ويلزم فيها التقصير. ولا يجوز حلق الرأس. ولو حلقه لزمه دم.
______________________________________________________
قوله : ( ويلزم فيها التقصير ، ولا يجوز حلق الرأس ، ولو حلقه لزمه دم ).
هذا هو المشهور بين الأصحاب ، واحتج عليه في التهذيب بما رواه عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه قال : « عليه دم » (١) وعن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن متمتع حلق رأسه بمكة قال : « إن كان جاهلا فليس عليه شيء ، وإن تعمّد ذلك في أوّل الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء ، وإن تعمّد بعد الثلاثين الّذي يوفر فيها الشعر للحج فإنّ عليه دما يهريقه » (٢) وفي الروايتين قصور من حيث السند (٣).
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنّه قال : الحلق مجز ، والتقصير أفضل (٤). وهو ضعيف ، لأنّ الأمر إنّما ورد فيها بالتقصير فلا يتحقق الامتثال بغيره. وذكر العلامة في المنتهى أنّ الحلق مجز وإن قلنا إنّه محرم (٥). وهو أضعف ممّا قبله.
وبالجملة فينبغي القطع بعدم إجزاء الحلق ، لعدم ورود التعبد به ، وإنّما يحصل التردد في تحريمه وترتب الدم عليه لضعف الروايات الواردة بذلك عن إثبات التحريم ، قال في المنتهى : ولو حلق بعض رأسه فالوجه عدم التحريم على القولين ، وسقوط الدم والإجزاء (٦). ويتوجه على الحكم
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٥٨ ـ ٥٢٥ ، الوسائل ٩ : ٥٤٢ أبواب التقصير ب ٤ ح ٣.
(٢) التهذيب ٥ : ١٥٨ ـ ٥٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٢ ـ ٨٤٣ ، الوسائل ٩ : ٥٤٢ أبواب التقصير ب ٤ ح ٥ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٤١ ـ ٧ ، والفقيه ٢ : ٧٣٨ ـ ١١٣٧.
(٣) أما الأولى فلاشتراك راويها بين الضعيف والثقة كما صرح به المصنف مرارا ، وأما الثانية فلأن من جملة رجالها علي بن حديد ولم يوثق.
(٤) الخلاف ١ : ٤٥٠.
(٥) المنتهى ٢ : ٨٧٩. قال : والتقصير متعين في عمرة التمتع. وص ٧١١. قال : لو قص الشعر بأي شيء كان أجزأه وكذا لو نتفه أو أزاله لكن الأفضل التقصير في إحرام العمرة.
(٦) المنتهى ٢ : ٧١١.
ولا يجب فيها طواف النساء.
والمفردة : تلزم حاضري المسجد الحرام ، وتصح في جميع أيام السنة ، وأفضلها ما وقع في رجب.
______________________________________________________
لإجزاء هنا ما ذكرناه في حلق الجميع.
قوله : ( ولا يجب فيها طواف النساء ).
هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنّه لا يعرف فيه خلافا. والأخبار الصحيحة الواردة بذلك مستفيضة جدا. وحكى الشهيد في الدروس عن بعض الأصحاب قولا بأنّ في المتمتع بها طواف النساء (١). وهو مع جهالة قائله واضح البطلان كما بيناه فيما سبق.
قوله : ( والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ).
هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى ما سبق صحيحة يعقوب بن شعيب قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : قول الله عزّ وجلّ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال : « كذلك أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه » (٢).
وقد قطع الأصحاب بأنّه يجب على القارن والمفرد تأخير العمرة عن الحج ، وفي استفادة ذلك من الأخبار نظر.
قوله : ( وتصح في جميع أيّام السنة ، وأفضلها ما وقع في رجب ).
أمّا صحة العمرة المفردة في جميع أيّام السنة ، فقال في المنتهى : إنّه
__________________
(١) الدروس : ٩١.
(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٣ ـ ١٥٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٥ ـ ١١٥١ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٣ أبواب العمرة ب ٥ ح ٤.
ومن أحرم بالمفردة ودخل مكة جاز أن ينوي التمتع ، ويلزمه دم ولو كان في أشهر الحج لم يجز.
______________________________________________________
لا نعرف فيه خلافا (١). ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كان علي يقول : لكل شهر عمرة » (٢).
وأمّا أنّ أفضلها ما وقع في رجب فيدل عليه روايات ، منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه سئل أي العمرة أفضل ، عمرة رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ فقال : « لا بل عمرة في رجب أفضل » (٣) وما رواه الكليني في الصحيح أيضا ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « المعتمر يعتمر في أيّ شهور السنة شاء ، وأفضل العمرة عمرة رجب » (٤).
