______________________________________________________
وفي الصحيح عن رفاعة بن موسى قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أشهد شيئا من المناسك وأنا على غير وضوء؟ فقال : « نعم إلا الطواف بالبيت فإن فيه صلاة » (١).
وعن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء ، قال : « لا بأس » (٢).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى ، قال : « تسعى » قال : وسألته عن امرأة طافت بين الصفا والمروة فحاضت بينهما ، قال : « تتم سعيها » (٣).
وما رواه ابن بابويه في الحسن ، عن صفوان ، عن يحيى الأزرق قال ، قلت لأبي الحسن عليهالسلام : رجل سعى بين الصفا والمروة فسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء فقال : « لا بأس ، ولو أتم مناسكه بوضوء كان أحب إلى » (٤).
واحتج ابن أبي عقيل (٥) بصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض؟ قال : « لا ، إن الله تعالى يقول ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) (٦) » (٧).
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥١٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٣٨ ، الوسائل ٩ : ٥٣٠ أبواب السعي ب ١٥ ح ٢.
(٢) التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٣٧ ، الوسائل ٩ : ٥٣٠ أبواب السعي ب ١٥ ح ٤.
(٣) التهذيب ٥ : ٣٩٥ ـ ١٣٧٦ ، الوسائل ٩ : ٥٣٠ أبواب السعي ب ١٥ ح ٥ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٤٨ ـ ٩ ، والفقيه ٢ : ٢٤٠ ـ ١١٤٤.
(٤) الفقيه ٢ : ٢٥٠ ـ ١٢٠٤ ، الوسائل ٩ : ٥٣١ أبواب السعي ب ١٥ ح ٦.
(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٩٣.
(٦) البقرة : ١٥٨.
(٧) التهذيب ٥ : ٣٩٤ ـ ١٣٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٣١٤ ـ ١١١٤ ، الوسائل ٩ : ٥٣٠ أبواب السعي ب ١٥ ح ٣.
واستلام الحجر. والشرب من زمزم. والصب على الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر.
______________________________________________________
ورواية ابن فضال قال ، قال أبو الحسن عليهالسلام : « لا تطوف ولا تسعى إلا على وضوء » (١).
والجواب عن الروايتين بالحمل على الكراهة ، جمعا بين الأدلة.
قوله : ( واستلام الحجر ، والشرب من زمزم ، والصب على الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر ).
يدل على ذلك روايات ، منها صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبله واستلمه أو أشر إليه فإنه لا بد من ذلك ، وقال : إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل ، وتقول حين تشرب : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم ، قال : وبلغنا أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال حين نظر إلى زمزم : لو لا أن أشق على أمتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين » (٢).
وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « إذا فرغ الرجل من طوافه وصلى ركعتين فليأت زمزم فيستقي منه ذنوبا أو ذنوبين ، فليشرب منه ، وليصب على رأسه وظهره وبطنه ويقول : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم ، ثم يعود إلى الحجر الأسود » (٣).
وصحيحة حفص بن البختري ، عن أبي الحسن موسى عليهالسلام ،
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٣٨ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٣٩ ، الوسائل ٩ : ٥٣١ أبواب السعي ب ١٥ ح ٧.
(٢) الكافي ٤ : ٤٣٠ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٤ ـ ٤٧٦ ، الوسائل ٩ : ٥١٤ أبواب السعي ب ٢ ح ١.
(٣) الكافي ٤ : ٤٣٠ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٤٤ ـ ٤٧٧ ، الوسائل ٩ : ٥١٥ أبواب السعي ب ٢ ح ٢.
وأن يخرج من الباب المحاذي للحجر. وأن يصعد الصفا.
ويستقبل الركن العراقي. ويحمد الله ويثني عليه وأن يطيل الوقوف على الصفا ، ويكبّر الله سبعا ، ويهلّله سبعا ، ويقول : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ـ ثلاثا. ويدعو بالدعاء المأثور.
______________________________________________________
وعبيد الله الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « يستحب أن تستقي من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه وتصب على رأسك وجسدك ، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر » (١).
قوله : ( وأن يخرج من الباب المقابل للحجر ، وأن يصعد على الصفا ، ويستقبل الركن العراقي ، ويحمد الله ويثني عليه ، وأن يطيل الوقوف على الصفا ، ويكبّر الله سبعا ، ويهلّل الله سبعا ، ويقول : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ، ثلاثا ، ويدعو بالدعاء المأثور ).
يدل على هذه الجملة روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : « إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين فرغ من طوافه وركعتيه قال : ابدؤا بما بدأ الله به إن الله عزّ وجلّ يقول ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) (٢) قال أبو عبد الله عليهالسلام : « ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود ، حتى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار ، فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت ، وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، فاحمد الله عزّ وجلّ وأثن عليه ، واذكر من
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٤٥ ـ ٤٧٨ ، الوسائل ٩ : ٥١٥ أبواب السعي ب ٢ ح ٤.
