ويستحب العود إلى مكة لمن قضى مناسكه لوداع البيت.
ويستحب أمام ذلك صلاة ست ركعات بمسجد الخيف ، وآكده استحبابا عند المنارة التي في وسطه وفوقها إلى جهة القبلة بنحو من ثلاثين ذراعا ، وعن يمينها ويسارها كذلك ،
______________________________________________________
على الإخلال بواجب أو فعل محرم لا على ترك ما أذن الشارع في تركه كما هو واضح.
قوله : ( ويستحب العود إلى مكة لمن قضى مناسكه لوداع البيت ، ويستحب أمام ذلك صلاة ستّ ركعات بمسجد الخيف ، وآكده استحبابا عند المنارة التي في وسطه وفوقها إلى جهة القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا وعن يمينها وعن يسارها كذلك ).
أما استحباب العود إلى مكة لمن قضى نسكه لوداع البيت فقال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا (١). ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا أردت أن تخرج من مكة فتأتي أهلك فودّع البيت وطف أسبوعا » (٢) الحديث.
وأما استحباب صلاة ستّ ركعات بمسجد الخيف أمام العود إلى مكة فاستدل عليه برواية عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « صلّ ستّ ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة » (٣) ومقتضى الرواية استحباب فعلها في ذلك المكان.
وأما تأكد استحباب إيقاعها عند المنارة إلى نحو من ثلاثين ذراعا إلى جهة القبلة وعن يمينها وعن يسارها كذلك فاستدل عليه أيضا بصحيحة معاوية بن عمّار المتضمنة للحثّ على إيقاع الصلاة في هذا المحل ، لأنه كان
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٧٧٩.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٨٠ ـ ٩٥٧ ، الوسائل : ١٠ : ٢٣١ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ١.
(٣) الكافي ٤ : ٥١٩ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ٣ : ٥٣٥ أبواب أحكام المساجد ب ٥١ ح ٢.
ويستحب التحصيب لمن نفر في الأخير ، وأن يستلقي فيه.
______________________________________________________
المسجد على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١). وهو غير جيد ، لأن ذلك لا ينافي استحباب الإتيان بهذه الصلاة في أصل الصومعة كما تضمنته الرواية التي هي مستند الحكم ، ولعل المراد بأصل الصومعة ما عند المنارة ، وكيف كان فعبارة المصنف ـ رحمهالله ـ غير وافية بالمقصود ، وكان عليه أيضا أن يذكر الثلاثين التي من خلف المنارة لوجوده مع ما ذكره من التحديد في الرواية.
قوله : ( ويستحب التحصيب لمن نفر في الأخير ، وأن يستلقي فيه ).
التحصيب : النزول بالمحصب وهو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح على ما نصّ عليه الجوهري (٢) وغيره (٣). وذكر الشيخ في المصباح (٤) وغيره (٥) أن التحصيب النزول في مسجد الحصبة. وهذا المسجد غير معروف الآن بل الظاهر اندراسه من قرب زمن الشيخ كما اعترف به جماعة منهم ابن إدريس فإنه قال : ليس للمسجد أثر الآن فيتأدى هذه السنّة بالنزول بالمحصب من الأبطح قال : وهو ما بين العقبة وبين مكة (٦). وقيل : هو ما بين الجبل الذي عنده مقابر مكة والجبل الذي يقابله مصعدا في الشق الأيمن للقاصد مكة وليست المقبرة منه ، واشتقاقه من الحصباء وهي الحصى المحمولة بالسيل. ونقل عن السيد ضياء الدين بن الفاخر شارح الرسالة أنه قال : ما
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥١٩ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ١٤٩ ـ ٦٩١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ ـ ٩٣٩ ، الوسائل ٣ : ٥٣٤ أبواب أحكام المساجد ب ٥٠ ح ١.
(٢) الصحاح ١ : ١١٢.
(٣) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط ١ : ٥٧.
(٤) مصباح المتهجد : ٦٤٧.
(٥) كالشهيد الأول في الدروس : ١٣٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٧٥. والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٧.
(٦) السرائر : ١٣٩ و ١٤٤.
وإذا عاد إلى مكة فمن السنّة أن يدخل الكعبة
______________________________________________________
شاهدت أحدا يعلمني به في زماني وإنما وقفني واحد على أثر مسجد بقرب منى على يمين قاصد مكة في مسيل واد قال : وذكر آخرون أنه عند مخرج الأبطح إلى مكة (١).
ويدل على استحباب التحصيب مضافا إلى الإجماع والتأسي ما رواه الشيخ ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا نفرت وانتهيت إلى الحصبة ـ وهي البطحاء ـ فشئت أن تنزل بها قليلا فإن أبا عبد الله عليهالسلام قال : « إن أبي كان ينزلها ثم يرتحل فيدخل مكة من غير أن ينام بها » (٢) وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن أبان وهو ابن عثمان ، عن أبي مريم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه سئل عن الحصبة فقال : « كان أبي عليهالسلام ينزل بالأبطح ثم يدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح » فقلت له : أرأيت من تعجّل في يومين عليه أن يحصب؟ قال : « لا » وقال : « كان أبي عليهالسلام ينزل الحصبة قليلا ثم يرتحل وهو دون خبط وحرمان » (٣) ويستفاد من هذه الرواية أن التحصيب النزول بالحصبة ، وأنه دون خبط وحرمان لكن لم أقف في كلام أهل اللغة على شيء يعتدّ به في ضبط هذين اللفظين وتفسيرهما ، وأن التحصيب إنما يستحب لمن نفر في النفر الثاني ، وأنه يستحب النزول بالأبطح ساعة من غير أن ينام فيه ثم يدخل مكة ، بل ربما ظهر من قوله عليهالسلام : « كان أبي عليهالسلام ينزل بالأبطح » في جواب السؤال عن الحصبة أن ذلك هو التحصيب.
