مدارك الأحكام - ج ٨

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٨

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٧

______________________________________________________

وعليك السكينة والوقار » (١).

فهذه جملة ما وصل إلينا من الروايات في هذه المسألة ، ومقتضاها استحباب غسل واحد إما قبل دخول الحرم أو بعده من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح ، أو من فخ وهو على فرسخ من مكة للقادم من المدينة ، أو من المحل الذي ينزل فيه بمكة على سبيل التخيير. وغاية ما يستفاد منها أن إيقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل ، فما ذكره المصنف وغيره (٢) من استحباب غسل لدخول مكة وآخر لدخول المسجد غير واضح. وأشكل منه حكم العلامة (٣) وجمع من المتأخرين (٤) باستحباب ثلاثة أغسال بزيادة غسل آخر لدخول الحرم. وكذا الإشكال في قول المصنف : فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله ، إذ مقتضى الروايات التخيير بين الغسل قبل الدخول أو بعده لا اعتبار العذر في تأخيره عن الدخول كما هو واضح.

وذكر الشيخ (٥) وغيره (٦) أن من نام بعد الغسل وقبل دخول مكة أعاده استحبابا. ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل أن يدخل ، أيجزيه أو يعيد؟ قال : « لا يجزيه ، لأنه إنما دخل بوضوء » (٧).

ويستفاد من هذا التعليل استحباب إعادة الغسل إذا حصل بعده ما ينقض‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٩ ـ ٣٢٤ ، الوسائل ٩ : ٣١٨ أبواب مقدمات الطواف ب ٥ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٠٠ ـ ٦.

(٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ٣٥٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٨٨ و ٦٨٩ ، والتذكرة ١ : ٣٦٠ و ٣٦١.

(٤) كالشهيد الأول في الدروس : ١١٢.

(٥) النهاية : ٢٣٥ ، والمبسوط ١ : ٣٥٥.

(٦) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٦٨٨.

(٧) التهذيب ٥ : ٩٩ ـ ٣٢٥ ، الوسائل ٩ : ٣١٩ أبواب مقدمات الطواف ب ٦ ح ١. وفيهما : عن أبي إبراهيم عليه‌السلام.

١٢١

ومضغ الإذخر. وأن يدخل مكة من أعلاها.

______________________________________________________

الوضوء مطلقا. وربما لاح منه ارتفاع الحدث بالغسل المندوب كما ذهب إليه المرتضى (١) ـ رضي‌الله‌عنه ـ فتأمل.

قوله : ( ومضغ الإذخر ).

يدل على ذلك ما رواه الكليني في الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه » (٢) ، قال الكليني بعد إيراد هذه الرواية : سألت بعض أصحابنا عن هذا فقالوا : يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر.

قوله : ( ويدخل مكة من أعلاها ).

لما روى في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل من أعلا مكة من عقبة المدنيين (٣). ولموثقة يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من أين أدخل مكة وقد جئت من المدينة؟ فقال : « ادخل من أعلا مكة ، وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة » (٤).

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في هذا الحكم بين المدني والشامي وغيرهما ، وبهذا التعميم جزم الشارح قدس‌سره (٥). وخصه العلامة في التذكرة بمن يجي‌ء من المدينة أو الشام ، قال : فأما الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنية (٦). وهو حسن.

__________________

(١) نقله عنه المحقق في المعتبر ١ : ١٩٦ ، والعلامة في المختلف : ٣٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٨ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٣١٦ أبواب مقدمات الطواف ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ٩ : ٣١٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٤ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٩٨ ـ ٣٢١ ، الوسائل ٩ : ٣١٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٤ ح ٢.

(٥) المسالك ١ : ١٢٠.

(٦) التذكرة ١ : ٣٦٠.

١٢٢

وأن يكون حافيا على سكينة ووقار. ويغتسل لدخول المسجد الحرام.

______________________________________________________

قال الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الدروس : ويستحب عندنا دخوله من ثنية كداء ـ بالفتح والمد ـ وهي التي ينحدر منها إلى الحجون بمقبرة مكة ، ويخرج من ثنية كدي ـ بالضم والقصر منونا ـ وهي بأسفل مكة (١).

قوله : ( وأن يكون حافيا على سكينة ووقار ).