(٢) البقرة : ١٥٨.
______________________________________________________
آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره ، ثم كبر الله سبعا وهلله سبعا وقل : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، ثلاث مرات ، ثم صل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقل : الله أكبر ، الحمد لله على ما هدانا ، والحمد لله على ما أبلانا ، والحمد لله الحي القيوم ، والحمد لله الحي الدائم ، ثلاث مرات ، وقل : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، لا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين ولو كره المشركون ، ثلاث مرات ، اللهم إني أسألك العفو والعافية ، واليقين في الدنيا والآخرة ، ثلاث مرات ، اللهم ( آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ، ثلاث مرات ، ثم كبر مائة مرة ، وهلل مائة مرة ، واحمد الله مائة مرة ، وسبح مائة مرة ، وتقول : لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد وحده ، اللهم بارك لي في الموت ، وفيما بعد الموت ، اللهم إني أعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته ، اللهم أظلّني في عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ، وأكثر من أن تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك ، ثم تقول استودع الله الرحمن الرحيم ، الذي لا يضيّع ودائعه : ديني ونفسي وأهلي ، اللهم استعملني على كتابك وسنة نبيك ، وتوفني على ملته ، ثم أعذني من الفتنة ، ثم تكبر ثلاثا ، ثم تعيدها مرتين ، ثم تكبر واحدة ، ثم تعيدها ، فإن لم تستطع هذا فبعضه » قال أبو عبد الله عليهالسلام : « وإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلا » (١).
قال الصدوق ـ رحمهالله ـ في من لا يحضره الفقيه بعد أن أورد نحو ذلك : ثم انحدر وقف على المرقاة الرابعة حيال الكعبة وقل : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وفتنته ، وغربته ، ووحشته ، وظلمته ، وضيقه ، وضنكه ، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ، ثم انحدر عن
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٤٥ ـ ٤٨١ ، الوسائل ٩ : ٥١٧ أبواب السعي ب ٣ ح ٢ وذيلها في ب ٤ ح ١.
______________________________________________________
المرقاة وأنت كاشف عن ظهرك وقل : يا رب العفو يا من أمر بالعفو يا من هو أولى بالعفو ، يا من يثبت على العفو ، العفو العفو العفو ، يا جواد يا كريم يا قريب يا بعيد اردد عليّ نعمتك ، واستعملني بطاعتك ومرضاتك ، ثم امش وعليك السكينة والوقار (١). وقد تضمنت هذه الرواية جميع ما ذكره المصنف ـ رحمهالله ـ من الأحكام.
والظاهر أن المراد بقوله عليهالسلام : « فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود فاحمد الله. » الأمر بالصعود والنظر إلى البيت واستقبال الركن ، لا الصعود إلى أن يرى البيت ، لأن رؤية البيت لا تتوقف على الصعود ، ولصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن النساء يطفن على الإبل وعلى الدواب ، أيجزيهن أن يقفن تحت الصفا والمروة؟ فقال : « نعم ، حيث يرين البيت » (٢).
وبما ذكرناه أفتى الشيخ في النهاية فقال : فإذا صعد إلى الصفا نظر إلى البيت واستقبل الركن الذي فيه الحجر فحمد الله. (٣). وذكر الشارح ـ رحمهالله ـ أن المستحب الصعود على الصفا بحيث يرى البيت ، وأن ذلك يحصل بالدرجة الرابعة (٤). وهو غير واضح.
واعلم أن الباب الذي خرج منه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد صار الآن في داخل المسجد باعتبار توسعته ، لكن قال الشهيد في الدروس : إنه معلم بأسطوانتين هناك معروفتين فليخرج من بينهما ، قال : والظاهر
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٣١٩.
(٢) الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٥٧ ـ ١٢٤٩ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ١٥٦ ـ ٥١٧ ، الوسائل ٩ : ٥٣٣ أبواب السعي ب ١٧ ح ١.
(٣) النهاية : ٢٤٣.
(٤) المسالك ١ : ١٢٤.
والواجب فيه أربعة : النيّة. والبداءة بالصفا. والختم بالمروة.
______________________________________________________
استحباب الخروج من الباب الموازي لهما (١).
قوله : ( والواجب فيه أربعة : النية ).
الكلام في نية السعي كما في الطواف (٢) ، ولتكن مقارنة للحركة. ولا يجب الصعود على الصفا إجماعا ، قاله في التذكرة (٣) ، لأن السعي بين الصفا والمروة يتحقق بدون ذلك ، بأن يلصق عقبه بالصفا ، فإذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب ، ولصحيحة عبد الرحمن المتقدمة. وقد تقدم استحباب الصعود ، وخصه العلامة ـ رحمهالله ـ بالرجال خاصة (٤) ، وقال الشهيد في الدروس : إن الاحتياط الترقي إلى الدرج وتكفي الرابعة (٥). ولا ريب في أولوية ما ذكره ، خصوصا مع استحضار النية إلى أن يتجاوز الدرج.
