مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجد كان عليه سبع شياه.

______________________________________________________

ولم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليه » (١).

والقول بوجوب قضاء صيام الثلاثة الأيام دون السبعة للشيخ رحمه‌الله (٢) وجمع من الأصحاب ، واستدل الشيخ في التهذيب على عدم وجوب قضاء السبعة بما رواه في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سأله عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ، ثم مات بعد أن رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام ، أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال : « ما أرى عليه قضاء » (٣).

قال في المنتهى : وهذه الرواية لا حجة فيها ، لاحتمال أن يكون موته قبل أن يتمكن من الصيام ، ومع هذا الاحتمال لا تبقى فيها دلالة على المطلوب (٤). وهو حسن.

وربما ظهر من كلام الصدوق أن قضاء الثلاثة على سبيل الاستحباب أيضا (٥) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجد كان عليه سبع شياه ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٦) وجمع من الأصحاب (٧) ، واستدلوا عليه بما رواه داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يكون عليه بدنة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٩ ـ ١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠ ـ ١١٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٦١ ـ ٩٢١ ، الوسائل ١٠ : ١٦١ أبواب الذبح ب ٤٨ ح ١.

(٢) النهاية : ٢٥٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٠ ـ ١١٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٦١ ـ ٩٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٦١ أبواب الذبح ب ٤٨ ح ٢. ورواها في الكافي ٤ : ٥٠٩ ـ ١٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٤٦.

(٥) الفقيه ٢ : ٣٠٣.

(٦) النهاية : ٢٦٢.

(٧) كالحلي في السرائر : ١٤١ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٧٤٨.

٦١

ولو تعيّن الهدي فمات من وجب عليه أخرج من أصل تركته.

الرابع : في هدي القران.

لا يخرج هدي القران عن ملك سائقه ، وله إبداله والتصرف فيه ،

______________________________________________________

واجبة في فداء قال : « إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما » (١) وهذه الرواية مع ضعف سندها مختصة ببدنة الفداء ، فلا يتم الاستدلال بها على وجه العموم. ومع ذلك فيجب تقييد هذا الحكم بما إذا لم يكن للبدنة بدل منصوص كما في كفارة النعامة ، فإنه مع العجز عنها ينتقل إلى إبدالها المقررة ، ولا يجزي السبع شياه قطعا. ولو وجب عليه سبع شياه لم تجز البدنة وإن كانت السبع بدلا منها ، لفقد النص.

وفي إجزاء البدنة عن البقرة وجهان ، أظهرهما العدم. واستقرب في المنتهى الإجزاء ، لأنها أكثر لحما (٢) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ولو تعين الهدي فمات من وجب عليه أخرج من أصل تركته ).

لأنه حق مالي فيخرج من الأصل كالدين. ولو قصرت التركة عنه وعن الديون وزعت التركة على الجميع بالحصص ، فإن لم تف حصته بأقل هدي قيل : يجب إخراج جزء من هدي مع الإمكان (٣) ، فإن لم يمكن فالأصح عوده ميراثا. بل يحتمل قويا ذلك مع إمكان شراء الجزء أيضا ، وفي المسألة قول ضعيف بوجوب الصدقة به.

قوله : ( لا يخرج هدي القران عن ملك سائقه ، وله إبداله‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٣٢ ـ ١١١١ ، التهذيب ٥ : ٤٨١ ـ ١٧١١ ، الوسائل ٩ : ١٨٤ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٤٨.

(٣) كما في المسالك ١ : ١١٧.

٦٢

وإن أشعره أو قلده.

ولكن متى ساقه فلا بد من نحره بمنى إن كان لإحرام الحج ، وإن كان للعمرة فبفناء الكعبة بالحزورة.

______________________________________________________

والتصرف فيه وإن أشعره أو قلده ، لكن متى ساقه فلا بد من نحره بمنى إن كان لإحرام الحج ، وإن كان لإحرام العمرة فبفناء الكعبة بالحزورة ).

هذا الحكم ذكره المصنف والعلامة في جملة من كتبه (١) بعبارة متحدة أو متقاربة ، ومقتضاه أن هدي القران لا يخرج عن ملك سائقه وله إبداله والتصرف فيه قبل الإشعار ، وبعده ما لم ينضم إليه السياق ، فإن انضم إليه السياق وجب نحره. ويلزم منه عدم جواز التصرف فيه والحال هذه بما ينافي النحر ، لكن المنقول عن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ (٢) وابن إدريس أن مجرد الإشعار يقتضي وجوب نحر الهدي وعدم جواز التصرف فيه بما ينافي ذلك وإن لم ينضم إليه السياق ، وبه قطع الشهيد (٣) ـ رحمه‌الله ـ ومن تأخر عنه (٤).

واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها ويقلدها ، فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : « إن لم يكن قد أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها » (٥) ويتوجه عليه أن أقصى ما تدل عليه هذه الرواية وجوب نحر الهدي‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٥٥ ، والتحرير ١ : ١٠٧. والقواعد ١ : ٨٨.

