مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

______________________________________________________

الصيد ، أليس هو بالخيار أن يأكل من ماله؟ » قلت : بلى قال : « إنّما عليه الفداء فليأكل وليفده » (١).

وفي الموثق ، عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يضطر إلى الميتة وهو يجد الصيد قال : « يأكل الصيد » قلت : إنّ الله قد أحلّ له الميتة إذا اضطر إليها ولم يحل له الصيد قال : « تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ » قلت : من مالي قال : « هو مالك لأنّ عليك فداه » قلت : فإن لم يكن عندي مال قال : « تقضيه إذا رجعت إلى مالك » (٢).

احتج المخالف بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الغفار الجازي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها ووجود صيدا فقال : « يأكل الميتة ويترك الصيد » (٣).

وأجاب الشيخ في الاستبصار عن هذه الرواية بأنّها تحتمل أحد شيئين : أحدهما أن يكون محمولا على ضرب من التقية ، لأنّ ذلك مذهب بعض العامة ، والثاني أن يكون متوجها إلى من وجد الصيد غير مذبوح فإنّه يأكل الميتة ويخلي سبيله قال : وإنّما قلنا ذلك ، لأنّ الصيد إذا ذبحه المحرم كان حكمه حكم الميتة ، وإذا كان كذلك ووجد الميتة فليقتصر عليها ولا يذبح الحي بل يخليه (٤).

وأجاب عنه في التهذيب أيضا بالحمل على من لا يتمكن من‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٣٨ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ١ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٣٦٨ ـ ١٢٨٣ ، والاستبصار ٢ : ٢٠٩ ـ ٧١٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٣ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٣٨ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ٢ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٣٦٨ ـ ١٢٨٥ ، والاستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٧١٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٧ ـ ١٦٣٢ ، و ٣٦٩ ـ ١٢٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٧١٧ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ١٢.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢١٠.

٤٠١

وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه.

______________________________________________________

الفداء (١).

ولعل الحمل على التقية أولى ، فإنّ أكل الميتة منقول عن الحسن البصري ، والثوري وأبي حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، ومالك ، وأحمد (٢) ، وهم أشرار أهل الخلاف.

قوله : ( وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه ).

المفهوم من الفداء ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال وهو شامل لما زاد عن قيمة الصيد المملوك أو نقص ، ولما إذا كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال كالدلالة على الصيد. ومقتضى جعل الفداء للمالك أنّه لا يجب بسببه شي‌ء سوى ما يصرفه إلى المالك.

وأورد على هذا الحكم إشكالات :

منها أنّ الواجب في المتلفات من الأموال القيمة ، وهي ما كان معينا بالأثمان ـ أعني الدراهم والدنانير ـ فإيجاب غيرها كالبدنة في النعامة للمالك خروج عن الواجب.

ومنها أنّه لو عجز عن الفداء يجب عليه الصوم على ما سبق ، وإيجابه خاصة يقتضي ضياع حق المالك. وإيجاب القيمة معه خروج عن إطلاق كون الفداء للمالك ، وعدم إيجابه أصلا أبعد ، لأنّ فيه خروجا عن نص الكتاب العزيز.

ومنها أنّ الفداء لو كان أنقص من القيمة فإيجاب شي‌ء آخر معه يقتضي الخروج عن إطلاق استحقاق المالك الفداء ، وعدم إيجابه واضح البطلان ، لأنّ فيه تضييعا للمال المحترم بغير سبب ظاهر ، ولأنّه إذا وجبت القيمة السوقية في حال عدم الإحرام والخروج عن الحرم فالمناسب التغليظ معهما أو‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٩.

(٢) تقدمت الإشارة إليها في ص ٣٩٩.

٤٠٢

______________________________________________________

مع أحدهما ، فلا أقلّ من المساواة.

ومنها أنّه لو كان المتلف بيضا ووجب الإرسال ، وقلنا إنّ الفداء للمالك ، ولم ينتج شيئا ، يلزم ضياع حق المالك ، وهو باطل. وإن أوجبنا القيمة السوقية معه لم يصدق أنّ الفداء للمالك ، وإن نفينا الإرسال وأوجبنا القيمة لزم الخروج عن النصوص الصحيحة المتفق على العمل بمضمونها بين الأصحاب.

ومنها أنّه لو اشترك في قتله جماعة فقد تقدم أنّه يلزم على كل واحد فداء ، واجتماع الجميع للمالك خروج عن قاعدة ضمان الأموال.

