مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

الثالثة : يجب أن يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن ، ولا يجوز في غيره. فإن منعه زحام صلى وراءه أو إلى أحد جانبيه.

______________________________________________________

فرع :

قال في التذكرة : لو شك في الطهارة فإن كان في أثناء الطواف تطهر واستأنف ، لأنه شك في العبادة قبل فراغها فيعيد كالصلاة ، ولو شك بعد الفراغ لم يستأنف (١). هذا كلامه رحمه‌الله ، وهو غير جيد ، ولا مطابق للأصول المقررة.

والحق أن الشك في الطهارة إن كان بعد يقين الحدث وجب عليه الإعادة مطلقا ، للحكم بكونه محدثا شرعا ، وإن كان الشك في الطهارة بمعنى الشك في بقائها للشك في وقوع الحدث بعد يقين الطهارة لم يجب عليه الإعادة كذلك ، لكونه متطهرا شرعا.

قوله : ( الثالثة ، يجب أن يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن ، ولا يجوز في غيره ، فإن منعه زحام صلى وراءه أو إلى أحد جانبيه ).

مقتضى العبارة أن ركعتي الطواف يتعين إيقاعهما في نفس المقام وأنه لا يجوز إيقاعهما وراءه أو إلى أحد جانبيه إلا مع الزحام ، وهو غير جيد ، أما إن جعلنا المقام نفس العمود الصخر فواضح ، وأما إن أريد به مجموع البناء الذي حوله فلأنه لا يتعين وقوع الصلاة فيه قطعا ، بل يشكل جواز إيقاعها فيه ، لأن مقتضى الروايات وجوب الصلاة خلفه أو عنده.

وذكر الشارح أنه يمكن أن يتكلف في تسديد العبارة بحمل الوراء والجانبين على ما بعد عن الوراء والجانبين المحيطين بالمقام ، بأن يجعل المقام كناية عن البناء وما قاربه من الخلف والجانبين (٢). وهو بعيد جدا ، وكيف كان فالعبارة قاصرة عن تأدية المقصود.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٦٤.

(٢) المسالك ١ : ١٢١.

١٤١

______________________________________________________

وينبغي القطع بجواز الصلاة خلف المقام الذي هو البناء المخصوص بحيث لا يتباعد عنه عرفا اختيارا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم فصل ركعتين واجعله أماما » (١) وفي مرسلة صفوان : « ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام ، لقول الله عزّ وجلّ ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) (٢) فإن صليتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة » (٣).

ويدل عليه أيضا صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة ، أو حيث كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : « حيث هو الساعة » (٤).

وأما الصلاة إلى أحد جانبيه فلم أقف على رواية تدل عليه بهذا العنوان ، نعم ورد في عدة أخبار الصلاة عند المقام وفيها ما هو صحيح السند ، وفي حسنة الحسين بن عثمان قال : رأيت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد (٥). ولا بأس بالعمل بمضمون هذه الروايات ، إلا أن الأولى والأحوط الصلاة خلف المقام ، لاستفاضة الأخبار الواردة بذلك وصراحتها في المطلوب ، ولقول الصادق عليه‌السلام في مرسلة صفوان بن يحيى : « ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٠٤ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ٩ : ٣٩١ أبواب الطواف ب ٣ ح ١.

(٢) البقرة : ١٢٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٣٧ ـ ٤٥١ ، الوسائل ٩ : ٤٨٠ أبواب الطواف ب ٧٢ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٧ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ٩ : ٤٧٨ أبواب الطواف ب ٧١ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٤٨٦ أبواب الطواف ب ٧٥ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ١٣٧ ـ ٤٥١ ، الوسائل ٩ : ٤٨٠ أبواب الطواف ب ٧٢ ح ١.

١٤٢

______________________________________________________

وهذا الحكم ـ أعني وجوب صلاة ركعتي طواف الفريضة خلف المقام أو إلى أحد جانبيه بحيث لا يتباعد عنه عرفا مع الاختيار ـ قول معظم الأصحاب. وقال الشيخ في الخلاف : يستحب فعلهما خلف المقام ، فإن لم يفعل وفعل في غيره أجزأ (١). ونقل عن أبي الصلاح أنه جعل محلهما المسجد الحرام مطلقا (٢) ، ووافقه ابنا بابويه في ركعتي طواف النساء خاصة (٣) ، وهما مدفوعان بالأخبار المستفيضة المتضمنة لوجوب إيقاعهما خلف المقام أو عنده السليمة من المعارض.

