مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

فلو أصاب صيدا فيه ففقأ عينه ، أو كسر قرنه كان عليه صدقة استحبابا. ولو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم لم يجز إخراجه.

______________________________________________________

بصدقة » (١).

وأجاب عنها المتأخرون بالحمل على الاستحباب ، وهو مشكل لانتفاء المعارض.

قوله : ( فلو أصاب صيدا ففقأ عينه أو كسر قرنه كان عليه صدقة استحبابا ).

لورود الأمر بذلك في صحيحة الحلبي المتقدمة ، ويتوجه على حملها على الاستحباب الإشكال المتقدم ، ولم يتعرض الأصحاب لغير هاتين الجنايتين ، لعدم النص. وأصالة البراءة تقتضي عدم ترتب الكفارة في غيرهما وإن كانت الجناية محرمة ، إذ ليس من لوازم التحريم ترتب الكفارة كما بيّناه مرارا.

قوله : ( ولو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم لم يجز إخراجه ).

لأنّه بعد الدخول يصير من صيد الحرم فيتعلق به حكمه ، ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن ظبي دخل الحرم قال : « لا يؤخذ ولا يمس إنّ الله تعالى يقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٢) (٣) وعن عبد الأعلى بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه إلى جانب الحرم فمشى الصيد بربطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه فاجتره الرجل بحبله حتى أخرجه ـ والرجل في الحل ـ من الحرم فقال :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦١ ـ ١٢٥٥ ، الوسائل ٩ : ٢٢٨ أبواب كفارات الصيد ب ٣٢ ح ١.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ١٢٥٨ ، الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ٢.

٣٨١

ولو كان في الحل ورمى صيدا في الحرم فقتله فداه. وكذا لو كان في الحرم ورمى صيدا في الحل فقتله.

______________________________________________________

« ثمنه ولحمه حرام مثل الميتة » (١)

قوله : ( ولو كان في الحل فرمى صيدا في الحرم فقتله فداه ).

يدل على ذلك مضافا إلى الإجماع المنقول (٢) قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان : « وما دخل من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم » (٣).

وفي معنى إرسال السهم إرسال الكلب ونحوه ، لكن يشترط في ضمان مقتول الكلب ونحوه أن يكون مرسلا إليه ، فلو أرسل على صيد في الحل فدخل الكلب بنفسه إلى الحرم فقتل صيدا غيره فلا ضمان ، كما لو استرسل من نفسه من غير أن يرسله صاحبه. ولو أرسله على صيد في الحل فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله في الحرم فقد استقرب العلاّمة في المنتهى الضمان ، لأنّه قتل صيدا حرميا بإرسال كلبه عليه فكان عليه ضمانه (٤) ، ويحتمل العدم للأصل وعدم ثبوت كليّة كبرى الدليل الأوّل.

قوله : ( وكذا لو كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتله ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن مسمع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله قال : « عليه الجزاء لأنّ الآفة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦١ ـ ١٢٥٤ ، الوسائل ٩ : ٢٠٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٥ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٢٣٨ ـ ٣٠.

(٢) كما في المسالك ١ : ١٤٢.

(٣) الكافي ٤ : ٢٢٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٦٣ ـ ٧٠٣ ، الوسائل ٩ : ٢٠٢ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ١.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٠٧.

٣٨٢

ولو كان بعض الصيد في الحرم فأصاب ما هو في الحل أو في الحرم منه فقتله ضمنه. ولو كان الصيد على فرع شجرة في الحل فقتله ضمن إذا كان أصلها في الحرم.

ومن دخل بصيد إلى الحرم وجب عليه إرساله. ولو أخرجه فتلف‌

______________________________________________________

جاءت الصيد من ناحية الحرم » (١) وفي الطريق ضعف (٢).

قوله : ( ولو كان بعض الصيد في الحرم فأصاب ما هو في الحل أو في الحرم منه فقتله ضمنه ).

علّله في المنتهى بتغليب جانب الحرم (٣). وربما كان في صحيحة ابن سنان المتقدمة دلالة عليه.

قوله : ( ولو كان الصيد على فرع شجرة في الحل فقتله ضمنه إذا كان أصلها في الحرم ).

يدل على ذلك صريحا ما رواه الشيخ ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : أنّه سئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل على غصن منها طير رماه رجل فصرعه قال : « عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم » (٤) ويشهد لهذه الرواية ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل فقال : « حرم فرعها لمكان أصلها قال ، قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم قال حرم أصلها لمكان فرعها » (٥).

