مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

وأقسامه خمسة :

الأول : النعامة : وفي قتلها بدنة.

______________________________________________________

الأصل في اعتبار المماثلة قوله تعالى : ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (١) والمتبادر من المماثلة ما كان بحسب الصورة ، وهو يتحقق في مثل النعامة فإنّها تشابه البدنة ، وبقرة الوحش فإنّها تشابه البقرة الأهلية ، والظبي تشابه الشاة ، لكنه لا يتم في البيض مع أنّهم عدوه من ذوات الأمثال ، والأمر في التسمية هيّن بعد وضوح الحكم في نفسه ، وسيجي‌ء تفصيل الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وأقسامه خمسة ، الأول : النعامة وفي قتلها بدنة ).

هذا قول علمائنا أجمع ووافقنا عليه أكثر العامة (٢) ، ويدل عليه روايات : منها. صحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه قال في قول الله عزّ وجلّ ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) قال : « في النعامة بدنة » (٣). وصحيحة يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : المحرم يقتل نعامة ، قال : « عليه بدنة من الإبل » (٤).

والبدنة : هي الناقة على ما نصّ عليه الجوهري (٥) ، ومقتضاه عدم إجزاء الذكر ، وقيل بالإجزاء ، وهو اختيار الشيخ (٦) وجماعة (٧) ، نظرا إلى إطلاق اسم البدنة عليه كما يظهر من كلام بعض أهل اللغة (٨) ، ولقول‌

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) كالشربيني في مغني المحتاج ١ : ٥٢٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨١ ، الوسائل ٩ : ١٨١ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١٨٢ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٤.

(٥) الصحاح ٥ : ٢٠٧٧.

(٦) المبسوط ١ : ٣٣٩.

(٧) كالعلامة في التحرير ١ : ١١٥.

(٨) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط ٤ : ٢٠٢ ، وابن منظور في لسان العرب ١٣ : ٤٨.

٣٢١

ومع العجز تقوّم البدنة ويفضّ ثمنها على البر ، ويتصدق به لكل مسكين مدّان. ولا يلزم ما زاد عن ستين.

______________________________________________________

الصادق عليه‌السلام في رواية أبي الصّباح : « وفي النعامة جزور » (١). وفي الطريق ضعف (٢) ، والمتجه المنع من إجزاء الذكر إن لم يثبت إطلاق اسم البدنة عليه حقيقة.

قوله : ( ومع العجز تقوّم البدنة ويفضّ ثمنها على البر ، فيتصدق به ، لكل مسكين مدّان ، ولا يلزم ما زاد عن ستين ).

ما اختاره المصنف من الانتقال مع العجز عن البدنة إلى التصدق بالبرّ على هذا الوجه قول أكثر الأصحاب ، ويدل عليه صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الّذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النعم دراهم ، ثمّ قوّمت الدراهم طعاما ، لكل مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما » (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم وزرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في محرم قتل نعامة قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستين مسكينا لم يزد على طعام ستين ، وإن كانت قيمة البدنة أقل من طعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلاّ قيمة البدنة » (٤).

ويستفاد من هذه الرواية أنّ قيمة البدنة لو زادت عن إطعام الستين لم‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨٠ ، الوسائل ٩ : ١٨١ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٣.

(٢) لاشتماله على أبي الفضيل على ما في التهذيب ونسخة من الوسائل وهو مجهول ، أو على ابن الفضيل على ما في نسخة أخرى من الوسائل وهو محمد بن الفضيل الأزدي ضعيف يرمى بالغلو ـ راجع رجال الشيخ : ٣٨٩ ، ٣٦٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٢ ـ ١١١٠ ، الوسائل ٩ : ١٨٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٧.

٣٢٢

ولو عجز صام عن كل مدين يوما. وإن عجز صام ثمانية عشر يوما.

______________________________________________________

يجب عليه التصدق بالزائد ، ولو نقصت لم يجب عليه الإكمال ، لكن ليس فيها دلالة على تعيين المدّين لكل مسكين ، بل ربما ظهر منها الاكتفاء بالمد ، لأنّه المتبادر من الإطعام.

ومن ثمّ ذهب ابن بابويه (١) وابن أبي عقيل (٢) إلى الاكتفاء بذلك ، ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل ، فإن لم يجد ما يشتري به بدنة وأراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستين مسكينا كل مسكين مدّا ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما ، مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيّام » (٣). والعمل بهذه الرواية متجه وتحمل رواية أبي عبيدة المتضمنة لإطعام المدّين على الاستحباب.

