلاء انصار يخاف منهم سو العاقبة.

ثم هل يعذر إمام قيضه الله تعالى لتأديب البشر عامة وتحت سيطرته من لم يتأدب بآداب الشريعة الذي قيض لأحيائها وهو ومن جرى مجراه من ائمة الهدى يوصون شيعتهم بمنع المرأة عن الابتذال ومزاولة الرجال فيقولون : المرأة عي وعورة فتداواعيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت (١) وانها اذا خرجت من بيتها لعنها كل ملك في السماء حتى ترجع الى بيتها وان تعطرت وخرجت حتى يوجد ريحها فهي زانية وانها تلعن حتى ترجع الى بيتها وليس لها ان تجلس مع الرجال في الخلاء ولا ان تتعلم الكتابة ولا سورة يوسف لما فيها من الفتن وعليها ان تتعلم سورة النور لما فيها من التهديد والزجر ولا تنزل الغرف فيراها الأجانب وليس عليها اذان ولا

__________________

١ ـ الوسائل للحر العاملي ج ٣ ص ٣٠ باب ١٣٠ عن ابي عبدالله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٢٧

اقامة كيلا يسمع صوتها الرجال ولا جمعة وجماعة ولا عيادة مريض ولا تشييع جنازة ولا الاجهار بالتلبية ولا الهرولة بين الصفا والمروة ولا إستلام الحجر ولا تولي القضاء ولا الامارة ولا المشاورة في الأمور (١).

وفي وصية أمير المؤمنين ( ع ) للحسن :

وإن استعطت ان لا يعرفن غيرك فافعل.

أيصح على هذا الحال نسبة المسامحة الى امام الأمة ( ع ) باسدال الستر على السيدة وكبحها عن محادثة الرجال ام ينسب اليه المروق عن طاعته وعدم قدرته على التوصل الى ذلك بكل صورة.

كبرت كلمة تخرج من افواههم ، ان يقولوا إلا زوراً.

ويا فض فم القائل ان لهج بشيء من ذلك.

والذي يهون الخطب ان أحاديث أبا الفرج لا قيمة لها في حق السيدة الزكية بعد ان كان مصدرها الزبير بن بكار وابن أخيه مصعب والهيثم بن عدي وأضرابهم ممن هو شانيء لهذا البيت الطاهر أو مستأجر لسياسة الوقت وان تاريخ حياة السيدة سكينة مما نطق به أقوام أخذهم الحنق على حمله الوحي وسادات الأمة كما لوثوا ساحة غيرها من رجالات هذا البيت الرفيع وخفراته بعد أن أعوزتهم الوسائل الى الطعن في قدس الأئمة الطاهرين فطفقوا يحطون من كرامة ابنائهم وذوي قراباتهم من أمثال هذه النواحي وهم لا يعلمون

__________________

١ ـ الوسائل للحر العاملي ج ٣ ص ٢٧ باب ١١٧ جملة مما يحرم على النساء وما يكره.

١٢٨

ان المستقبل الكشاف سيوقف أرباب البحث على نواياهم السيئة ودحر ما افتعلوه فان للحق أنصاراً ولا بد للباغي من مصرع.

وقد عرفت فيما تقدم ان سكينة التي تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة في محفل الغناء هي ابنة خالد بن مصعب بن الزبير ومنه تعرف كيف زحزح آل الزبير هذه الشناعة عن ابنتهم وألصقوها بمن شابهتها في الاسم فراجت هذه الأكذوبة حتى على من زعم انه محص الحقائق وأخذت به الثقافة الى حد بعيد وفي الحقيقة لا يعرف من اين تؤكل الكتف.

ولعل هذا البيان الضافي لم يدع القارىء مندوحة عن الأذعان بان المصونة الطاهرة هي تلك البريئة من كل شين وعار والرضية المخفورة تحت خباء النبوة وبين سرادق الامامة يكتنفا الشرف ويحف بها الصون من جميع نواحيها ولم تبرح ترفل في مطارف من الحصافة قشيبة ولها أشواطها البعيدة في مستوى الآداب الأحمدية تزينها العفة والحياء وتجللها الرزانة والوقار ويزدان بذكرها المدح والثناء وإن كان لأرباب الأهواء والمطامع حول حياتها جلبة وتركاض فدعهم يخوضوا ويلعبوا ويلههم الأمل الخائب والأمنية والمخفقة والظن المكدي.

