مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

ويسقط فرض الحج لعدم ما يضطر إليه من الآلات ، كالقربة وأوعية الزاد.

______________________________________________________

البلوغ والحرية والاستطاعة والقدرة على المسير ، لأن الصبي والمملوك ومن ليس معه زاد ولا راحلة وليس بمخلى السرب ولا يمكنه المسير لو تكلفوا الحج لصح منهم ، وإن لم يكن واجبا عليهم ، ولا يجزيهم عن حجة الإسلام (١).

وفرق الشهيد في الدروس بين الفقير وغيره ، فقال بعد أن ذكر أنه لو حج فاقد هذه الشرائط لم يجزئه ، وعندي لو تكلف المريض والمغصوب والممنوع بالعدو وبضيق الوقت أجزأ ، لأن ذلك من باب تحصيل الشرط ، فإنه لا يجب ، ولو حصله وجب وأجزأ ، نعم لو أدى ذلك إلى إضرار بالنفس يحرم إنزاله ، ولو قارن بعض المناسك احتمل عدم الإجزاء (٢). وفي الفرق نظر.

والمتجه أنه إن حصلت الاستطاعة الشرعية قبل التلبس بالإحرام ثبت الوجوب والإجزاء ، لما بيناه من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد ، وإن حصل التلبس قبل تحقق الاستطاعة انتفى الأمران معا ، سواء كان عدم تحقق الاستطاعة بعدم القدرة على تحصيل الزاد والراحلة ، أو بالمرض المقتضي لسقوط الحج ، أو بخوف الطريق ، أو غير ذلك ، لأن ما فعله لم يكن واجبا ، فلا يجزئ عن الواجب ، كما لا يجزئ فعل الواجب الموقت قبل دخول وقته.

قوله : ( ويسقط فرض الحج لعدم ما يضطر إليه من الآلات ، كالقرب وأوعية الزاد ).

لا ريب في سقوط الفرض بذلك ، لدخول كلما يحتاج إليه في مفهوم الاستطاعة. ويجب شراء ذلك كله أو استيجاره بالعوض المقدور ، وإن كان أزيد من أجرة المثل ، للعموم.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٠٦.

(٢) الدروس : ٨٥.

٦١

ولو كان له طريقان فمنع من إحداهما سلك الأخرى ، سواء كانت أبعد أو أقرب. ولو كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بمال ، قيل : يسقط وإن قلّ. ولو قيل : يجب التحمّل مع المكنة كان حسنا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان له طريقان فمنع من إحداهما سلك الأخرى ، سواء كانت أبعد أو أقرب ).

إنما يجب سلوك الأبعد إذا لم تقصر نفقته عنه واتسع الزمان له ، أما لو قصرت نفقته عنه أو قصر الزمان عن سلوكة توقف الوجوب على إمكان سلوك الأقرب.

قوله : ( ولو كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بمال ، قيل : يسقط وإن قلّ ، ولو قيل : يجب التحمّل مع المكنة كان حسنا ).

القول بالسقوط للشيخ (١) ـ رحمه‌الله ـ وجماعة ، نظرا إلى انتفاء الشرط ، وهي تخلية السرب ، والتفاتا إلى أن المأخوذ على هذا الوجه ظلم لا ينبغي الإعانة عليه ، وإن من خاف من أخذ المال قهرا لا يجب عليه الحج وإن قلّ المال وهذا في معناه.

ويتوجه على الأول : منع توقف الوجوب على تخلية السرب بالفعل ، بل الشرط التمكن من المسير ، وهو حاصل ، إذ المفروض اندفاع العدو بالمال المقدور ، وبعد تحقق الشرط يصير الوجوب مطلقا ، فتجب مقدماته كلها على ما بيناه.

وعلى الثاني : أن المدفوع على هذا الوجه لم يقصد به المعاونة على الظلم ، بل التوصل إلى فعل الواجب ، وهو راجح شرعا لا مرجوح ، كما في دفع المال إلى الظالم لاستنقاذ مسلم من الهلاك ونحوه.

وعلى الثالث : أولا منع السقوط في الأصل ، لانتفاء الدليل عليه ، وثانيا منع المساواة ، فإن بذل المال بالاختيار على هذا الوجه ليس فيه دنوة‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٠١.

٦٢

ولو بذل له باذل وجب عليه الحج ، لزوال المانع. نعم لو قال له : اقبل وادفع أنت ، لم يجب.

______________________________________________________

ولا مشقة زائدة ، بخلاف أخذه قهرا ، فإن فيه غضاضة تامة ومشقة زائدة على أهل المروة ، فلا يلزم من عدم وجوب تحمله عدم وجوب البذل مع الاختيار.