قوله : ( والبدأة بالصفا والختم بالمروة ).
هذا قول العلماء كافة ، والنصوص الواردة مستفيضة ، منها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (٦). ولو عكس بأن بدأ بالمروة أعاد عامدا كان أو ناسيا أو جاهلا ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار (٧) قال : « من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة » (٨).
__________________
(١) الدروس : ١١٨.
(٢) في ص ١٢٥.
(٣) التذكرة ١ : ٣٦٦.
(٤) التذكرة ١ : ٣٦٦ ، والمنتهى ٢ : ٧٠٦.
(٥) الدروس : ١١٨.
(٦) في ص ٢٠٣.
(٧) في المصدر زيادة : عن أبي عبد الله عليهالسلام.
(٨) التهذيب ٥ : ١٥١ ـ ٤٩٥ ، الوسائل ٩ : ٥٢٥ أبواب السعي ب ١٠ ح ١.
وأن يسعى سبعا ، يحتسب ذهابه شوطا وعوده آخر.
والمستحب أربعة : أن يكون ماشيا ، ولو كان راكبا جاز.
______________________________________________________
قوله : ( وأن يسعى سبعا يحتسب ذهابه شوطا وعوده آخر ).
هذا قول علمائنا أجمع حكاه في المنتهى (١) ، ويدل عليه روايات كثيرة : منها ما رواه الكليني في الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : « وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » (٢) وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن سالم قال : سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيد الله بن راشد فقلت له : تحفظ عليّ ، فجعل يعدّ ذاهبا وجائيا شوطا واحدا فأتممنا أربعة عشر شوطا فذكرنا ذلك لأبي عبد الله عليهالسلام فقال : « وقد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شيء » (٣).
ويجب في السعي الذهاب بالطريق المعهود ، فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجز. قال في الدروس : وكذا لو سلك سوق الليل (٤). ومن الواجبات أيضا استقبال المطلوب بوجهه ، فلو مشى القهقرى لم يجز لأنه خلاف المعهود ( فلا يتحقق به الامتثال ، أما الالتفات بالوجه فلا يضرّ قطعا ) (٥).
قوله : ( والمستحب أربعة : أن يكون ماشيا ، وإن كان راكبا جاز ).
هذا قول العلماء كافة حكاه في المنتهى (٦) ، ويدل عليه صريحا ما رواه
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٧٠٥.
(٢) الكافي ٤ : ٤٣٤ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٥٢١ أبواب السعي ب ٦ ح ١.
(٣) التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ٥٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣٤ ، الوسائل ٩ : ٥٢٧ أبواب السعي ب ١١ ح ١.
(٤) الدروس : ١١٨.
(٥) ما بين القوسين ليس في « ض ».
(٦) المنتهى ٢ : ٧٠٥.
والمشي على طرفيه. والهرولة ما بين المنارة وزقاق العطّارين ، ماشيا كان أو راكبا ،
______________________________________________________
ابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال ، قلت له : المرأة تسعى بين الصفا والمروة على دابة أو على بعير قال : « لا بأس بذلك » قال : وسألته عن الرجل يفعل ذلك قال : « لا بأس به والمشي أفضل » (١).
وفي الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج أنه سأل أبا إبراهيم عليهالسلام عن النساء يطفن على الإبل والدّواب بين الصفا والمروة أيجزيهن أن يقفن تحت الصفا حيث يرين البيت؟ قال : « نعم » (٢).
وما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على الدابة قال : « نعم وعلى المحمل » (٣).
قوله : ( والمشي على طرفيه ، والهرولة ما بين المنارة وزقاق العطّارين ماشيا كان أو راكبا ).
هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء أيضا ، ويدل عليه روايات : منها ما رواه الكليني في الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « انحدر من الصفا ماشيا إلى المروة وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة وهي طرف المسعى فاسع ملأ فروجك وقل : « بسم الله والله أكبر وصلى الله على محمد وأهل بيته ، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم » حتى تبلغ المنارة الأخرى فإذا جاوزتها فقل : « يا ذا المنّ والفضل والكرم والنعماء والجود اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٥٧ ـ ١٢٤٨ ، الوسائل ٩ : ٥٣٢ أبواب السعي ب ١٦ ح ٤.
(٢) الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ٥ بتفاوت يسير ، الفقيه ٢ : ٢٥٧ ـ ١٢٤٩ ، التهذيب ٥ : ١٥٦ ـ ٥١٧ ، الوسائل ٩ : ٥٣٣ أبواب السعي ب ١٧ ح ١.
(٣) الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٥٣٢ أبواب السعي ب ١٦ ح ١.
ولو نسي الهرولة رجع القهقرى ، وهرول موضعها.