قوله : ( وإذا عاد إلى مكة فمن السنّة أن يدخل الكعبة ).
يدل على ذلك روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال : « رأيت العبد الصالح عليهالسلام دخل الكعبة فصلّى
__________________
(١) نقله عنه الشهيد في الدروس : ١٣٧.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٥ ـ ٩٤١ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٩ أبواب العود إلى منى ب ١٥ ح ١.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٩ ـ ١٤٢٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٩ أبواب العود إلى منى ب ١٥ ح ٣.
ويتأكد في حق الصرورة ، وأن يغتسل ويدعو عند دخولها. وأن يصلي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين ، يقرأ في الأولى الحمد وحم السجدة ، وفي الثانية عدد آيها ، ويصلي في زوايا البيت ، ثم يدعو
______________________________________________________
فيها ركعتين على الرخامة الحمراء ، ثم قام فاستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي فرفع يده عليه ولصق به ودعا ، ثم تحول إلى الركن اليماني فلصق به ودعا ، ثم أتى إلى الركن الغربي ، ثم خرج » (١).
وعن ابن القداح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام قال : سألته عن دخول الكعبة قال : « الدخول فيها دخول في رحمة الله والخروج منها خروج من الذنوب معصوم فيما بقي من عمره مغفور له ما سلف من ذنوبه » (٢) ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حمّاد بن عثمان قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن دخول البيت فقال : « أما الصرورة فيدخله وأما من قد حجّ فلا » (٣) لأنه محمول على أن المنفي تأكد الاستحباب الثابت في حق الصرورة.
قوله : ( ويتأكد في حق الصرورة ).
لقوله عليهالسلام في صحيحة سعيد الأعرج : « لا بدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع » (٤)
قوله : ( وإن يغتسل ويدعو عند دخولها ، وأن يصلي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وحم السجدة وفي الثانية عدد آيها ، ويصلى في زوايا البيت ، ثم يدعو
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٧٨ ـ ٩٥١ ، الوسائل ٩ : ٣٧٤ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٤.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٥ ـ ٩٤٤ ، الوسائل ٩ : ٣٧٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٤ ح ١ وج ١٠ : ٢٣٠ أبواب العود إلى منى ب ١٦ ح ١.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٧٧ ـ ٩٤٨ ، الوسائل ٩ : ٣٧١ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ٣.
(٤) الكافي ٤ : ٥٢٩ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٧ ـ ٩٤٧ ، الوسائل ٩ : ٣٧١ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ١.
بالدعاء المرسوم. ويستلم الأركان ، ويتأكد في اليماني.
______________________________________________________
بالدعاء المرسوم ، ويستلم الأركان ويتأكد في اليماني ).
يدل على هذه الجملة ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ، ولا تدخلها بحذاء وتقول إذا دخلت : « اللهم إنك قلت : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (١) فآمنّي من عذاب النار » ثم تصلّي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء تقرأ في الركعة الأولى حم السجدة وفي الثانية عدد آيها من القرآن وتصلّي في زواياه وتقول : « اللهم من تهيّأ أو تعبّأ أو أعدّ أو استعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجائزته ونوافله وفواضله فإليك يا سيدي تهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك ونوافلك وجائزتك فلا تخيّب اليوم رجائي يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدّمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ولكني أتيتك مقرّا بالظلم والإساءة على نفسي فإنه لا حجة لي ولا عذر فأسألك يا من هو كذلك أن تعطيني مسألتي وتقيلني عثرتي وتقبلني برغبتي ولا تردّني مجبوها ممنوعا ولا خائبا يا عظيم يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم لا إله إلاّ أنت » قال : « ولا تدخلها بحذاء ولا تبزق فيها ولا تمتخط ، ولم يدخلها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ يوم فتح مكة » (٢).
وفي الصحيح ، عن معاوية قال : رأيت العبد الصالح دخل الكعبة فصلى ركعتين على الرخامة الحمراء ، ثم قام فاستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي فرفع (٣) يده عليه ولزق به ودعا ، ثم تحول إلى الركن اليماني ثم أتى الركن الغربي ثم خرج » (٤).
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.
(٢) الكافي ٤ : ٥٢٨ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٣٧٢ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ١.
(٣) في الكافي : فوقع.
(٤) الكافي ٤ : ٥٢٩ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٣٧٤ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٤ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٢٧٨ ـ ٩٥١.
ثم يطوف بالبيت أسبوعا. ثم يستلم الأركان والمستجار ، ويتخير من الدعاء ما أحبّه. ثم يأتي زمزم فيشرب منها. ثم يخرج وهو يدعو.
