مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

فهذا يبعث ما ساقه. ولو لم يسق بعث هديا أو ثمنه. ولا يحل حتى يبلغ الهدي محلّه ، وهو منى إن كان حاجّا ، أو مكة إن كان معتمرا.

______________________________________________________

يستعملون اللفظين أعني المحصر والمحصور ، هو جائز على رأي الفرّاء ، وإن كان ما عبّر به المصنف أولى ، للاتفاق على جوازه. والكلام فيما يتحقق به الحصر كما تقدم في الصدّ وإن كان التحلل هنا أظهر لثبوته بنص القرآن.

قوله : ( فهذا يبعث ما ساقه ، ولو لم يسق بعث هديا أو ثمنه ، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محلّه ، وهو منى إن كان حاجا ، أو مكة إن كان معتمرا ).

الكلام في الاكتفاء بالهدي المسوق هنا كما تقدم في الصدّ ، وقد أجمع العلماء كافة على أن المحصر يتحلل بالهدي ، ثم اختلفوا فذهب أكثر علمائنا إلى أنه يجب عليه بعثه إلى منى إن كان حاجا وإلى مكة إن كان معتمرا ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه. ونقل عن ابن الجنيد أنه خيّر المحصر بين البعث وبين الذبح حيث أحصر (١). وعن الجعفي أنه قال : يذبح مكان الإحصار ما لم يكن ساق (٢). وعن سلاّر أن المتطوّع ينحر مكانه ويتحلل حتى من النساء ، والمفترض يبعث ولا يتحلل من النساء (٣).

احتج القائلون بوجوب البعث بظاهر قوله تعالى ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٤) وهي غير صريحة في ذلك ، لاحتمال أن يكون معناه : حتى تنحروا هديكم حيث حبستم كما هو المنقول من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وبما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ورفاعة ، عن الصادقين عليهما‌السلام أنهما قالا : « القارن يحصر وقد قال : وأشترط فحلّني حيث حبستني » قال : « يبعث بهديه » قلنا : أيتمتع في‌

__________________

(١) نقله في المختلف : ٣١٧.

(٢) نقله في الدروس : ١٤١.

(٣) المراسم : ١١٨.

(٤) البقرة : ١٩٦.

٣٠١

______________________________________________________

قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه » (١).

وما رواه الكليني في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أحصر بعث بهديه فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليمض إن ظنّ أنه يدرك الناس ، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك وينحر هديه ولا شي‌ء عليه ، وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة » قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال : « يحج عنه إن كانت حجة الإسلام ويعتمر إنما هو شي‌ء عليه » (٢).

وفي الموثق ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء ، والمحصور يبعث بهديه ويعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه » (٣).

وفي الصحيح ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : وسألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي قال : « يواعد أصحابه ميعادا ، إن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر فإذا كان يوم النحر فليقصّر من رأسه ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك ، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار وصول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصّر وأحلّ ، وإن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج (٤) فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة أو أقام مكانه حتى يبرأ إذا كان في عمرة وإذا بري‌ء فعليه العمرة واجبة وإن كان عليه الحج فرجع إلى أهله أو أقام ففاته الحج فإن عليه الحج من قابل ، وإن الحسين بن علي عليهما‌السلام خرج معتمرا فمرض في‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٣ ـ ١٤٦٨ ، الوسائل ٩ : ٣٠٧ أبواب الإحصار والصد ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٠ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠٦ أبواب الإحصار والصد ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧١ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٤ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٥.

(٤) في المصدر : بعد ما أحرم.

٣٠٢

______________________________________________________

الطريق فبلغ عليا عليه‌السلام ذلك وهو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا وهو مريض بها فقال : يا بنيّ ما تشتكي؟ فقال : أشتكي رأسي فدعا عليّ عليه‌السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة فلما بري‌ء من وجعه اعتمر » قلت : أرأيت حين بري‌ء من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلّ له النساء؟ قال : « لا يحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة » قلت : فما بال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رجع من الحديبية حلّت له النساء ولم يطف بالبيت؟ قال : « ليسا سواء كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصدودا والحسين عليه‌السلام محصورا » (١) وهذه الرواية لا تدل على وجوب البعث إذا وقع الإحصار بعد الإحرام بل مقتضى قوله عليه‌السلام : « وإن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة » وجوب النحر في مكان الإحصار وكذا فعل أمير المؤمنين بالحسين عليهما‌السلام ، وعلى هذا فيمكن حمل قوله عليه‌السلام في أول الرواية فيمن أحصر فبعث الهدي فواعد أصحابه يوما على الهدي المتطوع به إذا بعثه المريض من منزله.

