مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

______________________________________________________

الجنة » (١).

وروى الكليني في الصحيح ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ـ والظاهر أنه ليث المرادي ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « حدّ الروضة في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى طرف الظلال ، وحدّ المسجد إلى الأسطوانتين عن يمين المنبر إلى الطريق مما يلي سوق الليل » (٢).

وفي الصحيح ، عن محمد بن مسلم قال : سألته عن حد مسجد الرسول فقال : « الأسطوانة التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين من وراء المنبر عن يمين القبلة وكان من وراء المنبر طريق تمرّ فيه الشاة ويمرّ الرجل منحرفا وكانت ساحة المسجد من البلاط إلى الصحن » (٣).

وفي الصحيح ، عن معاوية بن وهب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة؟ فقال : « نعم » وقال : « وبيت عليّ وفاطمة عليهما‌السلام ما بين البيت الذي فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الباب الذي يحاذي الزّقاق إلى البقيع » قال : « فلو دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه أصاب منكبك الأيسر » ثمّ سمى سائر البيوت » (٤) وعن جميل بن دراج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصلاة في بيت فاطمة عليها‌السلام مثل الصلاة في الروضة؟ قال : وأفضل » (٥) وعن يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصلاة في بيت فاطمة عليها‌السلام أفضل أو في الروضة؟ قال : « في بيت فاطمة عليها‌السلام » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٥٣ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٧ ـ ١٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٠ أبواب المزار ب ٧ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٥٥٥ ـ ٦ ، الوسائل ٣ : ٥٤٦ أبواب أحكام المساجد ب ٥٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥٥٤ ـ ٤ ، الوسائل ٣ : ٥٤٦ أبواب أحكام المساجد ب ٥٨ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٥٥٥ ـ ٨ ، الوسائل ٣ : ٥٤٦ أبواب أحكام المساجد ب ٥٧ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٥٦ ـ ١٤ ، الوسائل ٣ : ٥٤٧ أبواب أحكام المساجد ب ٥٩ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ٥٥٦ ـ ١٣ ، الوسائل ٣ : ٥٤٧ أبواب أحكام المساجد ب ٥٩ ح ١.

٢٨١

وأن يصوم الإنسان بالمدينة ثلاثة أيام للحاجة ، وأن يصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة ، ففي ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأن يأتي المساجد بالمدينة ، كمسجد الأحزاب ومسجد الفتح‌

______________________________________________________

قوله : ( وأن يصوم الإنسان بالمدينة ثلاثة أيام للحاجة ، وأن يصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وفي ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة ـ وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط فيها نفسه حتى نزل عذره من السماء ـ وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس إلى التي تليها مما يلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلتك ويومك وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومصلاّه ليلة الجمعة فصلّ عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة وإن استطعت أن لا تتكلم بشي‌ء في هذه الأيام إلاّ ما لا بدّ لك منه ، ولا تخرج من المسجد إلاّ لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل فإن ذلك مما يعدّ فيه الفضل ، ثم احمد الله في يوم الجمعة وأثن عليه وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسل حاجتك وليكن فيما تقول : « اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمّد نبي الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها » فإنك حريّ أن تقضى حاجتك إن شاء الله » (١) ولا يخفى قصور العبارة عن تأدية ما تضمنته الرواية.

قوله : ( وأن يأتي المساجد بالمدينة ، كمسجد الأحزاب ومسجد‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٦ ـ ٣٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٤ أبواب المزار ب ١١ ح ١.

٢٨٢

ومسجد الفضيخ ، وقبور الشهداء بأحد ، خصوصا قبر حمزة عليه‌السلام.

______________________________________________________

الفتح ومسجد الفضيخ وقبور الشهداء ب ( أحد ) خصوصا قبر حمزة عليه‌السلام ).

يدل على ذلك روايات : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تدع إتيان المشاهد كلها ، مسجد قبا فإنه المسجد الذي أسّس على التقوى من أول يوم ، ومشربة أم إبراهيم ، ومسجد الفضيخ ، وقبور الشهداء ، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح » قال : « وبلغنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أتى قبور الشهداء قال : « السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار » وليكن فيما تقول عند مسجد الفتح : « يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرّين اكشف غمّي وهمّي وكربي كما كشفت عن نبيك همّه وغمّه وكربه وكفيته هول عدوّه في هذا المكان » (١).

ويستفاد من هذه الرواية أن مسجد الأحزاب هو مسجد الفتح ، وبه قطع العلاّمة في جملة من كتبه (٢) ، والشهيد في الدروس (٣).

وقيل : إنما سمّي مسجد الأحزاب لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا فيه يوم الأحزاب فاستجاب الله له وجعل الفتح على يد أمير المؤمنين عليه‌السلام بقتل عمرو بن عبدود وانهزم الأحزاب (٤).

ومسجد الفضيخ بالضاد والخاء المعجمتين قيل : سمّي بذلك لأنهم كانوا يفضخون فيه التمر قبل الإسلام أي يشد خونه (٥). وفي رواية ليث‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٦٠ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٥ أبواب المزار ب ١٢ ح ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٨٩ ، والتذكرة ١ : ٤٠٣ ، والتحرير ١ : ١٣١.

