مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

وأتم الطواف ثم أتم السعي.

______________________________________________________

وأتمّ الطواف ثم أتمّ السعي ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين من تجاوز في طوافه النصف ومن لم يتجاوز ، وخصّه الشارح بالأول وأوجب الإعادة في الثاني (١). والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف به ثم ذكر أنه بقي عليه من طوافه شي‌ء فأمره أن يرجع إلى البيت فيتمّ ما بقي من طوافه ثم يرجع إلى الصفا فيتمّ ما بقي ، فقلت له : فإنه طاف بالصفا وترك البيت قال : « يرجع إلى البيت فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا » فقلت له : فما الفرق بين هذين؟ فقال : « لأنه قد دخل في شي‌ء من الطواف وهذا لم يدخل في شي‌ء منه » (٢) وهذا التعليل كالصريح في عدم الفرق بين تجاوز النصف وعدمه ، لكن الرواية قاصرة من حيث السند (٣) فيمكن المصير إلى ما اعتبره الشارح من التقييد ، إذ الظاهر أنه لا خلاف في البناء مع تجاوز النصف ، ومع ذلك فلا ريب أن الإتمام ثم الاستئناف طريق الاحتياط.

ولو ذكر في أثناء السعي أنه لم يصل الركعتين قطع السعي وأتى بهما ثم أتمّ سعيه من حيث قطع ، لصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى أن يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقل من ذلك قال : « ينصرف حتى يصلي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه ويتم سعيه » (٤).

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٣٠ ـ ٤٢٨ ، الوسائل ٩ : ٤٧٢ أبواب الطواف ب ٦٣ ح ٣.

(٣) لوقوع عبد الله بن جبلة في طريقها وهو واقفي ، ولأن راويها وهو إسحاق بن عمار فطحي ـ راجع رجال النجاشي : ٢١٦ ـ ٥٦٣ ، والفهرست : ١٥ ـ ٥٢.

(٤) التهذيب ٥ : ١٤٣ ـ ٤٧٤ ، الوسائل ٩ : ٤٩٠ أبواب الطواف ب ٧٧ ح ٣.

٢٢١

القول في الأحكام المتعلقة بمنى بعد العود.

وإذا قضى الحاج مناسكه بمكة من طواف الزيارة والسعي وطواف النساء فالواجب العود إلى منى للمبيت بها. ويجب عليه أن يبيت [ بها ] ليلتي الحادي عشر والثاني عشر.

______________________________________________________

رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ثم ذكر قال : « يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود إلى مكانه » (١) قال ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه بعد أن أورد هذه الرواية : وقد رخّص له أن يتمّ طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام روى ذلك محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام فبأيّ الخبرين أخذ جاز.

قوله : ( القول في الأحكام المتعلقة بمنى بعد العود. فإذا قضى الحاج مناسكه بمكة من طواف الزيارة والسعي وطواف النساء فالواجب العود إلى منى للمبيت بها فيجب عليه أن يبيت بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر )

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب على ما نقله جماعة منهم العلاّمة في المنتهى (٢) ، ووافقنا عليه أكثر العامة (٣). والأصل فيه ما روي عن ابن عباس أنه قال : لم يرخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحد أن يبيت بمكة إلاّ العباس من أجل سقايته (٤) ويدل عليه من طريق الأصحاب روايات كثيرة : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تبت ليالي التشريق إلاّ بمنى » (٥) ونقل عن الشيخ في

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٥٣ ـ ١٢٢٤ ، الوسائل ٩ : ٤٨٩ أبواب الطواف ب ٧٧ ح ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٦٩.

(٣) نقله عن أحمد والخرقي وعروة ومجاهد وإبراهيم وعطاء ومالك والشافعي في المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٨٢ ، ومغني المحتاج ١ : ٥٠٥.

(٤) علل الشرائع : ٤٥١ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢١٠ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٢١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٥٨ ـ ٨٧٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ ـ ١٠٤٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٧ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٨ ، ورواها في الكافي ٤ : ٥١٤ ـ ١.

٢٢٢

فلو بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة ،

______________________________________________________

التبيان القول باستحباب المبيت (١) ، وهو نادر.

قوله : ( فإن بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده العلاّمة في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاتفاق عليه (١). ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن صفوان قال ، قال أبو الحسن عليه‌السلام : « سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكة فقلت : لا أدري » فقلت له : جعلت فداك ما تقول فيها؟ قال عليه‌السلام : « عليه دم إذا بات » فقلت : إن كان إنما حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه وسعيه ، لم يكن لنوم ولا لذة أعليه مثل ما على هذا؟ قال : « ليس هذا بمنزلة هذا ، وما أحب أن ينشقّ له الفجر إلاّ وهو بمنى » (٢).

