مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

وإذا عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل بها المحرم فعلى كل منهما كفارة. وكذا لو كان العاقد محلا على رواية سماعة.

______________________________________________________

الأشواط ، مع أنّ الاحتياط يقتضي وجوب الكفارة (١).

قال في المنتهى : ولا تعويل على هذا الكلام مع ورود الحديث الصحيح وموافقة عمل الأصحاب عليه (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو جيد لو ثبت صحة الخبر ، لكنه غير واضح ، وما ذكره ابن إدريس من ثبوت الكفارة قبل إكمال السبع لا يخلو من قوة وإن كان اعتبار الخمسة لا يخلو من رجحان ، عملا بالروايتين المتضمنتين لانتفاء الكفارة بذلك المطابقتين لمقتضى الأصل والإجماع المنقول ، والتفاتا إلى أنّ المتبادر من الجماع قبل طواف النساء المقتضي للزوم الكفارة الجماع قبل الشروع في شي‌ء منه ، والمسألة محل تردد.

قوله : ( وإذا عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل المحرم فعلى كل واحد منهما كفارة ، وكذا لو كان العاقد محلا على رواية سماعة ).

[١] احترز بدخول المحرم عمّا لو لم يدخل فإنّه لا شي‌ء عليهما سوى الإثم ، للأصل وعدم النص ، ولم أقف على رواية تتضمن لزوم الكفارة للعاقد المحرم لكن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، أمّا المحل فقد ورد به رواية رواها الشيخ ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرما وهو يعلم أنّه لا يحل له » قلت : فإن فعل فدخل بها المحرم؟ قال : « إن كانا عالمين فإنّ على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة ، وإن لم تكن محرمة فلا شي‌ء عليها إلاّ أن تكون قد علمت أنّ الّذي تزوجها محرم فإن كانت علمت ثمّ تزوّجت فعليها بدنة » (٣).

__________________

(١) السرائر : ١٢٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٤٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٠ ـ ١١٣٨ ، الوسائل ٩ : ٢٧٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٢ ح ١.

٤٢١

ومن جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته وعليه بدنة وقضاؤها ،

______________________________________________________

ومقتضى الرواية لزوم الكفارة للمرأة المحلة أيضا إن كانت عالمة بإحرام الزوج ، وبمضمونها أفتى الشيخ وجماعة ، وهو أولى من العمل بها في أحد الحكمين واطراحها في الآخر كما فعل في الدروس (١) ، وإن كان المطابق للأصول اطراحها مطلقا لنصّ الشيخ على أنّ راويها وهو سماعة كان واقفيا (٢) ، فلا تعويل على روايته.

قوله : ( ومن جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته ، وعليه بدنة وقضاؤها ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، بل ظاهر عبارة المنتهى أنّه موضوع وفاق (٣). ونقل عن ابن أبي عقيل أنّه قال : وإذا جامع الرجل في عمرته بعد أن طاف بها وسعى قبل أن يقصر فعليه بدنة وعمرته تامة ، فأمّا إذا جامع في عمرته قبل أن يطوف بها ويسعى فلم أحفظ عن الأئمة عليهم‌السلام شيئا أعرفكم به فوقفت عند ذلك ورددت الأمر إليهم (٤).

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في العمرة بين المفردة والمتمتع بها ، وبهذا التعميم صرّح العلاّمة في المختلف (٥) وغيره (٦). وخصّ الشيخ في التهذيب الحكم بالمفردة ، واستدل عليه بما رواه في الصحيح ، عن بريد بن معاوية العجلي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه قال : « عليه بدنة لفساد‌

__________________

(١) الدروس : ١٠٦.

(٢) رجال الطوسي : ٣٥١ ـ ٤.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٤١.

(٤) نقله في المختلف : ٢٨٣.

(٥) المختلف : ٢٨٣.

(٦) كالقواعد ١ : ٩٩ ، والمسالك ١ : ١٤٥.

٤٢٢

______________________________________________________

عمرته ، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة » (١).

وعن مسمع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يعتمر عمرة مفردة فيطوف بالبيت طواف الفريضة ثمّ يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة قال « قد أفسد عمرته وعليه بدنة وعليه أن يقيم بمكة محلا حتى يخرج الشهر الّذي اعتمر فيه ، ثمّ يخرج إلى الوقت الّذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل بلاده فيحرم منه ويعتمر » (٢).

