مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

وأن يكون في طوافه داعيا ذاكرا لله سبحانه على سكينة ووقار. مقتصدا في مشيه ، وقيل : يرمل ثلاثا ويمشي أربعا.

______________________________________________________

بالممسوح فإنه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن استلام الركن ، قال : « استلامه أن تلصق بطنك به ، والمسح أن تمسحه بيدك » (١) ، إلا أن يقال إن معنى استلام الحجر خلاف معنى استلام الركن ، مع أن الظاهر أن هذا التفسير إنما هو للفرد الكامل من الاستلام ، لتأدي معناه بالمس باليد ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وأن يكون في طوافه داعيا ذاكرا لله سبحانه وتعالى ، على سكينة ووقار ، ومقتصدا في مشيه ، وقيل : يرمل ثلاثا ويمشي أربعا ).

أما استحباب الدعاء والذكر في هذه الحالة فلا ريب فيه ، لرجحانه على كل حال ، وورود الأمر في عدة أخبار. وأما استحباب الاقتصاد في المشي ـ وهو التوسط بين الإسراع والبطء ـ من غير فرق بين الثلاثة الأول وغيرها ، ولا بين طواف القدوم وغيره ، فهو قول أكثر الأصحاب ، ويدل عليه بما رواه الشيخ ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الطواف ، فقلت : أسرع وأكثر أو أمشي وأبطئ؟ قال : « مشي بين المشيين » (٢).

وروى ابن بابويه عن سعيد الأعرج أنه سأله أبا عبد الله عليه‌السلام عن المسرع والمبطئ في الطواف فقال : « كل واسع ما لم يؤذ أحدا » (٣).

والقول باستحباب الرمل في الثلاثة الأول والمشي في الأربعة الباقية للشيخ في المبسوط ، لكن قيّده بطواف القدوم (٤) ، فإطلاق القول باستحبابه في الثلاثة الأول غير جيد ، ولم أقف على رواية تدل عليه من طريق‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٤٠٨ أبواب الطواف ب ١٥ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٢ ، الوسائل ٩ : ٤٢٨ أبواب الطواف ب ٢٩ ح ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٥ ـ ١٢٣٨ ، الوسائل ٩ : ٤٢٨ أبواب الطواف ب ٢٩ ح ١.

(٤) المبسوط ١ : ٣٥٦.

١٦١

وأن يقول : اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على ظلل الماء ، إلى آخر الدعاء.

______________________________________________________

الأصحاب ، نعم قال العلامة في المنتهى : إن العامة كافة متفقون على استحباب ذلك ، ورووا أن السبب فيه أنه لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة فقال المشركون : إنه تقدم عليكم قوم نهكتهم الحمى ولقوا منها شرا ، فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين ، فلما رأوهم قالوا ما تراهم إلا كالغزلان (١). ولا ريب في ضعف هذا القول لعدم ثبوت هذا النقل ، ولو ثبت لما كان فيه دلالة على الاستحباب مطلقا أيضا.

والرمل لغة : الهرولة ، على ما نص عليه في القاموس (٢) ، وقال الأزهري : أنه الجمر والإسراع (٣). وعرفه الشهيد في الدروس بأنه الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو ، وقال : إنه يسمى الجنب (٤). والكل متقارب.

قوله : ( وأن يقول : اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء ، إلى آخر الدعاء ).

روى الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « طف بالبيت سبعة أشواط ، وتقول في الطواف : اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء كما يمشى به على جدد الأرض ، وأسألك باسمك الذي يهتز له عرشك ، وأسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك ، وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك ، وأسألك باسمك الذي غفرت به‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٩٦.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٣٩٨.

(٣) نقله عنه في المنتهى ٢ : ٦٩٦.

(٤) الدروس : ١١٤.

١٦٢

وأن يلتزم المستجار في الشوط السابع. ويبسط يديه على حائطه. ويلصق به بطنه وخدّه ويدعو بالدعاء المأثور.

______________________________________________________

لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك ، أن تفعل بي كذا وكذا ، وفإذا انتهيت إلى باب الكعبة فصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود : ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ، وقل في الطواف : اللهم إني إليك فقير ، وإني خائف مستجير ، فلا تغير جسمي ، ولا تبدل اسمي » (١).

قوله : ( وأن يلتزم المستجار في الشوط السابع ، ويبسط يديه على حائطه ، ويلصق به بطنه وخده ، ويدعو بالدعاء المأثور ).