ومنها أنّه قد تقدم أن المباشر إذا اجتمع مع السبب ـ كالذابح مع الدال ـ ضمن كل واحد منهما فداء ، واجتماعهما للمالك خروج عن القاعدة وإعطاء له زيادة عما يجب له. إلى غير ذلك من الإشكالات اللازمة من إطلاق كون الفداء في المملوك للمالك.

والأصح ما اختاره الشيخ في المبسوط (١) ، والعلامة في جملة من كتبه (٢) ، ومن تأخر عنه (٣) من أنّ الفداء في المملوك لله تعالى كغيره ، ويجب على المتلف مع الفداء القيمة لمالكه إذا كان مضمونا ، إعمالا للدليلين الدال أحدهما على لزوم الفداء بالصيد. والثاني على ضمان المتلف ما أتلفه بالمثل أو القيمة ، ولو لم يتعلق بالمتلف الضمان لكون يده يد أمانة لزمه الفداء لا غير ، وكذا لو وجب الفداء بالدلالة خاصة. وظاهر عبارة المنتهى يعطي أنّ هذا الحكم موضوع وفاق بين الأصحاب ، فإنّه قال : إذا قتل المحرم صيدا مملوكا لغيره لزمه الجزاء لله تعالى والقيمة لمالكه. وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة. وقال مالك ، والمزني : لا يجب الجزاء بقتل الصيد المملوك.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٤٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٨١٩ ، والتحرير ١ : ١١٥ ، والقواعد ١ : ٩٨.

(٣) كفخر المحققين في الإيضاح ١ : ٣٤٣.

٤٠٣

وإن لم يكن مملوكا تصدّق به. وكل ما يلزم المحرم من فداء يذبحه أو‌

______________________________________________________

لنا : قوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (١) وهو يتناول صورة النزاع كما يتناول صورة الاتفاق (٢). انتهى كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو كالصريح فيما ذكرناه.

قوله : ( وإن لم يكن مملوكا تصدق به ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الفداء بين أن يكون حيوانا كالبدنة والبقرة ، أو غيره كما لو كان الواجب الأرش أو القيمة أو كفا من طعام. ويدل على وجوب الصدقة بالجميع أنّ ذلك هو المتبادر من إيجاب الجزاء ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ويتصدق بمثل ثمنه ، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه » (٣). وقول الصادق عليه‌السلام في حسنة الحلبي : « إن قتل المحرم حمامة من حمام الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به » (٤).

وصرّح العلامة (٥) وغيره (٦) بأنّ مستحق الصدقة الفقراء والمساكين بالحرم. ومقتضى الآية الشريفة اختصاص الإطعام بالمساكين. ولم أقف للأصحاب على تصريح باعتبار الايمان ولا بعدمه ، وإطلاق النصوص يقتضي العدم ، ولو كان الفداء حيوانا وجب ذبحه أوّلا ثمّ التصدق به.

قوله : ( وكل ما يلزم المحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمكة إن‌

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٨١٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١٦٧ ـ ٧٢٦ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٩ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ٢.

(٥) التحرير ١ : ١١٨.

(٦) كالشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٥٢.

٤٠٤

ينحره بمكة إن كان معتمرا ، وبمنى إن كان حاجا.

______________________________________________________

كان معتمرا ، وبمنى إن كان حاجا ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من وجب عليه فداء صيد أصابه محرما فإن كان حاجا نحر هديه الّذي يجب عليه بمنى ، وإن كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة » (١).

وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : « في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الهدي فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس ، وإن كان عمرة نحره بمكة ، وإن شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه فإنّه يجزي عنه » (٢).

قال الشيخ في التهذيب : قوله عليه‌السلام « وإن شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه » رخصة لتأخير شراء الفداء إلى مكة أو منى ، لأنّ من وجب عليه كفارة الصيد فإنّ الأفضل أن يفديه من حيث أصابه (٣). ثمّ استدل على ذلك بما رواه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال : « يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد » (٤).

وهذه الروايات كما ترى مختصة بفداء الصيد ، أمّا غيره فلم أقف على نص يقتضي تعين ذبحه في هذين الموضوعين ، فلو قيل بجواز ذبحه حيث كان لم يكن بعيدا ، للأصل ، وما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء ، إلاّ فداء الصيد فإنّ الله تعالى يقول : ( هَدْياً بالِغَ

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٣ ـ ١٢٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٧٢٢ ، الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٣ ـ ١٣٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٢١٢ ـ ٧٢٣ ، الوسائل ٩ : ٢٤٦ أبواب كفارات الصيد ب ٤٩ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٨٤ ـ ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٣ ـ ١٣٠١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٧ أبواب كفارات الصيد ب ٥١ ح ١.

