مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

ولو فعل ذلك في وضوء الصلاة لم يلزمه شي‌ء.

ولو نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين. ولو نتفهما لزمه شاة.

______________________________________________________

فليتصدق بكفّ من طعام أو كفّ من سويق » (١).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده » (٢) ومقتضى هذه الرواية ورواية ابن عمار إجزاء مطلق الإطعام ، وهو غير بعيد وإن كان الأولى الاقتصار على إطعام الكفّ من الطعام والسويق كما تضمنته الرواية المفصلة.

قوله : ( ولو فعل ذلك في وضوء الصلاة لم يلزمه شي‌ء ).

يدل على ذلك صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الهيثم بن عروة التميمي قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان فقال : « ليس بشي‌ء ، ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) » (٣).

وألحق الشهيد في الدروس بالوضوء الغسل أيضا (٤) ، وهو حسن ، بل مقتضى التعليل إلحاق إزالة النجاسة والحك الضروري به أيضا.

قوله : ( ولو نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين ، ولو نتفهما لزمه شاة ).

أمّا وجوب الشاة بنتف الإبطين ، فيدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦١ ـ ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٢٩ ـ ١٠٨٩ ، التهذيب ٥ : ٣٣٨ ـ ١١٧١ ، الإستبصار ٢ : ١٩٨ ـ ٦٦٩ ، الوسائل ٩ : ٢٩٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦١ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٠ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٩ ـ ١١٧٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩٨ ـ ٦٧٠ ، الوسائل ٩ : ٢٩٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٦.

(٤) الدروس : ١٠٩.

٤٤١

وفي التظليل سائرا شاة.

______________________________________________________

نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم » (١) وفي الصحيح ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » (٢).

وأمّا وجوب إطعام ثلاثة مساكين بنتف الإبط الواحد ، فاستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن عبد الله بن جبلة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في محرم نتف إبطه قال : « يطعم منه ثلاثة مساكين » (٣) وهذه الرواية ضعيفة السند بفساد مذهب الراوي وهو عبد الله بن جبلة ، لنص النجاشي على أنّه كان واقفيا (٤) ، وبأنّ في طريقها محمد بن عبد الله بن هلال وهو مجهول ، فلو قيل بوجوب الدم في نتف الإبط الواحد بصحيحة زرارة المتقدمة لم يكن بعيدا.

قوله : ( وفي التظليل سائرا شاة ).

مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد وجوب الفدية بالتظليل (٥) وإنما اختلفوا فيما يجب به الفداء ، فذهب الأكثر إلى أنّه شاة. وقال ابن أبي عقيل : فديته صيام ، أو صدقة ، أو نسك كالحلق لأذى (٦). وقال الصدوق : إنّه مدّ عن كل يوم (٧). وقال أبو الصلاح : على المختار لكل يوم شاة ، وعلى المضطر لجملة المدة شاة (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٠ ـ ١١٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٧٥ ، الوسائل ٩ : ٢٩٢ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١١ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٩ ـ ١١٧٤ ، الإستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٧٢ ، الوسائل ٩ : ٢٩٢ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٠ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٩ : ٢٩٢ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١١ ح ٢.

(٤) رجال النجاشي : ١٥٠.

(٥) نقله عنهما في المختلف : ٢٨٥.

(٦) نقله عنهما في المختلف : ٢٨٥.

(٧) المقنع : ٧٤.

(٨) الكافي في الفقه : ٢٠٤.

٤٤٢

______________________________________________________

والمعتمد الأوّل ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه كصحيحة محمد بن إسماعيل قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس فقال : « أرى أن يفيده بشاة يذبحها بمنى » (١).

وصحيحة علي بن جعفر قال : سألت أخي عليه‌السلام أظلل وأنا محرم؟ فقال « نعم وعليك الكفارة » قال ـ والقائل موسى بن القاسم الراوي عن علي بن جعفر : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل (٢).

وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضر به؟ قال : « نعم » قلت : كم الفداء؟ قال : « شاة » (٣) والأخبار الواردة بذلك كثيرة ، ومورد الجميع التظليل للعذر ، إلاّ أنّ ذلك يقتضي وجوب الكفارة مع انتفاء العذر بطريق أولى.