ويتحقق العمرة في رجب بالإهلال فيه وإن أكملها في غيره ، لصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبيّة » (٥).
قوله : ( ومن أحرم بالمفردة ودخل مكة جاز أن ينوي التمتع ويلزمه دم ، ولو كان في غير أشهر الحج لم يجز ).
أما عدم جواز نيّة التمتع إذا وقعت العمرة المفردة في غير أشهر الحج فظاهر ، لأنّ عمرة التمتع لا تقع في غير أشهر الحج إجماعا ، وأمّا جواز نية التمتع إذا وقعت المفردة في أشهر الحج ، فيدل عليه روايات ، منها صحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « من دخل مكة معتمرا
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٦٦٥.
(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٥ أبواب العمرة ب ٦ ح ٤.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٤٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٩ أبواب العمرة ب ٣ ح ٣.
(٤) الكافي ٤ : ٥٣٦ ـ ٦ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٠ أبواب العمرة ب ٣ ح ١٣.
(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٤٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٩ أبواب العمرة ب ٣ ح ٤.
ولو دخل مكة متمتعا لم يجز له الخروج حتى يأتي بالحج ، لأنه مرتبط به.
نعم لو خرج بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام جاز. ولو خرج فاستأنف عمرة تمتّع بالأخيرة.
ويستحب المفردة في كل شهر ، وأقله عشرة أيام.
ويكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل من عشرة ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه.
______________________________________________________
مفردا للعمرة فقضى عمرته ثمّ خرج كان ذلك له ، وإن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة » وقال : « ليس تكون متعة إلاّ في أشهر الحج » (١) ومقتضى الرواية جواز التمتع بالعمرة المفردة الواقعة في أشهر الحج بمعنى إيقاع حج التمتع بعدها وإن لم يكن ينوبها التمتع ، وعلى هذا فلا وجه لتقييد العمرة المفردة بما إذا لم تكن متعينة عليه بنذر وشبهه كما ذكره الشارح قدسسره (٢).
قوله : ( ولو دخل مكة متمتعا لم يجز له الخروج حتى يأتي بالحج ، لأنه مرتبط به ، نعم لو خرج بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام جاز ، ولو خرج فاستأنف عمرة تمتع بالأخيرة ).
إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في العمرة بين أن تكون واجبة أو مندوبة ، وهو كذلك ، وقد تقدّم الكلام في هذه المسألة مفصلا.
قوله : ( ويستحب المفردة في كل شهر ، وأقله عشرة أيام ، ويكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل من عشرة أيام ، وقيل : يحرم ، والأوّل أشبه ).
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٧ أبواب العمرة ب ٧ ح ٥.
(٢) المسالك ١ : ١٤٧.
______________________________________________________
اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب السيد المرتضى (١) وابن إدريس (٢) والمصنف وجمع من الأصحاب إلى جواز الاتباع بين العمرتين مطلقا ، لإطلاق الأمر بالاعتمار.
وقال ابن أبي عقيل : لا يجوز عمرتان في عام واحد (٣). لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « لا يكون عمرتان في سنة » (٤) وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « العمرة في كل سنة مرة » (٥).
وأجاب الشيخ عنهما بالحمل على عمرة التمتع ، جمعا بينهما وبين غيرهما من الروايات المتضمنة لأنّ لكل شهر عمرة (٦) ، وهو حسن.
وقال الشيخ في المبسوط : أقلّ ما يكون بين العمرتين عشرة أيّام (٧) ، لرواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن رجل يدخل مكة في السنة المرة والمرتين والأربعة كيف يصنع؟ قال : « إذا دخل فليدخل ملبيا ، وإذا خرج فليخرج محلا » قال : « ولكل شهر عمرة » فقلت : يكون أقل؟ فقال : « يكون لكل عشرة أيّام عمرة » (٨) وهي ضعيفة السند باشتماله
__________________
(١) جمل العلم والعمل : ١٠٣ ، والمسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨.
(٢) السرائر : ١٥٠.
(٣) نقله عنه في المختلف : ٣١٩.
(٤) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٥ أبواب العمرة ب ٦ ح ٧ و ٨.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١١ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٦ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٥ أبواب العمرة ب ٦ ح ٦.
(٦) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ، والاستبصار ٢ : ٣٢٦.
(٧) المبسوط ١ : ٣٠٤.