٤٠٥

وروي أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد وعجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين. فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج.

المقصد الثالث : في باقي المحضورات ، وهي سبعة :

الأول : الاستمتاع بالنساء ، فمن جامع زوجته في الفرج قبلا أو دبرا عامدا عالما بالتحريم فسد حجه ، وعليه إتمامه وبدنة والحج من‌

______________________________________________________

الْكَعْبَةِ ) (١) ولا ريب أنّ المصير إلى ما عليه الأصحاب أولى وأحوط.

قوله : ( وروي أنّ كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد وعجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيّام في الحج ).

هذه الرواية رواها الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه قال بعد أن ذكر جملة من فداء الصيد : « ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيّام » (٢) وهي وإن كانت بحسب الظاهر متناولة للشاة الواجبة في كفارة الصيد وغيرها إلاّ أنّ السياق يقتضي تخصيصها بفداء الصيد كما ذكره المصنف وغيره ، لكن ليس في الرواية تقييد لصيام الثلاثة الأيّام بكونه في الحج ، على ما وقفت عليه فيما وجدته من نسخ التهذيب إلاّ أنّ العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ نقلها في المختلف بزيادة لفظ « في الحج » بعد قوله « ثلاثة أيّام » (٣) والله تعالى أعلم.

قوله : ( المقصد الثالث ، في باقي المحضورات ، وهي سبعة ، الأول : الاستمتاع بالنساء ، فمن جامع زوجته في الفرج قبلا أو دبرا عامدا عالما بالتحريم فسد حجه ، وعليه إتمامه وبدنة الحج من قابل ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٤ ـ ١٣٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٢١٢ ـ ٧٢٦ ، الوسائل ٩ : ٢٤٦ أبواب كفارات الصيد ب ٤٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٩ : ١٨٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١١.

(٣) المختلف : ٢٧٢.

٤٠٦

قابل ، سواء كانت حجته التي أفسدها فرضا أو نفلا.

______________________________________________________

سواء كانت حجته الّتي أفسدها فرضا أو نفلا ).

هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء في الجملة على ما نقله جماعة (١) ويدل عليه روايات كثيرة : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل محرم وقع على أهله فقال : « إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلا فإنّ عليه أن يسوق بدنة ، ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحج من قابل » (٢).

وفي الحسن ، عن زرارة قال : سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة فقال : « جاهلين أو عالمين؟ » فقلت : أجنبي عن الوجهين جميعا قال : « إن كان جاهلين استغفرا ربّهما ومضيا على حجّهما وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الّذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحج من قابل ، فإذا بلغا المكان الّذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : فأيّ الحجتين لهما؟ قال : « الأولى الّتي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليهما عقوبة » (٣) ولا قدح في هذه الرواية بالإضمار كما بيناه مرارا.

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها ، ولا في الوطء بين القبل والدبر. ونقل عن الشيخ في المبسوط أنّه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة (٤). وهو ضعيف ، لأنّ المواقعة المنوط بها الإعادة يتناول الأمرين.

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ٢ : ٨٣٥ ، والمختلف : ٢٨١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٨ ـ ١٠٩٥ ، الوسائل ٩ : ٢٥٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٧ ـ ١٠٩٢ ، الوسائل ٩ : ٢٥٧ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩. ورواها في الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ١.

(٤) الدروس : ١٠٥ قال : ونقل الشيخ أن الدبر لا يتعلق به الإفساد وإن وجبت البدنة.

٤٠٧

______________________________________________________

وألحق العلاّمة في المنتهى بوطء الزوجة الزّنا ووطء الغلام ، لأنّه أبلغ في هتك الإحرام ، فكانت العقوبة عليه أولى بالوجوب (١). وهو غير بعيد وإن أمكن المناقشة في دليله.

ولا فرق في الحج بين كونه واجبا أو مندوبا ، لإطلاق النص ، ولأنّ الحج المندوب يجب إتمامه بالشروع فيه كما يجب إتمام الحج الواجب.

وإنّما يفسد الحج بالجماع إذا وقع قبل الوقوف بالمشعر كما سيجي‌ء التصريح به في كلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل » (٢).

ونقل عن المفيد (٣) وأتباعه (٤) أنّهم : اعتبروا قبلية الوقوف بعرفة أيضا ، واحتج له في المختلف بقوله عليه‌السلام : « الحج عرفة » (٥). وهو قاصر سندا ومتنا.