ونقل عن أبي الصلاح أنّه جعل الواجب بعد العجز عن البدنة التصدق بالقيمة ، فإن عجز فضّها على البرّ (٤) ، ولم نقف له على مستند.

واعلم أنّه ليس في الروايات تعيين لإطعام البرّ ، ومن ثمّ اكتفى الشارح (٥) وغيره (٦) بمطلق الطعام ، وهو غير بعيد ، إلاّ أنّ الاقتصار على إطعام البرّ أولى ، لأنّه المتبادر من الطعام.

قوله : ( ولو عجز صام عن كل مدّين يوما ، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما ).

مقتضى العبارة وجوب صوم ستين يوما إلاّ أن ينقص قيمة البدنة عن إطعام الستين ، فيقتصر على صيام قدر ما وسعت من المساكين ، ويدل على‌

__________________

(١) نقله عنهما في المختلف : ٢٧٢.

(٢) نقله عنهما في المختلف : ٢٧٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٩ : ١٨٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١١.

(٤) الكافي في الفقه : ٢٠٥ ، ونقله عنه في المختلف : ٢٧١.

(٥) المسالك ١ : ١٣٤.

(٦) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٣٦٢.

٣٢٣

______________________________________________________

وجوب صيام اليوم عن كل مدّين قوله عليه‌السلام في صحيحة أبي عبيدة المتقدمة (١) : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما ».

وذهب ابن بابويه (٢) ، وابن أبي عقيل (٣) إلى الاكتفاء بصوم الثمانية عشر مع العجز عن الإطعام مطلقا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية المتقدمة : « فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما ، مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ».

ولما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ـ والظاهر أنّه ليث المرادي ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش قال : « عليه بدنة » قلت : فإن لم يقدر؟ قال : « يطعم ستين مسكينا » قلت : فإن لم يقدر على ما يتصدق به ، ما عليه؟ قال : « فليصم ثمانية عشر يوما » (٤).

وأجاب عنهما في المختلف باحتمال أن يكون السؤال وقع عمن لا يقدر على صوم الستين ، وأنّ قوله : « فليصم ثمانية عشر يوما » لا إشعار فيه بنفي الزائد (٥). ولا يخفى ما فيه.

فرع :

قال في المنتهى : لو بقي ما لا يعدل يوما كربع الصاع كان عليه صوم يوم كامل ، ولا نعلم فيه خلافا ، لأنّ صيام اليوم لا يتبعض ، والسقوط غير ممكن لشغل الذمة ، فيجب إكمال اليوم (٦). وهو حسن وإن أمكن المناقشة فيه بأنّ مقتضى الرواية أنّ صيام اليوم إنّما يجب بدلا عن نصف الصاع ، وهو‌

__________________

(١) في ص ٣٢٢.

(٢) المقنع : ٧٧.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٧٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٣ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٣.

(٥) المختلف : ٢٧٢.

(٦) المنتهى ٢ : ٨٢١.

٣٢٤

وفي الفراخ النعام روايتان ، إحداهما مثل ما في النعام ، والأخرى من صغار الإبل ، وهو أشبه.

الثاني : بقرة الوحش وحمار الوحش ، وفي قتل كل واحد منهما بقرة أهلية.

______________________________________________________

غير متحقق هنا.

قوله : ( وفي الفراخ النعامة روايتان : إحداهما مثل ما في النعامة ، والأخرى من صغار الإبل ، وهو أشبه ).

اختلف الأصحاب فيما يجب في فراخ النعامة ، فذهب الأكثر إلى أنّ الواجب فيه بقدره من صغار الإبل ، لقوله تعالى ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (١) والمماثلة تتحقق بالصغر (٢) ، وذكر المصنف أنّ بذلك رواية ، ولم نقف عليها في شي‌ء من الأصول ، ولا نقلها غيره في كتب الاستدلال.

وقال الشيخ في النهاية والمبسوط (٣) : إنّه يجب في فرخ النعامة ما يجب في النعامة ، لصحيحة أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا ، قال : « عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال » (٤). وهذا القول متجه لصحة مستنده ، والظاهر أنّه لا خلاف في إجزاء الكبير.

قوله : ( الثاني ، بقرة الوحش وحمار الوحش ، وفي قتل كل واحد منهما بقرة أهلية ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ويدل عليه روايات ، منها صحيحة‌

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) في « ض » ، « م » : بالصغير.