(٣) الدروس : ١٥٧.

(٤) كما في المسالك ١ : ١٢٨.

(٥) كما في جامع المقاصد ١ : ١٧٥.

٢٨٣

ويكره النوم في المساجد ، ويتأكد الكراهة في مسجد النبي عليه‌السلام.

______________________________________________________

المرادي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسجد الفضيخ لم سمّي مسجد الفضيخ؟ قال : « لنخل يسمى الفضيخ فلذلك سمّي مسجد الفضيخ » (١) وذكر الشهيد في الدروس أن هذا المسجد هو الذي ردّت فيه الشمس لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالمدينة (٢) ورواه الكليني عن عمّار الساباطي أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

قوله : ( ويكره النوم في المساجد ويتأكد في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

عللت الكراهة بأن المسجد موطن عبادة فيكره إيقاع غيرها فيه ، وربما ظهر من حسنة زرارة اختصاص الكراهة بالمسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال : « لا بأس إلاّ في المسجدين مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومسجد الحرام » قال : وكان يأخذ بيدي في بعض الليل ويتنحى ناحية ثم يجلس ويتحدث في المسجد الحرام فربما نام ، فقلت له في ذلك ، فقال : « إنما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس » (٤).

ولا يبعد عدم تأكد الكراهية في المسجدين أيضا ، لصحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « نعم أين ينام الناس؟ » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٦١ ـ ٥ ، التهذيب ٦ : ١٨ ـ ٤٠.

(٢) الدروس : ١٥٧.

(٣) الكافي ٤ : ٥٦١ ـ ٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٧ أبواب المزار ب ١٢ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٠ ـ ١١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب أحكام المساجد ب ١٨ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ١٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب أحكام المساجد ب ١٨ ح ١.

٢٨٤

الركن الثالث

في اللواحق

وفيها مقاصد :

المقصد الأوّل : في الإحصار والصد

الصد بالعدو والإحصار بالمرض لا غير.

______________________________________________________

قوله : ( الركن الثالث ، في اللواحق ، وفيه مقاصد ، الأول : في الإحصار والصدّ ، الصدّ بالعدوّ والإحصار بالمرض ).

قال في القاموس : الحصر كالضرب والنصر : التضييق والحبس عن السفر وغيره (١). وقال : صدّ فلانا عن كذا : منعه (٢). ونحوه قال الجوهري (٣). ومقتضى كلامهما ترادف اللفظين وهو قول أكثر الجمهور (٤). ونقل النيسابوري (٥) وغيره (٦) اتفاق المفسرين على أن قوله تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٧) نزلت في حصر الحديبية ولذلك احتج بها الأصحاب على مسائل من أحكام الصدّ. لكن ظاهر المنتهى اتفاق الأصحاب على أن اللفظين متغايران وأن الحصر هو المنع عن تتمة أفعال الحج بالمرض ، والصدّ بالعدوّ (٨). كما ذكره المصنف رحمه‌الله.

ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمّار قال ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « المحصور غير المصدود فإن‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٩.

(٢) القاموس المحيط ١ : ٣١٧.

(٣) الصحاح ٢ : ٤٩٥ و ٦٣٢.

(٤) منهم أبو إسحاق في المهذب ١ : ٢٣٣ ، وابن رشد في بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٢ : ٣٧١ ، والشربيني في مغني المحتاج ١ : ٥٣٢.

(٥) غرائب القرآن ( جامع البيان ٢ ) : ٢٤٢.

(٦) كابن كثير في تفسير القرآن العظيم ١ : ٣٦١.

(٧) البقرة : ١٩٦.

(٨) المنتهى ٢ : ٨٤٦.

٢٨٥

فالمصدود إذا تلبّس ثم صدّ تحلل من كل ما أحرم منه إذا لم يكن له طريق غير موضع الصد ، أو كان له وقصرت نفقته.

______________________________________________________

المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي ردّه المشركون كما ردّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحلّ له النساء » (١).

واعلم أن الصدّ والحصر يشتركان في ثبوت أصل التحلل بهما في الجملة ويفترقان في عموم التحليل ، فإن المصدود يحل له بالمحلل كلما حرمه الإحرام والمحصور ما عدا النساء ، وفي مكان ذبح هدي التحلل فالمصدود يذبحه أو ينحره حيث يحصل له المانع والمحصور يبعثه إلى منى إن كان في إحرام الحج أو مكة إن كان في إحرام العمرة على المشهور ، وفي إفادة الاشتراط تعجيل التحلل في المحصر دون المصدود لجوازه بدون الشرط.

ولو اجتمع الإحصار والصدّ فالأظهر جواز الأخذ بالأخف من أحكامهما ، لصدق كل من الوصفين على من هذا شأنه فيتعلق به حكمه. ولا فرق بين عروضهما دفعة أو متعاقبين ، واستقرب الشهيد في الدروس ترجيح السابق إذا كان عروض الصدّ بعد بعث المحصر ، أو الإحصار بعد الذبح المصدود ولما يقصّر (٢). والمتجه التخيير مطلقا.

