مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

وفي بيضها إذا تحرك الفرخ حمل.

______________________________________________________

حرمه الإحرام والحرم ، فوجب عليه فداؤهما.

ويدل عليه ما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن قتل المحرم حمامة في الحرم ، فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه ، يتصدق به أو يطعمه حمام مكة ، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها » (١).

وفي الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنّما عليك فداء واحد » (٢).

قوله : ( وفي بيضها إذا تحرك الفرخ حمل ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٣) وأكثر الأصحاب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى عليه‌السلام عن رجل كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد تحرك ، فقال : « عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة ، ويتصدق بلحومها إن كان محرما ، وإن كان الفرخ لم يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري بقيمته علفا يطرحه لحمام الحرم » (٤).

وفي الصحيح ، عن الحلبي عبيد الله ، قال : حرك الغلام مكتلا فكسر‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٩٨ أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ٣ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٨ ، الوسائل ٩ : ٢٢٧ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٥ ، وفيهما بتفاوت يسير.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، والمبسوط ١ : ٣٤٥ ، والخلاف ١ : ٤٨٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٨ ـ ١٢٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٥ ـ ٦٩٧ ، الوسائل ٩ : ١٩٤ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٨.

٣٤١

وقبل التحرك على المحرم درهم وعلى المحل ربع درهم ، ولو كان محرما في الحرم لزمه درهم وربع.

______________________________________________________

بيضتين في الحرم ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : « جديين أو حملين » (١).

وإطلاق كلام المصنف وغيره يقتضي عدم الفرق في هذا الحكم بين المحل في الحرم والمحرم في الحل والحرم ، وعبارة المصنف كالصريحة في التعميم حيث أطلق وجوب الشاة بعد التحرك وفصل الحكم قبله. وصرح الشهيدان بأنّ حكم البيض بعد تحرك الفرخ حكم الفرخ ، ومقتضاه اختصاص هذا الحكم بالمحرم في الحل وأنّه يجب على المحل في الحرم نصف درهم ، ويجتمع الأمران على المحرم في الحرم (٢) ، وهو غير واضح ، لاختصاص الرواية الثانية بحمام الحرم ، وظهور الرواية الأولى في التعميم.

قوله : ( وقبل التحرك ، على المحرم درهم ، وعلى المحل ربع درهم ، ولو كان محرما في الحرم لزمه درهم وربع ).

أمّا وجوب الدرهم على المحرم في الحل فيدل عليه قوله عليه‌السلام في حسنة حريز : « المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة ، وإن قتل فراخه ففيه حمل ، وإن وطئ البيض (٣) فعليه درهم ) (٤).

وأمّا أنّه يجب على المحل في الحرم ربع درهم ، فيدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة حفص بن البختري : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيضة ربع درهم » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٨ ـ ١٢٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٤ ـ ٦٩٦ ، الوسائل ٩ : ٢١٩ أبواب كفارات الصيد ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الشهيد الأول في الدروس : ١٠٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٧.

(٣) في « ض » و « م » : البيضة.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ ـ ١١٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٠ ـ ٦٧٨ ، الوسائل ٩ : ١٩٣ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٤ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ ـ ١١٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٠ ـ ٦٧٧ ، الوسائل ٩ : ١٩٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٥.

٣٤٢

ويستوي الأهلي وحمام الحرم في القيمة إذا قتل في الحرم ، لكن يشتري بقيمة الحرميّ علف الحمامة.

______________________________________________________

وأمّا اجتماع الأمرين على المحرم في الحرم فلاجتماع السببين.

قوله : ( ويستوي الأهلي وحمام الحرم في القيمة إذا قتل في الحرم ، لكن يشتري بقيمة الحرمي علف لحمامه ).

أمّا استواء الحمام الأهلي ـ يعني المملوك ـ وحمام الحرم في لزوم الكفارة إذا قتل في الحرم ، فقال في المنتهى : إنّه لا يعرف فيه خلافا إلاّ من داود ، حيث قال : لا جزاء في صيد الحرم (١) ، ويدل عليه روايات ، منها صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أهدي له حمام أهلي وجي‌ء به وهو في الحرم محلّ قال : « إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه » (٢).

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أهدي له حمام أهلي وهو في الحرم ، فقال : « إن هو أصاب منه شيئا فليتصدق بثمنه نحوا ممّا كان يسوي في القيمة » (٣).

وصحيحة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن طائر أهلي أدخل الحرم حيّا ، فقال : « لا يمس ، إنّ الله تعالى يقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٤).

وأمّا أنّ قيمة حمام الحرم يشتري به علف لحمامه ، فيدل عليه صحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « من أصاب‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٢٥.