ويستفاد من هذه الروايات عدم تكرر الفدية بتكرر التظليل في النسك الواحد للعذر. وقوى الشارح إلحاق المختار به أيضا في ذلك (٤). وهو جيد ، لأصالة عدم زيادة حكمه عن حكم المعذور. ولو وقع التظليل في إحرام العمرة المتمتع بها وإحرام الحج لزمه كفارتان ، لتعدد النسك وعليه تحمل حسنة أبي علي بن راشد قال ، قلت له عليه‌السلام : جعلت فداك إنّه يشتد علي كشف الظلال في الإحرام لأنّي محرور تشتد علي الشمس فقال : « ظلل وأرق دما » فقلت له : دما أو دمين؟ قال : « للعمرة؟ » قلت : إنّا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحل ونحرم بالحج قال : « فأرق دمين » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٥١ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٦ ، الإستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٥.

(٤) المسالك ١ : ١٤٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٧ ، الوسائل ٩ : ٢٨٨ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٧ ح ١.

٤٤٣

وكذا لو غطى رأسه بثوب أو طيّنه بطين يستره ، أو ارتمس في الماء ، أو حمل ما يستره.

السادس : الجدال ، وفي الكذب منه مرّة شاة ، ومرتين بقرة.

______________________________________________________

وقال الشيخ في التهذيب : والمحرم إذا كان إحرامه للعمرة الّتي يتمتع بها إلى الحج ثمّ ظلل لزمه كفارتان (١). والظاهر أنّ مراده ما ذكرناه ، لا تعدد الدم بالتظليل في إحرام العمرة خاصة ، ويشهد لهذا الحمل ما رواه الكليني ، عن أبي علي بن راشد قال : سألته عن محرم ظلل في عمرته قال : « يجب عليه دم » قال : « فإن خرج إلى مكة وظلل وجب عليه أيضا ، دم لعمرته ، ودم لحجته » (٢).

قوله : ( وكذا لو غطى رأسه بثوب ، أو طيّنه بطين يستره ، أو ارتمس في الماء ، أو حمل ما يستره ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، ولم أقف على رواية تدل عليه حتى أنّ العلامة ذكره في المنتهى مجردا عن الدليل لكنّه قال : من غطى رأسه وهو محرم وجب عليه دم شاة ولا نعلم فيه خلافا (٣). وظاهر كلامه يعطي كون الحكم إجماعيا ولعله الحجة. ومن هنا يظهر أنّ الأظهر عدم تكرر الفدية بتكرر الفعل مطلقا. واستقرب الشهيد التعدد إذا فعل ذلك مع الاختيار دون الاضطرار (٤). وجزم الشارح بعدم التعدد مع الاضطرار ، وكذا مع الاختيار إذا اتحد المجلس ، واستوجه التعدد مع اختلافه (٥) ، والاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكراه إلاّ أنّ مقتضى الأصل العدم.

قوله : ( السادس ، الجدال ، وفي الكذب منه مرة شاة ، ومرتين‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٢ ـ ١٤ ، الوسائل ٩ : ٢٨٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٧ ح ٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٨١٤.

(٤) الدروس : ١٠٨.

(٥) المسالك ١ : ١٤٥.

٤٤٤

وثلاثا بدنة.

______________________________________________________

بقرة ، وثلاثا بدنة ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، واستدل على وجوب الشاة بالمرّة الواحدة ، بما رواه الشيخ ، عن أبي بصير قال : « إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه » (١).

وعلى وجوب البقرة بالمرتين ، بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الجدال في الحج فقال : « من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم » فقيل له : الّذي يجادل وهو صادق قال : « عليه شاة ، والكاذب عليه بقرة » (٢).

وعلى وجوب البدنة بالثلاث ، بما رواه الشيخ ، عن أبي بصير أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور » (٣).

ويتوجه على هذا الاستدلال أنّ الرواية الأولى والأخيرة ضعيفتا السند باشتراك الراوي بين الثقة والضعيف ، أمّا الرواية الثانية فصحيحة السند لكنّها لا تدل على وجوب البقرة بالمرتين ، بل مقتضاها عدم تحقق الجدال مطلقا إلاّ بما زاد عليهما ، وأنّه مع الزيادة عن المرّتين يجب على الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة ، ويدل على هذا المعنى أيضا ، ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ومحمد بن مسلم ، أنّهما قالا لأبي عبد الله عليه‌السلام : فمن ابتلى بالجدال ما عليه؟ فقال : « إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة ، وعلى المخطئ بقرة » (٤) وينبغي العمل‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٤ ، الإستبصار ٢ : ١٩٧ ـ ٦٦٥ ، الوسائل ٩ : ٢٨١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٣ ، الوسائل ٩ : ٢٨١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٥ ، الوسائل ٩ : ٢٨٢ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٢ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ٩ : ٢٨٠ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٢.