______________________________________________________
أنت » ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت واصنع عليها كما صنعت على الصفا وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » (١).
وفي الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « ليس على الراكب سعي ولكن ليسرع شيئا » (٢).
وإنما تستحب الهرولة للرجال دون النساء ، لقوله عليهالسلام في موثقة سماعة : « وإنما السعي على الرجال وليس على النساء سعي » (٣) وفي رواية أبي بصير : « ليس على النساء جهر بالتلبية ولا استلام الحجر ولا دخول البيت ولا سعي بين الصفا والمروة » يعني الهرولة (٤). ومن ترك الهرولة فلا شيء عليه إجماعا قاله في التذكرة (٥) ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن سعيد الأعرج قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل ترك شيئا من الرّمل (٦) في سعيه بين الصفا والمروة قال : « لا شيء عليه » (٧).
قوله : ( ولو نسي الهرولة رجع القهقرى وهرول موضعها ).
القهقرى : الرجوع إلى خلف ، قاله في القاموس (٨). وهذا الحكم
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٣٤ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٥٢١ أبواب السعي ب ٦ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٥٣٣ أبواب السعي ب ١٧ ح ٢ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٢٥٧ ـ ١٢٥٠ ، والتهذيب ٥ : ١٥٥ ـ ٥١٥.
(٣) الكافي ٤ : ٤٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٨ ـ ٤٨٨ ، الوسائل ٩ : ٥٢٢ أبواب السعي ب ٦ ح ٤.
(٤) الكافي ٤ : ٤٠٥ ـ ٨ ، الوسائل ٩ : ٤١٢ أبواب الطواف ب ١٨ ح ١.
(٥) التذكرة ١ : ٣٦٦.
(٦) الرمل بالتحريك : الهرولة ـ الصحاح ٤ : ١٧١٣.
(٧) التهذيب ٥ : ١٥٠ ـ ٤٩٤ ، الوسائل ٩ : ٥٢٥ أبواب السعي ب ٩ ح ١.
(٨) القاموس المحيط ٢ : ١٢٨.
والدعاء في سعيه ماشيا ومهرولا ، ولا بأس أن يجلس في خلال السعي للراحة.
______________________________________________________
أعني استحباب تدارك الهرولة على هذا الوجه مع النسيان ذكره الشيخ (١) وجمع من الأصحاب ، وربما كان مستنده ما رواه الشيخ مرسلا عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى عليهماالسلام أنهما قالا : « من سها عن السعي حتى يصير من السعي على بعضه أو كلّه ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا ولكن يرجع القهقرى إلى المكان الذي يجب فيه السعي » (٢) وظاهر الرواية المنع من الرجوع بالوجه لكنها قاصرة من حيث السند عن إثبات التحريم ، بل يمكن المناقشة في أصل الحكم لضعف مستنده. وهل استحباب العود مخصوص بمن ذكرها في ذلك الشوط ، أم يرجع إلى الشوط الذي نسيها فيه وإن تجاوزه؟ وجهان أظهرهما الأول.
قوله : ( والدعاء في سعيه ماشيا ومهرولا ).
قد تقدم ذكر الدعاء في حسنة معاوية بن عمار (٣).
قوله : ( ولا بأس أن يجلس في خلال السعي للراحة ).
هذا قول معظم الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل روايات : منها صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال : « نعم إن شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فيجلس » (٤).
وصحيحة عليّ بن رئاب قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يعيا في الطواف أله أن يستريح؟ قال : « نعم يستريح ثم يقوم فيبني على
__________________
(١) النهاية : ٢٤٥ ، والمبسوط ١ : ٣٦٣.
(٢) التهذيب ٥ : ٤٥٣ ـ ١٥٨١ ، الوسائل ٩ : ٥٢٥ أبواب السعي ب ٩ ح ٢.
(٣) المتقدمة في ص ٢٠٨.
(٤) الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٦ ـ ٥١٦ ، الوسائل ٩ : ٥٣٥ أبواب السعي ب ٢٠ ح ١.
الأولى : السعي ركن ، من تركه عامدا بطل حجه. ولو كان ناسيا وجب عليه الإتيان به. فإن خرج عاد ليأتي به. فإن تعذر عليه استناب فيه.
______________________________________________________
طوافه في فريضة وغيرها ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه » (١).
ونقل عن الحلبيين أنهما منعا من الجلوس بين الصفا والمروة إلاّ مع الإعياء (٢). وربما كان مستندهما ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا يجلس بين الصفا والمروة إلاّ من جهد » (٣) والجواب بالحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة.
قوله : ( ويلحق بهذا الباب مسائل ، الأولى : السعي ركن من تركه عامدا بطل حجه ).
هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب حكاه في التذكرة والمنتهى (٤) ، ويدل عليه روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : « من ترك السعي متعمّدا فعليه الحج من قابل » (٥) وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في السعي بين كونه للحج أو العمرة ، والكلام فيما يتحقق به الترك كما سبق في الطواف (٦).
قوله : ( ولو كان ناسيا وجب عليه الإتيان به ، فإن خرج عاد ليأتي به ، فإن تعذر عليه استناب فيه ).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤١٦ ـ ٤ ، قرب الإسناد : ٧٧ ، الوسائل ٩ : ٤٥٤ أبواب الطواف ب ٤٦ ح ١.
(٢) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٩٦.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٨ ـ ١٢٥١ ، الوسائل ٩ : ٥٣٦ أبواب السعي ب ٢٠ ح ٤.
(٤) التذكرة ١ : ٣٦٦ ، والمنتهى ٢ : ٧٠٦.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٧١ ـ ١٦٥١ ، الوسائل ٩ : ٥٢٣ أبواب السعي ب ٧ ح ٢.
(٦) راجع ص ١٧٢.
______________________________________________________
أما وجوب الإتيان به مع النسيان والعود لاستدراكه فظاهر ، لتوقف الامتثال عليه ، ولما رواه الكليني في الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال ، قلت : فرجل نسي السعي بين الصفا والمروة؟ قال : « يعيد السعي » قلت : فاته ذلك حتى خرج؟ قال : « يرجع فيعيد السعي » (١).
وأما أنه تجب الاستنابة فيه مع تعذر العود ـ والظاهر أن المراد به المشقة اللازمة من ذلك (٢) ـ فيدل عليه روايات كثيرة : منها صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة. فقال : « يطاف عنه » (٣).
ورواية زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله فقال : « يطاف عنه » (٤) ، وإنما حملناهما على ما إذا تعذر العود جمعا بينهما وبين رواية معاوية بن عمار المتقدمة المتضمنة لوجوب العود لاستدراك السعي ، لكن الظاهر منها حصول الذكر حين الخروج من مكة.
وكيف كان فلا ريب في جواز الاستنابة إذا شقّ العود. ولا يحلّ لمن أخلّ بالسعي ما يتوقف عليه من المحرمات كالنساء حتى يأتي به كملا بنفسه أو بنائبه ، وهل تلزمه الكفارة لو ذكر ثم واقع؟ لم أقف فيه على نص ، ولكن الحكم بوجوبها على من ظن إتمام السعي فواقع ثم تبين النقص كما سيأتي يقتضي الوجوب هنا بطريق أولى. وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان أظهرهما الأول.
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٨٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٥٢٤ أبواب السعي ب ٨ ح ١.
(٢) في « ح » زيادة : كما في الطواف.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٦ ـ ١٢٤٤ ، التهذيب ٥ : ٤٧٢ ـ ١٦٥٨ ، الوسائل ٩ : ٥٢٤ أبواب السعي ب ٨ ح ٣.
(٤) التهذيب ٥ : ١٥٠ ـ ٤٩٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣٠ ، الوسائل ٩ : ٥٢٤ أبواب السعي ب ٨ ح ٢.
الثانية : لا تجوز الزيادة على سبعة ، ولو زاد عامدا بطل ، ولا تبطل بالزيادة سهوا.
______________________________________________________
قوله : ( الثانية : لا تجوز الزيادة على سبعة ، ولو زاد عامدا بطل ).
هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن عبد الله بن محمد ، عن أبي الحسن عليهالسلام قال : « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة ، وكذلك السعي » (١) وهذه الرواية ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة والضعيف (٢) ، ومع ذلك فالزيادة إنما يتحقق بالإتيان بما زاد على سبعة على أنه من جملة السعي المأمور به ، فلو تردد في أثناء الشوط أو رجع بوجهه ثم عاد لم يكن ذلك قادحا في الصحة قطعا.
قوله : ( ولا تبطل بالزيادة سهوا ).
لا ريب في عدم البطلان بذلك. ويتخير من زاد ساهيا بين طرح الزيادة والاعتداد بالسبعة ، وبين إكمال أسبوعين ويكون الثاني مستحبا ، أما طرح الزائد فيدل عليه مضافا إلى الأصل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي إبراهيم عليهالسلام : في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال : « إن كان خطأ طرح واحدا واعتدّ بسبعة » (٣).
وصحيحة جميل بن دراج قال : حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٥١ ـ ٤٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣١ ، الوسائل ٩ : ٤٣٨ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١١.
(٢) في « ض » : وغيره.
(٣) الكافي ٤ : ٤٣٦ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٥٧ ـ ١٢٤٦ ، التهذيب ٥ : ٤٧٢ ـ ١٦٦٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ٩ : ٥٢٨ أبواب السعي ب ١٣ ح ٣.
ومن تيقن عدد الأشواط وشك فيما به بدأ ، فإن كان في المزدوج على الصفا فقد صحّ سعيه لأنه بدأ به ، وإن كان على المروة أعاد. وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض.
