مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

وأن ينحر الإبل قائمة ، قد ربطت بين الخف والركبة ، ويطعنها من الجانب الأيمن ، وأن يدعو الله تعالى عند الذبح ،

______________________________________________________

الفحولة » (١). قال في المنتهى : ولا نعلم خلافا في جواز العكس في البابين (٢). ويدل على إجزاء الذكران من الإبل والبقر صريحا قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : « الإناث والذكور من الإبل والبقر يجزي » (٣).

قوله : ( وأن ينحر الإبل قائمة ، قد ربطت بين الخف والركبة ، ويطعنها من الجانب الأيمن ).

يدل على ذلك روايات كثيرة ، كصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قول الله عزّ وجلّ ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) (٤) قال : « ذلك حين تصف للنحر ، تربط يديها ما بين الخف إلى الركبة ، ووجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض » (٥).

ورواية أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام كيف تنحر البدنة؟ قال : « ينحرها وهي قائمة من قبل اليمين » (٦).

ومعنى قول المصنف ويطعنها من الجانب الأيمن أن الذي ينحرها يقف من جانبها الأيمن ويطعنها في موضع النحر.

قوله : ( وأن يدعو الله عند الذبح ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٤ ـ ٦٨٠ ، الوسائل ١٠ : ٩٩ أبواب الذبح ب ٩ ح ١ ، ورواها في المقنعة : ٧٠.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٤٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٥ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ١٠ : ١٠٠ أبواب الذبح ب ٩ ح ٣.

(٤) الحج : ٣٦.

(٥) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٧ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ ـ ٧٤٣ ، الوسائل ١٠ : ١٣٤ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ ـ ٧٤٤ ، الوسائل ١٠ : ١٣٥ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٢.

٤١

ويترك يده مع يد الذابح. وأفضل منه أن يتولى الذبح بنفسه إذا أحسن.

ويستحب أن يقسمه ثلاثا ، يأكل ثلثه ، ويتصدق بثلثه ، ويهدي‌

______________________________________________________

روى الكليني في الصحيح ، عن صفوان وابن أبي عمير قال ، قال أبو‌ عبد الله عليه‌السلام : « إذا اشتريت هديك فاستقبل القبلة وانحره أو اذبحه ، وقل : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) ، وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك ، بسم الله والله أكبر ، اللهم تقبل مني ، ثم أمر السكين ولا تنخعها حتى تموت » (١).

قوله : ( ويترك يده مع يد الذابح وأفضل منه أن يتولى الذبح بنفسه إذا أحسن ).

أما أنه يستحب للحاج تولي الذبح بنفسه إذا أحسن ذلك فيدل عليه التأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن المروي أنه نحر هديه بنفسه (٢) ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « وإن كانت امرأة فلتذبح لنفسها » (٣).

وأما استحباب وضع يد صاحب الهدي مع يد الذابح إذا استناب فيه فيدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « كان علي بن الحسين عليه‌السلام يجعل السكين في يد الصبي ، ثم يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح » (٤).

قوله : ( ويستحب أن يقسمه أثلاثا ، يأكل ثلثه ، ويتصدق بثلثه ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٨ ـ ٦ ، الوسائل ١٠ : ١٣٧ أبواب الذبح ب ٣٧ ح ١ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٩ ، والتهذيب ٥ : ٢٢١ ـ ٧٤٦.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٥ ـ ٨ ، الوسائل ١٠ : ١٣٦ أبواب الذبح ب ٣٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٦ ، الوسائل ١٠ : ١٣٦ أبواب الذبح ب ٣٦ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٠ : ١٣٦ أبواب الذبح ب ٣٦ ح ٢.

٤٢

ثلثه. وقيل : يجب الأكل منه ، وهو الأظهر.

______________________________________________________

ويهدي ثلثه ، وقيل : يجب الأكل منه ، وهو الأظهر ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية : ومن السنة أن يأكل الإنسان من هديه لمتعته ، ويطعم القانع والمعتر ، يأكل ثلثه ، ويطعم القانع والمعتر ثلثه ، ويهدي للأصدقاء الثلث الباقي (١).

وقال أبو الصلاح : والسنة أن يأكل بعضها ويطعم الباقي (٢).

وقال ابن أبي عقيل : ثم انحر واذبح وكل وأطعم وتصدق (٣).

وقال ابن إدريس : وأما هدي المتمتع والقارن فالواجب أن يأكل منه ولو قليلا ، ويتصدق على القانع والمعتر ولو قليلا ، لقوله تعالى ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٤) (٥). واستقر به العلامة في المختلف (٦).