عرّف المصنف في النافع (٢) وغيره (٣) المستجار بأنه جزء من حائط الكعبة بحذاء الباب ، دون الركن اليماني بقليل ، ويسمى الملتزم أيضا ، وقد ورد باستحباب التزامه على هذا الوجه والدعاء روايات كثيرة ، كصحيحة عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل : اللهم البيت بيتك ، والعبد عبدك ، وهذا مقام العائذ بك من النار ، اللهم من قبلك الروح والفرج ، ثم استلم الركن اليماني ، ثم ائت الحجر فاختم به » (٤).

وحسنة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه : « أميطوا عني حتى أقرّ لربي بذنوبي ، فإن هذا مكان لم يقرّ عبد لربه بذنوبه ثم استغفر إلا غفر الله له » (٥).

وصحيحة معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٦ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٤١٥ أبواب الطواف ب ٢٠ ح ١.

(٢) المختصر النافع : ٩٤.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٠٧ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ٩ : ٤٢٣ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤١٠ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٤٢٤ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ٥.

١٦٣

ولو جاوز المستجار لم يرجع.

______________________________________________________

فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة ـ وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل ـ فابسط يديك على البيت وألصق بطنك وخدك بالبيت وقل : اللهم البيت بيتك ، والعبد عبدك ، وهذا مكان العائذ بك من النار ، ثم أقرّ لربك بما عملت ، فإنه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربه من ذنوبه في هذا المكان إلا غفر الله له إن شاء الله ، وتقول : اللهم من قبل الروح والفرج والعافية ، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي ، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك ، ثم تستجير بالله من النار ، وتخيّر لنفسك من الدعاء ، ثم استلم الركن اليماني ، ثم ائت الحجر الأسود » (١).

ويستفاد من هذه الرواية أن موضع الالتزام حذاء المستجار ، وقد عرفت أنه حذاء الباب ، فيكون المستجار نفس الباب. وكيف كان فموضوع الالتزام حذاء الباب والأمر في التسمية هيّن.

والأولى لمن التزم واستلم حفظ موضع قيامه والعود إلى الطواف منه ، حذرا من الزيادة والنقيصة ، ولو شك في الموقف تأخر احتياطا ، وينبغي القطع بعدم تأثير مثل هذه الزيادة ، للأصل ، وإطلاق الأمر بالاستلام والالتزام من غير تعرض لشي‌ء من ذلك.

قوله : ( ولو جاوز المستجار إلى الركن لم يرجع ).

للأصل ، وفوات المحل ، وصحيحة علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني ، أيصلح أن يلتزم بين الركن اليماني وبين الحجر أو يدع ذلك؟ قال : « يترك اللزوم ويمضي » (٢) ، وأطلق المصنف في النافع والعلامة في القواعد الرجوع والالتزام إذا جاوز المستجار (٣). واستحب الشهيد في‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١١ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ١٠٧ ـ ٣٤٩ ، الوسائل ٩ : ٤٢٤ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ١٠٨ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٩ : ٤٢٦ أبواب الطواف ب ٢٧ ح ١.

(٣) المختصر النافع : ٩٤ ، والقواعد ١ : ٨٣.

١٦٤

وأن يلتزم الأركان ، وآكدها الذي فيه الحجر واليماني.

______________________________________________________

الدروس الرجوع ما لم يبلغ الركن (١) ، وهو حسن.

قوله : ( وأن يلتزم الأركان كلها ، وآكدها الذي فيه الحجر واليماني ).

اختلف الأصحاب في استلام الأركان ، فذهب الأكثر إلى استحباب استلام الأركان كلها وإن تأكد استحباب استلام العراقي واليماني (٢) ، وأسنده العلامة في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (٣). وأوجب سلار استلام اليماني (٤) ، ومنع ابن الجنيد من استلام الشامي (٥) ، والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل بن صالح ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يستلم الأركان كلها (٦). وفي الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : استلم اليماني والشامي والغربي؟ قال : « نعم » (٧).

وإنما تأكد استلام العراقي واليماني المواظبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على استلامهما ، وقوله عليه‌السلام : « ما أتيت الركن اليماني إلا وجدت جبرائيل قد سبقني إليه يلتزمه » (٨) ، وعلله في الدروس بأنهما على قواعد‌

__________________

(١) الدروس : ١١٥.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٣٥٦ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٦٩٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٩٤.

(٤) المراسم : ١١٧.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٩٠.

(٦) التهذيب ٥ : ١٠٦ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ٩ : ٤١٨ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ١.