هذا كله مع الاختيار أما مع الاضطرار فيجوز التباعد عنه مع مراعاة الوراء أو أحد الجانبين مع الإمكان ، ولو تعذر ذلك كله وخيف فوت الوقت فقد قطع جمع من الأصحاب بسقوط اعتبار ذلك وجواز فعلها في أي موضع شاء من المسجد ، ولا بأس به.

وهذا الحكم مختص بصلاة طواف الفريضة ، أما النافلة فيجوز فعلها حيث شاء من المسجد ، للأصل ، واختصاص الروايات المتضمنة للصلاة خلف المقام بطواف الفريضة ، ولما رواه الشيخ ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « لا ينبغي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، فأما التطوع فحيث شئت من المسجد » (٤).

فائدة

روى ابن بابويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ في كتاب علل الشرائع والأحكام في الموثق ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لما أوحى الله عزّ وجلّ إلى إبراهيم عليه‌السلام أن أذّن في الناس بالحج أخذ الحجر الذي فيه أثر قدميه ثم قام عليه فنادى بأعلى صوته بما أمره الله عزّ وجلّ‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٤٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٨.

(٣) الصدوق في الهداية : ٦٤ ، ونقله عن والده في المختلف : ٢٩١.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٧ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٩ : ٤٨١ أبواب الطواف ب ٧٣ ح ١.

١٤٣

الرابعة : من طاف في ثوب نجس مع العلم لم يصح طوافه. وإن لم يعلم ثم علم في أثناء طوافه أزاله وتمّم. ولو لم يعلم حتى فرغ كان طوافه ماضيا.

______________________________________________________

به ، فلما تكلم بالكلام لم يحتمله الحجر فغرقت رجلاه فيه ، فقلع إبراهيم عليه‌السلام رجليه من الحجر قلعا ، فلما كثر الناس وصاروا إلى الشر والبلاء ازدحموا عليه فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه ليخلو الطواف لمن يطوف بالبيت ، فلما بعث الله عزّ وجلّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رده إلى الموضع الذي وضعه فيه إبراهيم عليه‌السلام ، فما زال فيه حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي زمن أبي بكر وأول ولاية عمر ، ثم قال عمر : قد ازدحم الناس على هذا المقام ، فأيكم يعرف موضعه في الجاهلية؟ فقال له رجل : أنا أخذت قدره بقدّة ، قال : والقدّة عندك؟ قال : نعم ، قال : فائت به ، فجاء به فأمر بالمقام فحمل ورد إلى الموضع الذي هو فيه الساعة » (١).

قوله : ( الرابعة : من طاف في ثوب نجس مع العلم لم يصح طوافه ، وإن لم يعلم ثم علم في أثناء الطواف أزاله وتمّم ، ولو لم يعلم حتى فرغ كان طوافه ماضيا ).

تضمنت العبارة مسائل ثلاث :

الأولى : أن من طاف وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة لم يعف عنها مع العلم بها يبطل طوافه ، وهو موضع وفاق من القائلين باعتبار طهارة الثوب والجسد ، للنهي المقتضي للفساد في العبادة.

الثانية : أنّ من لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من طوافه كان طوافه صحيحا ، وهو مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، لتحقق الامتثال بفعل المأمور به وارتفاع النهي مع الجهل فينتفي الفساد. ولا ينافي ذلك وجوب إعادة الجاهل في الصلاة إذا علم في الوقت بدليل من خارج ، مع أنا قد بينا‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٤٢٣.

١٤٤

______________________________________________________

هناك أن الأصح عدم الإعادة مطلقا. وبذلك يندفع ما قيل من أن هذا الحكم إنما يتم إذا لم نوجب على المصلي مع جهله بالنجاسة الإعادة في الوقت وإلا فينبغي وجوب الإعادة هنا مطلقا ، سواء ذكر في الأثناء أو بعد الفراغ. والأظهر إلحاق ناسي النجاسة بالجاهل ، كما اختاره في المنتهى (١) ، بل ويمكن إلحاق جاهل الحكم به أيضا ، لارتفاع النهي المقتضي للفساد في الجميع.

الثالثة : أن من لم يعلم بالنجاسة ثم علم في أثناء الطواف وجب عليه إزالة النجاسة وإتمام الطواف ، وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن تتوقف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه ، ولا بين أن يقطع العلم بعد إكمال أربعة أشواط أو قبل ذلك. والوجه فيه تحقق الامتثال بالفعل المتقدم وأصالة عدم وجوب الإعادة ، ويؤيده ما رواه ابن بابويه في الموثق ، عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف قال : « ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه » (٢).