وقال الشهيد في الدروس : ويجب صرفه في الصدقة والاهداء والأكل (٧) ، ولم يعين للصدقة والاهداء قدرا.

وأوجب الشارح ـ قدس‌سره ـ أكل شي‌ء من الهدي ، وإهداء الثلث إلى بعض إخوانه المؤمنين ، والصدقة بثلث على فقرائهم (٨).

والمعتمد وجوب الأكل منه والإطعام ، لقوله تعالى ( وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ ) (٩) إلى قوله عزّ وجلّ ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) (١٠) وقوله تعالى :

__________________

(١) النهاية : ٢٦١.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٠٠.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٣٠٦.

(٤) الحج : ٣٦.

(٥) السرائر : ١٤١.

(٦) المختلف : ٣٠٦.

(٧) الدروس : ١٢٧.

(٨) المسالك ١ : ١١٦.

(٩ ، ١٠) الحج : ٢٧ ، ٢٨.

٤٣

______________________________________________________

( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (١) ( لكن مقتضى الآية الأولى أن الواجب إطعام البائس الفقير ، ومقتضى الثانية وجوب إطعام القانع والمعتبر ) (٢) ويمكن الجمع بينهما إما بتقييد كل من القانع والمعتر بكونه فقيرا ، وإما بالتخيير بين الدفع إليهما أو إلى الفقير ، والأول أولى ، وإن كان الثاني لا يخلو من رجحان.

ويدل على وجوب الأكل والإطعام مضافا إلى ذلك ما رواه الشيخ ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم كما قال الله تعالى ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) وقال : القانع الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر الذي يعتريك ، والسائل الذي يسألك في يديه ، والبائس الفقير » (٣) وفي طريق هذا الرواية النخعي ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف.

وقد روى الكليني نحو هذه الرواية في الصحيح ، عن صفوان ومعاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قول الله جلّ ثناؤه : ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال : « القانع الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر الذي يعتريك ، والسائل الذي يسألك في يديه ، والبائس هو الفقير » (٤).

احتج القائل بوجوب إهداء الثلث والصدقة بالثلث بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن سيف التمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن سعد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي فقال : إني سقت هديا ، فكيف أصنع به؟ فقال له أبي : أطعم منه أهلك ثلثا ، وأطعم القانع والمعتر ثلثا ، وأطعم المساكين ثلثا ، فقلت : المساكين هم السؤال؟ فقال : نعم ، وقال : القانع‌

__________________

(١) الحج : ٣٦.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٣ ـ ٧٥١ ، الوسائل ١٠ : ١٤٢ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٥٠٠ ـ ٩ ، الوسائل ١٠ : ١٤٥ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٤.

٤٤

وتكره التضحية بالجاموس وبالثور ، وبالموجوء

______________________________________________________

الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك ، هو أغنى من القانع ، يعتريك فلا يسألك » (١).

والجواب أولا أن هذا الرواية إنما تدل على اعتبار القسمة كذلك في هدي السياق ، لا في هدي التمتع الذي هو محل النزاع.

وثانيا أنها معارضة بروايتي معاوية بن عمار المتقدمتين الدالتين بظاهرهما على عدم وجوب القسمة كذلك ، فتحمل هذه على الاستحباب ، بل ذلك متعين بالنسبة إلى الأمر الأول ـ أعني إطعام الأهل الثلث ـ إذ لا قائل بوجوبه ، وكون هذا الأمر للاستحباب قرينة على أن ما بعده كذلك.

ولا ريب أن الاحتياط يقتضي القسمة على هذا الوجه ، وصرف ثلث إلى القانع والمعتر ، وثلث إلى المساكين.

والأولى اعتبار الإيمان في المستحق ، وإن كان في تعينه نظر.

والأصح عدم جواز التوكيل في قبض ذلك ، كما لا يصح التوكيل في قبض الزكاة.

قوله : ( وتكره التضحية بالجاموس والثور ).

أما كراهية التضحية بالثور فيدل عليه ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، قال : سألته عن الأضاحي فقال : « أفضل الأضاحي في الحج الإبل والبقر » وقال : « ذوا الأرحام ، ولا يضحي بثور ولا جمل » (٢) وهي ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة والضعيف.

وأما كراهية التضحية بالجاموس فلم أقف على رواية تدل عليه.

قوله : ( وبالموجوء ).

وهو مرضوض الخصيتين حتى تفسدا ، وقد قطع الأصحاب بكراهة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٣ ـ ٧٥٣ ، الوسائل ١٠ : ١٤٢ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٣ ، ورواها في معاني الأخبار : ٢٠٨ ـ ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٤ ـ ٦٨٢ ، الوسائل ١٠ : ١٠٠ أبواب الذبح ب ٩ ح ٤.