وربما فرق بينهما بأن الثابت في بذل المال بالاختيار الثواب على الله تعالى وهو دائم ، وفي الأخذ قهرا العوض وهو منقطع. وضعف هذا الفرق ظاهر ، فإن تارك المال للص ونحوه طلبا لفعل الواجب داخل في موجب الثواب أيضا.

والأصح ما اختاره المصنف من وجوب بذل المال مع القدرة مطلقا ، لتوقف الواجب عليه ، فكان كأثمان الآلات.

قوله : ( ولو بذل له باذل وجب عليه الحج ، لزوال المانع ، ولو قال له : اقبل وادفع أنت ، لم يجب ).

أما وجوب الحج إذا بذل المطلوب باذل فانكشف العدو فواضح ، لتحقق الاستطاعة حينئذ.

وأما أنه لا يجب القبول إذا قال له الباذل : اقبل هبته وادفعه ، فعلل بأن القبول شرط للواجب المشروط ، وشرط الواجب المشروط لا يجب تحصيله. ويشكل بأن الشرط التمكن من الحج ، وهو حاصل بمجرد البذل ، وبأن قوله عليه‌السلام : « من عرض عليه ما يحج به فاستحيا فهو ممن يستطيع الحج » (١) يتناول من عرض عليه ذلك ، فلو قيل بوجوب القبول والدفع لم يكن بعيدا.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣ ـ ٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٦ ، الوسائل ٨ : ٢٦ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ١.

٦٣

وطريق البحر كطريق البرّ ، فإن غلب ظن السلامة ، وإلا سقط. ولو أمكن الوصول بالبرّ والبحر ، فإن تساويا في غلبة السلامة كان مخيّرا. وإن اختصّ أحدهما تعيّن. ولو تساويا في رجحان العطب سقط الفرض.

ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمّته ، وقيل : يجتزئ بالإحرام ، والأول أظهر.

______________________________________________________

قوله : ( وطريق البحر كطريق البر ، فإن غلب ظن السلامة ، وإلا سقط ، ولو أمكن الوصول بالبر والبحر ، فإن تساويا في غلبة السلامة كان مخيّرا ، وإن اختصّ أحدهما تعيّن ، ولو تساويا في رجحان العطب سقط الفرض ).

مقتضى العبارة أن طريق البحر إنما يجب سلوكه مع غلبة ظن السلامة ، فلا يجب مع اشتباه الحال. ولم يعتبر الشارح ذلك ، بل اكتفى بعدم ترجيح العطب (١). وهو حسن.

والحاصل أن طريق البحر كطريق البر ، فيعتبر فيه ما اعتبر ثمّ من عدم خوف العطب بظهور أماراته ، ومنه خوف الغرق بسبب القرائن الدالة عليه. ولو اشتبه الحال وجب سلوكه كالبر.

وإنما يسقط الحج مع الخوف إذا حصل في ابتداء السير ، أو في أثنائه والرجوع ليس بمخيف ، أما لو تساويا مع المقام في الخوف احتمل ترجيح الذهاب ، لحصول المرجح فيه بالحج ، والسقوط كما لو حصل ابتداء ، لفقد الشرط ، ولعل الأول أقرب.

قوله : ( ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمّته ، وقيل : يجتزئ بالإحرام ، والأول أظهر ).

أما براءة الذمة إذا مات الحاج بعد الإحرام ودخول الحرم وعدم وجوب إكماله فهو مذهب الأصحاب ، لا نعلم فيه مخالفا. والمستند فيه ما رواه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٩١.

٦٤

______________________________________________________

الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن بريد العجلي ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق ، قال : « إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإسلام ، وإن فضل من ذلك شي‌ء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين » قلت : أرأيت إن كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل أن يحرم ، لمن يكون جملة ونفقته وما معه؟ قال : « يكون جميع ما معه وما ترك للورثة ، إلا أن يكون عليه دين فيقتضي عنه ، أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن أوصى له ، ويجعل ذلك من ثلثه » (١).

وفي الصحيح عن ضريس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : « إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام » (٢).

وإطلاق كلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ وغيره (٣) يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يقع التلبس بإحرام الحج أو العمرة ، ولا بين أن يموت في الحل أو الحرم ، محرما أو محلا ، كما لو مات بين الإحرامين ، وبهذا التعميم قطع المتأخرون ، ولا بأس به.

والقول بالاجتزاء بالإحرام للشيخ في الخلاف (٤) وابن إدريس (٥) ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٦٩ ـ ١٣١٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٧ ـ ١٤١٦ ، الوسائل ٨ : ٤٧ أبواب وجوب الحج ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٦ ـ ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٦٩ ـ ١٣١٣ ، الوسائل ٨ : ٤٧ أبواب وجوب الحج ب ٢٦ ح ١.

(٣) كالشهيد الأول في الدروس : ٨٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩١.