(٨) الكافي ٤ : ٥٣٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٣٩ ـ ١١٤١ وذيله في ص ٢٧٨ ـ ١٣٦٣ ، التهذيب ٥ : ٤٣٤ ـ ١٥٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٤ أبواب العمرة ب ٦ ح ٣.
ويتحلل من المفردة بالتقصير ، والحلق أفضل.
______________________________________________________
على عدة من الضعفاء.
وقال أبو الصلاح (١) ، وابن حمزة (٢) ، والمصنف في النافع (٣) ، والعلامة في المختلف (٤) : أقلّه شهر ، لصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كان علي عليهالسلام يقول : لكل شهر عمرة » (٥) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « في كتاب علي عليهالسلام : في كل شهر عمرة » (٦) وموثقة يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « لكل شهر عمرة » (٧).
ويمكن المناقشة في هذه الروايات بعدم الصراحة في المنع من تكرار العمرة في الشهر الواحد ، إذ من الجائز أن يكون الوجه في تخصيص الشهر تأكد استحباب إيقاع العمرة في كل شهر ، ولا يلزم من ذلك عدم مشروعية تكرارها في الشهر الواحد إلاّ أنّ إثبات المشروعية يتوقف على ورود الأمر بذلك خصوصا أو عموما ، ولم أقف في ذلك على نصّ يعتد به ، والمسألة محل تردد وإن كان اعتبار الشهر لا يخلو من قوة.
قوله : ( ويتحلل من المفردة بالتقصير ، والحلق أفضل ).
يدل على ذلك روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « المعتمر عمرة مفردة إذا
__________________
(١) الكافي في الفقه : ٢٢١.
(٢) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٩٥.
(٣) المختصر النافع : ٩٩.
(٤) المختلف : ٣٢٠.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٥ أبواب العمرة ب ٦ ح ٤.
(٦) الكافي ٤ : ٥٣٤ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٤ أبواب العمرة ب ٦ ح ١.
(٧) الكافي ٤ : ٥٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٣٤ ـ ١٥٠٧ ، و ٤٣٥ ـ ١٥١٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٤ أبواب العمرة ب ٦ ح ٢ وص ٢٤٥ ح ٥.
وإذا قصّر أو حلق حلّ له كل شيء إلا النساء. فإذا أتى بطواف النساء حل له النساء.
وهو واجب في المفردة بعد السعي على كل معتمر من مرأة وخصي وصبيّ.
______________________________________________________
فرغ من طواف الفريضة ، وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصر » (١).
وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن صفوان بن يحيى ، عن سالم بن الفضيل قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : دخلنا بعمرة فنقصر أو نحلق؟ قال : « احلق فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ترحّم على المحلّقين ثلاث مرّات ، وعلى المقصّرين مرة » (٢).
قوله : ( وإذا حلق أو قصر حلّ له كل شيء إلاّ النساء ، فإذا أتى بطواف النساء حلّت له النساء ).
هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وحكى الشهيد في الدروس عن الجعفي أنّه حكم بسقوط طواف النساء في العمرة المفردة (٣). وله شواهد من الأخبار غير أنّ المشهور أولى وأحوط ، وقد تقدّم الكلام في ذلك.
قوله : ( وهو واجب في المفردة بعد السعي على كل معتمر ، من امرأة وخصي وصبي ).
كان الأولى أن يقول : وهو واجب بعد الحلق أو التقصير ، ولا يخفى أنّ إسناد الوجوب إلى الصبي على سبيل التجوز من حيث منعه من النساء بدون الطواف كما يمنع البالغ ، ويدل على وجوبه على كل مكلّف مضافا إلى عموم الخطاب خصوص صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٤٣٨ ـ ١٥٢٣ ، الوسائل ٩ : ٥٤٣ أبواب التقصير ب ٥ ح ١.
(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٤٦ ، الوسائل ١٠ : ١٨٧ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ١٣.
(٣) الدروس : ٩١.
ووجوب العمرة على الفور.
______________________________________________________
عليهالسلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال : « عليهم الطواف كلهم » (١).
قوله : ( ووجوب العمرة على الفور ).
أما فورية الوجوب في العمرة المتمتع بها فلا إشكال فيه ، لتقدمها على الحج الفوري ، وأمّا العمرة المفردة فلم أقف على دليل يدل على فورية الوجوب فيها سوى الإجماع المنقول ، وظاهر صحيحة معاوية المتقدمة (٢) المتضمنة لمساواتها للحج في كيفية الوجوب. وقد تقدّم أنّ محلّها بعد الفراغ من الحج ، وذكر جمع من الأصحاب أنّه يجب تأخيرها إلى انقضاء أيّام التشريق ، لصحيحة معاوية بن عمار المتضمنة للنهي عن عمرة التحلل في أيّام التشريق (٣) ، فغيرها أولى ، ولا بأس بالتأخير وإن أمكن المناقشة في دليل الوجوب.