وفي الصحيح ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح قال : « إن كان أتاها نهارا فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه » (٣).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى قال : « ليس عليه شي‌ء وقد أساء » (٤) وفي الصحيح ، عن سعيد بن يسار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل‌

__________________

(١) التبيان ٢ : ١٥٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٧٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥٧ ـ ٨٧١ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٢ ـ ١٠٣٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٧ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٥٧ ـ ٨٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٧ ـ ١٠٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٦ أبواب العود إلى منى ب ٧ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٥٧ ـ ٨٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٢ ـ ١٠٤١ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٧ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٧.

٢٢٣

______________________________________________________

قال : « لا بأس » (١) لأنهما محمولان على من بات بمكة مشغولا بالدعاء والمناسك ، أو على من خرج من منى بعد انتصاف الليل كما ذكره الشيخ في التهذيب (٢).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العالم والجاهل ، وفي بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد : أن الجاهل لا شي‌ء عليه (٣). وهو محتمل ، ويمكن حمل الروايتين المتقدمتين عليه ، بل لو لا تخيل الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بمضمونها وحمل على ما تضمن لزوم الدم على الاستحباب.

واعلم أن أقصى ما يستفاد من الروايات ترتب الدم على مبيت الليالي المذكورة في غير منى بحيث يكون خارجا عنها من أول الليل إلى آخره ، بل أكثر الأخبار المعتبرة إنما تدل على ترتب الدم على مبيت هذه الليالي بمكة ، ويؤكّد هذا الاختصاص ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شي‌ء عليه » (٤) وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : في الرجل يزور فينام دون منى فقال : « إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام » (٥) وفي الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم ، وإن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥٧ ـ ٨٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ ـ ١٠٤٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٨ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٥٨.

(٣) نقله عنه في جامع المقاصد ١ : ١٧٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٧ ـ ١٤١١ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٥٩ ـ ٨٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٤ ـ ١٠٤٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٥.

٢٢٤

إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة ،

______________________________________________________

كان قد خرج منها فليس عليه شي‌ء وإن أصبح دون منى » (١) والمسألة قوية الإشكال.

وقد ذكر الشيخ (٢) وأكثر الأصحاب أنه قد رخص في ترك المبيت لثلاثة : الرعاة ما لم تغرب عليهم الشمس بمنى ، وأهل سقاية العباس وإن غربت عليهم بمنى ، ومن اضطر إلى الخروج من منى لخوف على النفس أو المال المضرّ فوته أو لتمريض مريض ونحو ذلك.

وتسقط الفدية عن أهل السقاية والرعاة فيما قطع به الأصحاب ، وفي سقوطها عن المضطر وجهان ، أظهرهما ذلك ، تمسّكا بمقتضى الأصل ، والتفاتا إلى انتفاء العموم في الأخبار المتضمنة للفدية على وجه يتناول المضطر ، وأن الظاهر كون الفدية كفارة عن ترك الواجب وهو منتف هنا.

قوله : ( إلاّ أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة ).

المراد أن من بات بمكة مشتغلا بالعبادة في الليالي التي يجب فيها المبيت بمنى لو لم يلزمه دم ، والظاهر أن المبيت على هذا الوجه يكون جائزا سواء كان خروجه من منى لذلك قبل غروب الشمس أو بعده.

ونقل عن ابن إدريس أنه أوجب الكفارة على المشتغل بالعبادة كغيره (٣). وهو ضعيف.

لنا : ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي والدعاء حتى طلع الفجر قال : « ليس عليه شي‌ء كان في طاعة الله‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥٩ ـ ٨٨١ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٤ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٦.

(٢) الخلاف ١ : ٤٦١.

(٣) السرائر : ١٤٢.

٢٢٥

______________________________________________________

عزّ وجلّ » (١).

وقد نصّ الشهيدان على أنه يجب استيعاب الليلة بالعبادة إلاّ ما يضطر إليه من غذاء أو شراب أو نوم يغلب عليه ، وصرّحا بأنه إذا أكمل الطواف والسعي قبل الفجر وجب عليه إكمال الليلة بما شاء من العبادة (٢). والأخبار لا تعطي ذلك.

واحتمل في الدروس كون قدر الواجب ما كان يجب عليه بمنى وهو أن يتجاوز نصف الليل (٣). وهو غير واضح أيضا.