٤٤٥

وفي الصدق ثلاثا شاة. ولا كفارة فيما دونه.

السابع : قلع شجرة الحرم ، وفي الكبيرة بقرة ولو كان محلا ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضهما قيمته. وعندي في الجميع تردد.

______________________________________________________

بمضمون هاتين الروايتين لصحة سندهما ووضوح دلالتهما.

وعلى المشهور فإنّما يجب البقرة بالمرّتين ، والبدنة بالثلاث إذا لم يكن كفّر عن السابق ، فلو كفّر عن كل واحدة فالشاة ، أو اثنتين فالبقرة ، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير ، فللمرة شاة ، وللمرتين بقرة ، وللثلاث بدنة.

قوله : ( وفي الصدق ثلاثا شاة ، ولا كفارة فيما دونه ).

قد تقدم في المسألة السابقة ما يعلم منه هذا الحكم ، ويدل عليه مضافا إلى ما سبق ، ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء وهو محرم ، فقد جادل ، وعليه حدّ الجدال ، دم يهريقه ويتصدق به » (١) ومقتضى الرواية اعتبار كون الأيمان الثلاثة ولاء في مقام واحد.

ويمكن حمل الأخبار المطلقة على هذا المقيد كما هو اختيار ابن أبي عقيل فإنّه قال : ومن حلف ثلاثة أيمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل وعليه دم. ولو زاد الصادق عن ثلاث ولم يتخلل التكفير فشاة واحدة عن الجميع ، ومع تخلله فلكل ثلاث شاة ، ولو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل فالأظهر أنّه لا كفارة (٢).

قوله : ( السابع ، قلع شجرة الحرم ، وفي الكبيرة بقرة ولو كان محلا ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضهما قيمته ، وعندي في الجميع تردّد ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٢ ، الوسائل ٩ : ٢٨١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٥.

(٢) نقله عنه في الدروس : ١١٠. إلا أنه قال : قال الحسن. ويعني به ابن أبي عقيل.

٤٤٦

ولو قلع شجرة منه أعادها. ولو جفت قيل : يلزمه ضمانها.

______________________________________________________

هذا الحكم ذكره الشيخ (١) ، وجمع من الأصحاب ، واحتج عليه في الخلاف بإجماع الفرقة والاحتياط ، واستدل عليه في المنتهى (٢) بما رواه الشيخ ، عن موسى بن القاسم قال : روى أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ، فإن أراد نزعها نزعها وكفّر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين » (٣) وهذه الرواية مع ضعفها بالإرسال وكونها متروكة الظاهر لا تدل على وجوب الشاة في الشجرة الصغيرة ولا على حكم الأبعاض.

وقال ابن الجنيد : وإن قطع المحرم أو المحل من شجر الحرم شيئا فعليه قيمة ثمنه (٤). وقواه في المختلف (٥) واستدل عليه برواية سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قلع من الأراك الّذي بمكة قال : « عليه ثمنه » (٦) وهذه الرواية ضعيفة السنة أيضا بأنّ من جملة رجالها الطاطري ، وقال النجاشي : إنّه كان من وجوه الواقفة وشيوخهم (٧). ومن هنا يظهر أنّ المتجه سقوط الكفارة بذلك مطلقا كما اختاره ابن إدريس (٨) ، وإن كان اتباع المنقول أحوط.

قوله : ( ولو قلع شجرة منه أعادها ، ولو جفّت قيل : يلزمه ضمانها ).

يمكن أن يريد بالإعادة إعادتها إلى مغرسها ، ويمكن أن يريد بها‌

__________________

(١) النهاية : ٢٣٤ ، والمبسوط ١ : ٣٥٤ ، والخلاف ١ : ٤٨٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٩٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨١ ـ ١٣٣١ ، الوسائل ٩ : ٣٠١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٨ ح ٣.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٢٨٦.

(٥) المختلف : ٢٨٧.