قوله : ( ومن دخل بصيد إلى الحرم وجب عليه إرساله ، ولو‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ١٢٥٦ ، الوسائل ٩ : ٢٢٩ أبواب كفارات الصيد ب ٣٣ ح ١.

(٢) لوقوع الهيثم بن أبي مسروق فيه ، وليس هناك ما يعتمد عليه في توثيقه عند المصنف.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٠٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٦ ـ ١٣٤٧ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب تروك الإحرام ب ٩٠ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٩ ـ ١٣٢١ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب تروك الإحرام ب ٩٠ ح ١.

٣٨٣

كان عليه ضمانه ، سواء كان التلف بسببه أو بغيره.

______________________________________________________

أخرجه فتلف كان عليه ضمانه ، سواء كان التلف بسببه أو بغيره ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، ويدل عليه روايات كثيرة ، منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن شهاب بن عبد ربه قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أتسحر بفراخ أوتي بها من غير مكة فتذبح في الحرم فأتسحر بها فقال : « بئس السحور سحورك ، أما علمت أنّ ما أدخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه » (١).

وفي الصحيح ، عن معاوية بن عمار : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم فقال : « لا تمس إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٢) » (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن ظبي دخل الحرم قال : « لا يؤخذ ولا يمس إنّ الله تعالى يقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٤) » (٥).

وفي الصحيح ، عن بكير بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال : « إن كان حين أدخله خلى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وإن أمسكه حتى مات فعليه الفداء » (٦) ويستفاد من هذه الرواية لزوم الفداء بإمساكه في الحرم إلى أن يموت سواء أخرجه أو لم يخرجه.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٠ ـ ٧٤٦ ، الوسائل ٩ : ٢٠٠ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ٤.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) الفقيه ٢ : ١٧٠ ـ ٧٤٣ ، الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ١.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ١٢٥٨ ، الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ١٢٥٩ ، الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ٣. ورواها في الكافي ٤ : ٢٣٨ ـ ٢٧.

٣٨٤

ولو كان طائرا مقصوصا وجوب عليه حفظه حتى يكمل ريشه ثم يرسله.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان طائرا مقصوصا وجوب عليه حفظه حتى يكمل ريشه ثمّ يرسله ).

يدل على ذلك روايات منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : فيمن أصاب طيرا في الحرم قال : « إن كان مستوي الجناح فليخلّ عنه ، وإن كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه ، فإذا استوى جناحاه خلّى عنه » (١).

وفي الصحيح ، عن زرارة : أنّ الحكم سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أهدي له في الحرم حمامة مقصوصة فقال : « انتفها وأحسن علفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها » (٢).

ورواية كرب الصيرفي قال : كنا جماعة فاشترينا طيرا فقصصناه ودخلنا به مكة فعاب ذلك علينا أهل مكة ، فأرسل كرب إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله فقال : « استودعوه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة مسلمة فإذا استوى خلوا سبيله » (٣).

ومقتضى الرواية جواز إيداعه المسلم ليحفظه إلى أن يكمل ريشه.

واعتبر العلاّمة في المنتهى كونه ثقة (٤) لقول الصادق عليه‌السلام في رواية مثنى : « تنظرون امرأة لا بأس بها فتعطونها الطير تعلفه وتمسكه حتى إذا استوى جناحاه خلّته » (٥).

ويستفاد من هذه الروايات وجوب مؤنته على الممسك زمان بقائه. ولو‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٦٧ ـ ٧٣٠ ، الوسائل ٩ : ١٩٩ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٦٨ ـ ٧٣٥ ، الوسائل ٩ : ١٩٩ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ١٦٩ ـ ٧٣٨ ، الوسائل ٩ : ٢٠١ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ١٣. ورواها في الكافي ٤ : ٢٣٣ ـ ٦.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٠٦.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٧ ـ ٢٤ ، الوسائل ٩ : ٢٠٠ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ١٠.

٣٨٥

وهل يجوز صيد حمام الحرم وهو في الحل؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أحوط. ومن نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة ، ويجب أن يسلمها بتلك اليد.

______________________________________________________

أرسله قبل ذلك قيل : يضمنه مع تلفه أو اشتباه حاله ، لأنّ ذلك بمنزلة الإتلاف (١). وهو حسن.

وهل يلحق بالطائر ما يشاركه في عدم الامتناع كالفرخ؟ قيل : لا ، لعدم النص. وقيل : نعم (٢) ، لأنّ إرساله في معنى إتلافه. ويقوى الإشكال إذا كان زمنا مأيوسا من عوده إلى الصحة ، لما في الالتزام بحفظه ومؤنته دائما من الحرج.