ونصّ العلامة (٤) وغيره (٥) على جواز تأخيرها إلى استقبال المحرّم. وربّما كان مستنده ما رواه الشيخ مرسلا ، عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « المتمتع إذا فاتته العمرة أقام إلى هلال المحرّم اعتمر فأجزأت عنه مكان عمرة المتعة » (٦).
واستشكل الشارح هذا الحكم بوجوب إيقاع الحج والعمرة المفردة في عام واحد ، قال : إلاّ أن يراد بالعام اثنى عشر شهرا ومبدؤها زمان التلبس
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥١٣ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٥٥ ـ ٨٦٤ ، الوسائل ٩ : ٣٨٩ أبواب الطواف ب ٢ ح ١.
(٢) في ص ٤٥٧.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٩٥ ـ ٩٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ١٠ : ٦٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٣.
(٤) القواعد ( إيضاح الفوائد ) ١ : ٣٢٠.
(٥) كالشهيد الأول في الدروس : ٩٣.
(٦) التهذيب ٥ : ٤٣٨ ـ ١٥٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٥ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٥.
______________________________________________________
بالحج (١). وهو محتمل مع أنّه لا دليل على اعتبار هذا الشرط كما بيناه فيما سبق. وأوضح ما وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار سندا ومتنا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المعتمر بعد الحج قال : « إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن » (٢) والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.
ولنختم هذا الكتاب بإيراد عشرين خبرا تتضمن فوائد :
الأول : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن ابن أبي نجران قال ، قلت لأبي جعفر عليهالسلام : جعلت فداك ما لمن زار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متعمدا؟ فقال : « له الجنة » (٣).
الثاني : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حفص بن البختري وهشام بن سالم ومعاوية بن عمار وغيرهم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لو أنّ الناس تركوا الحجّ لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، ولو تركوا زيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، فإن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين » (٤).
الثالث : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : « إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة » (٥).
__________________
(١) المسالك ١ : ١٤٨.
(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٨ ـ ١٥٢١ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٩ أبواب العمرة ب ٨ ح ٢.
(٣) الكافي ٤ : ٥٤٨ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٠ أبواب المزار ب ٣ ح ١.
(٤) الفقيه ٢ : ٢٥٩ ـ ١٢٥٩ ، الوسائل ٨ : ١٦ أبواب وجوب الحج ب ٥ ح ٢.
(٥) الفقيه ٢ : ٣٤٥ ـ ١٥٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٥٣ أبواب المزار ب ٢ ح ٥.
______________________________________________________
الرابع : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فتسلّم على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر ، عند زاوية القبر ، وأنت مستقبل القبلة ، ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ، ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر ، فإنه موضع رأس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أنك رسول الله ، وأشهد أنك محمد بن عبد الله ، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك ، وجاهدت في سبيل الله ، وعبدت الله حتى أتاك اليقين ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأديت الذي عليك من الحق ، وأنك قد رؤفت بالمؤمنين ، وغلظت على الكافرين ، فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين ، الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة ، اللهم فاجعل صلواتك ، وصلوات ملائكتك المقربين ، وعبادك الصالحين ، وأنبيائك المرسلين ، وأهل السماوات والأرضين ، ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيّك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك. اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم إنك قلت ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحِيماً ) (١) وإني أتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي ، وإني أتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر ذنوبي ، وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك فإنك أحرى أن تقضى إن شاء الله » (٢).
__________________
(١) النساء : ٦٤.
(٢) الكافي ٤ : ٥٥٠ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٦ أبواب المزار ب ٦ ح ١.
______________________________________________________
الخامس : ما رواه الكليني أيضا في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فائت المنبر فامسحه بيدك ، وخذ برمانتيه وهما السفلاوان ، وامسح عينيك ووجهك به ، فإنه يقال : إنه شفاء للعين ، وقم عنده فاحمد الله وأثن عليه وسل حاجتك ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من الجنة ، والترعة هي الباب الصغير ، ثم تأتي مقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فتصلي فيه ما بدا لك ، فإذا دخلت المسجد فصل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك ، وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم » (١).
السادس : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كم تعدل الصلاة فيه؟ فقال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره ، إلا المسجد الحرام » (٢).