(٦) الفقيه ٢ : ١٦٦ ـ ٧٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ ـ ١٣٢٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٨ ح ٢.

(٧) رجال النجاشي : ١٧٩.

(٨) السرائر : ١٣٠.

٤٤٧

ولا كفارة في قلع الحشيش وإن كان فاعله مأثوما.

ومن استعمل دهنا طيبا في إحرامه ولو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول.

______________________________________________________

الإعادة إلى أرض الحرم ، وبه قطع في الدروس (١). ولم أقف في وجوب الإعادة على دليل يعتدّ به ، والقول المحكي هنا يرجع إلى الخلاف السابق ، فإن حكم بضمانها بالقلع كان استقراره مشروطا بجفافها ، فمع عدمه يزول الضمان.

قوله : ( ولا كفارة في قطع الحشيش وإن كان فاعله مأثوما ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وذهب الشيخ (٢) ، والعلاّمة (٣) في جملة من كتبهما إلى وجوب القيمة فيه كأبعاض الشجرة. ولم نقف لهما على مستند ، ومقتضى الأصل العدم.

قوله : ( ومن استعمل دهنا طيبا في إحرامه ولو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول ).

القول للشيخ (٤) ، وجمع من الأصحاب ، واحتج عليه في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار : في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان بعمد فعليه دم شاة يهريقه » (٥) لكن الرواية مضمرة ، ولعل ذلك هو الوجه في تردّد المصنف ـ رحمه‌الله ـ والظاهر غير قادح كما بيناه مرارا.

__________________

(١) الدروس : ١١١‌

(٢) المبسوط ١ : ٣٥٤.

(٣) التذكرة ١ : ٢٤١ ، والمختلف : ٢٨٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ، والنهاية : ٢٣٥ ، والمبسوط ١ : ٣٥٠ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٨ ، الوسائل ٩ : ٢٨٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٥.

٤٤٨

وكذا قيل : في من قلع ضرسه ، وفي الجميع تردد.

ويجوز أكل ما ليس بطيب من الأدهان كالسمن والشيرج. ولا يجوز الادّهان به.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا قيل في من قلع ضرسه ، وفي الجميع تردّد ).

القول للشيخ (١) ـ رحمه‌الله ـ واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن محمد بن عيسى ، عن عدة من أصحابنا ، عن رجل من أهل خراسان أنّ مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي‌ء ، محرم قلع ضرسه فكتب عليه‌السلام : « يهريق دما » (٢) وهذه الرواية ضعيفة السند ، فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل. وقال ابن الجنيد (٣) ، وابن بابويه (٤) : لا بأس بقلع الضرس مع الحاجة ، ولم يوجبا به شيئا.

قوله : ( ويجوز أكل ما ليس بطيب من الأدهان كالسمن والشيرج ، ولا يجوز الادّهان به ).

أمّا جواز أكل ما ليس بطيب من الأدهان كالسمن ، والشيرج والزبد ، والزيت فقال في التذكرة : إنّه مجمع عليه بين العلماء (٥) ويدل عليه أصالة الإباحة السالمة من المعارض.

وأمّا أنّه لا يجوز الأدهان به بعد الإحرام ، فهو أحد القولين في المسألة وأظهرهما ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك ، واتق الطيب في طعامك » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨٥ ، والنهاية : ٢٣٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٥ ـ ١٣٤٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠٢ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٩ ح ١.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٨٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٣.

(٥) التذكرة ١ : ٢٣٥.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٥.

٤٤٩

______________________________________________________

وفي الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل » (١).

وجوّز المفيد (٢) ، وسلار (٣) ، وابن أبي عقيل (٤) ، وأبو الصلاح الادّهان بغير المطيب (٥) ، تمسكا بمقتضى الأصل ، وهو مدفوع بإطلاق الروايات المتضمنة للمنع.

ويجوز استعماله مع الضرورة إجماعا ، لما في التكليف بالمنع مع الضرورة من الحرج المنفي ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبطه وليداوه بسمن أو زيت » (٦).

وعن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن محرم تشققت يداه قال ، فقال : « يدهنهما بزيت أو سمن أو إهالة » (٧) ولا يجب باستعمال الأدهان غير المطيبة كفارة وإن أثم باستعمالها مع الاختيار ، كما نصّ عليه ابن إدريس (٨) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٩).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٩ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٠٤ أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ح ١ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٣٠٣ ـ ١٠٣٢ ، والاستبصار ٢ : ١٨١ ـ ٦٠٣ ، وعلل الشرائع : ٤٥١ ـ ١.