(٣) النهاية : ٢٢٥ ، والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٣ ـ ١٢٢٧ ، الوسائل ٩ : ١٨٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٩ بتفاوت يسير.

٣٢٥

ومع العجز يقوّم البقرة الأهلية ويفض ثمنها على البر ويتصدق به لكل مسكين مدّان. ولا يلزم ما زاد على ثلاثين.

______________________________________________________

حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال في قول الله عزّ وجلّ ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) قال : « في النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش بقرة ، وفي الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة » (١) ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : فإن أصاب بقرة أو حمار وحش ، ما عليه؟ قال : « عليه بقرة » (٢).

وأوجب الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في الحمار بدنة ، لرواية أبي بصير : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش فقال : « عليه بدنة » (٣) وصحيحة سليمان بن خالد قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « في الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعامة بدنة ، وفيما سوى ذلك قيمته » (٤).

ونقل عن ابن الجنيد أنّه خيّر في فداء الحمار بين البدنة والبقرة (٥) ، وهو جيد لما فيه من الجمع بين الأخبار.

قوله : ( ومع العجز يقوّم البقرة الأهلية ، ويفضّ ثمنها على البر ، ويتصدق به ، لكل مسكين مدّان ، ولا يلزم ما زاد على ثلاثين ).

أمّا وجوب فضّ ثمن البقرة على البرّ والتصدق به على هذا الوجه فيدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة أبي عبيدة المتقدمة : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الّذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨١ ، الوسائل ٩ : ١٨١ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ ـ ١١٨٦ ، الوسائل ٩ : ١٨٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٥ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨٢ ، الوسائل ٩ : ١٨١ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٢.

(٥) كما في المختلف : ٢٧٢.

٣٢٦

ومع العجز يصوم عن كل مدين يوما. وإن عجز صام تسعة أيام.

______________________________________________________

النعم دراهم ، ثمّ قومت الدراهم طعاما ، لكل مسكين نصف صاع » (١) فإنّه متناول للبدنة والبقرة وغيرهما.

وأمّا أنّه لا يلزم ما زاد على ثلاثين ، فيدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمّار : « ومن كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة ، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد فليصم تسعة أيّام » (٢) والمراد إطعام مدّ لكل مسكين كما تضمنه أوّل الرواية. ونحوه روى ابن بابويه ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام (٣).

ولو نقصت قيمة البقرة من إطعام الثلاثين لم يجب الإكمال ، لإطلاق الاجتزاء بالقيمة في رواية أبي عبيدة (٤). والمرجع في البقرة إلى ما يصدق عليه الاسم عرفا.

ولو كان المقتول فرخا منهما فالظاهر الاكتفاء بما في سنه من صغير البقر ، تمسكا بإطلاق الآية السالم من المعارض.

قوله : ( وإن عجز صام عن كل مدين يوما ، فإن عجز صام تسعة أيام ).

بل الأظهر الاكتفاء بصيام التسعة مطلقا كما اختاره المفيد (٥) والمرتضى (٦) وابن بابويه (٧) ، لروايتي معاوية بن عمّار ، وأبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام.

__________________

(١) في ص ٣٢٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٩ : ١٨٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣٣ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٣.

(٤) المتقدمة في ص ٣٢٢.

(٥) المقنعة : ٦٨.

(٦) جمل العلم والعمل : ١١٣.

(٧) المقنع : ٧٧.

٣٢٧

الثالث : في قتل الظبي شاة ، ومع العجز تقوّم الشاة ويفض ثمنها على البر ويتصدق به لكل مسكين مدّان. ولا يلزم ما زاد عن عشرة. وإن عجز صام عن كل مدين يوما. فإن عجز صام ثلاثة أيام.

وفي الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروي ، وقيل : فيه ما‌

______________________________________________________

قوله : ( الثالث ، في قتل الظبي شاة ، ومع العجز تقوّم الشاة ويفض ثمنها على البرّ ويتصدق به ، لكل مسكين مدّان ، ولا يلزم ما زاد على عشرة ).

