مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

______________________________________________________

كانوا أهل بيت (١). ونحوه قال ابن بابويه (٢) وقال سلار : تجزي البقرة عن خمسة ، وأطلق (٣).

احتج المانعون بما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن محمد الحلبي : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن النفر ، تجزيهم البقرة؟ فقال : « أما في الهدي فلا ، وأما في الأضحى فنعم ، ويجزي الهدي عن الأضحيّة » (٤) وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : « لا يجوز إلا عن واحد بمنى » (٥) وروى أيضا بسند يقرب من الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تجزي البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزي بمنى إلا عن واحد » (٦).

احتج المجوزون برواية معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تجزي البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد » (٧) وحسنة حمران ، قال : عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار ، فسئل أبو جعفر عليه‌السلام عن ذلك فقال : « اشتركوا فيها » قال ، قلت : وكم؟ قال : « ما خف فهو أفضل » فقال ، قلت : عن كم‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٥.

(٢) المقنع : ٨٨.

(٣) المراسم : ١١٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٩٧ ـ ١٤٧٢ ، الوسائل ١٠ : ١١٣ أبواب الذبح ب ١٨ ح ٣ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٢١٠ ـ ٧٠٥ ، والاستبصار ٢ : ٢٦٨ ـ ٩٥٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٨ ـ ٦٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٦ ـ ٩٤١ ، الوسائل ١٠ : ١١٣ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٧ ـ ٦٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٦ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ١٠ : ١١٣ أبواب الذبح ب ١٨ ح ٤.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٠٨ ـ ٦٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٦ ـ ٩٤٢ ، الوسائل ١٠ : ١١٣ أبواب الذبح ب ١٨ ح ٥.

٢١

ويجوز في ذلك في الندب.

______________________________________________________

تجزي؟ فقال : « عن سبعين » (١) ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « البدنة والبقرة تجزي عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت واحد ومن غيرهم » (٢).

وفي معنى هذه الروايات غيرها وكلها ضعيفة السند ، نعم روى عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون ، وهم مترافقون ، ليسوا بأهل بيت واحد ، وقد اجتمعوا في مسيرهم ، ومضربهم واحد ، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ فقال : « لا أحب ذلك إلا من ضرورة » (٣).

والمسألة محل تردد ، وإن كان القول بإجزاء البقرة عن خمسة كما تضمنته رواية معاوية بن عمار المتقدمة غير بعيد ، لاعتبار سند الرواية ، واعتضادها بباقي الروايات.

والخوان كغراب وكتاب : ما يؤكل عليه الطعام ، قاله في القاموس (٤) ، والظاهر أن المراد بكونهم أهل خوان واحد أن يكونوا رفقة مختلطين في المأكل ، وقيل : إن ذلك كناية عن كونهم أهل بيت (٥) ، وهو أعم من ذلك.

قوله : ( ويجوز ذلك في الندب ).

أي في الهدي المندوب ، وهو الأضحية ، والمبعوث من الآفاق ، والمتبرع بسياقه إذا لم يتعين بالإشعار أو التقليد. ولا يجوز أن يكون المراد به‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٠٩ ـ ٧٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٧ ـ ٩٤٨ ، الوسائل ١٠ : ١١٥ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٨ ـ ٦٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٦ ـ ٩٤٤ ، علل الشرائع : ٤٤١ ـ ١ ، الخصال : ٣٥٦ ـ ٣٨ ، الوسائل ١٠ : ١١٤ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٦ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢١٠ ـ ٧٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٨ ـ ٩٥١ ، الوسائل ١٠ : ١١٤ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١٠.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ٢٢٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٧.

٢٢

ولا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي ، بل يقتصر على الصوم.

______________________________________________________

الهدي في الحج المندوب ، لأنه يجب بالشروع فيه كما مر ، فيكون الهدي فيه واجبا كما يجب في الواجب بأصل الشرع. وقد نقل العلامة في المنتهى الإجماع على إجزاء الهدي الواحد في التطوع عن سبعة نفر ، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم (١) ( ويدل عليه رواية الحلبي المتقدمة (٢) (٣) وقال في التذكرة : أما التطوع فيجزي الواحد عن سبعة وعن سبعين حال الاختيار ، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعا (٤).

قوله : ( ولا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي ، بل يقتصر على الصوم ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن علي بن أسباط ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وفي عيبته ثياب ، أله أن يبيع من ثيابه شيئا ويشتري بدنة؟ قال : « لا هذا يتزين به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئا » (٥) والرواية ضعيفة السند بالإرسال وغيره ، لكن لا ريب في عدم وجوب بيع ما تدعوا الضرورة إليه من ذلك وغيره. ولو باع شيئا من ذلك مع الحاجة إليه واشترى بثمنه هديا قيل : أجزأ ، كما لو تبرع عليه متبرع بالهدي (٦). ويمكن المناقشة فيه بأن الآتي بذلك آت بغير ما هو فرضه ، إذ الفرض الإتيان بالبدل والحال هذه ، وإلحاقه بحالة التبرع قياس مع الفارق.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٤٨.