______________________________________________________
والمروة أربعة عشر شوطا فسألنا أبا عبد الله عليهالسلام عن ذلك فقال : « لا بأس سبعة لك وسبعة تطرح » (١) ويستفاد من هذه الرواية إلحاق الجاهل بالناسي في هذا الحكم.
وأما إكمال أسبوعين فيدل عليه صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : « إن في كتاب عليّ عليهالسلام : إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية أضاف إليها ستا ، وكذلك إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستا » (٢) وإنما يتخير بين الطرح والإكمال إذا لم يقع التذكر إلاّ بعد إكمال الثامن وإلاّ تعين القطع ، لاختصاص الرواية المتضمنة للإكمال بما إذا لم يحصل التذكر حتى أتمّ الثمانية ، ومتى أكمل الزائد أسبوعين كان الثاني مستحبا لجواز الطرح ، ولا يشرع استحباب السعي إلاّ هنا ، ولا يشرع ابتداء مطلقا.
قوله : ( ومن تيقن عدد الأشواط وشك فيما به بدأ فإن كان في المزدوج على الصفا فقد صحّ سعيه لأنه بدأ به ، وإن كان على المروة أعاد )
هذا إنما يكون شكا في ابتداء الأمر وإلاّ فبعد العلم بكون عدده زوجا وهو على الصفا يتحقق البدأة به كما أنه إذا علم ذلك وهو على المروة يكون قد بدأ به ولا يكون من الشك في شيء إلاّ بالاعتبار الذي ذكرناه.
قوله : ( وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض ).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٣٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ٥٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣٣ ، الوسائل ٩ : ٥٢٩ أبواب السعي ب ١٣ ح ٥.
(٢) التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ٥٠٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٠ ـ ٨٣٥ ، الوسائل ٩ : ٤٣٨ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٠.
الثالثة : من لم يحصل عدد سعيه أعاده ، ومن تيقن النقيصة أتى بها.
______________________________________________________
المراد بانعكاس الفرض والحكم أنه إن كان في الفرد على الصفا أعاد وإن كان على المروة صحّ سعيه ، لأنه يكون قد بدأ بالمروة في الأول وبالصفا في الثاني ، وبهذا المعنى صرّح في النافع (١). وذكر المحقق الشيخ علي في حواشيه أن المراد بانعكاس الفرض أن يتيقن ما به بدأ ويشك في العدد ، وبانعكاس الحكم البطلان إن كان على الصفا ، لعدم تحقق الإكمال ، وعدم جوازه حذرا من الزيادة ، والصحة إن كان على المروة ، لأن الأصل عدم الزائد. ولا يخفى بعد هذا التوجيه وأنه إنما يتم إذا وقع الشك بعد إكمال العدد وموضوع المسألة أعم منه ، مع أن حكم الشك في العدد قد ذكره المصنف بعد هذه المسألة بغير فصل فلا وجه لحمل العبارة عليه.
قوله : ( الثالثة : من لم يحصل عدد سعيه أعاده ).
المراد بعدم تحصيل العدد الشك فيه ، وقد قطع الأصحاب بإعادة السعي بذلك ، ويدل عليه قوله عليهالسلام في صحيحة سعيد بن يسار : « وإن لم يكن حفظ أنه سعى ستة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط » (٢) ويستثنى من ذلك ما لو شك فيه بين الإكمال والزيادة على وجه لا ينافي البدأة بالصفا كما لو شك بين السبعة والتسعة وهو على المروة فإنه لا يعيد ، لتحقق الإكمال ، وأصالة عدم الزيادة ، ولو كان على الصفا أعاد.
قوله : ( ومن تيقن النقيصة أتى بها ).
إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يذكرها قبل فوات الموالاة أو بعدها ، وبهذا التعميم صرّح في التذكرة فقال : لو سعى أقل من سبعة أشواط ولو خطوة وجب عليه الإتيان بها ولا يحصل له ما يحرم على المحرم قبل الإتيان به ، فإن رجع إلى بلده وجب عليه العود مع المكنة وإتمام السعي ، لأن
__________________
(١) المختصر النافع : ٩٦.
(٢) التهذيب ٥ : ١٥٣ ـ ٥٠٤ ، الوسائل ٩ : ٥٢٩ أبواب السعي ب ١٤ ح ١.
ولو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتمّ فأحل وواقع النساء ثم ذكر ما نقص كان عليه دم بقرة على رواية ويتمّ النقصان. وكذا قيل لو قلّم أظفاره أو قصّ شعره.
______________________________________________________
الموالاة لا تجب فيه إجماعا (١). ونحوه قال في المنتهى وقال : إنه لا يعرف فيه خلافا (٢). ويدل عليه مضافا إلى الأصل قوله عليهالسلام في صحيحة سعيد بن يسار : « فإن كان يحفظ أنه سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا » وغير ذلك من الأخبار.