(٢) النهاية : ٢٦٠.

(٣) الدروس : ١٢٩.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٢١٩ ـ ٧٣٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٧١ ـ ٩٦٢ ، الوسائل ١٠ : ١٣١ أبواب الذبح ب ٣٢ ح ١.

٦٣

______________________________________________________

الذي ضل بعد الإشعار ثم وجد في منى ، ولا يلزم منه تعينه للنحر بعد الإشعار مطلقا. وما ذكره المصنف من جواز التصرف فيه بعد الإشعار وقبل السياق مطابق لمقتضى الأصل ، فيجب المصير إليه إلى أن يقوم الدليل على خلافه.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن المحقق الشيخ على (١) والشارح (٢) ـ رحمهما الله ـ أوردا على عبارة المصنف أنها لا تخلو من التدافع بحسب الظاهر ، لأن جواز إبدال الهدي والتصرف فيه بعد الإشعار ينافي وجوب نحره بمنى. وهذا الإيراد إنما يتجه لو اتحد متعلق الحكمين ، لكن العبارة كالصريحة في خلافه ، فإن موضع الجواز فيها ما بعد الإشعار وقبل السياق ، وموضع الوجوب المقتضي لعدم جواز التصرف ما بعد السياق.

واختلف كلامهما في تنزيل العبارة على ما يندفع به التنافي ويحصل به المطابقة للحكم المذكور ، فقال المحقق الشيخ علي : إن المراد بالإشعار أو التقليد الواقع في العبارة ما وقع منهما على غير الوجه المعتبر ، وهو المقصود بهما الإحرام أو المكمل بهما ، فإن ذلك لا يقتضي المنع من التصرف في الهدي ، والمراد بالسياق في قوله : لكن متى ساقه فلا بد من نحره ، الإشعار أو التقليد الواقعان على الوجه المعتبر (٣). ولا يخفى ما في هذا التنزيل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ، لاقتضائه استعمال كل من الإشعار والتقليد والسياق في غير معناه الشرعي والعرفي.

وذكر الشارح في تنزيل العبارة على ما تندفع به المنافاة وتحصل به المطابقة للحكم المذكور وجها آخر ، وهو أن يراد بالهدي الذي يجوز لسائقه إبداله والتصرف في الهدي المعد للسياق من غير أن يتعين بالإشعار أو التقليد‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٧٢ أورد ذلك على مثل عبارة المصنف.

(٢) المسالك ١ : ١١٧.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٧٢.

٦٤

______________________________________________________

مجازا باعتبار ما يؤل إليه ، ويجعل قوله : وإن أشعره أو قلده ، وصليا ، لقوله : لا يخرج عن ملكه ، وما بينهما معترض ، والتقدير أنه لا يخرج عن ملكه وإن أشعره أو قلده ، لكن بالسياق الذي هو عبارة عن الإشعار أو التقليد يتعين ذبحه ، وله إبداله والتصرف فيه قبل ذلك (١). ولا يخفى ما في العبارة من التعقيد على هذا التنزيل وارتكاب المجاز من غير قرينة.

ونقل الشارح عن بعض السادة الفضلاء في دفع المنافاة بين جواز إبدال الهدي بعد الإشعار ووجوب نحره بعد السياق وجها آخر ، وهو جعل قوله : وإن أشعره أو قلده ، وصليا لقوله : وله إبداله والتصرف فيه ، كما هو الظاهر ، فيجوز إبداله بعد الإشعار أو التقليد المعقود بهما الإحرام ، وحمل قوله : لكن متى ساقه فلا بد من نحره ، على أن المعنى أنه متى أشعر الهدي أو قلده وجب عليه نحر هدي ، سواء كان هو المسوق أو بدله. قال : ولا ينافيه‌ قوله : نحره ، فإن البدلية تصيره هدي قران ، لأنه عوضه (٢).

وهذا التنزيل مع بعده غير مطابق للحكم المتقدم الذي هو الموجب لهذا التكلف ، أعني عدم جواز إبدال الهدي والتصرف فيه بعد الإشعار ، ومع ذلك فهو مخالف لما دلت عليه صحيحة الحلبي من تعين نحر ما تعلق به الإشعار ، والواجب رد الحكم إلى الأدلة الشرعية لا التصرف في العبارات كيف اتفق.

ويدل على وجوب نحر الهدي بمنى إن قرنه بإحرام الحج ، وبمكة إن قرنه بإحرام العمرة مضافا إلى الإجماع والتأسي قول الصادق عليه‌السلام في رواية عبد الأعلى : « لا هدي إلا من الإبل ، ولا ذبح إلا بمنى » (٣) وموثقة شعيب العقرقوفي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سقت في العمرة‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١١٧.

(٢) المسالك ١ : ١١٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٢١٤ ـ ٧٢٢ ، الوسائل ١٠ : ٩٣ أبواب الذبح ب ٤ ح ٦.