(٧) التهذيب ٥ : ١٠٦ ـ ٣٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٢١٦ ـ ٧٤٣ ، الوسائل ٩ : ٤٢٣ أبواب الطواف ب ٢٥ ح ٢.

(٨) الكافي ٤ : ٤٠٨ ـ ١٠ ، الوسائل ٩ : ٤١٩ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ٣.

١٦٥

ويستحب طواف ثلاثمائة وستين طوافا. فإن لم يتمكن فثلاثمائة‌

______________________________________________________

إبراهيم عليه‌السلام (١).

وروى ابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : بينا أنا في الطواف إذ رجل يقول : ما بل هذين الركنين يمسحان ـ يعني الحجر والركن اليماني ـ وهذان لا يمسحان؟ قال : فقلت إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمسح هذين ولم يمسح هذين ، فلا يتعرض لشي‌ء لم يعرض له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

واعلم أن مقتضى عبارة المصنف أن المستحب التزام الأركان ، والمروي في الأخبار الاستلام ، وربما كان الوجه فيه ما رواه الكليني في الصحيح ، عن يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن استلام الركن قال : « استلامه أن تلصق بطنك به ، والمسح أن تمسحه بيدك » (٣).

والظاهر تأدي السنة بالمسح باليد كما تدل عليه صحيحة سعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن استلام الحجر من قبل الباب فقال : « أليس إنما تريد أن تستلم الركن؟ » فقلت : نعم فقال « يجزيك حيث ما نالت يدك » (٤).

فائدة :

اليماني بتخفيف الياء ، لأن الألف فيه عوض عن ياء النسبة ، ولو قيل اليمنيّ لشددت على الأصل.

قوله : ( ويستحب طواف ثلاثمائة وستين طوافا. فإن لم يتمكن‌

__________________

(١) الدروس : ١١٤.

(٢) علل الشرائع : ٤٢٨ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٤٢٠ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ١٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٤١٩ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٠٦ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ١٠٣ ـ ٣٣٢ ، الوسائل ٩ : ٤٠٨ أبواب الطواف ب ١٥ ح ١.

١٦٦

وستين شوطا ، ويلحق الزيادة بالطواف الأخير ، وتسقط الكراهيّة هنا بهذا الاعتبار. وأن يقرأ في ركعتي الطواف في الأولى مع الحمد قل هو الله أحد ، وفي الثانية معه قل يا أيها الكافرون. ومن زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين ، وصلى الفريضة أولا ، وركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي.

______________________________________________________

فثلاثمائة وستين شوطا ، ويلحق الزيادة بالطواف الأخير ، وتسقط الكراهية هنا بهذا الاعتبار ).

المستند في ذلك ما رواه الكليني في الحسن وابن بابويه في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يستحب أن تطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد أيام السنة ، فإن لم تستطع فثلاثمائة وستين شوطا ، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف » (١).

ومقتضى استحباب الثلاثمائة وستين شوطا أن يكون الطواف الأخير عشرة أشواط ، وقد قطع المصنف بعدم كراهة هذه الزيادة هنا ، وهو كذلك لظاهر النص المتقدم.

ونقل العلامة في المختلف عن ابن زهرة أنه استحب زيادة أربعة أشواط ليصير الأخير طوافا كاملا ، حذرا من كراهة القران ، وليوافق عدد أيام السنة الشمسية (٢) ، ونفي عنه البأس في المختلف (٣) ، وهو حسن ، إلا أنه خلاف مدلول الرواية.

قوله : ( ومن زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين ، وصلى الفريضة أولا ، وركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٩ ـ ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٥٥ ـ ١٢٣٦ ، الوسائل ٩ : ٣٩٦ أبواب الطواف ب ٧ ح ١.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.

(٣) المختلف : ٢٩٢.

١٦٧

______________________________________________________

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من إكمال الأسبوعين مع الزيادة على‌ السبع سهوا قول أكثر الأصحاب ، ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن أبي أيوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف فريضة ، قال : « فليضم إليها ستا ثم يصلي أربع ركعات » (١).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إن في كتاب علي عليه‌السلام : إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية أضاف إليها ستا ، وكذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستا » (٢).

وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إن عليا عليه‌السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف إليها ستا ، ثم صلى ركعتين خلف المقام ، ثم خرج إلى الصفا والمروة ، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلى الركعتين للذي ترك في المقام الأول » (٣).