واعلم أنّه لا خلاف بين الأصحاب في فساد الحج بالجماع ووجوب إتمامه والحج من قابل على الفور ، وإنّما اختلفوا في أنّه هل الأولى حجة الإسلام والثانية عقوبة أو بالعكس؟ فذهب الشيخ إلى الأوّل (٦) ، وهو ظاهر اختيار المصنف في أحكام الصيد ، ويظهر من عبارة النافع الميل إليه (٧) ، ويدل عليه مضافا إلى أصالة عدم تحقق الفساد بذلك قوله في رواية زرارة المتقدمة قلت : فأيّ الحجّتين لهما؟ قال : « الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٣٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٩ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ٩ : ٢٥٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١.

(٣) المقنعة : ٦٨.

(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي : ٢٠٣ وسلار في المراسم : ١١٨.

(٥) المختلف : ٢٨١.

(٦) النهاية : ٢٣٠.

(٧) المختصر النافع : ١٠٥.

٤٠٨

وكذا لو جامع أمته وهو محرم. ولو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك ،

______________________________________________________

والأخرى عليهما عقوبة » (١).

وقال ابن إدريس : الإتمام عقوبة والثانية فرضه ، لأنّ الأوّل حجّ فاسد فلا يكون مبرئا للذّمة (٢).

وأجيب عنه (٣) بالمنع من كونه فاسدا ، لانتفاء ما يدل عليه من الروايات ، إذ أقصى ما تدل عليه وجوب إتمامه والحج من قابل. ووقوع هذا اللفظ في عبارات بعض الفقهاء لا عبرة به ، مع أنّ مقتضى كلام الشيخ (٤) ومن تبعه أنّ إطلاق الفاسدة على الأولى مجاز لا حقيقة ، كما ذكره في الدروس (٥).

وتظهر فائدة القولين في الأجير لتلك السنة ، وفي كفارة خلف النذر وشبهه لو كان مقيدا بتلك السنة ، وفي المفسد المصدود إذا تحلل ثمّ قدر على الحج لسنته ، كما ذكره المصنف في أحكام الصد (٦).

قوله : ( وكذا لو جامع أمته وهو محرم ).

أي : حكمه حكم من جامع زوجته ، ويدل عليه الروايات المتضمنة لإناطة الحكم المذكور بمن غشي أهله أو وقع على أهله فإنّ لفظ الأهل يتناول الزوجة والأمة.

قوله : ( ولو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك ).

أي : إتمام الحج والبدنة والحج من قابل ، وهو إجماع ، ويدل عليه قوله‌

__________________

(١) في ص ٤٠٧.

(٢) السرائر : ١٢٩.

(٣) نقله عن بعض الفضلاء في التنقيح الرائع ١ : ٥٥٩.

(٤) الخلاف ١ : ٤٦٥.

(٥) الدروس : ١٠٥.

(٦) في ص ٢٩٧.

٤٠٩

وعليهما أن يفترقا إذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك إذا حجّا على تلك الطريق.

______________________________________________________

عليه‌السلام في حسنة زرارة المتقدمة : « وإن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الّذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحج من قابل » (١).

ورواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل محرم واقع أهله فقال : « قد ابتلى بلاء عظيما » قلت : قد ابتلى ، قال : « استكرهها أو لم يستكرهها؟ » قلت : أفتني فيهما جميعا فقال : « إن كان استكرهها فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة ، وعليها بدنة ، ويفترقان من المكان الّذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة ، وعليهما الحج من قابل لا بدّ منه » قال ، قلت : فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟ فقال : « نعم هي امرأته كما هي فإذا انتهيا إلى المكان الّذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا فإذا أحلا فقد انقضى عنهما ، إنّ أبي كان يقول ذلك » (٢).

قوله : ( وعليهما أن يفترقا إذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك إذا حجّا على تلك الطريق ).

أي ويجب على الرجل والمرأة أن يفترقا في حجّ القضاء إذا بلغا المكان الّذي أوقعا فيه الخطيّة حتى يقضيا المناسك ، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه روايات كثيرة : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم قال : « إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة ، وعليه الحج من قابل ، فإذا انتهى إلى المكان الّذي وقع بها فرّق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد إلاّ أن يكون معهما غيرهما‌

__________________

(١) في ص ٤٠٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٤ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ ـ ١٠٩٣ ، الوسائل ٩ : ٢٥٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٤ ح ٢. وفي الجميع بتفاوت.