ويدل على جواز الذبح في موضع الحصر ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المحصور ولم يسق الهدي قال : « ينسك ويرجع » قيل : فإن لم يجد هديا؟ قال : « يصوم » (٢).

وفي الصحيح ، عن رفاعة بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « خرج الحسين عليه‌السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب الإحصار والصد ب ٢ ح ١ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٤٢١ ـ ١٤٦٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٠٥ ـ ١٥١٤ ، الوسائل ٩ : ٣١٠ أبواب الإحصار والصد ب ٧ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٧٠ ـ ٥.

٣٠٣

فإذا بلغ قصّر وأحلّ إلا من النساء خاصة ، حتى يحج في القابل إن كان واجبا ، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا.

______________________________________________________

فقال : عليّ عليه‌السلام : ابني وربّ الكعبة افتحوا له ، وكانوا قد حموا الماء فأكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد » (١).

وروى ابن بابويه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « المحصور والمضطر ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه » (٢). والمسألة محل إشكال وإن كان القول بالتخيير مطلقا كما اختاره ابن الجنيد (٣) خصوصا لغير السائق لا يخلو من قوة.

قوله : ( فإذا بلغ قصّر وأحل إلا من النساء خاصة حتى يحج في القابل إن كان واجبا ، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا ).

أما أنه لا تحل له النساء بالذبح والتقصير حتى يحج في القابل فيدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « المصدود تحل له النساء ، والمحصور لا تحل له النساء » (٤).

وقوله في صحيحة معاوية أيضا قلت : أرأيت حين يبرأ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حل له النساء؟ قال : « لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة » (٥).

وأما الاكتفاء بالاستنابة في طواف النساء في الحج المندوب فأسنده في‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٣٠٥ ـ ١٥١٥ ، الوسائل ٩ : ٣٠٩ أبواب الإحصار والصد ب ٦ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٠٥ ـ ١٥١٣ ، المقنع : ٧٦ ، الوسائل ٩ : ٣٠٩ أبواب الإحصار والصد ب ٦ ح ٣.

(٣) المختلف : ٣١٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ ـ ١٥١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٣ ـ ١٤٦٧ ، المقنع : ٧٧ ، معاني الأخبار : ٢٢٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٣٠٣ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٢١ ـ ١٤٦٥ ، الوسائل ٩ : ٣٠٣ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٣.

٣٠٤

______________________________________________________

المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ولم يستدل عليه بشي‌ء (١).

واستدل عليه جمع من المتأخرين بأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه ، والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم ، فاكتفى في الحل بالاستنابة في طواف النساء. وهو مشكل جدا ، لإطلاق قوله عليه‌السلام : « لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ».

وكذا الإشكال في إلحاق الواجب غير المستقر بالمندوب كما ذكره الشارح (٢) ـ قدس‌سره ـ بل الإشكال فيه أقوى.

وألحق العلامة في القواعد بالحج المندوب الحج الواجب مع العجز عنه (٣) ، وفي الدروس حكاه قولا فقال : قيل أو مع عجزه في الواجب (٤). وهو يقتضي التردد فيه ، وهو في محله ، وإن كان القول بالجواز فيه غير بعيد ، دفعا للحرج والضرر اللازم من البقاء على التحريم.

واعلم أن إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العمرة بين المفردة والمتمتع بها ، وقال في الدروس : ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له ، إذ لا طواف لأجل النساء فيها (٥). وقواه المحقق الشيخ علي (٦) ، ومال إليه جدي قدس‌سره (٧) ، وهو غير واضح ، إذ ليس فيما وصل إلينا من الروايات تعرض لذكر طواف النساء ، وإنما المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار وغيرها توقف حل النساء في المحصور على الطواف والسعي ، وهو متناول للحج والعمرتين.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٥٠.

(٢) المسالك ١ : ١٣١.

(٣) القواعد ١ : ٩٣.

(٤) الدروس : ١٤١.

(٥) الدروس : ١٤١.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٧٨.

(٧) المسالك ١ : ١٣١.

٣٠٥

ولو بان أن هديه لم يذبح لم يبطل تحلّله وكان عليه ذبح هدي في القابل.

______________________________________________________

ومن هنا يظهر أن ما ذكره المحقق الشيخ علي أيضا من أن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن (١) ، غير جيد أيضا.

قوله : ( ولو بان أن هديه لم يذبح لم يبطل تحلّله وكان عليه ذبح هدي في القابل ).

لا خلاف (٢) في عدم بطلان تحلله إذا تبيّن عدم ذبح هديه ، لأن تحلله وقع بإذن الشارع ، فلا يتعقبه البطلان ، ويدل عليه صريحا قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « فإن ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل لم يكن عليه شي‌ء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا » (٣).