(٢) في ص ٢١.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٤) التذكرة ١ : ٣٨٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٣٨ ـ ٨٠٢ ، الوسائل ١٠ : ١٧١ أبواب الذبح ب ٥٧ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٥٠٨ ـ ٥.

(٦) كما في جامع المقاصد ١ : ١٧١ ، والمسالك ١ : ١١٥.

٢٣

ولو ضلّ الهدي فذبحه غير صاحبه لم يجز عنه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ضل الهدي فذبحه غير صاحبه لم يجز عنه ).

وذلك لأنه لم يتعين بالشراء للذبح ، وإنما يتعين بالنية ، فلا يقع من غير المالك أو وكيله. والأصح أنه يجزي عنه إذا ذبحه عن صاحبه كما اختاره الشيخ (١) وجمع من الأصحاب ، لصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره ، قال : « إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه » (٢).

وذكر العلامة في المنتهى أنه ينبغي لواجد الهدي الضال أن يعرّفه ثلاثة أيام ، فإن عرفه صاحبه وإلا ذبحه عنه (٣). لصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : « إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرّفه يوم النحر واليوم الثاني واليوم الثالث ، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث » (٤) ولا يبعد وجوب التعريف كما هو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٥) ، عملا بظاهر الأمر.

ولو قلنا بجواز الذبح قبل التعريف لم يبعد وجوبه بعده ليعلم المالك فيترك الذبح ثانيا.

ومتى جاز ذبحه فالظاهر وجوب الصدقة به والاهداء ، ويسقط وجوب الأكل قطعا ، لتعلقه بالمالك.

__________________

(١) النهاية : ٢٦٠.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٥ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٩٧ ـ ١٤٧٥ ، التهذيب ٥ : ٢١٩ ـ ٧٣٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٢ ـ ٩٦٣ ، الوسائل ١٠ : ١٢٧ أبواب الذبح ب ٢٨ ح ٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٥١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٤ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٢١٧ ـ ٧٣١ ، الوسائل ١٠ : ١٢٧ أبواب الذبح ب ٢٨ ح ١.

(٥) النهاية : ٢٦٠.

٢٤

ولا يجوز إخراج شي‌ء مما يذبحه عن منى ، بل يخرج إلى مصرفه بها.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يجوز إخراج شي‌ء مما يذبحه عن منى ، بل يخرجه إلى مصرفه بها ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : سألته عن اللحم ، أيخرج به من الحرم؟ فقال : « لا يخرج منه شي‌ء إلا السنام بعد ثلاثة أيام » (١).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار ، قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تخرجن شيئا من لحم الهدي » (٢).

وعن علي بن أبي حمزة ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : « لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل بمنى أيامها » (٣).

ثم قال الشيخ : فأما ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى فقال : « كنا نقول : لا يخرج شي‌ء ، لحاجة الناس إليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس ، فلا بأس بإخراجه » (٤) فلا ينافي الأخبار المتقدمة ، لأن هذا الخبر ليس فيه أنه يجوز إخراج لحم الأضحية مما يضحيه الإنسان أو مما‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٦ ـ ٧٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٤ ـ ٩٧٤ ، الوسائل ١٠ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٦ ـ ٧٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٥ ، الوسائل ١٠ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٧ ـ ٧٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٦ ، الوسائل ١٠ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٥٠٠ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٢٧ ـ ٧٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٧ ، الوسائل ١٠ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٥.

٢٥

______________________________________________________

يشتريه وإذا لم يكن في ظاهره حملناه على أن من اشترى لحوم الأضاحي فلا بأس بأن يخرجه.

ثم استدل على ذلك بما رواه الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال ، سمعته يقول : « لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل منها أيامها ، إلا السنام فإنه دواء ». قال أحمد ، قال : « ولا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى ويتزوده » (١).

وللنظر في هذا الجمع مجال ، إلا أنه لا خروج عما عليه الأصحاب.

واعلم أن أقصى ما تدل عليه هذه الروايات عدم جواز إخراج شي‌ء من اللحم عن منى ، وقال الشارح قدس‌سره : إنه لا فرق في ذلك بين اللحم والجلد وغيرهما من الأطراف والأمعاء ، بل يجب الصدقة بجميع ذلك ، لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢). وفيه نظر ، لأن الفعل لا يقتضي الوجوب كما حقق في محله ، نعم يمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإهاب فقال : « تصدق به أو تجعله مصلى ينتفع به في البيت ، ولا تعطي الجزارين » وقال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعطى جلالها وجلودها وقلائدها الجزارين ، وأمر أن يتصدق بها » (٣).