وفي الصحيح عن حماد بن عثمان ، عن حبيب بن مظاهر ، قال : ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت الطواف ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : « بئس ما صنعت ، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت ، أما أنه ليس عليك شي‌ء » (٣).

وجزم الشهيدان بوجوب الاستئناف إن توقفت الإزالة على فعل يستدعي‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٩٧ ، ٧٠١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٦ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٩ : ٤٦٢ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ١ ، وفيهما بتفاوت يسير.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٨ ، الوسائل ٩ : ٤٤٧ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٢.

١٤٥

الخامسة : يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة ولو في الأوقات التي تكره لابتداء النوافل.

______________________________________________________

قطع الطواف ولما يكمل أربعة أشواط ، نظرا إلى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف ، والحكم في المسألتين واحد (١). وهو مع تسليم الحكم في الأصل لا يخرج عن القياس ، ولو قيل بوجوب الاستئناف مطلقا مع الإخلال بالموالاة الواجبة بدليل التأسي وغيره أمكن ، لقصور الروايتين المتضمنتين للبناء من حيث السند. والاحتياط يقتضي البناء والإكمال ثم الاستئناف مطلقا.

قوله : ( الخامسة ، يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة ولو في الأوقات التي تكره لابتداء النوافل ).

المراد أنه يجوز للطائف أن يصلي ركعتي طواف الفريضة من غير كراهة في كل وقت ، حتى في الأوقات الخمسة التي يكره فيها ابتداء النوافل ، ويدل على ذلك مضافا إلى الأصل روايات كثيرة منها :

صحيحة معاوية بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال في ركعتي الطواف : « وهاتان الركعتان هما الفريضة ، ليس يكره أن تصليهما في أي الساعات شئت ، عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصليهما » (٢).

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة ، صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة على الميت » (٣).

__________________

(١) الشهيد الأول في الدروس : ١١٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٣٦ ـ ٤٥٠ ، الوسائل ٩ : ٤٨٧ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٨ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٥ ، الخصال : ٢٤٧ ـ ١٠٧ ، الوسائل ٣ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١.

١٤٦

______________________________________________________

وحسنة رفاعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر ، أيصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال : « نعم ، ما بلغك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف » (١).

وقد ورد في بعض الروايات كراهة ذلك عند اصفرار الشمس وعند طلوعها ، كصحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن ركعتي طواف الفريضة فقال : « وقتهما إذا فرغت من طوافك ، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها » (٢).

وروى محمد بن مسلم في الصحيح أيضا قال : سئل أحدهما عليهما‌السلام عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر ، قال : « يطوف ويصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها » (٣).

وأجاب الشيخ عن هاتين الروايتين بالحمل على التقية ، لأن ذلك موافق للعامة ، واحتمل حمل الرواية الثانية على طواف النافلة أيضا (٤). وهو حسن ، ولو قيل بمضمونها أمكن ، وتحمل الكراهة المنفية في صحيحتي معاوية بن عمار وزرارة على الكراهة المؤكدة.

واحترز المصنف ـ رحمه‌الله ـ بقوله : يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة ، عن ركعتي طواف النافلة ، فإنه يكره فعلهما بعد الغداة وبعد‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٤ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ٤٨٧ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤١ ـ ٤٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٦ ـ ٨٢٢ ، الوسائل ٩ : ٤٨٨ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٧.

(٣) التهذيب ٥ : ١٤١ ـ ٤٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٧ ـ ٨٢٣ ، الوسائل ٩ : ٤٨٨ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٨.

(٤) الإستبصار ٢ : ٢٣٧.

١٤٧

السادسة : من نقص من طوافه ، فإن جاوز النصف رجع فأتم. ولو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه. وإن كان دون ذلك استأنف.

______________________________________________________

العصر على ما نص عليه الشيخ (١) وغيره (٢) ، واستدل عليه في الإستبصار بما رواه في الصحيح ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن صلاة طواف التطوع بعد العصر فقال : « لا » فذكرت له قول بعض آبائه أن الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين إلا الصلاة بعد العصر بمكة فقال : « نعم ولكن إذا رأيت الناس يقبلون على شي‌ء فاجتنبه » فقلت : إن هؤلاء يفعلون ، قال : « لستم مثلهم » (٣).

ثم قال رحمه‌الله : فأما ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الذي يطوف بعد الغداة وبعد العصر وهو في وقت الصلاة ، أيصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال : « لا » (٤) فالوجه في هذا الخبر ما تضمنه من أنه كان وقت صلاة فريضة فلم يجز له أن يصلي ركعتي الطواف إلا بعد أن يفرغ من الفريضة الحاضرة.

