مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

ومن شرب لبن ظبية في الحرم لزمه دم وقيمة اللبن.

______________________________________________________

يعود إلى الطير المحدّث عنه وهو الحرمي ، فاختصاص الحكم به ثابت على التقديرين.

وفي انسحاب الحكم المذكور إلى غير الطير وجهان ، أظهرهما العدم.

ولا يخفى ما في عبارة المصنف من القصور حيث لم يذكر استناد قتل الصيد إلى الضرب المذكور ولا كونه في الحرم ، وإن أمكن استفادة الثاني من‌ قوله وقيمة للحرم.

قوله : ( ومن شرب لبن ظبية في الحرم لزمه دم وقيمة اللّبن ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (١) وجمع من الأصحاب ، واستدل عليه بما رواه في التهذيب عن يزيد بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل مرّ وهو محرم في الحرم فأخذ عنز ظبية فاحتلبها وشرب لبنها قال : « عليه دم وجزاء الحرم عن اللّبن » (٢).

وهذه الرواية ضعيفة السند بجهالة الراوي ، وبأنّ من جملة رجالها صالح بن عقبة ، وقيل : إنّه كان كذابا غاليا لا يلتفت إليه (٣).

والظاهر أنّ المراد بجزاء الحرم عن اللّبن : القيمة فيكون الدم عن الإحرام والقيمة عن الحرم ، ومقتضى ذلك وجوب الدم على المحرم في الحل ، والقيمة على المحل في الحرم ، إلاّ أن يقال إنّ المقتضي لوجوب كل من الأمرين اجتماع الوصفين ، أعني الإحرام والوقوع في الحرم.

والمتجه اطراح هذه الرواية لضعفها والاقتصار على وجوب القيمة في الجميع ، لأنّه على هذا التقدير يكون ممّا لا نصّ فيه.

__________________

(١) النهاية : ٢٢٦ ، والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٦٦ ـ ١٦٢٧ ، الوسائل ٩ : ٢٤٩ أبواب كفارات الصيد ب ٥٤ ح ١.

(٣) كما في خلاصة العلامة : ٢٣٠.

٣٦١

ولو رمى الصيد وهو حلال فأصابه وهو محرم لم يضمنه. وكذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمل وهو محل ثم أحرم فقتله.

الموجب الثاني : اليد ، ومن كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه ووجب إرساله.

______________________________________________________

ومورد الرواية حلب الظبية ثمّ شرب لبنها ، وقد فرضه المصنف في شرب اللّبن فقط ، وهو خروج عن موضع النص.

وفي انسحاب الحكم إلى غير الظبية كبقرة الوحش وجهان ، أظهرهما العدم.

قوله : ( ولو رمى الصيد وهو حلال فأصابه وهو محرم لم يضمنه ).

لأنّ الجناية وقعت غير مضمونة فكان كما لو أصابه قبل الإحرام. ولا ينافي ذلك حكمهم بوجوب الفدية فيما لو رماه في الحل فمات في الحرم ، لأنّا نمنع الوجوب أوّلا ، ولو سلمناه لكانت تلك المسألة خارجة بالنّص فيبقى ما عداها على الأصل.

قوله : ( وكذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمل ثم أحرم فقتله ).

قيده المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ بما إذا لم يتمكن من إزالته حال الإحرام وإلاّ ضمن (١). ولا بأس به ، ومثله ما لو نصب شبكة للصيد محلا فاصطادت محرما ، أو احتفر بئرا لذلك.

قوله : ( الموجب الثاني ، اليد : ومن كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه ووجب إرساله ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده العلامة في المنتهى‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٨١.

٣٦٢

______________________________________________________

إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (١) ، واستدل عليه بما رواه الشيخ ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يحرم أحد ومعه شي‌ء من الصيد حتى يخرجه عن ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه ، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء » (٢) وعن بكير بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال : « إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وإن أمسكه حتى مات فعليه الفداء » (٣).

ويمكن المناقشة في الرواية الأولى من حيث السند بأنّ راويها وهو أبو سعيد المكاري مطعون فيه بالوقف (٤) ، ومع ذلك فلا دلالة لها على خروج الصيد عن ملك المحرم بمجرد الإحرام ، بل مقتضاها أنّه يجب عليه إخراجه عن ملكه وهو خلاف المدعى.

وأمّا الرواية الثانية فلا دلالة لها على زوال ملك المحرم عن الصيد بوجه ، بل ولا على وجوب إرساله بعد الإحرام ، وإنّما تدل على لزوم الفدية بإمساكه بعد دخول الحرم ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

ومن هنا يظهر قوّة ما ذهب إليه ابن الجنيد من عدم خروج الصيد عن ملك المحرم بمجرد الإحرام وإن وجب عليه إرساله إذا دخل الحرم لكنه قال : ولا استحب أن يحرم وفي يده صيد.