(٤) الخلاف ١ : ٤٧٦ ، وكلامه وارد في حج النائب دون الحاج لنفسه ـ مستند الشيعة ٢ :

١٦٦.

(٥) السرائر : ١٤٨ ، وهو كما في الخلاف.

٦٥

وان كان قبل ذلك قضيت عنه إن كانت مستقرّة ، وسقطت ان لم تكن كذلك.

______________________________________________________

وربما أشعر به مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة بريد : « وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإسلام » لكنه معارض بمنطوق قوله عليه‌السلام : « وإن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام ».

واستدل العلامة في المختلف لهذا القول بأن القصد التلبس وقد حصل بالإحرام ، ثم أجاب عنه بالمنع من ذلك ، قال : بل المطلوب قصد البيت الحرام ، وإنما يحصل بدخول الحرم (١).

والأصح عدم الاجتزاء بذلك ، لأن الحج لا يتم إلا بإكمال أركانه ، فلا تبرأ الذمة بفعل بعضه ، خرج من ذلك ما إذا مات الحاج بعد الإحرام ودخول الحرم للأخبار الصحيحة المؤيدة بعمل الأصحاب فبقي ما عداه على الأصل ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة ، قال : « يحج عنه إن كانت حجة الإسلام ويعتمر ، إنما هو شي‌ء عليه » (٢).

ولقد كان الأنسب بقواعد ابن إدريس عدم الاجتزاء بالإحرام ودخول الحرم أيضا ، حيث إن الاجتزاء بذلك إنما ثبت من طريق الأخبار (٣) ، إلا أن يكون الحكم إجماعيا عنده.

قوله : ( وإن كان قبل ذلك قضيت عنه إن كانت مستقرّة ، وسقطت إن لم تكن كذلك ).

لا ريب في وجوب القضاء والحال هذه مع استقرار الحج ، للأخبار‌

__________________

(١) المختلف : ٢٥٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٢ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ٨ : ٤٨ أبواب وجوب الحج ب ٢٦ ح ٣.

(٣) في « ض » : الآحاد.

٦٦

ويستقر الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط وأهمل.

______________________________________________________

الكثيرة الدالة عليه.

وفي الاكتفاء بالقضاء من الميقات أو وجوب القضاء من موضع الموت قولان سيجي‌ء الكلام فيهما (١) ، ولا يجب القضاء هنا من البلد قطعا ، لما سنبينه إن شاء الله من أن المراد بالبلد بلد الموت (٢).

ولو حصل الموت بعد الإحرام وقبل دخول الحرم وجب القضاء عنه من الميقات ، إلا أن يتعذر العود فمن حيث أمكن.

وقد قطع المتأخرون بسقوط القضاء إذا لم تكن الحجة مستقرة في ذمته ، بأن كان خروجه في عام الاستطاعة. وأطلق المفيد في المقنعة (٣) والشيخ في جملة من كتبه (٤) وجوب القضاء إذا مات قبل دخول الحرم. ولعلهما نظرا إلى إطلاق الأمر بالقضاء في الروايتين المتقدمتين (٥). وأجيب (٦) عنهما بالحمل على من استقر الحج في ذمته ، لأن من خرج في عام الاستطاعة ثم مات في الطريق يتبين بموته عدم وجوب الحج عليه ، ومتى انتفى وجوب الأداء انتفى القضاء. وهو غير بعيد ، وإن كان الإطلاق متجها أيضا ، لما بيناه مرارا من أن القضاء قد يجب مع سقوط الأداء ، لأنه فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة خاصة.

قوله : ( ويستقر الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط فأهمل ).

اختلف كلام الأصحاب فيما يتحقق به استقرار الحج ، فأطلق المصنف تحققه بالإهمال مع استكمال الشرائط ، واعتبر الأكثر مع ذلك مضي زمان‌

__________________

(١) في ص ٨٤.

(٢) في ص ٨٧.

(٣) لم نعثر عليه ، ولكنه أورد رواية بهذا المعنى في المقنعة : ٧٠.

(٤) النهاية : ٢٨٤ ، والمبسوط ١ : ٣٠٦.

(٥) في ص ٦٥.

(٦) كما في المختلف : ٣٢٢.

٦٧

______________________________________________________

يمكن فيه الإتيان بجميع أفعال الحج مستجمعا للشرائط ، واكتفى العلامة في التذكرة بمضي زمان يمكن فيه تأدي الأركان خاصة ، واحتمل الاكتفاء بمضي زمان يمكنه فيه الإحرام ودخول الحرم (١).

وما وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار خال عن لفظ الاستقرار فضلا عما يتحقق به ، وإنما اعتبر الأصحاب ذلك بناء على أن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وإنما يتحقق وجوبه بمضي زمان يمكن فيه الحج مستجمعا للشرائط ، ويشكل بما بيناه مرارا من أن وجوب القضاء ليس تابعا لوجوب الأداء ، وبأن المستفاد من كثير من الأخبار ترتب القضاء على عدم الإتيان بالأداء مع توجه الخطاب به ظاهرا ، كما في صحيحتي بريد وضريس المتقدمتين (٢).

