مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

الخامس : في الأضحية.

______________________________________________________

واستدل عليه في المنتهى بأنها خرجت عن ملك المضحي بالذبح ، واستحقها المساكين (١). وهو إنما يتم في الواجب دون المتبرع به ، والأصح اختصاص المنع بالأضحية الواجبة ، ولعل ذلك مراد الأصحاب.

قوله : ( الخامس ، في الأضحية ).

الأضحيّة ـ بضم الهمزة وكسرها وتشديد الباء المفتوحة فيهما ـ : ما يضحى بها ، سميت بذلك لذبحها في الضحية أو الضحى غالبا ، والأضحية مستحبة عند علمائنا وأكثر العامة (٢) استحبابا مؤكدا ، والأصل فيه قوله تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٣) ذكر المفسرون أن المراد بالنحر نحر الأضحية بعد صلاة العيد (٤).

والأخبار الواردة بذلك من طريق الأصحاب مستفيضة ، منها ما رواه ابن بابويه عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنها جاءت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية ، فاستقرض وأضحي؟ قال : « فاستقرضي ، فإنه دين مقضي » (٥).

وروى أيضا عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه كان يضحي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل سنة بكبش ، فيذبحه ويقول : « بسم الله ، ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، اللهم منك ولك » ثم يقول : « اللهم هذا عن نبيك » ثم يذبحه ، ويذبح كبشا آخر عن نفسه (٦). وفيه إشعار باستحباب الأضحية عن الغير وإن كان ميتا.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٥٩.

(٢) كالشافعي في الأم ٢ : ٢٢١ ، وابن راشد في بداية المجتهد ١ : ٤٢٩.

(٣) الكوثر : ٢.

(٤) منهم الشيخ في التبيان ١٠ : ٤١٨ ، والطبرسي في مجمع البيان ٥ : ٥٤٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٩٢ ـ ١٤٤٧ ، الوسائل ١٠ : ١٧٧ أبواب الذبح ب ٦٤ ح ١.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٩٣ ـ ١٤٤٨ ، الوسائل ١٠ : ١٧٤ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٧.

٨١

ووقتها بمنى أربعة أيام ، أولها يوم النحر. وفي الأمصار ثلاثة.

______________________________________________________

ونقل عن ابن الجنيد أنه قال بوجوب الأضحية (١). وربما كان مستنده ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن سويد القلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير وهي سنة » (٢).

وعن العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إن رجلا سأله عن الأضحى؟ فقال : « هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد » فقال له السائل : فما ترى في العيال؟ قال : « إن شئت فعلت ، وإن شئت لم تفعل ، وأما أنت فلا تدعه » (٣).

ويجاب بمنع كون المراد بالوجوب المعنى المتعارف عند الفقهاء كما بيناه غير مرة ، وقوله عليه‌السلام : « فأما أنت فلا تدعه » معارض بقوله عليه‌السلام في رواية ابن مسلم : « وهي سنة » فإن المتبادر من السنة المستحب. وبالجملة فلا يمكن الخروج عن مقتضى الأصل والإجماع المنقول على انتفاء الوجوب بمثل هاتين الروايتين ، مع إمكان حملهما على ما تحصل به الموافقة.

قوله : ( ووقتها بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر ، وفي الأمصار ثلاثة ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حكاه في المنتهى (٤) ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : « أربعة‌

__________________

(١) كما في المختلف : ٣٠٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٩٢ ـ ١٤٤٥ ، الوسائل ١٠ : ١٧٣ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٩٢ ـ ١٤٤٦ ، الوسائل ١٠ : ١٧٣ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٥.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٥٥.

٨٢

______________________________________________________

أيام » وسألته عن الأضحى في غير منى فقال : « ثلاثة » فقلت : فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين ، أله أن يضحي في اليوم [ الثالث ] (١)؟ قال : « نعم » (٢).

وفي الموثق عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الأضحى بمنى؟ فقال : « أربعة أيام » وعن الأضحى في سائر البلدان؟ فقال : « ثلاثة أيام » (٣).

وقد ورد في بعض الروايات ما يخالف بظاهره ذلك ، كحسنة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال : « الأضحى يومان بعد يوم النحر ، ويوم واحد بالأمصار » (٤).

ورواية كليب الأسدي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النحر؟ فقال ، قال : « أما بمنى فثلاثة أيام ، وأما في البلدان فيوم واحد » (٥).