قوله : ( وهل يجوز صيد حمام الحرم وهو في الحل؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أحوط ).

القولان للشيخ رحمه‌الله (٣) ، والأصح التحريم ، لصحيحة علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى عليه‌السلام عن حمام الحرم يصاد في الحل؟ فقال : « لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم » (٤).

قوله : ( ومن نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة ، ويجب أن يسلمها بتلك اليد ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه في المنتهى (٥) بما رواه الشيخ ، عن إبراهيم بن ميمون قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم فقال : « يتصدق بصدقة‌

__________________

(١) كما في المنتهى ٢ : ٨٠٦ ، والتذكرة ١ : ٣٣١.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٨٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٨ ، والمبسوط ١ : ٣٤١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٨ ـ ١٢٠٩ ، الوسائل ٩ : ٢٠٣ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ٤.

(٥) المنتهى ٢ : ٨٢٨.

٣٨٦

ومن أخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته. ولو تلف قبل ذلك ضمنه.

______________________________________________________

على مسكين ، ويعطي باليد الّتي نتف بها ، فإنّه قد أوجعه » (١).

وهذه الرواية ضعيفة السند بجهالة الراوي ، ومقتضاها أنّه يجزي مسمى الصدقة وأنّه لا يجوز إخراجها بغير اليد الجانية.

ومورد الرواية نتف الريشة الواحدة فلو نتف أكثر احتمل الأرش كغيره من الجنايات ، وتعدد الفدية بتعدده. واستوجه العلامة في المنتهى تكرر الفدية إن كان النتف متفرقا ، والأرش إن كان دفعة (٢). ويشكل الأرش حيث لا يوجب ذلك نقصا أصلا ، لكن هذه الرواية مروية في الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه وصورة متنها : رجل نتف حمامة من حمام الحرم قال : « يتصدق. » (٣) وهو يتناول نتف الريشة فما فوقها.

ولو نتف غير الحمامة أو غير الريش قيل : وجب الأرش (٤). وهو جيّد إذا اقتضى ذلك نقص القيمة.

ولو حدث بنتف الريشة عيب في الحمامة ضمن أرشه مع الصدقة ، ولا يجب تسليم الأرش باليد الجانية ، ولا تسقط الفدية بنبات الريش.

قوله : ( ومن أخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته ، ولو تلف قبل ذلك ضمنه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ويدل عليه روايات ، منها صحيحة علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى عليه‌السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو إلى غيرها قال : « عليه أن يردّها ، فإن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٨ ـ ١٢١٠. الوسائل ٩ : ٢٠٣ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٢٨.

(٣) الكافي ٤ : ٢٣٥ ـ ١٧ ، الفقيه ٢ : ١٦٩ ـ ٧٣٩ ، الوسائل ٩ : ٢٠٣ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ٥.

(٤) كما في المنتهى ٢ : ٨٢٨.

٣٨٧

ولو رمى بسهم في الحل فدخل الحرم ثم خرج إلى الحل فقتل صيدا لم يجب الفداء.

ولو ذبح المحل في الحرم صيدا كان ميتة.

______________________________________________________

ماتت فعليه ثمنها يتصدق به » (١) وصحيحة زرارة : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة قال : « يرده إلى مكة » (٢).

وليس في الروايتين دلالة على حكم غير الطير إلاّ أنّ الأصحاب قاطعون بتساوي أنواع الصيد في هذا الحكم.

قوله : ( ولو رمى بسهم في الحل فدخل الحرم ثمّ خرج الى الحل فقتل صيدا لم يجب الفداء ).

إنّما لم يجب عليه الفداء لكون السبب من الحل والمقتول في الحل ، ومجرد مرور السهم في الحرم لم يثبت كونه مقتضيا للضمان. وعلّله في المنتهى أيضا بأنّه لو عدا فسلك الحرم في طريقه ثم خرج منه وقتل صيدا في الحل فإنّه لا يضمنه إجماعا ، فالسهم أولى (٣). وهو حسن.

قوله : ( ولو ذبح المحل في الحرم صيدا كان ميتة ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه روايات كثيرة ، منها صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في حمام ذبح في الحل فقال : « لا يأكله محرم ، وإذا أدخل مكة أكله المحل بمكة ، وإذا أدخل الحرم حيا ثمّ ذبح في الحرم فلا يأكله لأنّه ذبح بعد ما دخل مأمنه » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٩ ـ ١٢١١ ، الوسائل ٩ : ٢٠٤ أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ ـ ٩ وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام ، الفقيه ٢ : ١٧١ ـ ٧٤٩ ، الوسائل ٩ : ٢٠٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٨.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٠٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٦ ـ ١٣١٠ ، الإستبصار ٢ : ٢١٣ ـ ٧٢٨ ، الوسائل ٩ : ٨٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥ ح ٤.

٣٨٨

ولو ذبحه في الحل وأدخله الحرم لم يحرم على المحل ويحرم على المحرم.

______________________________________________________

وصحيحة الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن صيد رمي في الحل ثمّ أدخل الحرم وهو حي فقال : « إذا أدخله الحرم وهو حي فقد حرم لحمه وإمساكه » وقال : « لا تشتره في الحرم إلاّ مذبوحا قد ذبح في الحل ثمّ أدخل الحرم فلا بأس به » (١).

وصحيحة شهاب بن عبد ربه قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أتسحر بفراخ أوتى بها من غير مكة فتذبح في الحرم فأتسحر بها فقال : « بئس السحور سحورك ، أما علمت أنّ ما أدخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه » (٢).

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يذبح في الحرم إلاّ الإبل والبقر والغنم والدجاج » (٣).

قوله : ( ولو ذبحه في الحل وأدخله الحرم لم يحرم على المحل ، ويحرم على المحرم ).

أمّا تحريمه على المحرم فلا ريب فيه ، وأمّا أنّه يحل للمحل فيدل عليه صحيحتا الحلبي ومنصور بن حازم المتقدمتان (٤) ، وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثمّ يجاء به إلى الحرم وهو حي فقال : « إذا أدخله الحرم حرم عليه أكله وإمساكه فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثمّ جي‌ء به إلى الحرم مذبوحا فلا بأس به للحلال » (٥) وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال ، قلت لأبي عبد الله‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٦ ـ ١٣١٣ ، الإستبصار ٢ : ٢١٤ ـ ٧٣١ ، الوسائل ٩ : ٨٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٧٠ ـ ٧٤٦ ، الوسائل ٩ : ٢٠٠ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٢٣١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٧٠ أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٥ ، وفيهما : بمكة ، بدل : في الحرم.

(٤) في ص ٣٨٨.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٣ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٢٠٥ أبواب كفارات الصيد ١٤ ح ٦.

٣٨٩

ولا يدخل في ملكه شي‌ء من الصيد على الأشبه ، وقيل : يدخل وعليه إرساله إن كان حاضرا معه.

______________________________________________________

عليه‌السلام الصيد يصاد في الحل ويذبح في الحل ويدخل الحرم أيؤكل؟ قال : « نعم لا بأس به » (١).

قوله : ( ولا يدخل في ملكه شي‌ء من الصيد على الأشبه ، وقيل : يدخل وعليه إرساله إن كان حاضرا معه ).

موضع الخلاف ملك المحل في الحرم ، لأنّ حكم المحرم في ذلك سيجي‌ء التصريح به في كلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ وقد صرّح بذلك المصنف في النافع فقال : وهل يملك المحل صيدا في الحرم؟ الأشبه أنّه يملك ويجب إرسال ما يكون معه (٢). ومقتضى قول المصنف : ولا يدخل في ملكه شي‌ء من الصيد ، أنّه لا فرق في ذلك بين الحاضر والنائي ، وهو بعيد جدا. واحتمل الشارح أن يكون قوله : إن كان حاضرا شرطا لقوله : ولا يدخل في ملكه شي‌ء من الصيد (٣). وهو حسن من جهة المعنى إلاّ أنّه بعيد من جهة اللفظ.

والقول بعدم دخول الصيد في الحرم في ملك المحل والمحرم قيل : إنّه مذهب الأكثر (٤). واستدل عليه بصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا فقال : « لا يمس ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٥) » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٧ ـ ١٣١٤ ، الإستبصار ٢ : ٢١٤ ـ ٧٣٢ ، الوسائل ٩ : ٨٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥ ح ٢.

(٢) المختصر النافع : ١٠٦.

(٣) المسالك ١ : ١٤٢.

(٤) كما في التذكرة ١ : ٣٤٩.

(٥) آل عمران : ٩٧.

(٦) الفقيه ٢ : ١٧٠ ـ ٧٤٣ ، التهذيب ٥ : ٣٤٨ ـ ١٢٠٦ ، المقنعة : ٧٠ ، الوسائل ٩ : ٢٠١ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ١١.

٣٩٠

الفصل الرّابع : في التوابع

كل ما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد أو المحل في الحرم يجتمعان على المحرم في الحرم ، حتى ينتهي إلى البدنة فلا يتضاعف.