٤١٠

______________________________________________________

حتى يبلغ الهدي محله » (١) والظاهر أنّ ذلك كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في رواية علي بن أبي حمزة (٢). والاحتياط يقتضي استمرار التفرقة إلى أن يقضيا جميع المناسك ، بل ورد في كثير من الروايات وجوب استمرار التفرقة بينهما إلى أن يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه الخطية ، كحسنة زرارة المتقدمة حيث قال فيها : « وعليهما الحج من قابل فإذا بلغا إلى المكان الّذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا » (٣) وهي محمولة على الاستحباب جمعا بين الأدلّة.

ومقتضى العبارة عدم وجوب التفرقة في الحجة الأولى ، وهو أحد القولين في المسألة ، والأصح الوجوب كما اختاره ابنا بابويه (٤) ، وجمع من الأصحاب ، لروايتي زرارة ، وعلي بن أبي حمزة المتقدمتين ، وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المحرم يقع على أهله قال : « يفرق بينهما ولا يجتمعان في خباء إلاّ أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله » (٥).

ونقل عن ابن الجنيد أنّه أوجب التفريق في الحجة الأولى من مكان الخطيّة إلى أن يعود إليه (٦). ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل محرم وقع على أهله فقال : « إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلا يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٥٧ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٢.

(٢) المتقدمة في ص ٤١٠.

(٣) في ص ٤٠٧.

(٤) الصدوق في المقنع : ٧١ ، ونقله عن والده في المختلف : ٢٨٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١٩ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ٩ : ٢٥٦ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٥.

(٦) نقله في المختلف : ٢٨٢.

٤١١

ومعنى الافتراق ألا يخلوا إلا ومعهما ثالث.

ولو أكرهها كان حجها ماضيا وكان عليه كفارتان ، ولا يتحمل عنها شيئا سوى الكفارة.

______________________________________________________

ما أصابا ، وعليهما الحج من قابل » (١) ويمكن حمل ما تضمنته هذه الرواية من استمرار التفريق بعد أداء المناسك على الاستحباب جماع بين الأدلة.

ويستفاد من قول المصنف ـ رحمه‌الله ـ : إذا حجا على تلك الطريق ، أنّهما لو حجا على غيرها لا يجب عليهما الافتراق وإن وصلا إلى موضع يتفق فيه الطريقان ، للأصل السالم من معارضة النص ، وعلله في المنتهى بفوات المقتضي وهو التذكر بالمكان (٢). واحتمل الشارح وجوب التفرق في المتفق (٣) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ومعنى الافتراق ألا يخلوا إلاّ ومعهما ثالث ).

هذا المعنى مستفاد من الأخبار الصحيحة ، وعلله في المنتهى أيضا بأنّ وجود الثالث يمنع من الإقدام على المواقعة كمنع التفريق (٤).

ويعتبر في الثالث التمييز قطعا ، لأنّ وجوب غير المميّز كعدمه.

قوله : ( ولو أكرهها كان حجّها ماضيا وكان عليه كفارتان ، ولا يتحمل عنها شيئا سوى الكفارة ).

المراد أنّه لا يتحمل عنها قضاء الحج ، ولا ريب في صحة حجّ المرأة مع الإكراه ، للأصل ولأنّ المكره أعذر من الجاهل ، ويدل على تعدد الكفّارة عليه مع الإكراه قوله عليه‌السلام في رواية علي بن أبي حمزة : « إن كان‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٨ ـ ١٠٩٥ ، الوسائل ٩ : ٢٥٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٣٧.

(٣) المسالك ١ : ١٤٤.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٣٧.

٤١٢

وان جامع بعد الوقوف بالمشعر ولو قبل أن يطوف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون أو جامع في غير الفرج قبل الوقوف كان حجه صحيحا وعليه بدنة لا غير.

______________________________________________________

استكرهها فعليه بدنتان » (١) لكنها ضعيفة السند (٢).

وروى الكليني في الصحيح ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل باشر امرأته وهما محرمان ما عليهما؟ فقال : « إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا ، ويفرّق بينهما حتى يفرغا من المناسك ، وحتى يرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا ، وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شي‌ء » (٣) وربّما ظهر من هذه الرواية عدم تعدد الكفارة على الزوج مع الإكراه.

قوله : ( وإن جامع بعد الوقوف بالمشعر ولو قبل أن يطوف طواف النساء ، أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون ، أو جامع في غير الفرج قبل الوقوف كان حجّه صحيحا ، وعليه بدنة لا غير ).