ويستفاد من هذه الرواية وجوب الإمساك عن محرمات الإحرام إذا بعث الهدي في القابل ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والمبسوط (٤) ، وقال ابن إدريس : لا يجب عليه الإمساك عما يمسك عنه المحرم لأنه ليس بمحرم (٥). واستوجهه المصنف في النافع (٦) والعلامة في المختلف وقال : إن الأقرب عندي حمل الرواية على الاستحباب ، جمعا بين النقل وما قاله ابن إدريس (٧). ويشكل بأن ما ذكره ابن إدريس لا يصلح معارضا للنقل ، والمسألة محل تردد!

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٧٨.

(٢) في « ض » : لا ريب.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٢١ ـ ١٤٦٥ ، الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب الإحصار والصد ب ٢ ح ١.

(٤) النهاية : ٢٨٢ ، والمبسوط ١ : ٣٣٥.

(٥) السرائر : ١٥١.

(٦) المختصر النافع : ١٠٠.

(٧) المختلف : ٣١٧.

٣٠٦

ولو بعث هديه ثم زال العارض لحق بأصحابه. فإن أدرك أحد الموقفين في وقته فقد أدرك الحج ، وإلا تحلل بعمرة وعليه في القابل قضاء الواجب. ويستحب قضاء الندب.

والمعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر ، وقيل : في الشهر الداخل.

______________________________________________________

واعلم أنه ليس في الرواية ولا في كلام من وقفت على كلامه من الأصحاب تعيين وقت الإمساك صريحا ، وإن ظهر من بعضها أنها من حين البعث ، وهو مشكل ، ولعل المراد أنه يمسك من حين إحرام المبعوث معه الهدي.

قوله : ( ولو بعث هديه ثم زال العارض لحق بأصحابه ، فإن أدرك أحد الموقفين في وقته فقد أدرك الحج ، وإلا تحلل بعمرة وعليه في القابل قضاء الواجب ، ويستحب قضاء الندب ).

لا ريب في وجوب اللحاق مع زوال العارض ، لأنه محرم بأحد النسكين فيجب عليه إتمامه مع الإمكان والتقدير أنه متمكن ، ثم إن أدرك اضطراري المشعر فقد أدرك الحج ، وإن لم يدركه فقد فاته الحج ووجب عليه التحلل بالعمرة وقضاء الواجب المستقر دون غيره ، وهذه الأحكام كلها معلومة مما سبق.

واعلم أن إطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في وجوب التحلل بالعمرة مع الفوات بين أن يتبين وقوع الذبح عنه وعدمه ، وبهذا التعميم صرح الشهيدان (١) ، نظرا إلى أن التحلل بالهدي إنما يحصل مع عدم التمكن من العمرة ، أما معها فلا ، لعدم الدليل. ويحتمل عدم الاحتياج إلى العمرة إذا تبين وقوع الذبح عنه ، لحصول التحلل به.

قوله : ( والمعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر ، وقيل : في الشهر الداخل ).

__________________

(١) الشهيد الأول في الدروس : ١٤٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣١.

(٢) المسالك ١ : ١٣٢.

(٣) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٧٨.

٣٠٧

والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا ، وقيل : يأتي بما كان واجبا. وإن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وإن كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل.

______________________________________________________

ذكر الشارح (١) ـ قدس‌سره ـ وغيره (٢) أن الخلاف في هذه المسألة‌ يرجع إلى الخلاف في الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين ، ويمكن المناقشة فيه بعدم تحقق العمرة ، لتحلله منها ، فلا يعتبر في جواز الثانية تحلل الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين ، إلا أن يقال باعتبار مضي الزمان بين الإحرامين ، وسيجي‌ء تفصيل الكلام في ذلك. وإنما يجب قضاء العمرة مع استقرار وجوبها قبل ذلك كما هو ظاهر.

قوله : ( والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا ، وقيل : يأتي بما كان واجبا ، وإن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وإن كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل ).

ما اختاره المصنف من تعين القران والحال هذه مذهب الأكثر ، لصحيحة محمد بن مسلم ورفاعة ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني ، قال : « يبعث بهديه » قلت : هل يتمتع من قابل؟ قال : « لا ولكن يدخل بمثل ما خرج منه » (١).

قال في المنتهى : ونحن نحمل هذه الرواية على الاستحباب أو على أنه قد كان القران متعينا في حقه ، لأنه إذا لم يكن واجبا لم يجب القضاء ، فعدم وجوب الكيفية أولى (٢). وهو حسن.

والقول بوجوب الإتيان بما كان واجبا عليه والتخيير في المندوب لابن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٣ ـ ١٤٦٨ ، الوسائل ٩ : ٣٠٧ أبواب الإحصار والصد ب ٤ ح ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٥١.