وأجاب عنهما الشيخ في التهذيب بالحمل على أن المراد أن أيام النحر التي لا يجوز فيها الصوم بمنى ثلاثة أيام ، وفي سائر البلدان يوم واحد (٦). ثم استدل على ذلك بما رواه عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٢ ـ ٦٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٤ ـ ٩٣٠ ، الوسائل ١٠ : ٩٣ أبواب الذبح ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٣ ـ ٦٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٤ ـ ٩٣١ ، الوسائل ١٠ : ٩٥ أبواب الذبح ب ٦ ح ٢. ورواها في الفقيه ٢ : ٢٩١ ـ ١٤٣٩.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٠٣ ـ ٦٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٤ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ١٠ : ٩٦ أبواب الذبح ب ٦ ح ٧.

(٥) الكافي ٤ : ٤٨٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٩١ ـ ١٤٤٠ ، التهذيب ٥ : ٢٠٣ ـ ٦٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٤ ـ ٩٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٩٦ أبواب الذبح ب ٦ ح ٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٣.

٨٣

ولا بأس بادخار لحمها.

______________________________________________________

عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « النحر بمنى ثلاثة أيام ، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام ، والنحر بالأمصار يوم ، فمن أراد الصوم صام من الغد » (١).

ومقتضى هذا الحمل عدم تحريم الصوم يوم الثالث من أيام التشريق ، وهو مشكل ، لأنه مخالف لما أجمع عليه الأصحاب ودلت عليه أخبارهم.

ويمكن حمل رواية منصور على أن المراد بالصوم ما كان بدلا عن الهدي ، لما سبق من أن الأظهر جواز صوم يوم الحصبة وهو يوم النفر في ذلك (٢).

والأجود حمل روايتي محمد بن مسلم وكليب الأسدي على أن الأفضل ذبح الأضحية في الأمصار في يوم النحر ، وفي منى في يوم النحر أو في اليومين الأولين من أيام التشريق.

قوله : ( ولا بأس بادّخار لحمها ).

موضع الشبهة ادخارها بعد ثلاثة أيام ، فقد قيل : إن ادخارها بعد الثلاثة كان محرما فنسخ (٣) ، وروى الشيخ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا نأكل لحم الأضاحي بعد ثلاثة ثم أذن لنا أن نأكل ونقدد ونهدي إلى أهالينا (٤).

وعن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن الباقر عليه‌السلام ، وعن أبي الصباح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : « نهى رسول الله صلى الله‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٣ ـ ٦٧٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ ـ ٩٣٥ ، الوسائل ١٠ : ٩٥ أبواب الذبح ب ٦ ح ٥.

(٢) في ص ٥١.

(٣) كما في المسالك ١ : ١١٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٥ ـ ٧٦٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٤ ـ ٩٧١ ، الوسائل ١٠ : ١٤٨ أبواب الذبح ب ٤١ ح ٢.

٨٤

ويكره أن يخرج به من منى. ولا بأس بإخراج ما يضحيه غيره.

______________________________________________________

عليه وآله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام ، ثم أذن فيها فقال : كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادخروا » (١).

قوله : ( ويكره أن يخرج به من منى ، ولا بأس بإخراج ما يضحيه غيره ).

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمد ، عن علي ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « لا يتزود الحاج من أضحيته وله أن يأكل منها أيامها ، إلا السنام فإنه دواء » قال أحمد ، وقال : « لا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى ويتزوده » (٢).

وربما ظهر من بعض الروايات انتفاء الكراهة مطلقا ، كحسنة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى فقال : « كنا نقول لا يخرج شي‌ء لحاجة الناس إليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه » (٣).

وأجاب عنها الشيخ في كتابيه بالحمل على ما يضحيه الغير (٤). وهو بعيد.

وكيف كان فيستثنى من ذلك السنام ، للإذن في إخراجه في عدة روايات.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٦ ـ ٧٦٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٤ ـ ٩٧٢ ، الوسائل ١٠ : ١٤٨ أبواب الذبح ب ٤١ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٥٠١ ـ ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٧ ـ ٧٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٨ ، الوسائل ١٠ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٥٠٠ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٢٧ ـ ٧٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٧ ، الوسائل ١٠ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٧ ، والاستبصار ٢ : ٢٧٥.

٨٥

ويجزي الهدي الواجب عن الأضحية ، والجمع بينهما أفضل. ومن لم يجد الأضحية تصدق بثمنها. فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدون ، وتصدق بثلث الجميع.

______________________________________________________

قوله : ( ويجزي الهدي الواجب عن الأضحية ، والجمع بينهما أفضل ).