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة والوقار والخشوع » وقال : « من دخله بخشوع غفر له إن شاء الله ». قلت : ما الخشوع؟ قال : « السكينة ، لا تدخل بتكبر » (٢).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « من دخلها بسكينة غفر له ذنبه » قلت : كيف يدخلها بسكينة؟ قال : « يدخل غير متكبر ولا متجبر » (٣).

وعن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يدخل مكة رجل بسكينة إلا غفر له » قلت : وما السكينة؟ قال : « يتواضع » (٤).

قوله : ( ويغتسل لدخول المسجد الحرام ).

قد تقدم الكلام في ذلك وأن الأظهر الاكتفاء بغسل دخول مكة. نعم لو أحدث بعد الغسل وقبل دخول المسجد استحب إعادته.

__________________

(١) الدروس : ١١٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٩٩ ـ ٣٢٧ ، الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب مقدمات الطواف ب ٨ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٠ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٣٢٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٧ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٠١ ـ ١٠ ، الوسائل ٩ : ٣٢٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٧ ح ٢.

١٢٣

ويدخل من باب بني شيبة بعد أن يقف عندها ، ويسلم على النبي عليه‌السلام ، ويدعو بالمأثور.

______________________________________________________

قوله : ( ويدخل من باب بني شيبة بعد أن يقف عندها ، ويسلم على النبي ٧ ، ويدعو بالمأثور ).

أما استحباب الدخول من باب بني شيبة فاستدل عليه في المنتهى بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل منها ، وعلل أيضا بأن هبل ـ بضم الهاء وفتح الباء وهو أعظم الأصنام ـ مدفون تحت عتبتها ، فإذا دخل منها وطئه برجله (١). وهذا الباب غير معروف الآن لتوسعة المسجد ، لكن قيل إنه بإزاء باب السلام (٢) ، فينبغي الدخول منه على الاستقامة إلى أن يتجاوز الأساطين ليتحقق المرور به بناء على هذا القول.

وأما استحباب الوقوف عند الباب والسلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والدعاء فيدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة والوقار والخشوع ، وقال : من دخله بخشوع غفر له إن شاء الله تعالى » قلت : ما الخشوع؟ قال : « السكينة ، لا تدخل بتكبر ، فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، بسم الله وبالله وما شاء الله ، والسلام على أنبياء الله ورسله ، والسلام على رسول الله ، والسلام على إبراهيم ، والحمد لله رب العالمين ، فإذا دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل القبلة وقل : اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي ، وأن تجاوز عن خطيئتي ، وتضع عني وزري ، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام ، اللهم إني أشهدك أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين ، اللهم إن العبد عبدك ، والبلد بلدك ، والبيت بيتك ، جئت أطلب‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٨٩. ولم يستدل بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) كما في الروضة ٢ : ٢٥٣ ، والمسالك ١ : ١٢٠.

١٢٤

المقصد الثاني : في كيفية الطواف ، وهو يشتمل على : واجب وندب.

فالواجب سبعة : النيّة. والبداءة بالحجر. والختم به.

______________________________________________________

رحمتك ، وأؤم طاعتك ، مطيعا لأمرك ، راضيا بقدرك ، أسألك مسألة الفقير إليك ، الخائف لعقوبتك ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، واستعملني بطاعتك ومرضاتك » (١).

قوله : ( المقصد الثاني : في كيفية الطواف ، وهو يشتمل على واجب وندب ، فالواجب سبعة : النية ).

قد تكرر الكلام في النية وأن الأظهر الاكتفاء فيها بقصد الفعل المعين طاعة لله عزّ وجل ، وأما التعرض للوجه وكون الحج إسلاميا أو غيره تمتعا أو أحد قسيميه فغير لازم ، كما هو ظاهر اختيار العلامة في المنتهى (٢) ، وإن كان التعرض لذلك كله أحوط.

وحكى الشهيد في الدروس عن ظاهر بعض القدماء أن نية الإحرام كافية عن خصوصيات نيات باقي الأفعال (٣) ، وكأن وجهه خلو الأخبار الواردة بتفاصيل أحكام الحج من ذكر النية في شي‌ء من أفعاله سوى الإحرام ، وربما كان الوجه في تخصيص الإحرام بذلك توقف امتياز نوع الحج والعمرة عليه.

وتجب مقارنة النية لأول الطواف ، ولا يضر الفصل اليسير ، واستدامتها حكما إلى الفراغ كما في غيره من العبادات.

قوله : ( والبدأة بالحجر ، والختم به ).