ولا يقدح في صحة هذه الرواية اشتمال سندها على عبد الرحمن وهو مشترك ، لوقوع التصريح في هذا السند بعينه في عدة روايات بأن ابن أبي نجران.

ومقتضى الرواية وقوع السهو من الإمام ، وقد قطع ابن بابويه بإمكانه ، ونقل عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد أنه كان يقول : أول درجة في‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٩١ ، الوسائل ٩ : ٤٣٨ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ٥٠٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٠ ـ ٨٣٥ ، الوسائل ٩ : ٤٣٨ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٢ ـ ٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٨ ـ ٧٥٢ ، الوسائل ٩ : ٤٣٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٧.

١٦٨

______________________________________________________

الغلو نفي السهو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وفي هذه الرواية دلالة على ما ذكره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من إيقاع صلاة الفريضة قبل السعي وصلاة النافلة بعده.

ونقل عن ابن بابويه في المقنع أنه أوجب الإعادة بمطلق الزيادة وإن وقعت سهوا (٢). وهو ضعيف جدا ، مع أنه روى فيمن لا يحضره الفقيه عن أبي أيوب ما يوافق المشهور كما نقلناه.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : ذكر الشيخان (٣) والمصنف فيما سيجي‌ء من كلامه (٤) وغيرهم من الأصحاب أن إكمال الأسبوعين إنما يثبت إذا لم يذكر حتى يبلغ الركن بأن يكون قد أكمل شوطا فصاعدا ، فلو ذكر قبل ذلك وجب القطع ، واستدل عليه الشيخ في كتابي الأخبار بما رواه عن أبي كهمش قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط ، قال : « إن كان قد ذكر قبل أن يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه ، وإن لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا ، وليصل أربع ركعات » (٥).

وهذه الرواية مع ضعف سندها (٦) معارضة بما رواه الشيخ ، عن موسى بن القاسم ، عن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٤.

(٢) المقنع : ٨٥.

(٣) لم نعثر عليه في المقنعة وهو موجود في التهذيب ٥ : ١١٢ ، ولكنه نقل رواية في المقنعة : ٧٠. إليك نصها : وقال عليه‌السلام : من طاف بالبيت ثمانية أشواط ناسيا فليضف إليها ستة أشواط. والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٣٨ ، والمبسوط ١ : ٣٥٨ ، والتهذيب ٥ : ١١٢.

(٤) في ص ١٨١.

(٥) التهذيب ٥ : ١١٣ ـ ٣٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢١٩ ـ ٧٥٣ ، الوسائل ٩ : ٤٣٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٣.

(٦) لأن راويها وهو أبو كهمش مجهول ، ولأن من جملة رجالها ابن فضال وهو فطحي.

١٦٩

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ، ثم ليصل ركعتين » (١).

وقال الشيخ في الإستبصار : إن هذا الخبر مجمل ورواية أبي كهمش مفصلة والحكم بالمفصل أولى منه بالمجمل (٢). وهو جيد لو تكافأ السندان ، لكن الأولى ضعيفة لاشتمال سندها على عدة من الضعفاء ، وهذه الرواية معتبرة الإسناد ، بل قد حكم العلامة في المنتهى بصحتها (٣) ، وهو غير بعيد.

الثاني : نص العلامة في المنتهى (٤) وغيره (٥) على أن الإكمال مع الزيادة على سبيل الاستحباب ، ومقتضاه أن الطواف الأول هو طواف الفريضة. ونقل عن ابن الجنيد (٦) وعلى بن بابويه (٧) أنهما حكما بكون الفريضة هو الثاني ، وفي رواية زرارة المتقدمة (٨) دلالة عليه. وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه بعد أن أورد رواية أبي أيوب المتقدمة : وفي خبر آخر أن الفريضة هو الطواف الثاني والركعتان الأولتان لطواف الفريضة ، والركعتان الأخيرتان والطواف الأول تطوع (٩). ولم نقف على هذه الرواية مسندة ولعله أشار بها إلى رواية زرارة ، وعلى هذا فيكون الإتمام واجبا.

وذكر الشارح أن النية الواقعة بعد الذكر تؤثر في الشوط المتقدم ، كنية‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١١٢ ـ ٣٦٤ ، الإستبصار ٢ : ٢١٨ ـ ٧٥٠ ، الوسائل ٩ : ٤٣٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٥.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢١٩.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٠٠.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٠٠.

(٥) كالشهيد الأول في الدروس : ١١٥.

(٦) نقله عنهما في المختلف : ٢٨٩.