(٢) الفقيه ٢ : ١٦٨ ـ ٧٣٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٧ ـ ١٢٠٥ ، الوسائل ٩ : ١٩٧ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ١٠.

(٣) الكافي ٤ : ٢٣٢ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٠٠ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٨ ـ ١٢٠٦ ، الوسائل ٩ : ٢٠١ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ١١ ، وفي الفقيه ٢ : ١٧٠ ـ ٧٤٣ ، وعلل الشرائع : ٤٥٤ ـ ٧ ، بتفاوت.

٣٤٣

______________________________________________________

طيرا في الحرم وهو محلّ فعليه القيمة ، والقيمة درهم يشترى به علفا لحمام الحرم » (١).

ورواية حماد بن عثمان قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أصاب طيرين ، واحد من حمام الحرم والآخر من حمام غير الحرم؟ قال : « يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا ويطعمه حمام الحرم ، ويتصدق بجزاء الآخر » (٢) ومقتضى الرواية تعيين كون العلف قمحا ، لكنها ضعيفة السند (٣). والأصح التخيير في حمام الحرم بين التصدق بقيمته وشراء العلف به ، لما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات ، قال : « يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم » (٤).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة ، درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام مكة ، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها » (٥) والمراد بالقيمة هنا ما قابل الفداء ، وهي المقدرة في الأخبار بالدرهم ونصفه وربعه.

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أنّ المراد بالقيمة هنا ما يعم الدرهم والفداء (٦) ، وهو غير واضح.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٣ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ١٩٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٠ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٥٣ ـ ١٢٢٨ ، الوسائل ٩ : ٢١٤ أبواب كفارات الصيد ب ٢٢ ح ٦.

(٣) لوقوع سهل بن زياد في طريقها وهو ضعيف.

(٤) الفقيه ٢ : ١٦٧ ـ ٧٢٨ ، الوسائل ٩ : ٢٠٧ أبواب كفارات الصيد ب ١٦ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٩٨ أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ٣ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٩.

(٦) المسالك : ١ : ١٢٧.

٣٤٤

الثاني : في كل واحد من القطا والحجل والدراج حمل قد فطم ورعى.

______________________________________________________

ولو أتلف الحمام الأهلي المملوك بغير إذن مالكه اجتمع على متلفه القيمة لحمام الحرم ، وقيمة أخرى للمالك ، كما صرح به العلامة (١) ومن تأخر عنه (٢).

قال المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد : ولا يتصور ملك الصيد في الحرم إلاّ في القماري والدّباسي ، لجواز شرائهما وإخراجهما (٣). وهو جيّد إن قلنا إنّ الصيد لا يدخل في ملك المحلّ في الحرم ، كما هو اختيار المصنف في هذا الكتاب ، أمّا إن قلنا إنّه يملكه وإن وجب عليه إرساله كما اختاره في النافع (٤) فيتصور وجود الحمام المملوك في الحرم كغيره.

قوله : ( الثاني ، في كل واحد من القطا والحجل والدرّاج حمل قد فطم ورعى ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللّبن وأكل من الشجر » (٥).

وعن سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « في كتاب علي عليه‌السلام : من أصاب قطاة أو حجلة أو درّاجة أو نظيرهنّ فعليه دم » (٦).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨١٩.

(٢) كالشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٤٣.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٨٤.

(٤) المختصر النافع : ١٠٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٤٤ ـ ١١٩٠ وفيه القطاط بدل القطاة ، الوسائل ٩ : ١٩٠ أبواب كفارات الصيد ب ٥ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٤ ـ ١١٩١ ، الوسائل ٩ : ١٩٠ أبواب كفارات الصيد ب ٥ ح ٢.

٣٤٥

الثالث : في قتل كل واحد من القنفذ والضب واليربوع جدي.

______________________________________________________

وقد تقدم أن الحمل ما بلغ سنّه من أولاد الغنم أربعة أشهر.

وذكر الشارح قدس‌سره : أنّ المراد بكونه قد فطم ورعى ، أنّه قد آن وقت فطامه ورعيه وإن لم يكونا قد حصلا له بالفعل. وأورد هنا إشكال وهو أنّ في بيض كل واحدة من هذه بعد تحرك الفرخ مخاضا من الغنم ، وهي ما من شأنها أن يكون حاملا ، فكيف يجب في فرخ البيضة مخاض وفي الطائر حمل (١)؟! وأجاب عنه في الدروس (٢) إمّا بحمل المخاض هناك على بنت المخاض ، وهو بعيد جدا ، وإمّا بالتزام وجوب ذلك في الطائر بطريق أولى ، وفيه اطراح للنص المتقدم ، بل قيل : إنّ فيه مخالفة للإجماع أيضا ، وإمّا بالتخيير بين الأمرين ، وهو مشكل أيضا.