قوله : ( ولو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتمّ فأحل وواقع النساء ثم ذكر ما نقص ، كان عليه دم بقرة على رواية ، ويتم النقصان ، وكذا قيل لو قلم أظفاره أو قصّ شعره ).
الرواية التي أشار إليها المصنف رواها الشيخ ، عن عبد الله بن مسكان قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة فذكر بعد ما أحلّ وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط فقال : « عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر » (٣) وهذه الرواية تتناول بإطلاقها طواف العمرة وطواف الحج ، لكن في طريقها محمد بن سنان وهو ضعيف.
والقول بإلحاق القلم وقصّ الشعر بالوقاع للشيخ (٤) ـ رحمهالله ـ وجمع من الأصحاب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن سعيد بن يسار قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلم أظفاره
__________________
(١) التذكرة ١ : ٣٦٧.
(٢) المنتهى ٢ : ٧٠٧.
(٣) التهذيب ٥ : ١٥٣ ـ ٥٠٥ ، الوسائل ٩ : ٥٢٩ أبواب السعي ب ١٤ ح ٢.
(٤) التهذيب ٥ : ١٥٣ ، والنهاية : ٢٤٥ ، والمبسوط ١ : ٣٦٢.
______________________________________________________
وأحل ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط فقال لي : « يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما » فقلت : دم ما ذا؟ فقال : « بقرة » ، قال : « وإن لم يكن حفظ أنه سعى ستة أشواط فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة » (١) وفي الروايتين مخالفة للقواعد الشرعية من وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد ، ووجوب البقرة في تقليم الأظفار مع أن الواجب بمجموعها شاة ، ووجوبها في الجماع مطلقا مع أن الواجب به مع العلم بدنة ولا شيء مع النسيان ، ومساواة القلم للجماع والحال أنهما مفترقان في الحكم في غير هذه المسألة ، ولأجل هذه المخالفات حملهما بعض الأصحاب على الاستحباب ، وبعضهم (٢) تلقاهما بالقبول ولم يلتفت إلى هذه المخالفات ، فإن العقل لا يأباها بعد ورود النص بها.
قال الشارح : ويمكن توجيه هذه الأخبار بأن الناسي وإن كان معذورا لكن هناك قد قصّر حيث لم يلحظ النقص ، فإن من قطع السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا وهو واضح الفساد فلم يعذر بخلاف الناسي غيره فإنه معذور ، لكن يبقى أن المصنف فرض المسألة فيمن فعل ذلك قبل إتمام السعي من غير تقييد بالستة فيشتمل ما لو قطع في المروة على خمسة وهو محل العذر (٣). هذا كلامه ـ رحمهالله ـ وما ذكره من التوجيه جيد بالنظر إلى الخبرين المتضمنين للحكمين ، إذ به يرتفع بعض المخالفات ، لكن قد عرفت أن الرواية الأولى ضعيفة ، والرواية الثانية إنما تدل على وجوب البقرة بالقلم قبل إكمال السعي إذا قطعه على ستة أشواط في عمرة التمتع فيمكن القول بوجوبها أخذا بظاهر الأمر ، ويمكن حملها على الاستحباب كما اختاره
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٥٣ ـ ٥٠٤ ، الوسائل ٩ : ٥٢٩ أبواب السعي ب ١٤ ح ١.
(٢) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٧٠٧.
(٣) المسالك ١ : ١٢٥.
الرابعة : لو دخل وقت فريضة وهو في السعي قطعه وصلى ثم أتمه ، وكذا لو قطعه لحاجة له أو لغيره.
______________________________________________________
الشيخ في أحد قوليه (١) وابن إدريس (٢) نظرا إلى ما ذكر من المخالفة ، والمسألة محل تردد.
قوله : ( الرابعة : لو دخل وقت الفريضة وهو في السعي قطعه وصلّى ثم أتمّه ، وكذا لو قطعه لحاجة له أو لغيره ).
ما اختاره المصنف ـ رحمهالله ـ من جواز قطع السعي في هاتين الصورتين والبناء مطلقا هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال في التذكرة : إنه لا يعرف فيه خلافا (٣). ونقل عن المفيد وأبي الصلاح وسلار أنهم جعلوا ذلك كالطواف في اعتبار مجاوزة النصف (٤). والمعتمد الأول.
لنا : التمسك بمقتضى الأصل ، وما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة ، أيخفف أو يصلي ثم يعود أو يلبث كما هو على حاله حتى يفرغ؟ فقال : « أو ليس عليهما مسجد؟! لا بل يصلي ثم يعود » قلت : ويجلس على الصفا والمروة؟ قال : « نعم » (٥).
__________________
(١) المبسوط ١ : ٣٣٧ ، قال : وإن كان قد انصرف من السعي ظنا منه أنه تممه ثم جامع لم تلزمه الكفارة وكان عليه تمام السعي ، لأن هذا في حكم الساهي. ولم يصرح بالاستحباب.