وان كلمة الحسين في حقها :

( أما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى ). نتشوف منها منزلة كبرى في اليقين والتجرد عن هذه العوارض الدنيوية الفانية.

ان هذه الجلبة بسرد هاتيك القصص الخرافية كما غرت أبا الفرج اغتر بها من جاء بعده من المؤرخين فنشروا فضائح في حق

١٢٩

السيدة البريئة سودوا بها صفحة التاريخ حسباناً منهم ان صاحب الأغاني ومن تقدمه لا يرسل ما لا تعويل عليه وعرفت بما أوضحناه ان هؤلاء كحاطب ليل لم يريدوا الا جمع اضغاث من هنا وهنا فألبسوها أطماراً من الظنون والأهوام.

١٣٠
١٣١

الرباب

التاريخ دراسات لما يعبر في الزمن من خير وشر ودليل لمعرفة سير البشر في المعارف والصناعات والسياسيات والعادات والمؤهلات للرقي الانحطاط ومرآة صافية يتشوف منها الأعمال الصالحة والتعاليم النافعة وسير الأبطال الى اهدافهم المرموقة وما يؤثر عن العظماء من مزايا وآثار تكون قدوة في اقتصاص أثرهم والسير على هداهم ومن المؤسف جدا أهمال المؤرخين ورواة الحوادث واجبهم فنشروا فضائح وستروا فضائل طاعة للأمراء الذين استعبدوهم بالمال أو خضوعا للنزعات والأحقاد فجنوا على الحقايق الراهنة واضاعوا الأمانة المودعة عندهم فزويت معارف الرجال واعمالهم الصالحة واختلط الصحيح بالسقيم وديف السم بالعسل وان كلمة ( مقاتل ) للمنصور الدوانيقي ( اتحب ان اضع تك في فضل العباس ) (١) تفيدنا فقهاً بتأثير الأطماع في النفوس وسحق العقائد وان اوجب غضب الرب سبحانه وتعالى خصوصاً اذا كان الوضع على لسان صاحب الشريعة وقد نبه على وخامة عاقبته فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستكثر القالة من بعدي فمن كذب علي

__________________

١ ـ تاريخ بغداد ج ١٣ ص ١٦٧.

١٣٢

فليتبوأ مقعده من النار (١) قال السبكي المؤرخون على جرف هار لتسليطهم على أعراض الناس ونقلهم مجرد ما يبلغهم من صادق أو كاذب (٢) وربما وضعوا من اناس ورفعوا اخرين أما لتعصب أو جهل أو اعتمادا على نقل من لا يوثق به والجهل في المؤرخين اكثر منه في اهل الجرح والتعديل وقل ما أرى مؤرخاً خالياً عن التعصب (٣) ولقد كان عيسى بن داب يضع للعباسيين وعوانة بن الحكم يضع لبني امية (٤) ومعاوية يستعبد سمرة بن جندب وابا هريرة وانس وزيد بن ارقم وعروة ابن الزبير (٥) لأهدافه وغاياته فأكثروا من فضائل السلف والطعن في اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب وولده وشوهوا احكام الشريعة وتجرؤا على قدس الرسالة فنسبوا اليه السهو مرة (٦) والخطأ اخرى (٧) وان السحر أثر فيه حتى خيل اليه انه يفعل الشيء ولم يفعله واستمر الحال الى سنة (٨).

__________________

١ ـ الاحتجاج للطبرسي ص ٢٤٧ طبع النجف في احتجاج الجواد على يحيى بن اكثم.

٢ ـ معيد النعم ص ٧٤ باب ٤٦.

٣ ـ طبقات الشافية الكبرى ج ١ ص ١٩٧ ترجمة احمد بن صالح المصري.

٤ ـ معجم الادباء ج ١٦ ص ١٦٢ ترجمة عيسى بن داب.

٥ ـ شرح النهج لابن ابي الحديد ج ١ ص ٣٦٣.

٦ ـ صحيح البخاري في باب ما جاء في سجود السهو وفي فتح الباري ج ٣ ص ٦٠ ذكر حديث ذي اليدين في السهو النبي وذكره القاضي عياض في الشفا باب عصمة اقواله.

٧ ـ شرح الشفا للخفاجي ج ٤ ص ٢٥٦ وعمدة القارى شرح البخاري ج ١ ص ٥٧٧ باب كتابة العلم وجلاء العينين للالوسي ص ٢٦٨.