______________________________________________________
وروى الكليني أيضا في الصحيح ، عن معاوية بن عمار في دعاء الولد قال : أفض عليك دلوا من ماء زمزم ثم ادخل البيت فإذا قمت على الباب فخذ بحلقة الباب ثم قل : « اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وقد قلت : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) فآمنّي من عذابك وأجرني من سخطك » ثم ادخل البيت فصلّ على الرخامة الحمراء ركعتين ، ثم قم إلى الأسطوانة التي بحذاء الحجر وألصق بها صدرك ثم قل : « يا واحد يا أحد يا ماجد يا قريب يا بعيد يا عزيز يا حكيم لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء » ثم در بالأسطوانة فألصق بها ظهرك وبطنك وتدعو بهذا الدعاء فإن يرد الله شيئا كان » (١).
وفي الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام وهو خارج من الكعبة وهو يقول : « الله أكبر الله أكبر » حتى قالها ثلاثا ثم قال : « اللهم لا تجهد بلاءنا ربنا ولا تشمت بنا أعداءنا فإنك أنت الضارّ النافع » ثم هبط يصلي إلى جانب الدرجة جعل الدرجة عن يساره مستقبل الكعبة ليس بينه وبينها أحد ، ثم خرج إلى منزله » (٢).
قوله : ( ثم يطوف بالبيت أسبوعا ، ثم يستلم الأركان والمستجار ، ويتخير من الدعاء ما أحبّ ، ثم يأتي زمزم فيشرب منها ، ثم يخرج وهو يدعو ).
أجمع الأصحاب على استحباب طواف الوداع ، وقال بعض العامة بوجوبه (٣). وينبغي أن يعتمد في كيفيته ما رواه الكليني في الصحيح ، عن
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٣٠ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ٣٧٤ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٥.
(٢) الكافي ٤ : ٥٢٩ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ٣٧٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٤٠ ح ١ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٢٧٩ ـ ٩٥٦.
(٣) كصاحب الجامع لأحكام القرآن ١٢ : ٥٢.
______________________________________________________
معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا أردت أن تخرج من مكة وتأتي أهلك فودّع البيت وطف بالبيت أسبوعا ، وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط فافعل وإلاّ فافتتح به واختم به فإن لم تستطع ذلك فموسّع عليك ، ثم تأتي المستجار فتصنع عنده كما صنعت يوم قدمت مكة وتخيّر لنفسك من الدعاء ، ثم ائت الحجر الأسود ، ثم ألصق بطنك بالبيت تضع يدك على الحجر والأخرى مما يلي الباب واحمد الله وأثن عليه وصلّ على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم قل : « اللهم صلّ على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك وحبيبك ونجيّك (١) وخيرتك من خلقك اللهم كما بلّغ رسالاتك وجاهد في سبيلك وصدع بأمرك وأوذي في جنبك وعبدك حتى أتاه اليقين اللهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة والبركة والرحمة والرضوان والعافية ، اللهم إن أمتّني فاغفر لي وإن أحييتني فارزقنيه من قابل ، اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك ، اللهم إني عبدك ابن عبدك وابن أمتك حملتني على دوابّك وسيّرتني في بلادك حتى أقدمتني حرمك وأمنك وقد كان في حسن ظني بك أن تغفر لي ذنوبي فإن كنت غفرت لي ذنوبي فازدد عنّي رضا وقرّبني إليك زلفى ولا تباعدني وإن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري فهذا أو ان انصرافي إن كنت أذنت لي غير راغب عنك ولا عن بيتك ولا مستبدل بك ولا به ، اللهم احفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني أهلي فإذا بلغتني أهلي فاكفني مؤنة عبادك وعيالي فإنك وليّ ذلك من خلقك ومنّي ».
ثم ائت زمزم فاشرب من مائها ثم اخرج وقل : « آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون إلى ربنا راغبون إلى الله راجعون إن شاء الله ».
قال : وإن أبا عبد الله عليهالسلام لمّا ودّعها وأراد أن يخرج من
__________________
(١) في بعض النسخ : ونجيبك.
ويستحب خروجه من باب الحنّاطين ، ويخر ساجدا ، ويستقبل القبلة ، ويدعو ، ويشتري بدرهم تمرا ويتصدّق به احتياطا لإحرامه.
______________________________________________________
المسجد الحرام خرّ ساجدا عند باب المسجد طويلا ثم قام فخرج (١)
قوله : ( ويستحب خروجه من باب الحنّاطين ).
ذكر الشهيد في الدروس أن هذا الباب بإزاء الركن الشامي (٢) وأنه باب بني جمح قبيلة من قريش. سمي بذلك لبيع الحنطة عنده ، وقيل : لبيع الحنوط (٣). قال المحقق الشيخ علي : ولم أجد أحدا يعرف موضع هذا الباب فإن المسجد قد زيد فيه فينبغي أن يتحرى الخارج موازاة الركن الشامي ثم يخرج (٤).
قوله : ( ويخرّ ساجدا ويستقبل القبلة ويدعو ).
ظاهر العبارة يقتضي أن محل هذا السجود بعد الخروج من المسجد ومقتضى صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة استحباب السجود قبله ، وقريب منها صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال : رأيت أبا الحسن عليهالسلام ودّع البيت فلما أراد أن يخرج من باب المسجد خرّ ساجدا ثم قام واستقبل الكعبة فقال : « اللهم إني أنقلب على لا إله إلاّ الله » (٥).