قد تضمنت العبارة مسائل ثلاث : الأولى :

أنّ من جامع زوجته بعد الوقوف بالمشعر قبل طواف النساء كان حجه صحيحا وعليه بدنة لا غير ، وهو مجمع عليه بين الأصحاب ، حكاه في المنتهى (٤). ويدل على سقوط القضاء مضافا إلى الأصل مفهوم قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية : « إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل » (٥).

__________________

(١) المتقدمة في ص ٤١٠.

(٢) لأن راويها وهو علي بن أبي حمزة البطائني أصل الوقف.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٥ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ٢٥٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٤ ح ١.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٣٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١٩ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ٩ : ٢٥٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١.

٤١٣

______________________________________________________

ويدل على وجوب البدنة روايات : منها ما رواه الشيخ في الحسن ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء قال : « عليه جزور سمينة ، وإن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء » (١).

ولا يخفى أنّ مقتضى « لو » الوصلية في قول المصنف : ولو قبل أن يطوف طواف النساء ، وجوب البدنة مع الطواف أيضا ، وهو فاسد ، فكان الأولى ترك هذا اللفظ ليفيد اختصاص الحكم بالجماع قبل الطواف.

الثانية : أن من طاف من طواف النساء ثلاثة أشواط فما دون ثمّ جامع كان حكمه كذلك ، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل قال الشارح : إنّه لا خلاف في وجوب البدنة لو كان الوقاع قبل طواف أربعة أشواط من طواف النساء (٢). ويدل عليه رواية معاوية بن عمار المتقدمة ، المتضمنة لوجوبها بالوقاع قبل طواف النساء ، فإنّ المركب لا يتم إلاّ بجميع أجزائه ، وخصوص قول أبي جعفر عليه‌السلام في رواية حمران بن أعين : « وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشي فقد أفسد حجّه ، وعليه بدنة ، ويغتسل ثمّ يعود فيطوف أسبوعا » (٣) ومقتضى الروايات فساد الحج بذلك لكن لا قائل به ، ويمكن حمله على نقصان الكمال جمعا بين الأدلّة.

الثالثة : أنّ من جامع في غير الفرج قبل الوقوف بالمشعر أو بعده يصح حجّه ويلزمه البدنة لا غير ، ويدل على الحكمين ما رواه الشيخ في‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٣ ـ ١١٠٩ ، الوسائل ٩ : ٢٦٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٧٨ ـ ٣.

(٢) المسالك ١ : ١٤٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٩ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ ـ ١١١٠ ، الوسائل ٩ : ٢٦٧ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١١ ح ١.

٤١٤

تفريع :

إذا حج في القابل بسبب الإفساد فأفسد لزمه ما لزم أولا.

______________________________________________________

الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج قال : « عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل » (١) وفي الصحيح ، عن معاوية بن عمار أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المحرم يقع على أهله قال : « إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل » (٢).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في لزوم البدنة بالجماع في غير الفرج بين أن ينزل وعدمه. وتردد العلامة في المنتهى في وجوب البدنة مع عدم الإنزال (٣) ، ولا وجه له بعد إطلاق النص بالوجوب ، وتصريح الأصحاب بوجوب الجزور بالتقبيل ، والشاة بالمس بشهوة ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( تفريع ، إذا حجّ في القابل بسبب الإفساد فأفسد لزمه ما لزم أوّلا ).

وذلك لأنّ الحج الثاني حجّ صحيح سواء جعلناه فرضه أو عقوبة فيترتب على إفساده ما يترتب على غيره ، لكن لا يتعدد القضاء ، لأنّ الحجّ الّذي يلزمه أن يأتي به على شرائطه الصحيحة واحد ، فإذا لم يأت به على شرائطه لزمه أن يأتي به كذلك ، وبما ذكرناه قطع العلاّمة في المنتهى وقال : إنّه لو أفسد الحجّ الثالث كفاه في العام الرابع أن يأتي بحجة واحدة صحيحة عن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٨ ـ ١٠٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩٢ ـ ٦٤٤ ، الوسائل ٩ : ٢٦٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٩ ـ ١٠٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٢ ـ ٦٤٥ ، الوسائل ٩ : ٢٦٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٧ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٣٨.

٤١٥

وفي الاستمناء بدنة. وهل يفسد به الحج ويجب القضاء؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أشبه.

______________________________________________________

جميع ما تقدمه ، لأنّ الحجّ الفاسد إذا انضمّ إليه القضاء أجزأ عمّا كان يجزي عنه الأداء لو لم يفسده (١). وهو حسن.