(٢) المقنعة : ٦٨.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٦٩.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٢٦٩.

(٥) الكافي في الفقه : ٢٠٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٦ ، الوسائل ٩ : ١٠٧ أبواب تروك الإحرام ب ٣١ ح ١.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٧ ، الوسائل ٩ : ١٠٧ أبواب تروك الإحرام ب ٣١ ح ٢ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤١.

(٨) السرائر : ١٣٠.

(٩) المنتهى ٢ : ٧٨٧.

٤٥٠

خاتمة تشتمل على مسائل :

الأولى : إذا اجتمعت أسباب مختلفة كاللبس وتقليم الأظفار والطيب لزمه عن كل واحد كفارة ، سواء فعل ذلك في وقت واحد أو وقتين ، كفّر عن الأول أو لم يكفّر.

الثانية : إذا كرّر الوطء لزمه بكل مرّة كفارة.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة تشتمل على مسائل ، الأولى : إذا اجتمعت أسباب مختلفة كاللبس وتقليم الأظفار والطيب لزمه على كل واحد كفارة ، سواء فعل ذلك في وقت واحد أو وقتين ، كفّر عن الأول أو لم يكفّر ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ظاهر المنتهى أنّه موضع وفاق (١) ، واستدل عليه بأنّ كل واحد من تلك الأمور سبب مستقل في وجوب الكفارة والحقيقة باقية عند الاجتماع فيجب وجود الأثر. ويؤيّده فحوى ما دلّ على تكرّر الكفارة بتكرّر الصيد ، ولبس الأنواع المتعدّدة من الثياب ، ولا ريب في التعدّد مع سبق التكفير ، وإنّما يحصل التردّد مع عدمه ، ولا ريب أنّ التعدّد مطلقا أولى وأحوط.

قوله : ( الثانية ، إذا كرّر الوطء لزمه بكل مرّة كفارة ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال السيد المرتضى في الانتصار : مما انفردت به الإمامية القول بأنّ الجماع إذا تكرّر من المحرم تكرّرت الكفارة سواء كان ذلك في مجلس واحد أو في أماكن كثيرة ، وسواء كفّر عن الأوّل أو لا ، للإجماع وحصول يقين البراءة ، ثمّ اعترض بأنّ الجماع الأوّل أفسد الحجّ بخلاف الثاني ، وأجاب بأنّ الحجّ وإن كان قد فسد لكن حرمته باقية ، ولهذا وجب المضي فيه ، فجاز أن يتعلق به الكفارة (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وما ذكره من جواز تعلق الكفارة به جيّد ، لكن دليل التعلق‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٤٥.

(٢) الانتصار : ١٠١.

٤٥١

ولو كرر الحلق ، فإن كان في وقت واحد لم تتكرر الكفارة. وإن كان في وقتين تكررت.

______________________________________________________

غير واضح ، لمنع الإجماع على ذلك ، وعدم استفادته من النص ، إذ أقصى ما تدل عليه الروايات : أنّ من جامع قبل الوقوف بالمشعر يلزمه بدنة وإتمام الحجّ والحجّ في القابل ، ومن المعلوم أنّ مجموع هذه الأحكام الثلاثة إنّما يترتب على الجماع الأوّل خاصة فإثبات بعضها في غيره يحتاج إلى دليل.

وحكى العلامة في المختلف عن ابن حمزة أنّه فصّل في هذه المسألة تفصيلا حسنا فقال : الجماع إمّا مفسد للحج أو لا ، فالأوّل لا يتكرر فيه الكفارة ، والثاني إن تكرر فعله في حالة واحدة لا يتكرر فيه الكفارة بتكرر الفعل ، وإن تكرر في دفعات تكررت الكفارة (١). وإلى هذا القول ذهب العلامة في المختلف (٢) وهو غير بعيد ، بل لو قيل بعدم التكرر بذلك مطلقا كما هو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف (٣) لم يكن بعيدا.

قوله : ( ولو كرر الحلق ، فإن كان في وقت واحد لم تتكرر الكفارة ، وإن كان في وقتين تكررت ).