هذا موضع وفاق بين العلماء على ما نقله جماعة (٤) ، والأصل فيه ما‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٩ ـ ٣٢٧ ، الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب مقدمات الطواف ب ٨ ح ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٩٠.

(٣) الدروس : ١١٢.

(٤) كما في الخلاف ١ : ٤٤٨ ، والمنتهى ٢ : ٦٩٠.

١٢٥

______________________________________________________

روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه بدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه من البكاء (١) ، وقال : « خذوا عني مناسككم » (٢).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح والكليني في الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود » (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح والكليني في الحسن ، عن الحسن بن عطية ، قال : سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « وكيف طاف ستة أشواط؟ » قال : استقبل الحجر وقال : الله أكبر ، وعقد واحد ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يطوف شوطا » فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتى أتى أهله ، قال : « يأمر من يطوف عنه » (٤).

وحيث تجب البدأة بالحجر فلو ابتدأ الطائف من غيره لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود ، فيكون منه ابتداء طوافه إن جدد النية عنده أو استصحبها فعلا.

والظاهر الاكتفاء في تحقق البدأة بالحجر بما يصدق عليه ذلك عرفا. واعتبر العلامة (٥) ومن تأخر عنه (٦) جعل أول جزء من الحجر محاذيا لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمر عليه بعد النية بجميع بدنه علما أو ظنا. وهو‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٩٠.

(٢) غوالي اللآلي ١ : ٢١٥ ـ ٧٣ ، مسند أحمد ٣ : ٣٣٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ ـ ٣١٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٨ ، الوسائل ٩ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٨ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ٩ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٣٢ ح ١.

(٥) التذكرة ١ : ٣٦١.

(٦) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٠.

١٢٦

______________________________________________________

أحوط ، لكن في تعينه نظر ، لصدق الابتداء بالحجر عرفا بدون ذلك ، ولخلو الأخبار من هذا التكليف مع استفاضتها في هذا الباب واشتمالها على تفاصيل مسائل الحج الواجبة والمندوبة ، بل ربما ظهر من طواف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ناقته خلاف ذلك.

ويستحب استقبال الحجر بوجهه قبل الطواف ، للتأسي ، وظاهر رواية الحسن بن عطية المتقدمة ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في كيفية طواف الحج : « ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه وتقبله ، فإن لم تستطع فاستقبله وكبر وقل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكة ، ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت » (١) ، وفي رواية أبي بصير : « إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود فتستقبله وتقول الحمد لله الذي هدانا لهذا. » (٢).

وينبغي إيقاع النية في حال الاستقبال ثم الأخذ في الحركة على اليسار عقيب النية ، وما قيل من أن إيقاع النية في هذه الحالة يقتضي عدم مقارنتها لأول الطواف الذي هو الحركة الدورية فضعيف جدا ، لأن مثل ذلك لا يخل بالمقارنة قطعا.

ومعنى الختم بالحجر إكمال الشوط السابع إليه ، واعتبر المتأخرون محاذاة الحجر في آخر شوط كما ابتدأ أولا ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان ، والكلام فيه كما سبق ، مع أن الظاهر الاكتفاء بتجاوزه بنية أن ما زاد على الشوط لا يكون جزاء من الطواف ، بل الظاهر عدم بطلان الطواف بمثل هذه الزيادة وإن قصد كونها من الطواف ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٢ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٠١ ـ ٣٢٩ ، الوسائل ٩ : ٤٠٠ أبواب الطواف ب ١٢ ح ١ ، وفيها بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٠٢ ـ ٣٣٠ ، الوسائل ٩ : ٤٠١ أبواب الطواف ب ١٢ ح ٣.

١٢٧

وأن يطوف على يساره. وأن يدخل الحجر في الطواف.

______________________________________________________

قوله : ( وأن يطوف على يساره ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (١) ، واستدل عليه بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقوله : « خذوا عني مناسككم » (٢).

ومعنى الطواف على اليسار : جعل البيت على يساره حال الطواف ، فلو استقبله بوجهه أو استدبره أو جعله على يمينه ولو في خطوة منه لم يجزئه ووجب عليه الإعادة ، ولا يقدح في جعله على اليسار الانحراف اليسير إلى جهة اليمين قطعا.

قوله : ( وأن يدخل الحجر في الطواف ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب أيضا ويدل عليه مضافا إلى التأسي روايات ، منها صحيحة الحلبي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر ، كيف يصنع؟ قال : « يعيد الطواف الواحد » (٣).