(٢) السرائر : ١٢٩. قال في باب الكفارات بعد أن أوجب على ظان إتمام السعي بدنة أو بقرة : وهذا ليس هو بحكم الناسي. وقال في ص : ١٣٦. وإن كان قد واقع أهله قبل إتمامه السعي وجب عليه دم بقرة وكذلك إن قصر أو قلم أظفاره كان عليه دم بقرة وإتمام ما نقص من السعي إذا فعل ذلك عامدا. ولم يصرح بالاستحباب.
(٣) التذكرة ١ : ٣٦٧.
(٤) نقله عنهم في المختلف : ٢٩٤.
(٥) الفقيه ٢ : ٢٥٨ ـ ١٢٥٢ ، التهذيب ٥ : ١٥٦ ـ ٥١٩ ، الوسائل ٩ : ٥٣٤ أبواب السعي ب ١٨ ح ١.
الخامسة : لا يجوز تقديم السعي على الطواف ، كما لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي. فإن قدمه طاف ثم أعاد السعي.
______________________________________________________
وما رواه ابن بابويه في الموثق ، عن ابن فضال قال : سأل محمد بن علي أبا الحسن عليهالسلام فقال له : سعيت شوطا ثم طلع الفجر فقال : « صلّ ثم عد فأتم سعيك » (١).
وفي الصحيح ، عن علي بن النعمان وصفوان ، عن يحيى الأزرق قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة فيلقاه الصديق فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام قال : « إن أجابه فلا بأس ولكن يقضي حق الله عزّ وجلّ أحبّ إليّ من أن يقضي حق صاحبه » (٢).
ولم يتعرض الأكثر لجواز قطعه اختيارا في غير هاتين الصورتين ، لكن مقتضى الإجماع المنقول (٣) على عدم وجوب الموالاة فيه الجواز مطلقا ، ولا ريب أن الاحتياط يقتضي عدم قطعه في غير المواضع المنصوصة.
قوله : ( الخامسة : لا يجوز تقديم السعي على الطواف كما لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي ، فإن قدّمه طاف ثم أعاد السعي ).
أما أنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، ويدل عليه الروايات الكثيرة المتضمنة لبيان أفعال الحج والعمرة حيث يذكر فيها الطواف أولا ثم السعي ، وصحيحة منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٥٨ ـ ١٢٥٤ ، الوسائل ٩ : ٥٣٤ أبواب السعي ب ١٨ ح ٢.
(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٨ ـ ١٢٥٣ ، الوسائل ٩ : ٥٣٥ أبواب السعي ب ١٩ ح ١. ورواها في التهذيب ٥ : ١٥٧ ـ ٥٢٠.
(٣) كما في التذكرة ١ : ٣٦٧.
ولو ذكر في أثناء السعي نقصانا من طوافه ـ قطع ـ السعي.
______________________________________________________
بالبيت فقال : « يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما » (١).
وصرح الشهيد في الدروس بأن من قدم السعي على الطواف يجب عليه إعادة السعي وإن كان سهوا (٢). وهو كذلك ، لتوقف الامتثال عليه.
وأما أنه لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي فيدل عليه مضافا إلى الروايات المتضمنة لكيفية الحج والعمرة خصوص رواية أحمد بن محمد ، عمّن ذكره قال ، قلت لأبي الحسن عليهالسلام : جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى فقال : « لا يكون السعي إلاّ من قبل طواف النساء » فقلت : أعليه شيء؟ فقال : « لا يكون سعي إلاّ قبل طواف النساء » (٣).
وقد صرح المصنف فيما سبق (٤) وغيره (٥) بأن من قدّم طواف النساء على السعي ساهيا لا يجب عليه الإعادة ، وعلى هذا المعنى حمل الشيخ في التهذيب ما رواه في الموثق ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن الماضي عليهالسلام قال : سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة فقال : « لا يضرّه يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجه » (٦).
قوله : ( ولو ذكر في أثناء السعي نقصانا من طوافه قطع السعي
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٢١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٩ ـ ٤٢٦ ، الوسائل ٩ : ٤٧٢ أبواب الطواف ب ٦٣ ح ٢.
(٢) الدروس : ١١٧.
(٣) الكافي ٤ : ٥١٢ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ١٣٣ ـ ٤٣٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٣١ ـ ٧٩٩ ، الوسائل ٩ : ٤٧٥ أبواب الطواف ب ٦٥ ح ١.
(٤) في ص ١٩٠.
(٥) كالشيخ في المبسوط ١ : ٣٥٩ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٣٦٧.
(٦) التهذيب ٥ : ١٣٣ ـ ٤٣٩ ، الوسائل ٩ : ٤٧٥ أبواب الطواف ب ٦٥ ح ٢.