٤٥

الثالث : في البدل

ومن فقد الهدي ووجد ثمنه ، قيل : يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة ، وقيل : ينتقل فرضه إلى الصوم ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

التضحية به ، واستدلوا عليه بقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « اشتر فحلا سمينا للمتعة ، فإن لم تجد فموجوءا ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز ، فإن لم تجد فما استيسر من الهدي » (١).

وفي صحيحة محمد بن مسلم : « الفحل من الضأن خير من الموجوء ، والموجوء خير من النعجة ، والنعجة خير من المعز » (٢).

وليس في الروايتين تصريح بالكراهة ، وإنما المستفاد منهما أن الفحل من الضأن أفضل من الموجوء ، وأن الموجوء من الضأن خير من المعز.

قوله : ( الثالث : في البدل ، من فقد الهدي ووجد ثمنه قيل : يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة ، وقيل : ينتقل فرضه إلى الصوم ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخان (٣) والصدوقان (٤) والمرتضى (٥) إلى أن من فقد الهدي يجب عليه إبقاء الثمن عند ثقة ليشتري له به هديا ، ويذبحه عنه في ذي الحجة ، فإن تعذر فمن القابل فيه.

وقال ابن إدريس : الأظهر والأصح أنه إذا لم يجد الهدي ووجد ثمنه لا يلزمه أن يخلفه ، بل الواجب عليه إذا عدم الهدي الصوم ، سواء وجد الثمن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٠ ـ ٩ ، الوسائل ١٠ : ١٠٦ أبواب الذبح ب ١٢ ح ٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٥ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ١٠ : ١٠٩ أبواب الذبح ب ١٤ ح ١.

(٣) نقله عن المفيد في المختلف : ٣٠٤ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٣٧٠ والنهاية : ٢٥٤.

(٤) اختاره ونقله عن والده في الفقيه ٢ : ٣٠٤.

(٥) الانتصار : ٩٣.

٤٦

______________________________________________________

أو لم يجد (١). واختاره المصنف رحمه‌الله.

وقال ابن الجنيد : لو لم يجد الهدي إلى يوم النفر كان مخيرا بين أن ينظر أوسط ما وجد به في سنته هدي فيتصدق به بدلا منه ، وبين أن يصوم ، وبين أن يدع الثمن عند بعض أهل مكة يذبح عنه إلى آخر ذي الحجة (٢).

احتج الشيخ في التهذيب على وجوب إبقاء الثمن بما رواه عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال : « يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه ، وهو يجزي عنه ، فإذا مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة » (٣).

وعن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن النضر بن قرواش ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ، فوجب عليه النسك ، فطلبه فلم يصبه ، وهو موسر حسن الحال ، وهو يضعف عن الصيام ، فما ينبغي له أن يصنع؟ قال : « يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة إن كان يريد المضي إلى أهله ، وليذبح عنه في ذي الحجة » فقلت : فإنه دفعه إلى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا وأصابه بعد ذلك ، قال : « لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة » (٤).

والرواية الأولى معتبرة الإسناد ، بل الظاهر أنها لا تقصر عن مرتبة الصحيح كما بيناه مرارا. وأما الرواية الثانية فقاصرة من حيث السند ، لأن‌

__________________

(١) السرائر : ١٣٩.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٣٠٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧ ـ ١٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٠ ـ ٩١٦ ، الوسائل ١٠ : ١٥٣ أبواب الذبح ب ٤٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧ ـ ١١٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٠ ـ ٩١٧ ، الوسائل ١٠ : ١٥٣ أبواب الذبح ب ٤٤ ح ٢.

٤٧

وإذا فقدهما صام عشرة أيام ، ثلاثة في الحج متتابعات ، يوما قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة.

______________________________________________________

راويها غير موثق ، لكن ربما كان في رواية البزنطي عنه إشعار بمدحه ، لأنه ممن نقل الكشي إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، والإقرار له بالفقه (١).

احتج ابن إدريس بأن الله تعالى نقلنا إلى الصوم مع عدم الوجدان ، والنقل إلى الثمن يحتاج إلى دليل شرعي (٢).

وأجاب عنه في المنتهى بمنع عدم الوجدان ، قال : ومع ذلك فالدليل الشرعي ما بيناه من الحديثين ، فإن زعم أنه لا يعمل بأخبار الآحاد فهو غالط ، إذ أكثر مسائل الشريعة مستفادة منها (٣).

ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف ، والحق أن كلام ابن إدريس جيد على أصله ، بل لو لا ما ذكرناه من قوة إسناد الروايتين لتعين المصير إليه.

قوله : ( وإذا فقدهما صام عشرة أيام ، ثلاثة في الحج متواليات : يوما قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ).

أما وجوب صوم العشرة الأيام مع فقد الهدي وثمنه فقال العلامة في المنتهى : إنه لا خلاف فيه بين العلماء كافة (٤). والأصل فيه قوله تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) (٥).

والمراد بصوم الثلاثة في الحج صومها في بقية أشهر الحج ، وهو شهر‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٢) السرائر : ١٣٩.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٤٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٤٣.

(٥) البقرة : ١٩٦.

٤٨

______________________________________________________

ذي الحجة ، كما ورد في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام (١). وفائدة الفذلكة (٢) إما دفع توهم كون ( الواو ) بمعنى ( أو ) ، أو التوصل بذلك إلى وصف العشرة بكونها كاملة في البدلية ومساوية للمبدل في الفضيلة ، إذ لو اقتصر على ( تلك ) جاز أن يعود إلى الثلاثة أو السبعة.

قال في المنتهى : ويستحب أن تكون الثلاثة في الحج هي يوم قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، فيكون آخرها يوم عرفة عند علمائنا أجمع (٣). وتدل عليه روايات ، منها صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن متمتع لم يجد هديا ، قال : « يصوم ثلاثة أيام في الحج : يوما قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة » قال ، قلت : فإن فاته ذلك؟ قال : « يتسحر ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده » قلت : فإن لم يقم عليه جماله ، أيصومها في الطريق؟ قال : « إن شاء صامها في الطريق ، وإن شاء إذا رجع إلى أهله » (٤).

وصحيحة رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع لا يجد هديا ، قال : « يصوم قبل التروية بيوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة » قلت : فإن قدم يوم التروية؟ قال : « يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق » قلت : لم يقم عليه جماله ، قال : « يصوم يوم الحصبة وبعده يومين » قال ، قلت : وما الحصبة؟ قال : « يوم نفره » قلت : يصوم وهو مسافر؟ قال : « نعم ، أليس هو يوم عرفة مسافرا ، إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عزّ وجلّ ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) يقول في ذي الحجة » (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٥٤ أبواب الذبح ب ٤٦.

(٢) أشار بذلك الى قوله تعالى ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ )‌.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٤٣.

(٤) الكافي ٤ : ٥٠٧ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩ ـ ١١٥ ، الوسائل ١٠ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ١١٤ ، الوسائل ١٠ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١.

٤٩

ولو لم يتفق اقتصر على التروية وعرفة ، ثم صام الثالث بعد النفر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يتفق اقتصر على يوم التروية وعرفة ، ثم صام الثالث بعد النفر ).

المراد أن جعل الثلاثة ـ اليوم الذي قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة ـ أفضل ، فإن أخلّ بصوم اليوم الذي قبلها جاز له الاقتصار على صومهما وتأخير الثالث ثم صومه بعد النفر. وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، وادعى عليه ابن إدريس الإجماع ، حكاه في المختلف (١).

واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في من صام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : « يجزيه أن يصوم يوما آخر » (٢).

وعن صفوان ، عن يحيى الأزرق ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي ، فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : « يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق » (٣) وفي الروايتين ضعف من حيث السند.

وبإزائهما أخبار كثيرة دالة على خلاف ذلك ، كصحيحة معاوية المتقدمة (٤) حيث قال فيها ، قلت : فإن فاته ذلك؟ قال : « يتسحر ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده ».

وصحيحة العيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن متمتع يدخل في يوم التروية وليس معه هدي ، قال : « فلا يصوم‌

__________________

(١) السرائر : ١٤٠ والمختلف : ٣٠٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣١ ـ ٧٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٩ ـ ٩٩١ ، الوسائل ١٠ : ١٦٧ أبواب الذبح ب ٥٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣١ ـ ٧٨١ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٩ ـ ٩٩٢ ، الوسائل ١٠ : ١٦٧ أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٢.

(٤) في ص ٤٩.

٥٠

ولو فاته يوم التروية أخّره إلى بعد النفر.

______________________________________________________

ذلك اليوم ولا يوم عرفة ، ويتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما وهو يوم النفر ، ويصوم يومين بعده » (١).

وصحيحة حماد بن عيسى ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « قال علي : صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية يوم ويوم التروية ويوم عرفة ، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة ـ يعني ليلة النفر ـ ويصبح صائما ، ويومين بعده ، وسبعة إذا رجع » (٢).

ورواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يصوم الثلاثة الأيام متفرقة » (٣).

والمسألة محل تردد ولا ريب أن المصير إلى ما دلت عليه هذه الأخبار أولى وأحوط.

قوله : ( ولو فاته يوم التروية أخره إلى بعد النفر ).

بل الأظهر جواز صوم يوم النفر ـ وهو الثالث عشر ، ويسمى يوم الحصبة ـ كما اختاره الشيخ في النهاية (٤) وابنا بابويه (٥) وابن إدريس (٦) ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، وإن كان الأفضل تأخير الصوم إلى ما بعد أيام التشريق ، كما تدل عليه صحيحة رفاعة عن الصادق عليه‌السلام ، حيث قال فيها ، قلت : فإن قدم يوم التروية؟ قال : « يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق » ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٨ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٢ ـ ٧٨٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٠ ـ ٩٩٦ ، الوسائل ١٠ : ١٦٩ أبواب الذبح ب ٥٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٢ ـ ٧٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٠ ـ ٩٩٤ ، الوسائل ١٠ : ١٦٨ أبواب الذبح ب ٥٣ ح ١.

(٤) النهاية : ٢٥٥.

(٥) الصدوق في الفقيه ٢ : ٣٠٢ ، ونقله عن والده في المختلف : ٣٠٤.

(٦) السرائر : ١٣٩.

٥١

ويجوز تقديمها من أول ذي الحجة بعد أن يتلبس بالمتعة.

______________________________________________________

قلت : لم يقم عليه جمّاله قال : « يصوم يوم الحصبة وبعده يومين » (١). وقد ظهر من هذه الروايات أن يوم الحصبة هو الثالث من أيام التشريق.

ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه جعل ليلة التحصيب ليلة الرابع (٢) ، والظاهر أن مراده ليلة الرابع من يوم النحر ، لا الرابع عشر ، لصراحة الأخبار في أن يوم التحصيب هو يوم النفر. وربما ظهر من كلام بعض أهل اللغة أنه يوم الرابع عشر ، ولا عبرة فيه.

قوله : ( ويجوز تقديمها من أول ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة ).

هذا الحكم ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف غير جازم به ، فإنه قال : قد وردت رخصة في جواز تقديم صوم الثلاثة أيام من أول ذي الحجة (٣). ونحوه قال في التهذيب ، ثم قال : والعمل على ما رويناه أولا (٤).

وقال ابن إدريس : وقد رويت رخصة في تقديم صوم الثلاثة الأيام من أول العشر ، والأحوط الأول. ثم قال بعد ذلك : إلا أن الأصحاب أجمعوا على أنه لا يجوز الصيام إلا يوم قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وقبل ذلك لا يجوز (٥).

والأصل في جواز التقديم ( قول أبي الحسن عليه‌السلام في تفسير‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ١١٤ ، الوسائل ١٠ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١.

(٢) المبسوط ١ : ٣٧٠ ، ٣٨٠ ، قال : ومن فاته صوم هذه الأيام صام يوم الحصبة وهو يوم النفر ، وقال : النفر نفران أولهما. والثاني يوم الثالث من التشريق وهو الرابع من النحر ونقله عنه في المختلف : ٣٠٤.

(٣) النهاية : ٢٥٥ ، والمبسوط ١ : ٣٧٠ ، والخلاف ١ : ٤٢٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٥.

(٥) السرائر : ١٤٠.

٥٢

ويجوز صومها طول ذي الحجة.

______________________________________________________

الآية : « كان جعفر عليه‌السلام يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحج » (١) و) (٢) ما رواه الكليني والشيخ ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من لم يجد الهدي وأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس بذلك » (٣) وهي ضعيفة السند ، باشتماله في التهذيب على أبان الأزرق ، وهو مجهول ، وفي الكافي على عبد الكريم بن عمرو ، وهو واقفي (٤). والمسألة محل تردد. ولا ريب أن الاحتياط يقتضي عدم صوم ما قبل السابع.

وإنما يسوغ تقديم الصوم من أول ذي الحجة مع التلبس بالعمرة ، واعتبر بعضهم التلبس بالحج (٥) ، ويدفعه تعلق الأمر في الأخبار الكثيرة بصوم يوم قبل التروية مع استحباب الإحرام بالحج يوم التروية ، وبنى الشهيد في الدروس الاكتفاء بالتلبس بالعمرة على أن الحج المندوب هل يجب بالشروع في العمرة أم لا ، فعلى الأول يكفي الشروع في العمرة دون الثاني (٦). ولا حاجة إلى هذا البناء بعد ما أوردناه من الدليل على الاكتفاء بذلك ، فإنه ثابت على التقديرين.