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود » (٤).

واعلم أن وجوب إدخال الحجر في الطواف لا يستلزم كونه من البيت ، بل الأصح أنه ليس منه ، كما يدل عليه صحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحجر ، أمن البيت هو أو فيه شي‌ء من‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٦١.

(٢) غوالي اللآلي ١ : ٢١٥ ـ ٧٣ ، مسند أحمد ٣ : ٣٣٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ ـ ٣١٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٧ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٣ وفيه : يعيد ذلك الشوط ، الوسائل ٩ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٣١ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٨ ، الوسائل ٩ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٣.

١٢٨

______________________________________________________

البيت؟ قال : « لا ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن أمه فيه فكره أن يوطأ فحجّر عليه حجرا ، وفيه قبور أنبياء » (١). وذكر الشهيد في الدروس أن المشهور كونه من البيت (٢). ولم نقف في ذلك على رواية من طرق الأصحاب. نعم روى العامة أن عائشة قالت : نذرت أن أصلي ركعتين في البيت فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صل في الحجر ، فإن ستة أذرع منه من البيت » (٣) ، ولا اعتداد بهذه الرواية.

وذكر العلامة في التذكرة أن البيت كان لاصقا بالأرض وله بابان شرقي وغربي فهدمه السيل قبل مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعشر سنين وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو عليها اليوم ، وقصرت الأموال الطيبة والهدايا والنذور عن عمارته فتركوا من جانب الحجر بعض البيت وخلفوا الركنين الشاميين عن قواعد إبراهيم وضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا وهو الذي يسمى الشاذروان (٤). هذا كلامه ، ولم نقف على مستنده ، مع أنه مخالف للرواية المتقدمة المتضمنة لأنه ليس في الحجر شي‌ء من البيت.

وهل يجب على من اختصر شوطا في الحجر إعادة ذلك الشوط وحده أو إعادة الطواف من رأس؟ الأصح الأول ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر ، قال : « يعيد ذلك الشوط » (٥) ونحوه روى أيضا في الصحيح عن الحسن بن عطية عن الصادق عليه‌السلام (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢١٠ ـ ١٥ ، الوسائل ٩ : ٤٢٩ أبواب الطواف ب ٣٠ ح ١.

(٢) الدروس : ١١٣.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ١٨١ ـ ٨٧٧ بتفاوت يسير.

(٤) التذكرة ١ : ٣٦١.

(٥) التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ٩ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٣١ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ٩ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٣٢ ح ١.

١٢٩

وأن يكمله سبعا. وأن يكون بين البيت والمقام ،

______________________________________________________

ولا يكفي إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر ، بل تجب البدأة من الحجر الأسود ، لأنه المتبادر من الأمر بإعادة الشوط ، ولقوله عليه‌السلام : « من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود » (١).

ولا ينافي ما ذكرناه من الاكتفاء بإعادة الشوط خاصة ما رواه ابن بابويه ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن سفيان ، قال ، كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : امرأة طافت طواف الحج ، فلما كانت في الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر وصلت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء ثم أتت منى ، فكتب : « تعيد » (٢) ، لأنه غير صريح في توجه الأمر إلى إعادة الطواف من أصله ، فيحتمل تعلقه بإعادة ذلك الشوط الذي حصل فيه الإخلال.

قوله : ( وأن يكمّله سبعا ، وأن يكون بين البيت والمقام ).

أما وجوب إكمال السبع فموضع وفاق بين العلماء ، والنصوص به مستفيضة ، بل متواترة.

وأما أنه يعتبر كون الطواف واقعا بين البيت والمقام ، بمعنى كونه في المحل الخارج عن جميع البيت والداخل عن جميع المقام ، فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، ويدل عليه ما رواه الكليني ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت : « كان الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام والبيت ، فكان الحد موضع المقام اليوم ، فمن جازه فليس بطائف ، والحد قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين نواحي البيت كلها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٨ ، الوسائل ٩ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٩ ، الوسائل ٩ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٤.

١٣٠

______________________________________________________

ذلك كان طائفا بغير البيت ، بمنزلة من طاف بالمسجد ، لأنه طاف في غير حد ، ولا طواف له » (١) وفي طريق هذه الرواية ياسين الضرير ، وهو غير موثق.