(٧) نقله عنهما في المختلف : ٢٨٩.

(٨) التهذيب ٥ : ١١٢ ـ ٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٨ ـ ٧٥٢ ، الوسائل ٩ : ٤٣٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٧.

(٩) الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٩٢ ، الوسائل ٩ : ٤٣٨ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٤.

١٧٠

وأن يتدانى من البيت.

ويكره الكلام في الطواف بغير الدعاء والقراءة.

______________________________________________________

العدول في الصلاة بالنسبة إلى تأثيرها فيما سبق (١). والأمر في النية هين.

الثالث : الظاهر أن تأخير ركعتي طواف النافلة إلى أن يأتي بالسعي على سبيل الأفضلية ، لإطلاق الأمر بصلاة الأربع في رواية أبي أيوب ، ولعدم وجوب المبادرة بالسعي على الفور.

قوله : ( وأن يتدانى من البيت ).

علله العلامة في المنتهى بأن البيت هو المقصود فيكون الدنو منه أولى (٢). ومثله يكفي في مثله إن شاء الله تعالى ، قال في الدروس : ولا يبالي بقلّة الخطى مع الدنو وكثرتها مع البعد (٣).

قوله : ( ويكره الكلام في الطواف بغير الدعاء والقراءة ).

أجمع العلماء كافة على جواز الكلام في الطواف بالمباح ، حكاه في المنتهى (٤) ، ويدل عليها مضافا إلى الأصل ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الكلام في الطواف وإنشاد الشعر والضحك ، في الفريضة أو غير الفريضة أيستقيم ذلك؟ قال : « لا بأس به ، والشعر ما كان لا بأس به منه » (٥).

وصرح المصنف وجمع من الأصحاب بكراهة الكلام في الطواف بغير الدعاء والقراءة ، ولم يفرقوا بين الواجب وغيره. واستدل عليه في المنتهى (٦)

__________________

(١) المسالك ١ : ١٢٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٩٦.

(٣) الدروس : ١١٥.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٠٢.

(٥) التهذيب ٥ : ١٢٧ ـ ٤١٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٧ ـ ٧٨٤ ، الوسائل ٩ : ٤٦٤ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ١.

(٦) المنتهى ٢ : ٧٠٢.

١٧١

الثالث : في أحكام الطواف ، وفيه اثنتا عشرة مسألة :

الأولى : الطواف ركن ، من تركه عامدا بطل حجه ،

______________________________________________________

بما رواه الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « الطواف بالبيت صلاة ، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير » (١).

وهذه الرواية مجهولة الإسناد مع أن الشيخ روى عن محمد بن فضيل ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أنه قال : « وطواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن » قال : « والنافلة يلقى الرجل أخاه يسلم عليه ويحدثه بالشي‌ء من أمر الآخرة والدنيا لا بأس به » (٢) ومقتضى هذه الرواية عدم كراهة الكلام بالمباح في طواف النافلة.

قوله : ( الثالث في أحكام الطواف ، وفيه اثنتا عشرة مسألة ، الأولى : الطواف ركن ، من تركه عامدا بطل حجه ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين طواف الحج وطواف العمرة وطواف النساء ، وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن المراد به غير طواف النساء ، فإنه ليس بركن إجماعا (٣). وقال الشهيد في الدروس : كل طواف واجب ركن إلا طواف النساء (٤).

ويستفاد من قول المصنف رحمه‌الله : من تركه عامدا بطل حجه ، أن المراد بالركن هنا ما يبطل الحج بتركه عمدا خاصة ، ولا ريب في ركنية طواف الحج والعمرة بهذا المعنى ، فإن الإخلال بهما أو بأحدهما يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فيبقى المكلف تحت العهدة إلى أن يقوم على الصحة دليل من خارج ، وهو منتف هنا ، ألا أن ذلك بعينه آت في طواف‌

__________________

(١) سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٢٢.

(٢) التهذيب ٥ : ١٢٧ ـ ٤١٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٧ ـ ٧٨٥ ، الوسائل ٩ : ٤٦٥ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ٢.

(٣) المسالك ١ : ١٢٣.

(٤) الدروس : ١١٦.

١٧٢

______________________________________________________

النساء ، فإن الحكم بصحة الحج مع تعمد الإخلال به يتوقف على الدليل ، وربما أمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « وعليه ـ يعني المفرد ـ طواف بالبيت ، وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعي واحد بين الصفا والمروة ، وطواف بالبيت بعد الحج » (١) فإن المراد بهذا الطواف طواف النساء ، وكونه بعد الحج يقتضي خروجه عن حقيقته ، فلا يكون فواته مؤثرا في بطلانه.