ومورد الروايتين العمرة المفردة ، إلاّ أنّ ظاهر الأكثر وصريح البعض عدم الفرق بينها وبين عمرة التمتع (٣) ، وربما أشعر به صحيحة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل متمتع وقع على امرأته ولم يقصر قال : « ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون ثلم حجه إن كان عالما ، وإن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه » (٤) فإنّ الخوف من تطرق الفساد إلى الحج بالوقاع بعد السعي وقبل التقصير ربّما اقتضى تحقق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي.

ولم يذكر الشيخ والمصنف وأكثر الأصحاب وجوب إتمام العمرة الفاسدة. وقطع العلامة في القواعد (٥) ، والشهيدان (٦) بالوجوب ، وهو مشكل ، لعدم الوقوف على مستنده ، بل ربّما كان في الروايتين المتقدمتين إشعار بالعدم ، للتصريح فيهما بفساد العمرة بذلك ، وعدم التعرض لوجوب الإتمام.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٤ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٢٣ ـ ١١١١ ، الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٢ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٥٣٨ ـ ٢ ، والفقيه ٢ : ٢٧٥ ـ ١٣٤٤.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٨ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٣٧ ـ ١١٣٢ ، التهذيب ٥ : ١٦١ ـ ٥٣٩ ، الوسائل ٩ : ٢٧٠ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٣ ح ٤.

(٥) القواعد ١ : ٩٩.

(٦) الشهيد الأول في الدروس : ١٠٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٥.

٤٢٣

والأفضل أن يكون في الشهر الداخل.

______________________________________________________

ثمّ لو قلنا بالوجوب فالظاهر عدم وجوب إكمال الحج لو كانت العمرة الفاسدة عمرة تمتع ، بل يكفي استئناف العمرة مع ستة الوقت ثمّ الإتيان بالحج ، واستوجه الشارح وجوب إكمالهما ثمّ قضائهما ، لما بينهما من الارتباط (١). وهو ضعيف لأنّ الارتباط إنّما يثبت بين الصحيح منهما لا الفاسد.

ولو كان الجماع في العمرة بعد السعي وقبل التقصير لم يفسد العمرة ووجوب البدنة في عمرة التمتع قطعا ، لصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة وغيرها (٢). وجزم الشارح (٣) وغيره (٤) بمساواة العمرة المفردة لها في ذلك. وهو محتاج إلى الدليل.

واعلم أنّ العلاّمة في القواعد استشكل الحكم من أصله في عمرة التمتع فقال : ولو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتع بها ـ على إشكال ـ قبل السعي عامدا عالما بالتحريم بطلت عمرته ووجب إكمالها وقضاؤها وبدنة (٥). ووجه الإشكال معلوم مما قررناه ، لكن ذكر فخر المحققين في شرحه أنّ الإشكال في فساد الحج بعدها لا في فساد العمرة ، وذكر أنّ منشأ الإشكال : من دخول العمرة في الحج ، ومن انفراد الحج بالإحرام ، ونسب ذلك إلى تقرير والده (٦). ولا يخفى ضعف الإشكال على هذا التوجيه ، لأنّ حج التمتع لا يعقل صحته مع فساد العمرة المتقدمة عليه والله تعالى أعلم.

قوله : ( والأفضل أن يكون في الشهر الداخل ).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٥.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٦٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٣.

(٣) المسالك ١ : ١٤٥.

(٤) كالكركي في جامع المقاصد ١ : ١٨٥.

(٥) القواعد ١ : ٩٩.

(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٣٤٧.

٤٢٤

ولو نظر إلى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة إن كان موسرا ، وإن كان متوسطا فبقرة ، وإن كان معسرا فشاة.

______________________________________________________

مقتضى روايتي مسمع وبريد‌ المتقدمتين (١) تعين إيقاع القضاء في الشهر الداخل ، ولا يبعد المصير إلى ذلك وإن قلنا بجواز توالي العمرتين أو الاكتفاء بالفرق بينهما بعشرة أيّام في غير هذه الصورة.

قوله : ( ولو نظر إلى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة إن كان موسرا ، وإن كان متوسطا فبقرة ، وإن كان معسرا فشاة ).

المستند في هذا التفصيل ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى قال : « إن كان موسرا فعليه بدنة ، وإن كان وسطا فعليه بقرة ، وإن كان فقيرا فعليه شاة » (٢) وهي ضعيفة السند باشتراك راويها بين الثقة وغيره ، وبأنّ في طريقها عبد الله بن جبلة ، وقال النجاشي : إنّه كان واقفيا (٣). وإسحاق بن عمار ، وقال الشيخ : إنّه فطحي (٤).