قوله : ( ويجوز صومها طول ذي الحجة ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، ويدل عليه مضافا إلى إطلاق الآية الشريفة خصوص صحيحة زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٠ ـ ٧٧٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٨ ـ ٩٨٨ ، الوسائل ١٠ : ١٦٥ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٤.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٣) الكافي ٤ : ٥٠٧ ـ ٢ إلا أن فيه عن أحدهما عليهما‌السلام ، التهذيب ٥ : ٢٣٥ ـ ٧٩٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٣ ـ ١٠٠٥ ، الوسائل ١٠ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٢ ، وص ١٥٦ ح ٨.

(٤) راجع رجال النجاشي : ٢٤٥ ـ ٦٤٥ ، ورجال الشيخ : ٢٥٤ ، على بعض النسخ.

(٥) المختصر النافع : ٩٠.

(٦) الدروس : ١٢٨.

٥٣

ولو صام يومين وأفطر الثالث لم يجزئه واستأنف ، إلا أن يكون ذلك هو العيد ، فيأتي بالثالث بعد النفر.

ولا يصح صوم هذه الثلاثة إلا في ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة.

______________________________________________________

« من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك » (١). وحكى في التذكرة عن بعض العامة قولا بخروج وقتها بمضي يوم عرفة (٢) ، ولا ريب في بطلانه.

قوله : ( ولو صام يومين وأفطر الثالث لم يجزه واستأنف ، إلا أن يكون ذلك هو العيد ، فيأتي بالثالث بعد النفر ).

أما وجوب التتابع في الثلاثة في غير هذه الصورة ـ وهي ما إذا كان الثالث العيد ـ فقال في المنتهى : إنه مجمع عليه بين الأصحاب (٣). وقد تقدم من النص ما يدل عليه. وإنما الكلام في استثناء هذه الصورة ، فإن الروايات الواردة بذلك ضعيفة الإسناد ، وفي مقابلها أخبار كثيرة دالة على خلاف ما تضمنته ، وهي أقوى منها إسنادا وأوضح دلالة ، لكن نقل العلامة في المختلف الإجماع على الاستثناء (٤) ، فإن تم فهو الحجة ، وإلا فللنظر فيه مجال. ونقل عن ابن حمزة أنه استثنى أيضا ما إذا أفطر يوم عرفة لضعفه عن الدعاء وقد صام يومين قبله (٥) ، ونفى عنه البأس في المختلف (٦) ، وهو بعيد.

قوله : ( ولا يصح صوم هذه الثلاثة إلا في ذي الحجة ، بعد التلبس بالمتعة ).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٣٠٣ ـ ١٥٠٨ ، الوسائل ١٠ : ١٥٨ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٣.

(٢) التذكرة ١ : ٣٨٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٤٣.

(٤) المختلف : ٣٠٥.

(٥) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٩٢.

(٦) المختلف : ٣٠٥.

٥٤

ولو خرج ذو الحجة ولم يصمها تعيّن الهدي. ولو صامها ثم وجد الهدي ولو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي ، وكان له المضي على الصوم. ولو رجع إلى الهدي كان أفضل.

______________________________________________________

هذا قول علمائنا أجمع ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا‌ إلا ما روي عن أحمد أنه يجوز تقديم صومها على إحرام العمرة. قال : وهو خطأ ، لأنه تقديم للواجب على وقته وسببه ، ومع ذلك فهو خلاف قول العلماء (١). ويتحقق التلبس بالمتعة بدخوله في العمرة كما بيناه سابقا (٢).

قوله : ( ولو خرج ذو الحجة ولم يصمها تعين الهدي ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، ويدل عليه روايات ، منها صحيحة عمران الحلبي ، أنه قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم إلى أهله ، حتى قال : « يبعث بدم » (٣).

وحسنة منصور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة ، وليس له صوم ، ويذبح بمنى » (٤).

ويستفاد من رواية الحلبي أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون تأخير الصوم عن ذي الحجة لعذر أو لغيره.

قوله : ( ولو صامها ثم وجد الهدي ولو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي ، وكان له المضي على الصوم ، ولو رجع إلى الهدي كان أفضل ).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٤٥.

(٢) في ج ٧ : ص ١٥٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٣٠٤ ـ ١٥١١ ، التهذيب ٥ : ٢٣٥ ـ ٧٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٩ ـ ٩٩٠ ، الوسائل ١٠ : ١٦٠ أبواب الذبح ب ٤٧ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٥٠٩ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٩ ـ ١١٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٨ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٠ : ١٥٩ أبواب الذبح ب ٤٧ ح ١.