٣٠٨

وروي أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ، ثم يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم. فإذا كان وقت المواعدة أحلّ ، لكن هذا لا يلبّي. ولو أتى بما يحرم على المحرم كفّر استحبابا.

______________________________________________________

إدريس (١) وجماعة (٢) ، وقوته ظاهرة.

قوله : ( وروي أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ثم يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم ، فإذا كان وقت المواعدة أحل ، لكن هذا لا يلبي ، ولو أتى بما يحرم على المحرم كفّر استحبابا ).

هذه الكيفية قد وردت في عدة روايات ، كصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبعث بالهدي تطوعا وليس بواجب ، قال : « يواعد أصحابه يوما فيقلدونه ، فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه » (٣).

وصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث بهديه مع قوم ليساق وواعدهم يوما يقلدون فيه هديهم ويحرمون فقال : « يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله » قلت : أرأيت إن اختلفوا في الميعاد وأبطؤا في المسير عليه وهو يحتاج أن يحل في اليوم الذي وعدهم فيه؟ قال : « ليس عليه جناح أن يحل في اليوم الذي وعدهم فيه » (٤).

وصحيحة هارون بن خارجة قال : إن أبا مراد بعث ببدنة وأمر الذي بعث بها معه أن يقلّد ويشعر في يوم كذا وكذا فقلت له : إنه لا ينبغي لك أن تلبس الثياب ، فبعثني إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وهو بالحيرة ، فقلت له :

__________________

(١) السرائر : ١٥١.

(٢) كالعلامة في التذكرة ١ : ٣٩٨ ، والشهيد الأول في الدروس : ١٤١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٤٠ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٦ ـ ١٥١٧ ، التهذيب ٥ : ٤٢٤ ـ ١٤٧٢ ، الوسائل ٩ ٣١٣ أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٢٤ ـ ١٤٧١ ، الوسائل ٩ : ٣١٣ أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ٤.

٣٠٩

______________________________________________________

إن أبا مراد فعل كذا وكذا وأنه لا يستطيع أن يدع الثياب لمكان أبي جعفر عليه‌السلام فقال : « مره فليلبس الثياب ولينحر بقرة يوم النحر عن لبسه الثياب » (١).

ورواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن ابن عباس وعليا كانا يبعثان بهديهما من المدينة ثم يتجردان ، وإن بعثا بهما من أفق من الآفاق واعدا أصحابهما بتقليدهما وإشعارهما يوما معلوما ، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم ، ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم ، إلا أنه لا يلبي إلا من كان حاجا أو معتمرا » (٢).

ورواية أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث بهدي مع قوم وواعدهم يوما يقلدون فيه هديهم ويحرمون فيه فقال : « يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعده حتى يبلغ الهدي محله » فقلت : أرأيت إن أخلفوا في ميعادهم وأبطؤا في السير ، عليه جناح في اليوم الذي واعدهم؟ قال : « لا ، ويحل في اليوم الذي واعدهم » (٣).

ورواية سلمة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام كان يبعث بهديه ثم يمسك عما يمسك عنه المحرم قال : غير أنه لا يلبي ويواعدهم يوم ينحر فيه بدنة فيحل » (٤).

وهذه الروايات مع استفاضتها وسلامة سند أكثرها ذكرها الأصحاب في كتبهم كالكليني وابن بابويه والشيخ وغيرهم وأفتوا بمضمونها فلا يلتفت إلى‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٤٠ ـ ٤ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ٤٢٥ ـ ١٤٧٤ ، الوسائل ٩ : ٣١٤ أبواب الإحصار والصد ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٤ ـ ١٤٧٣ ، الوسائل ٩ : ٣١٢ أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٩ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٣١٢ أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٥٤٠ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٣١٢ أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ٢.

٣١٠

______________________________________________________

إنكار ابن إدريس العمل بها زاعما بأن الشيخ أوردها في كتبه إيرادا لا اعتقادا (١).

ويستفاد من مجموعها أن من أراد بعث الهدي واعد أصحابه يوما لإشعاره أو تقليده فإذا حضر ذلك الوقت اجتنب ما يجتنبه المحرم لكن لا يلبي ويبقى على إحرامه إلى يوم النحر حين المواعدة فيحل. وعبارة المصنف قاصرة عن تأدية هذا المعنى بتمامه.

وذكر الشارح قدس‌سره : أن ملابسة تروك الإحرام بعد المواعدة للتقليد أو الإشعار مكروه لا محرم (٢). ويشكل بأن مقتضى روايتي الحلبي وأبي الصباح الكناني التحريم ، ولا معارض لهما يقتضي حملهما على الكراهة.