قوله : ( ويشتري بدرهم تمرا ثم يتصدّق به احتياطا لإحرامه ).
يدل على ذلك ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « يستحب للرجل والمرأة أن لا يخرجا من
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٣٠ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢٣١ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ١.
(٢) الدروس : ١٣٨.
(٣) كما في الروضة البهية ٢ : ٣٢٩.
(٤) جامع المقاصد ١ : ١٧٥.
(٥) الكافي ٤ : ٥٣١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٨١ ـ ٩٥٨ ، عيون أخبار الرضا : ١٧٩ ـ ٤٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٢ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ٢.
ويكره الحج على الإبل الجلاّلة.
ويستحب لمن حج أن يعزم على العود.
______________________________________________________
مكة حتى يشتريا بدرهم تمرا فيتصدّقا به لما كان منهما في إحرامهما ولما كان في حرم الله عزّ وجلّ ».
وما رواه الكليني (١) في الحسن ، عن معاوية بن عمّار وحفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « ينبغي للحاج إذا قضى نسكه وأراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم تمرا فيتصدّق به فيكون كفارة لما دخل عليه في حجة من حكّ أو قملة سقطت أو نحو ذلك » (٢).
وعن أبي بصير قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا أردت أن تخرج من مكة فاشتر بدرهم تمرا فتصدّق به قبضة قبضة فيكون لكل ما كان منك في إحرامك وما كان منك بمكة » (٣) ولو تصدّق بذلك ثم ظهر له موجب بتأدي بالصدقة فالظاهر الإجزاء كما اختاره الشهيدان (٤) ، لظاهر النص المتقدم.
قوله : ( ويكره الحج على الإبل الجلاّلة ).
لما رواه الكليني ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن آبائه عليهمالسلام : « أن عليا عليهالسلام كان يكره الحج والعمرة على الإبل الجلاّلات » (٥) وفي الطريق ضعف (٦).
قوله : ( ويستحب لمن حج أن يعزم على العود ).
_________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٩٠ ـ ١٤٣٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٤ أبواب العود إلى منى ب ٢٠ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٥٣٣ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٤ أبواب العود إلى منى ب ٢٠ ح ٢.
(٣) الكافي ٤ : ٥٣٣ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٥ أبواب العود إلى منى ب ٢٠ ح ٣.
(٤) الشهيد الأول في الدروس : ١٣٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٣٠ ، والمسالك ١ : ١٢٧.
(٥) الكافي ٤ : ٥٤٣ ـ ١٣ ، الوسائل ٨ : ٣٣٠ أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره ب ٥٧ ح ١.
(٦) لوقوع غياث بن كلوب فيه وهو عامي ، ولأن راويها وهو إسحاق بن عمار فطحي ـ راجع الفهرست : ١٥ ـ ٥٢ ، وعدة الأصول : ٣٨٠.
والطواف أفضل للمجاور من الصلاة ، وللمقيم بالعكس.
______________________________________________________
طاعة ، ولقول الصادق عليهالسلام في رواية عبد الله بن سنان : « من خرج من مكة وهو ينوي الحج من قابل زيد في عمره » (١) ويكره ترك العزم على ذلك ، لقوله عليهالسلام في مرسلة الحسين بن عثمان : « من خرج من مكة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه » (٢) وينبغي أن يضمّ إلى العزم سؤال الله تعالى ذلك خصوصا عند انصرافه. رزقنا الله تعالى العود إلى بيته الحرام وتكراره في كل عام وزيارة النبي وآله عليهمالسلام بمنّه وكرمه.
قوله : ( والطواف أفضل للمجاور من الصلاة وللمقيم بالعكس ).
يدل على ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب ، عن موسى بن القاسم ، عن عبد الرحمن ، عن حمّاد ، عن حريز قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الطواف لغير أهل مكة ممّن جاور بها أفضل أو الصلاة؟ قال : « الطواف للمجاورين أفضل والصلاة لأهل مكة والقاطنين بها أفضل من الطواف » (٣) والظاهر صحة هذه الرواية ، لأن الظاهر أن عبد الرحمن الواقع في طريقها هو ابن أبي نجران ، وحمادا هو ابن عيسى كما وقع التصريح به في عدّة مواضع من التهذيب (٤).
وروى الشيخ أيضا في الصحيح ، عن حفص بن البختري وحمّاد وهشام ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا أقام الرجل بمكة سنة فالطواف أفضل ، وإذا أقام سنتين خلط من هذا ومن هذا ، فإذا أقام ثلاث سنين فالصلاة أفضل » (٥).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٨١ ـ ٣ ، الوسائل ٨ : ١٠٧ أبواب وجوب الحج ب ٥٧ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٢٧٠ ـ ٢ ، الوسائل ٨ : ٣٩٨ أبواب الطواف ب ٥٧ ح ٢.
(٣) التهذيب ٥ : ٤٤٦ ـ ١٥٥٥ ، الوسائل ٩ : ٣٩٨ أبواب الطواف ب ٩ ح ٤.