قوله : ( السادسة ، من نقص من طوافه ، فإن جاوز النصف رجع فأتم ، ولو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه ، وإن كان دون ذلك استأنف ).

هذا التفصيل مشهور بين الأصحاب ، ولم أقف على رواية تدل عليه. وقال الشيخ في التهذيب : ومن طاف بالبيت ستة أشواط وانصرف فليضف إليه شوطا آخر ولا شي‌ء عليه ، وإن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله أمر من يطوف‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٤١ ، والاستبصار ٢ : ٢٣٧.

(٢) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٦٩٢.

(٣) الإستبصار ٢ : ٢٣٧ ـ ٨٢٥ ، الوسائل ٩ : ٤٨٨ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٥ : ١٤٢ ـ ٤٧١ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٧ ـ ٨٢٦ ، الوسائل ٩ : ٤٨٩ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ١١.

١٤٨

______________________________________________________

عنه (١). ومقتضاه البناء مع الإخلال بالشوط الواحد ، وربما أشعر التخصيص بالذكر على أن حكم ما زاد على الشوط خلاف ذلك ، وظاهره كون النقص وقع على سبيل النسيان ، كما هو ظاهر عبارة المصنف أيضا ، وقد صرح بهذا القيد العلامة في جملة من كتبه (٢) ، والمعتمد البناء إن كان المنقوص شوطا واحدا وكان النقص على وجه الجهل أو النسيان ، والاستئناف مطلقا في غيره.

لنا على البناء في الأول وجواز الاستنابة مع تعذر العود ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحسن بن عطية ، قال : سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « كيف طاف ستة أشواط؟ » قال : استقبل الحجر فقال الله أكبر وعقد واحدا ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يطوف شوطا » فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتى أتى أهله ، قال : « يأمر من يطوف عنه » (٣).

ويستفاد من هذه الرواية جواز الاستنابة هنا مطلقا مع الخروج من مكة ، كما أطلقه المصنف وصرح به الشهيدان (٤) ، وهو حسن.

وفي الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر ، قال : « يعيد ذلك الشوط » (٥).

ولنا على الاستئناف في الثاني فوات الموالاة المعتبرة بدليل التأسي والأخبار الكثيرة ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٠٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٠٠ ، والقواعد ١ : ٨٣.

(٣) التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ٩ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٣٢ ح ١.

(٤) الشهيد الأول في الدروس : ١١٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٢.

(٥) التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ٩ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٣١ ح ١ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٧ بتفاوت.

١٤٩

وكذا من قطع طواف الفريضة لدخول البيت أو بالسعي في حاجة.

______________________________________________________

سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله ، كيف يصنع؟ قال : « يعيد طوافه وخالف السنة » (١).

وصحيحة حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في من كان يطوف بالبيت فعرض له دخول الكعبة فدخلها ، قال : « يستقبل طوافه » (٢).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا طاف الرجل بالبيت أشواطا ثم اشتكى أعاد الطواف » يعني الفريضة (٣).

ولا يخفى أن النقص المقتضي لوجوب الاستيناف إنما يتحقق مع فوات الموالاة ، وإلا وجب الإتمام قولا واحدا.

وذكر الشارح (٤) وغيره (٥) أن المراد بمجاوزة النصف إتمام الأربع لا مطلق المجاوزة. وما وقفت عليه في هذه المسألة من النص خال من هذا اللفظ فضلا عن تفسيره.

قوله : ( وكذا من قطع طواف الفريضة لدخول البيت أو للسعي في حاجة ).

أي : يجب عليه البناء مع مجاوزة النصف والاستئناف قبله ، والكلام في هذه المسألة كالسابقة من انتفاء ما يدل على الفرق بين إكمال النصف وعدمه ، والمتجه الاستئناف مطلقا إن كان القطع لدخول البيت ، لصحيحة حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في من كان يطوف بالبيت فعرض له‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١١٨ ـ ٣٨٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٣ ـ ٧٦٨ ، الوسائل ٩ : ٤٤٧ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٩ : ٤٤٧ أبواب الطواف ب ٤١ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٤ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٤٥٣ أبواب الطواف ب ٤٥ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ١٢٢.

(٥) حكاه عن حاشية الكركي في الجواهر ١٩ : ٣٢٦.

١٥٠

______________________________________________________

دخول الكعبة فدخلها ، قال : « يستقبل طوافه » (١).

أما القطع لقضاء الحاجة فقد اختلفت الروايات فيه ، فروى الكليني في الحسن ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة ، فقال : « إن كان طواف نافلة بنى عليه ، وإن كان طواف فريضة لم يبن عليه » (٢).