أما ما ذكره المصنف وغيره (٣) من استحباب التكفير بملابسة ما يوجبه على المحرم فلم أقف له على مستند ، وغاية ما يستفاد من صحيحة هارون المتقدمة أن من لبس ثيابه للتقية كفر ببقرة ، وهي مختصة باللبس ، ومع ذلك فحملها على الاستحباب يتوقف على وجود المعارض.

وروى ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام أن قال : « ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة؟ » فقيل له : لا يبلغ ذلك أموالنا فقال : « أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية ويأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت ويذبح عنه ، فإذا كان يوم عرفة ليس ثيابه وتهيأ وأتى المسجد فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس » (٤).

وليس في هذه الرواية مواعدة لإشعار الهدي ، ولا أمر باجتناب المرسل ما يجتنبه المحرم ، وإنما تضمنت استحباب إرسال ثمن الأضحية وأمر‌

__________________

(١) السرائر : ١٥١.

(٢) المسالك ١ : ١٣٢.

(٣) كالسيوري في التنقيح الرائع ١ : ٥٣٠.

(٤) الفقيه ٢ : ٣٠٦ ـ ١٥١٨ ، الوسائل ٩ : ٣١٣ أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ٦.

٣١١

المقصد الثاني : في أحكام الصيد.

الصيد : هو الحيوان الممتنع ، وقيل : بشرط أن يكون حلالا.

______________________________________________________

المرسل معه بذبحها وطواف أسبوع عنه ، ثم تهيّؤه في يوم عرفة بلبس ثيابه وإتيان المسجد واشتغاله بالدعاء حتى تغرب الشمس. والظاهر أن مراده بلبس الثياب لبس أحسن الثياب كما ورد الأمر بذلك في يوم الجمعة ويوم العيد ، وعلى هذا فيكون ما تضمنته هذه الرواية من الحكم مغايرا لما دلت عليه تلك الأخبار. ولو عمل عامل بمضمون هذه الرواية جاز وإن كانت مرسلة ، لأنه مطابق للعمومات ، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

قوله : ( المقصد الثاني ، في أحكام الصيد. الصيد : هو الحيوان الممتنع ، وقيل : يشترط أن يكون حلالا ).

لا يخفي أن المعرّف هنا هو الصيد المبحوث عنه في هذا المقام ـ وهو المحرّم على المحرم ـ وقد اختلف كلام المصنف وغيره في تعريفه ، فعرفه المصنف في النافع بأنه الحيوان المحلل الممتنع (١). وهو غير جيد ، لأن بعض أفراد غير المأكول محرم عنده قطعا. وعرفه هنا بأنه الحيوان الممتنع. والظاهر أن مراده الممتنع بالأصالة ، وإلا لدخل فيه ما توحش من الأهلي وامتنع كالإبل والبقر ، مع أن قتله جائز إجماعا ، وخرج عنه ما استأنس من الحيوان البري كالظبي مع تحريم قتله إجماعا.

والممتنع بإطلاقه يتناول المأكول وغيره ، وذكر الشارح أن هذا التعميم غير مراد للمصنف ـ رحمه‌الله ـ بل الظاهر من مذهبه أنه لا يحرم من غير المأكول غير الثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والزنبور (٢). ويتوجه عليه أن أقصى ما يدل عليه كلام المصنف إباحة قتل الأفعى والعقرب والفأرة وعدم وجوب الكفارة بقتل ما عدا هذه الأنواع الستة من أفراد غير المأكول ، ولا يلزم من ذلك إباحة قتله.

__________________

(١) المختصر النافع : ١٠١.

(٢) المسالك ١ : ١٣٣.

٣١٢

والنظر فيه : يستدعي فصولا. الأوّل : الصيد قسمان‌ فالأول ما لا‌

______________________________________________________

ونقل عن أبي الصلاح التصريح بتحريم قتل جميع الحيوان ما لم يخف منه أو يكن حية أو عقربا أو فأرة (١). ومراده بالحيوان الممتنع قطعا للنقص والإجماع على جواز ذبح (٢) غيره كما سيجي‌ء بيانه ، وعلى هذا فيكون مطابقا لما اقتضاه كلام المصنف هنا من التعميم ، ويدل عليه إطلاق قوله تعالى : ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (٣) وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة » (٤) وفي مرسلة حريز : « كلما خاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرها فليقتله ، فإن لم يردك فلا ترده » (٥) وفي حسنة الحلبي : « يقتل في الحرم والإحرام الأفعى والأسود الغدر (٦) وكل حية سوء والعقرب والفأرة » (٧) وفي رواية عمر بن يزيد : « واجتنب في إحرامك صيد البر كله » (٨).

ولا ينافي ذلك عدم ترتب الكفارة على قتل بعض أنواع غير المأكول إذ ليس من لوازم التحريم ترتب الكفارة كما هو واضح.

قوله : ( والنظر فيه يستدعي فصولا ، الأول : في أقسامه ، الصيد‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٠٣.