قوله : ( فالمصدود إذا تلبّس ثم صدّ تحلل من كل ما أحرم منه إذا لم يكن له طريق غير موضع الصدّ أو كان له طريق وقصرت النفقة ).

إذا تلبّس الحاج أو المعتمر بالإحرام تعلق به وجوب الإتمام إجماعا ، لقوله تعالى ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٣) ومتى صدّ بعد إحرامه عن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٦٤ ـ ١٦٢١ و ٤٢٣ ـ ١٤٦٧ ، الوسائل ٩ : ٣٠٣ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ١.

(٢) الدروس : ١٤٤.

(٣) البقرة : ١٩٦.

٢٨٦

______________________________________________________

الوصول إلى مكة ولم يكن له طريق سوى ما صدّ عنه أو كان له طريق وقصرت النفقة عنه تحلل بالإجماع قاله في التذكرة (١). ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة : « والمصدود تحل له النساء » وفي رواية أخرى صحيحة لمعاوية : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين صدّه المشركون يوم الحديبية نحر وأحلّ ورجع إلى المدينة » (٢) ورواية حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين صدّ بالحديبية قصّر وأحلّ ونحر ثم انصرف منها » (٣) ورواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء » (٤).

وهل يعتبر في جواز التحلل بالصدّ عدم رجاء زوال العذر؟ الظاهر من كلام الأصحاب عدم الاشتراط حيث صرّحوا بجواز التحلل مع ظن انكشاف العدوّ قبل الفوات ، وبه صرّح الشارح (٥) عند قول المصنف : إذا غلب على ظنّه انكشاف العدو قبل الفوات جاز أن يتحلل لكن الأفضل البقاء على إحرامه. وربما ظهر من كلامه ـ قدس‌سره ـ في شرح هذه المسألة اشتراط ذلك حيث خصّ جواز التحلل مع الصدّ بمن لم يرج زوال العدوّ. ولو قيل بالاكتفاء في جواز التحلل بظن عدم انكشاف العدوّ قبل الفوات كان حسنا. ويجوز للمصدود في إحرام الحج وعمرة التمتع البقاء على إحرامه إلى أن يتحقق الفوات فيتحلل بالعمرة كما هو شأن من فاته الحج ويجب عليه إكمال أفعالها فإن استمر المنع تحلل منها بالهدي وإلاّ بقي على إحرامه إلى أن يأتي بأفعالها ، ولو كان إحرامه بعمرة مفردة لم يتحقق الفوات بل يتحلل منها عند‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٩٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٠٦ ـ ١٥١٧ ، التهذيب ٥ : ٤٢٤ ـ ١٤٧٢ ، الوسائل ٩ : ٣١٣ أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ٥ ، بتفاوت يسير بينها.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٨ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٣٠٩ أبواب الإحصار والصد ب ٦ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧١ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٤ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٥.

(٥) المسالك ١ : ١٣٠.

٢٨٧

ويستمر إذا كان له مسلك غيره ولو كان أطول مع تيسر نفقته. ولو خشي الفوات لم يتحلل وصبر حتى يتحقق ، ثم يتحلل بعمرة ، ثم يقضي في القابل ، واجبا إن كان الحج واجبا ، وإلا ندبا.

______________________________________________________

تعذر إكمالها ولو أخّر التحلل كان جائزا فإن يئس من زوال العذر تحلل بالهدي حينئذ.

قوله : ( ويستمر إذا كان له مسلك غيره ولو كان أطول مع تيسّر النفقة ، ولو خشي الفوات لم يتحلل وصبر حتى يتحقق ، ثم يتحلل بعمرة ).

أما وجوب الاستمرار إذا كان له مسلك غير المصدود عنه وتمكّن من سلوكه فظاهر ، لعدم تحقق الصدّ حينئذ. وأما عدم جواز التحلل على هذا التقدير وإن خشي فوات الحج فلأن التحلل بالهدي إنما يسوغ مع الصدّ والمفروض انتفاؤه وعلى هذا فيجب على من هذا شأنه سلوك ذلك المسلك إلى أن يتحقق الفوات ثم يتحلل بعمرة كما هو شأن من فاته الحج. وبالجملة فالتمكن من سلوك غير الطريق المصدود عنه خارج عن أفراد المصدود ، لصدق تمكنه من المسير فإن فاته الحج ترتبت عليه أحكامه وإلاّ فلا.

قوله : ( ثم يقضي في القابل واجبا إن كان الحج واجبا ، وإلاّ ندبا ).

إنما يجب قضاء الواجب بعد التحلل إذا كان مستقرا قبل عام الفوات وإلاّ لم يجب إلاّ إذا بقيت الاستطاعة. وألحق الشارح بذلك من قصّر في السفر بحيث لولاه ما فاته الحج كأن ترك السفر مع القافلة الأولى ولم تصدّ (١). وهو إنما يتم إذا أوجبنا الخروج مع الأولى ، أما إذا جوّزنا التأخير إلى سفر الثانية مطلقا أو على بعض الوجوه سقط وجوب القضاء لعدم ثبوت الاستقرار وانتفاء التقصير. ولا يخفى أن المراد بالقضاء هنا الإتيان بالفعل لا‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٢٩.