وروى ابن بابويه في الصحيح ، عن صفوان الجمال قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يأتي أخاه وهو في الطواف فقال : « يخرج معه في حاجته ثم يرجع فيبني على طوافه » (٣).

قال ابن بابويه رحمه‌الله : وفي نوادر ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : في الرجل يطوف فتعرض له الحاجة ، قال : « لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف ، وإذا أراد أن يستريح في طوافه ويقعد فلا بأس به ، فإذا رجع بنى على طوافه وإن كان أقل من النصف » (٤).

والجمع بين الروايات يتحقق إما بحمل هاتين الروايتين على طواف النافلة ، أو تخصيص الرواية الأولى بالطواف الواجب إذا كان قد طاف منه شوطين (٥) خاصة.

وروى الشيخ ، عن أبان بن تغلب ، أنه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام وهما في الطواف : رجل من مواليك يسألني أن أذهب معه في حاجة ، فقال : ( يا أبان اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته فاقضها له » فقلت : إني لم أتم‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٩ : ٤٤٧ أبواب الطواف ب ٤١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٤٤٨ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٨٩ ، الوسائل ٩ : ٤٥٠ أبواب الطواف ب ٤٢ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٥ ، الوسائل ٩ : ٤٤٩ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٨.

(٥) في « ح » : شوطا.

١٥١

______________________________________________________

طوافي فقال : « أحص ما طفت وانطلق معه في حاجته » فقلت : وإن كان فريضة؟ قال : « نعم وإن كان فريضة » قال : « يا أبان وهل تدري ما ثواب من طاف بهذا البيت أسبوعا؟ » قال : « لا والله ، ما أدري ، قال : « يكتب له ستة آلاف حسنة ، ويمحى عنه ستة آلاف سيئة ، ويرفع له ستة آلاف درجة » قال وروى إسحاق بن عمار : « ويقضي له ستة آلاف حاجة ، ولقضاء حاجة مؤمن خير من طواف وطواف حتى عد عشرة أسابيع » فقلت له : جعلت فداك أفريضة أم نافلة؟ فقال : « يا أبان إنما يسأل الله العباد عن الفرائض لا عن النوافل » (١).

وهذه الرواية صريحة في جواز قطع طواف الفريضة لقضاء الحاجة والبناء عليه مطلقا ، لكن في طريقها محمد بن سعيد بن غزوان وهو غير موثق ، فلا تصلح لمعارضة رواية أبان المتقدمة المتضمنة لعدم البناء في طواف الفريضة (٢) ، فإنّ دخولها في قسم الحسن بواسطة إبراهيم بن هاشم ، وقد عرفت أن روايته لا تقصر عن الصحيح كما بيناه مرارا. ولعل الاستئناف في طواف الفريضة مطلقا أحوط.

ولم يذكر المصنف هنا قطع الطواف لصلاة الفريضة ، وقد صرح في النافع بجواز القطع لذلك والبناء وإن لم يبلغ النصف (٣) ، وربما ظهر من كلام العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على ذلك ، فإنه قال : ولو دخل عليه وقت فريضة وهو يطوف قطع الطواف وابتدأ بالفريضة ثم عاد فتمم طوافه من حيث قطع ، وهو قول العلماء إلا مالكا ، فإنه قال يمضي في طوافه إلا أن يخاف أن يضر بوقت الصلاة (٤). وإطلاق كلامه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين بلوغ النصف وعدمه ، فما ذكره الشهيد في الدروس من نسبة هذا القول‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٠ ـ ٣٩٢ ، ٣٩٣ ، الوسائل ٩ : ٤٤٨ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٧.

(٢) في ص ١٥١.

(٣) المختصر النافع : ٩٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٩٨.

١٥٢

______________________________________________________

إلى الندرة (١) عجيب.

وقد ورد بجواز القطع والبناء في هذه الصورة روايات ، منها صحيحة عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان في طواف النساء فأقيمت الصلاة ، قال : « يصلي معهم الفريضة ، فإذا فرغ بنى من حيث قطع » (٢).

وحسنة هشام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال في رجل كان في طواف فريضة فأدركته فريضة ، قال : « يقطع طوافه ويصلي الفريضة ، ثم يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه » (٣).

وألحق الشيخ (٤) والمصنف في النافع (٥) والعلامة في جملة من كتبه (٦) بصلاة الفريضة صلاة الوتر إذا خاف فوت وقتها ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون في الطواف وقد طاف بعضه وبقي عليه بعضه ، فيطلع عليه الفجر ، فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المساجد إذا كان لم يوتر ، فيوتر ثم يرجع فيتم طوافه ، أفترى ذلك أفضل أو يتم الطواف ثم يوتر وإن أسفر بعض الإسفار؟ قال : « ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ثم أتم الطواف بعد » (٧).