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن أبي أيوب الخزاز ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل فقال : أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ، ولم تطف طواف النساء ، ويأبى الجمال أن يقيم عليها ، قال : فأطرق وهو يقول : لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها » ثم رفع رأسه إليه فقال : « تمضي فقد تم حجها » (٢).

ويتحقق ترك الطواف في الحج بخروج ذي الحجة قبل فعله ، وفي عمرة التمتع بضيق وقت الوقوف إلا عن التلبس بالحج قبله ، وفي العمرة المفردة المجامعة لحج الإفراد أو القران بخروج السنة بناء على وجوب إيقاعها فيها ، لكنه غير واضح. وفي المجردة إشكال ، إذ يحتمل وجوب الإتيان بالطواف فيها مطلقا لعدم التوقيت والبطلان بالخروج من مكة بنية الإعراض عن فعله.

واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ تحقق الترك في الجميع بينة الإعراض عنه والرجوع إلى ما يعد تركا في العرف (٣). وهو غير واضح ، لأنه مع بقاء الوقت يمكن الإتيان بالمأمور به على وجهه فينتفي المقتضي للبطلان.

والمراد بالعامد هنا العالم بالحكم كما يظهر من مقابلته بالناسي ، وقد‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٨ : ١٥٤ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٥ ـ ١١٧٦ ، الوسائل ٩ : ٥٠٠ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١٣.

(٣) المسالك ١ : ١٢٣.

١٧٣

______________________________________________________

نص الشيخ (١) وغيره (٢) أن الجاهل كالعامد في هذا الحكم ، وهو جيد ، وأوجب الأكثر عليه مع الإعادة بدنة ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال : « إن كان على وجه جهالة في الحج أعاد وعليه بدنة » (٣).

وعن علي بن أبي حمزة قال : سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله ، قال : « إذا كان على جهة الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة » (٤).

وهذه البدنة عقوبة محضة لا جبران ، لأن النسك باطل من أصله فلا يتعلق به الجبران.

قال في الدروس : وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر ، من الأولوية (٥). وفيه منع ، لاختصاص الجاهل بها بالتقصير في التعلم المناسب لزيادة العقوبة ، مع أنه يكفي في منع الأولوية عدم ثبوت تعليل الأصل كما بيناه مرارا.

فرع :

إذا بطل الحج بترك الركن كالطواف وما في معناه فهل يحصل التحلل بذلك؟ أو يبقى على إحرامه إلى أن يأتي بالفعل الفائت في محله ، ويكون إطلاق اسم البطلان عليه مجازا ، كما قاله الشهيد في الحج الفاسد بناء على‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٧.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٣.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٧ ـ ٤٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ ـ ٧٨٧ ، الوسائل ٩ : ٤٦٦ أبواب الطواف ب ٥٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٧ ـ ٤١٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ ـ ٧٨٦ ، الوسائل ٩ : ٤٦٦ أبواب الطواف ب ٥٦ ح ٢.

(٥) الدروس : ١١٦ وفي هامشه زيادة : ومن عدم النص.

١٧٤

ومن تركه ناسيا قضاء ولو بعد المناسك. ولو تعذّر العود استناب فيه.

______________________________________________________

أن الأول هو الفرض (١)؟ أو يتحلل بأفعال العمرة؟ أوجه ، وجزم المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد بالأخير ، وقال : إنه على هذا لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضي للبطلان في العمرة المفردة ، لأنها هي المحللة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها ، فلو بطلت احتيج في التحلل من إحرامها إلى أفعال العمرة وهو معلوم البطلان (٢).

وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ غير واضح المأخذ ، فإن التحلل بأفعال العمرة إنما يثبت مع فوات الحج لا مع بطلان النسك مطلقا. والمسألة قوية الإشكال ، من حيث استصحاب حكم الإحرام إلى أن يعلم حصول المحلل وإنما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة ، ومن أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلو الأخبار الواردة في مقام البيان منه ، ولعل المصير إلى ما ذكره ـ رحمه‌الله ـ أحوط.

قوله : ( ومن تركه ناسيا قضاء ولو بعد المناسك ، ولو تعذر العود استناب فيه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ونص الشهيد في الدروس على أن المراد بالتعذر المشقة الشديدة (٣).