٥٥

______________________________________________________

أما جواز المضي في الصوم وعدم وجوب الهدي إذا وجده بعد صوم‌ الأيام الثلاثة فهو قول أكثر الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى ظاهر قوله تعالى ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) (١) الدال على انتقال غير الواجد إلى الصيام ، فيحصل الامتثال بفعله ، خصوص رواية حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ، ثم أصاب هديا يوم خرج من منى ، قال : « أجزأه صيامه » (٢). وفي طريق هذه الرواية في الكافي عبد الله بن بحر ، وهو ضعيف (٣) ، وفي التهذيب مكان عبد الله بن بحر عبد الله بن يحيى ، ولعله تحريف ، مع أنه مشترك.

واستقرب العلامة في القواعد وجوب الهدي إذا وجده في وقت الذبح (٤) ، واستدل عليه ولده في الشرح بأنه مأمور بالذبح في وقت وقد وجده فيه فيجب (٥).

وعلى هذا فبدلية الصوم مع تقديمه إنما تتحقق مع عدمه في الوقت المعين لا مطلقا.

وربما ظهر من قول المصنف : ولو صامها ثم وجد الهدي ولو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي ، أن من صام دون الثلاثة ثم وجد الهدي وجب عليه الاهداء ، وبه قال أكثر الأصحاب.

وذهب ابن إدريس (٦) والعلامة في جملة من كتبه (٧) إلى سقوط الهدي‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠٩ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ١١٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٠ ـ ٩١٩ ، الوسائل ١٠ : ١٥٤ أبواب الذبح ب ٤٥ ح ١.

(٣) راجع خلاصة العلامة : ٢٣٨ ـ ٣٤.

(٤) القواعد ١ : ٨٨.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٣١١.

(٦) السرائر : ١٤٠.

(٧) التذكرة ١ : ٣٨٣ والمنتهى ٢ : ٧٤٧.

٥٦

وصوم السبعة بعد وصوله إلى أهله ،

______________________________________________________

بمجرد التلبس بالصوم ، واحتج عليه في المنتهى بقوله تعالى ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) إذ مقتضاه وجوب الصوم على غير الواجد ، فالانتقال عنه إلى الهدي يحتاج إلى دليل ، ثم قال : لا يقال هذا يقتضي عدم إجزاء الهدي وإن لم يدخل في الصوم ، لأنا نقول : لو خلينا والظاهر لحكمنا بذلك ، لكن الوفاق وقع على خلافه ، فبقي ما عداه على الأصل.

والمسألة محل تردد ، وإن كان ما ذهب إليه ابن إدريس لا يخلو من قوة ( إلا أن الاهداء مع التمكن منه في وقته أحوط ) (١).

وأما أن الرجوع إلى الهدي إذا وجده بعد صوم الثلاثة أفضل فاستدل عليه الشيخ في كتابي الأخبار بما رواه عن عقبة بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تمتع وليس معه ما يشتري به هديا ، فلما أن صام ثلاثة أيام في الحج أيسر ، أيشتري به هديا فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله؟ قال : « يشتري هديا فينحره ، ويكون صيامه الذي صامه نافلة » (٢).

قال الشيخ في الاستبصار بعد أن أورد هذه الرواية : فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب والندب ، لأن من أصاب ثمن الهدي بعد أن صام الثلاثة الأيام فهو بالخيار : إن شاء صام بقية ما عليه ، وإن شاء ذبح الهدي ، والهدي أفضل (٣).

قوله : ( وصوم السبعة بعد وصوله إلى بلده ).

الأصل في ذلك قوله تعالى ( وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) (٤) وإنما يتحقق‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ١١٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٦١ ـ ٩٢٠ ، الوسائل ١٠ : ١٥٤ أبواب الذبح ب ٤٥ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٥١٠ ـ ١٤.

(٣) الاستبصار ٢ : ٢٦١.

(٤) البقرة : ١٩٦.

٥٧

ولا تشترط فيها الموالاة على الأصح ،

______________________________________________________

الرجوع بالعود إلى الوطن.

وتدل عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله » (١).

وصحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تمتع ولم يجد هديا ، قال : « يصوم ثلاثة أيام بمكة وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله » (٢).

وخالف في هذه المسألة أكثر العامة ، فقال بعضهم : يصوم السبعة إذا فرغ من أفعال الحج (٣). وقال بعضهم : إنه يصوم إذا خرج من مكة سائرا في الطريق (٤) وهما مدفوعان بظاهر التنزيل.