(٤) التهذيب ٥ : ٣٣ ـ ٩٨.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٤٧ ـ ١٥٥٦ ، الوسائل ٩ : ٣٩٧ أبواب الطواف ب ٩ ح ١.
ويكره المجاورة بمكة.
______________________________________________________
والظاهر أن المراد بالصلاة النوافل المطلقة غير الرواتب ، إذ ليس في الروايتين تصريح بأفضلية الطواف على كل صلاة ، وينبّه عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة للأمر بقطع الطواف لخوف فوات الوتر والبدأة بالوتر ثم إتمام الطواف (١) ، وبالجملة فلا يمكن الخروج بهاتين الروايتين عن مقتضى الأخبار ( الصحيحة ) (٢) المستفيضة المتضمنة للحثّ الأكيد على النوافل الراتبة وأنها مقتضية لتكميل ما نقص من الفرائض بترك الإقبال فيها وقد أوردنا طرفا من ذلك في كتاب الصلاة.
قوله : ( ويكره المجاورة بمكة ).
هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وعلّل بخوف الملالة وقلة الاحترام ، أو بالخوف من ملابسة الذنب فإن الذنب فيها أعظم ، أو بأن المقام فيها يقسي القلب ، أو بأن من سارع إلى الخروج منها يدوم شوقه إليها وذلك مراد لله عزّ وجلّ. وهذه التوجيهات كلها مروية لكن أكثرها غير واضحة الإسناد.
ويدل على الكراهية ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة » قلت : كيف يصنع؟ قال : « يتحول عنها » (٣) وفي الصحيح ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) (٤) فقال : « كلّ الظلم فيه إلحاد
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤١٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٦ ، التهذيب ٥ : ١٢٢ ـ ٣٩٧ ، الوسائل ٩ : ٤٥٢ أبواب الطواف ب ٤٤ ح ١.
(٢) ليست في « ض ».
(٣) التهذيب ٥ : ٤٤٨ ـ ١٥٦٣ و ٤٦٣ ـ ١٦١٦ ، الوسائل ٩ : ٣٤٢ أبواب مقدمات الطواف ب ١٦ ح ٥.
(٤) الحج : ٢٥.
ويستحب النزول بالمعرّس على طريق المدينة وصلاة ركعتين به.
______________________________________________________
حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت أن يكون إلحادا » فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة (١).
وقد ورد في بعض الأخبار ما يدل على استحباب المجاورة كصحيحة عليّ بن مهزيار قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام المقام أفضل بمكة أو الخروج إلى بعض الأمصار؟ فكتب : « المقام عند بيت الله أفضل » (٢).
والذي يقتضيه الجمع بين هذه الروايات كراهة المجاورة سنة تامة بحيث لا يخرج فيها إلى غيرها وكذا ما دونها مع الخوف من ملابسة الذنب ، واستحبابها على غير هذين الوجهين. وربما جمع بينهما بحمل أخبار الترغيب على المجاورة للعبادة وحمل ما تضمّن النهي عن المجاورة لغيرها كالتجارة ونحوها. وهو غير واضح ، إذ مقتضى الروايتين الأوليين كراهة المجاورة على ذينك الوجهين مطلقا. وروى ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه مرسلا عن الباقر عليهالسلام أنه قال : « من جاور سنة بمكة غفر الله له ذنوبه ولأهل بيته ولكل من استغفر له ولعشيرته ولجيرته ذنوب تسع سنين قد مضت وعصموا من كل سوء أربعين ومائة سنة » (٣) ثم قال ـ رضياللهعنه ـ بعد ذلك : والانصراف والرجوع أفضل من المجاورة.
قوله : ( ويستحب النزول بالمعرّس على طريق المدينة وصلاة ركعتين به ).
قال الجوهري : المعرس محل نزول القوم في السفر آخر الليل (٤). وقال في القاموس : أعرس القوم نزلوا في آخر الليل للاستراحة كعرسوا ،
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٤٢٠ ـ ١٤٥٧ ، الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب مقدمات الطواف ب ١٦ ح ١. والظاهر أن جملة : فلذلك كان. إلخ من كلام الشيخ رحمهالله.
(٢) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٩٨١ ، الوسائل ٩ : ٣٤١ أبواب مقدمات الطواف ب ١٦ ح ٢.
(٣) الفقيه ٢ : ١٤٦ ـ ٦٤٦ ، الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب مقدمات الطواف ب ١٥ ح ٢.
(٤) الصحاح ٣ : ٩٤٨.
______________________________________________________
وليلة التعريس الليلة التي نام فيها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) انتهى.
والمعرس بضمّ الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة ويقال بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء مسجد بقرب مسجد الشجرة بإزائه مما يلي القبلة. وقد أجمع الأصحاب على استحباب النزول فيه والصلاة تأسّيا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويدل عليه روايات كثيرة : منها صحيحة معاوية بن عمّار قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا انصرفت من مكة إلى المدينة وانتهيت إلى ذي الحليفة وأنت راجع من مكة فائت معرّس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فإن كنت في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصلّ فيه ، وإن كان في غير وقت صلاة ( مكتوبة ) (٢) فانزل فيه قليلا فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد كان يعرّس فيه ويصلي » (٣).