وروى أيضا في الصحيح ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن جلود الأضاحي ، هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا؟ قال : « لا يصلح أن يجعلها جرابا ، إلا أن يتصدق‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٧ ـ ٧٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٨ ، الوسائل ١٠ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٤.

(٢) المسالك ١ : ١١٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٨ ـ ٧٧١ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٦ ـ ٩٨٠ ، الوسائل ١٠ : ١٥٢ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٥.

٢٦

ويجب ذبحه يوم النحر مقدّما على الحلق ، فلو أخره أثم وأجزأ. وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز.

______________________________________________________

بثمنها » (١).

قوله : ( ويجب ذبحه يوم النحر مقدما على الحلق ، ولو أخره أثم وأجزأ ).

أما وجوب ذبحه يوم النحر فهو قول علمائنا وأكثر العامة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحر هديه في هذا اليوم وقال : « خذوا عني مناسككم » (٢).

وأما وجوب تقديمه على الحلق فهو أحد الأقوال في المسألة ، واكتفى الشيخ في التهذيب والنهاية والمبسوط في جواز الحلق بحصول الهدي في رحله ، قال : فإذا حصل في رحله بمنى وأراد أن يحلق جاز له ذلك ، والأفضل أن لا يحلق حتى يذبح (٣). وقال في الخلاف : ترتيب مناسك منى مستحب لا واجب (٤). وبه قطع ابن إدريس في سرائره (٥) ، واستقر به في المختلف (٦) ، وسيجي‌ء تفصيل الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى (٧).

قوله : ( وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز ).

مقتضى العبارة جواز ذبحه في بقية ذي الحجة اختيارا ، وبه صرح الشيخ في المصباح فقال : إن الهدي الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٨ ـ ٧٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٦ ـ ٩٨٢ ، الوسائل ١٠ : ١٥١ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٤ ، ورواها في قرب الإسناد : ١٠٦ ، والبحار ١٠ : ٢٧٦.

(٢) غوالي اللآلي ٤ : ٣٤ ـ ١١٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٥ ، والنهاية : ٢٦٢ ، والمبسوط ١ : ٣٧٤.

(٤) الخلاف ١ : ٤٥٧.

(٥) السرائر : ١٤٢.

(٦) المختلف : ٣٠٧.

(٧) في ص ٩٩.

٢٧

الثاني : في صفاته ، والواجبات ثلاثة :

الأول : الجنس ، ويجب أن يكون من النعم : الإبل ، أو البقر ، أو الغنم.

الثاني : السّن ، فلا يجزي من الإبل إلا الثني ، وهو الذي له خمس ودخل في السادسة. ومن البقر والمعز ما له سنة ودخل في الثانية. ويجزي من الضأن الجذع لسنته.

______________________________________________________

الحجة ، ويوم النحر أفضل (١). وهو مشكل. وقال الشهيد في الدروس : إن زمانه يوم النحر ، فإن فات أجزأ في ذي الحجة (٢). ولم أقف في الروايات على ما يدل على ذلك صريحا ، وإنما الموجود فيها أن من فقد الهدي ووجد ثمنه خلّفه عند ثقة ليذبحه عنه في ذي الحجة.

قوله : ( الثاني ، في صفاته ، والواجب ثلاثة : الأول ، الجنس ، ويجب أن يكون من النعم : الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في المتمتع قال : « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسه شاة » (٣).

قوله : ( الثاني ، السن ، فلا يجزي من الإبل إلا الثني ، وهو الذي له خمس ودخل في السادسة ، ومن البقر والمعز ما له سنة ودخل في الثانية ، ويجزي من الضأن الجذع لسنته ).

مذهب الأصحاب أنه لا يجزي في الهدي من غير الضأن إلا الثني ، أما‌

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٦٤٣.

(٢) الدروس : ١٢٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦ ـ ١٠٧ ، الوسائل ١٠ : ١٠١ أبواب الذبح ب ١٠ ح ٥.

٢٨

______________________________________________________

الضأن فيجزي منه الجذع (١) ، ووافقنا على ذلك أكثر العامة ، وقال بعضهم : لا يجزي إلا الثني من كل شي‌ء (٢). وقال آخرون : يجزي الجذع من الكل ، إلا المعز (٣).

والمستند فيما ذكره الأصحاب ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « يجزي من الضأن الجذع ، ولا يجزي من المعز إلا الثني » (٤).

وفي الصحيح عن عيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن علي عليه‌السلام ، أنه كان يقول : « الثنية من الإبل ، والثنية من البقر ، والثنية من المعز ، والجذع من الضأن » (٥).