ثمّ لو قلنا بخروجه عن الملك أو وجوب الإرسال فأرسله إنسان من يده لم يكن عليه ضمان ، لأنه فعل ما يلزمه فعله ، فكان كمن دفع المغصوب إلى مالكه من يد الغاصب.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٣٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ١٢٥٧ ، الوسائل ٩ : ٢٣٠ أبواب كفارات الصيد ب ٣٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ١٢٥٩ ، الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ٣ ، ورواها في الكافي ٤ : ٢٣٨ ـ ٢٧.

(٤) راجع رجال النجاشي : ٣٨ ـ ٧٨.

٣٦٣

فلو مات قبل إرساله لزمه ضمانه. ولو كان الصيد نائيا عنه لم يزل ملكه.

______________________________________________________

قوله : ( فلو مات قبل إرساله لزمه ضمانه ).

المستفاد من الأخبار ضمان الصيد إذا أمسك بعد دخول الحرم لا بعد الإحرام ، ومع ذلك فيجب تقيده بما إذا تمكن من الإرسال ، أمّا لو لم يمكنه الإرسال وتلف قبل إمكانه فلا ضمان ، للأصل وانتفاء العدوان ، ولو فرض أنّه لم يرسله حتى أحل فلا شي‌ء عليه سوى الإثم.

وفي وجوب إرساله بعد الإحلال قولان أظهرهما العدم ، ولو أدخله الحرم ثمّ أخرجه قيل : وجب إعادته إليه ، لأنّه قد صار من صيد الحرم (١) ، ويمكن المناقشة في وجوب إعادة ما عدا الطير ، لاختصاص الروايات المتضمنة لوجوب الإعادة به كما سيجي‌ء بيانه في صيد الحرم.

قال الشارح قدس‌سره : ولو كان الصيد بيد المحرم أمانة وتعذر المالك وجب دفعه عند إرادة الإحرام إلى وليّه وهو الحاكم أو وكيله ، فإن تعذر فإلى بعض العدول ، فإن تعذر أرسله وضمن (٢). وفي استفادة هذه الأحكام من الأخبار نظر.

قوله : ( ولو كان الصيد نائيا عنه لم يزل ملكه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم وهو في منزله قال : « وما به بأس لا يضره » (٣) وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحرم وعنده في أهله صيد إمّا وحش وإمّا طير قال : « لا بأس » (٤).

__________________

(١ ، ٢) المسالك ١ : ١٣٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ١٢٦٠ ، الوسائل ٩ : ٢٢٩ أبواب كفارات الصيد ب ٣٤ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ١٦٧ ـ ٧٣١ ، الوسائل ٩ : ٢٣٠ أبواب كفارات الصيد ب ٣٤ ح ٤.

٣٦٤

ولو أمسك المحرم صيدا فذبحه محرم ضمن كل منهما فداء. ولو كانا في الحرم تضاعف الفداء ما لم يكن بدنة. ولو كانا محلّين في الحرم لم يتضاعف. ولو كان أحدهما محرما تضاعف الفداء في حقه. ولو أمسكه المحرم في الحل فذبحه المحل ضمنه المحرم خاصة.

______________________________________________________

وكما لا يمنع الإحرام استدامة ملك البعيد لا يمنع ابتداء ، فلو اشترى المحرم صيدا نائيا عنه أو اتهبه انتقل إلى ملكه ، والظاهر تحقق النأي بأن لا يكون مصاحبا له في حال الإحرام.

قوله : ( ولو أمسك المحرم صيدا فذبحه محرم ضمن كل منهما فداء ، ولو كانا في الحرم تضاعف الفداء ما لم يكن بدنة ، ولو كانا محلّين في الحرم لم يتضاعف ، ولو كان أحدهما محرما تضاعف الفداء في حقه ).

أمّا لزوم الفداء بالذبح فلا ريب فيه ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه. وأمّا لزومه بالإمساك فلأنّ الفداء يجب بالدلالة على ما سيجي‌ء بيانه (١) ، فبالإمساك الّذي هو إعانة حقيقة أولى.

ومعنى تضاعف الفداء في الحرم وجوب المثل المنصوص والقيمة ، كما سيصرح به المصنف ـ رحمه‌الله ـ ، فالتضاعف مجاز إذ لم يتكرر أحدهما.

وما ذكره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من عدم التضاعف إذا بلغ الفداء بدنة أحد القولين في المسألة ، وقال ابن إدريس : يتضاعف مطلقا (٢). وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله في صيد الحرم (٣).

قوله : ( ولو أمسكه المحرم في الحل فذبحه المحل ضمنه المحرم خاصة ).