وقد قطع الأصحاب بأن من حصلت له الشرائط فتخلف عن الرفقة ثم مات قبل حج الناس لا يجب القضاء عنه ، لتبين عدم استقرار الحج في ذمته بظهور عدم الاستطاعة ، وهو جيد إن ثبت أن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء.

وجزم العلامة في التذكرة بأن من تلف ماله قبل عود الحاج وقبل مضي إمكان عودهم لم يستقر الحج في ذمته ، لأن نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط (٣).

ويشكل باحتمال بقاء المال لو سافر ، وبأن فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لا يؤثر في سقوطه قطعا ، وإلا لوجب إعادة الحج مع تلف المال في الرجوع ، أو حصول المرض الذي يشق معه السفر ، وهو معلوم البطلان.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٠٧.

(٢) في ص ٦٥.

(٣) التذكرة ١ : ٣١٠.

٦٨

والكافر يجب عليه الحج ولا يصح منه. فلو أحرم ثم أسلم أعاد الإحرام. وإذا لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه. ولو أحرم بالحج وأدرك الوقوف بالمشعر لم يجزئه ، إلا أن يستأنف إحراما. وإن ضاق الوقت أحرم ولو بعرفات.

______________________________________________________

قوله : ( والكافر يجب عليه الحج ولا يصح منه ).

هذان الحكمان إجماعيان عندنا ، وخالف في الأول أبو حنيفة ، فزعم أن الكافر غير مخاطب بشي‌ء من الفروع (١). ولا ريب في بطلانه.

ويترتب على الوجوب أنه لو مات كذلك أثم بالإخلال بالحج ، لكن لا يجب قضاؤه عنه ، ولو أسلم وجب عليه الإتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعا ، وبدونها في أظهر الوجهين. واعتبر العلامة في التذكرة في وجوب الحج استمرار الاستطاعة إلى زمان الإسلام (٢) ، وهو غير واضح.

قوله : ( فلو أحرم ثم أسلم أعاد الإحرام ، وإذا لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه ).

أما وجوب الرجوع إلى الميقات مع الإمكان وإعادة الإحرام منه فظاهر ، لتوقف الواجب عليه. وأما الاكتفاء بالإحرام من موضع الإسلام مع تعذر العود ، فلأن من هذا شأنه أعذر من الناسي والجاهل وأنسب بالتخفيف مع ثبوت ذلك بالنسبة إليهما ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (٣). ولو كان قد دخل مكة خرج إلى خارج الحرم ، فإن تعذر أحرم من مكانه.

قوله : ( ولو أحرم بالحج وأدرك الوقوف بالمشعر لم يجزئه إلا أن يستأنف إحراما ، ولو ضاق الوقت أحرم ولو بعرفات ).

قال الشارح قدس‌سره : كان حق العبارة أن يقول : أحرم ولو‌

__________________

(١) نقله عنه الكاساني في بدائع الصنائع ٢ : ٦.

(٢) التذكرة ١ : ٣٠٧.

(٣) في ص ١٧٢.

٦٩

ولو حج المسلم ثم ارتدّ لم يعد على الأصحّ.

______________________________________________________

بالمشعر ، لأنه أبعد ما يمكن فرض الإحرام منه ، فيحسن دخول لو عليه ، بخلاف عرفة ، وإن كان الإحرام منها جائزا بل أولى به (١). هذا كلامه رحمه‌الله ، وهو جيد إن ثبت جواز استئناف الإحرام من المشعر ، لكنه غير واضح ، كما سيجي‌ء تحقيقه (٢).

ثم إن كان الحج قرانا أو إفرادا أتم حجه واعتمر بعده ، وإن كان فرضه التمتع وقد قدم عمرته ففي الاجتزاء بها أو العدول إلى حج الإفراد وجهان ، وجزم الشارح بالثاني ، وقال : إن هذا من مواضع الضرورة المسوغة للعدول من التمتع إلى قسيميه (٣).

قوله : ( ولو حج المسلم ثم ارتد لم يعد على الأصح ).

خالف في ذلك الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط ، فذهب إلى وجوب الإعادة ، محتجا بأن ارتداده يدل على أن إسلامه لم يكن إسلاما فلا يصح حجه (٤).

قال في المعتبر : وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ بناء على قاعدة باطلة قد بينا فسادها في الأصول (٥). ويدفعه صريحا قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ) (٦) حيث أثبت الكفر بعد الإيمان.

واستدل (٧) على وجوب الإعادة أيضا بقوله تعالى ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) (٨). وهو استدلال ضعيف ، لأن الإحباط مشروط‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٩١.