قوله : ( ولا تشترط فيها الموالاة على الأصح ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال العلامة في التذكرة والمنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا (٥) أو يدل عليه إطلاق الأمر بالصوم فلا يتقيد إلا بدليل ، وخصوص رواية إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى نزعت في حاجة إلى بغداد ، قال : « صمها ببغداد » قلت : أفرقها؟ قال : « نعم » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٤ ـ ٧٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٢ ـ ١٠٠٢ ، الوسائل ١٠ : ١٦٠ أبواب الذبح ب ٤٧ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٣ ـ ٧٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٢ ـ ١٠٠١ ، الوسائل ١٠ : ١٥٦ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٧.

(٣) كالكاساني في بدائع الصنائع ٢ : ١٧٤.

(٤) كابن حجر في فتح الباري ٣ : ٣٤٠.

(٥) التذكرة ١ : ٣٨٣ ، والمنتهى ٢ : ٧٤٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٣٣ ـ ٧٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨١ ـ ٩٩٨ ، الوسائل ١٠ : ١٧٠ أبواب الذبح ب ٥٥ ح ١.

٥٨

فإن أقام بمكة انتظر قدر وصوله إلى أهله ، ما لم يزد على شهر.

______________________________________________________

وهذا الرواية ضعيفة السند جدا باشتماله على محمد بن أسلم ، وقال النجاشي : إنه يقال إنه كان غاليا فاسد الحديث (١).

ونقل عن ابن أبي عقيل (٢) وأبي الصلاح (٣) أنهما أوجبا الموالاة في السبعة كالثلاثة. وقواه في المختلف (٤) ، واستدل عليه برواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة ، أيصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال : « يصوم الثلاثة الأيام لا يفرق بينها ، والسبعة لا يفرق بينها » (٥).

وهذه الرواية معتبرة الإسناد ، إذ ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه إلا محمد بن أحمد العلوي وهو غير معلوم الحال ، لكن كثيرا ما يصف العلامة الروايات الواقع في طريقها بالصحة ، ولعل ذلك شهادة منه بتوثيقه ، ولا ريب أن المتابعة أولى وأحوط.

قوله : ( فإن أقام بمكة انتظر مدة وصوله إلى أهله ، ما لم يزد على شهر ).

المراد أن من وجب عليه صوم السبعة بدل الهدي إذا أقام بمكة انتظر بصيامها مضي مدة يمكن أن يصل فيها إلى بلده إن لم تزد تلك المدة على شهر ، فإن زادت على ذلك كفى مضي الشهر ، ومبدأ الشهر من انقضاء أيام التشريق.

ويدل على هذا التفصيل ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٦٠.

(٢) كما في المختلف : ٢٣٨.

(٣) الكافي في الفقه : ١٨٨.

(٤) المختلف : ٢٣٨.

(٥) التهذيب ٤ : ٣١٥ ـ ٩٥٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨١ ـ ٩٩٩ ، الوسائل ١٠ : ١٧٠ أبواب الذبح ب ٥٥ ح ٢.

٥٩

ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم وجب أن يصوم عنه وليه الثلاثة دون السبعة ، وقيل : بوجوب قضاء الجميع ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة ، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله ، وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام » (١).

قال الشارح قدس‌سره : وإنما يكفي الشهر منه بمكة ، وإلا تعين الانتظار مقدار الوصول إلى أهله كيف كان ، اقتصارا على مورد النص ، وتمسكا بقوله تعالى ( وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) حملا للرجوع على ما يكون حقيقة أو حكما (٢). هذا كلامه رحمه‌الله ، ولا بأس به ، بل المستفاد من ظاهر الآية الشريفة اعتبار الرجوع حقيقة. والمسألة محل إشكال.

قوله : ( ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم وجب أن يصوم عنه وليه الثلاثة دون السبعة ، وقيل : بوجوب قضاء الجميع ، وهو الأشبه ).

القول بوجوب قضاء الجميع لابن إدريس (٣) وأكثر المتأخرين (٤) ، تمسكا بعموم ما دل على وجوب قضاء ما فات الميت من الصيام ، وخصوص صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من مات‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٤ ـ ٧٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٢ ـ ١٠٠٢ ، الوسائل ١٠ : ١٦٠ أبواب الذبح ب ٤٧ ح ٤.

(٢) المسالك ١ : ١١٦.

(٣) السرائر : ١٣٩.

(٤) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٧٤٦. والشهيد في الدروس : ١٢٨.

٦٠