__________________

(١) الدروس : ١١٣.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٥ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٤ ، التهذيب ٥ : ١٢١ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ٩ : ٤٥١ أبواب الطواف ب ٤٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٢١ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ٩ : ٤٥١ أبواب الطواف ب ٤٣ ح ١.

(٤) المبسوط ١ : ٣٥٨.

(٥) المختصر النافع : ٩٣.

(٦) المنتهى ٢ : ٦٩٨ ، والتذكرة ١ : ٣٦٤ ، والتحرير ١ : ٩٩.

(٧) التهذيب ٥ : ١٢٢ ـ ٣٩٧ ، الوسائل ٩ : ٤٥٢ أبواب الطواف ب ٤٤ ح ١.

١٥٣

وكذا لو مرض في أثناء طوافه.

______________________________________________________

وحيث قلنا بالبناء مع القطع في موضع الجواز ، يجب أن يحفظ موضع القطع ليكمل منه بعد العود ، حذرا من الزيادة والنقصان ، ولو شك أخذ بالاحتياط ، واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ البطلان والحال هذه (١) ، وهو بعيد.

وجوز العلامة في المنتهى البناء على الطواف السابق من الحجر وإن وقع القطع في أثناء الشوط ، بل جعل ذلك أحوط من البناء من موضع القطع (٢). وهو صريح في عدم تأثير مثل هذه الزيادة ، ولا بأس به.

قوله : ( وكذا لو مرض في أثناء طوافه ).

أي : يجب عليه البناء إذا وقع ذلك بعد مجاوزة النصف ـ وهو بلوغ الأربع ـ والاستئناف قبله ، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت بعض طوافه طواف الفريضة ، ثم اعتل علة لا يقدر معها على تمام طوافه ، قال : « إذا طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط وقد تم طوافه ، وإن كان طاف ثلاثة أشواط وكان لا يقدر على التمام فإن هذا مما غلب الله عليه ، ولا بأس أن يؤخره يوما أو يومين ، فإن كانت العافية وقدر على الطواف طاف أسبوعا ، فإن طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعا ويصلي عنه وقد خرج من إحرامه ، وفي رمي الجمار مثل ذلك » (٣).

ويتوجه على هذه الرواية أولا الطعن فيها من حيث السند ، بأن من جملة رجالها اللؤلؤي ، ونقل الشيخ عن ابن بابويه أنه ضعفه (٤) ، وبأن راويها‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٢٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٩٨.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٤ ـ ٤٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٦ ـ ٧٨٣ ، الوسائل ٩ : ٤٥٣ أبواب الطواف ب ٤٥ ح ٢.

(٤) رجال الطوسي : ٤٦٩ ـ ٤٥.

١٥٤

ولو استمر مرضه بحيث لا يمكن أن يطاف به طيف عنه.

______________________________________________________

وهو إسحاق بن عمار قيل إنه فطحي (١).

وثانيا أنها معارضة بما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا طاف الرجل بالبيت أشواطا ثم اشتكى أعاد الطواف » يعني الفريضة (٢).

والمسألة محل تردد ، ولعل الاستئناف مطلقا أولى.

قوله : ( ولو استمر مرضه بحيث لا يمكن أن يطاف به طيف عنه ).

هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، أما وجوب الطواف به مع الإمكان فيدل عليه روايات ، منها : صحيحة صفوان بن يحيى ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت ولا يأتي بين الصفا والمروة ، قال : « يطاف به محمولا يخط الأرض برجليه حتى تمس الأرض قدميه في الطواف ، ثم يوقف به في أصل الصفا والمروة إذا كان معتلا » (٣).

وصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه قال ، فقال : « نعم ، إذا كان لا يستطيع » (٤).

وموثقة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن المريض يطاف عنه بالكعبة ، قال : « لا ، ولكن يطاف به » (٥).

__________________

(١) الفهرست : ١٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٤ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٤٥٣ أبواب الطواف ب ٤٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٣ ـ ٤٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٥ ـ ٧٧٧ ، الوسائل ٩ : ٤٥٥ أبواب الطواف ب ٤٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٣ ـ ٤٠٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٥ ـ ٧٧٨ ، الوسائل ٩ : ٤٥٥ أبواب الطواف ب ٤٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ١٢٣ ـ ٣٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٥ ـ ٧٧٥ ، الوسائل ٩ : ٤٥٦ أبواب الطواف ب ٤٧ ح ٧.