(٢) في ص ٢٣٣.

(٣) المسالك ١ : ٩١.

(٤) المبسوط ١ : ٣٠٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٥٧.

(٦) النساء : ١٣٧.

(٧) نقله عن أبي حنيفة في التذكرة ١ : ٣٠٧.

(٨) المائدة : ٥.

٧٠

ولو لم يكن مستطيعا فصار كذلك في حال ردّته وجب عليه الحج وصحّ منه إذا تاب. ولو أحرم مسلما ثم ارتدّ ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح.

______________________________________________________

بالموافاة على الكفر ، كما يدل عليه قوله تعالى ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ) (١).

والأصح عدم وجوب الإعادة ، لأنه أتى بالحج على الوجه المشروع فيكون مجزيا ، وتؤيده رواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله ولا يبطل منه شي‌ء » (٢).

قوله : ( ولو لم يكن مستطيعا فصار كذلك في حال ردّته وجب عليه الحج وصحّ منه إذا تاب ).

لا ريب في ذلك ، ولا يعتبر في الوجوب بقاء الاستطاعة إلى زمان الإسلام قطعا.

قوله : ( ولو أحرم مسلما ثم ارتدّ ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض.

وقال الشيخ في المبسوط : وإن أحرم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام جاز أن يبني عليه ، إلا على ما استخرجناه في المسألة المتقدمة في قضاء الحج. وأشار بذلك إلى ما ذكره سابقا من أن الإسلام لا يتعقبه كفر (٣). وقد عرفت فساد تلك القاعدة.

__________________

(١) البقرة : ٢١٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٥٩ ـ ١٥٩٧ ، الوسائل ١ : ٩٦ أبواب مقدمة العبادات ب ٣٠ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ٣٠٥.

٧١

والمخالف إذا استبصر لا يعيد الحج ، إلا أن يخلّ بركن منه.

______________________________________________________

ثم أورد الشيخ على نفسه أنه يلزم على هذا القول أن المرتد لا يلزمه قضاء العبادات التي فاتته في حال الارتداد ، لأنا إذا لم نحكم بإسلامه يكون كفره أصليا وكافر الأصل (١) لا يلزمه قضاء ما فاته في الكفر (٢). وهذا الإيراد متوجه ، وهو من جملة الأدلة على فساد تلك القاعدة.

قوله : ( والمخالف إذا استبصر لا يعيد الحج ، إلا أن يخل بركن منه ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقد ورد بعدم الإعادة روايات كثيرة ، كصحيحة بريد بن معاوية العجلي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله عليه بمعرفته والدينونة به ، عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال : « قد قضى فريضته ، ولو حج لكان أحب إلى » قال : وسألته عن رجل وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ، ثم منّ الله عليه فعرف هذا الأمر ، يقضي حجة الإسلام؟ فقال : « يقضي أحب إلى » وقال : « كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه ، إلا الزكاة ، فإنه يعيدها ، لأنه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية ، وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء » (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم وبريد وزرارة والفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء ، كالحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ، ويعرف هذا الأمر ، ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه‌

__________________

(١) في جميع النسخ : الأصلي.

(٢) المبسوط ١ : ٣٠٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٥ ـ ٤٧٢ ، الوسائل ٨ : ٤٢ أبواب وجوب الحج ب ٢٣ ح ١.

٧٢

______________________________________________________

إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : « ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة ، فإنه لا بد أن يؤديها ، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنما موضعها أهل الولاية » (١) وحسنة عمر بن أذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن رجل حج ولا يدري ولا يعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله عليه بمعرفته والدينونة به ، أعليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضة الله؟ قال : « قد قضى فريضة الله ، والحج أحب إلى » وعن رجل وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ، ثم منّ الله عليه فعرف هذا الأمر ، أيقضي عنه حجة الإسلام أو عليه أن يحج من قابل؟ قال : « يحج أحب إليّ » (٢).

ونقل عن ابن الجنيد (٣) وابن البراج (٤) أنهما أوجبا الإعادة على المخالف وإن لم يخلّ بشي‌ء. وربما كان مستندهما مضافا إلى ما دل على بطلان عبادة المخالف ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج ، وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج » (٥).

والجواب أولا بالطعن في السند بضعف الراوي ، وهو أبو بصير ، لأن المراد به يحيى بن القاسم وكان ضعيفا ، وبأن في طريقه علي بن أبي حمزة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٣ ، علل الشرائع : ٣٧٣ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ١٤٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٥ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٦٣ ـ ١٢٨١ وفيه صدر الحديث ، التهذيب ٥ : ١٠ ـ ٢٥ ، الإستبصار ٢ : ١٤٦ ـ ٤٧٥ ، الوسائل ٨ : ٤٢ أبواب وجوب الحج ب ٢٣ ح ٢ ، ٣.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٥٨.