لا خلاف في لزوم الشاة بقتل الظبي والانتقال مع العجز إلى فضّ ثمنها على البرّ والتصدّق به ، وقد تقدّم من الأخبار ما يدل عليه ، ويدل على عدم لزوم إطعام ما زاد عن العشرة إذا زادت قيمة الشاة عن ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمّار : « ومن كان عليه شاة فلم يجد ، فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيّام » (١) والأظهر الاكتفاء بإطعام المدّ لكلّ مسكين كما تضمنته الرواية. ولو نقصت قيمة الشاة عن إطعام العشرة لم يجب الإكمال ، لرواية أبي عبيدة المتضمنة للاجتزاء بالقيمة من غير تفصيل.

قوله : ( فإن عجز صام عن كل مدّين يوما ، فإن عجز صام ثلاثة أيام ).

الأظهر الاكتفاء بصوم الثلاثة مطلقا كما اختاره الأكثر لصحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة وغيرها من الأخبار (٢) ، ولا ينافي ذلك قوله عليه‌السلام في رواية أبي عبيدة : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما » (٣) لأنّا نجيب عنه بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلّة.

قوله : ( وفي الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروي ، وقيل فيه ما‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٣ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٩ : ١٨٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ ـ ١٦٢٦ ، الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.

٣٢٨

في الظبي.

______________________________________________________

في الظبي ).

لا خلاف بين الأصحاب في لزوم الشاة في قتل الثعلب والأرنب ، ويدل عليه روايات ، منها صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأرنب يصيبه المحرم فقال : « شاة هديا بالغ الكعبة » (١).

وصحيحة أحمد بن محمد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا فقال : « في الأرنب شاة » (٢).

ورواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل ثعلبا قال : « عليه دم » قلت : فأرنبا؟ قال : « مثل ما في الثعلب » (٣).

ويمكن المناقشة في لزوم الشاة في الثعلب إن لم يكن إجماعيا لضعف مستنده.

واختلف الأصحاب في مساواتهما للظبي في الأبدال من الإطعام والصيام ، فذهب الشيخان (٤) ، والمرتضى (٥) ، وابن إدريس (٦) إلى تساوي الثلاثة في ذلك ، واقتصر ابن الجنيد (٧) ، وابن بابويه (٨) ، وابن أبي عقيل (٩) على الشاة ، ولم يتعرضوا لأبدالهما.

والأصح ثبوت الأبدال فيهما كما في الظبي لقوله عليه‌السلام في صحيحة أبي عبيدة : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣٣ ـ ١١١٥ ، الوسائل ٩ : ١٨٩ أبواب كفارات الصيد ب ٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٧ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ ـ ١١٨٩ ، الوسائل ٩ : ١٨٩ أبواب كفارات الصيد ب ٤ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٦ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ ـ ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ ـ ١١٨٨ ، الوسائل ٩ : ١٩٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤ ح ٤.

(٤) المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٤٠.

(٥) جمل العلم والعمل : ١١٣.

(٦) السرائر : ١٣١.

(٧ ، ٨ ، ٩) نقله عنهم في المختلف : ٢٧٣.

٣٢٩

والأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير ، وقيل : على الترتيب ، وهو الأظهر.

______________________________________________________

الّذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النعم دراهم » (١) فإنّ الجزاء متناول للجميع ، وفي صحيحة معاوية بن عمّار : « ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيّام » (٢) وهي متناولة للجميع أيضا.

وقوّى الشارح عدم إلحاقهما بالظبي في الأبدال ، ثمّ حكم بالانتقال مع العجز عن الشاة هنا إلى إطعام العشرة مساكين ، ثمّ صيام الثلاثة أيّام لهذه الرواية ، وقال : إنّ الفرق بين مدلول الرواية وبين إلحاقهما بالظبي يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين ، فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة ، وعلى الرواية يجب إطعام العشرة (٣).

ويتوجه عليه أنّ رواية أبي عبيدة المتضمنة للاقتصار على التصدق بقيمة الجزاء متناولة للجميع فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي ومنعه هنا ، مع أنّ اللازم ممّا ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي ، وهو بعيد جدّا.

قوله : ( والأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير ، وقيل : على الترتيب ، وهو الأظهر ).

المراد بالإبدال الثلاثة الفرد من النعم ، والإطعام ، والصيام ، وقد اختلف الأصحاب في كفارة جزاء الصيد في هذه الأقسام الثلاثة ، فذهب الأكثر كالشيخ في النهاية والمبسوط (٤) ، والمفيد (٥) ، والمرتضى (٦) ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٧ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٩ : ١٨٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١١.

(٣) المسالك ١ : ١٣٤.

(٤) النهاية : ٢٢٢ ، والمبسوط ١ : ٣٤٠.