٢٨٨

ولا يحلّ إلا بعد الهدي ونية التحلل.

______________________________________________________

القضاء بالمعنى المصطلح عليه ، لانتفاء التوقيت في الحج وإن وجبت الفورية به كما هو واضح.

قوله : ( ولا يتحلل إلاّ بعد الهدي ونية التحلل ).

المراد أن التحلل إنما يقع بذبح الهدي أو نحره ناويا به التحلل ، لأن الذبح يقع على وجوه متعددة فلا ينصرف إلى بعضها إلاّ بالنية. وهذا الحكم ـ أعني توقف التحلل على ذبح الهدى ناويا به التحلل ـ مذهب الأكثر ، واستدل عليه في المنتهى بقوله تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) وبأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة (٢) قال : وفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيان للواجب فيكون واجبا (٣). وقد يقال : إن مورد الآية الشريفة الحصر وهو خلاف الصدّ على ما ثبت بالنص الصحيح ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يثبت كونه بيانا للواجب وبدون ذلك يحتمل الندب. وقال ابن إدريس : يتحلل المصدود بغير هدي ، لأصالة البراءة ، ولأن الآية الشريفة إنما تضمنت الهدي في المحصور وهو خلاف المصدود (٤). وقال في الدروس : ويدفعه صحيحة معاوية بن عمار : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين صدّه المشركون يوم الحديبية نحر وأحل (٥). ويتوجه عليه ما سبق.

وبالجملة فالمسألة محل إشكال وإن كان المشهور لا يخلو من رجحان تمسكا باستصحاب حكم الإحرام إلى أن يعلم حصول المحلل ، ويؤيده رواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) راجع ص ٢٨٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٤٦.

(٤) السرائر : ١٥١.

(٥) الدروس : ١٤٢.

٢٨٩

وكذا البحث في المعتمر إذا منع عن الوصول إلى مكة.

ولو كان ساق ، قيل : يفتقر إلى هدي التحلل ، وقيل : يكفيه‌

______________________________________________________

صاحبه فيأتي النساء ، والمحصور يبعث بهديه » (١) وما رواه ابن بابويه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « المحصور والمضطر ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطرّان فيه » (٢).

وفي سقوط الهدي إذا شرط حلّه حيث حبسه قولان تقدم الكلام فيهما.

ومقتضى العبارة عدم توقف التحلل على الحلق أو التقصير بعد الذبح ، وقوّى الشهيدان الوجوب (٣) ، وهو خيرة العلاّمة في المنتهى بعد التردد من حيث إنه تعالى ذكر الهدي وحده ولم يشترط سواه ، ومن أنه عليه‌السلام حلق يوم الحديبية (٤). وضعف الوجه الثاني من وجهي التردد معلوم مما سبق إلاّ أن الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكروه.

قوله : ( وكذا البحث في المعتمر إذا منع من الوصول إلى مكة ).

لم يتقدم في كلامه ـ رحمه‌الله ـ ما يدل على اختصاص الأحكام السابقة بإحرام الحج صريحا حتى يلحق به إحرام العمرة إلاّ أن السياق يقتضي ذلك. ولا ريب في تحقق الصدّ في العمرة بنوعيها بالمنع من الوصول إلى مكة ، وفي حكمه من وصل ومنع من الطواف والسعي. وكان الأولى تأخير هذا الحكم إلى أن يذكر ما به يتحقق الصدّ في الحج.

قوله : ( ولو كان ساق قيل : يفتقر إلى هدي التحلل. وقيل :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧١ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٤ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٠٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ٩ : ٣٠٣ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٢.

(٣) الشهيد الأول في الدروس : ١٤٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٩.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٤٧.

٢٩٠

ما ساقه ، وهو الأشبه.

ولا بدل لهدي التحلل فلو عجز عنه وعن ثمنه ، بقي على إحرامه ولو تحلل لم يحلّ.

______________________________________________________

يكفيه ما ساقه ، وهو الأشبه ).

القول بعدم الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلل لابني بابويه (١) وجمع من الأصحاب. ونص ابن الجنيد على أن المراد بهدي السياق ما وجب ذبحه بإشعار أو غيره (٢). والظاهر أن هذا القيد مراد للجميع ، لأن الهدي قبل الإشعار أو التقليد لا يدخل في حكم المسوق. ولم نقف لهم في ذلك على مستند سوى ما ذكروه من أن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات. وهو استدلال ضعيف ، لأن هذا الاختلاف إنما يتم في الأسباب الحقيقية دون المعرّفات الشرعية كما بيّنّاه غير مرّة. والأصح ما اختاره المصنف والأكثر من الاكتفاء بهدي السياق ، لصدق الامتثال بذبحه ، وأصالة البراءة من وجوب الزائد عنه.

قوله : ( ولا بدل الهدي التحلل فلو عجز عنه وعن ثمنه بقي على إحرامه ولو تحلل لم يحلّ ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ويدل عليه أن النص إنما تعلق بالهدي ولم يثبت بدليّة غيره ، ومتى انتفى البدلية وجب الحكم بالبقاء على الإحرام إلى أن يحصل المحلل. ونقل عن ابن الجنيد أنه حكم بالتحلل بمجرد النية عند عدم الهدي ، لأنه ممن لم يتيسر له هدي (٣). وهو غير واضح.