١٥٥

وكذا لو أحدث في طواف الفريضة.

______________________________________________________

وأما الاكتفاء بالطواف عنه إذا لم يمكن الطواف به ، إما لكونه لا يستمسك طهارته أو لغير ذلك ، فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما » (١) وفي الصحيح عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه » (٢).

وفي الصحيح عن حبيب الخثعمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطاف عن المبطون والكسير » (٣).

وقد ورد في بعض الروايات الطواف بالكسير (٤) ، وهو محمول على من يستمسك طهارته ولا يشق عليه ذلك ، وبذلك يندفع التنافي بين الأخبار.

قوله : ( وكذا لو أحدث في طواف الفريضة ).

المراد أن من أحدث في طواف الفريضة يتوضأ ويتم ما بقي إن كان حدثه بعد إكمال النصف ، وإن كان قبله أعاد الطواف من أوله ، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن جميل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه ، قال : « يخرج ويتوضأ ، فإن كان قد جاز النصف بنى على طوافه ، وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف » (٥)

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٤ ـ ٤٠٤ ، الوسائل ٩ : ٤٥٨ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١٢٣ ـ ٤٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٥ ـ ٧٧٦ ، الوسائل ٩ : ٤٥٨ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٤ ـ ٤٠٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٦ ـ ٧٨١ ، الوسائل ٩ : ٤٥٩ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ٥.

(٤) الوسائل ٩ : ٤٥٨ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ٧.

(٥) التهذيب ٥ : ١١٨ ـ ٣٨٤ ، الوسائل ٩ : ٤٤٦ أبواب الطواف ب ٤٠ ح ١.

١٥٦

ولو دخل في السعي فذكر أنه لم يتمّ طوافه رجع فأتم طوافه إن كان تجاوز النصف ، ثم تمّم السعي.

______________________________________________________

وهذه الرواية قاصرة من حيث السند بالإرسال وغيره ، لكن ظاهر المنتهى أن هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب (١) ، ولعله الحجة.

قوله : ( ولو دخل في السعي فذكر أنه لم يتم طوافه رجع فأتم طوافه إن كان تجاوز النصف ثم تمم السعي ).

ما اختاره المصنف من الفرق بين تجاوز النصف وعدمه أحد القولين في المسألة ، ولم أقف على مستنده ، وأطلق الشيخ في التهذيب (٢) والمصنف في النافع (٣) والعلامة في جملة من كتبه (٤) الرجوع وإتمام الطواف من غير فرق بين تجاوز النصف وعدمه ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الموثق ، عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف بين الصفا والمروة ، فبينما هو يطوف إذ ذكر أنه ترك بعض طوافه بالبيت ، قال : « يرجع إلى البيت فيتم طوافه ، ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي » (٥).

ومقتضى الرواية عدم وجوب إعادة ركعتي الطواف والبناء على السعي مطلقا وإن لم يتجاوز النصف ، لكن قصورها من حيث السند (٦) يمنع من العمل بها.

وينبغي القطع بإتمام الطواف إذا كان الإخلال بشوط واحد كما تدل عليه‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٩٧.

(٢) التهذيب ٥ : ١٣٠.

(٣) المختصر النافع : ٩٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٩٧ ، والتذكرة ١ : ٣٦٤ ، والتحرير ١ : ١٠٠.

(٥) التهذيب ٥ : ١٣٠ ـ ٣٢٨ ، الوسائل ٩ : ٤٣٣ ، أبواب الطواف ب ٣٢ ح ٢.

(٦) لأن من جملة رجالها ابن جبلة وهو واقفي ـ راجع رجال النجاشي : ٢١٦ ـ ٥٦٣ ، ولأن راويها وهو إسحاق بن عمار فطحي ـ راجع الفهرست : ١٥.

١٥٧

والندب خمسة عشر : الوقوف عند الحجر ، وحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام. ورفع اليدين بالدعاء. واستلام الحجر على الأصحّ. وتقبيله ، فإن لم يقدر فبيده. ولو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع. ولو لم يكن له يد اقتصر على الإشارة. وأن يقول : هذه أمانتي أديتها ، وميثاقي تعاهدته ، لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك ، إلى آخر الدعاء.

______________________________________________________

صحيحتا الحلبي (١) والحسن بن عطية (٢) ، وإنما يحصل التردد في الزائد ، ولعل الاستئناف أولى.