ولم أقف لهم في هذا التفصيل على مستند ، والذي وقفت عليه في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء ، كيف يصنع؟ قال : « يبعث بهدي ، إن كان تركه في حج يبعث به في حج ، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ووكل من‌

__________________

(١) الدروس : ١٠٥.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٦٧.

(٣) الدروس : ١١٦.

١٧٥

______________________________________________________

يطوف عنه ما تركه من طوافه » (١).

وإطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا ، وأنه لا فرق في ذلك بين طواف الحج وطواف العمرة وطواف النساء. لكن قال الشيخ في كتابي الأخبار : الوجه في هذا الخبر أن نحمله على طواف النساء ، لأن من ترك طواف النساء ناسيا جاز له أن يستنيب غيره مقامه في طوافه ، ولا يجوز ذلك في طواف الحج (٢). ثم استدل على هذا التأويل بما رواه عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : « لا تحل له النساء حتى يزور البيت » وقال : « يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره » (٣).

وهذه الرواية إنما تدل على جواز الاستنابة في طواف النساء ، لا على المنع منها في طواف الحج ليحتاج إلى ما ذكره من الجمع.

واعلم أنه قد وقع في كلام الشيخ في كتابي الأخبار في هذه المسألة تشويش عظيم ، فقال في الاستبصار : باب من نسي طواف الحج حتى رجع إلى أهله ، ثم أورد روايتي علي بن أبي حمزة وعلي بن يقطين المتقدمتين في المسألة المتقدمة المتضمنتين لإعادة من جهل أن يطوف بالبيت ثم قال : فأما ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل نسي طواف الفريضة. الحديث ، فالوجه أن نحمله على طواف النساء ، واستدل على هذا الحمل برواية معاوية بن عمار المتقدمة (٤) ، ومقتضى هذا الجمع أنه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٨ ـ ٤٢١ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ ـ ٧٨٨ ، الوسائل ٩ : ٤٦٧ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٢٨ ، والاستبصار ٢ : ٢٢٨.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٨ ـ ٤٢٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ ـ ٧٨٩ ، الوسائل ٩ : ٤٦٨ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ٦.

(٤) الإستبصار ٢ : ٢٢٨.

١٧٦

______________________________________________________

أراد دفع المنافاة بين خبري علي بن أبي حمزة وعلي بن يقطين وبين صحيحة علي بن جعفر ، مع أنه لا تنافي بينهما بوجه ، ولا دلالة لهما على حكم الناسي ، فإيرادهما دليلا عليه غير جيد.

وأغرب من ذلك كلامه ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب ، فإنه قال : ومن نسي طواف الحج حتى يرجع إلى أهله فإن عليه بدنة وعليه إعادة الحج من قابل روى ذلك محمد بن أحمد بن يحيى. ونقل روايتي علي بن أبي حمزة وعلي بن يقطين (١). وهو صريح في استدلاله بهما على حكم الناسي ، مع أن ما ذكره من إعادة الحج على الناسي غير منقول في كلام الأصحاب ، بل ظاهرهم الإجماع على خلافه.

وقد ظهر من ذلك أن الأظهر وجوب الإتيان بالطواف المنسي وجواز الاستنابة فيه إذا شق العود أو مطلقا كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر.

ومتى وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فالأقرب وجوب إعادة السعي أيضا ، كما اختاره الشيخ في الخلاف والشهيد في الدروس (٢) ، لصحيحة منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت فقال : « يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما » (٣).

وإنما يحصل التحلل مما يتوقف على الطواف والسعي بالإتيان بهما ، ولا يحصل بدون فعلهما. ولو عاد لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكة فهل يكتفى بذلك أو يتعين عليه الإحرام ثم يقتضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده؟ وجهان ، ولعل الأول‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٧.

(٢) الخلاف ١ : ٤٧٩ ، والدروس : ١١٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٩ ـ ٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٤٧٢ أبواب الطواف ب ٦٣ ح ٢.

١٧٧

ومن شك في عدده بعد انصرافه لم يلتفت. وإن كان في أثنائه وكان شكا في الزيادة قطع ولا شي‌ء عليه.

______________________________________________________

أرجح ، تمسكا بمقتضى الأصل ، والتفاتا إلى أن من نسي الطواف يصدق عليه أنه محرم في الجملة ، والإحرام لا يقع إلا من محل. والمسألة قوية الإشكال ، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

قوله : ( ومتى شك في عدده بعد انصرافه لم يلتفت ).

هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، ويدل عليه عموم قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (١) ( وظاهر التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام في حسنة بكير بن أعين الواردة في من شك في وضوئه بعد الفراغ : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » (٢) (٣).

قوله : ( وإن كان في أثنائه ، فإن كان شاكا في الزيادة قطع ولا شي‌ء عليه ).

لأصالة عدم الزيادة ، وصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية فقال : « أما السبعة فقد استيقن وإنما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين » (٤).

وقال الشارح قدس‌سره : إنما يقطع مع شك الزيادة إذا كان على منتهى الشوط ، أما لو كان في أثنائه بطل طوافه لتردده بين محذورين : الإكمال‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٣٣١ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٤) التهذيب ٥ : ١١٤ ـ ٣٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٠ ـ ٧٥٦ ، الوسائل ٩ : ٤٣٩ أبواب الطواف ب ٣٥ ح ١.

١٧٨

وإن كان في النقصان استأنف في الفريضة

______________________________________________________

المحتمل للزيادة عمدا ، والقطع المحتمل للنقيصة (١). ويتوجه عليه منع تأثير احتمال الزيادة ، كما سيجي‌ء في مسألة الشك في النقصان.

قوله : ( وإن كان في النقصان استأنف في الفريضة ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ذهب إليه الشيخ (٢) والصدوق (٣) وابن البراج (٤) وابن إدريس (٥) وغيرهم (٦) ، وقال المفيد رحمه‌الله : من طاف بالبيت فلم يدر ستا طاف أم سبعا فليطف طوافا آخر ليستيقن أنه طاف سبعا (٧). وهو اختيار الشيخ علي بن بابويه في رسالته (٨) وأبي الصلاح (٩) وابن الجنيد (١٠) وهو المعتمد.

لنا : الأصل ، وما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الصحيح ، عن منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة ، قال : « فليعد طوافه » قلت : ففاته ، فقال : « ما أرى عليه شيئا ، والإعادة أحب إلى وأفضل » (١١).

وما رواه الشيخ في الصحيح أيضا ، عن منصور بن حازم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة فطفت طوافا آخر فقال : « هلا استأنفت؟ » قلت : قد طفت وذهبت ، قال : « ليس عليك‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٢٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٠ ، والنهاية : ٢٣٧ ، والمبسوط ١ : ٣٥٧.

(٣) المقنع : ٨٥.

(٤) المهذب ١ : ٢٣٨.

(٥) السرائر : ١٣٤.

(٦) كيحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ١٩٨ ، والعلامة في التحرير ١ : ٩٩.

(٧) المقنعة : ٦٩.

(٨) نقله عنه في المختلف : ٢٨٩.

(٩) الكافي في الفقه : ١٩٥.

(١٠) نقله عنه في المختلف : ٢٨٩.

(١١) الكافي ٤ : ٤١٦ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٤٣٥ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٨.

١٧٩

______________________________________________________

شي‌ء » (١).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن رفاعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في رجل لا يدرى ستة طاف أو سبعة ، قال : « يبني على يقينه » (٢) والبناء على اليقين هو معنى البناء على الأقل.

احتج الشيخ ـ رحمه‌الله ـ بما رواه عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أستة طاف أم سبعة طواف فريضة ، قال : « فليعد طوافه » قيل : إنه قد خرج وفاته ذلك ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٣).

وعن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. في رجل لم يدر أستة طاف أو سبعة قال : « يستقبل » (٤).

وعن حنان بن سدير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل طاف فأوهم قال إني طفت أربعة وقال طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أي الطوافين طواف نافلة أم طواف فريضة؟ ثم قال : إن كان طواف فريضة فليلق ما في يده وليستأنف ، وإن كان طواف نافلة واستيقن الثلاث وهو في شك من الرابع أنه طاف فليبن على الثلاث ، فإنه يجوز له » (٥).

والجواب عن هذه الروايات أولا بالطعن في السند ، بأن في طريق الأولى عبد الرحمن بن سيابة وهو مجهول ، وفي طريق الثانية النخعي وهو مشترك ، وراوي الثالثة وهو حنان بن سدير قال الشيخ : إنه واقفي (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١١٠ ـ ٣٥٨ ، الوسائل ٩ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٥ ، الوسائل ٩ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٠ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ٩ : ٤٣٣ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ١١٠ ـ ٣٥٧ ، الوسائل ٩ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ١١١ ـ ٣٦٠ ، الوسائل ٩ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٧.

(٦) رجال الطوسي : ٣٤٦ ـ ٥.

١٨٠