(٥) المقنعة : ٦٨.

(٦) الانتصار : ١٠١.

٣٣٠

الرابع : في كسر بيض النعام ، إذا تحرك فيها الفرخ بكارة من الإبل‌

______________________________________________________

وغيرهم إلى أنها على الترتيب ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة أبي عبيدة : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر به قوّم جزاؤه من النعم دراهم ثمّ قوّمت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما » (١) وفي صحيحة محمد بن مسلم وزرارة : في محرم قتل نعامة « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا » (٢) وفي صحيحة معاوية بن عمّار : « من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل ، فإن لم يجد ما يشتري به بدنة وأراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستين مسكينا ، كل مسكين مدا ، فإن لم يقدر على ذلك صام » (٣) وذلك يدل على الترتيب.

وقال الشيخ في الخلاف (٤) وابن إدريس (٥) : إنّها على التخيير ، لقوله تعالى ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٦) ووضع أو للتخيير ، ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة حريز : « كل شي‌ء في القرآن « أو » فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن « فمن لم يجد فعليه كذا » فالأولى الخيار » (٧) ولا ريب أنّ الترتيب أولى ، وإن كان القول بالتخيير لا يخلو من قوة ، وتحمل الروايات على أفضلية المتقدم.

قوله : ( الرابع ، في كسر بيض النعام إذا تحرك فيها الفرخ بكارة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٧ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٢ ـ ١١١٠ ، الوسائل ٩ : ١٨٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٩ : ١٨٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١١.

(٤) الخلاف ١ : ٤٨٢.

(٥) السرائر : ١٣١.

(٦) المائدة : ٩٥.

(٧) الكافي ٤ : ٣٥٨ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٦ ، المقنع : ٧٥ ، الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب كفارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

٣٣١

لكل واحدة واحد. وقبل التحرك إرسال فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض فما نتج فهو هدي.

______________________________________________________

من الإبل ، لكل واحدة واحد ).

البكر : الفتي من الإبل ، والأنثى بكرة ، والجمع بكرات وبكار وبكارة ، قاله في الجمهرة ، ونحوه قال في القاموس (١). وإنما جمع المصنف الجزاء هنا بلفظ البكارة بسبب جمعه البيض ، والمراد أنّ في كل بيضة بكرا أو بكرة ، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن علي بن جعفر ، قال : سألت أخي عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ قد تحرك ، فقال : « عليه لكل فرخ تحرك بعير ينحره في المنحر » (٢).

وفي الصحيح عن سليمان بن خالد قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « في كتاب علي عليه‌السلام : في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل » (٣).

وهذه الرواية وإن كانت مطلقة في وجوب البكرة في بيض النعام إلاّ أنّها محمولة على حالة التحرك جمعا بين الأدلة.

ولو ظهرت البيضة فاسدة أو الفرخ ميتا لم يلزم شي‌ء ، كما نصّ عليه في المنتهى (٤) ، لأنّه بمنزلة الحجر.

قوله : ( وقبل التحرك إرسال فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض ، فما نتج فهو هدي ).

المراد أنّ الإناث بعدد البيض وأمّا الذّكور فلا تقدير لها ، إلاّ ما‌

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٣٩٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ـ ١٢٣٤ ، الوسائل ٩ : ٢١٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ـ ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ ـ ٦٩١ ، الوسائل ٩ : ٢١٧ أبواب كفارات الصيد ب ٢٤ ح ٤ ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٨٩ ـ ٥.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٢٣.

٣٣٢

______________________________________________________

احتاجت إليها الإناث عادة ، ولا يكفي مجرد الإرسال حتى تشاهد كل واحدة قد طرقت من الفحل. ويشترط صلاحية الإناث للحمل. وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب أيضا ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه أن يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الإبل ، فإنّه ربّما فسد كله وربما خلق كله وربّما صلح بعضه وفسد بعضه ، فما ينتج الإبل فهو هدي بالغ الكعبة » (١).

وفي الصحيح ، عن أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم وطئ بيض نعام فشدخها ، قال : « قضى فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الإناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة » قال ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « وما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابتك وأنت محرم فعليك فداؤه » (٢).