والأجود اطراح الرواية المتضمنة لوجوب المخاض في الفرخ ، لضعفها ومعارضتها بما هو أوضح منها إسنادا وأظهر دلالة ، والاكتفاء فيه بالبكر من الغنم المتحقق بالصغير. وغاية ما يلزم من ذلك مساواة الصغير والكبير في الفداء ، ولا محذور فيه.

قوله : ( الثالث ، في قتل كل واحد من القنفذ والضب واليربوع جدي ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن مسمع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « اليربوع والقنفذ والضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي ، والجدي خير منه ، وإنّما جعل عليه هذا لكي ينكل عن صيد غيره » (٣).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٣٧.

(٢) الدروس : ١٠١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٤ ـ ١١٩٢ ، الوسائل ٩ : ١٩١ أبواب كفارات الصيد ب ٦ ح ١.

٣٤٦

الرابع : في كل واحد من العصفور والقنبرة والصعوة مد من طعام.

______________________________________________________

وألحق الشيخان بهذه الثلاثة ما أشبهها (١) ، وأوجب أبو الصلاح فيها حملا فطيما (٢) ، ولم نقف لهذين القولين على مستند.

قوله : ( الرابع ، في كل واحد من العصفور والقبّرة والصعوة مدّ من طعام ).

هذا قول الشيخ (٣) وأكثر الأصحاب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه ، عن صفوان بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « القبرة والصعوة والعصفور إذا قتله المحرم فعليه مدّ من طعام لكلّ واحد منهم » (٤).

وأوجب علي بن بابويه في كل طير شاة (٥) ، ولا يخلو من قوة ، لصحيحة ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : في محرم ذبح طيرا ، « إنّ عليه دم شاة يهريقه ، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن » (٦).

وأجاب العلامة في المختلف عن هذه الرواية بأنّها عامة ورواية صفوان خاصة فتكون مقدمة (٧) ، وهو جيد لو تكافأ السندان.

والمراد بالعصفور هنا ما يصدق عليه اسمه عرفا ، والصعوة عصفور صغير له ذنب طويل يرمح به ، والقبّر كسكّر طائر ، الواحدة بهاء ، ويقال :

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ في النهاية : ٢٢٣ ، والمبسوط ١ : ٣٤٠.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٠٦.

(٣) النهاية : ٢٢٣ ، والمبسوط ١ : ٣٤٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٤ ـ ١١٩٣ ، الوسائل ٩ : ١٩١ أبواب كفارات الصيد ب ٧ ح ١.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٧٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٦ ـ ١٢٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ ـ ٦٨٢ ، الوسائل ٩ : ١٩٤ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٦.

(٧) المختلف : ٢٧٤.

٣٤٧

الخامس : في قتل الجرادة تمرة ، والأظهر كف من طعام. وكذا في القملة يلقيها عن جسده.

______________________________________________________

القنبراء ولا تقل : قنبرة كقنفذة أو لغية ، ذكر ذلك في القاموس (١).

قوله : ( الخامس ، في قتل الجرادة تمرة ، والأظهر كف من الطعام ).

بل الأظهر التخيير بين الأمرين ، كما اختاره الشيخ في المبسوط (٢) جمعا بين ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في محرم قتل جرادة قال : « يطعم تمرة ، وتمرة خير من جرادة » (٣) وما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن محرم قتل جرادة ، قال : « كفّ من طعام ، وإن كان كثيرا فعليه دم شاة » (٤).

قوله : ( وكذا في القملة يلقيها من جسده ).

أي : يجب بذلك كفّ من طعام ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه ، عن حماد بن عيسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها ، قال : « يطعم مكانها طعاما » (٥) وعن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها ، قال : « يطعم مكانها » (٦) وفي طريق هاتين الروايتين‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١١٧.

(٢) المبسوط ١ : ٣٤٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٣ ـ ١٢٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٧ ـ ٧٠٦ ، الوسائل ٩ : ٢٣٢ أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٣٣ أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ١١٥٨ ، وفيه : على جسده ، الوسائل ٩ : ٢٩٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ١١٥٩ ، الوسائل ٩ : ٢٩٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٢.

٣٤٨

وفي قتل الكثير من الجراد دم شاة.

______________________________________________________

عبد الرحمن ، وهو مشترك بين جماعة منهم عبد الرحمن بن سيابة ، وهو مجهول.