أما عدم تكرر الكفارة مع اتحاد الوقت فظاهر ، لصدق الامتثال بالكفارة الواحدة وأصالة البراءة من الزائد ، وأمّا التكرر مع اختلاف الوقت فعلل بأنّ ما حلقه أوّلا سبب مستقل في إيجاب الكفارة ، وما حلقه في الوقت الثاني صالح للسببية أيضا ، فيترتب على كل منهما مسببه.

ويشكل بأنّ ما استدل به على عدم التكرر مع اتحاد الوقت آت هنا ، وبأنّ أقصى ما يستفاد من الأدلّة ترتب الكفارة على حلق الرأس كله للأذى ، وما عداه إنّما يستفاد حكمه من باب الفحوى أو من انعقاد الإجماع على تعلّق الكفارة به في بعض الموارد ، فلو قيل بالاكتفاء بالكفارة الواحدة في حلق‌

__________________

(١) المختلف : ٢٨٧.

(٢) المختلف : ٢٨٧.

(٣) الخلاف ١ : ٤٦٦.

٤٥٢

ولو تكرر منه اللبس أو الطيب ، فإن اتحد المجلس لم يتكرر ، وإن اختلف تكرر.

______________________________________________________

الرأس كلّه سواء وقع في وقت واحد أو في وقتين كان حسنا. والمرجع في اختلاف الوقتين إلى العرف ، وإلاّ فالوقت الحقيقي لحلق كل جزء مغاير لوقت الآخر.

قوله : ( ولو تكرر منه اللبس أو الطيب ، فإن اتحد المجلس لم تتكرر ، وإن اختلف تكررت ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من عدم تكرر الكفارة بتكرر اللبس والطيب مع اتحاد المجلس وتكررها مع اختلافه أحد الأقوال في المسألة ، واعتبر الشيخ (١) وجمع من الأصحاب في التكرر اختلاف الوقت بمعنى تراخي زمان الفعل عادة ، وذهب بعضهم إلى التكرر باختلاف صنف الملبوس كالقميص والسراويل وإن اتحد الوقت ، وبه جزم في المنتهى فقال : لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل واحد فدية ، لأنّ الأصل عدم التداخل خلافا لأحمد (٢).

وربّما ظهر من كلامه في موضع آخر من المنتهى تكرر الكفارة بتكرر اللّبس مطلقا فإنّه قال : لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد ، ولو كان في مرّات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم ، لأنّ لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر فيقتضي كل واحد منهما مقتضاه (٣).

والأظهر التكرر مع اختلاف صنف الملبوس مطلقا ، لصحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب قال : « عليه لكل صنف منها فداء » (٤) وإنّما يحصل التردد مع‌

__________________

(١) النهاية : ٢٣٤ ، والمبسوط ١ : ٣٥١ ، والخلاف ١ : ٤٣٦.

(٢) المنتهى ٢ : ٨١٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٨١٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٤ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٥ ، التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٩ : ٢٩٠ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٩ ح ١.

٤٥٣

الثالثة : كل محرم أكل أو لبس ما لا يحل له أكله أو لبسه كان عليه دم شاة.

الرابعة : تسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون ، إلا في الصيد ، فإن الكفارة تلزم ولو كان سهوا.

______________________________________________________

اتحاد الصنف قبل التكفير ، من اختلاف الأسباب ، وصدق الامتثال بالواحدة ( وأصالة البراءة من الزائد ) (١) ، ولا ريب أن التكرر أحوط. وأمّا الفرق بين اتحاد المجلس أو الوقت واختلافهما فلم أقف له على مستند ، وكذا الكلام في الطيب.

قوله : ( الثالثة ، كل محرم أكل أو لبس ما لا يحل له أكله أو لبسه كان عليه دم شاة ).

المراد أنّ من أكل أو لبس ما لم يرد فيه فدية معينة وجب عليه بذلك دم شاة ، أمّا لو كان للمأكول مقدار معين كالنعامة ونحوها وجب مقدرة ، ويدل على هذا الحكم ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « من نتف إبطه ، أو قلّم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة » (٢).

قوله : ( الرابعة ، تسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والجاهل والمجنون ، إلاّ في الصيد ، فإنّ الكفارة تلزم وإن كان سهوا ).

أمّا سقوط الكفارة عن الناسي والجاهل والمجنون في غير الصيد فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل على‌

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « م ».