(٤) المهذب ١ : ٢٦٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٢ ، الاستبصار ٢ : ١٤٤ ـ ٤٧٠ وفيه صدر الحديث ، الوسائل ٨ : ٣٩ أبواب وجوب الحج ب ٢١ ح ٥.

٧٣

______________________________________________________

البطائني ، وقال النجاشي : إنه كان أحد عمد الواقفة (١).

وثانيا بالحمل على الاستحباب ، جمعا بين الأدلة مع أنه إنما تضمن إعادة الناصب ، وهو أخص من المخالف.

وهنا مباحث :

الأول : اعتبر الشيخ ـ رحمه‌الله ـ وأكثر الأصحاب في عدم إعادة الحج أن لا يكون المخالف قد أخلّ بركن منه (٢) ، والنصوص خالية من هذا القيد.

ونص المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الدروس : على أن المراد بالركن ما يعتقده أهل الحق ركنا ، لا ما يعتقده الضال تدينا (٣). مع أنهم صرحوا في قضاء الصلاة ، بأن المخالف يسقط عنه قضاء ما صلاة صحيحا عنده ، وإن كان فاسدا عندنا (٤). وفي الجمع بين الحكمين إشكال ، ولو فسر الركن بما كان ركنا عندهم كان أقرب إلى الصواب ، لأن مقتضى النصوص أن من حج من أهل الخلاف لا يجب عليه الإعادة.

ومن أتى منهم بحج فاسد عندهم كان كمن لم يأت بالحج ( ومن هنا يظهر أنه لا فرق في الإجزاء بين أن يوافق فعله النوع الواجب عندنا كالتمتع وقسيميه أو لا ) (٥).

الثاني : إطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في المخالف بين من حكم بكفره كالناصب وغيره ، وهو كذلك ، وقد وقع التصريح في صحيحة بريد بعدم إعادة الناصب (٦) ، وفي صحيحة الفضلاء بعدم إعادة الحرورية (٧) ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٧٥.

(٢) المبسوط ١ : ٣٠٣ ، والنهاية : ٢٠٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٦٥ ، والمنتهى ٢ : ٨٦٠ ، والدروس : ٨٥.

(٤) الشهيد في الدروس : ٢٤ ، والذكرى : ١٣٥.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٦) المتقدمة في ص ٧٢.

(٧) المتقدمة في ص ٧٢.

٧٤

______________________________________________________

وهم كفار ، لأنهم خوارج ، وربما ظهر من كلام العلامة في المختلف اختصاص الحكم بغير الكافر (١). وهو ضعيف.

الثالث : الأظهر أن هذا الحكم أعني سقوط الإعادة عن المخالف تفضل من الله سبحانه ، كما تفضل على الكافر الأصلي بعد الإسلام بسقوط قضاء الفائت مطلقا.

وقال العلامة في المختلف : إن سقوط الإعادة إنما هو لتحقق الامتثال بالفعل المتقدم ، إذ المفروض عدم الإخلال بركن منه ، والإيمان ليس شرطا في صحة العبادة (٢). وهو فاسد ، أما أولا فلأن عبادة المخالف لا يكاد يتصور استجماعها للشرائط المعتبرة ، خصوصا الصلاة ، مع أن الأخبار مصرحة بعدم وجوب قضائها مطلقا ، فعلم أن عدم وجوب الإعادة ليس لتحقق الامتثال بالفعل المتقدم ، بل لما ذكرناه من التفضل.

وأما ثانيا فللأخبار المستفيضة الدالة على بطلان عبادة المخالف وإن فرض استجماعها لشرائط الصحة عندنا ، كصحيحة أبي حمزة قال ، قال لنا علي بن الحسين صلوات الله عليهما : « أي البقاع أفضل؟ » قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : « إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أن رجلا عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينتفع بذلك شيئا » (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ـ وذكر حديثا طويلا قال في آخره ـ : « وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عزّ وجلّ ظاهرا عادلا أصبح ضالا تائها ، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق ، واعلم يا محمد أن أئمة الجور‌

__________________

(١) المختلف : ٢٥٩.

(٢) المختلف : ٢٥٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١٥٩ ـ ٦٨٦ ، عقاب الأعمال : ٢٤٤ ـ ٢ ، مجالس الطوسي : ١٣١ ، الوسائل ١ : ٩٣ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩ ح ١٢.

٧٥

وهل الرجوع إلى الكفاية من صناعة أو مال أو حرفة شرط في وجوب الحج؟ قيل : نعم ، لرواية أبي الربيع ، وقيل : لا ، عملا بعموم الآية. وهو الأولى.