__________________

(١) في ص : ٣٧٥.

(٢) السرائر : ١٣٢.

(٣) في ص ٣٩٢.

٣٦٥

ولو نقل بيض صيد عن موضعه ففسد ضمنه. فلو أحضنه فخرج الفرخ سليما لم يضمنه. وإن ذبح المحرم صيدا كان ميتة ويحرم على المحل. ولا كذا لو صاده وذبحه محل.

الموجب الثالث : السبب ، وهو يشتمل على مسائل :

الأولى : من أغلق على حمام من حمام الحرم وله فراخ وبيض ضمن بالإغلاق. فإن زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان. ولو هلكت‌

______________________________________________________

الوجه في هذا الاختصاص ظاهر ، لأنّ المحل لم يهتك حرمه الإحرام‌ ولا الحرم فلم يكن عليه شي‌ء.

قوله : ( ولو نقل بيض صيد عن موضعه ففسد ضمنه ، ولو أحضنه فخرج الفرخ سليما لم يضمنه ).

ظاهر العبارة يقتضي عدم الضمان إلاّ مع تحقق الفساد ، وقوّى الشارح الضمان ما لم يتحقق خروج الفرخ منه سليما (١) ، وهو أحوط.

قوله : ( ولو ذبح المحرم صيدا كان ميتة ، ويحرم على المحل ).

قد تقدم الكلام في ذلك وأن في المسألة قولا بعدم تحريمه على المحل ، ولا يخلو من قوّة.

قوله : ( ولا كذا لو صاده وذبحه محل ).

المراد أنّ المحرم إذا اصطاد صيدا وذبحه المحل فإنّه يحل للمحل ، لأنّه ذبح في الحل من محل ، وإن لزم المحرم بإعانته الفداء ، وهذا موضع وفاق.

قوله : ( الموجب الثالث ، السبب : وهو يشتمل على مسائل ، الأولى : من أغلق على حمام من حمام الحرم وله فراخ وبيض ضمن بالإغلاق ، فإن زال السب وأرسلها سليمة سقط الضمان ، ولو هلكت‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٠.

٣٦٦

ضمن الحمامة بشاة والفرخ بحمل والبيضة بدرهم إن كان محرما. وإن كان محلا ففي الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف ، وفي البيضة ربع.

وقيل : يستقر الضمان بنفس الإغلاق ، لظاهر الرواية ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم إن كان محرما ، وإن كان محلا ففي الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف ، وفي البيضة ربع ، وقيل : يستقر الضمان بنفس الإغلاق ، لظاهر الرواية ، والأوّل أشبه ).

الأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ ، عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض فقال : « إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم فإنّ عليه لكلّ طير درهما ، ولكلّ فرخ نصف درهم ، والبيض لكلّ بيضة ربع درهم ، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإنّ عليه لكل طائر شاة ولكلّ فرخ حملا ، وللبيض نصف درهم » (١).

ومقتضى الرواية وجوب الفدية بنفس الإغلاق لكنها ضعيفة السند (٢) ، وبمضمونها أفتى الشيخ (٣) وجمع من الأصحاب (٤). ونزلها المصنف على ما إذا هلكت بالإغلاق ، لأنّه قبل التلف مخاطب بالإطلاق لا بالفداء ولا بالقيمة ، وهو جيد ، لكن يتوجه عليه أنّ إتلاف المحرم لحمام الحرم موجب للفداء والقيمة معا لا للفداء خاصة ، وإن كان بسبب الإغلاق كما صرّح به‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٠ ـ ١٢١٦ ، الوسائل ٩ : ٢٠٧ أبواب كفارات الصيد ب ١٦ ح ٣.

(٢) لأن من جملة رجالها موسى وهو مشترك بين الضعيف والثقة ولأن راويها يونس بن يعقوب قيل إنه فطحي ( راجع رجال الكشي ٢ : ٦٨٢ ).

(٣) النهاية : ٢٢٤ ، المبسوط ١ : ٣٤١.

(٤) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٨٣١.

٣٦٧

الثانية : قيل إذا نفّر حمام الحرم ، فإن عاد فعليه شاة واحدة ، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة.

______________________________________________________

العلامة في المنتهى (١) وغيره (٢).

وحمل الإغلاق الواقع في الرواية على ما كان في غير الحرم غير مستقيم ، أمّا أوّلا فلأنّه خلاف المتبادر من اللفظ ، وأمّا ثانيا فلأنّ لزوم القيمة به لغير المحرم يقتضي وجوب الفداء والقيمة على المحرم على ما سيجي‌ء بيانه ، إلاّ أن يقال بوجوب الفداء خاصة على المحرم في الحرم في هذا النوع من الإتلاف وإن وجب التضاعف في غيره ، ويمكن تنزيل الرواية على ما إذا جهل حال الحمام وبيضه وفراخه بعد الإغلاق ومنع مساواة فدائه لهذا الإتلاف ، لانتفاء الدليل عليه ، إلاّ أنّ ذلك كله موقوف على صحة السند.