والأجود التخيير بين الجزور والبقرة مطلقا ، فإن لم يجد فشاة ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل قال : « عليه جزور أو بقرة ، فإن لم يجد فشاة » (٥).

ويحتمل قويا الاكتفاء بالشاة مطلقا ، لما رواه الكليني في الحسن ، عن معاوية بن عمار : في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل قال : « عليه دم ، لأنّه نظر إلى غير ما يحل له ، وإن لم يكن أنزل فليتق ولا يعد وليس عليه‌

__________________

(١) في ص ٤٢٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٢٥ ـ ١١١٥ ، الوسائل ٩ : ٢٧٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٦ ح ٢.

(٣) رجال النجاشي : ١٥٠.

(٤) الفهرست : ١٥ ـ ٥٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٢٥ ـ ١١١٦ ، الوسائل ٩ : ٢٧٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٦ ح ١.

٤٢٥

ولو نظر إلى امرأته لم يكن عليه شي‌ء ولو أمنى. ولو كان بشهوة فأمنى كان عليه بدنة.

______________________________________________________

شي‌ء » (١).

قوله : ( ولو نظر إلى امرأته لم يكن عليه شي‌ء ولو أمنى ، ولو كان بشهوة فأمنى كان عليه بدنة ).

هذان الحكمان مقطوع بهما في كلام الأصحاب ، بل ظاهر المنتهى أنّهما إجماعيان (٢). ويدل على الأوّل صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم قال : « لا شي‌ء عليه » (٣).

وعلى الثاني قول الصادق عليه‌السلام في رواية مسمع أبي سيار : « ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور » (٤).

وهذه الرواية مع قصور سندها بعدم توثيق الراوي معارضة بموثق إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى قال : « ليس عليه شي‌ء » (٥). وأجاب الشيخ عن هذه الرواية بالحمل على حال السهو دون العمد (٦). وهو بعيد.

وذكر الشارح أنّ من كان معتادا للإمناء عند النظر بغير شهوة يجب عليه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٧ ـ ٨ ، الوسائل ٩ : ٢٧٣ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٦ ح ٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٨١٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٢٥ ـ ١١١٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩١ ـ ٦٤٢ ، الوسائل ٩ : ٢٧٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ ـ ١١٢١ ، الإستبصار ٢ : ١٩١ ـ ٦٤١ ، الوسائل ٩ : ٢٧٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٢٧ ـ ١١٢٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩٢ ـ ٦٤٣ ، الوسائل ٩ : ٢٧٦ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٢٧ ، والاستبصار ٢ : ١٩٢.

٤٢٦

ولو مسها بغير شهوة لم يكن عليه شي‌ء. ولو مسها بشهوة كان عليه شاة ولو لم يمن. ولو قبّل امرأته كان عليه شاة. ولو كان بشهوة كان عليه جزور.

______________________________________________________

الكفارة كما لو نظر بشهوة (١). وهو جيد مع القصد. لأنّه في معنى الاستمناء.

قوله : ( ولو مسها بغير شهوة لم يكن عليه شي‌ء ، ولو مسها بشهوة كان عليه شاة ولو لم يمن ).

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال : « نعم ، يصلح عليها خمارها ، ويصلح عليها ثوبها ومحملها » قلت : أفيمسها وهي محرمة؟ قال : « نعم » قلت : المحرم يضع يده بشهوة؟ قال : « يهريق دم شاة » قلت : قبّل؟ قال : « هذا أشد ينحر بدنة » (٢).

وما رواه الشيخ ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حمل امرأته وهو محرم فأمنى أو أمذى فقال : « إن كان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه ، فإن حملها أو مسها بغير شهوة فأمنى أو لم يمن فليس عليه شي‌ء » (٣).

قوله : ( ولو قبّل امرأته كان عليه شاة ، ولو كان بشهوة كان عليه جزور ).

هذا أحد الأقوال في المسألة ، وأطلق الصدوق في المقنع وجوب‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٥ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٧٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٦ ـ ١١١٩ ، الوسائل ٩ : ٢٧٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٦.

٤٢٧

وكذا لو أمنى عن ملاعبة.

______________________________________________________

البدنة (١) ، وفيمن لا يحضره الفقيه : وجوب الشاة (٢). وقال ابن إدريس : في القبلة بشهوة فينزل جزور ، وبغير إنزال شاة كما لو قبّلها بغير شهوة (٣).

والّذي وقفت عليه في هذه المسألة من الروايات : حسنة الحلبي المتقدمة حيث قال فيها : قلت قبّل؟ قال : « هذا أشد ينحر بدنة ».

ورواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قبّل امرأته وهو محرم قال : « عليه بدنة وإن لم ينزل » (٤). ورواية مسمع ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ حال المحرم ضيّقة : إن قبّل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، وإن قبّل امرأته على غير شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر الله » (٥) وفي هاتين الروايتين ضعف من حيث السند (٦).

والمتجه وجوب البدنة مطلقا كما اختاره ابن بابويه في المقنع ، لحسنة الحلبي فإنّها لا تقصر عن الصحيح كما بيناه مرارا.

قوله : ( وكذا لو أمنى عن ملاعبة ).

أي : يجب عليه جزور ، ويجب على المرأة مثله إذا كانت مطاوعة ، كما‌

__________________

(١) المقنع : ٨٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٣.

(٣) السرائر : ١٣٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ ـ ١١٢٣ ، الوسائل ٩ : ٢٧٧ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ ـ ١١٢١ ، الإستبصار ٢ : ١٩١ ـ ٦٤١ ، الوسائل ٩ : ٢٧٦ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٣.

(٦) أما الأولى فلأن روايها وهو علي بن أبي حمزة أصل الوقف ، وأما الثانية فلأن راويها وهو مسمع ليس هناك ما يعتمد عليه في توثيقه على مبنى المصنف.

٤٢٨

ولو استمع على من يجامع [ فأمنى ] من غير نظر لم يلزمه شي‌ء.

فرع :

لو حج تطوعا فأفسده ثم أحصر كان عليه بدنة للإفساد ودم‌

______________________________________________________

نصّ عليه الشيخ في التهذيب (١) وغيره (٢). ويدل على الحكمين ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان فقال : « عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الّذي يجامع » (٣) ومقتضى هذه الرواية وجوب البدنة ، لأنّها الواجب في الجماع.

قوله : ( ولو استمع على من يجامع من غير نظر لم يلزمه شي‌ء ).

للأصل ، ورواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط وهو محرم فتشاهى حتى أنزل قال : « ليس عليه شي‌ء » (٤) ورواية سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه قال في محرم استمع على رحل يجامع أهله فأمنى قال : « ليس عليه شي‌ء » (٥).

ولو أمنى بذلك وكان من عادته ذلك أو قصده فقد قطع الشارح بوجوب الكفارة عليه كالاستمناء (٦) ، وهو حسن.

قوله : ( فرع ، لو حجّ تطوعا فأفسد ثمّ أحصر كان عليه بدنة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٧.

(٢) المبسوط ١ : ٣٣٦ ، النهاية : ٢٣٠ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٣٥٨ ، والشهيد الأول في الدروس : ١٠٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٤ ـ ١١٢٤ ، الوسائل ٩ : ٢٧١ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٤ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٧ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ ـ ١١٢٥ ، الوسائل ٩ : ٢٧٨ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٢٠ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٢٨ ـ ١١٢٦ ، الوسائل ٩ : ٢٧٨ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٢٠ ح ٤.

(٦) المسالك ١ : ١٤٥.

٤٢٩

للإحصار وكفاه قضاء واحد في القابل.

المحظور الثاني : الطيب ، فمن تطيّب كان عليه دم شاة ، سواء استعمله صبغا أو طلاء ، ابتداء أو استدامة ، أو بخورا أو في الطعام.

______________________________________________________

للإفساد ، ودم للإحصار ، وكفاه قضاء واحد في القابل ).

لا ريب في الاكتفاء بالقضاء الواحد بسبب الإفساد ، لأنّ المندوب يجب قضاؤه بالإفساد ولا يجب قضاؤه مع الحصر ، بل إنّما يجب الإتيان بعد زوال الحصر بالواجب المستقر خاصة ، وفي الاكتفاء بالقضاء الواحد فيه وجهان مبنيان على أنّ الأولى الفرض والثانية عقوبة ، أو عكسه. وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصلا.

قوله : ( المحظور الثاني ، الطيب : فمن تطيّب كان عليه دم شاة ، سواء استعمله صبغا أو إطلاء ، ابتداء أو استدامة ، أو بخورا أو في الطعام ).

هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء ، حكاه في المنتهى (١) ، واستدل عليه بما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب إليه » (٢) وهي لا تدل على ما ذكروه من التعميم.

وقد ورد في بعض الروايات ما يدل على عدم تعيّن الدم كصحيحة معاوية بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام حيث قال فيها : « واتق الطيب في زادك ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليعد غسله ، وليتصدق بصدقة بقدر ما صنع » (٣).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨١٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٩ ، الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٨.