(٢) في « م » : قتل‌

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ١٢٧٣ ، علل الشرائع : ٤٥٨ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ١٢٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٨ ـ ٧١١ ، الوسائل ٩ : ١٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١.

(٦) في « ح » : العدو.

(٧) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ١٦٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٦.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٠٠ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ٩ : ٧٥ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ٥.

٣١٣

يتعلق به كفارة كصيد البحر ، وهو ما يبيض ويفرخ في الماء ، ومثله الدجاج الحبشي ،

______________________________________________________

قسمان ، فالأول ما لا يتعلق به كفارة كصيد البحر ، وهو ما يبيض ويفرخ في الماء ).

المراد بنفي الكفارة في هذا النوع جواز صيده كما صرح به في النافع (١) ، لأنه موضع وفاق ، بل قال في المنتهى : أجمع المسلمون كافة على تحليل صيد البحر صيدا وأكلا وبيعا وشراءا مما يحل أكله لا خلاف بينهم فيه (٢). وقد تقدم الكلام في هذه المسألة مفصلا.

قوله : ( ومثله الدجاج الحبشي ).

المراد أن الدجاج الحبشي كصيد البحر في عدم تعلق الكفارة به ـ بمعنى (٣) جواز ذبحه ـ وهو مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن دجاج الحبش فقال : « ليس من الصيد ، إنما الطير ما طار بين السماء والأرض وصف » (٤) وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « كلما لم يصف من الطير فهو بمنزلة الدجاج » (٥). ونقل عن الشافعي أنه أوجب في هذا النوع الفدية (٦) ، وهو باطل.

أما الدجاج الأهلي فقال في المنتهى : إنه يجوز ذبحه للمحرم والمحل‌

__________________

(١) المختصر النافع : ١٠١.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٠٠.

(٣) في « م » : وفي بدل بمعنى.

(٤) الفقيه ٢ : ١٧٢ ـ ٧٥٦ ، التهذيب ٥ : ٣٦٧ ـ ١٢٨٠ بتفاوت ، الوسائل ٩ : ٢٣٤ أبواب كفارات الصيد ب ٤٠ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ١٧٢ ـ ٧٦٢ ، الوسائل ٩ : ٢٣٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٠ ح ٥.

(٦) نقله عنه في الخلاف ١ : ٤٨٧.

٣١٤

وكذا النعم ولو توحشت.

ولا كفارة في قتل السباع ، ماشية كانت أو طائرة ، إلا الأسد فإن على قاتله كبشا إذا لم يرده ، على رواية فيها ضعف.

______________________________________________________

في الحرم وغيره بلا خلاف (١).

قوله : ( وكذا النعم ولو توحشت ).

هذا قول علماء الأمصار ، حكاه في المنتهى (٢) ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل روايات ، منها حسنة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المحرم يذبح البقر والإبل والغنم وكلما لم يصف من الطير » (٣) ورواية عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال : « نعم » (٤) ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يذبح في الحرم إلا الإبل والبقر والغنم والدجاج » (٥).

قوله : ( ولا كفارة في قتل السباع ، ماشية كانت أو طائرة ، إلا الأسد فإن على قاتله كبشا إذا لم يرده ، على رواية فيها ضعف ).

يمكن أن يريد بنفي الكفارة في قتل السباع عدم تحريم صيدها كما في صيد البحر ، ويمكن أن يريد معناه الحقيقي خاصة ويكون التحريم مستفادا من التعريف المتقدم ، لعدم المنافاة بين التحريم وانتفاء الكفارة ، وهو الظاهر من كلامه في النافع ، حيث حكم أولا بحل صيد البحر صريحا ثم غير الأسلوب وقال : ولا كفارة في قتل السباع. (٦).

وكيف كان فالأظهر سقوط الكفارة بقتل السباع مطلقا ، عملا بمقتضى الأصل السالم من المعارض.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٠٠.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٠٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٥ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٦٩ أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٥ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٠ أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٧٠ أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٥.

(٦) المختصر النافع : ١٠١.

٣١٥

وكذا لا كفارة فيما تولد بين وحشيّ وإنسيّ ، أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم ، ولو قيل : يراعى الاسم ، كان حسنا.

ولا بأس بقتل الأفعى والعقرب والفأرة

______________________________________________________

والرواية التي أشار إليها المصنف لم نقف عليها في شي‌ء من الأصول ، ولا نقلها أحد في كتب الاستدلال بهذا المضمون ، ولعله أشار بذلك إلى ما رواه الشيخ في التهذيب ، عن أبي سعيد المكاري قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل قتل أسدا في الحرم فقال : « عليه كبش يذبحه » (١) وحكى العلامة في المختلف عن الشيخ في الخلاف وابن بابويه وابن حمزة أنهم أوجبوا على المحرم إذا قتل الأسد كبشا لهذه الرواية (٢) وهي مع ضعف سندها (٣) إنما تدل على لزوم الكبش بقتله إذا وقع في الحرم لا مطلقا ، وحملها العلامة في المختلف على الاستحباب (٤) ، وهو أولى من القول بالوجوب وإن كان الأوفق بالأصول اطراحها رأسا.