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٩ ـ ١٢٨٧ ، الوسائل ٩ : ٢٨٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

٤٥٤

______________________________________________________

سقوطها عن الناسي والجاهل ، والمجنون أعذر منهما ، فيكون أولى بالسقوط.

وأمّا لزوم الكفارة في الصيد على جميع الأحوال فيدل عليه مضافا إلى عموم الروايات المتضمنة لثبوت الكفارة بذلك ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال « وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فإنّ عليك الفداء فيه بجهل كان أو بعمد » (١).

وفي الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرّضا عليه‌السلام قال : سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة قال : « عليه كفارة » قلت : فإن أصابه خطأ قال : « وأيّ شي‌ء الخطاء عندك؟ » قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى قال : « نعم هذا الخطاء وعليه الكفارة » (٢).

وحكى العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه نقل عن بعض الأصحاب قولا بسقوط الكفارة عن الناسي في الصيد (٣). وهو ضعيف.

ولو صال على المحرم صيد ولم يقدر على دفعه إلاّ بقتله ساغ له قتله إجماعا. والأصح أنّه لا يجب عليه الجزاء كما اختاره العلامة في المنتهى ، والشهيد في الدروس (٤) ، للأصل ، وإباحة الفعل ، بل وجوبه عليه شرعا ، ولا يعارض بأكل الصيد في حال الضرورة حيث وجبت به الكفارة مع تعينه شرعا ، لاختصاصه بالنص فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل إلى أن يثبت المخرج عنه ، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه والحمد لله وحده.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٢ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٣٦٠ ـ ١٢٥٣.

(٣) المختلف : ٢٨٧ ، غير أنه نقله عن ابن إدريس.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٠٠ ، والدروس : ٩٩.

٤٥٥
٤٥٦

كتاب العمرة

______________________________________________________

قوله : ( كتاب العمرة ).

العمرة لغة : الزيارة ، أخذ من العمارة ، لأنّ الزائر يعمر المكان بزيارته (١). وشرعا : اسم للمناسك المخصوصة الواقعة في الميقات ومكة. قال في المنتهى : والعمرة واجبة مثل الحج على كل مكلف حاصل فيه شرائط الحج بأصل الشرع ذهب إليه علماؤنا أجمع (٢) ويدل عليه قوله عزّ وجلّ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٣) وما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع ، لأنّ الله تعالى يقول ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٤).

وفي الحسن عن عمر بن أذينة قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام بمسائل بعضها مع ابن بكير ، وبعضها مع أبي العباس ، فجاء الجواب بإملائه :

__________________

(١) راجع الصحاح ٢ : ٧٥٧ ، والقاموس المحيط ٣ : ٩٩ ، والنهاية لابن الأثير ٣ : ٢٩٧.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٧٦.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) الكافي ٤ : ٢٦٥ ـ ٤ ، الوسائل ٨ : ٤ أبواب وجوب الحج ب ١ ح ٥.

٤٥٧

وصورتها أن يحرم من الميقات الذي يسوغ له الإحرام منه ، ثم يدخل مكة فيطوف ويصلي ركعتيه ، ثم يسعى بين الصفا والمروة ، ويقصّر.

وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحج. ومع الشرائط تجب في العمر مرّة.

______________________________________________________

« سألت عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١) يعني به الحج والعمرة جميعا لأنّهما مفروضان ، وسألت عن قول الله عزّ وجلّ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) قال : يعني بتمامهما أداءهما واتقاء ما يتقي المحرم فيهما » (٢) وغير ذلك من الأخبار الكثيرة.

قوله : ( وصورتها أن يحرم من الميقات الّذي يسوغ له الإحرام منه ثمّ يدخل مكة فيطوف ، ويصلي ركعتيه ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويقصر ).

قد تقدّم الكلام في المواقيت الّتي يسوغ منها الإحرام للحج والعمرة مفصّلا (٣). والضمير في « صورتها » إن عاد إلى مطلق العمرة الشامل للمفردة والمتمتع بها لم يصح ، لعدم ذكر طواف النساء مع وجوبه في المفردة كما سيصرح به المصنف ـ رحمه‌الله ـ ، وإن عاد إلى المتمتع بها خاصة كما يدل عليه الاقتصار على التقصير وعدم ذكر طواف النساء كان جيدا من حيث المعنى إلاّ أنّه بعيد من جهة اللّفظ ، لعدم تقدم ذكرها على الخصوص ، ولعدم ملائمته لما بعد ذلك من الضمائر وكيف كان فالعبارة لا تخلو من شي‌ء.