٤٣٠

ولا بأس بخلوق الكعبة ولو كان فيه زعفران.

______________________________________________________

ومرسلة حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان ، ولا يتلذذ به ولا بريح طيبة ، فمن ابتلي بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته » (١).

وقد روى الشيخ في التهذيب هذه الرواية بطريق غير واضح الصحة ، عن حريز ، عن الصادق عليه‌السلام وفيها : « فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه » يعني من الطعام (٢).

وأجاب العلامة في المنتهى عن هاتين الروايتين بالحمل على حال الضرورة والحاجة إلى استعمال الطيب (٣). وهو بعيد ، ويمكن حملها على حال الجهل والنسيان ، ومع ذلك يكون الأمر بالصدقة محمولا على الاستحباب ، للأخبار الكثيرة المتضمنة لسقوط الكفارة عن الناسي والجاهل في غير الصيد ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلاّ الصيد فإنّ عليك الفداء فيه بجهل كان أو بعمد » (٤) وقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « من نتف إبطه ، أو قلّم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة » (٥).

قوله : ( ولا بأس بخلوق الكعبة وان كان فيه زعفران ).

يدل على ذلك صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٣ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٨٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٧ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١١.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ ـ ١٠٨٥ ، الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٩ ـ ١٢٨٧ ، الوسائل ٩ : ٢٨٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

٤٣١

وكذا الفواكه كالأترج والتفاح ،

______________________________________________________

المحرم قال : « لا بأس به ، ولا يغسله فإنّه طهور » (١) وفي الصحيح ، عن يعقوب بن شعيب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة قال : « لا يضره ولا يغسله » (٢).

قوله : ( وكذا الفواكه كالأعرج والتفاح ).

أي : لا بأس بها فيجوز أكلها وشمّها ، ولا يجب باستعمالها فدية باتفاق العلماء ، حكاه في المنتهى (٣) ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم أيتخلل؟ قال : « نعم لا بأس به » قلت : له أن يأكل الأترج؟ قال : « نعم » قلت : فإن له رائحة طيبة فقال : « إن الأترج طعام وليس هو من الطيب » (٤).

وعن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن التفاح ، والأترج ، والنبق ، وما طاب ريحه فقال : « يمسك على شمه ويأكله » (٥).

ومقتضى الرواية وجوب الإمساك عن شمّه لكنها ضعيفة بالإرسال. وروى ابن بابويه في الصحيح ، عن علي بن مهزيار قال : سألت ابن أبي عمير عن التفاح ، والأترج ، والنبق ، وما طاب ريحه فقال : « تمسك عن شمّه وتأكله » ولم يرو فيه شيئا (٦). ومقتضى ذلك كون الأمر بالإمساك عن شمّه من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٢٢٥ ، الوسائل ٩ : ٩٨ أبواب تروك الإحرام ب ٢١ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٢٢٦ ، الوسائل ٩ : ٩٨ أبواب تروك الإحرام ب ٢١ ح ٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٨٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٦ ـ ١٠٤٣ ، الإستبصار ٢ : ١٨٣ ـ ٦٠٧ ، الوسائل ٩ : ١٠٢ أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٥ ـ ١٠٤٢ ، الإستبصار ٢ : ١٨٣ ـ ٦٠٦ ، الوسائل ٩ : ١٠٣ أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ٣.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٨ ، الوسائل ٩ : ١٠٢ أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ١ ولكن فيه : ولم يزد فيه شيئا. وفي « ح » : ولم ير فيه شيئا.

٤٣٢

والرياحين كالورد والنيلوفر.

الثالث : القلم ، وفي كل ظفر مدّ من طعام. وفي أظفار يديه‌

______________________________________________________

فتوى ابن أبي عمير ، وكيف كان فلا عبرة بهذه الرواية.

وقال الشارح ـ قدس‌سره بعد أن قال : الظاهر أنّ قول المصنف : وكذا الفواكه ، معطوف على خلوق الكعبة فيفيد جواز شمّه ـ : ويمكن أن يكون معطوفا على الطيب ، للرواية الصحيحة الدالة على تحريمه ، وهو الأقوى (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ ولم نقف على هذه الرواية الّتي أشار إليها في شي‌ء من كتب الأصول والفروع ، مع أنّ العلاّمة في المنتهى نقل اتفاق العلماء على إباحة شمّ هذا النوع وسقوط الفدية باستعماله كما نقلناه.

قوله : ( والرياحين كالورد والنيلوفر ).