قوله : ( الثانية ، قيل : إذا نفّر حمام الحرم فإن عاد فعليه شاة واحدة ، وإن لم يعد فعن كلّ حمامة شاة ).

القائل بذلك المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة (٣). وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل عبارته : ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ولم أجد به حديثا مسندا (٤). وإطلاق الحكم يشمل مطلق التنفير وإن لم يخرج من الحرم ، وقيّده الشهيد في بعض تحقيقاته بما لو تجاوز الحرم (٥).

وإطلاق كلام المصنف وغيره يقتضي عدم الفرق في المنفّر بين أن يكون محلا أو محرما ، واحتمل بعض الأصحاب وجوب الفداء والقيمة إذا كان محرما في الحرم ، وهو بعيد جدا ، أمّا مع العود فواضح ، وأمّا مع عدمه فلأنّ مثل ذلك لا يعد إتلافا.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٣١.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٠.

(٣) المقنعة : ٦٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٠.

(٥) نقله عنه في المسالك ١ : ١٤٠.

٣٦٨

الثالثة : إذا رمى اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر فعلى المصيب فداء بجنايته ، وكذا على المخطئ لإعانته.

______________________________________________________

ولو كان المنفّر حمامة واحدة ففي وجوب الشاة مع العود وعدمه وجهان ، يلتفتان إلى أن الحمام اسم جنس أو جمع فعلى الأوّل يتعلق الحكم بالواحدة دون الثاني.

واستقرب العلامة في القواعد (١) ، وجماعة عدم وجوب الشاة في تنفير الواحدة مع العود ، حذرا من لزوم تساوي حالتي العود وعدمه ، مع أنّ مقتضى أصل الحكم الفرق بينهما.

ولو كان المنفّر جماعة ففي تعدد الفداء عليهم أو اشتراكهم فيه خصوصا مع كون فعل كلّ واحد لا يوجب النفور وجهان ، وكذا الوجهان في إلحاق غير الحمام به ، والكلام في فروع هذه المسألة قليل الفائدة ، لعدم ثبوت مستند الحكم من أصله كما اعترف به الشيخ (٢) وغيره (٣). والمطابق للقواعد عدم وجوب شي‌ء مع العود ولزوم فدية التلف على الوجه المقرر في حكم الإحرام والحرم مع عدمه إن نزّلنا التنفير مع عدم العود منزلة الإتلاف ، وإلاّ اتجه السقوط مطلقا.

قوله : ( الثالثة ، إذا رمى اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر فعلى المصيب فداء لجنايته ، وكذا على المخطئ لإعانته ).

لا يخفى أن رمي الاثنين وإصابة أحدهما دون الآخر لا يقتضي تحقق الإعانة من المخطئ ، والأصح لزوم الفدية للمخطئ مطلقا كما اختاره الشيخ (٤) وأكثر الأصحاب ، لصحيحة ضريس بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما قال : « على كلّ‌

__________________

(١) القواعد ١ : ٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٠.

(٣) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٨٣١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٠.

(٤) النهاية : ٢٢٥ ، والمبسوط ١ : ٣٤١.

٣٦٩

الرابعة : إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها صيد لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطياد ، وإلا ففداء واحد.

______________________________________________________

واحد منهما الفداء » (١).

ورواية إدريس بن عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما ، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما؟ قال : « عليهما جميعا ، يفدي كلّ واحد منهما على حدته » (٢).

وقال ابن إدريس : لا يجب على المخطئ شي‌ء إلاّ أن يدل فيجب للدلالة لا للرمي (٣). وهو جيد لو لا ورود الروايتين باللزوم.

ولو تعدد الرماة ففي تعدي الحكم إلى الجميع أوجه ، أوجهها لزوم فداء واحد لجميع من أخطأ. والأظهر عدم تعدي هذا الحكم إلى المحلين إذا رميا الصيد في الحرم بالنسبة إلى القيمة ، قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق.

قوله : ( الرابعة : إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها صيد لزم لكلّ واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطياد ، وإلا ففداء واحد ).