٨ ـ المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٨ ص ١٥٠ والبخاري كتاب الطب وارشاد الساري شرح البخاري ج ٨ ص ٤٠٣ والزواجر لابن حجر ، ج ٢ ص ٨٢.

١٣٣

اذا فمن اين تبصر الأجيال المستقبلة الحوادث الصحيحة لتسير على ضوء هدى العظماء الذين لا يخضعون للدينه ويبذلون في تحصيل السعادة كل غال ورخيص.

ومن هنا اظلم الطريق ولم يهتد الباحث الى الصحيح في نسب ( الرباب ) زوجة الحسين ( ع ) والقصة التي يحكيها ابو الفرج الأصفهاني في مقال الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسين عن مجاهد عن محمد بن السائب الكلبي لا تأخذ بنا الى جهة نيرة فان القاريء لا يشك في تسطيرها على غير الواقع لغاية الحط من مقام اميرالمؤمنين الذي يقول كنت اتبع رسول الله اتباع الفصيل اثرامه يرفع لي كل يوم علما من اخلاقه ويأمرني بالاقتداء به أرى نور الوحي واشم ريح النبوة. (١)

فان الأخلاق المحمدية التي تحلى بها صاحـب الخلافة الكبرى تتنافى مع الأسطورة التي يقصها مجاهد وابن الكلبي مع ان علمــاء الرجال تكلموا في مجــاهد ولم يقبل جملة منهم مرويــاته ومحمد بن هشام بن السائب الكلبي مجهول الحال عند علماء الشيعة ولم يعتمد عليه علماء السنة (٢) فما يتحدثان عنه في قصة زواج الحسين منها يرمي به عرض الجدار ولم يخف افتعالها على من يقرأها بروية.

ونصها المسطور في مقاتل الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسين ( ع ) ان رجلاً دخل المسجد ايام خلافة عمر بن الخطاب فحياه بتحية الاسلام وسأله عمر عن اسمه فقال انا نصراني انا امرء القيس بن عدي الكلبي ، وغرض عليه عمر الاسلام فاسلم وعقد له على من

__________________

١ ـ نهج البلاغة ج ١ ص ٤١٧ من خطبته الفاصعة.

٢ ـ راجع عنهما تهذيب التهذيب لابن حجر ، ج ١٠ ص ٤٢ ، وج ٩ ص ١٧٨.

١٣٤

أسلم بالشام من قضاعة ولما حمل اللواء وادبر تبعه اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ومعه ابناه حسن وحسين فقال له انا ابن عم رسول الله وصهره وهذان ابناي وقد رغبنا في صهرك فانكحنا فقال انكحتك يا علي ابنتي المحياة وانكحت الحسن اختها سلمى وانكحت الحسين اختها الرباب.

وهذه القصة لا مساس لها بالواقع فان الامعان في شخصية أميرالمؤمنين المتحلية بالخلاق الشريعة والعادات المألوفة يفيدنا الجزم بمنافات اسراعه في المصاهرة من هذا النصراني الذي هو جديد عهد بالاسلام والمسلمين وكل احد اذا راجع وجدانه يجد منه الانكار على من يرتكب مثل هذا الذي لا يتفق مع الآداب العرفية حتى لو كان سوقة فضلا عمن هو مؤهل للزعامة الكبرى وفرضه المولى سبحانه وتعالى خليفة على البشر عامة بعد النبوة وحاشا مثل اميرالمؤمنين ان يكون مقهوراً لحكم الشهوة وتحفزه الغريزة الجنسية إلى ما تتنفر منه العامة والخاصة.

ومما يبعد القصة اهمالها اختيار رأي البنات في الرضا والعدم كما انها لم تعين المهر مع ان الشريعة المقدسة قررت اختيار الزوجة في الرضا بالزوج ومعرفة الزوجة بالمهر لازم والالتزام بفضولية العقد ووقوفه على الاجازة وان لها مهر امثالها لو لم يسم الصداق انما يتم مع فرض التنازل الى التسليم بمسارعة أميرالمؤمنين وخوف فوات هذا ( الكنز ) منه لو لم يبادر الى مذاكرة الرجل في بناته.

على أنا معشر الامامية نلتزم بان الله تعالى مكن الامام الحجة المؤهل للرياسة العامة من العلم الواسع لقطع شبه المعاندين أو لتركيز عقايد المتبعين للحق وعليه فامير المؤمنين على يقين من ان بنات هذا الرجل لا يغلبه عليهن احد لو انتظر الفرصة المناسبة.