وقد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : « لا شي‌ء في القملة ، ولا ينبغي أن يتعمد قتلها » (١) وقال : إنّ هذه الرواية غير منافية للخبرين المتقدمين ، لأنها وردت مورد الرخصة ، ويجوز أن يكون المراد بها من يتأذّى بها ، فإنّه متى كان الأمر على ذلك جاز له ذلك إلاّ أنّه تلزمه الكفارة ، وقوله : « لا شي‌ء عليه » يريد به إذا فعل ذلك لا شي‌ء عليه من العقاب ، أو لا شي‌ء عليه معينا كما يجب عليه فيما عدا ذلك من قتل الأشياء (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو حمل بعيد ، مع أنّه لا ضرورة تلجى‌ء إليه ، لإمكان حمل ما تضمن الكفارة على الاستحباب.

أمّا البرغوث فالظاهر جواز إلقائه وإن منعنا من قتله ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « المحرم يلقي عنه الدوابّ كلّها إلاّ القملة ، فإنّها من جسده » (٣).

قوله : ( وفي قتل الكثير من الجراد دم شاة ).

المرجع في الكثرة إلى العرف ، ويدل على وجوب الشاة في الكثير من الجراد صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة حيث قال فيها : « وإن كان كثيرا فعليه دم شاة » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٧ ـ ١١٦٦ ، الإستبصار ٢ : ١٩٧ ـ ٦٦٤ ، الوسائل ٩ : ٢٩٨ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣٠ ـ ١٠٩١ ، التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ١١٦١ ، الوسائل ٩ : ١٦٣ أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٥.

(٤) في ص ٣٤٨.

٣٤٩

وان لم يمكنه التحرز من قتله بأن كان على طريقه فلا إثم ولا كفارة. وكل ما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته. وكذا القول في البيوض.

______________________________________________________

قوله : ( فإن لم يمكنه التحرز من قتله بأن كان في طريقه فلا إثم ولا كفارة ).

المراد بعدم الإمكان هنا المشقة اللازمة من التحرز عنه ، ويدل على انتفاء الإثم والكفارة والحال هذه روايات ، منها صحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « على المحرم أن يتنكب الجراد إذا كان على طريقه ، فإن لم يجد بدّا فقتل فلا بأس » (١).

وصحيحة معاوية قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجراد يكون على ظهر الطريق والقوم محرمون ، فكيف يصنعون؟ قال : « يتنكبونه ما استطاعوا » قلت : فإن قتلوا منه شيئا ، ما عليهم؟ قال : « لا شي‌ء عليهم » (٢).

قوله : ( وكل ما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته ، وكذا القول في البيوض ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، والوجه فيه تحقق الضمان من غير تقدير للمضمون فيرجع إلى القيمة كما في غيره ، ويدل عليه أيضا صحيحة سليمان بن خالد قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « في الضبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعامة بدنة ، وفيما سوى ذلك قيمته » (٣).

وتثبت القيمة بتقويم عدلين عارفين ، وإن كان الجاني أحدهما إذا كان‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٤ ـ ١٢٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٨ ـ ٧١٠ ، الوسائل ٩ : ٢٣٣ أبواب كفارات الصيد ب ٣٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٤ ـ ١٢٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٨ ـ ٧٠٩ ، الوسائل ٩ : ٢٣٣ أبواب كفارات الصيد ب ٣٨ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨٢ ، الوسائل ٩ : ١٨١ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٢.

٣٥٠

وقيل في البطة والإوزة والكركي شاة ، وهو تحكّم.

فروع خمسة :

الأول : إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور والأعور فداه بصحيح ، ولو فداه بمثله جاز.

______________________________________________________

مخطئا أو تاب.

قوله : ( وقيل في البطة والإوزة والكركي شاة ، وهو تحكّم ).

القول للشيخ ـ رحمه‌الله (١) ـ ولا مستند له على الخصوص ، ومن ثمّ نسبه المصنف إلى التحكم. نعم روى الشيخ في الصحيح ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في محرم ذبح طيرا : « إنّ عليه دم شاة يهريقه ، فإن كان فرخا فجدي ، أو حمل من صغير الضأن » (٢) ومقتضى الرواية وجوب الشاة في الطير بأنواعه ، وبمضمونها أفتى ابن بابويه حيث لم يستثن سوى النعامة (٣) ، وينبغي العمل بمضمونها فيما لم يقم دليل من خارج على خلافه ، وعلى هذا فيكون الطير بأنواعه من المنصوص.

قوله : ( فروع خمسة ، الأوّل : إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور والأعور فداه بصحيح ، ولو فداه بمثله جاز ).