أما إجزاء المهدي الواجب عن الأضحية فيدل عليه روايات ، منها صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « يجزيه في الأضحية هديه » (١) وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « يجزي الهدي عن الأضحية » (٢).

وأما استحباب الجمع بينهما فعلل بما فيه من فعل المعروف ونفع المساكين ، ولا بأس به ، وربما كان في لفظ الإجزاء الواقع في الروايتين إشعار به.

قوله : ( ومن لم يجد الأضحية تصدق بثمنها ، فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدون وتصدق بثلث الجميع ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ ، عن عبد الله بن عمر ، قال : كنا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي ، فاشترينا بدينار ، ثم بدينارين ، ثم بلغت سبعة ، ثم لم يوجد بقليل ولا كثير ، فوقع هشام المكاري إلى أبي الحسن عليه‌السلام فأخبره بما اشترينا وإنا لم نجد بعد ، فوقع إليه انظروا إلى الثمن الأول والثاني والثالث فاجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه » (٣).

ولا يخفى أن جمع الأعلى والأوسط والأدون والتصدق بثلث الجميع إنما يتم إذا كانت القيم ثلاثا ، والضابط أن تجمع القيمتان أو القيم ويتصدق‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٨ ـ ٨٠٣ ، الوسائل ١٠ : ١٧٣ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٩٧ ـ ١٤٧٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٨ ـ ٨٠٥ ، الوسائل ١٠ : ١٧٢ أبواب الذبح ب ٥٨ ح ١.

٨٦

ويستحب أن تكون التضحية بما يشتريه. ويكره بما يربيه.

______________________________________________________

بقيمة منسوبة إلى القيم بالسوية ، فمن الثلاث الثلث ، ومن الأربع الربع ، وهكذا. قال الشهيد في الدروس : واقتصار الأصحاب على الثلث تبعا للرواية التابعة لواقعة هشام (١).

قوله : ( ويستحب أن تكون التضحية بما يشتريه ، ويكره بما يربيه ).

يدل على ذلك ما رواه الشيخ ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال ، قلت : جعلت فداك كان عندي كبش سمين لأضحي به ، فلما أخذته وأضجعته نظر إلى فرحمته ورققت له ، ثم إني ذبحته ، فقال لي : « ما كنت لأجب لك أن تفعل ، لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه » (٢).

وما رواه ابن بابويه عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام أنه قال : « لا يضحى بشي‌ء من الدواجن » (٣).

والدواجن هي الشاة المستأنسة التي تألف البيوت ، قاله الجوهري (٤). وقال في القاموس : دجن بالمكان دجونا أقام ، والحمام والشاة وغيرهما ألفت ، وهي داجن (٥). انتهى. وتسمى الدواجن رواجن أيضا ، قال في القاموس : رجن بالمكان رجونا أقام به ، والإبل وغيرها ألفت ، وتثلث ، ودابته حبسها في المنزل على العلف (٦).

__________________

(١) الدروس : ١٣١.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٥٢ ـ ١٥٧٨ ، الوسائل ١٠ : ١٧٥ أبواب الذبح ب ٦١ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٩٦ ـ ١٤٦٨ ، الوسائل ١٠ : ١٧٦ أبواب الذبح ب ٦١ ح ٢.

(٤) الصحاح ٦ : ٢١١١ نقل ذلك عن ابن السكيت.

(٥) القاموس المحيط ٤ : ٢٢٢.

(٦) القاموس المحيط ٤ : ٢٢٨‌

٨٧

ويكره أن يأخذ شيئا من جلود الأضاحي ، وأن يعطيها الجزار ، والأفضل أن يتصدق بها.

الثالث : في الحلق والتقصير.

______________________________________________________

قوله : ( ويكره أن يأخذ شيئا من جلود الأضاحي ، وأن يعطيها الجزّار ، والأفضل أن يتصدق بها ).

يدل على ذلك روايات ، منها صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن جلود الأضاحي. هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا؟ قال : « لا يصلح أن يجعلها جرابا إلا أن يتصدق بثمنها » (١).

ورواية معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ينتفع بجلد الأضحية ، ويشترى به المتاع ، وإن تصدق به فهو أفضل » وقال : « نحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدنة ولم يعط الجزارين جلودها ، ولا قلائدها ، ولا جلالها ، ولكن تصدق به ، ولا تعط السلاّخ منها شيئا ، ولكن أعطه من غير ذلك » (٢).

ولا يخفى أن كراهة إعطاء الجزارين منها إنما ثبت إذا وقع على سبيل الأجرة ، أما لو أعطاه صدقة وكان مستحقا لذلك فلا بأس.