وروى الشيخ مرسلا أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له : يا أمير المؤمنين إنّي خرجت محرما فوطئت ناقتي بيض نعام فكسرته ، فهل عليّ كفّارة؟ فقال له : « امض فاسأل ابني الحسن عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدم إليه الرجل فسأله ، فقال له الحسن عليه‌السلام : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما ينتج فهو هدي لبيت الله تعالى » فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا بني كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإبل ربّما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟! » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربّما أمرق أو كان فيه ما‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٤ ـ ١٢٣٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ ـ ٦٨٥ ، الوسائل ٩ : ٢١٤ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ـ ١٢٣٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ٩ : ٢١٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٢.

٣٣٣

ومع العجز عن كل بيضة شاة. ومع العجز إطعام عشرة مساكين. وإن عجز صام ثلاثة أيام.

______________________________________________________

يمرق » فتبسم أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : « صدقت يا بني ، ثمّ تلا : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) (٢).

ويستفاد من رواية أبي الصباح المتقدمة وغيرها (٣) أنّه لا فرق بين كسر البيضة بنفسه أو بدابّته ، وأنّه لا يجب تربية النتاج بل يجوز صرفه من حينه.

وليس في الأخبار ولا في كلام أكثر الأصحاب تعيين لمصرف هذا الهدي ، والظاهر أنّ مصرفه مساكين الحرم كما في مطلق جزاء الصيد مع إطلاق الهدي عليه في الآية الشريفة. وجزم الشارح في الروضة بالتخيير بين صرفه في مصالح الكعبة ومعونة الحاج كغيره من أموال الكعبة (٤). وهو غير واضح.

قوله : ( ومع العجز عن كل بيضة شاة ، ومع العجز إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيّام ).

المستند في هذه الأبدال ما رواه الشيخ ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو محرم ، قال : « يرسل الفحل في الإبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كله ويصلح كله؟ قال : « ما ينتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء ، فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكل مسكين مدّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام » (٥) وفي طريق هذه الرواية سهل بن زياد ، وهو ضعيف إلاّ أنّ ظاهر‌

__________________

(١) آل عمران : ٣٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٤ ـ ١٢٣١ ، الوسائل ٩ : ٢١٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٢١٤ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣.

(٤) الروضة البهية ٢ : ٣٣٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٤ ـ ١٢٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ ـ ٦٨٤ ، الوسائل ٩ : ٢١٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٥.

٣٣٤

الخامس : في كسر بيض القطا والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم ، وقيل : عن البيضة مخاض من الغنم.

______________________________________________________

الأصحاب الاتفاق على العمل بمضمونها ، ولعله الحجة.

قوله : ( الخامس ، في كسر بيض القطا والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم ، وقيل : عن البيضة مخاض من الغنم ).

الأصح ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من الاكتفاء في بيض القطا بالصغير من الغنم ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة سليمان بن خالد : « في كتاب علي عليه‌السلام : في بيض القطاة بكارة من الغنم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل » (١) وقد عرفت أنّ البكر هو الفتيّ ، فيتحقق بالصغير ، ويؤيده صحيحة سليمان بن خالد المتضمنة للاكتفاء في القطاة نفسها بالحمل الفطيم ، وإذا اكتفي بالحمل في البائض ، ففي البيض أولى.

والقول بوجوب المخاض للشيخ (٢) وجماعة ، وقد رواه في التهذيب عن سليمان بن خالد بطريق فيه عدة من الضعفاء (٣) ، ومع ذلك فاللازم منه زيادة فداء البيض عن فداء بائضه ، وهو بعيد جدا ، وعلى ما اخترناه فالإشكال منتف ، إذ غاية ما يلزم منه تساوي الصغير والكبير في الفداء ، ولا محذور فيه.

وأمّا بيض القبج ـ بسكون الباء وهو الحجل ـ فلم أقف فيه بخصوصه على نصّ ، والأجود إلحاقه ببيض الحمام كما اختاره ابن البرّاج (٤) ، لأنّه صنف منه.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ ـ ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ ـ ٦٩١ ، الوسائل ٩ : ٢١٧ أبواب كفارات الصيد ب ٢٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٧ ، والمبسوط ١ : ٣٤٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٦ ـ ١٢٣٩ ، الوسائل ٩ : ٢١٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢٥ ح ٤.

(٤) المهذب ١ : ٢٢٤.

٣٣٥

وقبل التحرك إرسال فحولة الغنم في إناث منها بعدد البيض ، فما نتج فهو هدي ، فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام.

______________________________________________________

قوله : ( وقبل التحرك ، إرسال فحولة الغنم في إناث منها بعدد البيض ، فما نتج فهو هدي ).