______________________________________________________

وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمار قال الحكم بن عتبة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، ما تقول في رجل أهدي له حمام أهلي وهو في الحرم؟ فقال : « أما إن كان مستويا خليت سبيله » (١).

وليس في الروايتين تصريح بعدم دخول في الملك وإنّما المستفاد منهما وجوب إرساله خاصة كما هو اختيار المصنف في النافع (٢) ، وحكاه فخر المحققين في شرحه عن الشيخ أيضا (٣) ، وهو متجه.

ويندرج في قول المصنف : ولا يدخل في ملكه شي‌ء من الصيد ، تملّكه بالشراء والاتهاب والإرث وغير ذلك من الأسباب المملكة ، وعلى هذا فيكون الإحرام بالإضافة إلى الصيد من موانع الإرث. واستقرب العلاّمة في التذكرة انتقال الصيد إلى المحرم بالميراث ثمّ زوال ملكه عنه (٤). ومستنده غير واضح.

وكيف كان فينبغي القطع بدخول الصيد النائي في الملك ، تمسكا بعموم الأدلة وفحوى ما دلّ على بقائه في ملك المحرم.

قوله : ( الفصل الرابع ، في التوابع : كل ما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد أو المحل في الحرم يجتمعان على المحرم في الحرم حتى ينتهي إلى البدنة فلا يتضاعف ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٨ ـ ١٢٠٧ ، المقنعة : ٧٠ ، الوسائل ٩ : ٢٠١ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ١٢.

(٢) المختصر النافع : ١٠٦.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٣٤٠.

(٤) التذكرة ١ : ٣٥١.

٣٩١

______________________________________________________

أمّا اجتماع الفداء والقيمة على المحرم في الحرم ، فهو قول أكثر‌ الأصحاب ، واستدل عليه بأنّه جمع بين الإحرام والحرم وقد هتكهما فيلزمه جزاؤهما. ويدل عليه صريحا ما رواه الكليني في الحسن عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة ، درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام مكة ، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها » (١) وفي الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنّما عليك فداء واحد » (٢).

وقال ابن الجنيد (٣) والمرتضى (٤) في أحد قوليه : يجب على المحرم في الحرم الفداء مضاعفا. ولعل مرادهما بذلك لزوم الفداء والقيمة.

وأما عدم التضاعف مع انتهاء الفداء إلى البدنة بمعنى أنّ ما يجب فيه بدنة لا يجب معها القيمة فهو اختيار الشيخ في جملة من كتبه (٥). ونصّ ابن إدريس على التضاعف مع بلوغ البدنة أيضا (٦). قال في المختلف : وباقي أصحابنا أطلقوا القول بالتضعيف (٧).

احتج الشيخ ـ رحمه‌الله ـ بما رواه عن الحسن بن علي بن فضال ، عن رجل سمّاه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الصيد : « يضاعفه ما بينه وبين البدنة فإذا بلغ البدنة فليس عليه التضعيف » (٨) وقد روى الكليني نحو ذلك ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٩٨ أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٢٤١ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٧٧.

(٤) جمل العلم والعمل : ١١٤ ، والانتصار : ٩٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧١ ، والنهاية : ٢٢٦ ، والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٦) السرائر : ١٣٢.

(٧) المختلف : ٢٧٨.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٧٢ ـ ١٢٩٤ ، الوسائل ٩ : ٢٤٣ أبواب كفارات الصيد ب ٤٦ ح ٢.

٣٩٢

وكلّما تكرر الصيد من المحرم نسيانا وجب عليه ضمانه. ولو تعمّد وجبت الكفارة أولا ، ثم لا تتكرر ، وهو ممن ينتقم الله منه ، وقيل : تتكرر ، والأول أشبه.

______________________________________________________

عن الحسن بن علي ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة حتى يبلغ البدنة ، فإذا بلغ البدنة فلا يضاعف ، لأنه أعظم ما يكون » (١) وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال وغيره.

وذكر الشارح أنّ المراد ببلوغ البدنة بلوغ نفس البدنة أو قيمتها (٢). وهو غير واضح ، إذ المستفاد من الرواية وكلام الأصحاب تعلق الحكم بنفس البدنة ولا يلحق بالبدنة أرشها قطعا.

قوله : ( وكلما تكرر الصيد من المحرم نسيانا وجب عليه ضمانه ، ولو تعمد وجبت الكفارة أوّلا ثم لا تتكرر ، وهو ممن ينتقم الله منه ، وقيل : تتكرر ، والأول أشبه ).