وكيف كان فالأظهر أنه يجوز له الرجوع إلى منى ليلا ولو علم أنه لا يدركها قبل الانتصاف ، كما هو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس (٤) ، لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام في صحيحة جميل بن دراج : « من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم وإن كان قد خرج منها فليس عليه شي‌ء وإن أصبح دون منى » (٥) وفي صحيحة معاوية بن عمار : « لا تبت ليالي التشريق إلاّ بمنى ، فإن بتّ في غيرها فعليك دم ، فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلاّ وأنت في منى إلاّ أن يكون شغلك في نسكك أو قد خرجت من مكة » (٦).

ويستفاد من رواية صفوان المتقدمة (٧) أن العود إلى منى قبل طلوع الفجر أولى من البقاء في مكة للعبادة حيث قال فيها : « وما أحب له أن ينشق الفجر إلاّ وهو بمنى » ويشهد له أيضا صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨٦ ـ ١٤٠٧ ، التهذيب ٥ : ٢٥٨ ـ ٨٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ ـ ١٠٤٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٨ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٣.

(٢) الشهيد الأول في الدروس : ١٣٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٥.

(٣) الدروس : ١٣٤.

(٤) الدروس : ١٣٤.

(٥) المتقدمة في ص ٢٢٤.

(٦) الكافي ٤ : ٥١٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٥٨ ـ ٨٧٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ ـ ١٠٤٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٧ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٨.

(٧) في ص ٢٢٣.

٢٢٦

أو يخرج من منى بعد نصف الليل. وقيل : بشرط أن لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر.

______________________________________________________

عليهما‌السلام أنه قال : « في الزيارة إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلاّ بمنى » (١) وصحيحة العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الزيارة من منى قال : « إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الفجر إلاّ وهو بمنى » (٢).

قوله : ( أو يخرج من منى بعد نصف الليل ، وقيل : يشترط أن لا يدخل مكة إلاّ بعد طلوع الفجر ).

المراد أنه يكفي في المبيت الواجب بمنى أن يتجاوز الكون بها نصف الليل فله الخروج منها بعد الانتصاف ولو إلى مكة ، ولقد أحسن المصنف في النافع حيث قال : وحدّ المبيت أن يكون بها ليلا حتى يتجاوز نصف الليل ، وقيل : لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر (٣). وهذا القول للشيخ (٤) ـ رحمه‌الله ـ وهو ضعيف ، لإطلاق الإذن في الخروج بعد الانتصاف في عدّة روايات كصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح في غيرها » (٥).

ورواية عبد الغفار الجازي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضرّه شي‌ء » (٦) بل صحيحة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥٦ ـ ٨٦٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٦ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٥١٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٥٦ ـ ٨٧٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٦ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٤.

(٣) المختصر النافع : ٩٧.

(٤) النهاية : ٢٦٥ ، والمبسوط ١ : ٣٧٨.

(٥) الكافي ٤ : ٥١٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٥٨ ـ ٨٧٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ ـ ١٠٤٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٧ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٨.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٥٨ ـ ٨٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ ـ ١٠٤٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٤.

٢٢٧

وقيل : لو بات الليالي الثلاث بغير منى لزمه ثلاث شياه. وهو محمول على من غربت الشمس في الليلة الثالثة وهو بمنى ، أو من لم يتّق الصيد والنساء.

______________________________________________________

العيص بن القاسم صريحة في جواز دخول مكة قبل طلوع الفجر حيث قال فيها : « وإن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح وهو بمكة » (١).

قوله : ( وقيل : لو بات الليالي الثلاث بغير منى لزمه ثلاث شياه. وهو محمول على من غربت الشمس في الليلة الثالثة وهو بمنى ، أو من لم يتّق الصيد والنساء ).

القول للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية (٢) وابن إدريس (٣) وجمع من الأصحاب (٤) ، ويدل عليه ما رواه الشيخ ، عن جعفر بن ناجية قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن بات ليالي منى بمكة فقال : « ثلاثة من الغنم يذبحهن » (٥).

وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : من بات عن منى ليلة كان عليه دم ، فإن بات عنها ليلتين كان عليه دمان ، فإن بات الليلة الثالثة لا يلزمه لأن له النفر في الأول ، وقد ورد في بعض الأخبار أن من بات ثلاث ليالي عن منى فعليه ثلاثة دماء ، وذلك محمول على الاستحباب ، أو على من لم ينفر في الأول حتى غابت الشمس (٦). واعترض ابن إدريس على هذا القول فقال : التخريج الذي خرّجه الشيخ لا يستقيم له وذلك أن من عليه كفارة لا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٥٦ ـ ٨٧٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٦ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٤.

(٢) النهاية : ٢٦٦.

(٣) السرائر : ١٤٣.

(٤) كالعلامة في المختلف : ٣١٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٥٧ ـ ٨٧٢ و ٤٨٩ ـ ١٧٥١ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٢ ـ ١٠٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٧ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٦.