٦٥

ولو هلك لم تجب إقامة بدله ، لأنه ليس بمضمون. ولو كان مضمونا كالكفارات وجبت إقامة بدله.

______________________________________________________

بدنة ، فأين أنحرها؟ قال : « بمكة » (١).

والحزورة كقسورة : هي التل ، وهي خارج المسجد بين الصفا والمروة ، وذكر الأصحاب أنها أفضل مواضع الذبح بمكة.

قوله : ( ولو هلك لم تجب إقامة بدله ، لأنه ليس بمضمون. ولو كان مضمونا كالكفارات وجبت إقامة بدله ).

المتبادر من العبارة عود الضمير المستكن في « كان » إلى هدي السياق ، فيستفاد منه أن هدي السياق لا يشترط فيه أن يكون متبرعا به ابتداء ، بل لو كان مستحقا كالنذر والكفارة تأدت به وظيفة السياق ، وعبارات الأصحاب كالصريحة في ذلك ، وكذا الأخبار الصحيحة.

واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ أن يكون الضمير عائدا إلى مطلق الهدي ، وأن يكون إدخاله في باب هدي القران من باب الاستطراد ، كما أدخل قوله بعد ذلك : وكل هدي واجب كالكفارات لا يجوز أن يعطى الجزار منها شيئا ، فإن هذا الحكم لا يختص بالمسوق (٢). ولا ضرورة لارتكاب ذلك هنا بعد ثبوت تأدي وظيفة السياق بالواجب.

ويدل على الحكمين ، أعني وجوب إقامة بدل الهدي المضمون دون غيره روايات ، منها صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : سألته عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب ، قال : « إن كان تطوعا فليس عليه غيره ، وإن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله » (٣).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٨ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٠٢ ـ ٦٧٢ ، الوسائل ١٠ : ٩٢ أبواب الذبح ب ٤ ح ٣.

(٢) المسالك ١ : ١١٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٢١٥ ـ ٧٢٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٩ ـ ٩٥٥ ، الوسائل ١٠ : ١٢٣ أبواب الذبح ب ٢٥ ح ١.

٦٦

ولو عجز هدي السياق عن الوصول جاز أن ينحر أو يذبح ، ويعلم بما يدل على أنه هدي.

______________________________________________________

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ المنحر ، أيجزي عن صاحبه؟ فقال : « إن كان تطوعا فلينحر وليأكل منه ، وقد أجزأ عنه بلغ المنحر أو لم يبلغ ، وليس عليه فداء ، وإن كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ ، وعليه مكانه » (١).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الحسن ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال : « وكل شي‌ء إذا دخل في الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره » (٢) لأنا نجيب عنه بالحمل على العجز عن البدل ، أو على عطب غير الموت كالكسر ، فينحره على ما به ويجزيه ، كما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار. وهذا التأويل وإن كان بعيدا ، إلا أنه لا بأس بالمصير إليه ، لعدم صحة الرواية ، ولو كانت صحيحة لوجب العمل بمقتضاها ، لأنها مفصلة ، وحمل ما تضمن لزوم البدل على ما إذا حصل العطب قبل دخول الحرم.

قوله : ( ولو عجز هدي السياق عن الوصول جاز أن ينحر أو يذبح ، ويعلم بما يدل على أنه هدي ).

الظاهر أن المراد بالجواز هنا معناه الأعم ، والمقصود منه الوجوب ، لورود الأمر به في عدة روايات ، كصحيحة حفص بن البختري قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا يعلم أنه هدي ، قال : « ينحره ويكتب كتاب يضعه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٥ ـ ٧٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٠ ـ ٩٥٧ ، الوسائل ١٠ : ١٢٣ أبواب الذبح ب ٢٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٦ ـ ٧٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٠ ـ ٩٥٨ ، الوسائل ١٠ : ١٢٤ أبواب الذبح ب ٢٥ ح ٦.

٦٧

______________________________________________________

عليه ، ليعلم من مر به أنه صدقة » (١).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها ، أو عرض لها موت أو هلاك ، فلينحرها إن قدر على ذلك ، ثم ليلطخ نعلها التي قلدت به بدم ، حتى يعلم من مر بها أنها قد ذكيت ، فيأكل من لحمها إن أراد ، وإن كان الهدي الذي انكسر وهلك مضمونا فإن عليه أن يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك ، والمضمون هو الشي‌ء الواجب عليك في نذر أو غيره ، وإن لم يكن مضمونا وإنما هو شي‌ء تطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانه إلا من يشاء أن يتطوع » (٢).

ورواية علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها ، أو عرض لها موت أو هلاك ، قال : « يذكيها إن قدر على ذلك ويلطخ نعلها التي قلدت بها حتى يعلم من مر بها أنها قد ذكيت فيأكل من لحمها إن أراد » (٣).