قوله : ( وكذا لا كفارة فيما يتولد بين وحشي وإنسي ، أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم ، ولو قيل يراعى الاسم كان حسنا ).

الأصح ما اختاره المصنف رحمه‌الله ، لأن الحكم بلزوم الكفارة وقع معلقا على أشياء مخصوصة ، فما ثبت له الاسم تعلق به الحكم وإلا فلا.

قوله : ( ولا بأس بقتل الأفعى والعقرب والفأرة ).

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة ، فإنها توهي السقاء (٥) وتحرق‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٦ ـ ١٢٧٥ ، الوسائل ٩ : ٢٣٤ أبواب كفارات الصيد ب ٣٩ ح ١.

(٢) المختلف : ٢٧١.

(٣) لأن راويها كان وجها في الواقفة ـ راجع رجال النجاشي : ٣٨ ـ ٧٨.

(٤) المختلف : ٢٧١.

(٥) توهي السقاء أي تخرقه وهو فعل الفأرة ـ الصحاح ٦ : ٢٥٣١.

٣١٦

وبرمي الحدأة والغراب رميا.

______________________________________________________

على أهل البيت ، وأما العقرب فإن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مد يده إلى الحجر فلسعته عقرب فقال : لعنك الله لا برا تدعين ولا فاجرا ، والحية إن أرادتك فاقتلها وإن لم تردك فلا تردها ، والأسود الغدر (١) فاقتله على كل حال ، وارم الغراب رميا والحدأة على ظهر بعيرك »(٢).

وفي الحسن عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يقتل في الحرم والإحرام الأفعى ، والأسود الغدر (٣) ، وكل حية سوء ، والعقرب ، والفأرة وهي الفويسقة ، ويرجم الغراب والحدأة رجما ، فإن عرض لك لصوص امتنعت منهم » (٤).

قوله : ( وبرمي الحدأة والغراب رميا ).

الحدأة : كعنبة طائر معروف ، والجمع حداء وحدأ ، قاله في القاموس (٥). ويدل على جواز رمي الحدأة والغراب بأنواعه عن البعير وغيره حسنة الحلبي المتقدمة ، ولا ينافي ذلك تخصيص الحكم في رواية ابن عمار برميها عن البعير ، إذ لا منافاة بينهما توجب الجمع. ومقتضى الروايتين عدم جواز قتلهما إلا أن يفضي الرمي إليه ، ونقل عن ظاهر المبسوط الجواز (٦) ، وهو ضعيف.

وذكر المحقق الشيخ علي أنه ينبغي تقييد الغراب الذي يجوز رميه بالمحرّم الذي هو من الفواسق الخمس ، دون المحلّل لأنه محترم لا يعد من الفواسق (٧). وهو غير جيد ، لأن الحكم بجواز الرمي وقع معلقا على اسم‌

__________________

(١) في « ح » : العدو ، وقد تقرأ في بعض النسخ : العذر.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٣) في « ح » : العدو.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ١٦٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٦.

(٥) القاموس المحيط ١ : ١٢.

(٦) نقله في المسالك ١ : ١٣٣.

(٧) جامع المقاصد ١ : ١٧٩.

٣١٧

ولا بأس بقتل البرغوث.

وفي الزنبور تردد ، والوجه المنع ، ولا كفارة في قتله خطأ. وفي قتله عمدا صدقة ولو كفّ من طعام.

______________________________________________________

الغراب فيتناول الجميع ، لا على الفواسق ليختص بما ثبت له هذا الاسم.

قوله : ( ولا بأس بقتل البرغوث ).

للأصل ورواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا رآه قال : « نعم » (١).

وذهب جماعة منهم الشيخ في التهذيب (٢) والعلامة في جملة من كتبه (٣) إلى تحريم قتله ، لصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة (٤) وصحيحة زرارة : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم هل يحل رأسه أو يغتسل بالماء؟ فقال : « يحل رأسه ما لم يتعمد قتل دابة » (٥) وهذا القول لا يخلو من قوة. وعلى القولين فلا فدية له ، للأصل.

قوله : ( وفي الزنبور تردد ، والوجه المنع ، ولا كفارة في قتله خطأ ، وفي قتله عمدا صدقة ولو بكف من طعام ).