وفي الصحيح عن حماد بن عثمان ، قال : سألته أبا عبد الله عليه‌السلام عن أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي فقال : « الجذع من الضأن » قلت : فالمعز؟ قال : « لا يجوز الجذع من المعز » قلت : ولم؟ قال : « لأن الجذع من الضأن يلقح ، والجذع من المعز لا يلقح » (٦).

واعلم أن المشهور في كلام الأصحاب أن الثني من الإبل ما كمل له خمس سنين ودخل في السادسة ، ومن البقر والغنم ما دخل في الثانية.

وذكر العلامة في موضع من التذكرة والمنتهى أن الثني من المعز ما دخل في الثالثة (٧). وهو مطابق لكلام أهل اللغة ، قال الجوهري : الثني الذي يلقي ثنيته ، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في‌

__________________

(١) في « ح » : أما الضأن فلا يجزي إلا الجذع.

(٢) حكاه ابن قدامة في المغني ٣ : ٥٩٥.

(٣) حكاه ابن قدامة في المغني ٣ : ٥٩٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٦ ـ ٦٨٩ ، الوسائل ١٠ : ١٠٣ أبواب الذبح ب ١١ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٦ ـ ٦٨٨ ، الوسائل ١٠ : ١٠٢ أبواب الذبح ب ١١ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٦ ـ ٦٩٠ ، الوسائل ١٠ : ١٠٣ أبواب الذبح ب ١١ ح ٤ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٨٩ ـ ١ ، والمحاسن : ٣٤٠ ـ ١٢٧ ، وعلل الشرائع : ٤٤١ ـ ١.

(٧) التذكرة ١ : ٢١٣ ، والمنتهى ١ : ٤٩١.

٢٩

الثالث : أن يكون تاما ، فلا تجزي العوراء ، ولا العرجاء البيّن عرجها ،

______________________________________________________

السنة السادسة (١). وقال في القاموس : الثنية الناقة الطاعنة في السادسة ، والفرس الداخلة في الرابعة ، والشاة في الثالثة كالبقرة (٢).

وأما الجذع من الضأن فقال العلامة في التذكرة والمنتهى في هذه المسألة : إنه ما كمل له ستة أشهر (٣). وهو موافق لكلام الجوهري. وقيل : إنه ما كمل له سبعة أشهر ودخل في الثامن (٤). وحكى في التذكرة عن ابن الأعرابي أنه قال : إن ولد الضأن إنما يجذع ابن سبعة أشهر إذا كان أبواه شابين ، ولو كانا هرمين لم يجذع حتى يستكمل ثمانية أشهر (٥).

والتعويل على ذلك كله مشكل ، نعم روى الكليني في الصحيح ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أسنان البقر تبيعها ومسنها سواء » (٦) والتبيع ما دخل في الثانية. وحيث ثبت إجزاء الثني فينبغي الرجوع فيما يصدق عليه ذلك إلى العرف إن لم يثبت المعنى اللغوي ( والأمر في هذه المسائل ملتبس ، وطريق الاحتياط واضح ) (٧).

قوله : ( الثالث : أن يكون تاما ، فلا يجزي العوراء ، ولا العرجاء البيّن عرجها ).

هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن علي بن جعفر : أنه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل‌

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢٢٩٥.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٣١١.

(٣) التذكرة ١ : ٣٨١ ، والمنتهى ٢ : ٧٤٠.

(٤) كما في مجمع الفائدة ٤ : ٧٧.

(٥) التذكرة ١ : ٢١٣.

(٦) الكافي ٤ : ٤٨٩ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ١٠٤ أبواب الذبح ب ١١ ح ٧.

(٧) ما بين القوسين ليس في « ض ».

٣٠

______________________________________________________

يجزي عنه؟ قال : « نعم ، إلا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا » (١) وهو نص في المطلوب.

وعن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يضحى بالعرجاء بيّن عرجها ، ولا بالعوراء بيّن عورها ، ولا بالعجفاء ، ولا بالخرقاء (٢) ، ولا بالجذاء (٣) ، ولا بالعضباء » (٤).

وعن شريح بن هاني ، عن علي صلوات الله وسلامه عليه ، قال : « أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأضاحي أن نستشرف العين والأذن ، ونهانا عن الخرقاء ، والشرقاء ، والمقابلة ، والمدابرة » (٥).