هذا مذهب الأصحاب ، لا أعلم فيه مخالفا ، واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن منصور بن حازم وسليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قالا : سألناه عن محرم وطئ بيض القطاة فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدّة البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدّة البيض من الإبل » (١) وهي محمولة على ما إذا لم يكن تحرك الفرخ ، كما ذكره الشيخ في التهذيب (٢) ، واستدل عليه بما رواه في الصحيح ، عن سليمان بن خالد ، أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « في كتاب علي : في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام » (٣).

قوله : ( فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام ).

هذا الحكم ذكره الشيخ في جملة من كتبه (٤) ، وتبعه عليه المصنف والجماعة ، ولم نقف له على مستند ، ومقتضى المماثلة أنّه يجب مع العجز عن الإرسال شاة ، فإن عجز عنها أطعم عشرة مساكين ، فإن عجز عنها صام ثلاثة أيّام.

وحكى العلامة في المنتهى عن ابن إدريس أنّه فسّر كلام الشيخ بذلك ، وقال : إنّه لا استبعاد فيه إذا قام الدليل عليه (٥). ثمّ قال في المنتهى : وعندي في ذلك تردد ، فإنّ الشاة يجب مع تحرك الفرخ لا غير ، بل ولا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٦ ـ ١٢٣٧ ، الوسائل ٩ : ٢١٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٧ ـ ١٢٤٠ ، الوسائل ٩ : ٢١٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢٥ ح ٢.

(٤) النهاية : ٢٢٧ ، والمبسوط ١ : ٣٤٥.

(٥) المنتهى ٢ : ٨٢٤.

٣٣٦

الثاني : ما لا بدل له على الخصوص ، وهو خمسة أقسام :

الأول : الحمام ، وهو اسم لكل طائر يهدر ويعبّ الماء ، وقيل : كل مطوّق.

______________________________________________________

يجب شاة كاملة بل صغيرة على ما بيناه ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه ، والأقرب أنّ مقصود الشيخ بمساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو الصيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكن من الإطعام (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وللتوقف في هذا الحكم من أصله مجال ، لعدم وضوح مستنده.

قوله : ( الثاني ، ما لا بدل له على الخصوص ، وهو خمسة أقسام : الأول : الحمام ، وهو اسم لكل طائر يهدر ويعبّ الماء ، وقيل كل مطوّق ).

هذا القول المحكي موجود في كلام الجوهري (٢) وصاحب القاموس (٣) ، وحكاه في المنتهى عن الكسائي (٤).

أمّا التعريف الأوّل ، فذكره الشيخ (٥) وجمع من الأصحاب ، ولم أقف عليه فيما وصل إلينا من كلام أهل اللغة. ومعنى يهدر : تواتر صوته ، ومعنى يعبّ الماء ـ بالعين المهملة ـ : يشربه من غير مصّ ، ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير. والّذي تقتضيه القواعد وجوب الحمل على المعنى العرفي إن لم يثبت اللغوي.

وصرّح العلامة في المنتهى بدخول الفواخت والوراشين والقمري‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٢٤.

(٢) الصحاح ٥ : ١٩٠٦.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ١٠١.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٢٤.

(٥) المبسوط ١ : ٣٤٦.

٣٣٧

وفي قتلها شاة على المحرم ، وعلى المحل في الحرم درهم.

______________________________________________________

والدّبسي والقطا في الحمام (١) ، وهو مشكل.

قوله : ( وفي قتلها شاة على المحرم ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حكاه في المنتهى (٢) ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن سنان ، وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه قال في محرم ذبح طيرا : « إنّ عليه دم شاة يهريقه ، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن » (٣).

وفي الحسن عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة ، وإن قتل فراخه ففيها حمل ، وإن وطئ البيض فعليه درهم » (٤).

والمراد أنّه يجب على المحرم بقتل الحمام شاة من حيث الإحرام ، ولا ينافي ذلك لزوم شي‌ء آخر إذا كان في الحرم. وسيأتي في كلام المصنف التصريح بأنّ ذلك إذا وقع في الحرم يجتمع عليه فداء الإحرام والحرم ، وهو الموجب لترك التقييد هنا.

قوله : ( وعلى المحل في الحرم درهم ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، والمستند فيه ما رواه الكليني في الصحيح ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيضة ربع درهم » (٥).