وصحيحة العيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه سأله عن الغسل في المعرّس فقال : « ليس عليك غسل ، والتعريس هو أن يصلي فيه ويضطجع فيه ، ليلا مرّ به أو نهارا » (٤).
وصحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل قال ، قلت لأبي الحسن عليهالسلام : جعلت فداك إنّ جمّالنا مرّ بنا ولم ينزل المعرّس فقال : « لا بد أن ترجعوا إليه » فرجعت إليه (٥).
وموثقة ابن فضّال قال ، قال عليّ بن أسباط لأبي الحسن عليهالسلام ونحن نسمع : إنا لم نكن عرّسنا فأخبرنا ابن القاسم بن الفضيل أنه لم يكن
__________________
(١) القاموس المحيط ٢ : ٢٣٨.
(٢) ليست في الفقيه ، وهو الأنسب.
(٣) الكافي ٤ : ٥٦٥ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٣٣٥ ـ ١٥٥٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٩ أبواب المزار ب ١٩ ح ١.
(٤) الفقيه ٢ : ٣٣٦ ـ ١٥٦١ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٩ أبواب المزار ب ١٩ ح ٢.
(٥) الكافي ٤ : ٥٦٥ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٣٦ ـ ١٥٦٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٩١ أبواب المزار ب ٢٠ ح ٢.
مسائل ثلاث :
الأولى : للمدينة حرم ، وحده من عائر إلى وعير. ولا يعضد شجره. ولا بأس بصيده ، إلا ما صيد بين الحرّتين ، وهذا على الكراهية المؤكدة.
______________________________________________________
عرّس وأنه سألك فأمرته بالعود إلى المعرّس فيعرّس فيه فقال : « نعم » (١) ويستفاد من صحيحة العيص المتقدمة أنه لا فرق في استحباب التعريس والنزول به بين أن يحصل المرور به ليلا أو نهارا ، ويستفاد من الرواية الأولى أن التعريس إنما يستحب في العود من مكة إلى المدينة لا في المضي إلى مكة ويدل عليه صريحا قول الصادق عليهالسلام في رواية معاوية بن عمار : « إنما المعرس إذا رجعت إلى المدينة ليس إذا بدأت » (٢).
قوله : ( مسائل ثلاث : الأولى : للمدينة حرم ، وحدّه من عائر إلى وعير. ولا يعضد شجره ، ولا بأس بصيده إلاّ ما صيد بين الحرّتين ، وهذا على الكراهية المؤكدة ).
ذكر جمع من الأصحاب أن عاير ووعير جبلان يكتنفان المدينة من المشرق والمغرب. ووعير ضبطها الشهيد في الدروس بفتح الواو (٣). وذكر المحقق الشيخ علي ـ رحمهالله ـ أنه وجدها في مواضع معتمدة بضم الواو وفتح العين المهملة (٤). والحرّتان موضعان أدخل منهما نحو المدينة وهما حرّة ليلى وحرّة واقم بكسر القاف ، وأصل الحرّة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء : الأرض التي فيها حجارة سود. وهذا الحرم بريد في بريد ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه فذهب الأكثر إلى أنه لا يجوز قطع شجرة ولا قتل صيد ما بين الحرّتين منه ، وبه قطع في المنتهى (٥) وأسنده إلى علمائنا
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٦٦ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٩١ أبواب المزار ب ٢٠ ح ٣.
(٢) التهذيب ٦ : ١٦ ـ ٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٠ أبواب المزار ب ١٩ ح ٣.
(٣) الدروس : ١٥٧.
(٤) جامع المقاصد ١ : ١٧٥.
(٥) المنتهى ٢ : ٧٩٩.
______________________________________________________
مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
وقيل بالكراهة وهو ظاهر اختيار المصنف. وذكر الشارح أن هذا القول هو المشهور بين الأصحاب (١). وربما قيل بتحريم قطع الشجر وكراهية الصيد بين الحرّتين (٢). والمعتمد الأول.
لنا : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « حرّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرّم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها أو يعضد شجرها إلاّ عودي الناضح » (٣) واللابة : الحرّة ، ذكره الجوهري قال : وفي الحديث أنه حرّم ما بين لابتي المدينة (٤).
وفي الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « يحرم من صيد المدينة ما صيد بين الحرّتين » (٥).
ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن مكة حرم الله حرّمها إبراهيم عليهالسلام وإن المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم ، لا يعضد شجرها ، وهو ما بين ظلّ عائر إلى ظلّ وعير ، وليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذلك وهو بريد » (٦).
وعن الحسن بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبي العباس قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : حرّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة؟
__________________
(١) المسالك ١ : ١٢٨.
(٢) كما في المختلف : ٣٢٣.
(٣) الفقيه ٢ : ٣٣٦ ـ ١٥٦٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٥ أبواب المزار ب ١٧ ح ٥.
(٤) الصحاح ١ : ٢٢٠.
(٥) الفقيه ٢ : ٣٣٧ ـ ١٥٦٦ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٥ أبواب المزار ب ١٧ ح ٩ ، ورواها في التهذيب ٦ : ١٣ ـ ٢٥.
(٦) التهذيب ٦ : ١٢ ـ ٢٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٣ أبواب المزار ب ١٧ ح ١.