نعم ورد في بعض الروايات بدليّة الصوم في هدي الإحصار كحسنة‌

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ٢ : ٥١٤ ، ونقله عنهما في المختلف : ٣١٧ ، والدروس : ١٤١.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٣١٧.

(٣) نقله في المختلف : ٣١٩.

٢٩١

ويتحقق الصد بالمنع عن الموقفين ، وكذا بالمنع من الوصول إلى مكة. ولا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث والمبيت بها ، بل يحكم بصحة الحج ويستنيب في الرمي.

______________________________________________________

معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في المحصور ولم يسق الهدي قال : « ينسك ويرجع فإن لم يجد ثمن هدي صام » (١) ورواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أحصر فيه الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه قبل أن يذبح هديه فإنه يذبح مكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق ، والصوم ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين نصف صاع لكل مسكين » (٢) والرواية الثانية ضعيفة السند (٣) ، والأولى مجملة المتن ولا يبعد حمل الصوم الواقع فيها على الواجب في بدل الهدي إلاّ أن إلحاق المصدود بالمحصور في ذلك يتوقف على الدليل وحيث قلنا ببقاء المصدود مع العجز عن الهدي على إحرامه فيستمر عليه إلى أن يتحقق الفوات فيتحلل حينئذ بعمرة إن أمكن وإلاّ بقي على إحرامه إلى أن يجد الهدي أو يقدر على العمرة.

قوله : ( ويتحقق الصدّ بالمنع من الموقفين ، وكذا بالمنع من الوصول إلى مكة ، ولا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث والمبيت بها ، بل يحكم بصحة الحج ويستنيب في الرمي ).

الكلام هنا فيما يتحقق به الصدّ ، والمصدود إما أن يكون حاجّا أو معتمرا فهنا مسألتان.

الأولى : ما يتحقق به الصدّ في الحج ، ولا خلاف في تحقق الصدّ فيه بالمنع من الموقفين وكذا من أحدهما إذا كان مما يفوت بفواته الحج ، وأما إذا أدرك الموقفين ثم صدّ فإن كان المنع عن نزول منى خاصة استناب في الرمي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٠ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٣١٠ أبواب الإحصار والصد ب ٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٠ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ٦٥٨ ، الوسائل ٩ : ٣٠٨ أبواب الإحصار والصد ب ٥ ح ٢.

(٣) لوقوع سهل بن زياد في طريقها وهو عامي ضعيف.

٢٩٢

______________________________________________________

والذبح كما في المريض ثم حلق وتحلل وأتمّ باقي الأفعال ، فإن لم يمكنه الاستنابة في ذلك احتمل البقاء على إحرامه تمسكا بمقتضى الأصل ، وجواز التحلل لصدق الصدّ فيتناوله العموم وهو متجه ، وكذا الوجهان لو كان المنع عن مكة ومنى. وجزم العلاّمة في التذكرة والمنتهى بالجواز نظرا إلى أن الصدّ يفيد التحلل من الجميع فمن بعضه أولى (١). وهو حسن. ولو كان المنع عن مكة خاصة بعد التحلل بمنى فقد استقرب الشهيد في الدروس البقاء على إحرامه بالنسبة إلى الطيب والنساء والصيد (٢). واستوجهه المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد قال : لأن المحلل من الإحرام إما الهدي للمصدود والمحصور أو الإتيان بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي ، فإذا شرع في الثاني وأتى بمناسك منى يوم النحر تعيّن عليه الإكمال ، لعدم الدليل الدال على جواز التحلل بالهدي حينئذ فيبقى على إحرامه إلى أن يأتي بباقي المناسك (٣).

ويمكن المناقشة فيه بأن عموم ما تضمن التحلل بالهدي مع الصدّ متناول لهذه الصورة ولا امتناع في حصول التحلل بكل من الأمرين والمتجه التحلل بالهدي هنا أيضا مع خروج ذي الحجة ، للعموم ، ولما في الحكم ببقائه كذلك إلى القابل من الحرج. ولا يتحقق الصدّ بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت بها إجماعا على ما نقله جماعة (٤) ، بل يحكم بصحة الحج ويستنيب في الرمي إن أمكن وإلاّ قضاه في القابل.

الثانية : ما يتحقق به الصدّ في العمرة ، ولا ريب في تحققه بالمنع من الدخول إلى مكة ، وكذا بالمنع من الإتيان بأفعالها بعد الدخول. ولو منع من الطواف خاصة استناب فيه مع الإمكان ومع التعذر قيل : يبقى على إحرامه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٩٦ ، والمنتهى ٢ : ٨٤٧.

(٢) الدروس : ١٤٢.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٧٧.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٩.

٢٩٣

فروع :

الأول : إذا حبس بدين ، فإن كان قادرا عليه لم يتحلل. وإن عجز تحلل ، وكذا لو حبس ظلما.

______________________________________________________

إلى أن يقدر عليه أو على الاستنابة. ويحتمل قويا جواز التحلل مع خوف الفوات ، للعموم ، ونفي الحرج اللازم من بقائه على الإحرام. وكذا الكلام في السعي وطواف النساء في المفردة.