وفسرت الخرقاء : بالتي في أذنها خرق مستدير ، والشرقاء : بأنها المشقوقة الأذنين بائنتين ، والمقابلة : بأنها المقطوعة طرف الأذن ويترك معلقا ، والمدابرة : بأنها المقطوعة مؤخر الأذن كذلك ، والعضباء : بأنها الناقة المشقوقة الأذن والشاة المكسورة القرن الداخل ، والجذاء : بأنها المقطوعة الأذن (٦).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العور بين كونه‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٥ ـ ١٤٦٣ ، التهذيب ٥ : ٢١٣ ـ ٧١٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٨ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ١٠ : ١٢٢ أبواب الذبح ب ٢٤ ح ٢.

(٢) في الفقيه : ولا بالجرباء ، وفي التهذيب : ولا بالخرماء ، وفي الوسائل : ولا بالخرفاء ( بالخرقاء ، بالحرياء ).

(٣) في « ح » ، الفقيه ، الوسائل : ولا بالجدعاء.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٩٣ ـ ١٤٥٠ ، التهذيب ٥ : ٢١٣ ـ ٧١٦ ، معاني الأخبار : ٢٢١ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ١١٩ أبواب الذبح ب ٢١ ح ٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٩٣ ـ ١٤٤٩ ، التهذيب ٥ : ٢١٢ ـ ٧١٥ ، معاني الأخبار : ٢٢٢ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ١١٩ أبواب الذبح ب ٢١ ح ٢.

(٦) ذكر ذلك كله في الصحاح ٤ : ١٤٦٨ و ١٥٠١ ، وج ٥ : ١٧٩٧ ، وج ١ : ١٨٣ وج ٢ : ٥٦١.

٣١

ولا التي انكسر قرنها الداخل ، ولا المقطوعة الأذن ،

______________________________________________________

بيّنا كانخساف العين ، وغيره كحصول البياض عليها ، وبهذا التعميم صرح في المنتهى (١).

أما العرج فاعتبر الأصحاب فيه كونه بيّنا ، كما ورد في رواية السكوني. وفسروا البيّن بأنه المتفاحش الذي يمنعها السير مع الغنم ومشاركتهن في العلف والمرعى فتهزل.

ومقتضى صحيحة علي بن جعفر عدم إجزاء الناقص من الهدي مطلقا.

قوله : ( ولا التي انكسر قرنها الداخل ).

وهو الأبيض الذي في وسط الخارج ، أما الخارج فلا عبرة به. ويدل على الحكمين ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال في المقطوع القرن أو المكسور القرن : « إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا » (٢).

وقال ابن بابويه : سمعت شيخنا محمد بن الحسن رضي‌الله‌عنه يقول : سمعت محمد بن الحسن الصفار يقول : إذا ذهب من القرن الداخل ثلثاه وبقي ثلثه فلا بأس بأن يضحى به (٣).

قوله : ( ولا المقطوعة الأذن ).

للنهي عنه في روايتي السكوني وشريح بن هاني المتقدمتين ، ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر بإسناده عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : سئل عن الأضاحي إذا كانت الأذن‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٤٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٣ ـ ٧١٧ ، الوسائل ١٠ : ١٢١ أبواب الذبح ب ٢٢ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٩٦.

٣٢

ولا الخصي من الفحول.

______________________________________________________

مشقوقة أو مثقوبة بسمة فقال : « ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس » (١) ويستفاد من هذه الرواية إجزاء مشقوقة الأذن ومثقوبتها إذا لم يذهب منها شي‌ء.

وروى الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الضحية تكون مشقوقة الأذن فقال : « إن كان شقها وسما فلا بأس ، وإن كان شقا فلا يصلح » (٢).

وقد قطع الأصحاب بإجزاء الجماء ، وهي التي لم يخلق لها قرن ، والصمعاء وهي الفاقدة الأذن خلقة ، للأصل ، ولأن فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا في قيمة الشاة ولا في لحمها. واستقرب العلامة في المنتهى إجزاء البتراء أيضا ، وهي المقطوعة الذنب (٣). ولا بأس به.

قوله : ( ولا الخصي من الفحول ).

المراد بالخصي المسلول الخصية بضم الخاء وكسرها ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فذهب الأكثر إلى عدم إجزائه ، بل ظاهر التذكرة أنه قول علمائنا أجمع (٤). وقال ابن أبي عقيل : إنه مكروه (٥). والأصح الأول ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، أنه سأله أيضحى بالخصي؟ فقال : « لا » (٦).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يشتري الهدي ، فلما ذبحه إذا هو خصي مجبوب ، ولم يكن يعلم أن الخصي لا يجوز في الهدي ، هل يجزيه أم يعيده؟ قال :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٣ ـ ٧١٨ ، الوسائل ١٠ : ١٢١ أبواب الذبح ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩١ ـ ١١ ، الوسائل ١٠ : ١٢١ أبواب الذبح ب ٢٣ ح ٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٤١.