الأصل في هذه المسألة ما رواه الكليني في الصحيح ، عن أبي ولاّد الحنّاط قال : خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكّة فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما نكببه وكنا محرمين فمرّ بنا طائر صاف مثل حمامة أو شبهها فأحرقت جناحاه فسقطت في النّار فماتت فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام بمكّة فأخبرته وسألته فقال : « عليكم فداء واحد ، دم شاة تشتركون فيه جميعا لأنّ ذلك كان منكم على غير تعمد ، ولو كان ذلك منكم تعمدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ رجل‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٢ ـ ١٢٢٣ ، الوسائل ٩ : ٢١٢ أبواب كفارات الصيد ب ٢٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥١ ـ ١٢٢٢ ، الوسائل ٩ : ٢١٢ أبواب كفارات الصيد ب ٢٠ ح ٢.

(٣) السرائر : ١٣١.

٣٧٠

الخامسة : إذا رمى صيدا ، فاضطرب فقتل فرخا أو صيدا آخر كان عليه فداء الجميع ، لأنه سبب الإتلاف.

السادسة : السائق يضمن ما تجنيه دابته ، وكذا الراكب إذا‌

______________________________________________________

منكم دم شاة » قال أبو ولاّد : وكان ذلك منا قبل أن ندخل الحرم (١).

ومورد الرواية إيقاد النّار في حال الإحرام قبل دخول الحرم ، وألحق جمع من الأصحاب بذلك ، المحل في الحرم بالنسبة إلى لزوم القيمة ، وصرحوا باجتماع الأمرين على المحرم في الحرم. وهو جيد مع القصد بذلك إلى الاصطياد ، أمّا بدونه فمشكل ، لانتفاء النص.

ولو اختلفوا في القصد وعدمه بأن قصد بعض دون بعض اختص كلّ بحكمه ، فيجب على كل من القاصدين فداء ، وعلى من لم يقصد فداء واحد ، ولو كان غير القاصد واحدا فإشكال ينشأ من مساواته القاصد مع أنّه أخفّ منه حكما. واحتمل الشهيد في الدروس مع اختلافهم في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع ، فلو كانا اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة ، وعلى الآخر نصفها لو كان الواقع كالحمامة (٢). وهو حسن.

قوله : ( الخامسة ، إذا رمى صيدا فاضطرب فقتل فرخا أو صيدا آخر كان عليه فداء الجميع ، لأنه سبب في الإتلاف ).

أمّا ضمان الصيد المرمي (٣) فواضح ، وأمّا ضمان الفرخ والصيد الآخر المقتول فلمكان السببية كالدلالة ، ولا فرق في ذلك بين المحرم في الحل والمحل في الحرم ومن جمع الوصفين ، فيضمن كل واحد ما يلزمه شرعا.

قوله : ( السادسة ، السائق يضمن ما تجنيه دابته ، وكذا الراكب‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٢ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب كفارات الصيد ب ١٩ ح ١.

(٢) الدروس : ١٠١.

(٣) في « م » زيادة : إذا قتل أو جرح ولم يعلم حاله.

٣٧١

وقف بها. وإذا سار ضمن ما تجنيه بيديها.

______________________________________________________

إذا وقف بها ، وإذا سار ضمن ما تجنيه بيديها ).

إطلاق ضمان السائق والراكب في حال الوقوف ما تجنيه الدابّة يشمل يديها ورأسها ورجليها ، ومقتضى تخصيص ضمان الراكب إذا كان سائرا بما تجنيه الدابّة بيديها عدم ضمان جناية غيرهما من الرأس والرجلين. وألحق العلامة في المنتهى الرأس باليدين واقتصر على سقوط ضمان جناية الرجلين خاصة (١) ، واستدل بقوله عليه‌السلام « الرجل جبار » (٢) أي هدر.

ولم أقف في هذا التفصيل على رواية من طرق الأصحاب إلاّ أنّ حكمها في مطلق الجناية كذلك. نعم روى الشيخ في الصحيح ، عن أبي الصباح الكناني أنّه قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابّتك وأنت محرم فعليك فداؤه » (٣) وروى الكليني في الحسن. عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ما وطئته أو وطئه بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه » (٤) وهاتان الروايتان مطلقتان في ضمان ما تطأه الدابّة من غير فرق بين اليدين والرجلين.

وذكر العلامة في المنتهى (٥) أنّ الدابّة لو انفلتت فأتلفت صيدا لم يضمنه ، لانتفاء اليد والحال هذه ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « العجماء جبار » (٦). وهو جيد ، بل يحتمل قويا عدم الضمان إذا أتلفت شيئا وهي سائبة للرعي أو الاستراحة ، للأصل وانتفاء اليد وعدم العموم في الخبرين المتقدمين.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٣١.

(٢) سنن أبي داود ٤ : ١٩٦ ـ ٤٥٩٢ ، سنن البيهقي ٨ : ٣٤٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ـ ١٢٣٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ٩ : ٢١٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٢ ـ ١٠ ، الوسائل ٩ : ٢٤٩ أبواب كفارات الصيد ب ٥٣ ح ١.