ولو تكرر الجماع في الإحرام الواحد لم يتكرر القضاء قطعا ، وفي تكرر الكفارة أوجه سيجي‌ء الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وفي الاستمناء بدنة ، وهل يفسد به الحج ويجب القضاء؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أشبه ).

المراد بالاستمناء استدعاء المني بالعبث بيديه أو بملاعبة غيره ، ولا خلاف في كونه موجبا للبدنة مع حصول الإنزال به ، وإنّما الخلاف في كونه مفسدا للحجّ إذا وقع قبل الوقوف بالمشعر ووجوب القضاء به ، فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط إلى ذلك (٢). واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال ، قلت : ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال : « أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم ، بدنة والحج من قابل » (٣) وهي قاصرة من حيث السند بأنّ راويها وهو إسحاق بن عمار قيل : إنه فطحي (٤). ومن حيث المتن بأنّها لا تدل على ترتّب البدنة والقضاء على مطلق الاستمناء بل على هذا الفعل المخصوص ، مع أنّه قد لا يكون المطلوب به الاستمناء.

واستدل العلاّمة في المختلف (٥) على هذا القول أيضا بصحيحة‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٤٢.

(٢) النهاية : ٢٣١ ، والمبسوط ١ : ٣٣٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٤ ـ ١١١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٩٢ ـ ٦٤٦ ، الوسائل ٩ : ٢٧٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٥ ح ١.

(٤) كما في الفهرست : ١٥.

(٥) المختلف : ٢٨٣.

٤١٦

ولو جامع أمته محلا وهي محرمة بإذنه تحمّل عنها الكفارة ، بدنة أو بقرة أو شاة. وإن كان معسرا فشاة أو صيام.

______________________________________________________

عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المحرم يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، ما ذا عليهما؟ قال : « عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الّذي يجامع » (١) ولا دلالة لهذه الرواية على وجوب القضاء بوجه.

وقال ابن إدريس : إنّ ذلك غير مفسد للحج بل موجب للكفارة خاصة (٢). وهو ظاهر اختيار الشيخ في الاستبصار حيث قال بعد أن أورد رواية إسحاق المتقدمة : إنّه يمكن أن يكون هذا الخبر محمولا على ضرب من التغليظ وشدة الاستحباب دون أن يكون ذلك واجبا (٣). وإلى هذا القول ذهب المصنف في كتابيه استضعافا للرواية (٤) ، وهو متجه.

قوله : ( ولو جامع أمته محلا وهي محرمة بإذنه تحمّل عنها الكفارة ، بدنة أو بقرة أو شاة ، وإن كان معسرا فشاة أو صيام ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أخبرني عن رجل محل وقع على أمة محرمة قال : « موسرا أو معسرا؟ » قلت : أجبني عنهما قال : « هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها أو أحرمت من قبل نفسها؟ » قلت : أجبني عنهما قال : « إن كان موسرا وكان عالما أنّه لا ينبغي له وكان هو الّذي أمرها بالإحرام كان عليه بدنة ، وإن شاء بقرة ، وإن شاء شاة ، وإن لم يكن أمرها بالإحرام فلا شي‌ء عليه موسرا كان أو معسرا ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ ـ ١١٢٤ ، الوسائل ٩ : ٢٧١ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٤ ح ١.

(٢) السرائر : ١٢٩.

(٣) الاستبصار ٢ : ١٩٣.

(٤) المختصر النافع : ١٠٧.

٤١٧

ولو جامع المحرم قبل طواف الزيارة لزمه بدنة ، فإن عجز فبقرة أو شاة

______________________________________________________

وإن كان أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام » (١).

والظاهر أنّ المراد بإعسار المولى الموجب للشاة أو الصيام إعساره عن البدنة والبقرة ، وبالصيام صيام ثلاثة أيّام كما هو الواقع في إبدال الشاة مع احتمال الاكتفاء باليوم الواحد.

وإطلاق النص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الأمة بين أن تكون مكرهة أو مطاوعة ، وصرح العلاّمة (٢) ومن تأخر عنه (٣) بفساد حجّها مع المطاوعة ، ووجوب إتمامه ، والقضاء كالحرة وإنّه يجب على المولى الإذن لها في القضاء والقيام بمؤنته ، لاستناد الفساد إلى فعله. وللتوقف فيه مجال. وجزم الشارح بأنّ تحمّل المولى الكفارة إنّما يثبت مع الإكراه ، أمّا مع المطاوعة فيتعلق الكفارة بالأمة وتصوم بدل البدنة ثمانية عشر يوما (٤).