بل الأصح تحريم استعمالها ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان : « لا تمس ريحانا وأنت محرم ، ولا شيئا فيه زعفران ، ولا تطعم طعاما فيه زعفران » (٢) لكن الظاهر أنّه لا يجب باستعمالها فدية ، للأصل السالم من المعارض.

ويستثنى من المنع من شمّ الرياحين : الشيح ، والخزامى ، والقيصوم ، والإذخر ، ونحوها إن أطلق عليها اسم الريحان ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « لا بأس أن تشمّ الإذخر ، والقيصوم ، والخزامى ، والشيخ وأشباهه وأنت محرم » (٣).

قوله : ( الثالث ، القلم : وفي كل ظفر مدّ من طعام ، وفي أظفار‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٥ ـ ١٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ٩ : ١٠٢ أبواب تروك الإحرام ب ٢٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥٥ ـ ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٧ ، التهذيب ٥ : ٣٠٥ ـ ١٠٤١ ، الوسائل ٩ : ١٠١ أبواب تروك الإحرام ب ٢٥ ح ١.

٤٣٣

ورجليه في مجلس دم واحد. ولو كان كل واحد منهما في مجلس لزمه دمان.

______________________________________________________

يديه ورجليه في مجلس واحد دم واحد ، ولو كان كل واحد منهما في مجلس لزمه دمان ).

المستند في ذلك ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن مهزيار ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قلّم ظفرا من أظافيره وهو محرم قال : « عليه مدّ من طعام حتى يبلغ عشرة ، فإن قلّم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة » قلت : فإن قلّم أظافير يديه ورجليه جميعا؟ فقال : « إذا كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وإن كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان » (١).

وقد روى الشيخ في التهذيب هذه الرواية أيضا ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام لكن الموجود فيها : « عليه في كل ظفر قيمة مدّ من طعام » (٢).

وروى أيضا ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي أنّه سأله عن محرم قلّم أظافيره قال : « عليه مدّ في كل إصبع ، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة » (٣).

وبمضمون هاتين الروايتين أفتى الأصحاب إلاّ من شذّ ، ويؤيدهما صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « من قلّم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٧٥ ، الوسائل ٩ : ٢٩٣ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٢ ـ ١١٤١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٣ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٢ ـ ١١٤٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩٤ ـ ٦٥٢ ، الوسائل ٩ : ٢٩٣ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٣ ـ ١١٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٥ ، الوسائل ٩ : ٢٩١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٠ ح ٥.

٤٣٤

ولو أفتي بتقليم ظفره فأدماه لزم المفتي شاة.

______________________________________________________

وقال ابن الجنيد : في الظفر مدّ أو قيمته حتى يبلغ خمسة فصاعدا فدم إن كان في مجلس واحد ، فإن فرّق بين يديه ورجليه فليديه دم ولرجليه دم (١). وقال الحلبي : في قصّ ظفر كفّ من طعام ، وفي أظفار إحدى يديه صاع ، وفي أظفار كلتيهما شاة ، وكذا حكم أظفار رجليه ، وإن كان الجميع في مجلس واحد فدم (٢). ولم نقف لهذين القولين على مستند.

وإنّما يجب الدم أو الدمان بتقليم أصابع اليدين أو الرجلين إذا لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ إلى حد يوجب الشاة ، وإلاّ تعدد المدّ خاصة بحسب تعدد الأصابع.

ولو كفر بشاة لليدين أو الرجلين ثمّ أكمل الباقي في المجلس وجب عليه شاة أخرى.

والظاهر أنّ بعض الظفر كالكل ، ولو قصه في دفعات مع اتحاد المجلس لم يتعدد الفدية ، وفي التعدد مع الاختلاف وجهان.

قوله : ( ولو أفتي بتقليم ظفره فأدماه لزم المفتي شاة ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٣) ، وجمع من الأصحاب ، واستدلوا عليه برواية إسحاق الصيرفي قال ، قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : إنّ رجلا أحرم فقلّم أظفاره فكانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه قال : « على الّذي أفتى شاة » (٤) وهذه الرواية ضعيفة السند (٥) فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل.

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٢٨٥.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٠٤.

(٣) النهاية : ٢٣٣ ، والمبسوط ١ : ٣٤٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٦ ، الوسائل ٩ : ٢٩٤ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٣ ح ١.

(٥) لأن راويها وهو إسحاق بن عمار قال الشيخ إنه فطحي ( الفهرست : ١٥ ) ولأن من جملة رجالها محمد البزاز وهو مجهول ، وزكريا المؤمن وكان واقفا مختلط الأمر في حديثه ( راجع رجال النجاشي : ١٧٢ ـ ٤٥٣ ).