السابع : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن وهب قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : هل قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة؟ فقال : « نعم » وقال : « وبيت علي وفاطمة عليهماالسلام ما بين البيت الذي فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الباب الذي يحاذي الزقاق إلى البقيع » قال : « فلو دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه أصاب منكبك الأيسر » ثم سمّى سائر البيوت وقال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره ، إلا المسجد الحرام فهو أفضل » (٣).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٥٣ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٠ أبواب المزار ب ٧ ح ١.
(٢) التهذيب ٦ : ١٥ ـ ٣٣ ، الوسائل ٣ : ٥٤٤ أبواب أحكام المساجد ب ٥٧ ح ٧.
(٣) الكافي ٤ : ٥٥٥ ـ ٨ ، الوسائل ٣ : ٥٤٢ أبواب أحكام المساجد ب ٥٧ ح ١.
______________________________________________________
الثامن : ما رواه الكليني في الصحيح أيضا ، عن محمد بن مسلم قال : سألته عن حد مسجد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « الأسطوانة التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين من وراء المنبر عن يمين القبلة ، وكان من وراء المنبر طريق تمر فيه الشاة ويمرّ الرجل منحرفا ، وكانت ساحة المسجد من البلاط إلى الصحن » (١).
التاسع : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليهالسلام : ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال : « لا بأس ، إلا في المسجدين : مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسجد الحرام » قال : وكان يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحى ناحية ثم يجلس فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام ، فقلت له في ذلك فقال : « إنما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس » (٢).
العاشر : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : « عاشت فاطمة عليهاالسلام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خمس وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة ، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين : الاثنين والخميس ، فتقول : ها هنا كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وها هنا كان المشركون » (٣).
الحادي عشر : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن قبر فاطمة عليهاالسلام قال : « دفنت في بيتها ، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد » (٤).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٥٤ ـ ٤ ، الوسائل ٣ : ٥٤٦ أبواب أحكام المساجد ب ٥٨ ح ١.
(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب أحكام المساجد ب ١٨ ح ٢.
(٣) الكافي ٣ : ٢٢٨ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٩ أبواب المزار ب ١٣ ح ١.
(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٧٠٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٨ أبواب المزار ب ١٨ ح ٣.
______________________________________________________
الثاني عشر : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : « لا تدع إتيان المشاهد كلها : مسجد قبا فإنه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، ومشربة أم إبراهيم ، ومسجد الفضيخ ، وقبور الشهداء ، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح » قال : « وبلغنا أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا أتى قبور الشهداء قال : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. وليكن فيما تقول عند مسجد الفتح : يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ، اكشف غمّي وهمّي وكربي كما كشفت عن نبيك همّه وغمّه وكربه وكفيته هول عدوه في هذا المكان » (١).
الثالث عشر : ما رواه الكليني في الصحيح أيضا ، عن الحلبي قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : « هل أتيتم مسجد قبا أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم؟ » قلت : نعم ، قال : « أما إنه لم يبق من آثار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيء إلا وقد غيّر غير هذا » (٢).
الرابع عشر : ما رواه الكليني أيضا في الحسن ، عن مرار بن حكيم قال : زاملت محمد بن مصادف فلما دخلنا المدينة اعتللت فكان يمضي إلى المسجد ويدعني وحدي ، فشكوت ذلك إلى مصادف ، فأخبر به أبا عبد الله عليهالسلام ، فأرسل إليه : قعودك عنده أفضل من صلاتك في المسجد (٣).
الخامس عشر : ما رواه الكليني أيضا في الحسن ، عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا أردت أن تخرج من المدينة فاغتسل ثم ائت قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ما تفرغ من حوائجك ، واصنع ما
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٦٠ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٥ أبواب المزار ب ١٢ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٥٦١ ـ ٦ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٧ أبواب المزار ب ١٢ ح ٣.
(٣) الكافي ٤ : ٥٤٥ ـ ٢٧.
______________________________________________________
صنعت عند دخولك ، وقل : اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيك ، فإن توفيتني قبل ذلك فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك » (١).