وفي الصحيح ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن الرضا‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٢٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٢٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٦ ـ ١٢٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ ـ ٦٨٢ ، الوسائل ٩ : ١٩٤ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٥ ـ ١١٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٠ ـ ٦٧٨ ، الوسائل ٩ : ١٩٣ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٨٩ ـ ١.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٤ ـ ١٠ ، الوسائل ٩ : ١٩٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٥.

٣٣٨

وفي فرخها للمحرم حمل ،

______________________________________________________

عليه‌السلام قال : « من أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه القيمة ، والقيمة درهم يشتري به علفا لحمام الحرم » (١).

وربّما ظهر من هذه الرواية وجوب التصدق بالقيمة سواء زادت عن الدرهم أو نقصت ، وأنّ سبب التنصيص على الدرهم كونه قيمة عنها وقت السؤال ، ويؤيده قول الصادق عليه‌السلام في حسنة الحلبي : « فإن قتلها ـ يعني الحمامة في الحرم وليس بمحرم ـ فعليه ثمنها » (٢) وفي حسنة معاوية بن عمّار : « وإن أصبته ـ يعني الصيد ـ وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة » (٣).

وقال العلامة في المنتهى : إنّ الأحوط وجوب أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة (٤). وهو كذلك وإن كان المتجه اعتبار القيمة مطلقا.

وذكر المحقق الشيخ علي : أنّ إجزاء الدرهم في الحمام مطلقا وإن كان مملوكا في غاية الإشكال ، لأنّ المحل إذا قتل المملوك في غير الحرم يلزمه قيمته السوقية بالغة ما بلغت ، فكيف يجزي الأنقص في الحرم (٥)؟ وهذا الإشكال إنّما يتجه إذا قلنا إن فداء المملوك لمالكه ، لكن سيأتي إن شاء الله أنّ الأظهر كون الفداء لله تعالى ، وللمالك القيمة السوقية ، فلا بعد في أن يجب لله تعالى في حمام الحرم أقلّ من القيمة مع وجوبها للمالك.

قوله : ( وفي فرخها للمحرم حمل ).

الحمل : بالتحريك من أولاد الضأن ، ما له أربعة أشهر فصاعدا ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٣ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ١٩٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٩ ، الوسائل ٩ : ١٩٨ أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٢٤١ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ٥.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٢٥.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٨٠.

٣٣٩

وللمحل في الحرم نصف درهم.

ولو كان محرما في الحرم اجتمع الأمران.

______________________________________________________

والأصح الاكتفاء بالجدي أيضا ، وهو من أولاد المعز ما بلغ سنّه كذلك. لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن » (١) واللاّم في قول المصنف : وفي فرخها للمحرم حمل ، بمعنى على ، وهو جائز في اللغة ، بل واقع في القرآن الكريم قال الله تعالى ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها ) (٢) أي فعليها.

قوله : ( وللمحل في الحرم نصف درهم ).

يدل على ذلك روايات كثيرة ، منها صحيحة حفص بن البختري المتقدمة ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فرخين مسرولين ذبحتهما وأنا بمكّة محل ، فقال لي : « لم ذبحتهما؟ » فقلت : جاءتني بهما جارية من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما ، فظننت أنّي بالكوفة ولم أذكر الحرم ، فقال : « عليك قيمتهما » قلت : كم قيمتهما؟ قال : « درهم وهو خير منهما » (٣) وفي صحيحة أخرى لعبد الرحمن بن الحجاج : « في قيمة الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيضة ربع درهم » (٤).

قوله : ( ولو كان محرما في الحرم اجتمع عليه الأمران ).

أي ولو كان القاتل محرما في الحرم اجتمع عليه الشاة والدرهم في الحمامة ، والحمل ونصف الدرهم في الفرخ ، وإنّما اجتمعا عليه لأنّه هتك‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ ـ ١٢٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ ـ ٦٨٢ ، الوسائل ٩ : ١٩٤ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٦.

(٢) الإسراء : ٧.

(٣) الكافي ٤ : ٢٣٧ ـ ٢١ ، الفقيه ٢ : ١٧١ ـ ٧٤٨ ، التهذيب ٥ : ٣٤٦ ـ ١٢٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ ـ ٦٨١ ، الوسائل ٩ : ١٩٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٧ ، بتفاوت يسير بينهما.

(٤) الفقيه ٢ : ١٧١ ـ ٧٥٤ ، الوسائل ٩ : ١٩٥ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ١.

٣٤٠