١٣٥

لكن الأحقاد ابت الا ان تشوه مقام ولي الله وتسجل على سيد الأوصياء ( ع ) ما تتقزز منه النفوس لعل ان يوجد في الأجيال من يتقبل هذه الأكذوبة فينحاز عنه وقد أصاب وأضعها الغرض فقد آمن بها من لا خبرة له بمكانة ( باب مدينة علم الرسول ) المتحلي باخلاقه الكريمة.

وهناك شيء اخر وهو بقاء الرباب حائلاً عند الحسين أكثر من عشرين سنة فان التزويج منها كان في خلافة عمر بن الخطاب ولا أقل من التقدير بآخر ايامه فانه قتل ٢٥ سنة وولادة سكينة على أقل التقدير في سنة ٤٧ فتكون يوم الطف ابنة ١٣ سنة والعادة بتعد بقاءها حائلاً هذه المدة الطويلة واذا كان الزواج في اوائل خلافته تكون المسافة ابعد.

وعلى هذا فلا حجة واضحة تأخذ بنا الى الايمان بهذه الاسطورة مع ان ابن كثير في البداية ج ٨ ص ٢١٧ يسمى أباها ( انيف ) ولم ينسبه الى احد ولم يذكر هذه الأسطورة.

وعلى كل حال فالرباب من خيرات النساء وأفضلهن جاء بها الحسين مع حرمه الى الطف وحملت معهن الى الكوفة والشام ورجعت مع الحرم الى المدينة فأقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله بسنة كمداً (١).

وليس بصحيح ما قيل انها أقامت على قبر الحسين سنة (٢) تنوح الليل والنهار وذلك بعد الرجوع من الشام ومرورهم بكربلاء

__________________

١ ـ كامل ابن الاثير ج ٤ ص ٣٦.

٢ ـ ابن الاثير.

١٣٦

فان العقيلة زينب الكبرى هي المتكفلة بحياطة الحرم وحفظهم وكلأتهم فلا تستطيع أن تفارقها بتلك البيداء المقفرة من دون عاطف ولا متحنن وهي امرأة عزلاء لا حامي لها ولا كفيل.

وكيف كان ففي تلك السنة التي عاشت فيها خطبها الاشراف فأبت وقالت ما كنت لاتخذ حماً بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وحق لها إذا أمتنعت من التزويج فانها لا ترى أي احد يوازي سيد شباب أهل الجنة لتحضى به أو أن هناك من يباري من هو من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسى ( ع ) لتفوز بمصاهرته :

من يباريهم وفي الشمس معنى

مجهد متعـب لمن بـاراها

قـادة علـمهم ورأى حجـاهم

مسمعا كـل حكمية منظراها

ورثوا مـن محمد سبـق أولا

ها وحازوا مالم تحز اخراها

وهم الأعين الصحيحات تهدي

كـل عـين مكفوفة عيناها

كـم لهم ألسـن عن الله تنبي

هي أقـلام حكمـة قد براها

لـم يكونوا للعـرش إلا كنوزا

خافيات سبحان من أبداها (٢)

على أن الرواية جــاءت عن امـامة بنت زينب ربيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكـانت في عداد أزواج أميرالمؤمنين عنه ( ع ) ان ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصي ( ع ) لا يتزوجن بعده فلم تتزوج امرأة ولا أم ولد بعد أميرالمؤمنين عملاً بهذا الحديث (٣).

____________

١ ـ تذكرة الخواص ص ١٥٠ وابن الاثير ج ٤ ، ص ٣٦ والاغاني ج ١٤ ، ص ١٥٨.

٢ ـ من الفية ملا كاظم الازري.

٣ ـ المجلسي في البحار ٩ ، ص ٦٢١ عن قوت القلوب.

١٣٧

والرباب هذه هي التي طلبت رأس الحسين من ابن زياد فلما رأته اخذته ووضعته في حجرها وقبلته وقالت (١) :

واحسينا فلا نسيت حسيناً

أفصـدته أسنـة الأعداء

غادروه بـكربلاء صريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء

وهذان البيتان وراهما ياقوت في معجم البلدان ج ٧ ـ ٢٢٩ لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل في رثاء الحسين وادعى انها زوجته وكان عجز البيت الثاني في روايته :

( لا سقى الغيث بعده كربلاء )

ولانفراده بهذا عما عليه أهل النسب والتراجم والسيرة من عدم عدها في ازواج السبط الشهيد لا يؤبه به.