الأصح ما اختاره المصنف رحمه‌الله ، لصحيحة معاوية قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم قتل زنبورا ، قال : « إن كان خطأ فلا شي‌ء‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٤ ـ ٦ وفيه : أراده ، بدل رآه ، الوسائل ٩ : ١٦٤ أبواب تروك الإحرام ب ٧٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٠٠ ، والتذكرة ١ : ٣٣١ ، والتحرير ١ : ١١٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ١٢٧٣ ، علل الشرائع : ٤٥٨ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٦٦ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ ـ ١٠٩٢ ، المقنع : ٧٥ ، الوسائل ٩ : ١٥٩ أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٤.

٣١٨

ويجوز شراء القماري والدباسي وإخراجها من مكة على رواية. ولا يجوز قتلها ولا أكلها.

______________________________________________________

عليه » قلت : بل متعمدا ، قال : « يطعم شيئا من الطعام » (١) ومقتضى الرواية تعين الطعام لا الاجتزاء بمطلق الصدقة ، وبمضمونها أفتى المصنف ـ رحمه‌الله ـ في النافع (٢) ، وهو جيد. ولا يخفى أن المنع إنما يتوجه إلى العامد ، وإنما ذكر المصنف حكم الخطأ لدفع توهم مساواة الزنبور للصيد في اشتراك العامد والخاطى والناسي في لزوم الفدية بقتله.

قوله : ( ويجوز شراء القماري والدباسي وإخراجها من مكة على رواية ، ولا يجوز قتلها ولا أكلها ).

أما أنه لا يجوز قتل هذين النوعين ولا أكلهما فلا ريب فيه ، للأخبار الكثيرة الدالة على تحريم صيد الحرم المتناولة لهما ولغيرهما. وأما جواز شرائهما وإخراجهما من مكة فهو اختيار الشيخ في النهاية (٣) ، وذكر المصنف أن به رواية ، ولم نقف على رواية تتضمن الجواز صريحا ، ولعله أشار بذلك إلى ما رواه الشيخ ، عن عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء القماري يخرج من مكة والمدينة فقال : « ما أحب أن يخرج منها شي‌ء » (٤) وهي مع اختصاصها بالقماري غير صريحة في الجواز.

وقال ابن إدريس : لا يجوز إخراج هذين النوعين من الحرم كغيرهما من طيور الحرم (٥). وهو ظاهر اختيار الشيخ في التهذيب حيث قال : ولا يجوز أن يخرج شي‌ء من طيور الحرم من الحرم (٦). وهو المعتمد ، لصحيحة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ١٢٧١ ، الوسائل ٩ : ١٩٢ أبواب كفارات الصيد ب ٨ ح ٢.

(٢) المختصر النافع : ١٠١.

(٣) النهاية ٢٢٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٩ ـ ١٢١٢ ، الوسائل ٩ : ٢٠٤ أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٣ ، ورواها في الفقيه ٢ : ١٦٨ ـ ٧٣٤.

(٥) السرائر : ١٣١.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٩.

٣١٩

الثاني ما يتعلق به الكفارة ، وهو ضربان :

الأول : ما لكفارته بدل على الخصوص ، وهو كل ما له مثل من النعم ،

______________________________________________________

علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى عليه‌السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو إلى غيرها قال : « عليه أن يردها ، فإن ماتت فعليه ثمنها يتصدق به » (١).

وصحيحة زرارة : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة قال : « يرده إلى مكة » (٢).

ورواية يعقوب بن يزيد ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن تخرجه منها ما أدخلت ، وإذا أدخلت مكة فليس لك أن تخرجه » (٣).

ومتى قلنا بجواز الإخراج فأخرجا فالظاهر جواز إتلافهما للمحل ، لأن تجويز إخراجهما يلحقهما بغيرهما من الحيوانات التي لا حرمة لها ، ويحتمل استمرار التحريم للعموم وإن جاز الإخراج خاصة بالرواية ، وهو بعيد.

والقماري : جمع قمرية بالضم ضرب من الحمام ، والقمرة بالضم لون إلى الخضرة أو الحمرة فيه كدرة ، والدبس بالضم : جمع الأدبس من الطير الذي لونه بين السواد والحمرة ، ومنه الدبسي لطائر أدكن يقرقر ، ذكر ذلك في القاموس (٤).

قوله : ( الثّاني ، ما يتعلق به الكفّارة ، وهو ضربان ، الأول : ما لكفّارته بدل على الخصوص ، وهو كل ما له مثل من النعم ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٩ ـ ١٢١١ ، الوسائل ٩ : ٢٠٤ أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ١٧١ ـ ٧٤٩ ، الوسائل ٩ : ٢٠٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٩ ـ ١٢١٣ ، الوسائل ٩ : ٢٠٥ أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٥.

(٤) القاموس المحيط ٢ : ١٢٥ و ٢٢١.

٣٢٠