السادس عشر : ما رواه الكليني في الصحيح أيضا ، عن أبي عبيدة وزرارة جميعا ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام قال : « لما قتل الحسين صلوات الله عليه أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين عليهالسلام فخلا به فقال له : يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دفع الوصية بعده إلى أمير المؤمنين ، ثم إلى الحسن ، ثم إلى الحسين صلوات الله عليهم ، وقد قتل أبوك رضياللهعنه وصلى على روحه ولم يوص ، وأنا عمك وصنو أبيك ، وولادتي من علي ، وأنا في سنّي وقدمي أحق بها منك في حداثتك ، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجّني ، فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : يا عم اتق الله ولا تدّع ما ليس لك بحق ، إني أعظك أن تكون من الجاهلين ، إن أبي يا عم صلوات الله عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجه إلى العراق ، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عندي ، فلا تتعرّض لهذا ، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال ، إن الله تبارك وتعالى جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين عليهالسلام ، فإن أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك ». قال أبو جعفر عليهالسلام : « وكان الكلام بينهما بمكة ، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود ، فقال علي بن الحسين عليهالسلام لمحمد بن الحنفية : ابدأ أنت وابتهل إلى الله عزّ وجلّ وسله أن ينطق لك الحجر ثم سله ، فابتهل محمد بن الحنفية في الدعاء وسأل الله عزّ وجلّ ثم دعا الحجر فلم يجبه ، فقال علي بن الحسين صلوات الله عليهما : يا عم لو كنت وصيا وإماما لإجابك ، قال له محمد : فادع أنت يا ابن أخي وسله ، فدعا الله عزّ وجلّ علي بن الحسين
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٦٣ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٠ أبواب المزار ب ١٥ ح ١.
______________________________________________________
عليهالسلام بما أراد ثم قال : أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الخلق أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي عليهماالسلام؟ قال : فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ، ثم أنطقه الله عزّ وجلّ بلسان عربي مبين فقال : إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي عليهماالسلام إلى علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليهم. قال : فانصرف محمد بن علي صلوات الله عليه وهو يتولى علي بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين » (١).
السابع عشر : ما رواه ابن بابويه بعدة أسانيد معتبرة ، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال لنا علي بن الحسين عليهماالسلام : « أي البقاع أفضل؟ » فقلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال : « أما إن أفضل البقاع بين الركن والمقام ، ولو أن رجلا عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله عزّ وجلّ بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا » (٢).
الثامن عشر : ما رواه ابن بابويه أيضا في الصحيح ، عن محمد بن عثمان العمري رضياللهعنه أنه قال : « والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه » (٣).
التاسع عشر : ما رواه ابن بابويه في الصحيح أيضا ، عن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال : سألت محمد بن عثمان العمري رضياللهعنه فقلت له : رأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال : نعم ، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني. قال محمد بن عثمان رضياللهعنه وأرضاه : ورأيته صلوات الله متعلقا بأستار الكعبة في المستجار وهو
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٤٨ ـ ٥.
(٢) الفقيه ٢ : ١٥٩ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ١٠ : ٩٣ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩ ح ١٢.
(٣) الفقيه ٢ : ٣٠٧ ـ ١٥٢٥ ، الوسائل ٨ : ٩٦ أبواب وجوب الحج ب ٤٦ ح ٨.
______________________________________________________
يقول : اللهم انتقم لي من أعدائك » (١).
العشرون : ما رواه ابن بابويه في الصحيح أيضا ، عن بكير بن أعين ، عن أخيه زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني! فقال : « يا زرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام ، تريد أن تفتي مسائله في أربعين عاما » (٢). والحمد لله أولا وآخرا ، وصلواته على سيدنا محمد وآله.
هذا صورة خط المصنف رحمهالله تعالى بلطفه : تم المجلد الثالث من كتاب مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام على يد مؤلفه العبد المفتقر إلى عفو الله تعالى ورحمته وشفاعة نبيه وأئمته محمد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الحسيني الموسوي العاملي عامله الله بلطفه ، وكان الفراغ منه يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة من شهور سنة ثمان وتسعين وتسعمائة من الهجرة النبوية ، ونسأل الله تعالى بعد المغفرة إتمام هذا الكتاب بمنّه.
ولنختم بفوائد يحتاج إليها الطالب المستفيد :
الأولى : اعلم أن كل حكم مستفاد من لفظ مطلق أو عام أو من استصحاب ـ يسمى بالاستصحاب كلما كان سبب الترجيح فيه التمسك بالظاهر ـ يكون أشبه بأصولنا ، والأنسب مثله.
والمراد بالأظهر في فتاوي الأصحاب ، والأشهر من الروايات المختلفة ، والأصح ما لا احتمال فيه ، والتردد ما احتمل الأمرين. والأولى هو ترجيح أحد القولين المتكافئين. والنقل بوجه ما والأحوط ما يتفصى به من الخلاف وهما على الندب.
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٣٠٧ ـ ١٥٢٦ ، الوسائل ٩ : ٣٦٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٢٧ ح ١ و ٢.