(٦) المبسوط ١ : ٣٧٨ ، والخلاف ١ : ٤٦٢.

٢٢٨

ويجب أن يرمي كل يوم من أيام التشريق الجمار الثلاث ، كل جمرة بسبع حصيات. ويجب هنا زيادة على ما تضمنه شروط الرمي الترتيب ، يبدأ بالأولى ، ثم الوسطى ، ثم جمرة العقبة. ولو رماها‌

______________________________________________________

يجوز له أن ينفر في النفر الأول بغير خلاف فقوله ـ رحمه‌الله ـ : له أن ينفر في الأول ، غير مسلم ، لأن عليه كفارة لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو غير جيد ، لما سنبينه إن شاء الله من أن المراد بالمتقي من اتقى الصيد والنساء في إحرامه لا من لم تلزمه كفارة ، ومن هنا يظهر أن الأجود ما ذكره المصنف من أن الدم إنما يجب بترك مبيت الثالثة على من غربت الشمس في الليلة الثالثة وهو بمنى ، أو من لم يتق الصيد والنساء ، لوجوب مبيت الليلة الثالثة في هاتين الصورتين كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ويجب أن يرمي كل يوم من أيام التشريق الجمار الثلاث كل جمرة بسبع حصيات ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال العلاّمة في التذكرة : إنه لا يعرف فيه خلافا (٢). ونحوه قال في المنتهى ثم قال : وقد يوجد في بعض العبارات أنه سنّة وذلك في أحاديث الأئمة عليهم‌السلام وفي لفظ الشيخ في الجمل والعقود وهو محمول على الثابت بالسنّة لا أنه مستحب ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله نسكا وقال : « خذوا عنّي مناسككم » (٣) وسيأتي وجوب أمور فيه فيكون واجبا (٤).

قوله : ( ويجب هنا ـ زيادة على ما تضمنه شروط الرمي ـ الترتيب : يبدأ بالأولى ، ثم الوسطى ، ثم جمرة العقبة. ولو رماها‌

__________________

(١) السرائر : ١٤٣.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٢.

(٣) غوالي اللئالي ٤ : ٣٤ ـ ١١٨.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٧١.

٢٢٩

منكوسة أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.

ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.

______________________________________________________

منكوسة أعاد على الوسطى وجمرة العقبة ).

أما وجوب الترتيب بين الجمرات على الوجه المذكور فهو قول علمائنا أجمع ، ويدل عليه مضافا إلى التأسّي روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ارم في كل يوم عند زوال الشمس وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، فابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل وقل كما قلت يوم النحر ، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن عليه وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله أن يتقبل منك ، ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثانية واصنع كما صنعت بالأولى وتقف وتدعو الله كما دعوت ، ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارم ولا تقف عندها » (١) والأمر بالبدأة والعطف بثمّ يقتضي الترتيب.

وأما وجوب الإعادة بما يحصل به الترتيب إذا رماها منكوسة فلا ريب فيه ، لتوقف الامتثال عليه ، ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل رمى الجمار منكوسة قال : « يعيد على الوسطى وجمرة العقبة » (٢).

قوله : ( ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ذهب إليه الشيخ في النهاية‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٦١ ـ ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ ـ ١٠٥٧ ، وفيه صدر الحديث ، الوسائل ١٠ : ٧٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٥ ـ ٩٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٢١٦ أبواب العود إلى منى ب ٥ ح ٣.

٢٣٠

______________________________________________________

والمبسوط (١) والمرتضى (٢) وأبو الصلاح (٣) وابن الجنيد (٤) وغيرهم (٥). وقال الشيخ في الخلاف : لا يجوز الرمي أيام التشريق إلاّ بعد الزوال (٦). واختاره ابن زهرة (٧).

وقال ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه : وارم الجمار في كل يوم بعد طلوع الشمس إلى الزوال وكلما قرب من الزوال فهو أفضل ، وقد رويت رخصة من أول النهار (٨). وقال بأن حمزة : ووقت الرمي طول النهار والفضل في الرمي عند الزوال (٩). وبه قال ابن إدريس (١٠). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن منصور بن حازم وأبي بصير جميعا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها » (١١).

وفي الحسن ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال للحكم بن عتيبة : « ما حدّ رمي الجمار؟ » فقال الحكم : عند زوال الشمس ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « أرأيت لو أنهما كانا رجلين فقال أحدهما لصاحبه : احفظ علينا متاعنا حتى أرجع أكان يفوته الرمي؟! هو والله‌

__________________

(١) النهاية : ٢٦٦ ، والمبسوط ١ : ٣٧٨.

(٢) جمل العلم والعمل : ١١١.

(٣) الكافي في الفقه : ١٩٩.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٣١٠.