لا ريب في الجواز لتحقق المماثلة ، ولو اختلف العيب بأن كان أحدهما أعور ، والآخر أعرج لم يجز ، ولو اختلف العيب بالمحل بأن فدى أعور اليمنى بأعور اليسرى ، أو أعرج إحدى الرجلين بأعرج الأخرى ، ففي الإجزاء وجهان : من الاشتراك في أصل العيب ، وتحقق المخالفة. وقطع العلامة في جملة من كتبه بالإجزاء (٤) ، لأنّ هذا المقدار من التخالف لا يخرجه عن المماثلة ، وهو حسن.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٤٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٦ ـ ١٢٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ ـ ٦٨٢ ، الوسائل ٩ : ١٩٤ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٦.

(٣) المقنع : ٧٨.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٢٨ ، والتذكرة ١ : ٣٤٧ ، والتحرير ١ : ١١٧.

٣٥١

ويفدي الذكر بمثله وبالأنثى. وكذا الأنثى ، وبالمماثل أحوط.

الثاني : الاعتبار بتقويم الجزاء وقت الإخراج. وفيما لا تقدير لفديته وقت الإتلاف.

الثالث : إذا قتل ماخضا مما له مثل يخرج ماخضا. ولو تعذر قوّم الجزاء ماخضا.

______________________________________________________

قوله : ( ويفدي الذكر بمثله وبالأنثى ، وكذا الأنثى ، وبالمماثل أحوط ).

لا ريب في أحوطية الفداء بالمماثل وإن كان الأظهر جواز الفداء بالمخالف على هذا الوجه ، إذ المتبادر من المماثلة المماثلة في الخلقة خاصة لا في جميع الصفات ، ومقتضى كلام العلامة في التذكرة والمنتهى أنّ إجزاء الأنثى عن الذكر لا خلاف فيه لأنّها أطيب لحما وأرطب ، وإنّما الخلاف في العكس (١).

قوله : ( الثاني ، الاعتبار بتقويم الجزاء وقت الإخراج. وفيما لا تقدير لفديته وقت الإتلاف ).

الوجه في ذلك أنّ الواجب في الأوّل هو المثل ، وإنّما ينظر إلى القيمة عند إرادة الإخراج وتعذر المثل كسائر المثليات ، وفي الثاني ابتداء هو القيمة وهي ثابتة في الذمة وقت الجناية فيعتبر قدرها حينئذ.

قوله : ( الثالث ، إذا قتل ماخضا مما له مثل يخرج ماخضا ، ولو تعذر قوّم الجزاء ماخضا ).

إنّما وجب إخراج الماخض ، لتتحقق المماثلة المعتبرة ، ولأنّ الحمل فضيلة مقصودة فلا سبيل إلى إهمالها ، ويحتمل قويا إجزاء الفداء بغير‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٤٧ ، المنتهى ٢ : ٨٢٧.

٣٥٢

الرابع : إذا أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا حيا ثم ماتا فدى الأم بمثلها والصغير بصغير. ولو عاشا لم يكن عليه فدية ، إذا لم يعب المضروب. ولو عاب ضمن أرشه.

______________________________________________________

الماخض ، لأنّ هذه الصفة لا تأثر لها في زيادة اللحم ، بل ربّما اقتضت نقصه فلا يعتبر وجودها كاللون. نعم لو كان الغرض إخراج القيمة لم يجز إلاّ تقويم الماخض ، لأنّها أعلى قيمة في الأغلب ، وباختلاف القيمة يختلف المخرج.

قوله : ( الرابع ، إذا أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا حيا ثمّ ماتا فدى الأم بمثلها ، والصغير بصغير ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، لإطلاق الأمر بالفداء بالمماثل المتناول للصغير والكبير.

قوله : ( ولو عاشا لم يكن عليه فدية إذا لم يعب المضروب ، ولو عاب ضمن أرشه ).

أمّا سقوط الفدية إذا عاشا معا ولم يتعيبا فلا ريب فيه ، للأصل السالم من المعارض ، وأمّا ضمان الأرش إذا تعيبا أو تعيب أحدهما ، فلأنّه نقص حصل بسببه في حيوان مضمون فكان مضمونا.

ثمّ إن كان المضمون القيمة فالأرش جزء منها ، وإن كان المثل ، كما لو ضرب ظبيا فنقص عشر قيمته ، ففي وجوب إخراج جزء من المماثل كعشر الشاة في المثال بناء على أنّ الكفارة مرتبة أو الانتقال إلى القيمة أقوال ، ثالثها أنّه لا يلزم الجزء من العين إلاّ مع وجود مشارك في الباقي ، وبه قطع العلامة في جملة من كتبه (١) ، وجزم الشهيدان بوجوب الجزء مطلقا ، لوجوب العين في الجميع فيقسط في البعض (٢) ، ولعله أحوط.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٢٧ ، والتحرير ١ : ١١٧ ، والقواعد ١ : ٩٥.