(٢) الفقيه ٢ : ٣٠٦ ـ ١٥١٩ ، الوسائل ٨ : ٧ أبواب وجوب الحج ب ١ ح ١٢.
______________________________________________________
وإذا قال : على قول ، أراد به قولا لبعض الفقهاء ولم يجد عليه دليلا. وإذا قال : على قول مشهور ، فالمراد به عند ما وجده مشهورا بين الفقهاء ولم يجد عليه دليلا.
وكلما قيل : فيه تردد ، أو فيه إشكال ، أو على وجه ، فالوجهان متكافئان.
وأما على رأي ففيه إشارة إلى وجه ضعيف ، إلا ما اشتهر في فتاوي الفاضل بن المطهر فإن ظاهره أن قوله على رأي فتوى له.
وفي حكم التردد ما لو قال : فيه وجهان ، أو احتمالان ، أو قولان لا على وجه الحكاية.
ولو قال : يحتمل ، أو يمكن ، فإن علم منه قرينة الترجيح ، وإلاّ فكالتردد.
والترجيح : تعدية الحكم من منطوق به إلى مسكوت عنه ، إما لكون المسكوت عنه أولى بالحكم وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى كتحريم الضرب المستفاد من تحريم التأفيف ، أو للنص على علية الحكم ، ويسمى : اتحاد طريق المسألتين كقوله عليهالسلام وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر : « أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا : نعم قال : « إذا لا يصلح » فيسري إلى تحريم بيع الزبيب بالعنب.
الثانية : اعلم أن خطاب الشرع ينقسم إلى خطاب التكليف وإلى خطاب الوضع ـ أعني الخطاب بنصب الأشياء ـ ولا يشترط فيه العلم ولا القدرة ولا عدمهما ولا التكليف ، ومعناه قول الشارع اعلموا أنه متى وجد كذا فقد وجب كذا وأبيح كذا وندب كذا. ومن ثم حكم بضمان الصبي والمجنون ما أتلفاه مع عدم تكليفهما وقد يكون خطاب الوضع بالمانع كما يقول الشارع عدم كذا مع وجود المانع أو عدم الشرط ، إذا تقرر ذلك فالطهارة من خطاب الوضع إذ هي شرط في صحة الصلاة ، وكذلك الاستقبال والستر. وكذلك لا
______________________________________________________
يشترط فيه التكليف من إيقاعه على الوجه المخصوص ، فإن دخل الوقت على المكلف وهو متصف بهذه الصفات تم الفرض وصحت الصلاة ، ومن لم يتصف بها أو ببعضهما توجه عليه حينئذ خطاب التكليف وخطاب الوضع.
الثالثة : في الإشارة إلى المشايخ وكتبهم فاعلم أن كل موضع يقع فيه الكناية ( بالشيخ ) : فالمراد به الشيخ السعيد محمد بن الحسن الطوسي شيخ المذهب ، ( وبالشيخين ) : فهو مع شيخه المفيد محمد بن النعمان البغدادي ، ( وبالثلاثة ) هما مع السيد المرتضى علم الهدى ، و ( بالأربعة ) : هم مع أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي ويعبّر عنه بالفقيه وعنهما بالصدوقين والفقيهين ، ( وبالحسن ) : عن ابن أبي عقيل العماني ، ( وبأبي علي ) : عن محمد بن أحمد بن الجنيد الكاتب الإسكافي ، ( وعنهما ) : بالقديمين ، ( وبالقاضي ) : عن عبد العزيز بن العزيز بن الجرير البراج ويعبّر عنه الطرابلسي لأنه تولى قضاء طرابلس عشرين سنة وهو تلميذ الشيخ الطوسي ، ( وبأبي يعلا ) : عن سلار وهو تلميذ المفيد ، و ( بالتقي ) : عن أبي الصلاح الحلبي ، ( وبالحلي ) : عن محمد بن إدريس ، ( وبابن سعيد ) : عن نجم بن جعفر بن سعيد الحلي ويعبر عنه بأبي القاسم والمحقق ، ( وبالعلامة ) : عن جمال الدين الحسن بن يوسف بن مطهر ، ويعبر عنه وعن شيخه ابن سعيد بالفاضلين وعنه بالفاضل ، وعن ولده فخر الدين ( بالسعيد ) وعن محمد بن مكي ( بالشهيد ) ( والحليون ) ابن إدريس وأبو القاسم وجمال الدين ( والشاميون ) أبو الصلاح وابن زهرة وابن براج ( والمعظم ) يعني به معظم الأصحاب.