قوله : ( الثالث ، في الحلق والتقصير ).

المعروف من مذهب الأصحاب أن الحلق والتقصير نسك واجب ، بل قال في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع (٣). ونقل عن الشيخ في التبيان أنه قال : إن الحلق أو التقصير مندوب غير واجب (٤). وهو نادر ، مردود بفعل‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٨ ـ ٧٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ ـ ٩٨٢ ، قرب الإسناد : ١٠٦ ، الوسائل ١٠ : ١٥١ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠١ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٥١ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٦٢.

(٤) التبيان ٢ : ١٥٤.

٨٨

فإذا فرغ من الذبح فهو مخيّر ، إن شاء حلق وإن شاء قصّر ، والحلق أفضل. ويتأكد في حق الصرورة ومن لبّد شعره ، وقيل : لا يجزيه إلا الحلق ، والأول أظهر.

______________________________________________________

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الواقع في مقام البيان ، والأوامر الكثيرة الواردة بذلك عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم.

والمشهور بين الأصحاب أن وقته يوم النحر بعد ذبح الهدي أو حصوله في رحله على ما تقدم من الخلاف (١). ونقل عن أبي الصلاح أنه جوّز تأخير الحلق إلى آخر أيام التشريق ، لكن لا يزور البيت قبله (٢). واستحسنه العلامة في التذكرة والمنتهى ، مستدلا عليه بأن الله تعالى بين أوله بقوله تعالى : ( حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ولم يبين آخره ، فمتى أتى به أجزأ ، كالطواف للزيارة والسعي (٣). وهو غير بعيد ، إلا أن الأولى إيقاعه يوم النحر ، للاتفاق على كونه وقتا لذلك والشك فيما عداه.

قوله : ( فإذا فرغ من الذبح فهو مخير : إن شاء حلق ، وإن شاء قصر ، والحلق أفضل ، ويتأكد في حق الصرورة ومن لبّد شعره ، وقيل : لا يجزيه إلا الحلق ، والأول أظهر ).

ما اختاره المصنف من التخيير بين الحلق والتقصير مطلقا وأفضلية الحلق وتأكده في حق الصرورة والملبد ـ وهو من أخذ عسلا وصمغا وجعله في رأسه لئلا يقمل أو يتسخ ـ هو المشهور بين الأصحاب.

وقال الشيخ في جملة من كتبه : لا يجزي الصرورة والملبّد إلا الحلق (٤). وزاد في التهذيب المعقوص شعره (٥).

__________________

(١) في ص ٢٧.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٠١ لكن لم يذكر تقديمه على زيارة البيت ، وإنما هو شي‌ء ذكره العلامة كما سيأتي.

(٣) التذكرة ١ : ٣٩٠ ، والمنتهى ٢ : ٧٦٥.

(٤) المبسوط ١ : ٣٧٦ ، والنهاية : ٢٦٢.

(٥) التهذيب ٥ : ١٦٠ و ٢٤٤.

٨٩

______________________________________________________

وقال ابن أبي عقيل : ومن لبد رأسه أو عقصه فعليه الحلق واجب (١). ولم يذكر حكم الصرورة بالنصوصية.

ونقل عن يونس بن عبد الرحمن أنه قال : إن عقص شعره أي ضفره ، أو لبده ـ أي ألزقه بصمغ أو ربط بعضه إلى بعض يسيرا ـ وكان صرورة تعين الحلق في الحج وعمرة الإفراد (٢).

احتج القائلون بالتخيير مطلقا بالأصل ، وظاهر قوله تعالى ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٣) إذ الجمع غير مراد إجماعا فيثبت التخيير في حق الجميع ، وصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية : اللهم اغفر للمحلقين مرتين ، قيل : وللمقصرين يا رسول الله ، قال : وللمقصرين » (٤).

احتج الشيخ في التهذيب على وجوب الحلق على الصرورة والملبد ومن عقص شعره ما رواه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ينبغي للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حج فإن شاء قصر وإن شاء حلق » قال : « وإذا لبد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق وليس له التقصير » (٥).

وفي الصحيح أيضا عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أحرمت فعقصت رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج ، وليس في المتعة إلا التقصير » (٦).

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٣٠٧.

(٢) حكاه عنه في الدروس : ١٣٢.

(٣) الفتح : ٢٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٣ ـ ٨٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٣ ـ ٨٢١ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ١٦٠ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٨.