(٢) الشهيد الأول في الدروس : ١٠٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٨.

٣٥٣

ولو مات أحدهما فداه دون الآخر. ولو ألقت جنينا ميتا لزمه الأرش ، وهو ما بين قيمتها حاملا ومجهضا.

الخامس : إذا قتل المحرم حيوانا وشك في كونه صيدا لم يضمن.

______________________________________________________

وكيفية معرفة الأرش أن يقوّم الصيد صحيحا ومعيبا وينظر إلى التفاوت ويؤخذ بتلك النسبة من الفداء أو من قيمته ، فلو قوّم بثلاثين صحيحا وعشرين معيبا كان التفاوت الثلث ، فيجب ثلث الفداء أو ثلث القيمة.

قوله : ( ولو مات أحدهما فداه دون الآخر ).

الوجه في هذا الاختصاص معلوم مما سبق ، ثمّ إن كان الميت الأم ضمنها بأنثى أو بذكر على ما مرّ ، ولو مات الولد ضمنه بصغير ، ولو ماتا معا قبل سقوط الولد ضمنها بحامل ، فإن تعذر المثل ضمن الجزاء حاملا ، ولو زادت قيمة جزاء الحامل عن إطعام المقدر ، كالعشرة في شاة الظبي ، فالظاهر وجوب الزيادة بسبب الحمل إلاّ أن يزيد عن العشرين فلا يجب الزائد ، إذ غاية فداء الولد أن يكون كأمّه.

قوله : ( ولو ألقت جنينا ميّتا لزمه الأرش ، وهو ما بين قيمتها حاملا ومجهضا ).

الكلام في الأرش هنا كما مرّ ، قال الشارح قدس‌سره : ولا يعتبر الولد هنا للشك في حياته ، والحكم إنّما يتعلق بالحي بعد الولادة حتى لو علم بحركته قبلها لم يعتد به ، لعدم تسميته حينئذ حيوانا (١). وهو حسن.

قوله : ( الخامس ، إذا قتل المحرم حيوانا وشك في كونه صيدا لم يضمن ).

لأصالة البراءة ، وكذا لو شك في قتله في الحرم ليتضاعف عليه الفداء إن كان محرما ، أو ليتعلق به الحكم إن كان محلا.

__________________

(١) المسالك ١ : ١٣٨.

٣٥٤

الفصل الثاني : في موجبات الضمان

وهي ثلاثة : مباشرة الإتلاف ، واليد ، والسبب.

أما المباشرة فنقول : قتل الصيد موجب لفديته. فإن أكله لزمه فداء آخر. وقيل : يفدي ما قتل ، ويضمن قيمة ما أكل ، وهو الوجه.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني في موجبات الضمان ، وهي ثلاثة : مباشرة الإتلاف ، واليد ، والسبب. أمّا المباشرة فنقول : قتل الصيد موجب لفديته ، فإن أكله لزمه فداء آخر ، وقيل : يفدي ما قتل ، ويضمن قيمة ما أكل ، وهو الوجه ).

القول بوجوب الفداءين للشيخ في النهاية والمبسوط (١) ، وجمع من الأصحاب ، واحتج عليه في المختلف (٢) بصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم ، ما عليهم؟ فقال : « على كل من أكل منه فداء صيد ، على كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كامل » (٣) ورواية يوسف الطاطري قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : صيد أكله قوم محرمون قال : « عليهم شاة شاة (٤) ، وليس على الّذي ذبحه إلاّ شاة » (٥).

وهو احتجاج ضعيف ، إذ ليس في الروايتين دلالة على تعدد الفداء بوجه ، بل ولا على ترتب الكفارة على الأكل على وجه العموم ، لاختصاص مورد الأولى بمن اشترى الصيد وأكله ، وظهور الثانية في مغايرة الآكل‌

__________________

(١) النهاية : ٢٧٧ ، والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٢) المختلف : ٢٧٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥١ ـ ١٢٢١ ، قرب الإسناد : ١٠٧ ، الوسائل ٩ : ٢٠٩ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٢.

(٤) في « ض » ، والكافي ، والوسائل : عليهم شاة.

(٥) الكافي ٤ : ٣٩١ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٣٥ ـ ١١٢٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ ، ١٢٢٥ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٨.

٣٥٥

ولو رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه فلا فدية. ولو جرحه ثم رآه سويا ضمن أرشه ، وقيل : ربع القيمة.