أمّا تكرر الكفّارة بتكرر الصيد على المحرم ، إذا وقع خطأ أو نسيانا فموضع وفاق بين العلماء ، وإنّما الخلاف في تكررها مع العمد ـ أي القصد ـ وينبغي أن يراد به هنا ما يتناول العلم أيضا ، فذهب الشيخ في المبسوط والخلاف (٣) ، وابن إدريس (٤) ، وابن الجنيد (٥) إلى أنّها تتكرر. وقال ابن بابويه (٦) والشيخ في النهاية (٧) ، وابن البراج (٨) : لا تتكرر. وهو المعتمد.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٢٤٣ أبواب كفارات الصيد ب ٤٦ ح ١.

(٢) المسالك ١ : ١٤٢.

(٣) المبسوط ١ : ٣٤٢ ، والخلاف ١ : ٤٨٠.

(٤) السرائر : ١٣٢.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٧٧.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٤.

(٧) النهاية : ٢٢٦.

(٨) المهذب ١ : ٢٢٨.

٣٩٣

______________________________________________________

لنا : ظاهر قوله تعالى ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (١) جعل سبحانه جزاء العود الانتقام بعد أن جعل جزاء ابتدائه الفدية فلا تكون واجبة مع العود بمقتضى المقابلة. وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالصيد على مسكين ، فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء ، وينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة » (٢).

وقد روى الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام نحو ذلك ، وقال : « إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة ، وهو ممن قال الله تعالى ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (٣).

ثمّ قال الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال ابن أبي عمير عن بعض أصحابه : إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه أبدا في كل ما أصاب الكفارة ، فإن عاد فأصاب ثانيا متعمدا فليس عليه الكفارة ، وهو ممن قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (٤).

احتج القائلون بالتكرار بعموم قوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٥) فإنّه يتناول المبتدي والعائد ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : محرم أصاب صيدا قال : « عليه الكفارة » قلت : فإنّه عاد (٦)

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٢ ـ ١٢٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٢١١ ـ ٧٢٠ ، الوسائل ٩ : ٢٤٤ أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٤ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٤ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ٥.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) في التهذيب : فإن هو عاد ، وفي الاستبصار : فإن عاد.

٣٩٤

ويضمن الصيد بقتله عمدا وسهوا. فلو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان. وكذا لو رمى غرضا فأصاب صيدا ضمنه.

______________________________________________________

قال : « عليه كلما عاد كفارة » (١) ، وفي الحسن ، عن معاوية بن عمار أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المحرم يصيد الصيد قال : « عليه الكفارة في كل ما أصاب » (٢).

والجواب عن الآية معلوم مما سبق ، وعن الروايتين بالحمل على غير المتعمد جمعا بين الأدلّة ، ومع ذلك فلا ريب أنّ التكرار أولى وأحوط.

وموضوع الخلاف العمد بعد العمد في إحرام واحد ، أما بعد الخطأ أو بالعكس فيتكرر قطعا.

وألحق الشارح بالإحرام الواحد الإحرامين المرتبطين كحج التمتع مع عمرته (٣) ، وهو حسن.

هذا كله في صيد المحرم ، أمّا صيد المحل في الحرم فلم نقف فيه على نص بالخصوص. وقوّى الشارح تكرر الكفارة عليه مطلقا (٤) ، وهو أحوط وإن كان في تعينه مطلقا نظر.

قوله : ( ويضمن الصيد بقتله عمدا وسهوا ، فلو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان ، وكذا لو رمى غرضا فأصاب صيدا ضمنه ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في التذكرة : الجزاء‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٢ ـ ١٢٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٧١٩ ، الوسائل ٩ : ٢٤٤ أبواب كفارات الصيد ب ٤٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٢ ـ ١٢٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٧١٨ ، الوسائل ٩ : ٢٤٣ أبواب كفارات الصيد ب ٤٧ ح ١.

(٣) المسالك ١ : ١٤٢.

(٤) المسالك ١ : ١٤٣.

٣٩٥

ولو اشترى محلّ بيض نعام لمحرم فأكله كان على المحرم عن كل بيضة شاة وعلى المحل عن كل بيضة درهم.

______________________________________________________

يجب على المحرم إذا قتل الصيد عمدا أو سهوا أو خطأ بإجماع العلماء (١). ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلاّ الصيد فإنّ عليك الفداء فيه بجهل كان أو بعمد » (٢).

وفي الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن المحرم يصيد الصيد بجهالة قال : « عليه كفارة » قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : « وأيّ شي‌ء الخطأ عندك؟ » قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى قال : « نعم هذا الخطأ وعليه الكفارة » (٣).