(٥) المنتهى ٢ : ٨٣١.

(٦) سنن البيهقي ٨ : ٣٤٣.

٣٧٢

السابعة : إذا أمسك صيدا له طفل فتلف بإمساكه ضمن. وكذا لو أمسك المحل صيدا له طفل في الحرم.

الثامنة : إذا أغرى المحرم كلبه بصيد فقتله ضمن ، سواء‌

______________________________________________________

ومورد الروايتين ضمان المحرم ما يطؤه بعيره أو دابّته ، أمّا المحل في الحرم فلم أقف على رواية تتضمن تضمينه بجناية دابّته إلاّ أنّ الأصحاب قاطعون بأنّ ما يضمنه المحرم في الحل يضمنه المحل في الحرم ، ويتضاعف الجزاء مع اجتماع الأمرين.

قوله : ( السابعة ، إذا أمسك صيدا له طفل فتلف بإمساكه ضمن ).

المراد أنّه إذا أمسك المحرم صيدا له طفل فتلف الطفل بإمساك الصيد ضمن الطفل ، ولا ريب في ذلك لكون الممسك سببا في الإتلاف ، ولأنّ ذلك أقوى من الدلالة المقتضية للضمان بالنص الصحيح. أمّا الصيد الممسك فإن تلف ضمن أيضا ، وإلاّ فلا.

قوله : ( وكذا لو أمسك المحل صيدا له طفل في الحرم ).

أي : وكذا يضمن الطفل الكائن في الحرم بإمساك أمّه ـ لمكان السببية ـ وإن كان الإمساك في الحل ، لكن لا يضمن الأمّ على هذا التقدير ، ولو كان الإمساك في الحرم ضمنهما معا كالمحرم.

ولو أمسك المحل الأمّ في الحرم فمات الطفل في الحلب ضمن الأمّ مع التلف قطعا ، وفي ضمان الطفل وجهان : من كون الإتلاف بسبب صدر في الحرم فصار كما لو رمى من الحرم ، ومن أنّ الإتلاف في الحل فلا يكون مضمونا. وقوّى الشارح الأوّل (١) ، وهو أحوط.

قوله : ( الثامنة : إذا أغرى المحرم كلبه بصيد فقتله ضمن ، سواء‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤١.

٣٧٣

كان في الحل أو الحرم ، لكن يتضاعف إذا كان الحرم.

التاسعة : لو نفّر صيدا فهلك بمصادمة شي‌ء أو أخذه جارح ضمنه.

العاشرة : لو وقع الصيد في شبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب ضمن.

______________________________________________________

كان في الحل أو في الحرم ، لكن يتضاعف إذا كان في الحرم ).

لا ريب في الضمان مع الإغراء بالصيد ، لأنّه سبب في إتلافه ، واحترز المصنف بقوله : إذا أغرى المحرم كلبه بصيد ، عمّا لو أغراه عابثا من غير معاينة صيد فاتفق خروج الصيد فقتله ، فإنّه لا يضمن ، لأنّه لم يوجد منه قصد الصيد ، مع احتمال الضمان لحصول التلف بسببه ، وعدم تأثير الجهالة في ذلك ، لأنّ الصيد يضمن مع الجهل.

وألحق العلامة في التذكرة بالإغراء بالصيد حلّ المحرم رباط الكلب عند معاينة الصيد ، لأنّه يصيد عند المعاينة بمقتضى طبعه ، فيكون الحلّ سببا في التلف كالإغراء (١). وهو حسن.

قوله : ( التاسعة ، لو نفّر صيدا فهلك بمصادمة شي‌ء أو أخذه جارح ضمنه ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلوا عليه بأنّ الصيد يضمن بالتنفير إلى أن يعود إلى السكون ، وهو قريب من المدعى. وينبغي القطع بعدم الضمان مع اشتباه الحال. وفي ضمانه إذا تلف في حال النفار بآفة سماوية وجهان ، ذكرهما في التذكرة ولم يرجح شيئا (٢).

قوله : ( العاشرة ، لو وقع الصيد في شبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب ضمن ).

هذا الحكم مشكل أيضا على إطلاقه ، وينبغي القطع بعدم الضمان مع‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٥٠.

(٢) التذكرة ١ : ٣٥٠.

٣٧٤

الحادية عشرة : من دل على صيد فقتل ضمنه.

______________________________________________________

انتفاء التعدي والتفريط ، لأنّ تخليصه على هذا الوجه مباح بل إحسان محض ، و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) ، ومثله ما لو خلّص الصيد من فم هرّة أو سبع ، أو من شقّ جدار ، أو أخذه ليداويه ويتعهده فمات في يده.

قوله : ( الحادية عشرة ، من دلّ على صيد فقتل ضمنه ).

أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أن المحرم إذا دلّ على صيد فقتل ضمنه ، ويدلّ عليه من طريق الأصحاب روايات ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المحرم لا يدلّ على الصيد ، فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء » (١) وفي الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تستحلنّ شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ، ولا تدلّنّ عليه محلا ولا محرما فيصطادوه ، ولا تشر إليه فيستحل من أجلك ، فإنّ فيه فداءا لمن تعمده » (٢).

ويستفاد من قول المصنف : من دل على صيد فقتل ضمنه ، أنّه لو لم يقتل فلا ضمان على الدّال ، وهو كذلك وإن أثم بالدّلالة.

وقد قطع العلامة (٣) وغيره (٤) بمساواة المحل في الحرم للمحرم في الضمان بالدلالة. وهو جيد ، لظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة ، أمّا المحل في الحل فلا ضمان عليه قطعا لكنّه يأثم إذا كان المدلول محرما أو محلا في الحرم ، وإن كان الصيد في الحل فيما قطع به الأصحاب ، لما فيه من المعاونة على الإثم والعدوان ، واحتمل العلامة في المنتهى الضمان على هذا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٠٨ أبواب كفارات الصيد ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٠٨ أبواب كفارات الصيد ب ١٧ ح ١.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٣٢.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤١.

٣٧٥

الفصل الثّالث : في صيد الحرم.

يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل.

______________________________________________________

التقدير أيضا ، لأنّه أعان على محرم فكان كالمشارك (١).

واعلم أنّ صور المسألة ترتقي إلى اثنتين وثلاثين صورة. لأنّ الدال والمدلول إمّا أن يكونا محلّين أو محرمين أو بالتفريق ، وعلى كلّ تقدير فإمّا أن يكونا في الحل أو في الحرم أو بالتفريق ، فهذه ست عشرة صورة ، وعلى كلّ تقدير فإمّا أن يكون الصيد في الحل أو في الحرم ، وأحكامها يعلم مما حررناه.

قوله : ( الفصل الثالث ، في صيد الحرم : يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل ).

هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء كافة ، حكاه في المنتهى (٢) ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٣) فقال : « من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله عزّ وجلّ ، وما دخل من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم » (٤) وما رواه الكليني في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تستحلنّ شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم » (٥).

ويجوز للمحل في الحرم قتل القمل والبراغيث والبق والنمل إجماعا ، لما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٠٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٠٠.

(٣) آل عمران : ٩٧.

(٤) الفقيه ٢ : ١٦٣ ـ ٧٠٣ ، الوسائل ٩ : ٢٠٢ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٠٣ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ٦.

٣٧٦

فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه.

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « لا بأس بقتل البق والنمل في الحرم » وقال : « لا بأس بقتل القملة في الحرم وغيره » (١) وما رواه الكليني ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم » (٢).

قوله : ( فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه ).

لا فرق في القاتل بين أن يكون محلا أو محرما ، لكن المراد هنا المحل بقرينة المقام ، ولتصريح المصنف بعد ذلك بحكم المحرم. والمراد بالفداء هنا القيمة ، لأنّها هي الواجبة في صيد الحرم عند المصنف (٣) ، وأكثر الأصحاب بل قيل : إنّه إجماع (٤). ولقد أحسن المصنف في النافع حيث قال : من قتل فيه ـ يعني الحرم ـ صيدا ضمنه ولو كان محلا (٥). إذ المتبادر من الضمان ضمان القيمة كما أنّ المتبادر من الفداء خلافه.

وقد ورد بضمان القيمة في صيد الحرم روايات كثيرة ، كحسنة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : « إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنّما عليك فداء واحد » (٦).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « فإن قتلها ـ

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٢ ـ ٧٦١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ ـ ١٢٧٧ ، الوسائل ٩ : ١٧١ أبواب تروك الإحرام ب ٨٤ ح ٢ ، ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٤ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ١٧١ أبواب تروك الإحرام ب ٨٤ ح ٤.

(٣) راجع ص ٣٣٨.

(٤) كما في التذكرة ١ : ٣٣٠.

(٥) المختصر النافع : ١٠٣.

(٦) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٢٤١ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ٥.

٣٧٧

ولو اشترك جماعة في قتله فعلى كل واحد فداء ، وفيه تردد.

وهل يحرم وهو يؤمّ الحرم؟ قيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

يعني الحمامة ـ في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها » (١).

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ويتصدق بمثل ثمنه ، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه » (٢) والأخبار الواردة بذلك كثيرة جدا.

وحكى العلامة في المختلف عن الشيخ قولا بأنّ من ذبح صيدا في الحرم وهو محل كان عليه دم (٣). وهو ضعيف.