______________________________________________________

للذابح (١).

والقول بوجوب فداء القتل وضمان قيمة المأكول للشيخ في الخلاف (٢) والمصنف والعلامة في جملة من كتبه (٣) ، ولم نقف لهم في ضمان القيمة على دليل يعتد به ، ولو لا تخيل الإجماع على ثبوت أحد الأمرين لأمكن القول بالاكتفاء بفداء القتل تمسكا بمقتضى الأصل ، ويؤيده صحيحة أبان بن تغلب : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرمين أصابوا أفراخ نعام فذبحوها وأكلوها فقال : « عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة » (٤) أطلق الاكتفاء بالبدنة ، ولو تعدد الفداء أو وجبت القيمة مع فداء القتل لوجب ذكره في مقام البيان ، والمسألة محل إشكال.

قوله : ( ولو رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه فلا فدية ).

المراد أنّه تحقق عدم التأثير فيه ، لما سيجي‌ء في كلامه من ثبوت الفدية مع الشك في التأثير ، وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن لغير المؤثر شريك في الرمي بحيث أصاب شريكه ، وإلاّ ضمن وإن أخطأ كما سيصرح به المصنف ـ رحمه‌الله.

قوله : ( ولو جرحه ثمّ رآه سويّا ضمن أرشه ، وقيل : ربع القيمة ).

وجه الأوّل : أنّها جناية مضمونة فكان عليه أرشها. والقول بلزوم ربع‌

__________________

(١) في « ح » : للذبح.

(٢) الخلاف ١ : ٤٨٤.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٢٧ ، والتحرير ١ : ١١٧ ، والقواعد ١ : ٩٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٦ ـ ١١٢٣ ، التهذيب ٥ : ٣٥٣ ـ ١٢٢٧ ، الوسائل ٩ : ٢٠٩ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٤.

٣٥٦

وإن لم يعلم حاله لزمه الفداء. وكذا لو لم يعلم أثّر فيه أم لا.

______________________________________________________

القيمة (١) بذلك الشيخ (٢) وجماعة (٣) ، واستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل رمى صيدا وهو محرم. فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه ، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد ، قال : « عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد ، فإن رآه بعد أن كسر يده أو رجله وقد رعى وانصلح فعليه ربع قيمته » (٤) وهذه الرواية لا تدل على ما ذكر الشيخ من التعميم ، والمتجه قصر الحكم على مورد الرواية (٥) ، ووجوب الأرش في غيره إن ثبت كون الأجزاء مضمونة كالجملة ، لكن ظاهر المنتهى أنّه موضع وفاق (٦).

قوله : ( وإن لم يعلم حاله لزمه الفداء ).

المراد أنّه إذا جرحه ولم يعلم حاله بعد الجرح يجب عليه فداء كامل ، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (٧) ، واستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة ، وهي لا تدل على العموم لاختصاصها بالكسر المخصوص ، فتعدية الحكم إلى غيره يحتاج إلى دليل.

قوله : ( وكذا لو لم يعلم أثّر فيه أم لا ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٨) وجمع من الأصحاب ، ولم أقف له على دليل يعتد به ، وظاهر المصنف في النافع التوقف فيه ، حيث اقتصر على‌

__________________

(١) المراد ربع قيمة الفداء ، لا ربع قيمة الصيد كما ربما يتوهم ـ الجواهر ٢٠ : ٢٦٢.

(٢) النهاية : ٢٢٨ ، والمبسوط ١ : ٣٤٣.

(٣) كابن إدريس في السرائر : ١٣٣ ، والشهيد الأول في الدروس : ١٠٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٩ ـ ١٢٤٦ ، قرب الإسناد : ١٠٧ ، الوسائل ٩ : ٢٢١ أبواب كفارات الصيد ب ٢٧ ح ١.

(٥) وهو كسر اليد والرجل خاصة.

(٦) المنتهى ٢ : ٨٢٨.

(٧) المنتهى ٢ : ٨٢٨.

(٨) النهاية : ٢٢٨ ، والمبسوط ١ : ٣٤٣.

٣٥٧

وروي في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع ، وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته ، وكذا في إحدى رجليه ، وفي الرواية ضعف.

______________________________________________________

حكايته بلفظ قيل (١) ، ولو قيل بعدم لزوم الفدية هنا كما في حالة الشك في الإصابة كان حسنا.

قوله : ( وروي في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع ، وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته ، وكذا في إحدى رجليه ، وفي الرواية ضعف ).