______________________________________________________

وأتباعهم لمعزولون عن دين الله عزّ وجلّ ، قد ضلوا وأضلوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شي‌ء ذلك هو الضلال البعيد » (١) والأخبار الواردة بذلك أكثر من أن تحصى.

فرع :

قال الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الدروس : ولو حج المحق حج غيره جاهلا ففي الإجزاء تردد ، من التفريط ، وامتناع تكليف الغافل مع مساواته المخالف في الشبهة (٢).

وأقول : إنه لا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي التردد ، لأن إيجاب الإعادة بعد العلم لا يستلزم تكليف الغافل ، وإلحاقه بالمخالف قياس مع الفارق ، والأصح اختصاص الحكم بالمخالف واعتبار استجماع الشرائط المعتبرة في غيره لعدم تحقق الامتثال بدونه.

قوله : ( وهل الرجوع إلى كفاية من صناعة أو مال حرفة شرط في وجوب الحج؟ قيل : نعم ، لرواية أبي الربيع ، وقيل : لا ، عملا بعموم الآية ، وهو الأولى ).

المراد بالرجوع إلى كفاية : أن يكون له بعد العود ما يحصل به الكفاية عادة ، بأن يكون له عقار متخذ للنماء ، أو يبقى في يده مال يتعيش به ، أو يكون له صناعة أو حرفة يحصل منها كفايته.

والفرق بين الصناعة والحرفة أن الصناعة هي الملكة الحاصلة من التمرّن على العمل كالخياطة والكتابة ، والحرفة ما يكتسب به مما لا يفتقر إلى‌

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٣ ـ ٨ ، الوسائل ١ : ٩٠ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩ ح ١.

(٢) الدروس : ٨٥.

٧٦

______________________________________________________

ذلك كالاحتطاب والاحتشاش.

وقد اختلف الأصحاب في اعتبار هذا الشرط ، فذهب الأكثر ومنهم المرتضى (١) وابن إدريس (٢) وابن أبي عقيل (٣) وابن الجنيد (٤) إلى عدم اعتباره ، وقال الشيخان : يشترط (٥) ، ورواه ابن بابويه في كتابه من لا يحضره الفقيه (٦). وبه قال أبو الصلاح (٧) وابن البراج (٨) وابن حمزة (٩). والمعتمد الأول.

لنا : قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١٠) والاستطاعة مفسرة بالزاد والراحلة مع الشرائط المتقدمة ، فما زاد منفي بالأصل السليم من المعارض.

ولنا أيضا : قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي : « من كان صحيحا في بدنه ، مخلا سربه ، له زاد وراحلة ، فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج » (١١).

وما رواه الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) قال :

__________________

(١) جمل العلم والعمل : ١٠٣.

(٢) السرائر : ١١٨.

(٣) نقله عنهما في المختلف : ٢٥٦.

(٤) نقله عنهما في المختلف : ٢٥٦.

(٥) المفيد في المقنعة : ٦٠ ، والشيخ في الخلاف ١ : ٤١١ ، والمبسوط ١ : ٢٩٦ ، والنهاية : ٢٠٣.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٥٨ ـ ١٢٥٥ ، الوسائل ٨ : ٢٤ أبواب وجوب الحج ب ٩ ح ١.

(٧) الكافي في الفقه : ١٩٢.

(٨) شرح الجمل : ٢٠٥.

(٩) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٦.

(١٠) آل عمران : ٩٧.

(١١) الكافي ٤ : ٢٦٧ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ ـ ٢ ، الإستبصار ٢ : ١٣٩ ـ ٤٥٤ ، الوسائل ٨ : ٢٢ أبواب وجوب الحج ب ٨ ح ٤.

٧٧

______________________________________________________

« أن يكون له ما يحج به » (١).

احتج الشيخ (٢) ـ رحمه‌الله ـ بأصالة البراءة ، وبالإجماع ، وبما رواه عن أبي الربيع الشامي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) فقال : « ما يقول الناس؟ » قال ، فقلت له : الزاد والراحلة قال ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « قد سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن هذا ، فقال : هلك الناس إذا ، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغنون به عن الناس ينطلق إليه فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا ، فقيل له : فما السبيل؟ قال ، فقال : السعة في المال ، إذا كان يحج ببعض ويبقى بعض لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من ملك مائتي درهم » (٣).

والجواب عن الأول أن الأصل إنما يصار إليه إذا لم يقم دليل على خلافه ، وقد بينا الدليل.

وعن الثاني بالمنع من الإجماع كما بيناه مرارا.

وعن الرواية أولا بالطعن في السند بجهالة الراوي ، وبأن من جملة رجاله خالد بن جرير ، ولم يرد فيه توثيق ، بل ولا مدح يعتد به. وثانيا بالقول بالموجب فإنا نعتبر زيادة عن الزاد والراحلة بقاء النفقة لعياله مدة ذهابه وعوده.