ونقل عن ابن الجنيد أنه جوز الطواف خارج المقام عند الضرورة (٢) ، وربما كان مستنده ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن أبان ، عن محمد الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الطواف خلف المقام ، قال : « ما أحب ذلك ، وما أرى به بأسا ، فلا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا » (٣) ومقتضى الرواية الجواز على كراهية ، وظاهر الصدوق الإفتاء بمضمونها. وهو غير بعيد ، إلا أن المشهور أولى.

وقد قطع الأصحاب بأنه يجب مراعاة قدر ما بين البيت والمقام من جميع الجهات ، وفي رواية محمد بن مسلم المتقدمة دلالة عليه ، وتحتسب المسافة من جهة الحجر من خارجه وإن كان خارجا من البيت ، لوجوب إدخاله في الطواف ، فلا يكون محسوبا من المسافة.

واحتمل الشارح احتسابه منها على القول بخروجه وإن لم يجز سلوكه (٤) ، وهو أحوط.

واعلم أن المقام حقيقة : هو العمود من الصخر الذي كان إبراهيم عليه‌السلام يصعد عليه عند بنائه البيت وعليه اليوم بناء ، ويطلق على جميعه مع ما في داخله المقام عرفا.

وهل المعتبر وقوع الطواف بين البيت وحائط البناء الذي على المقام الأصلي ، أم بينه وبين العمود المخصوص؟ احتمالان ، أظهرهما الثاني.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٤٢٧ أبواب الطواف ب ٢٨ ح ١.

(٢) كما في المختلف : ٢٨٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١٢٠٠ ، الوسائل ٩ : ٤٢٧ أبواب الطواف ب ٢٨ ح ٢.

(٤) المسالك ١ : ١٢١.

١٣١

ولو مشى على أساس البيت أو حائط الحجر لم يجزئه.

______________________________________________________

ويستفاد من رواية محمد بن مسلم المتقدمة (١) أن المقام ـ أعني العمود الصخر ـ مغيّر عما كان عليه في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن الحكم في الطواف منوط بمحله الآن.

وتدل عليه أيضا صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : « حيث هو الساعة » (٢).

وروى ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة بن أعين أنه قال لأبي جعفر عليه‌السلام : قد أدركت الحسين عليه‌السلام ، قال : « نعم ، أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام ، يخرج الخارج فيقول قد ذهب به السيل ، ويدخل الداخل فيقول هو مكانه قال ، فقال : يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت : أصلحك الله يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام ، قال : إن الله عز وجلّ جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقروا ، وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه‌السلام عند جدار البيت ، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلما فتح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه‌السلام ، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر فسأل الناس : من منكم يعرف المكان الذي فيه المقام؟ فقال له رجل : أنا كنت قد أخذت مقداره بنسع فهو عندي فقال : ائتني به ، فأتاه به فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان » (٣).

قوله : ( ولو مشى على أساس البيت أو حائط الحجر لم يجزه ).

__________________

(١) في ص ١٣٠.

(٢) الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٧ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ٩ : ٤٧٨ أبواب الطواف ب ٧١ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ١٥٨ ـ ٦٨١.

١٣٢

ومن لوازمه ركعتا الطواف. وهما واجبتان في الطواف الواجب ،

______________________________________________________

قد عرفت أن الواجب الطواف بالبيت على معنى أن يكون الطائف‌ خارجا عن البيت بجميع بدنه ، فلا يجوز المشي على أساس البيت ، وهو القدر الباقي من أساس الحائط بعد عمارته أخيرا ويسمى الشاذروان ، لأنه من الكعبة على ما قطع به الأصحاب ، ولا على حائط الحجر لوجوب إدخاله في الطواف.

وهل يجوز للطائف مس الجدار بيده في موازاة الشاذروان؟ قيل : لا ، وهو خيرة التذكرة (١) ، لأن من مسه على هذا الوجه يكون بعض بدنه في البيت فلا يتحقق الشرط ، أعني خروجه عنه بجميع بدنه.

وقيل بالجواز ، وهو ظاهر اختيار العلامة في القواعد (٢) ، وجعله في التذكرة وجها للشافعية ، واستدل عليه بأن من هذا شأنه يصدق عليه أنه طائف بالبيت ، لأن معظم بدنه خارج عنه ، ثم أجاب عنه بالمنع من ذلك ، لأن بعض بدنه في البيت ، فكان كما لو وضع إحدى رجليه اختيارا على الشاذروان (٣).