٤٣٥

الرابع : المخيط ، حرام على المحرم ، فلو لبس كان عليه دم.

______________________________________________________

وصرح الشهيد في الدروس بأنّه لا يشترط إحرام المفتي ، ولا كونه من أهل الاجتهاد (١). واعتبر الشارح : صلاحيته للإفتاء بزعم المستفتي ليتحقق كونه مفتيا (٢). وهو حسن ، وإنّما تجب الفدية على المفتي مع قلم المستفتي وإدمائه ، فلو تجرد القلم عن الإدماء فلا فدية. وفي قبول قول القالم في الإدماء وجهان ، واستقرب في الدروس القبول (٣) ، ولو تعدد المفتي ففي تعدد الكفارة ، أو الاكتفاء بكفارة موزعة على الجميع أوجه ، ثالثها الفرق بين أن يقع الإفتاء دفعة وعلى التعاقب ، ولزوم الكفارة للأوّل خاصة في الثاني ، والتعدد في الأوّل ، واختاره في الدروس (٤) ، والكلام في هذه الفروع قليل الفائدة ، لضعف الأصل المبني عليه.

قوله : ( الرابع ، المخيط حرام على المحرم ، فلو لبس كان عليه دم ).

قد بينا فيما سبق أنّه ليس فيما وصل إلينا من الروايات دلالة على تحريم عين المخيط ، وإنّما تعلق النهي بلبس القميص والقباء والسراويل ، وقد أجمع العلماء كافة على أنّ المحرم إذا لبس ما لا يحل له لبسه وجبت عليه الفدية دم شاة ، حكاه في المنتهى (٥). ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » (٦).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها قال :

__________________

(١) الدروس : ١٠٩.

(٢) المسالك ١ : ١٤٥.

(٣) الدروس : ١٠٩.

(٤) الدروس : ١٠٩.

(٥) المنتهى ٢ : ٨١٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٨ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٠ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ٤.

٤٣٦

ولو اضطر إلى لبس ثوب يتقي به الحر أو البرد جاز وعليه شاة.

______________________________________________________

« عليه لكل صنف منها فداء » (١).

وعن سليمان بن العيص قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يلبس القميص متعمدا قال « عليه دم » (٢).

والاستدامة في اللبس كابتدائه ، فلو لبس المحرم قميصا ناسيا ثمّ ذكر وجب عليه خلعه إجماعا ولا فدية ، ولو أخلّ بذلك بعد العلم لزمه الفدية.

قوله : ( ولو اضطر إلى لبس ثوب يتقي به الحر أو البرد جاز ، وعليه شاة ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، ويدل عليه خصوص صحيحة ابن مسلم المتقدمة ، واستدل عليه في المنتهى (٣) أيضا ، بقوله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٤) قال : ومعناه من كان منكم مريضا فليس أو تطيب أو حلق بلا خلاف. ثمّ عزى ذلك إلى الشيخ (٥) ، وهو غير جيد.

أما أوّلا : فلأنّ سوق الآية يقتضي اختصاصها بالحلق لترتب ذلك على‌ قوله عزّ وجلّ ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٦) وقد صرّح بذلك الإمام الطبرسي ـ رحمه‌الله ـ في تفسيره قال ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ) أي من مرض منكم مرضا يحتاج فيه إلى الحلق للمداواة ، أو تأذّى بهوام رأسه أبيح له الحلق بشرط الفدية (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٩ : ٢٩٠ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٣٩ ، الوسائل ٩ : ٢٨٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٨١٢.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) النهاية : ٢٣٤ ، والمبسوط ١ : ٣٥١.

(٦) البقرة : ١٩٦.

(٧) مجمع البيان ١ : ٢٩١.

٤٣٧

الخامس : حلق الشعر ، وفيه شاة أو إطعام عشرة مساكين ، لكل منهم مدّ. وقيل : ستة لكل منهم مدان أو صيام ثلاثة أيام.

______________________________________________________

وأمّا ثانيا : فلأنّ اللازم من ذلك التخيير في فدية اللبس بين الصيام ، والصدقة ، والنسك ، كالحلق ولا نعلم بذلك قائلا من الأصحاب ولا غيرهم ، بل مقتضى كلام الجميع تعيّن الدم.

قوله : ( الخامس ، حلق الشعر ، وفيه شاة أو إطعام عشرة مساكين ، لكل منهم مدّ ، وقيل : ستة ، لكل منهم مدّان ، أو صيام ثلاثة أيّام ).