(٤) التذكرة ١ : ٣٨١.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٣٠٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٥ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ١٠ : ١٠٥ أبواب الذبح ب ١٢ ح ١.

٣٣

ولا المهزولة ،

______________________________________________________

« لا يجزيه إلا أن يكون لا قوة به عليه » (١).

وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سئل عن الخصي أيضحى به؟ فقال : « إن كنتم تريدون اللحم فدونكم » (٢).

ولو لم يجد إلا الخصي فالأظهر إجزاؤه ، كما اختاره في الدروس (٣) ، لرواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : فالخصي يضحى به؟ قال : « لا إلا أن لا يكون غيره » (٤).

وفي صحيحة معاوية بن عمار « اشتر فحلا سمينا للمتعة ، فإن لم تجد فموجوءا ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز ، فإن لم تجد فنعجة ، فإن لم تجد فما استيسر من الهدي » (٥) وفي صحيحة أخرى لمعاوية : « فإن لم تجد فما تيسر عليك » (٦).

قوله : ( ولا المهزولة ).

لأنه قد منع من العرجاء لأجل الهزال ، فالمهزولة أولى ، ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة العيص بن القاسم : « وإن اشتريته مهزولا فوجدته سمينا أجزأك ، وإن اشتريته مهزولا فوجدته مهزولا فلا يجزي » (٧). وفي حسنة الحلبي : « إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه ، وإن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزي عنه » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١١ ـ ٧٠٨ ، الوسائل ١٠ : ١٠٥ أبواب الذبح ب ١٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٧ ـ ٦٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ١٠ : ١١٢ أبواب الذبح ب ١٧ ح ١.

(٣) الدروس : ١٢٧.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٠ ـ ٥ ، الوسائل ١٠ : ١٠٦ أبواب الذبح ب ١٢ ح ٨.

(٥) الكافي ٤ : ٤٩٠ ـ ٩ ، الوسائل ١٠ : ١٠٦ أبواب الذبح ب ١٢ ح ٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٤ ـ ٦٧٩ ، الوسائل ١٠ : ٩٧ أبواب الذبح ب ٨ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ٤٩١ ـ ١٥ ، الوسائل ١٠ : ١١١ أبواب الذبح ب ١٦ ح ٦.

(٨) الكافي ٤ : ٤٩٠ ـ ٦ ، الوسائل ١٠ : ١١١ أبواب الذبح ب ١٦ ح ٥.

٣٤

وهي التي ليس على كليتيها شحم.

ولو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت كذلك لم تجزه. ولو خرجت سمينة أجزأته ،

______________________________________________________

قوله : ( وهي التي ليس على كليتها شحم ).

هذا التفسير مروي في رواية الفضيل ، قال : حججت بأهلي سنة فعزت الأضاحي فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء ، فلما ألقيت إهابيهما ندمت ندامة شديدة كثيرة لما رأيت بهما من الهزال ، فأتيته فأخبرته بذلك ، فقال : « إن كان على كليتيهما شي‌ء من الشحم أجزأت » (١) وفي طريق هذه الرواية ياسين الضرير وهو غير موثق. ولو قيل بالرجوع في حد الهزال إلى العرف لم يكن بعيدا.

ولو لم يجد إلا فاقد الشرائط قيل أجزأ ، وبه قطع الشهيدان (٢) لظاهر‌ قوله عليه‌السلام « فإن لم تجد فما استيسر من الهدي » واستقرب المحقق الشيخ علي الانتقال إلى الصوم ، لأن فاقد الشرائط لما لم يكن مجزيا كان وجوده كعدمه (٣). والمسألة محل تردد.

قوله : ( ولو اشتراها على أنها مهزولة فبانت كذلك لم تجزه ، ولو خرجت سمينة أجزأته ).

لا ريب في الإجزاء إذا ظهر كونها سمينة قبل الذبح ، وإنما الخلاف فيما إذا ظهر ذلك بعده ، فذهب الأكثر إلى الإجزاء أيضا ، لقوله عليه‌السلام في رواية الحلبي والعيص بن القاسم المقدمتين : « وإن اشتريته مهزولا فوجدته سمينا أجزأك » فإن المتبادر من الوجدان كونه بعد الذبح.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٢ ـ ١٦ ، التهذيب ٥ : ٢١٢ ـ ٧١٤ ، الوسائل ١٠ : ١١٠ أبواب الذبح ب ١٦ ح ٣.

(٢) الشهيد الأول في الدروس : ١٢٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٥.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٧١.

٣٥

وكذا لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة. ولو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة لم يجزه.

______________________________________________________

وقال ابن أبي عقيل : لا يجزيه ذلك ، لأن ذبح ما يعتقده مهزولا غير جائز ، فلا يمكن التقرب به ، وإذا انتفت نية القربة انتفى الإجزاء (١).