قوله : ( وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحج ، ومع الشرائط تجب في العمر مرة ).

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٤ ـ ١ ، الوسائل ٨ : ٣ أبواب وجوب الحج ب ١ ح ٢.

(٣) في ج ٧ ص ٢١٤.

٤٥٨

وقد تجب بالنذر وما في معناه ، والاستيجار ، والإفساد ، والفوات ، والدخول إلى مكة مع انتفاء العذر وعدم تكرار الدخول.

ويتكرر وجوبها بحسب السبب.

______________________________________________________

هذان الحكمان إجماعيان عندنا ودليلهما معلوم مما سبق. وربما ظهر‌ من إطلاق العبارة أنّه لا يشترط في وجوب العمرة المفردة الاستطاعة للحج معها ، بل لو استطاع لها خاصة وجب كما أنّه لو استطاع للحج خاصة وجب ، وهو أشهر الأقوال في المسألة وأجودها ، إذ ليس فيما وصل إلينا من الروايات دلالة على ارتباطها بالحج بل ولا دلالة على اعتبار وقوعهما في السنة وإنّما المستفاد منهما وجوبهما خاصة.

وحكى الشارح قولا بأنّ كلاّ منهما لا يجب إلاّ مع الاستطاعة للآخر (١). وفصّل ثالث فأوجب الحج مجردا عنهما وشرط في وجوبها الاستطاعة للحج. وهو مختار الدروس (٢).

هذا في العمرة والمفردة ، أمّا عمرة التمتع فلا ريب في توقف وجوبها على الاستطاعة لها وللحج ، لدخولها فيه وكونها بمنزلة الجزء منه ، وهو موضوع وفاق.

قوله : ( وقد تجب بالنذر وما في معناه ، والاستيجار ، والإفساد ، والفوات ).

المراد بما في معنى النذر العهد واليمين ، والمراد بالإفساد إفساد العمرة ، فإنّه موجب لفعلها ثانيا وإن كانت مندوبة كالحج ، وبالفوات فوات الحج ، فإنّه يجب التحلل منه بعمرة مفردة ، وقد تقدم الكلام في ذلك كله.

قوله : ( والدخول إلى مكة مع انتفاء العذر وعدم تكرار الدخول ، ويتكرر وجوبها بحسب السبب ).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٦.

(٢) الدروس : ٩٤.

٤٥٩

وأفعالهما ثمانية : النية ، والإحرام ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، والتقصير ، وطواف النساء ، وركعتاه.

وتنقسم إلى متمتع بها ومفردة :

فالأولى : تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام. ولا تصحّ إلا في أشهر الحج. وتسقط المفردة معها.

______________________________________________________

قد بينها فيما سبق أنّ اللاّزم لمن دخل مكة الإحرام بنسك سواء كان‌ حجا أو عمرة (١) ، وإنّما يكون الإحرام واجبا مع وجوب الدخول وإلاّ كان شرطا لا واجبا ، لأنّ من تركه ودخل مكة محلا فإنّما يأثم بدخول مكة كذلك ، لا بترك الإحرام كما أنّ من صلّى النافلة بغير طهارة يأثم بالصلاة كذلك ، لا بترك الطهارة كما هو واضح.

قوله : ( وأفعالهما ثمانية ).

الضمير في أفعالها يتعين عوده إلى العمرة المفردة ، إذ لا يجب في المتمتع بها طواف النساء‌

قوله : ( النية ، والإحرام ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، والتقصير ، وطواف النساء ، وركعتاه ).

الكلام في النيّة هنا كما سبق في نيّة الحج (٢) ، ولا وجه للاقتصار على التقصير هنا ، بل كان ينبغي ذكر التخيير بينه وبين الحلق.

قوله : ( وتنقسم إلى : متمتع بها ومفردة ، والأولى : تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام ، ولا تصح إلاّ في أشهر الحج ، وتسقط المفردة معها ).

هذه الأحكام متفق عليها بين الأصحاب ، وقد تقدّم الكلام فيها مفصلا.

__________________

(١) في ج ٧ ص ٣٨٠.

(٢) في ج ٧ ص ٢٥٧.

٤٦٠