قوله : ( والمندوب خمسة عشر : الوقوف عند الحجر ، وحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام ، ورفع اليدين بالدعاء ، واستلام الحجر الأسود على الأصح ، وتقبيله ، فإن لم يقدر فبيده ، ولو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع ، ولو لم يكن له يد اقتصر على الإشارة ، وأن يقول : أمانتي أدّيتها ، وميثاقي تعاهدته ، إلى آخر الدعاء ).

يدل على هذه الجملة روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واسأله أن يتقبل منك ، ثم استلم الحجر وقبله ، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيديك ، فإن لم تستطع أن تستلمه فأشر إليه ، وقل : اللهم أمانتي أديتها ، وميثاقي تعاهدته ليشهد علي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك ، وعلى سنة نبيك ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٧ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ٩ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٣١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٨ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٩٤ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ٩ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٣٢ ح ١.

١٥٨

______________________________________________________

وأن محمدا عبده ورسوله ، آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى وعبادة الشيطان وعبادة كل ند يدعى من دون الله ، فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه ، وتقول : اللهم إليك بسطت يدي ، وفيما عندك عظمت رغبتي ، فاقبل سبحتي ، واغفر لي ، وارحمني ، اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة » (١).

وفي الصحيح عن سيف التمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتيت الحجر الأسود فوجدت عليه زحاما ، فلم ألق إلا رجلا من أصحابنا ، فسألته فقال : لا بد من استلامه ، فقال : « إن وجدته خاليا ، وإلا فسلم من بعيد » (٢).

ونبّه المصنف ـ رحمه‌الله ـ بقوله واستلام الحجر على الأصح ، على خلاف سلاّر حيث أوجب الاستلام على ما نقل عنه أخذا بظاهر الأمر (٣). والأصح الاستحباب ، للأصل ، وصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حج فلم يستلم الحجر ولم يدخل الكعبة ، قال : « هو من السنة ، فإن لم يقدر فالله أولى بالعذر » (٤).

وحسنة معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « كنا نقول لا بد من أن يستفتح بالحجر ويختم به ، فأما اليوم فقد كثر الناس » (٥).

وصحيحة يعقوب بن شعيب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني لا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٠١ ـ ٣٢٩ ، الوسائل ٩ : ٤٠٠ أبواب الطواف ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٠٣ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٩ : ٤١٠ أبواب الطواف ب ١٦ ح ٤ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٠٥ ـ ٣.

(٣) المراسم : ١١٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٠٤ ـ ٣٣٧ ، الوسائل ٩ : ٤١١ أبواب الطواف ب ١٦ ح ١٠.

(٥) الكافي ٤ : ٤٠٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٤٠٩ أبواب الطواف ب ١٦ ح ١.

١٥٩

______________________________________________________

أخلص إلى الحجر الأسود فقال : « إذا طفت طواف الفريضة فلا يضرك » (١).

وصحيحة معاوية بن عمار أنه قال ، قال أبو بصير لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أهل مكة أنكروا عليك أنك لم تقبل الحجر وقد قبّله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا انتهى إلى الحجر يفرجون له ، وأنا لا يفرجون لي » (٢).

تنبيه :

الاستلام لغة : المس ، قال في القاموس : استلم الحجر مسه إما بالقبلة أو باليد (٣). وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه : الاستلام بغير همز افتعال من السلام ، وهي الحجارة ، فإذا مس الحجر بيده أو مسحه بها قيل استلم ، أي مس السلام بيده ، وقيل : إنه مأخوذ من السّلام بمعنى أنه يحيّي نفسه عن الحجر ، إذ ليس الحجر ممن يجيبه ، وهذا كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم سوى نفسه (٤). ونقل في التذكرة عن تغلب أنه حكى في الاستلام الهمز ، وفسره بأنه اتخذه جنة وسلاحا ، من اللامة ، وهي الدرع (٥).

ومقتضى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أن الاستلام يتحقق بالمس باليد حيث قال : « فإن لم تستطع أن تقبله فاستمله بيدك » (٦).

وربما ظهر من صحيحة يعقوب بن شعيب أن الاستلام إلصاق البطن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٥ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ١٠٣ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ٩ : ٤١٠ أبواب الطواف ب ١٦ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ١٠٤ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٩ : ٤١١ أبواب الطواف ب ١٦ ح ١١.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ١٣٢.

(٤) نقله عنه في التذكرة ١ : ٣٦٣.

(٥) التذكرة ١ : ٣٦٣.

(٦) الكافي ٤ : ٤٠٢ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٠١ ـ ٣٢٩ ، الوسائل ٩ : ٤٠٢ أبواب الطواف ب ١٣ ح ١.

١٦٠