وفي الصحيحة ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا رمى المحرم صيدا فأصاب اثنين ، فإنّ عليه كفارتين جزاؤهما » (٤).

قوله : ( ولو اشترى محلّ بيض نعام لمحرم فأكله كان على المحرم عن كل بيضة شاة ، وعلى المحل عن كل بيضة درهم ).

الأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبي عبيدة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم ، فما على الذي أكله؟ فقال : « على الذي اشتراه فداء ، لكل بيضة درهم ، وعلى المحرم لكل بيضة شاة » (٥).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٥١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٢٢٧ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٦٦ ـ ١٦٢٨ ، الوسائل ٩ : ٢١٧ أبواب كفارات الصيد ب ٢٤ ح ٥.

٣٩٦

______________________________________________________

وتنقيح المسألة يتم ببيان أمور :

الأوّل : إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في لزوم الدرهم للمحل بين أن يكون في الحل أو الحرم ، ولا استبعاد في ترتب الكفارة بذلك على المحل في الحل ، لأنّ المساعدة على المعصية لمّا كانت معصية لم يمتنع أن يترتب عليه الكفارة بالنص الصحيح ، وإن لم يجب عليه الكفارة مع مشاركته للمحرم في قتل الصيد. واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ وجوب أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة على المحل في الحرم (١) ، وهو ضعيف.

الثاني : إطلاق النص المذكور يقتضي عدم الفرق في لزوم الشاة للمحرم بالأكل بين أن يكون في الحل أو في الحرم أيضا ، وهو مخالف لما سبق من تضاعف الجزاء على المحرم في الحرم ، وقوّى الشارح التضاعف على المحرم في الحرم ، وحمل هذه الرواية على المحرم في الحل (٢). وهو حسن.

الثالث : قد عرفت فيما تقدم أنّ كسر بيض النعام قبل التحرك موجوب للإرسال ، فلا بد من تقييد هذه المسألة بأن لا يكسره المحرم ، بأن يشتريه المحل مطبوخا أو مكسورا أو يطبخه أو يكسره هو ، فلو تولى كسره المحرم فعليه الإرسال ، ويمكن إلحاق الطبخ بالكسر لمشاركته إيّاه في منع الاستعداد للفرخ.

الرابع : لو كان المشتري للمحرم محرما احتمل وجوب الدرهم خاصة ، لأنّ إيجابه على المحل يقتضي إيجابه على المحرم بطريق أولى والزائد منفي بالأصل ، ويحتمل وجوب الشاة كما لو باشر أحد المحرمين القتل ودلّ الآخر ، ولعل هذا أجود. ولو اشتراه المحرم لنفسه فكسره وأكله أو كان مكسورا فأكله وجب عليه فداء الكسر والأكل قطعا. وفي لزوم الدرهم أو‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٣.

(٢) المسالك ١ : ١٤٣.

٣٩٧

ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ، ولا ابتياع ، ولا هبة ، ولا ميراث ، هذا إذا كان عنده ، ولو كان في بلده فيه تردد ،

______________________________________________________

الشاة بالشراء وجهان أظهرهما العدم ، قصرا لما خالف الأصل على موضع النص.

الخامس : لو ملكه المحل بغير شراء وبذله للمحرم فأكله ، ففي وجوب الدرهم على المحل وجهان أظهرهما العدم. أو قوّي ابن فهد في المهذب الوجوب ، لأنّ السبب إعانة المحرم ولا أثر لخصوصية سبب تملك العين.

السادس : لو اشترى المحل للمحرم غير البيض من المحرّمات ، ففي انسحاب الحكم المذكور إليه وجهان أظهرهما العدم ، ووجهه معلوم مما سبق.

قوله : ( ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ، ولا بابتياع ، ولا هبة ، ولا ميراث ، هذا إذا كان عنده ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب ، واستدل عليه بقوله تعالى ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (١) ـ أي وجوه انتفاع عامة فيخرج عن المالية بالإضافة إليه ، وهو استدلال ضعيف ، إذ لا يلزم من تحريم الانتفاع به على المحرم في حال إحرامه خروجه عن المالية بالنسبة إليه مطلقا. ونقل عن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ أنّه حكم بدخوله في الملك وإن وجب إرساله كما في صيد الحرم (٢). ولا يخلو من قوّة.

قوله : ( ولو كان في بلده فيه تردد ).

ذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أنّ منشأ التردد من وجود الإحرام المانع من الملك ومن البعد الموجب لعدم خروج الصيد عن ملكه فيقبل دخوله فيه (٣).