قوله : ( فروع : الأول : إذا حبس بدين وكان قادرا عليه لم يتحلل ، وإن عجز تحلل ).

أما أنه لا يتحلل مع قدرته على أداء الدين الذي حبس عليه فظاهر ، لأنه بالقدرة على ذلك يكون متمكنا من المسير فلا يتحقق الصدّ حينئذ. وأما أنه يتحلل مع العجز فعلّله في المنتهى بتحقق الصد الذي هو المنع ، لعجزه عن الوصول بسبب الإعسار (١). واستشكل بعض المتأخرين هذا الحكم بأن المصدود ليس هو الممنوع مطلقا بل الممنوع بالعدوّ وطالب الحق لا يتحقق عدوانه (٢). وأجيب عنه بأن العاجز عن أداء الحق لا يجوز حبسه فيكون الحابس ظالما ، وبالمنع من اختصاص الصدّ بالمنع من العدوّ لأنهم عدوا من أسبابه فناء النفقة وفوات الوقت ونحو ذلك. وفيهما معا نظر.

وكيف كان فالأجود ما أطلقه المصنف وغيره من جواز التحلل مع العجز ، لأن المصدود هو الممنوع لغة إلاّ أن مقتضى الروايات اختصاصه بما إذا كان المنع بغير المرض ، وذكر العدوّ في بعض الأخبار إنما وقع على سبيل التمثيل لا لحصر الحكم فيه.

قوله : ( وكذا لو حبس ظلما ).

يمكن أن يكون المشبّه به المشار إليه بذا ثبوت التحلل مع العجز ،

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٤٨.

(٢) ذكر هذا الإيراد وجوابه في المسالك ١ : ١٢٩.

٢٩٤

الثاني : إذا صابر ففات الحج لم يجز له التحلل بالهدي وتحلل بعمرة ولا دم وعليه القضاء إن كان واجبا.

______________________________________________________

والمراد أنه يجوز تحلل المحبوس ظلما وهو بإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن يكون المطلوب منه قليلا أو كثيرا ، ولا بين القادر على دفع المطلوب منه وغيره. ويمكن أن يكون مجموع حكم المحبوس بدين بتفصيله بمعنى أن المحبوس ظلما على مال إن كان قادرا عليه لم يتحلل وإن كان عاجزا تحلل ، إلا أن المستفاد (١) من العبارة هو الأول ، وهو الذي صرّح به العلاّمة في جملة من كتبه (٢). وأورد عليه أن الممنوع بالعدوّ إذا طلب منه مال يجب بذله مع المكنة كما صرّح به المصنف وغيره فلم لا يجب البذل على المحبوس ظلما إذا كان حبسه يندفع بالمال وكان قادرا عليه. وأجيب عن ذلك بالفرق بين المسألتين فإن الحبس ليس بخصوص المنع من الحج ولهذا لا يندفع الحبس لو أعرض عن الحج بخلاف منع العدوّ فإنه للمنع من المسير حتى لو أعرض عن الحج خلّى سبيله وحينئذ فيجب بذل المال في الثاني ، لأنه بسبب الحج دون الأول (٣). وهذا الفرق ليس بشي‌ء ، لأن بذل المال للعدوّ المانع من المسير إنما وجب لتوقف الواجب عليه وهذا بعينه آت في صورة الحبس إذا كان يندفع بالمال وبالجملة فالمتجه تساوي المسألتين في وجوب بذل المال المقدور عليه ، لتوقف الواجب عليه سواء كان ذلك قبل التلبس بالإحرام أو بعده.

قوله : ( الثاني : إذا صابر ففات الحج لم يجز له التحلل بالهدي ، وتحلل بالعمرة ، ولا دم ، وعليه القضاء إن كان واجبا ).

المراد أن المصدود إذا صابر ولم يتحلل بالهدي حتى فاته الحج تعلق به حكم الفوات ووجب عليه التحلل من إحرامه بعمرة ، والقضاء إن كان الحج واجبا مستقرا كما هو شأن من فاته الحج ، ولو استمر المنع عن مكة بعد‌

__________________

(١) في « ض » : المتبادر.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٦ ، القواعد ١ : ٩٢ ، والتحرير ١ : ١٢٣.

(٣) المسالك ١ : ١٣٠.

٢٩٥

الثالث : إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات جاز أن يتحلل ، لكن الأفضل البقاء على إحرامه ، فإذا انكشف أتمّ ، ولو اتفق الفوات أحل بعمرة.

______________________________________________________

الفوات تحلل من العمرة بالهدي كما كان يتحلل من الحج قال في الدروس : وعلى هذا فلو صار إلى بلده ولما يتحلل وتعذّر العود في عامه لخوف الطريق فهو مصدود فله التحلل بالذبح والتقصير في بلده (١). وهو كذلك ، وقد تقدم الكلام فيه في حكم من فاته الحج.

قوله : ( الثالث ، إذا غلب على ظنه انكشاف العدوّ قبل الفوات جاز له التحلل ، لكن الأفضل البقاء على إحرامه ).