وحسنة حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كل من ساق هديا تطوعا فعطب هديه فلا شي‌ء عليه ، ينحره ويأخذ تقليد النعل فيغمسها في الدم فيضرب به صفحة سنامه ولا بدل عليه ، وما كان من جزاء صيد أو نذر فعطب فعل مثل ذلك وعليه البدل ، وكل شي‌ء إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره » (٤).

ورواية عمر بن حفص الكلبي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ، ولا من‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٧ ـ ١٤٧٧ ، الوسائل ١٠ : ١٣٠ أبواب الذبح ب ٣١ ح ١.

(٢) علل الشرائع : ٤٣٥ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ١٣٠ أبواب الذبح ب ٣١ ح ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٩٨ ـ ١٤٧٨ ، الوسائل ١٠ : ١٣٠ أبواب الذبح ب ٣١ ح ٣.

(٤) المتقدمة في ص ٦٧.

٦٨

ولو أصابه كسر جاز بيعه ، والأفضل أن يتصدق بثمنه أو يقيم بدله.

______________________________________________________

يعلمه أنه هدي ، قال : « ينحره ويكتب كتابا ويضعه عليه ، ليعلم من مر به أنه صدقة » (١).

ويستفاد من هذه الروايات جواز التعويل على هذه القرائن في الحكم بالتذكية وجواز الأكل ، وأنه لا تجب الإقامة عنده إلى أن يوجد المستحق. وأوجب الشارح الأكل منه بناء على وجوب الأكل من هدي السياق (٢). وهو أحوط.

ولو كان الهدي مضمونا كالكفارة وجزاء الصيد والمنذور غير المعين وجب إقامة بدله قطعا ، كما تدل عليه صحيحة الحلبي المتقدمة (٣) وغيرها ، أما الواجب المعين فكالمتبرع به في عدم وجوب إقامة بدله مقامه ، لأنه لم يتعلق بالذمة وإنما تعلق بالعين فيسقط بتلفها كالوديعة.

قوله : ( ولو أصابه كسر جاز بيعه ، والأفضل أن يتصدق بثمنه أو يقيم بدله ).

الضمير في « إصابة » يرجع إلى هدي السياق الذي قد تعينت تذكيته بالإشعار أو التقليد ، ليظهر لحكمه بجواز البيع فائدة ، إذ لو كان قبل ذلك لجاز له التصرف فيه كيف شاء ، كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « إن لم يكن أشعرها فهي من ماله ، إن شاء نحرها وإن شاء باعها » (٤).

والمراد بالهدي : المتبرع به كما هو الغالب في هدي السياق ، وفي حكمه الواجب المعين ، أما المضمون كالكفارات والمنذور غير المعين فإنه تجب إقامة بدله.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٨ ـ ٧٣٦ ، الوسائل ١٠ : ١٣١ أبواب الذبح ب ٣١ ح ٦.

(٢) المسالك ١ : ١١٧.

(٣) في ص ٦٨.

(٤) المتقدمة في ص ٦٣.

٦٩

______________________________________________________

والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب ، أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي؟ قال : « لا يبيعه ، فإن باعه تصدق بثمنه ويهدي هديا آخر » (١).

وفي الحسن عن الحلبي ، قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب ، أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال : « يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر » (٢).

ومورد الروايتين الهدي الواجب ، ومقتضاهما أنه إذا بيع يجب التصدق بثمنه وإقامة بدله ، وأما الهدي المتبرع به فلم أقف في جواز بيعه وأفضلية التصدق بثمنه أو إقامة بدله على رواية تدل عليه ، والأصح تعين ذبحه مع العجز عن الوصول وتعليمه بما يدل على أنه هدي ، سواء كان عجزه بواسطة الكسر أو غيره. وما ادعاه الشارح من ورود النص بالفرق بين العجز والكسر (٣) ، غير جيد ، فإن صحيحة الحلبي مصرحة بالذبح والتعليم على هذا الوجه مع الكسر ، وباقي الروايات وقع الحكم فيها منوطا بعطب الهدي ، والعطب يتناول الكسر وغيره ، بل ظاهر كلام أهل اللغة اختصاصه بالكسر ، قال في القاموس : عطب كفرح هلك ، والبعير والفرس انكسر (٤).

وبالجملة فالمستفاد من الأخبار أن هدي السياق المتبرع به متى عجز عن الوصول بكسر أو غيره وجب ذبحه في مكانه على الوجه المتقدم ، وأما البيع والصدقة بالثمن مع إقامة البدل فإنما ورد في الهدي الواجب ، فيجب‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٧ ـ ٧٣١ ، الوسائل ١٠ : ١٢٦ أبواب الذبح ب ٢٧ ح ٢ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٢٩٨ ـ ١٤٨٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٧ ـ ٧٣٠ ، الوسائل ١٠ : ١٢٦ أبواب الذبح ب ٢٧ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٩٤ ـ ٤.