______________________________________________________
فقال : « نعم بريدا في بريد عضاها » قال ، قلت : صيدها؟ قال : « لا ، يكذب الناس » (١) لأنا نجيب عنهما بالطعن في السند بأن في طريق الأولى الحسن بن علي الكوفي وهو مجهول الحال ، وفي طريق الثانية إرسالا مع ضعف المرسل. وقال الشيخ في التهذيب : ما تضمّن هذان الخبران من أن صيد المدينة لا يحرم المراد به ما بين البريد إلى البريد وهو ظل عائر إلى ظل وعير ويحرم ما بين الحرّتين وبها تميز صيد هذا الحرم من حرم مكة ، لأن صيد مكة محرم في جميع الحرم وليس كذلك في حرم المدينة لأن الذي يحرم منها هو القدر المخصوص (٢).
فائدة : قال العلاّمة في المنتهى : حرم المدينة يفارق حرم مكة في أمور. أحدهما : أنه لا كفارة فيما يقتل فيه من صيد أو قطع شجر على ما قلنا. الثاني : أنه يباح من شجر المدينة ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للعلف روى الجمهور عن عليّ عليهالسلام أنه قال : « المدينة حرام من عائر إلى وعير لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يصلح أن يقطع منها شجره إلاّ أن يعلف رجل بعيره » ولأن المدينة يقرب منها شجر كثير وزروع فلو منع من احتشاشها مع الحاجة حصل الضرر والحرج المنفي بالأصل والنصف بخلاف مكة. الثالث : أنه لا يجب دخولها بإحرام بخلاف حرم مكة. الرابع : أن من أدخل صيدا إلى المدينة لم يجب عليه إرساله ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول : « يا أبا عمير ما فعل النقير » ـ وهو طائر صغير ـ رواه الجمهور وظاهره إباحة إمساكه وإلاّ لأنكر عليه (٣). انتهى كلامه ـ رحمهالله ـ وهو جيد ، لمطابقة ما ذكره لمقتضى الأصل وإن أمكن المناقشة في جواز الاحتشاش ، لإطلاق قوله عليهالسلام : « وحرّم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها » (٤) فإن الخلا الرطب من النبات واختلاؤه جزّه كما نصّ عليه
__________________
(١) التهذيب ٦ : ١٣ ـ ٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٥ أبواب المزار ب ١٧ ح ٤.
(٢) التهذيب ٦ : ١٣.
(٣) المنتهى ٢ : ٨٠٠.
(٤) الفقيه ٢ : ٣٣٦ ـ ١٥٦٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٥ أبواب المزار وما يناسبه ب ١٧ ح ٥.
الثانية : تستحب زيارة النبي عليهالسلام للحاج استحبابا مؤكدا.
______________________________________________________
أهل اللغة (١). ومع ذلك فالجواز غير بعيد ، وقد تقدم في حكم شجر الحرم ما يدل عليه.
قوله : ( الثانية : تستحب زيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للحاج استحبابا مؤكدا ).
لا ريب في تأكد الاستحباب ، بل مقتضى صحيحة حفص بن البختري وهشام بن سالم ومعاوية بن عمار ، عن الصادق عليهالسلام أن الناس لو تركوا زيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لوجب على الوالي أن يجبرهم على ذلك (٢). والأخبار الواردة في فضل زيارته أكثر من أن تحصى فروى الشيخ في الصحيح ، عن ابن أبي نجران قال : سألت أبا جعفر الثاني عليهالسلام عمّن زار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قاصدا فقال : « له الجنة » (٣) وعن السندي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة » (٤) وعن شهاب قال ، قال الحسين عليهالسلام لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يا أبتاه ما جزاء من زارك؟ فقال : يا بني من زارني حيّا أو ميتا أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقا عليّ أن أزوره يوم القيامة وأخلصه من ذنوبه » (٥) وروى ابن بابويه ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن إبراهيم بن (٦) حجر الأسلمي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أتى مكة
__________________
(١) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط ٣ : ٣٨١ ، والفيومي في المصباح المنير : ١٨١ ، وصاحب مختار الصحاح : ١٨٩.
(٢) الكافي ٤ : ٢٧٢ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٥٩ ـ ١٢٥٩ ، التهذيب ٥ : ٤٤١ ـ ١٥٣٢ ، الوسائل ٨ : ١٦ أبواب وجوب الحج ب ٥ ح ٢.
(٣) التهذيب ٦ : ٣ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٠ أبواب المزار ب ٣ ح ١.
(٤) التهذيب ٦ : ٤ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٦١ أبواب المزار ب ٣ ح ٢.
(٥) التهذيب ٦ : ٤ ـ ٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٥٦ أبواب المزار ب ٢ ح ١٤. وفيهما : المعلى بن شهاب.
(٦) في المصدر زيادة : أبي.
الثالثة : يستحب أن تزار فاطمة عليهاالسلام من عند الروضة ، والأئمة عليهمالسلام بالبقيع.
______________________________________________________
حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب ، ومن مات مهاجرا إلى الله عزّ وجلّ حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر » (١).
قوله : ( الثالثة : يستحب أن تزار فاطمة عليهاالسلام من عند الروضة ، والأئمة عليهمالسلام بالبقيع ).