قال الشارح ـ قدس‌سره ـ : وجه الجواز تحقق الصدّ حينئذ فيلحقه حكمه وإن كان الأفضل الصبر مع الرجاء فضلا عن غلبة الظن عملا بظاهر الأمر بالإتمام (٢). ولا ريب في أفضلية الصبر كما ذكره وإنما الكلام في جواز التحلل مع غلبة الظن بانكشاف العدوّ قبل فوات الحج فإن ما وصل إلينا من الروايات لا عموم فيه بحيث يتناول هذه الصورة ومع انتفاء العموم يشكل الحكم بالجواز. ويلوح من كلام الشارح في الروضة وموضع من الشرح أن التحلل إنما يسوغ إذا لم يرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت (٣). ولا ريب أنه أولى.

قوله : ( فإذا انكشف أتمّ ، ولو اتفق الفوات تحلل بعمرة ).

أما وجوب الإتمام إذا انكشف العدوّ قبل التحلل ولمّا يفوت الوقت فلأنه محرم لم يأت بالمناسك مع إمكانها فوجب عليه الإتيان بها ، وأما التحلل بالعمرة مع الفوات فلما سبق مرارا من أن ذلك حكم من فاته الحج.

__________________

(١) الدروس : ١٤٣.

(٢) المسالك ١ : ١٣٠.

(٣) الروضة البهية ٢ : ٣٧٠ ، المسالك ١ : ١٢٩.

٢٩٦

الرابع : لو أفسد حجه فصدّ كان عليه بدنة ودم للتحلل والحج من قابل. ولو انكشف العدو في وقت يتسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج يقضى لسنته. وعلى ما قلناه حجة العقوبة باقية.

______________________________________________________

قوله : ( الرابع ، لو أفسد حجّه فصدّ كان عليه بدنة ودم التحلل والحج من قابل ).

إنما وجب عليه ذلك لأن الصدّ موجب للهدي ، والإفساد موجب للإتمام والبدنة وإعادة الحج ، سقط الإتمام بالصدّ فبقي وجوب البدنة والإعادة بحاله. ثم إن قلنا إن الأولى فرضه والثانية عقوبة لم يكف الواحدة بتقدير كونها مستقرة ، لأن حج الإسلام إذا تحلل منه وكان وجوبه مستقرا وجب الإتيان به بعد ذلك وإن لم يفسده فإذا أفسده وجب عليه الإتيان بذلك الحج ووجب عليه حجة أخرى عقوبة بسبب الإفساد ، أما لو كانت الحجة التي تعلق بها الصدّ غير مستقرة بأن يكون وجوبها إنما حصل في ذلك العام كفاه الواحدة وهي حجة الإفساد وحاصله أن حجة الإسلام على هذا التقدير لم يحصل وحجة العقوبة لا تجزي عنها فيجب عليه حجّ العقوبة وحج الإسلام مع الاستقرار أو بقاء الاستطاعة. وإن قلنا إن الأولى عقوبة والثانية فرضه فالظاهر الاكتفاء بالحجة الواحدة ، لسقوط حجة العقوبة بالتحلل منها ووجوب قضائها منفي بالأصل فيجب عليه الحج مرّة واحدة. واحتمل بعضهم وجوب الحجتين على هذا التقدير أيضا ، لوجوب قضاء حجة العقوبة من حيث إنها حجة واجبة قد صدّ عنها ، وكل حجة واجبة قد صدّ عنها يجب قضاؤها (١). وكلية الكبرى ممنوعة ، فإن القضاء إنما يجب بأمر جديد ولم يثبت هنا.

قوله : ( ولو انكشف العدوّ في وقت يتّسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج يقضى لسنته ، وعلى ما قلناه فحجة العقوبة باقية ).

__________________

(١) كفخر المحققين في الإيضاح ١ : ٣٢٥.

٢٩٧

______________________________________________________

لا ريب في وجوب الإتيان بالحج إذا انكشف العدوّ قبل التحلل والوقت‌ باق بحيث يسع الحج ، ثم إن قلنا إن إكمال الأولى التي قد فسدت عقوبة سقطت العقوبة بالتحلل واستأنف عند زوال العذر حجّ الإسلام ولا يجب عليه سواه ، لما بيّنّاه من عدم وجوب قضاء حج العقوبة فهو حج يقضى لسنته بمعنى أنه لا يبقى في ذمة المكلف بعده حج آخر ، والمراد بالقضاء حينئذ التدارك. وإن قلنا إن الفاسد حجة الإسلام وكانت مستقرة أو قلنا بقضاء حج العقوبة لم يكن حجا يقضى لسنته ، لأن الواقع بعد التحلل في السنة الأولى حجّ الإسلام ويبقى حج العقوبة في ذمته. وذكر فخر المحققين في هذا المحل من شرح القواعد تفسيرا آخر لكون الحج يقضى في سنته وهو أن المراد بما يقضى في سنته ما يؤتى به ثانيا بعينه في تلك السنة وإن وجب الإتيان بحج آخر بعده ، فإذا قلنا إن الأولى حجة الإسلام وتمكن من فعلها ثانيا فهو حج يقضى لسنته ، لأن هذا الحج المأتي به قضاء عن تلك الفاسدة. وإن قلنا إن الأولى عقوبة لم يكن المأتي بها في تلك السنة قضاء عنها لأنه حج الإسلام فلا يكون قضاء لتلك الفاسدة فلا يكون حجا يقضى لسنته. ولو قلنا بوجوب قضاء حج العقوبة لم يجز إيقاعه في تلك السنة ، لأن حج الإسلام مقدّم على قضاء العقوبة فلا يتحقق كون المأتي به في تلك السنة قضاء عن الفاسدة على هذا التقدير (١).