هذه الرواية رواها الشيخ بطريق فيه عدّة من الضعفاء : منهم أبو جميلة المفضل بن صالح ، وقيل : إنّه كان كذّابا يضع الحديث (٢) ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : فما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل؟ قال : « عليه ربع قيمة الغزال » قلت : فإن كسر قرنيه؟ قال : « عليه نصف قيمته يتصدق به » قلت : فإن هو فقأ عينيه؟ قال : « عليه قيمته » قلت : فإن هو كسر إحدى يديه؟ قال : « عليه نصف قيمته » قلت : فإن هو كسر إحدى رجليه؟ قال : « عليه نصف قيمته » قلت : فإن هو قتله؟ قال : « عليه قيمته » قلت : فإن هو فعل به وهو محرم في الحرم؟ قال : « عليه دم يهريقه ، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم » (٣) وبمضمون هذه الرواية أفتى الشيخ ـ رحمه‌الله (٤) ـ والأظهر ما عليه الأكثر من وجوب الأرش بجميع ذلك بناء على ما عليه الأصحاب وغيرهم من كون الأجزاء مضمونة كالجملة.

__________________

(١) المختصر النافع : ١٠٣.

(٢) كما في خلاصة العلامة : ٢٥٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٧ ـ ١٣٥٤ ، الوسائل ٩ : ٢٢٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢٨ ح ٣.

(٤) النهاية : ٢٢٧ ، والمبسوط ١ : ٣٤٢.

٣٥٨

ولو اشترك جماعة في قتل الصيد ضمن كل واحد منهم فداءا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اشترك جماعة في قتل صيد ضمن كل واحد منهم فداءا كاملا ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، وتدل عليه روايات ، منها صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا اجتمع قوم على صيد وهم محرمون في صيده ، أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته » (١).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان ، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء؟ فقال : « لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد » قلت : إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال : « إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا » (٢).

وصحيحة زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام : في محرمين أصابا صيدا فقال : « على كل واحد منهما الفداء » (٣).

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام : عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم ، ما عليهم؟ قال : « على كل من أكل منهم فداء صيد ، كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملا » (٤).

وهذه الروايات إنّما تدل على ضمان كل من المشتركين في قتل الصيد الفداء الكامل إذا كانوا محرمين ، وذكر الشارح أنّه لا فرق في هذا الحكم بين‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥١ ـ ١٢١٩ ، الوسائل ٩ : ٢٠٩ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ ـ ١٦٣١ ، الوسائل ٩ : ٢١٠ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٢ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٣٦ ـ ١١٢٤ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥١ ـ ١٢٢١ ، قرب الإسناد : ١٠٧ ، الوسائل ٩ : ٢٠٩ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٢.

٣٥٩

ومن ضرب بطير الأرض كان عليه دم ، وقيمة للحرم ، واخرى لاستصغاره.

______________________________________________________

المحرمين والمحلين في الحرم (١). وهو غير واضح ، وسيجي‌ء الكلام في حكم صيد الحرم في محله إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ومن ضرب بطير على الأرض كان عليه دم ، وقيمة للحرم ، واخرى لاستصغاره ).

الأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ ، عن موسى بن القاسم ، عن محمد بن أبي بكر ، عن زكريا ، عن معاوية بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم فضرب به الأرض فقتله قال : « عليه ثلاث قيمات : قيمة لإحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إيّاه » (٢) وهي ضعيفة السند بجهالة حال زكريا ومحمد بن أبي بكر ، فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل ، ومع ذلك فمقتضى الرواية وجوب ثلاث قيم ، لا دم وقيمتان ، وبمضمونها أفتى المصنف في النافع (٣) ، ونسب ما ذكره هنا إلى الشيخ (٤) ، وكان الحامل للشيخ على ذلك ورود الأخبار الكثيرة بوجوب الدم في الطير فيكون القيمة الواحدة كناية عنه ، وهو غير بعيد إلاّ أنّ الدم لا يجب في جميع أفراد الطير ، لأنّ الفداء في العصفور وشبهه كفّ من طعام.

وذكر الشهيد في الدروس أنّ الضمير في إيّاه يمكن عوده إلى الحرم وإلى الطير قال : وتظهر الفائدة فيما لو ضربه في الحل ، إلاّ أن يراد الاستصغار بالصيد المختص بالحرم (٥). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ ولا ريب في تعين إرادة ما ذكره ، لأنّ الضمير على الثاني لا يعود إلى الطير مطلقا وإنّما‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٩٠ ، الوسائل ٩ : ٢٤٢ أبواب كفارات الصيد ب ٤٥ ح ١.

(٣) المختصر النافع : ١٠٣.

(٤) النهاية : ٢٢٦ ، والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٥) الدروس : ١٠٢.

٣٦٠