وأجيب عنه (٢) بالمنع من الصغرى ، إذ غاية ما يستفاد من الأدلة عدم إجزاء المهزول ، لا تحريم ذبح ما ظن كونه كذلك. وعلى هذا فيمكن القول بجواز ذبح المشتبه والمظنون الهزال رجاء ظهور الموافقة.

قوله : ( وكذا لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة ).

أي بعد الذبح ، وإنما كانت مجزية لصدق الامتثال ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة منصور (٣) : « وإن اشترى الرجل هديا وهو يرى أنه سمين أجزأ عنه وإن لم يجده سمينا » (٤).

ولو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز ، لإطلاق الروايات المتضمنة لعدم إجزاء التضحية بالمهزول السالم عن معارضة النص المتقدم ، حيث إن المتبادر من الوجدان كونه بعد الذبح كما سبق ، وقيل بالإجزاء هنا أيضا (٥). وهو ضعيف جدا.

قوله : ( ولو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة لم تجزه ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يظهر النقصان قبل الذبح وبعده ، ولا بين أن يكون المشتري قد نقد الثمن أولا ، ويدل عليه ( مضافا إلى النهي عن الهدي الناقص ) (٦) صحيحة علي بن جعفر : أنه سأل‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٣٠٦.

(٢) كما في المختلف : ٣٠٦.

(٣) في « م » و « ح » زيادة : ابن حازم.

(٤) التهذيب ٥ : ٢١١ ـ ٧١٢ ، الوسائل ١٠ : ١١٠ أبواب الذبح ب ١٦ ح ٢.

(٥) المسالك ١ : ١١٥.

(٦) ما بين القوسين ليس في « ض ».

٣٦

والمستحب أن تكون سمينة ، تنظر في سواد وتبرك في سواد وتمشي في مثله ، أي يكون لها ظلّ تمشي فيه. وقيل : أن تكون هذه المواضع منها سودا ،

______________________________________________________

أخاه موسى عليه‌السلام عن الرجل يشتري الأضحيّة عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها ، هل يجزي عنه؟ قال : « نعم ، إلا أن يكون هديا واجبا ، فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا » (١).

وقال الشيخ في التهذيب : إن من اشترى هديا ولم يعلم أن به عيبا ونقّد ثمنه ثم وجد به عيبا فإنه يجزي عنه. واستدل عليه بما رواه في الصحيح ، عن عمران الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من اشترى هديا ولم يعلم أن به عيبا حتى نقّد ثمنه ثم علم به فقد تم » (٢).

ثم قال : ولا ينافي هذا الخبر ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل اشترى هديا وكان به عيب ، عور أو غيره فقال : « إن كان نقّد ثمنه رده فاشترى غيره » (٣) لأن هذا الخبر محمول على من اشترى ولم يعلم أن به عيبا ، ثم علم قبل أن ينقّد الثمن عيبه ، ثم نقّد الثمن بعد ذلك ، فإن عليه رد الهدي ، وأن يسترد الثمن ويشتري بدله ، ولا تنافي بين الخبرين (٤). هذا كلامه رحمه‌الله ، ولا بأس به.

قوله : ( والمستحب أن تكون سمينة ، تنظر في سواد ، وتبرك في سواد ، وتمشي في مثله ، أي : يكون لها ظل تمشي فيه ، وقيل : أن يكون هذه المواضع منها سودا ).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٥ ـ ١٤٦٣ ، التهذيب ٥ : ٢١٣ ـ ٧١٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٨ ـ ٩٥٢ ، قرب الإسناد : ١٠٥ ، الوسائل ١٠ : ١١٩ أبواب الذبح ب ٢١ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٤ ـ ٧٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٩ ـ ٩٥٣ ، الوسائل ١٠ : ١٢٢ أبواب الذبح ب ٢٤ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ١٢٢ أبواب الذبح ب ٢٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢١٤.

٣٧

______________________________________________________

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يضحي بكبش أقرن ، عظيم ، سمين ، فحل ، يأكل في سواد ، وينظر في سواد » (١).

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضحي بكبش أقرن ، فحل ، ينظر في سواد ، ويمشي في سواد » (٢).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، قال : حدثني من سمعه يقول : « ضح بكبش أسود أقرن فحل ، فإن لم تجد أسود فأقرن فحل ، يأكل في سواد ، ويشرب في سواد ، وينظر في سواد » (٣).

واختلف الأصحاب في تفسير اللفظ ، فقال بعضهم : المراد بذلك كون هذه المواضع سودا. واختاره ابن إدريس (٤).