ويتوجه عليه أن إرادة هذا المعنى يقتضي كون التقييد في تصوير المسألة بالإفساد مستدركا بل مخلاّ بالفهم ، لأن كل من صدّ إذا تحلل وانكشف العدوّ وفي الوقت سعة يجب عليه الحج ويأتي بمثل ما خرج منه مع أن الظاهر من كلامهم اعتبار القيد في تصوير المسألة ، وينبّه على هذا قول العلاّمة في المنتهى وغيره : وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد فيه في غير هذه المسألة (٢). حيث خصّ الحكم بحالة الإفساد ولو كان المراد بالقضاء الإتيان‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٣٢٦.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٤٨.

٢٩٨

ولو لم يكن تحلل مضى في فاسده وقضاه في القابل.

الخامس : لو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب ، سواء غلب على الظن السلامة أو العطب.

______________________________________________________

بمثل ما خرج منه لتحقق قضاء الحج لسنته في كل مصدود انكشف العدوّ عنه مع سعة الوقت.

واعلم أن قول المصنف : وعلى ما قلناه فحجة العقوبة باقية ، يقتضي سبق إشارة منه إلى ما يدل على أن الأول حجة الإسلام ، أو أن العقوبة يقضى ، لوجوب تقديم حج الإسلام عند زوال العذر فيكون العقوبة باقية في ذمته ولم يتقدم في كلامه ما يعطي ذلك ولعله أشار بذلك إلى ما يختاره في المسألة.

قوله : ( ولو لم يكن تحلل مضى في فاسدة وقضاه في القابل ).

لا ريب في وجوب القضاء وإن كان الفاسد مندوبا ، لما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى من وجوب قضاء الحج الواجب والمندوب بالإفساد.

قوله : ( الخامس : لو لم يندفع العدوّ إلا بالقتال لم يجب عليه ، سواء غلب على ظنه السلامة أو العطب ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه في المنتهى بأن في التكليف بالقتال مشقة زائدة وحرجا عظيما لاشتماله على المخاطرة بالنفس والمال فكان منفيا بقوله عزّ وجلّ ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) وقوله عليه‌السلام : « لا ضرر ولا ضرار » (٢) (٣) وهو جيد حيث يثبت المشقة. وصرّح في المنتهى بأنه لا فرق في العدوّ بين المسلم والمشرك لكنه استحب قتال المشرك إذا غلب على الظن الظفر به ، لما فيه من الجهاد وحصول النصر وإتمام النسك ودفعهم عن منع السبيل. ونقل عن الشيخ ـ

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٣ ـ ٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٤١ أبواب إحياء الأموات ب ١٢ ح ٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٤٩.

٢٩٩

ولو طلب مالا لم يجب بذله. ولو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا.

المحصر : هو الذي يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة أو عن الموقفين ،

______________________________________________________

رحمه‌الله ـ أنه منع من قتال المشرك أيضا نظرا إلى اعتبار إذن الإمام في الجهاد (١). ودفعه الشهيد في الدروس بأن القتال على هذا الوجه ليس من باب الجهاد وإنما هو من باب النهي عن المنكر (٢). وهو جيد ، على أن لمانع أن يمنع توقف الجهاد على الإذن إذا كان الغير الدعوة إلى الإسلام فإنا لم نقف لهم في ذلك على مستند يعتدّ به.

قوله : ( ولو طلب مالا لم يجب بذله ، ولو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا ).

لا ريب في وجوب البذل مع عدم الإجحاف ، بل الأظهر وجوبه مع المكنة مطلقا كما ذهب إليه المصنف ـ رحمه‌الله ـ سابقا ، لتحقق الاستطاعة بالقدرة على البذل. ولا يخفى أن حكم المصنف بوجوب البذل مع المكنة مطلقا إذا كان الطلب قبل التلبس وتقييده بعدم الإجحاف إذا وقع الطلب بعده غير جيد ، بل كان المناسب التسوية بينهما أو عكس الحكم ، لوجوب إتمام الحج والعمرة بعد التلبس بهما فيجب ما كان وسيلة إليه.

قوله : ( والمحصر هو الذي يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة أو عن الموقفين ).

المحصر : اسم مفعول من أحصره المرض إحصارا فهو محصر ويقال للمحبوس حصر بغير همز فهو محصور ذكر ذلك الإمام الطبرسي في تفسيره ، ونقل عن الفرّاء أنه يجوز قيام كل واحد منهما مقام الآخر (٣). والفقهاء‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٣٤.

(٢) الدروس : ١٤٣.

(٣) مجمع البيان ١ : ٢٨٩.

٣٠٠