والمسألة محل تردد ، وإن كان الجواز لا يخلو من قرب ، لعدم قيام دليل يعتد به على المنع.

قوله : ( ومن لوازمه ركعتا الطواف ، وهما واجبتان بعده في الطواف الواجب ).

المراد أن صلاة الركعتين من لوازم الطواف شرعا ، وجوبا في الواجب وندبا في الندب ، وهذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل الشيخ في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٦٢.

(٢) القواعد ١ : ٨٣.

(٣) التذكرة ١ : ٣٦٢.

١٣٣

ولو نسيهما وجب عليه الرجوع. ولو شقّ قضاهما حيث ذكر.

______________________________________________________

الخلاف عن بعض أصحابنا استحبابهما في الطواف الواجب (١) ، وهو ضعيف جدا.

لنا قوله عزّ وجلّ ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) (٢) ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه‌السلام فصل ركعتين واجعله أماما ، واقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد ـ قل هو الله أحد ـ وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ، ثم تشهد واحمد الله وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واسأله أن يتقبل منك ، وهاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره أن تصليهما في أي الساعات شئت ، عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخرهما ، ساعة تطوف وتفرغ فصلهما » (٣).

وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سأل رجل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن فقال : « لا ، الأسبوع وركعتان » (٤).

قوله : ( ولو نسيهما وجب عليه الرجوع ، ولو شق قضاهما حيث ذكر ).

أما أنه يجب على الناسي الرجوع إلى المقام وصلاتهما فيه مع انتفاء المشقة بذلك ، فيدل عليه مضافا إلى توقف الامتثال عليه صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سئل عن رجل طاف طواف‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٤٨.

(٢) البقرة : ١٢٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٠٤ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ٩ : ٣٩١ أبواب الطواف ب ٣ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ١.

(٤) التهذيب ٥ : ١١٦ ـ ٣٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٢١ ـ ٧٦١ ، الوسائل ٩ : ٤٤١ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٧.

١٣٤

______________________________________________________

الفريضة ولم يصلّ الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ، وطاف بعد ذلك طواف النساء ولم يصل أيضا لذلك الطواف حتى ذكر بالأبطح ، قال : « يرجع إلى مقام إبراهيم عليه‌السلام فيصلي فيه » (١) ويستفاد من ظاهر الرواية عدم وجوب إعادة السعي وطواف النساء.

وأما وجوب صلاتهما حيث أمكن إذا شق العود ، فيدل عليه روايات كثيرة ، منها صحيحة معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكة ، قال : « فليصلهما حيث ذكر ، وإن ذكرهما وهو بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما » (٢).

وصحيحة هشام بن المثنى ، قال : نسيت ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام حتى انتهيت إلى منى ، فرجعت إلى مكة فصليتهما ، فذكرنا ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : « أفلا صلاهما حيث ما ذكر » (٣).

وشرط الشهيد في الدروس في صلاتهما في غير المقام تعذر العود ، وأوجب العود إلى الحرم عند تعذر العود إلى المقام ، وجعل صلاتهما حيث شاء من البقاع إنما هو مع تعذر العود إلى الحرم (٤). ولم نقف على مستنده.

ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب الاستنابة في صلاة الركعتين إذا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٦ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ١٣٨ ـ ٤٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٤ ـ ٨١٠ ، الوسائل ٩ : ٤٨٢ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٢٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٥٣ ـ ١٢٢٦ ، التهذيب ٥ : ٤٧١ ـ ١٦٥٣ ، الوسائل ٩ : ٤٨٥ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٨.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٩ ـ ٤٦٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٥ ـ ٨١٧ ، الوسائل ٩ : ٤٨٣ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٩ ، بتفاوت يسير بينها.

(٤) الدروس : ١١٣.

١٣٥

______________________________________________________

شق الرجوع (١) ، ورواه في التهذيب عن عبد الله بن مسكان قال : حدثني من سأله عن الرجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج فقال : « يوكل » (٢) وهي ضعيفة بالقطع والإرسال ، وبأن من جملة رجالها محمد بن سنان ، وهو ضعيف. نعم روى ابن بابويه في الصحيح ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه » (٣) ومقتضاها التخيير مع انتفاء المشقة بالعود بينه وبين الاستنابة. وكيف كان فالمعتمد ما أطلقه المصنف وأكثر الأصحاب.