(٥) كالمفيد في المقنعة : ٦٦ ، والشهيد الأول في الدروس : ١٢٤.

(٦) الخلاف ١ : ٤٥٩.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

(٨) الفقيه ٢ : ٣٣١ وفيه : من أول النهار إلى آخره.

(٩) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٩٣.

(١٠) السرائر : ١٤٣.

(١١) الكافي ٤ : ٤٨١ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٧٩ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣ ح ٦.

٢٣١

______________________________________________________

ما بين طلوع الشمس إلى غروبها » (١).

وما رواه الشيخ ، عن صفوان بن مهران قال ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها » (٢).

احتج الشيخ في الخلاف (٣) بإجماع الفرقة وطريقة الاحتياط ، فإن من رمى بعد الزوال كان فعله مجزئا إجماعا وقبله ليس كذلك لوجود الخلاف فيه ، وبما رواية معاوية بن عمار في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ارم في كل يوم عند زوال الشمس » (٤).

وأجيب عن الإجماع بالمنع منه في موضع النزاع ، بل قال في المختلف : إن الإجماع قد دل على خلاف قوله (٥). وعن الاحتياط بأنه ليس بدليل شرعي ، مع أنه معارض بأصالة البراءة. وعن الرواية بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة.

ويستفاد من هذه الرواية أن أفضل أوقات الرمي عند الزوال. وقال الشيخ في المبسوط : إن أفضل أوقات الرمي بعد الزوال (٦). ولم نقف على مستنده.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨١ ـ ٥ ، الوسائل ١٠ : ٧٩ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣ ح ٥ ، ورواها في التهذيب ٥ : ٢٦٢ ـ ٨٩٢ ، والاستبصار ٢ : ٢٩٦ ـ ١٠٥٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٢ ـ ٨٩٠ ، وفي الاستبصار ٢ : ٢٩٦ ـ ١٠٥٤ ، والوسائل ١٠ : ٧٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) الخلاف ١ : ٤٥٩.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٠ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ ـ ٨٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٦ ـ ١٠٥٧ ، الوسائل ١٠ : ٧٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٢ ح ١.

(٥) المختلف : ٣١١.

(٦) المبسوط ١ : ٣٧٨ ، قال : ويكون ذلك عند الزوال فإنه أفضل. وفي المختلف ٣١٠. قال : وفي المبسوط يكون ذلك بعد الزوال فإنه أفضل.

٢٣٢

ولا يجوز أن يرمي ليلا إلا لعذر ، كالخائف والمريض والرعاة والعبيد.

ومن حصل له رمي أربع حصيات ثم رمى على الجمرة الأخرى حصل بالترتيب.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يجوز أن يرمي ليلا إلاّ لعذر كالخائف والمريض والرعاة والعبيد ).

أما أنه لا يجوز الرمي ليلا مع انتفاء العذر فوجهه معلوم مما سبق ، وأما جوازه مع العذر فيدل عليه روايات كثيرة : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل » (١) وفي الموثق ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلا » (٢) وما رواه الكليني في الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في الخائف « لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل ويضحي بالليل ويفيض بالليل » (٣) وما رواه ابن بابويه ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو؟ قال : « الحاطبة ، والمملوك الذي لا يملك من أمره شيئا ، والخائف ، والمدين ، والمريض الذي لا يستطيع أن يرمي يحمل إلى الجمار فإن قدر على أن يرمي وإلاّ فارم عنه وهو حاضر » (٤).

والظاهر أن المراد بالرمي ليلا رمي جمرات كلّ يوم في ليلته ، ولو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة ، لأنه أولى من الترك أو التأخير ، وربما كان في إطلاق بعض الروايات المتقدمة دلالة عليه.

قوله : ( ومن حصل له رمي أربع حصيات ثم رمى على الجمرة الأخرى حصل بالترتيب ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٦٣ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٨٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٣ ـ ٨٩٦ ، الوسائل ١٠ : ٨٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٥ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٨٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤ ح ٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٦ ـ ١٤٠٣ ، الوسائل ١٠ : ٨١ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤ ح ٧.

٢٣٣

______________________________________________________

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى‌ أنه موضع وفاق (١). ويدل عليه روايات : منها صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع قال : « يعيد رميهنّ جميعا بسبع سبع » قلت : فإن رمى الأولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع؟ قال : « يرمي الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جمرة العقبة بسبع » قلت : فإنه رمى الجمرة الأولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع؟ قال : « يعيد فيرمي الأولى بثلاث والثانية بثلاث ولا يعيد على الثالثة » (٢).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل رمى الجمار منكوسة قال : « يعيد على الوسطى وجمرة العقبة ، فإن كان قد رمى من الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات وأتم الجمرتين الأخيرتين فليعد على الثلاث الجمرات ، وإن كان قد رمى من الأولى أربعا فليتم ذلك ولا يعيد على الأخيرتين ، وكذلك إن كان قد رمى من الثانية ثلاثا فليعد عليها وعلى الثالثة ، وإن كان قد رماهما بأربع ورمى الثالثة بسبع فليتمهما ولا يعيد على الثالثة » (٣) وإطلاق النص يقتضي البناء على الأربع مع العمد والجهل والنسيان ، إلاّ أن الشيخ (٤) وأكثر الأصحاب قيّدوه بحالتي النسيان والجهل ، وصرّحوا بوجوب إعادة ما بعد التي لم تكمل مع العمد مطلقا ، لتحريم الانتقال إلى الجمرة المتأخرة قبل إكمال المتقدمة. وهو جيد إن ثبت التحريم ، لمكان النهي المفسد للعبادة ، لكن يمكن القول بالجواز تمسكا بإطلاق الروايتين وإن كان الأظهر المصير إلى ما ذكروه. والضابط على تقدير الجهل والنسيان أن من رمى واحدة أربعا وانتقل منها إلى الأخرى كفاه إكمال الناقصة. وإن كان أقل‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٩٣ ، والمنتهى ٢ : ٧٧٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٥ ـ ٩٠٤ ، الوسائل ١٠ : ٢١٧ أبواب العود إلى منى ب ٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٥ ـ ٩٠٣ ، وأورد صدر الحديث فقط في الكافي ٤ : ٤٨٣ ـ ٢ ، والوسائل ١٠ : ٢١٦ أبواب العود إلى منى ب ٥ ح ٣ ، والظاهر أن الذيل وهو قوله : فإن كان قد رمى. من كلام الشيخ كما نبه عليه في الجواهر ٢٠ : ٢٢.

(٤) النهاية : ٢٦٧ ، والمبسوط ١ : ٣٧٩.

٢٣٤

ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتّبا ، يبدأ بالفائت ويعقب بالحاضر.

ويستحب أن يكون ما يرميه لأمسه غدوة وما يرميه ليومه عند الزوال.

______________________________________________________

استأنف التالية قطعا ، وفي الناقصة قولان أجودهما استئنافها أيضا ، لقوله عليه‌السلام في رواية معاوية بن عمار المتقدمة (١) وقد سأله عمّن رمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية والثالثة بسبع سبع : « يعيد رميهن جميعا بسبع سبع » وفي حسنة الحلبي : « فإن كان قد رمى من الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات وأتمّ الجمرتين الأخيرتين فليعد على الثلاث الجمرات » ونقل عن ابن إدريس أنه اكتفى بإتمام الأولى مطلقا ولم يوجب الاستئناف ، لعدم وجوب الموالاة في الرمي (٢). وهو مطابق لمقتضى الأصل إلاّ أن ظاهر الروايتين يدفعه.

قوله : ( ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتبا يبدأ بالفائت ويعقب بالحاضر ، ويستحب أن يكون ما يرميه لأمسه غدوة ، وما يرميه ليومه عند الزوال ).

أما وجوب قضاء ما فاته من الغد فيدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى؟ قال : « يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة وإن كان من الغد » (٣).

وأما وجوب البدأة بالفائت واستحباب كون ما يرميه لأمسه غدوة وما يرميه ليومه عند الزوال فمقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلوا عليه بما رواه الكليني في الصحيح أيضا ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) في ص ٢٣٤.

(٢) السرائر : ١٤٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٣ ـ ٥ ، الوسائل ١٠ : ٢١٦ أبواب العود إلى منى ب ٥ ح ٤.

٢٣٥

ولو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة رجع ورمي. وإن خرج من‌

______________________________________________________

عليه‌السلام في رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس قال : « يرمي إذا أصبح مرتين إحداهما بكرة وهي للأمس والأخرى عند زوال الشمس وهي ليومه » (١).

وحكى العلاّمة في التذكرة عن بعض العامة قولا بعدم وجوب تقديم الفائت (٢). وهو جيد لو لا ورود الرواية بذلك. وينبغي إيقاع الفائت بعد (٣) طلوع الشمس وإن كان الظاهر جواز الإتيان به قبل طلوعها أيضا ، لإطلاق الخبر.

ولو فاته رمي يومين قضاه يوم الثالث وقدّم الأول على الثاني وختم بالأداء ، وفي رواية معاوية بن عمار أنه يفصل بين كل رميتين بساعة (٤).