وإذا قلنا : قال الشيخ في الكتابين أو كتابي الفروع ، فهما المبسوط والخلاف ، وبالثلاثة هما مع النهاية. والمراد بكتاب الصدوق : هو كتاب من لا يحضره الفقيه ، وبكتابية : هو مع المقنع. والمراد بكتابي القاضي : هما المهذب والكامل.
ورمز المبسوط : ط ، والخلاف : ف ، والتهذيب : يب ، والشرائع : ئع ،
______________________________________________________
والقواعد : عد ، والمختلف : لف والمخ ، والتحرير : ير ، والإرشاد : د ، والدروس س ، والتذكرة : كره ، والذكرى : كرى ، والبيان : ن ، والمعتبر بر.
الرابعة : أنه إذا أطلق في الرواية : قوله ص فالمراد به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإذا قيل : أحدهما فالمراد به الباقر والصادق عليهماالسلام ، إذ من الرواة من روى عن كل منهما فاشتبه عليه فنسبه لهما ، وإذا أطلق أبو جعفر عليهالسلام : فالمراد به الباقر عليهالسلام ، وإذا قيّد بأبي جعفر الثاني : فالمراد به الجواد عليهالسلام. وإذا أطلق أبو عبد الله : فالصادق عليهالسلام ، وإذا أطلق أبو الحسن : فالكاظم عليهالسلام ، وإذا قيّد بالثاني فالمراد به الرضا عليهالسلام ، وبالثالث فالهادي عليهالسلام ، وإذا أطلق العالم أو الفقيه أو العبد الصالح أو أبو إبراهيم : فالكاظم ، وقد يرقم بحرف اختصارا فالصاد الصادق عليهالسلام ، والقاف الباقر عليهالسلام والظاء الكاظم عليهالسلام ، والضاد الرضا عليهالسلام.
الخامسة : اعلم أنهم عليهمالسلام لما كانت أحوالهم مختلفة في الانبساط للفتوى بحسب ملوك زمانهم وحالهم معهم وكان أكثر فتوى هو الباقر وابنه جعفر عليهماالسلام وبعدهما الكاظم عليهالسلام فلذلك كان الغالب في الرواية ما نقل عن هؤلاء الثلاثة ، ثم ما نقل عنهم قد يبلغ إلى حد يفيد العلم فذلك متواتر كخبر الغدير وشجاعة علي عليهالسلام ، وقد لا يبلغ فيكون خبر واحد يوصف بصفات منها : ( المشهور ) وهو : ما زادت رواته عن ثلاثة ويسمى المستفيض ، وقد يطلق على ما اشتهر العمل به بين العلماء ، ويقابل الشاذ والنادر ، وقد يطلق على مروي الثقة إذا خالف المشهور. ( والصحيح ) هو : ما اتصلت رواته إلى المعصوم عليهالسلام بعدد أسامي وهو المتصل والمعنعن وإن كانا أعم منه ، وقد يطلق الصحيح على سليم الطريق من الطعن وإن اعتراه قطع أو إرسال. ومنها ( الحسن ) وهو : ما رواه من نصوا على توثيقه مع فساد عقيدته ويسمى القوي ، وقد يراد ( بالقوي ) ما روى الإمامي غير المذموم ولا
______________________________________________________
الممدوح ويقابله الضعيف ، وربما قابل الصحيح الضعيف والحسن الموثق ( والمرسل ) : ما رواه عن المعصوم من لم يدركه بغير واسطة أو واسطة نسيها وتركها ، ويسمى منقطعا ومقطوعا بإسقاط واحد ومعضلا بإسقاط أكثر ، وربما خصوا المنقطع بما لا يتصل سنده إلى المعصوم عليهالسلام كقول الراوي : أخبرني فلان عمن حدثه أو عن بعض أصحابه. ( والمقبول ) : ما تلقوا بالقبول والعمل بالمضمون. ( والموقوف ) : ما روى عن صاحب المعصوم ، وقد يطلق عليه الأبتر إن كان الراوي صحابيا. ( والمتواتر ) : قطعي القبول لوجوب العمل بالعلم. ( والواحد ) : مقبول بشروطه المشهورة إذا اعتضد بقطعي كفحوى الكتاب أو دليل العقل وأنكره السيد وابن إدريس. ( والمرسل ) مقبول إن كان مرسله معلوم التحرز من الرواية عن مجروح كمحمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن أبي نصر البزنطي لأنهم لا يرسلون إلا عن ثقة أو عمن عمل الأكثر وقد كفانا السلف رحمهمالله مؤنة نقل الأحاديث وبيان هذه الوجوه والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله.
* * *