٩٠

وليس على النساء حلق ، ويتعين في حقهن التقصير ، ويجززن منه ولو مثل الأنملة.

______________________________________________________

وفي الصحيح عن هشام بن سالم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج والعمرة فقد وجب عليه الحلق فيه » (١).

وفي الصحيح عن سويد القلاء ، عن أبي سعد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يجب الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبد ، ورجل حج ندبا لم يحج قبلها ، ورجل عقص رأسه » (٢).

وأجاب العلامة في المختلف عن هذه الروايات بالحمل على الاستحباب ، جمعا بين الأدلة (٣). وهو غير جيد ، لأن ما دل على التخيير عام ، وما دل على تعين الحلق في هذه الصور خاص ، والخاص مقدم.

نعم يمكن أن يقال : إن هذه الروايات لا تدل على وجوب الحلق على الصرورة ، لأن لفظ « ينبغي » الواقع في الرواية الأولى ظاهر في الاستحباب ، ولفظ « الوجوب » الواقع في الرواية الأخيرة محتملة لذلك كما بيناه مرارا ، لكنها واضحة الدلالة على وجوب الحلق على الملبد والمعقوص شعره ، فلا يبعد القول بالوجوب عليهما خاصة ، كما اختاره ابن أبي عقيل. ولا ريب أن الحلق لهما وللصرورة ، بل لكل حاج ومعتمر عمرة إفراد أولى وأحوط.

قوله : ( وليس على النساء حلق ، ويتعين في حقهن التقصير ، ويجزيهن منه ولو مثل الأنملة ).

أما تعين التقصير على النساء فموضع وفاق بين العلماء ، وحكى العلامة في المختلف الإجماع على تحريم الحلق عليهن أيضا (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨٤ ـ ١٧٢٤ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٨٥ ـ ١٧٢٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٣.

(٣ ، ٤) المختلف : ٣٠٨.

٩١

ويجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي. فلو قدم ذلك على التقصير عامدا جبره بشاة. ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي‌ء وعليه إعادة الطواف على الأظهر.

______________________________________________________

ويكفي في التقصير مسماه ، وإن كان الأولى عدم الاقتصار على ما دون الأنملة ، كما هو ظاهر اختيار المصنف رحمه‌الله ، لقوله عليه‌السلام في مرسلة ابن أبي عمير : « تقصر المرأة من شعرها لتفثها (١) مقدار الأنملة » (٢).

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن قول المصنف : ويجزيهن منه ولو مثل الأنملة ، كناية عن المسمى (٣). وهو محتمل.

وربما ظهر من كلام ابن الجنيد أنه لا يجزيها في التقصير ما دون القبضة (٤). ولم نقف على مأخذه.

قوله : ( ويجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي ، فلو قدم ذلك على التقصير عامدا جبره بشاة ، ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي‌ء ، وعليه إعادة الطواف على الأظهر ).

لا ريب في وجوب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت ، للتأسي والأخبار الكثيرة (٥) ، فلو عكس بأن زار البيت قبل التقصير فإما أن يكون عالما بالحكم ، أو ناسيا ، أو جاهلا ، فالصور ثلاث :

الأولى : أن يكون عالما بالحكم وقت الإتيان بالفعل ـ وهو المراد بالعامد في كلام المصنف رحمه‌الله ـ وقد قطع الأصحاب بأنه يجب عليه دم‌

__________________

(١) في المصادر : لعمرتها. والتفث في المناسك : ما كان من نحو قص الأظفار والشارب وحلق الرأس ـ الصحاح ١ : ٢٧٤.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠٣ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٤٤ ـ ٨٢٤ ، الوسائل ٩ : ٥٤١ أبواب الحلق والتقصير ب ٣ ح ٣.

(٣) المسالك ١ : ١١٩.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٣٠٨.

(٥) الوسائل ١٠ : ١٨٠ أبواب الحلق والتقصير ب ٢ وص ١٨٢ ب ٥.

٩٢

______________________________________________________

شاة ، وعزاه في الدروس إلى الشيخ وأتباعه ، قال : وظاهرهم أنه لا يعيد الطواف (١). مع أن الشارح نقل الإجماع على وجوب إعادة الطواف على العامد (٢). ويدل عليه أن الطواف المأتي به قبل التقصير منهي عنه فيكون فاسدا ، فلا يتحقق به الامتثال ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل ، ما حالها وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : « لا بأس به ، يقصر ويطوف للحج ثم يطوف للزيارة ، ثم قد أحل من كل شي‌ء » (٣) وهذه الرواية بإطلاقها متناولة للعامد وغيره.