والرواية مطلقة لكنها قاصرة من حيث السند.

قوله : ( ولو جامع المحرم قبل طواف الزيارة لزمه بدنة ، فإن عجز فبقرة أو شاة ).

قد تقدم في كلام المصنف أنّ من جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء كان حجه صحيحا ووجب عليه بدنة لا غير. وهو شامل لما إذا وقع الجماع قبل طواف الزيارة وبعده ، وإنّما ذكر هذه المسألة على الخصوص مع دخولها في ذلك الإطلاق للتنبيه على حكم الأبدال.

ويدل على وجوب البدنة هنا على الخصوص روايات : منها ما رواه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٠ ـ ١١٠٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩٠ ـ ٦٣٩ ، الوسائل ٩ : ٢٦٣ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٨ ح ٢.

(٢) القواعد ١ : ٩٩ ، تحرير الأحكام ١ : ١٢٠.

(٣) كالشهيد الأول في الدروس : ١٠٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٤.

(٤) المسالك ١ : ١٤٤.

٤١٨

وإذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع لم يلزمه الكفارة وبنى على طوافه. وقيل : يكفي في ذلك مجاوزة النصف ، والأول مروي.

______________________________________________________

الكليني في الحسن ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن متمتع وقع على أهله ولم يزر قال : « ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالما ، وإن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه ». وسألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء قال : « عليه جزور سمينة ، وإن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء » قال : وسألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي قال : « عليه دم يهريقه من عنده » (١).

وفي الصحيح ، عن عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور البيت قال : « يهريق دما » (٢).

أمّا وجوب البقرة أو الشاة مع العجز عن البدنة كما ذكره المصنف ، أو ترتب الشاة على العجز عن البقرة كما ذكره غيره (٣) ، فقد اعترف جميع من الأصحاب بعدم الوقوف على مستنده ، وهو كذلك لكن مقتضى الرواية الثانية إجزاء مطلق الدم ، إلاّ أنّه محمول على المقيد.

قوله : ( وإذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثمّ واقع لم يلزمه الكفارة ، وبنى على طوافه. وقيل : يكفي في ذلك مجاوزة النصف ، والأول مروي ).

هذه الرواية رواها الشيخ ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٨ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٦٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٩ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٢٦٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ٢ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٣٢١ ـ ١١٠٥.

(٣) كالعلامة في القواعد ١ : ٩٩.

٤١٩

______________________________________________________

عليه‌السلام قال : سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثمّ غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنقض ثم غشي جاريته قال : « يغتسل ثمّ يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه ويستغفر ربه ولا يعد ، وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشي فقد أفسد حجه ، وعليه بدنة ويغتسل ثمّ يعود فيطوف أسبوعا » (١).

وهذه الرواية صريحة في انتفاء الكفارة بالوقاع بعد الخمسة ، بل مقتضى مفهوم الشرط في قوله : « وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط » الانتفاء إذا وقع ذلك بعد تجاوز الثلاثة. وما ذكره في المنتهى من أنّ هذا المفهوم معارض بمفهوم الخمسة (٢) ، غير جيد ، إذ ليس هناك مفهوم وإنّما وقع السؤال عن تلك المادة ، والاقتصار في الجواب على بيان حكم المسؤول عنه لا يقتضي نفي الحكم عما عداه ، لكن هذه الرواية ضعيفة بأنّ راويها وهو حمران لم ينص الأصحاب عليه بتوثيق ، بل ولا مدح يعتد به.

والقول بالاكتفاء في ذلك بمجاوزة النصف للشيخ في النهاية (٣). وربّما كان مستنده ما رواه ابن بابويه ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل نسي طواف النساء قال : « إذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه ، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف » (٤) وهذه الرواية ضعيفة السند أيضا.

ونقل عن ابن إدريس أنّه اعتبر مجاوزة النصف في صحة الطواف والبناء عليه لا في سقوط الكفارة وقال : الإجماع حاصل على أنّ من جامع قبل طواف النساء فإنّ الكفارة تجب عليه ، وهو متحقق فيما إذا طاف دون‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٣ ـ ١١١٠ ، الوسائل ٩ : ٢٦٧ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١١ ح ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٤٠.

(٣) النهاية : ٢٣١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٦ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٩ : ٤٦٩ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ١٠.

٤٢٠