(٣) المسالك ١ : ١١٨.

(٤) القاموس المحيط ١ : ١١٠.

٧٠

ولا يتعين هدي السياق للصدقة إلا بالنذر.

ولو سرق من غير تفريط لم يضمن.

______________________________________________________

قصر الحكم عليه إلى أن يثبت الجواز في غيره ، ومع ذلك فالأظهر كراهة بيعه للنهي عنه في صحيحة ابن مسلم.

واستشكل المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ في حاشية الكتاب الحكم من أصله ، بأن هدي السياق صار نحره متعينا فكيف يجوز بيعه (١). وهو مدفوع بالنص الصحيح الدال على ذلك ، ولولاه لتعين القول بوجوب ذبحه في مكانه ، كما دل عليه إطلاق تلك الأخبار.

قوله : ( ولا يتعين هدي السياق للصدقة إلا بالنذر ).

مقتضى العبارة أن الواجب في هدي السياق هو النحر أو الذبح خاصة ، فإذا فعل ذلك صنع به ما شاء ، إن لم يكن منذورا للصدقة. واستقرب الشهيد في الدروس مساواته لهدي التمتع في وجوب الأكل منه والإطعام (٢). ولا بأس به ، لإطلاق قوله تعالى ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا ) (٣) المتناول لهدي التمتع وغيره.

قوله : ( ولو سرق من غير تفريط لم يضمن ).

الضمير يرجع إلى هدي السياق. وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق فيه بين المتبرع به أو المتعين بالنذر وشبهه ، وإنما لم يضمنه إذا سرق من غير تفريط ، لأنه كالأمانة ، ومن شأن الأمانة أن لا تضمن إلا مع التعدي أو التفريط. واستدل عليه في التهذيب بما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في كتابه ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل‌

__________________

(١) لا يحضرنا الآن حاشية الشرائع ولكنه موجود في جامع المقاصد ١ : ١٧٢.

(٢) الدروس : ١٢٩.

(٣) الحج : ٣٦.

٧١

______________________________________________________

اشترى شاة لمتعته فسرقت منه أو هلكت فقال : « إن كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه » (١) وفي الصحيح عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها ، قال : « لا بأس ، وإن أبدلها فهو أفضل ، فإن لم يشتر فليس عليه شي‌ء » (٢).

وربما تناولت العبارة بإطلاقها الواجب المطلق ، كدم التمتع وجزاء الصيد والمنذور غير المعين إذا عينه في فرد فسرق ، وقد قطع العلامة في المنتهى بأنه بعطبه أو سرقته يرجع الواجب إلى الذمة ، كالدين إذا رهن عليه رهن فإن الحق يتعلق بالذمة والرهن ، فمتى تلف الرهن استوفى من الدين ، وقال : إنه لا يعلم فيه خلافا (٣).

ويستفاد من قول المصنف : ولو سرق من غير تفريط لم يضمن ، أنه لو كان ذهابه بتفريط ضمنه مطلقا. وهو كذلك ، لتعين ذبحه وصرفه في الأكل والإطعام كما سبق.

وأورد المحقق الشيخ علي في حواشي الكتاب على هذا الحكم أنه مناف لما سبق من قوله : ولا يتعين هدي السياق للصدقة إلا بالنذر ، لأنه إذا لم يتعين للصدقة جاز له التصرف فيه كيف شاء ، فكيف يضمنه مع التفريط. قال : ولو حمل على أنه مضمون في الذمة لوجب إقامة بدله مطلقا فرط فيه أم لا (٤). وهو إيراد ضعيف ، لعدم المنافاة بين الأمرين ، فإن هدي السياق وإن لم يتعين للصدقة لكن يجب ذبحه أو نحره بمكة أو منى قطعا ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، فإذا فرط فيه قبل فعل الواجب ضمنه ، فيجب عليه ذبح‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٧ ـ ٧٣٢ ، الوسائل ١٠ : ١٢٩ أبواب الذبح ب ٣٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢١٧ ـ ٧٣٣ ، الوسائل ١٠ : ١٢٩ أبواب الذبح ب ٣٠ ح ١.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٤٩.

(٤) نقله عنه الشهيد في المسالك ١ : ١١٨.

٧٢

ولو ضلّ فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه. ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ولم يجب ذبح الأخير. ولو ذبح الأخير ذبح الأول ندبا ، إلا أن يكون منذورا.

______________________________________________________

البدل أو نحره وإن لم تجب الصدقة به كما هو واضح.

قوله : ( ولو ضل فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الهدي الذي تعلق به السياق متبرعا به أو واجب بنذر أو كفارة. وهو كذلك ، لصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال : « إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل منه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه » (١).

واستشكل المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ على ذلك في الواجب (٢). وهو مدفوع بالنص الصحيح ، مع أنه وافق على الإجزاء في هدي التمتع وهو واجب غير متعين ، فلتكن الكفارة ونحوها كذلك.