لا ريب في تأكد استحباب ذلك ، والأخبار الواردة بكيفية زيارتهم عليهمالسلام وآدابها وثوابها أكثر من أن تحصى فليطلب من أماكنها. والروضة جزء من مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي ما بين قبره الشريف ومنبره إلى طرف الظلال. قال ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه : اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين عليهاالسلام فمنهم من روى أنها دفنت في البقيع ، ومنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنما قال : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة » لأن قبرها ما بين القبر والمنبر ، ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد وهذا هو الصحيح عندي وإني لمّا حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق الله تعالى ذكره فلما فرغت من زيارة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قصدت إلى بيت فاطمة عليهاالسلام وهو من الأسطوانة التي يدخل إليها من باب جبرائيل عليهالسلام إلى مؤخّر الحظيرة التي فيها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقمت عند الحظيرة ويساري إليها وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وأنا على غسل وقلت : السلام عليك يا بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢). وذكر الزيارة.
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٣٣٨ ـ ١٥٧١ ، الوسائل ١٠ : ٢٦١ أبواب المزار ب ٣ ح ٣.
(٢) الفقيه ٢ : ٣٤١ ـ ١٥٧٣ ـ ١٥٧٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٨ أبواب المزار ب ١٨ ح ٤.
خاتمة :
يستحب المجاورة بها والغسل عند دخولها.
______________________________________________________
وقال الشيخ في التهذيب بعد أن ذكر اختلاف الأصحاب في ذلك وأن بعضهم قال : إنها دفنت في الروضة. وقال بعضهم : إنها دفنت في بيتها. وهاتان الروايتان كالمتقاربتين : والأفضل عندي أن يزور الإنسان في الموضعين جميعا فإنه لا يضرّه ذلك ويحوز به أجرا عظيما ، فأما من قال : إنها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب (١) وأقول : إن سبب خفاء قبرها عليهاالسلام ما رواه المخالف والمؤالف من أنها عليهاالسلام أوصت إلى أمير المؤمنين عليهالسلام أن يدفنها ليلا لئلاّ يصلي عليها من آذاها ومنعها ميراثها من أبيها صلوات الله عليه ، ( مع أن العامة رووا في صحاحهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها » (٢) ) (٣) والأصح أنها دفنت في بيتها ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن قبر فاطمة عليهاالسلام قال : « دفنت في بيتها فلمّا زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد » (٤).
قوله : ( يستحب المجاورة بها ).
يدل على ذلك روايات كثيرة : منها رواية مرازم قال : دخلت أنا وعمّار وجماعة على أبي عبد الله عليهالسلام بالمدينة فقال : « ما مقامكم؟ » فقال عمّار : قد سرحنا ظهرنا وأمرنا أن نؤتى به إلى خمسة عشر يوما فقال : « أصبتم المقام في بلد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والصلاة في مسجده ، واعملوا لآخرتكم وأكثروا لأنفسكم إن الرجل قد يكون كيّسا في الدنيا فيقال :
__________________
(١) التهذيب ٦ : ٩.
(٢) صحيح البخاري ٥ : ٣٦ ، بتفاوت يسير.
(٣) ما بين القوسين ليس في « ض ».
(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٧٠٥ ، الوسائل ١٠ ، ٢٨٨ أبواب المزار ب ١٨ ح ٣.
وتستحب الصلاة بين القبر والمنبر ، وهو الروضة
______________________________________________________
ما أكيس فلانا وإنما الكيّس كيّس الآخرة » (١) ورواية الحسن بن الجهم ، عن أبي الحسن عليهالسلام أنه قال : « إن المقام بالمدينة أفضل من المقام بمكة » (٢) ورواية محمد بن عمرو الزيّات ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « من مات في المدينة بعثه الله عزّ وجلّ من الآمنين يوم القيامة » (٣).
قوله : ( وتستحب الصلاة بين القبر والمنبر وهو الروضة ).
لا ريب في استحباب الصلاة في مسجد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لاختصاصه بمزيد الشرف ، ولقول الصادق عليهالسلام في صحيحة معاوية ( بن عمّار : « وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم » (٤) وفي صحيحة معاوية ) (٥) بن وهب قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره إلاّ المسجد الحرام فهو أفضل » (٦).
ويتأكد الاستحباب في الروضة وهي ما بين القبر والمنبر ، لأنها أشرف بقاع المسجد ، ولقول الصادق عليهالسلام في صحيحة معاوية بن عمّار : « إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٥٧ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٢ أبواب المزار ب ٩ ح ٢.
(٢) الكافي ٤ : ٥٥٧ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ١٤ ـ ٢٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٢ أبواب المزار ب ٩ ح ١.
(٣) الكافي ٤ : ٥٥٨ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ١٤ ـ ٢٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٢ أبواب المزار ب ٩ ح ٣.
(٤) الكافي ٤ : ٥٥٣ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٧ ـ ١٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٥ أبواب المزار ب ٥ ح ٢.
(٥) ما بين القوسين ليس في « ض ».
(٦) الكافي ٤ : ٥٥٥ ـ ٨ ، التهذيب ٦ : ٨ ـ ١٥ ، الوسائل ٣ : ٥٤٢ أبواب أحكام المساجد ب ٥٧ ح ١.