وقيل : معناه أن يكون من عظمته ينظر في شحمه ، ويمشي في فيئه ، ويبرك في ظل شحمه (٥). وهذا القول هو الذي نقله المصنف ، فإن المراد بقوله يكون لها ظل تمشي فيه : أن يكون لها ظل عظيم باعتبار عظم جثتها وسمنها ، لا مطلق الظل ، فإنه لازم لكل جسم كثيف.

ونقل عن بعض الفقهاء تفسير ثالث ، وهو أن يكون السواد كناية عن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٥ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ١٠ : ١٠٧ أبواب الذبح ب ١٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٥ ـ ٦٨٥ ، الوسائل ١٠ : ١٠٧ أبواب الذبح ب ١٣ ح ١ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٢٩٦ ـ ١٤٧٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٩ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ١٠٨ أبواب الذبح ب ١٣ ح ٥.

(٤) السرائر : ١٤٠.

(٥) نقله عن أهل التأويل واستقر به العلامة في المختلف : ٤٠٦ ، وجعله الأولى الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٩٠.

٣٨

وأن تكون مما عرّف به ،

______________________________________________________

المرعى والنبت ، فإنه يطلق عليه ذلك لغة ، والمعنى حينئذ أن يكون الهدي رعى ومشى ونظر وبرك في الخضرة والمرعى فسمن لذلك (١).

ونقل عن القطب الراوندي أنه قال : إن التفسيرات الثلاثة مروية عن أهل البيت عليهم‌السلام (٢).

ولا يخفى أن هذا الوصف على التفسير الثاني والثالث يكون مبالغة في زيادة السمن ، أما على التفسير الأول فإنه يكون وصفا برأسه مغايرا لما قبله.

قوله : ( وأن تكون مما عرّف به ).

المشهور أن ذلك على سبيل الاستحباب ، بل قال في التذكرة : ويستحب أن يكون مما عرّف به ، وهو الذي أحضر عرفة عشية عرفة إجماعا (٣).

وقال في المقنعة : لا يجوز أن يضحي إلا بما قد عرّف به ، وهو الذي أحضر عشية عرفة بعرفة (٤). وظاهره أن ذلك على سبيل الوجوب ، لكن قال في المنتهى : إن الظاهر أنه أراد به تأكد الاستحباب (٥).

والأصل في هذه المسألة من طريق الأصحاب ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يضحى إلا بما قد عرّف به » (٦).

وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سئل عن‌

__________________

(١) كالشهيد الأول في الدروس : ١٢٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٦.

(٢) نقله عنه في الدروس : ١٢٧.

(٣) التذكرة ١ : ٣٨٢.

(٤) لم نعثر عليه في المقنعة وهو موجود في التهذيب ٥ : ٢٠٦.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٤٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٧ ـ ٦٩١ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ ـ ٩٣٦ ، الوسائل ١٠ : ١١٢ أبواب الذبح ب ١٧ ح ٢.

٣٩

وأفضل الهدي من البدن والبقر الإناث ، ومن الضأن والمعز الذكران ،

______________________________________________________

الخصي يضحى به؟ فقال : « إن كنتم تريدون اللحم فدونكم » وقال : « لا يضحى إلا بما قد عرّف به » (١).

وظاهر النهي التحريم ، إلا أنه حمل على الكراهة ، لرواية سعيد بن يسار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن اشترى شاة لم يعرّف بها ، قال : « لا بأس بها عرّف بها أم لم يعرّف » (٢) وفي طريق هذه الرواية محمد بن سنان وهو ضعيف (٣).

ويكفي في ثبوت التعريف إخبار البائع بذلك ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن سعيد بن يسار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا نشتري الغنم بمنى ولسنا ندري عرّف بها أم لا فقال : « إنهم لا يكذبون ، لا عليك ضح بها » (٤) قال الشارح : وفي الاكتفاء بقوله في سنّه احتمال (٥).

قوله : ( وأفضل الهدي من البدن والبقر الإناث ، ومن الضأن والمعز الذكران ).

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل والبقر ، وقد تجزي الذكورة من البدن ، والضحايا من الغنم‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٧ ـ ٦٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ١٠ : ١١٢ أبواب الذبح ب ١٧ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٩٧ ـ ١٤٧٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠٧ ـ ٦٩٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ ـ ٩٣٨ ، الوسائل ١٠ : ١١٢ أبواب الذبح ب ١٧ ح ٤.

(٣) راجع رجال النجاشي : ٣٢٨ ـ ٨٨٨ و ٤٢٤ ـ ١١٤٠ ، والفهرست : ١٤٣ ـ ٦٠٩ ، ورجال الشيخ : ٣٨٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٧ ـ ٦٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ ـ ٩٣٩ ، الوسائل ١٠ : ١١٢ أبواب الذبح ب ١٧ ح ٣.

(٥) المسالك ١ : ١١٦.

٤٠