واحترز بذبح الواجد له عن صاحبه عما لو ذبحه عن نفسه ، فإنه لا يجزي عن أحدهما ، كما صرح به الشيخ (٣) وجمع من الأصحاب ، ودلت عليه مرسلة جميل عن الصادق عليه‌السلام (٤).

قوله : ( ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ، ولم يجب ذبح الأخير ، ولو ذبح الأخير ذبح الأول ندبا ، إلا أن يكون منذورا ).

هذا الحكم ذكره المصنف والعلامة في جملة من كتبه (٥) بعبارة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٥ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٩٧ ـ ١٤٧٥ ، التهذيب ٥ : ٢١٩ ـ ٧٣٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٢ ـ ٩٦٣ ، الوسائل ١٠ : ١٢٧ أبواب الذبح ب ٢٨ ح ٢.

(٢) نقله عنه الشهيد في المسالك ١ : ١١٨.

(٣) الاستبصار ١ : ٢٧٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٥ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ ـ ٧٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٢ ـ ٩٦٤ ، الوسائل ١٠ : ١٣٢ أبواب الذبح ب ٣٣ ح ١ ، وفيها : عن أحدهما عليهما‌السلام.

(٥) التحرير ١ : ١٠٧ ، والقواعد ١ : ٨٨.

٧٣

______________________________________________________

متقاربة ، والأصل فيه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها ويقلدها ، فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : « إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها » (١).

وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه ، قال : « يشتري مكانه آخر » قلت : فإن اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول؟ قال : إن كانا جميعا قائمين فليذبح الأول وليبع الأخير وإن شاء ذبحه ، وإن كان ذبح الأخير ذبح الأول معه » (٢) وفي طريق هذه الرواية محمد بن سنان ، وهو ضعيف.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن قول المصنف : ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ولم يجب ذبح الأخير ، يقتضي بظاهره وجوب إقامة البدل في هدي السياق المتبرع به ووجوب ذبحه إذا لم يجد الأول ، وهو مناف لما تقدم من عدم وجوب إقامة بدله لو هلك.

وأجاب عنه الشارح ـ قدس‌سره ـ إما بالتزام وجوب إقامة البدل مع الضياع ، وسقوطه مع السرقة والهلاك ، قال : ولا بعد في ذلك بعد ورود النص. وإما بتخصيص الضياع بما وقع منه بتفريط (٣).

وأقول : إن الوجه الثاني مستقيم في نفسه ، أما الأول فمشكل. وما ذكره ـ قدس‌سره ـ من أنه لا بعد في ذلك بعد ورود النص ، مسلم إلا أن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٩ ـ ٧٣٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٧١ ـ ٩٦٢ ، الوسائل ١٠ : ١٣١ أبواب الذبح ب ٣٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٨ ـ ٧٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٧١ ـ ٩٦١ ، الوسائل ١٠ : ١٣٢ أبواب الذبح ب ٣٢ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٩٤ ـ ٧ ، والفقيه ٢ : ٢٩٨ ـ ١٤٨٠.

(٣) المسالك ١ : ١١٨.

٧٤

ويجوز ركوب الهدي ما لم يضر به ، وشرب لبنه ما لم يضر بولده.

______________________________________________________

الكلام في إثبات ذلك ، فإنا لم نقف في هذه المسألة على رواية سوى ما أوردناه من الخبرين ، ولا دلالة لهما على وجوب الإبدال في هدي السياق المتبرع به بوجه :

أما الأول ، فلأنه إنما يدل على وجوب ذبح الأول بعد ذبح الأخير إذا كان قد أشعره ، ولا دلالة له على وجوب الإبدال. وأما الثاني ، فلعدم التعرض فيه لهدي السياق ، بل الظاهر أن المسئول عنه فيه هدي التمتع.

ويمكن حمل عبارة المصنف على الهدي الواجب ، ليتم وجوب إقامة بدله ، ويكون المراد أنه لو وجد الأول بعد ذبح الأخير لم يجب ذبحه لقيام البدل مقامه ، إلا إذا كان منذورا على التعيين فيجب ذبحه بعد ذبح الأخير لتعينه بالنذر لذلك.

وكيف كان فالمتجه عدم وجوب إقامة البدل في المتبرع به إذا ذهب بغير تفريط مطلقا ، تمسكا بمقتضى الأصل المعتضد بالنصوص المتضمنة لعدم وجوب إقامة البدل مع العطب والسرقة ، وإنه متى وجد الأول وجب ذبحه إن كان منذورا أو كان قد أشعره ، وإلا فلا.

قوله : ( ويجوز ركوب الهدي ما لم يضر به ، وشرب لبنه ما لم يضر بولده ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الهدي بين المتبرع به والواجب ، وهو في المتبرع به موضع وفاق ، لما بيناه فيما سبق من عدم خروجه بالسياق عن الملك ، وإنما الخلاف في الواجب ، فذهب بعضهم إلى مساواته للأول في ذلك (١) ، لإطلاق قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة سليمان بن خالد : « إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ، ثم انحرهما جميعا » ‌

__________________

(١) كالشهيد الأول في الدروس : ١٢٩.