وإطلاق النص والفتوى يقتضي أنه لا يعتبر في صلاة الركعتين وقوعهما في أشهر الحج ، وقال الشارح ، إن الظاهر اعتبار ذلك (٤). وهو أحوط.

ولا فرق في هذه الأحكام بين ركعتي طواف الحج والنساء والعمرة.

ولم يذكر المصنف حكم غير الناسي ، والظاهر إلحاق الجاهل به ، لما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إن الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام بمنزلة الناسي » (٥).

أما العامد فقال الشارح قدس‌سره : إن الأصحاب لم يتعرضوا لذكره ، والذي يقتضيه الأصل أنه يجب عليه العود مع الإمكان ، ومع التعذر يصليهما حيث أمكن (٦). ولا ريب أن مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان ، وإنما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر أو بقائهما في الذمة إلى أن يحصل التمكن من الإتيان بهما في محلهما. وكذا الإشكال في صحة‌

__________________

(١) حكاه عنه في الدروس : ١١٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤٠ ـ ٤٦٣ ، الوسائل ٩ : ٤٨٤ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٤ ـ ١٢٢٧ ، الوسائل ٩ : ٤٨٢ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ١٢١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٥٤ ـ ١٢٣٠ ، الوسائل ٩ : ٤٨٢ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٣.

(٦) المسالك ١ : ١٢١.

١٣٦

ولو مات قضاهما الولي.

______________________________________________________

الأفعال المتأخرة عنهما ، من صدق الإتيان بها ، ومن عدم وقوعها على الوجه المأمور به.

قوله : ( ولو مات قضاهما عنه الولي ).

قد تقدم بيان الولي في الصوم ، ويدل على وجوب قضاء هاتين الركعتين عليه صحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه أن يقضي ، أو يقضي عنه وليه ، أو رجل من المسلمين » (١) ومقتضى الرواية الاكتفاء بقضاء الولي أو غيره ( وأنه لا يعتبر في فعل الغير استئذان الولي كأداء الدين عن الحي والميت ، فلا يبعد الاكتفاء بذلك في مطلق الواجب ) (٢).

قال الشارح قدس‌سره : ولو ترك معهما الطواف ففي وجوبهما حينئذ عليه ويستنيب في الطواف ، أم يستنيب عليهما معا من ماله وجهان ، ولعل وجوبهما عليه مطلقا أقوى ، لعموم قضاء ما فاته من الصلوات الواجبة ، أما الطواف فلا يجب عليه قضاؤه عنه قطعا وإن كان بحكم الصلاة (٣). هذا كلامه رحمه‌الله.

وما ذهب إليه من وجوب قضاء الركعتين مطلقا متجه ، أما قطعه بعدم وجوب قضاء الطواف فمنظور فيه ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نسي طواف النساء حتى دخل إلى أهله ، قال : « لا تحل له النساء حتى يزور البيت ، وقال : يأمر من يقضي عنه إن لم يحج ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره » (٤) وهذه الرواية وإن كانت مخصوصة بطواف النساء ولكن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٤٣ ـ ٤٧٣ ، الوسائل ٩ : ٤٨٤ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٣.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٣) المسالك ١ : ١٢١.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٨ ـ ٤٢٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ ـ ٧٨٩ ، الوسائل ٩ : ٤٦٨ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ٦.

١٣٧

مسائل ست :

الأولى : الزيادة على السبع في الطواف الواجب ، محظورة على الأظهر. وفي النافلة مكروهة.

______________________________________________________

متى وجب قضاؤه وجب قضاء طواف العمرة والحج بطريق أولى.

قوله : ( الأولى ، الزيادة على سبع في الطواف الواجب محظورة على الأظهر ، وفي النافلة مكروهة ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من تحريم الزيادة على السبع في الطواف الواجب هو المعروف من مذهب الأصحاب ، واستدلوا عليه بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعله فلا يجوز فعله لقوله : « خذوا عني مناسككم » (١) ، وبأنها فريضة ذات عدد فلا يجوز الزيادة عليها كالصلاة.

وبما رواه الشيخ ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط ، قال : « يعيد حتى يستتمه » (٢).

وعن عبد الله بن محمد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة ، وكذلك السعي » (٣).

وفي جميع هذه الأدلة نظر :

أما الأول فلأن عدم فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما زاد على السبع لا يقتضي تحريم فعله مطلقا ، ولا كونه مبطلا للطواف لخروجه عن الواجب ، غاية الأمر إن إيقاعه على وجه العبادة يكون تشريعا.