__________________

(١) المائدة : ٩٦.

(٢) المبسوط ١ : ٣٤٨.

(٣) المسالك ١ : ١٤٣.

٣٩٨

والأشبه أنه يملك. ولو اضطر المحرم إلى أكل الصيد أكله وفداه. ولو كان عنده ميتة أكل الصيد إن أمكنه الفداء ، وإلا أكل الميتة.

______________________________________________________

ولا يخفى ضعف الوجه الأوّل من وجهي التردد ، فإنّه دعوى عارية من الدليل ، والأصح دخوله في الملك ، إذا لم يكن معه حال الإحرام ، سواء كان في بلده أم في غيرها.

قوله : ( ولو اضطر المحرم إلى أكل الصيد أكله وفداه ).

هذا موضع وفاق بين العلماء. قال في المنتهى : ويباح أكل الصيد للمحرم في حال الضرورة ، يأكل منه بقدر ما يأكل الميتة مما يمسك به الرمق ويحفظ به الحياة لا غير ، ولا يجوز به الشبع ولا التجاوز عن ذلك ، ولا نعلم فيه خلافا (١). ويدل على جواز الأكل والفداء روايات ، منها صحيحة زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل اضطر إلى ميتة وصيد وهو محرم قال : « يأكل الصيد ويفدي » (٢).

قوله : ( ولو كان عنده ميتة أكل الصيد إن أمكنه الفداء ، وإلا أكل الميتة ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ أحد الأقوال في المسألة. وأطلق المفيد (٣) والمرتضى (٤) أكل الصيد والفداء. وأطلق آخرون أكل الميتة (٥).

وقال ابن إدريس : اختلف أصحابنا في ذلك ، فبعض قال : يأكل الميتة ، وبعض قال : يأكل الصيد ويفديه ، وكل منهما أطلق مقالته ، وبعض قال : لا يخلو الصيد إمّا أن يكون حيا أو لا ، فإن كان حيا فلا يجوز له ذبحه‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٠٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٣٨ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ٣.

(٣) المقنعة : ٦٩.

(٤) جمل العلم والعمل : ١١٤ ، والانتصار : ١٠٠.

(٥) حكاه عن الحسن والثوري ومالك ابن قدامة في المغني ٣ : ٢٩٦ ، وهو مقتضى عبارة المقنع.

٣٩٩

______________________________________________________

بل يأكل الميتة ، لأنّه إذا ذبحه صار ميتة بغير خلاف ، وأمّا إن كان مذبوحا فلا يخلو ذابحه إمّا أن يكون محرما أو محلا ، فإن كان محرما فلا فرق بينه وبين الميتة ، وإن كان ذابحه محلا فإن ذبحه في الحرم فهو ميتة أيضا ، وإن ذبحه في الحل ، فإن كان المحرم المضطر قادرا على الفداء أكل الصيد ولم يأكل الميتة ، وإن كان غير قادر على فدائه أكل الميتة. قال : وهذا الذي يقوى في نفسي ، لأنّ الأدلة تعضده وأصول المذهب تؤيده (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وما فصّله أوّلا من كون الذابح محلا أو محرما في الحل أو الحرم جيّد إن ثبت أنّ مذبوح المحرم (٢) ميتة مطلقا لكنّه غير واضح ، ومع ذلك فيمكن أن يقال إنّ ذبح المحرم والمحل في الحرم الصيد على هذا الوجه يفيد الذكاة كما احتمله في الدروس (٣) ، لارتفاع النهي عن الذبح والحال هذه ، وانتفاء ما يدل على عموم كون الذبح مع أحد هذين الوصفين لا يفيد شيئا ، وكيف كان فالمعتمد ما أطلقه المفيد (٤) والمرتضى (٥) من أكل الصيد والفداء.

لنا : أنّ تحريم الميتة ثابت بالأدلة القطعية وإباحته مع وجود الصيد مشكوك فيه لاندفاع الضرورة المسوغة له فيجب المنع منه إلى أن يقوم دليل على الإباحة. وما رواه الكليني في الصحيح ، عن ابن بكير وزرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل اضطر إلى ميتة وصيد وهو محرم قال : « يأكل الصيد ويفدي » (٦).

وفي الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد أيهما يأكل؟ قال : « يأكل من‌

__________________

(١) السرائر : ١٣٣.

(٢) في « م » : الحرم.

(٣) الدروس : ١٠٣.

(٤) المقنعة : ٦٩.

(٥) جمل العلم والعمل : ١١٤.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٣٨ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ٣.

٤٠٠