قوله : ( ولو اشترك جماعة في قتله فعلى كلّ واحد فداء ، وفيه تردد ).

المراد بالفداء هنا : القيمة ، وذكر الشارح أنّ منشأ التردد أصالة البراءة واشتراك المحلين والمحرمين في العلة المقتضية للزوم الفداء وهي الإقدام على قتل الصيد فيتساويان في الحكم (٤). ولا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي التردد ، فإنّه لا يخرج عن القياس. وقوّى الشيخ ـ رحمه‌الله ـ لزوم الجميع جزاء واحد ، لأصالة البراءة من الزائد (٥). وهو متجه.

قوله : ( وهل يحرم وهو يؤم الحرم؟ قيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٩ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ١٦٧ ـ ٧٢٦ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ١.

(٣) المختلف : ٢٧٨.

(٤) المسالك ١ : ١٤١.

(٥) المبسوط ١ : ٣٤٦.

٣٧٨

______________________________________________________

القول بالتحريم للشيخ (١) ـ رحمه‌الله ـ وجمع من الأصحاب ، واستدل‌ عليه في التهذيب بما رواه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان يكره أن يرمى الصيد وهو يؤم الحرم (٢). وعن علي بن عقبة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قضى حجّه ثمّ أقبل حتى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريبا من الحرم والصيد متوجه نحو الحرم فرماه فقتله ، ما عليه؟ قال : « يفديه على نحوه » (٣).

وفي الروايتين ضعف من حيث السند (٤) ، مع أنّهما معارضتان بما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل رمى صيدا في الحل وهو يؤم الحرم فيما بين البريد والمسجد ، فأصابه في الحل ، فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته ، هل عليه جزاء؟ قال : « ليس عليه جزاء إنّما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فليس عليه جزاؤه ، لأنّه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه فيما كان بعد ذلك شي‌ء » ، فقلت : هذا القياس عند الناس ، فقال : « إنّما شبّهت لك ذلك الشي‌ء بالشي‌ء لتعرفه » (٤).

والقول بالكراهة لابن إدريس (٥) وأكثر المتأخرين ، ووجهه معلوم ممّا قررناه.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٤٤٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٩ ـ ١٢٤٩ ، الوسائل ٩ : ٢٢٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٠ ـ ١٢٥١ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٦ ـ ٧٠٣ ، الوسائل ٩ : ٢٢٤ أبواب كفارات الصيد ب ٣٠ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٩٧ ـ ٨.

(٤) أما الأولى فبالإرسال وإن كان المرسل ابن أبي عمير كما صرح بذلك المصنف مرارا ، وأما الثانية فلأن من جملة رجالها ابن فضال وهو فطحي ، وعقبة بن خالد فإنه لم يوثق صريحا في كتب الرجال.

(٥) الفقيه ٢ : ١٦٨ ـ ٧٣٧ ، الوسائل ٩ : ٢٢٥ أبواب كفارات الصيد ب ٣٠ ح ٣.

(٦) السرائر : ١٣١.

٣٧٩

لكن لو أصابه ودخل الحرم فمات ضمنه ، وفيه تردد.

ويكره الاصطياد بين البريد والحرم على الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( لكن لو أصابه ودخل الحرم فمات ضمنه ، وفيه تردد ).

منشأ التردد تعارض روايتي علي بن عقبة وعبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين ، والأصح عدم الضمان لصحة مستنده.

وذكر الشارح أنّه ميتة على القولين (١) ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن ، عن مسمع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل حل رمى صيدا في الحل فتحامل الصيد حتى دخل الحرم فقال : « لحمه حرام مثل الميتة » (٢).

قوله : ( ويكره الاصطياد بين البريد والحرم على الأشبه ).

هذا البريد خارج الحرم محيط به من كل جانب ويسمى حرم الحرم ، والحرم في داخله بريدا في بريد ستة عشر فرسخا ، ومعنى الاصطياد بين البريد والحرم : الاصطياد بين منتهى البريد وطرف الحرم.

وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فذهب الأكثر إلى إباحته ، للأصل ، ولأن المانع من الاصطياد إمّا الحرم أو الإحرام وهما مفقودان فتثبت الإباحة. وقال المفيد في المقنعة : وكل من قتل صيدا وهو محل فيما بينه وبين الحرم على مقدار بريد لزمه الفداء (٣). وهو يعطي التحريم ، واستدل له الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كانت محلا في الحل فقتلت صيدا فيما بينك وبين البريد إلى الحرم فإنّ عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه تصدقت‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٩ ـ ١٢٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٦ ـ ٧٠٢ ، الوسائل ٩ : ٢٢٤ أبواب كفارات الصيد ب ٢٩ ح ٢.

(٣) المقنعة : ٦٩.

٣٨٠