ولو فاته جمرة وجهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتبا ، لإمكان كونها الأولى فيبطل الأخيرتان ، وكذا لو فاته أربع حصيات من جمرة وجهلها. ولو فاته دون الأربع كرّره على الثلاث ولا يجب الترتيب هنا ، لأن الفائت من واحدة ووجوب الباقي من باب المقدمة كوجوب ثلاث فرائض عن واحدة مشتبهة من الخمس. ولو فاته من كل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب ، لتعدد الفائت بالأصالة. ولو فاته ثلاث وشك في كونها من واحدة أو أكثر رماها عن كل واحدة مرتبا ، لجواز التعدد. ولو كان الفائت أربعا استأنف.

قوله : ( ولو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة رجع ورمى ، فإن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٤ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٨١ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٥ ح ٢.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٣.

(٣) في « م » : عند.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٤ ـ ٨٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٧ ـ ١٠٥٩ ، الوسائل ١٠ : ٢١٣ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٣.

٢٣٦

مكة لم يكن عليه شي‌ء إذا انقضى زمان الرمي ، فإن عاد في القابل رمى ، وان استناب فيه جاز.

______________________________________________________

خرج من مكة لم يكن عليه شي‌ء إذا انقضى زمان الرمي ، فإن عاد في القابل رمى ، وإن استناب فيه جاز ).

هنا مسألتان :

الأولى : أن من نسي رمي الجمار حتى دخل مكة يجب عليه الرجوع والرمي ، ويدل عليه حسنة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل نسي أن يرمي الجمار حتى أتى مكة قال : « يرجع فيرميها يفصل بين كل رميتين بساعة » قلت : فاته ذلك وخرج؟ قال : « ليس عليه شي‌ء » (١).

وصحيحة معاوية بن عمار أيضا قال ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة؟ قال : « فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي ، والرجل كذلك » (٢).

وإطلاق هاتين الروايتين يقتضي وجوب الرجوع من مكة والرمي وإن كان بعد انقضاء أيام التشريق ، لكن صرّح الشيخ (٣) وغيره (٤) بأن الرجوع إنما يجب مع بقاء أيام التشريق ومع خروجها يقضى في القابل. واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فإن لم يحج رمى عنه وليّه ، فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه ، فإنه لا يكون رمي الجمار إلاّ في أيام التشريق » (٥)

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٤ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٢١٣ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ ـ ١٤٠١ ، التهذيب ٥ : ٢٦٣ ـ ٨٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٦ ـ ١٠٥٨ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٤ ، والاستبصار ٢ : ٢٩٧ ، والخلاف ١ : ٤٦٠.

(٤) كالعلامة في القواعد ١ : ٩٠ ، والشهيد الأول في الدروس : ١٢٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٦٤ ـ ٩٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٢١٣ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٤.

٢٣٧

______________________________________________________

وهذه الرواية واضحة الدلالة ، لكن في طريقها محمد بن عمر بن يزيد ولم يرد فيه توثيق بل ولا مدح يعتد به ، ولعل ذلك هو السرّ في إطلاق المصنف وجوب الرجوع من مكة والرمي.

الثانية : أن من خرج من مكة فلا شي‌ء عليه إذا انقضى زمان الرّمي ، وظاهر العبارة أن العود في القابل لقضاء الرّمي أو الاستنابة فيه على سبيل الاستحباب ، وبه صرّح في النافع فقال : ولو نسي الرّمي حتى دخل مكة رجع وتدارك ، ولو خرج فلا حرج ، ولو حجّ في القابل استحب القضاء ولو استناب جاز (١). ووجهه معلوم مما قررناه ، فإن القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل ، ورواية عمر بن يزيد المتضمنة للقضاء في القابل مباشرة أو استنابة (٢) ضعيفة السند ، ومع ذلك فهي معارضة بقوله عليه‌السلام في رواية معاوية بن عمّار فيمن خرج من مكة : « ليس عليه شي‌ء » (٣).

وقال الشيخ في التهذيب : إن المعنى أنه ليس عليه أن يعيد في هذه السنة وإن كان يجب عليه الإعادة في العام القابل ، واستدل على هذا التأويل برواية عمر بن يزيد المتقدمة. وهو جيد لو صحّ السند ، وكيف كان فلا ريب أن الإتيان به في العام القابل مباشرة أو استنابة أولى وأحوط.

تفريع : من ترك رمي الجمار متعمدا وجب عليه قضاؤه على التفصيل المتقدم ولا يحرم عليه بذلك شي‌ء من محظورات الإحرام ، وفي رواية عبد الله بن جبلة ، عن الصادق عليه‌السلام : « من ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء وعليه الحج من قابل » (٤) وهي ضعيفة السند (٥). وقال‌

__________________

(١) المختصر النافع : ٩٧.

(٢) المتقدمتان في ٢٣٧.