ويدل على وجوب الدم والحال هذه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل زار البيت قبل أن يحلق فقال : « إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أن ذلك لا ينبغي فإن عليه دم شاة » (٤).

الثانية : أن يكون ناسيا ، والمعروف من مذهب الأصحاب أن عليه إعادة الطواف خاصة بعد الحلق ، لإطلاق رواية علي بن يقطين المتقدمة. ومقتضى الكلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ تحقق الخلاف في المسألة ، ولم أقف على مصرح به. نعم ربما ظهر من صحيحة جميل بن دراج عدم وجوب الإعادة مع النسيان ، حيث قال فيها : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال : « لا ينبغي ، إلا أن يكون ناسيا » (٥) لكنها غير صريحة في عدم وجوب الإعادة.

__________________

(١) الدروس : ١٣٣.

(٢) المسالك ١ : ١١٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٤١ ـ ٨١١ ، الوسائل ١٠ : ١٨٢ أبواب الحلق والتقصير ب ٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٠ ـ ٨٠٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨٠ أبواب الحلق والتقصير ب ٢ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٤ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٣٠١ ـ ١٤٩٦ ، التهذيب ٥ : ٢٢٢ ـ ٧٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٥ ـ ١٠٠٩ ، الوسائل ١٠ : ١٤٠ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٤.

٩٣

______________________________________________________

الثالثة : أن يكون جاهلا ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فقيل : إنه كالناسي في وجوب الإعادة ونفي الكفارة. وبه قطع الشارح قدس‌سره (١). أما وجوب الإعادة فلتوقف الامتثال عليه ، ولإطلاق رواية علي بن يقطين المتقدمة المتضمنة لذلك ، وأما سقوط الدم فلأصالة البراءة من الوجوب ، ويؤيده ظاهر قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : « إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له فإن عليه دم شاة ».

ونقل عن ظاهر الصدوق ـ رحمه‌الله ـ عدم وجوب الإعادة أيضا (٢) ، وربما كان مستنده صحيحة جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق فقال : « لا ينبغي ، إلا أن يكون ناسيا » ، ثم قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم : يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح ، وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج ».

قال في المختلف : وهذا كما يتناول مناسك منى كذا يتناول مناسك منى مع الطواف (٣). وهو غير بعيد ، وإن كان الحكم بإعادة الطواف بعد التقصير أولى وأحوط.

وهل يجب إعادة السعي حيث تجب إعادة الطواف؟ الأصح الوجوب ، كما اختاره العلامة في التذكرة والمنتهى (٤) ، لتوقف الامتثال عليه ، وربما ظهر من عبارة المصنف ـ رحمه‌الله ـ عدم الوجوب.

ولو قدم الطواف على الذبح أو على الرمي ، ففي إلحاقه بتقديمه على‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١١٩.

(٢) المقنع : ٨٩. والفقيه ٢ : ٣٠١ ـ ١٤٩٦.

(٣) المختلف : ٣٠٨.

(٤) التذكرة ١ : ٣٩٠ ، والمنتهى ٢ : ٧٦٤.

٩٤

ويجب أن يحلق بمنى. فلو رحل رجع فحلق بها.

______________________________________________________

التقصير وجهان ، أجودهما ذلك.

قوله : ( ويجب أن يحلق بمنى ، فلو رحل رجع فحلق بها ).

كان الأولى أن يقول : ويجب أن يحلق بمنى أو يقصر ، فلو رحل قبله رجع للحلق أو التقصير. كما فعل في النافع (١) ، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى أنه موضوع وفاق (٢).

واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى قال : « يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها ، حلقا كان أو تقصيرا » (٣).

وعن أبي بصير قال : سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال : « فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصر » (٤).

ثم قال الشيخ رحمه‌الله : والذي رواه موسى بن القاسم ، عن علي بن رئاب ، عن مسمع قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر ، قال : « يحلق رأسه في الطريق أو أين كان » (٥) فليس بمناف لما ذكرناه ، لأن هذه الرواية محمولة على من لم يتمكن من الرجوع إلى منى ، فأما مع التمكن منه فلا بد من ذلك حسب ما.

__________________

(١) المختصر النافع : ٩٢.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٠ ، والمنتهى ٢ : ٧٦٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٤١ ـ ٨١٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٥ ـ ١٠١١ ، الوسائل ١٠ : ١٨٢ أبواب الحلق والتقصير ب ٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤١ ـ ٨١٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٥ ـ ١٠١٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٣ أبواب الحلق والتقصير ب ٥ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤١ ـ ٨١٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٥ ـ ١٠١٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٢ أبواب الحلق والتقصير ب ٥ ح ٢‌

٩٥

فإن لم يتمكن حلق أو قصّر مكانه وبعث بشعره ليدفن بها. ولو لم يمكنه لم يكن عليه شي‌ء.