أجمع العلماء كافة على وجوب الفدية على المحرم إذا حلق رأسه متعمدا سواء كان لأذى أو غيره ، حكاه في المنتهى (١). ويدل عليه مضافا إلى ظاهر الآية الشريفة ، ما رواه الكليني في الحسن ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كعب بن عجرة والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم فقال له : أيؤذيك هو أمّك؟ فقال : نعم ، فأنزلت هذه الآية ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٢) فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحلق وجعل الصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدّان ، والنسك شاة ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وكل شي‌ء في القرآن « أو » فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن « فمن لم يجد كذا فعليه كذا فالأولى الخيار » وقد روى الشيخ في التهذيب هذه الرواية بطريق لا يبعد صحته ، عن حريز ، عن الصادق عليه‌السلام (٣) ، والحكم وقع في الآية والرواية معلقا على الحلق للأذى إلاّ أنّ ذلك يقتضي وجوب الكفارة على غيره بطريق أولى.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٩٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٨ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٧ ، الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

٤٣٨

______________________________________________________

ويدل على الوجوب مطلقا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « من نتف إبطه ، أو قلّم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة » (١) ومقتضى الرواية تعيين الشاة بذلك ، ولو قيل به إذا كان الحلق لغير ضرورة لم يكن بعيدا لكن قال في المنتهى : إنّ التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره قول علمائنا أجمع (٢).

ويستفاد من رواية حريز أنّ هذه الكفّارة مخيرة بين الشاة وصيام الثلاثة الأيّام وإطعام ستة مساكين لكل مسكين مدّان. وبمضمونها أفتى الشيخ (٣) وأكثر الأصحاب ، وذهب بعضهم إلى وجوب إطعام عشرة لكل مسكين مدّ (٤) ، لرواية عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال الله تعالى في كتابه ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ). فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا ، فالصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم ، وإنّما عليه واحد من ذلك » (٥) وهذه الرواية مع ضعف سندها بمحمد بن عمر بن يزيد وهو مجهول ، لا تدل على تعين إطعام المدّ بل مقتضاها الاكتفاء بإشباع المساكين ، ومع ذلك فهي مخالفة لما عليه الأصحاب من عدم جواز الأكل من الفداء. وقال الشيخ في التهذيب : إنّه ليس بين هذه الرواية والّتي تقدّمها تضادّ في كمية الإطعام ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٩ ـ ١٢٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٧٢ ، الوسائل ٩ : ٢٨٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٨١٥.

(٣) النهاية : ٢٣٣ ، والمبسوط ١ : ٣٥٠.

(٤) كالشهيد الأول في الدروس : ١٠٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٧ ، الوسائل ٩ : ٢٩٦ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ٢.

٤٣٩

ولو مسّ لحيته أو رأسه فوقع منهما شي‌ء أطعم كفا من طعام.

______________________________________________________

لأنّ الرواية الأولى فيها أنّه يطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان ، والرواية الأخيرة عشرة مساكين لكل واحد منهم قدر ما يشبعه وهو مخيّر بأيّ الخبرين أخذ جاز له ذلك (١). قال في المنتهى : والكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه قليلا كان أو كثيرا لكن تختلف ، ففي حلق الرأس دم وكذا فيما يسمى حلق الرأس ، وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان (٢). وهو جيد لكن ينبغي تعين الصدقة في ذلك بكفّ من طعام أو كفّ من سويق كما سيجي‌ء بيانه.

واعلم أنّ إطلاق عبارة المصنف يقتضي عدم الفرق بين شعر الرأس وغيره ، وبهذا التعميم صرّح الشهيد في الدروس (٣) ، وهو جيد إذا كان مساويا لنتف الإبط أو أزيد منه ، لكن لا يبعد تعيين الدم فيه.

قوله : ( ولو مسّ لحيته أو رأسه فوقع منهما شي‌ء أطعم كفا من طعام ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى : أنّه موضع وفاق (٤) ويدل عليه روايات ، منها صحيحة معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان قال : « يطعم شيئا » (٥).

وصحيحة هشام بن سالم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : » إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم فسقط شي‌ء من الشعر‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٩٣.

(٣) الدروس : ١٠٩.

(٤) التذكرة ١ : ٣٥٤ ، والمنتهى ٢ : ٨١٦.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٩ ـ ١٠٨٧ ، التهذيب ٥ : ٣٣٨ ـ ١١٧٠ ، الإستبصار ٢ : ١٩٨ ـ ٦٦٨ الوسائل ٩ : ٢٩٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٢.

٤٤٠