وكان من رثاء الرباب لسيد الشهداء ( ع ) :

ان الذي كان نوراً يستضاء به

بكربـلاء قتيـل غير مدفون

سبط النبي جزاك الله صالـحة

عنا وجنبت خسران الموازين

قد كنت لي جبلاً صعباً ألوذ به

وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن

يغني ويأوي اليـه كل مسكين

والله لا أبتغي صهراً بصهركم

حتى اغيب بين الرمل والطين

ولما رجعت من الشام أقامت المأتم على الحسين وبكت النساء معها حتى جفت دموعهن :

__________________

١ ـ تذكرة الخواص ص ١٤٧ ، وتاريخ القرماني ص ٤.

١٣٨

تنعى ليوث البـأس مـن فتيانها

وغيوثها إن عمت البأساء

تبكيهم بدم فقـل بالمهجة الحرى

تسيـل العبـرة الحمـراء

ناحت فلما غضضت من صوتها

بزفيرها أنفاسهـا الصعداء

حنت ولكـن الحنين بكـى وقد

ناحت ولكن نوحهـا ايماء

ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت ان يصنع السويق وقالت انما نريد أن نقوى على البكاء (١).

ويقول ابن كثير توفيت الرباب بنت أنيف امرأة الحسين بن علي ( ع ) في سنة ٦٢ وكانت حاظرة اهل العراق اذ هم يعدون في السبت او الجمعة على زوجها الحسين بن علي ابن بنت رسول الله (٢).

ولدت الرباب من الحسين ( ع ) سكينة وعبدالله فاما عبدالله فقتل رضيعاً في حجر أبيه يوم الطف وذلك لما قتل أهل بيته وصحبه وبقي وحده استسلم للقضاء الآلهي بذبحه مظلوماً ممنوعاً من الورود.

وجاء الى عياله يودعهم ويأمرهم بلبس الأزر والصبر على ما يحل بهم من البلاء وعرفهم بأن الله تعالى يجعل عاقبة أمرهم الى خير ويعذب عدوهم بأنواع العذاب.

ثم دعا بولده الرضيع يودعه فأتته زينب بابنه عبدالله فاجلسه في حجره يودعه ويقبله (٣) ويقول :

بعداً لهؤلاء القوم اذا كان جدك المصطفى خصمهم (٤).

__________________

١ ـ البحار للمجلسي ج ١٠ ، ص ٢٣٥ عن الكافي.

٢ ـ البدايةج ٨ ص ٢١٧.

٣ ـ اللهوف ص ٦٥.

٤ ـ البحار ج ١٠ ، ص ١٠٣.

١٣٩

ثم أتي به نحو القوم يطلب له الماء فرماه حرملة بسهم وذبحه فتلقى الحسين الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم يسقط منه قطرة (١).

وقال هون ما نزل بي أن بعين الله (٢) اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل آلهي ان كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين (٣) واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل (٤) اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) وسمع ( ع ) قائلاً يقول : دعه يا حسين فان له مرضعاً في الجنة (٦).

ثم نزل عن فرسه وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه (٧).

ويقال انه وضعه مع قتلى أهل بيته (٨)

وأما سكينة فقد ذكر المؤرخون انه لقب لها من امها الرباب (٩)

__________________

١ ـ حديث الامام الباقر ( ع ) وزيارة الناحية التي يقول فيها حجة آل محمد ( ع ) : السلام على عبدالله الرضيع المرمي الصريع المصعد بدمه الى السماء المذبوح في حجر أبيه لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه.

٢ ـ ابن شهراشوب ج ٢ ـ ص ٢٢٢.

٣ ـ ابن نما ص ٣٦.

٤ ـ نظلم الزهراء ص ١٢٢.

٥ ـ المنتخب.

٦ ـ تذكرة الخواص ص ١٤٤ والقمقام لميرزا فرهاد ص ٣٨٥.

٧ ـ احتجاج الطبرسي ص ١٦٣ طـ النجف.

٨ ـ ارشد المفيد وابن نما ص ٣٧.

٩ ـ ابن خلكان في الوفيات بترجمها وشذرات الذهب ج ١ ، ص ١٥٤ ، ونور الأبصار ص ١٥٧.

١٤٠