______________________________________________________

قدمناه. وهو جيد ، مع أن راوي هذه الرواية وهو مسمع غير موثق ، فلا يترك لروايته الخبر الصحيح المعتضد بعمل الأصحاب.

قوله : ( فإن لم يتمكن حلق أو قصر مكانه وبعث بشعره ليدفن بها ، ومن لم يمكنه لم يكن عليه شي‌ء ).

أما وجوب الحلق أو التقصير في مكانه يعني في غير منى مع تعذر العود إلى منى فلا إشكال فيه ، وإنما الكلام في أن بعث الشعر ودفنه بمنى واجب أو مستحب ، فقيل : بالوجوب ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (١) والمصنف ـ رحمه‌الله ـ في هذا الكتاب. وقيل : بالاستحباب ، وبه جزم المصنف في النافع والعلامة في المنتهى (٢). واستوجه العلامة في المختلف وجوب البعث إن كان خروجه من منى عمدا ، وسقوطه إن كان على وجه النسيان (٣).

احتج الموجبون بما رواه الشيخ في الحسن ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يحلق رأسه بمكة ، قال : « يرد الشعر إلى منى » (٤).

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه قال : « يحلقه بمكة ، ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شي‌ء » (٥).

__________________

(١) النهاية : ٢٦٣.

(٢) المختصر النافع : ٩٢ ، والمنتهى ٢ : ٧٦٤.

(٣) المختلف : ٣٠٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٥ ، الوسائل ١٠ : ١٨٤ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٦ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٧.

٩٦

ومن ليس على رأسه شعر أجزأه إمرار الموسى عليه.

______________________________________________________

وأجاب عنها القائلون بالندب بالحمل على الاستحباب (١) ، جمعا بينها وبين ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل من منى فقال : « ما يعجبني أن يلقي شعره إلا بمنى » ولم يجعل عليه شيئا (٢).

وهذه الرواية لا تدل على عدم وجوب البعث صريحا ، مع أنها مختصة بما إذا وقع ذلك على جهة النسيان ، كما ذكره في المختلف (٣) ، ومع ذلك فهي قاصرة من حيث السند ، فلا تعارض ما دل بظاهره على وجوب البعث.

ومتى تعذر البعث سقط ولم يكن عليه شي‌ء إجماعا.

أما دفن الشعر بمنى فقد قطع الأكثر باستحبابه ، وأوجبه الحلبي (٤) ، والأصح الاستحباب ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى ويقول : « كانوا يستحبون ذلك » قال : وكان أبو عبد الله عليه‌السلام يكره أن يخرج الشعر من منى ويقول : « من أخرجه فعليه أن يرده » (٥) ويستفاد من هذه الرواية أنه لا يختص استحباب الدفن بمن حلق في غير منى وبعث شعره إليها ، كما قد يوهمه ظاهر العبارة ، بل يستحب للجميع.

قوله : ( ومن ليس على رأسه شعر أجزأه إمرار الموسى عليه ).

أجمع العلماء كافة على أن من ليس على رأسه شعر يسقط عنه الحلق ،

__________________

(١) كما في المختلف : ٣٠٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٧ ، الوسائل ١٠ : ١٨٤ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٦.

(٣) المختلف : ٣٠٨.

(٤) الكافي في الفقه : ٢٠١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٤ ، الوسائل ١٠ : ١٨٤ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٥.

٩٧

وترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر : الرمي ، ثم‌

______________________________________________________

وإنما اختلفوا في أن إمرار الموسى على رأسه واجب أو مستحب ، فذهب الأكثر إلى الاستحباب ، ونقل الشيخ في الخلاف فيه الإجماع (١) ، وقيل بالوجوب مطلقا (٢) ، أو على من حلق في إحرام العمرة والاستحباب للأقرع (٣).

والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن زرارة : إن رجلا من أهل خراسان قدم حاجا وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبي فاستفتي له أبو عبد الله عليه‌السلام فأمر أن يلبى عنه ويمر الموسى على رأسه ، فإن ذلك يجزي عنه (٤). وهذه الرواية قاصرة من حيث السند (٥) عن إثبات الوجوب.