(٣) المتقدمتان في ٢٣٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٤ ـ ٩٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٧ ـ ١٠٦١ ، الوسائل ١٠ : ٢١٤ أبواب العود إلى منى ب ٤ ح ٥.

(٥) لوقوع يحيى بن مبارك في سندها وهو مجهول ولأن راويها وهو عبد الله بن جبلة واقفي ـ راجع رجال النجاشي : ٢١٦ ـ ٥٦٣.

٢٣٨

ويجوز أن يرمى عن المعذور كالمريض.

______________________________________________________

الشهيد في الدروس : إنها محمولة على الاستحباب ، لعدم الوقوف على القائل بالوجوب (١).

قوله : ( ويجوز أن يرمى عن المعذور كالمريض ).

يدل على ذلك روايات : منها ما رواه الكليني في الحسن ، عن معاوية وعبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الكسير والمبطون يرمى عنهما » قال : « والصبيان يرمى عنهم » (٢).

وفي الموثق ، عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن المريض يرمى عنه الجمار؟ قال : « نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه » (٣) ولا يشترط في استنابة المريض اليأس من البرء عملا بإطلاق الرواية ، ولو زال عذره بعد فعل نائبه لم يجب الإعادة وإن كان في الوقت ، لأن الامتثال يقتضي الإجزاء.

ولو أغمي على المريض بعد الاستنابة لم ينعزل النائب قطعا ، للأصل ، وإطلاق الخبر. واستشكله بعض المتأخرين بأن الإغماء يوجب زوال الوكالة فتزول النيابة (٤). وهو ضعيف ، لأن إلحاق هذه الاستنابة بالوكالة في هذا الحكم لا يخرج عن القياس ، مع أنا نمنع ثبوت الحكم في الأصل إن لم يكن إجماعيا على وجه لا يجوز مخالفته لانتفاء الدليل عليه.

ولو أغمي على المريض قبل الاستنابة وخيف فوات الوقت رمى عنه بعض المؤمنين كما يدل عليه صحيحة رفاعة بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أغمي عليه فقال : « يرمى عنه الجمار » (٥)

__________________

(١) الدروس : ١٢٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٥ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٨٣ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٥ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦٨ ـ ٩١٥ ، الوسائل ١٠ : ٨٣ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٤.

(٤) كما في جامع المقاصد ١ : ١٧٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٦٨ ـ ٩١٦ ، الوسائل ١٠ : ٨٤ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٥.

٢٣٩

ويستحب أن يقيم الإنسان بمنى أيام التشريق.

______________________________________________________

وربما ظهر من الرواية وجوب الرمي عنه كفاية. ويستفاد من موثقة إسحاق بن عمّار المتقدمة استحباب حمل المريض إلى الجمرة ثم الرمي عنه. وروى إسحاق بن عمّار أيضا ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن المريض يرمى عنه الجمار؟ قال : « يحمل إلى الجمار ويرمى عنه » قلت : فإنه لا يطيق ذلك قال : « يترك في منزله ويرمى عنه » (١).

قوله : ( ويستحب أن يقيم الإنسان بمنى أيام التشريق ).

الظاهر أن المراد بالأيام هنا بياض النهار لأنه قد سبق حكم المبيت ، ومع ذلك يشكل الحكم بالاستحباب على إطلاقه ، لأن الإقامة في زمن الرمي واجب إلاّ أن يقال : إن وجوب ذلك لا ينافي الحكم باستحباب المجموع ، أو يقال : إن في الكلام مضافا محذوفا إي : ويستحب أن يقيم الإنسان بمنى بقية أيام التشريق ، والمراد بها القدر الزائد على الواجب وهو مجاز شائع.

وكيف كان فالأمر في العبارة هيّن بعد وضوح الحكم في نفسه ، ويدل على استحباب الإقامة على هذا الوجه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الزيارة بعد زيارة الحج في أيام التشريق فقال : « لا » (٢) وعن ليث المرادي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوعا فقال : « المقام بمنى أفضل وأحبّ إليّ » (٣).

وقد ورد بجواز زيارة البيت في أيام منى والتطوع بالطواف روايات كثيرة كصحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس أن‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨٦ ـ ١٤٠٥ ، التهذيب ٥ : ٢٦٨ ـ ٩١٩ ، الوسائل ١٠ : ٨٣ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٠ ـ ٨٨٦ و ٤٩٠ ـ ١٧٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٥ ـ ١٠٥٢ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٠ ـ ٨٨٧ و ٤٩٠ ـ ١٧٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٥ ـ ١٠٥٣ ، الوسائل ١٠ : ٢١١ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ٥ ، ورواها في الكافي ٤ : ٥١٥ ـ ١.

٢٤٠