__________________

(١) غوالي اللآلي ١ : ٢١٥ ـ ٧٣ ، مسند أحمد ٣ : ٣٣٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ ـ ٣١٠.

(٢) التهذيب ٥ : ١١١ ـ ٣٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢١٧ ـ ٧٤٦ ، الوسائل ٩ : ٤٣٦ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥١ ـ ٤٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢١٧ ـ ٧٤٧ ، الوسائل ٩ : ٤٣٨ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١١.

١٣٨

______________________________________________________

وأما الثاني فقياس محض.

وأما الرواية الأولى فيتوجه عليها أولا الطعن في السند باشتراك راويها بين الثقة والضعيف ، وثانيا إجمال المتن ، إذ يحتمل أن يكون المراد بالإعادة إتمام طواف آخر كما يشعر به قوله : « حتى يستتمه » وفي الكافي نقل الرواية بعينها إلا أن فيها موضع قوله « حتى يستتمه » « حتى يثبته » (١) وهو أوفق بالإعادة من قوله « حتى يستتمه » ومع ذلك فإنما تدل على تحريم زيادة الشوط لا مطلق الزيادة.

وأما الرواية الثانية فقاصرة من حيث السند باشتراك الراوي أيضا ، فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل.

وقد ظهر بذلك أنه ليس على تحريم زيادة ما دون الشوط دليل يعتد به ، ومع ذلك فإنما يتوجه التحريم إذا وقعت الزيادة بقصد الطواف ، أما لو تجاوز الحجر الأسود بنية أن ما زاد على الشوط لا يكون جزء من الطواف فلا محذور فيه ، ولو كانت الزيادة سهوا لم يبطل الطواف ، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

هذا كله في الطواف الواجب. أما المندوب فقد حكم المصنف وغيره بكراهة الزيادة فيه.

واعلم أن المصنف لم يذكر في هذا الكتاب حكم القران بين الأسبوعين ، وقد جزم في النافع بكراهيته في النافلة ، وعزى تحريمه وبطلان الطواف به في الفريضة إلى الشهرة (٢) ونقل عن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ أنه حكم بالتحريم خاصة في الفريضة (٣) ، وعن ابن إدريس أنه حكم بالكراهية (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٧ ـ ٥.

(٢) المختصر النافع : ٩٣.

(٣) المبسوط ١ : ٣٥٧ ، والنهاية : ٢٣٨ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣١.

(٤) السرائر : ١٣٤.

١٣٩

الثانية : الطهارة شرط في الواجب دون الندب ، حتى أنه يجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة ، وإن كانت الطهارة أفضل.

______________________________________________________

والمستفاد من صحيحة زرارة كراهة القران في الفريضة دون النافلة فإنه قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنما يكره أن يجمع الرجل بين أسبوعين والطوافين في الفريضة ، فأما النافلة فلا بأس به » (١).

ويؤيده ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة أيضا أنه قال : ربما طفت مع أبي جعفر عليه‌السلام وهو ممسك بيدي الطوافين والثلاثة ثم ينصرف ويصلي الركعات ستا (٢).

ويمكن أن يقال بالكراهة في النافلة أيضا وحمل الروايتين المتقدمتين على التقية ، كما يدل عليه صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سأل رجل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن فقال : « لا ، الأسبوع وركعتان » وإنما قرن أبو الحسن عليه‌السلام لأنه كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية (٣). ولا ريب أن اجتناب ذلك في الفريضة والنافلة أولى وأحوط.

قوله : ( الثانية ، الطهارة شرط في الواجب دون الندب ، حتى أنه يجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة ، وإن كانت الطهارة أفضل ).

قد تقدم الكلام في ذلك وأن الأصح ما اختاره المصنف من عدم توقف الطواف المندوب على الطهارة ، أما صلاة الطواف فيستوي واجبها ومندوبها في اشتراط الطهارة إجماعا.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٥١ ـ ١٢٠٧ ، التهذيب ٥ : ١١٥ ـ ٣٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٠ ـ ٧٥٧ ، الوسائل ٩ : ٤٤٠ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٥١ ـ ١٢٠٨ ، الوسائل ٩ : ٤٤٠ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٦ ـ ٣٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٢١ ـ ٧٦١ ، الوسائل ٩ : ٤٤١ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٧.

١٤٠