وحكى العلامة في المختلف عن المفيد في المقنعة أنه أورد رواية أبي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣ ـ ٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٥ ، الوسائل ٨ : ٢٢ أبواب وجوب الحج ب ٨ ح ٣.

(٢) الخلاف ١ : ٤١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢ ـ ١ ، الإستبصار ٢ : ١٣٩ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ٨ : ٢٤ أبواب وجوب الحج ب ٩ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٢٦٧ ـ ٣ ، والفقيه ٢ : ٢٥٨ ـ ١٢٥٥ ، وعلل الشرائع : ٤٥٣ ـ ٣ ، والمقنعة : ٦٠.

٧٨

وإذا اجتمعت الشرائط فحج متسكّعا ، أو حج ماشيا ، أو حج في نفقة غيره ، أجزأه عن الفرض.

______________________________________________________

الربيع بزيادة مرجحة لما ذهب إليه ، وهي قد قيل لأبي جعفر عليه‌السلام ذلك فقال : « هلك الناس ، إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرها ومقدار (١) ذلك مما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحج ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذن ، فقيل له : فما السبيل عندك؟ قال : السعة في المال ، وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله » (٢).

وأقول : إن هذه الرواية مع هذه الزيادة لا تدل على اعتبار الرجوع إلى الكفاية بالمعنى الذي ذكروه ، فإن أقصى ما يدل عليه قوله عليه‌السلام : « ثم يرجع فيسأل الناس بكفه » اعتبار بقاء شي‌ء من المال ، وكذا قوله : « ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله » ويمكن أن يكون المراد منه قوت السنة له ولعياله ، لأن ذلك كاف في عدم السؤال بعد الرجوع ، ولأن به يتحقق الغناء شرعا. وكيف كان فهذه الرواية مع إجمالها لا تنهض حجة في معارضة الأحاديث الصحيحة وعموم القرآن.

قوله : ( ولو اجتمعت الشرائط فحج متسكعا أو في نفقة غيره أجزأه عن الفرض ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، لأن الحج واجب عليه وقد امتثل بفعل. المناسك المخصوصة فيحصل الإجزاء ، وصرف المال غير واجب لذاته ، وإنما يجب إذا توقف عليه الواجب. وهذا بخلاف ما إذا حج متسكعا قبل تحقق الاستطاعة ، حيث لا يكون حجة مجزئا ، لانتفاء الوجوب حينئذ ، فيكون الإتيان بالحج على هذا الوجه جاريا مجرى فعل العبادة الموقتة قبل دخول وقتها.

__________________

(١) في المقنعة : أو مقدار.

(٢) المقنعة : ٦٠ ، والمختلف : ٢٥٦.

٧٩

ومن وجب عليه الحج فالمشي أفضل له من الركوب إذا لم يضعفه ، ومع الضعف الركوب أفضل.

______________________________________________________

قوله : ( ومن وجب عليه الحج فالمشي أفضل له من الركوب إذا لم يضعفه ، ومع الضعف الركوب أفضل ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، واستدل عليه في المعتبر بأن فيه جمعا بين ما دل على أفضلية المشي مطلقا (١) ، كصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ما عبد الله بشي‌ء أشد من المشي ولا أفضل » (٢) وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فضل المشي فقال : « إن الحسن بن علي عليه‌السلام قاسم ربه ثلاث مرات ، حتى نعلا ونعلا ، وثوبا وثوبا ، ودينارا ودينارا ، وحج عشرين حجة ماشيا على قدميه » (٣).

وما دل على أفضلية الركوب مطلقا ، كصحيحة رفاعة وابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سئل عن الحج ماشيا أفضل أو راكبا فقال : « بل راكبا ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حج راكبا » (٤) وروى الشيخ أيضا عن رفاعة بسند لا تبعد صحته عن الصادق عليه‌السلام نحو ذلك (٥).

ويشهد لهذا الجمع ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن سيف التمار أنه قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أي شي‌ء أحب إليك ، نمشي أو‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٥٩.

(٢) التهذيب ٥ : ١١ ـ ٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٤١ ـ ٤٦٠ ، الوسائل ٨ : ٥٤ أبواب وجوب الحج ب ٣٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١١ ـ ٢٩ ، الإستبصار ٢ : ١٤١ ـ ٤٦١ ، الوسائل ٨ : ٥٥ أبواب وجوب الحج ب ٣٢ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٧٨ ـ ١٦٩١ ، علل الشرائع : ٤٤٦ ـ ٢ ، الوسائل ٨ : ٥٧ أبواب وجوب الحج ب ٣٣ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ١٢ ـ ٣١ ، الإستبصار ٢ : ١٤٢ ـ ٤٦٣ ، الوسائل ٨ : ٥٧ أبواب وجوب الحج ب ٣٣ ح ١.

٨٠