وما قيل في توجيهه من أن ذا الشعر تجب عليه إزالة الشعر وإمرار الموسى على رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات الأول (٦) ، فضعيف جدا ، لأن الواجب من الإمرار ما تحقق في ضمن الحلق ، لا مطلقا.

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن بالتفصيل رواية ، وأن العمل بها أولى (٧). ولم نقف عليها في شي‌ء من الأصول ، ولا نقلها غيره.

ومقتضى رواية زرارة حصول التحلل بالإمرار وإن لم يطلق عليه اسم الحلق أو التقصير ، وحيث كانت الرواية ضعيفة وجب اطراحها والقول بتعين التقصير ، لأنه قسيم اختياري للحلق.

قوله : ( وترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر : الرمي ، ثم‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٥٠ و ٤٥١.

(٢) نقله عن أبي حنيفة ومال إليه في التذكرة ١ : ٣٩٠.

(٣) كما في جامع المقاصد ١ : ١٧٣ ، والمسالك ١ : ١١٩.

(٥) لاشتماله على ياسين الضرير وهو مهمل.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٤ ـ ٨٢٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩١ أبواب الحلق والتقصير ب ١٢ ح ٣.

(٦) المسالك ١ : ١١٩.

(٧) المسالك ١ : ١١٩.

٩٨

الذبح ، ثم الحلق.

______________________________________________________

الذبح ، ثم الحلق ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الشيخ في الخلاف (١) وابن أبي عقيل (٢) وأبو الصلاح (٣) وابن إدريس (٤) إلى أن ترتيب هذه المناسك على هذا الوجه مستحب لا واجب. واختاره العلامة في المختلف (٥) ، ويفهم من الشارح الميل إليه (٦).

وذهب الشيخ في المبسوط والاستبصار إلى وجوب الترتيب (٧) ، وإليه ذهب أكثر المتأخرين (٨).

احتج الموجبون بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « خذوا عني مناسككم » (٩) وقدم المناسك بعضها على بعض ، فتجب متابعته. وبما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك » (١٠) والفاء للترتيب. وعن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح » (١١) وعن موسى بن القاسم ، عن علي قال : « لا يحلق رأسه ولا يزور‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٥٧.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٣٠٧.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٠٠.

(٤) السرائر : ١٤٢.

(٥) المختلف : ٣٠٧.

(٦) المسالك ١ : ١١٥.

(٧) المبسوط ١ : ٣٧٤ ، والاستبصار ٢ : ٢٨٤.

(٨) كالعلاّمة في التحرير ١ : ١٠٣ ، والمنتهى ٢ : ٧٢٩ ، والشهيد في اللمعة : ٧٧ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ١٧٠.

(٩) غوالي اللآلي ١ : ٢١٥ ـ ٧٣ وج ٤ : ٣٤ ـ ١١٨.

(١٠) التهذيب ٥ : ٢٤٠ ـ ٨٠٨ ، الوسائل ١٠ : ١٧٧ أبواب الحلق والتقصير ب ١ ح ١.

(١١) الكافي ٤ : ٤٩٨ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٢٢ ـ ٧٤٩ ، الوسائل ١٠ : ١٣٩ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٣.

٩٩

______________________________________________________

البيت حتى يضحي فيحلق رأسه ويزور متى شاء (١).

وربما أمكن الاستدلال عليه أيضا بصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي قال : « لا بأس ، وليس عليه شي‌ء ، ولا يعودن » (٢) فإن النهي عن العود يقتضي التحريم ، فيكون الترتيب واجبا.

احتج القائلون بالاستحباب بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم : يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح ، وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ، ولا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج » (٣) ، ونحوه روى محمد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (٥).

وأجاب عنها الشيخ في كتابي الأخبار بالحمل على حالة النسيان ، وهو بعيد.

نعم لا يبعد حملها على حالة الجهل ، لكن الروايات التي استدل بها‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٦ ـ ٧٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٤ ـ ١٠٠٦ ، الوسائل ١٠ : ١٤١ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٧ ـ ٧٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٥ ـ ١٠١٠ ، الوسائل ١٠ : ١٤١ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ١٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٣٠١ ـ ١٤٩٦ ، التهذيب ٥ : ٢٣٦ ـ ٧٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٥ ـ ١٠٠٩ ، الوسائل ١٠ : ١٤٠ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٠ ـ ٨١٠ ، الوسائل ١٠ : ١٨١ أبواب الحلق والتقصير ب ٢ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٣٦ ـ ٧٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٤ ـ ١٠٠٨ ، الوسائل ١٠ : ١٤٠ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٦.

١٠٠