٧٥

وكل هدي واجب كالكفارات لا يجوز أن يعطى الجزار منها شيئا ، ولا أخذ شي‌ء من جلودها ،

______________________________________________________

قلت : أشرب من لبنها وأسقي؟ قال : « نعم » (١) وفي رواية أبي الصباح الكناني : « إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها ، فإن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها » (٢).

وذهب ابن الجنيد (٣) والعلامة في المختلف (٤) والشارح (٥) ـ قدس‌سره ـ إلى عدم جواز تناول شي‌ء من الهدي المضمون ، ولا الانتفاع به مطلقا ، ووجوب المثل أو القيمة مع التناول لمستحق أصله ، وهو مساكين الحرم. وهو مشكل ، نعم يمكن القول بذلك في الواجب المعين ، لخروجه عن الملك ، فيتبعه النماء ، بخلاف المضمون.

وأما الصوف والشعر ، فإن كان موجودا عند التعيين تبعه ولم تجز إزالته ، إلا أن يضر به فيزيله ويتصدق به على الفقراء ، وليس له التصرف فيه ، ولو تجدد بعد التعيين كان كاللبن والولد.

ويستفاد من قول المصنف رحمه‌الله : وشرب لبنه ما لم يضر بولده ، أن الولد يتبعه في وجوب الذبح ، وهو كذلك إذا كان موجودا حال السياق مقصودا بالسوق ، أو متجددا بعده مطلقا ، أما لو كان موجودا حال السياق ولم يقصد بالسوق لم يجب ذبحه قطعا ، ولو أضر به شرب اللبن فلا ضمان وإن أثم بذلك.

قوله : ( وكل هدي واجب كالكفارات لا يجوز أن يعطى الجزار منها شيئا ، ولا أخذ شي‌ء من جلودها ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ ـ ٧٤١ ، الوسائل ١٠ : ١٣٣ أبواب الذبح ب ٣٤ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٢ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ ـ ٧٤٢ ، الوسائل ١٠ : ١٣٣ أبواب الذبح ب ٣٤ ح ٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٠٧.

(٤) المختلف : ٣٠٧.

(٥) المسالك ١ : ١١٨.

٧٦

ولا أكل شي‌ء منها. فإن أكل تصدق بثمن ما أكل.

______________________________________________________

يدل على ذلك روايات كثيرة ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن‌ معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الإهاب فقال : « تصدق به ، أو تجعله مصلى ينتفع به في البيت ، ولا يعطى الجزارين » وقال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعطى جلالها وجلودها وقلائدها الجزارين ، وأمر أن يتصدق بها » (١).

ولا يخفى أن المنع من إعطاء الجزارين منها إنما هو على وجه الأجرة ، أما لو أعطاه صدقة وكان مستحقا لذلك فلا بأس به ، لأنه من المستحقين ، وقد باشرها وتاقت نفسه إليها ، كما ذكره في المنتهى (٢).

قوله : ( ولا أكل شي‌ء منها. فإن أكل تصدق بثمن ما أكل ).

يستثنى من هذه الكلية هدي التمتع ، فإنه هدي واجب والأكل منه مستحب أو واجب. ولا يستثنى من ذلك هدي السياق المتبرع به ، فإنه غير واجب وإن تعين ذبحه بالسياق ، لأن المراد بالواجب ما وجب ذبحه بغير السياق كما هو واضح.

وهذا الحكم ـ أعني عدم الجواز الأكل من كل هدي واجب غير هدي التمتع ـ مجمع عليه بين الأصحاب ، حكاه في المنتهى (٣) ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فداء الصيد يأكل منه من لحمه؟ فقال : « يأكل من أضحيته ، ويتصدق بالفداء » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٨ ـ ٧٧١ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٦ ـ ٩٨٠ ، الوسائل ١٠ : ١٥٢ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٦٠. ذكر ذلك في الأضحية ، ولم نجده في بحث الهدي.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٥٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٤ ـ ٧٥٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٣ ـ ٩٦٦ ، الوسائل ١٠ : ١٤٥ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٥.

٧٧

______________________________________________________

وعن أبي بصير ، قال : سألته عن رجل أهدى هديا فانكسر ، قال : « إن كان مضمونا ـ والمضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء ـ فعليه فداؤه » قلت : يأكل منه؟ قال : « لا ، إنما هو للمساكين ، وإن لم يكن مضمونا فليس عليه شي‌ء » قلت : يأكل منه؟ قال : « يأكل منه » (١).

وعن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الهدي ، ما نأكل منه؟ قال : « كل هدي من نقصان الحج فلا تأكل منه ، وكل هدي من تمام الحج فكل » (٢).

قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية حماد عن حريز في حديث يقول في آخره : « إن الهدي المضمون لا يأكل منه إذا عطب ، فإن أكل منه غرم » (٣).

وقد ورد بإزاء هذه الروايات روايات أخر دالة على جواز الأكل من الواجب وغيره ، كرواية عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يؤكل من الهدي كله ، مضمونا كان أو غيره مضمون » (٤).

ورواية جعفر بن بشير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البدن التي تكون جزاء الأيمان والنساء ولغيره ، يؤكل منها؟ قال : « نعم يؤكل من البدن » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٤ ـ ٧٥٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٢ ـ ٩٦٥ ، الوسائل ١٠ : ١٤٥ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٦. ورواها في الكافي ٤ : ٥٠٠ ـ ٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٤ ـ ٧٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٣ ـ ٩٦٧ ، الوسائل ١٠ : ١٤٣ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٣ ، الوسائل ١٠ : ١٤٧ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٢٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٥ ـ ٧٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٣ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ١٠ : ١٤٣ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٢٥ ـ ٧٦٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٣ ـ ٩٦٩ ، الوسائل ١٠ : ١٤٣ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٧.

٧٨

ومن نذر أن ينحر بدنة ، فإن عيّن موضعا وجب ، وإن أطلق نحرها بمكة.

ويستحب أن يأكل من هدي السياق ، وأن يهدي ثلثه ، ويتصدق‌

______________________________________________________

وأجاب عنهما الشيخ في كتابي الأخبار بالحمل على حالة الضرورة ، واستدل عليه بما رواه عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : « إذا أكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل » (١). ولا بأس بالمصير إلى هذا الحمل وإن كان بعيدا ، لأن هاتين الروايتين لا تصلحان لمعارضة الإجماع والأخبار الكثيرة.

قوله : ( ومن نذر أن ينحر بدنة ، فإن عين موضعا وجب ، وإن أطلق نحرها بمكة ).

أما وجوب صرفها مع التعيين في الموضع المعين فلا ريب فيه ، لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر ، وأما وجوب نحرها بمكة مع الإطلاق فاستدل عليه بقوله تعالى ( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٢) وبأن النذر ينصرف إلى المعهود شرعا ، والمعهود في الهدي الواجب ذبحه هناك ، وبما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن إسحاق الأزرق الصائغ ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل جعل لله عليه بدنة ينحرها بالكوفة في شكر ، فقال لي : « عليه أن ينحرها حيث جعل لله عليه ، وإن لم يكن سمى بلدا فإنه ينحرها قبالة الكعبة منحر البدن » (٣).

وفي جميع هذه الأدلة نظر ، ولو قيل بوجوب النحر مع الإطلاق حيث شاء كان وجها قويا.

قوله : ( ويستحب أن يأكل من هدي السياق ، ويهدي ثلثه ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٥ ـ ٧٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٣ ـ ٩٧٠ ، الوسائل ١٠ : ١٤٣ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٥.

(٢) الحج : ٣٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٩ ـ ٨٠٦ ، الوسائل ١٠ : ٩٤ أبواب الذبح ب ٥ ح ٢.

٧٩

بثلثه كهدي التمتع ، وكذا الأضحيّة.

______________________________________________________

ويتصدق بثلثه ).

يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق ، عن شعيب العقرقوفي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سقت في العمرة بدنة ، فأين أنحرها؟ قال : « بمكة » قلت : فأي شي‌ء أعطي منها؟ قال : « كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث » (١).

وصحيحة سيف التمار في هدي السياق : « أطعم أهلك ثلثا ، وأطعم القانع والمعتر ثلثا ، وأطعم المساكين ثلثا » (٢).

والمراد بهدي السياق : المتبرع به ، أما الواجب كفارة أو بنذر إذا ساقه فلا يصح تناول شي‌ء منه ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله : ( وكذا الأضحية ).

أي : يستحب أن يأكل منها ، ويهدي ثلثا ، ويتصدق بثلث ، ولم أقف على رواية تتضمن ذلك صريحا ، قال في المنتهى : ويجوز أن يأكل أكثرها وأن يتصدق بالأقل (٣). وهو كذلك ، وقال الشيخ : إن الصدقة بالجميع أفضل (٤). والظاهر أن مراده الصدقة بالجميع بعد أكل المسمى ، لإجماع علمائنا على استحباب الأكل ، وتصريحه بذلك.

ولو أكل الجميع ضمن للفقراء القدر المجزي وجوبا أو استحبابا بحسب حال الأضحية.

وقد أطلق الأصحاب عدم جواز بيع لحمها من غير تقييد بوجوبها ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٢ ـ ٦٧٢ ، الوسائل ١٠ : ٩٢ أبواب الذبح ب ٤ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٣ ـ ٧٥٣ ، الوسائل ١٠ : ١٤٢ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٣ ، ورواها في معاني الأخبار : ٢٠٨ ـ ٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٥٩.

(٤) المبسوط ١ : ٣٩٣.

٨٠