مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

ويجب شراؤها ولو كثر الثمن مع وجوده ، وقيل : إن زاد عن ثمن المثل لم يجب ، والأول أصحّ.

______________________________________________________

وإيابا ، سواء كان له أهل وعشيرة يأوي إليهم أو لم يكن ، وسواء كان له في بلدة مسكن أم لا. وبهذا التعميم صرح في التذكرة والمنتهى ، محتجا بأن في التكليف بالإقامة في غير الوطن مشقة شديدة وحرجا عظيما فيكون منفيا (١). وهو حسن في صورة تحقق المشقة بذلك ، أما مع انتفائها كما إذا كان وحيدا لا تعلّق له بوطن ، أو كان له وطن ولا يريد العود إليه ، فيحتمل قويا عدم اعتبار كفاية العودة في حقه ، تمسكا بإطلاق الأوامر السالم من معارضة الحرج.

ولا يعتبر في الاستطاعة حصولها من البلد ، فلو اتفق كون المكلف في غير بلده واستطاع للحج والعود إلى بلده وجب عليه الحج قطعا وإن كان في أحد المواقيت. ويدل عليه مضافا إلى صدق الاستطاعة بذلك ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة ، فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج ، فيخرج معهم إلى المشاهد ، أيجزيه ذلك من حجة الإسلام؟ قال : « نعم » (٢).

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن من أقام في غير بلده إنما يجب عليه الحج إذا كان مستطيعا من بلده ، إلا أن تكون إقامته في الثانية على وجه الدوام ، أو مع انتقال الفرض ، كالمجاور بمكة بعد السنتين (٣). وهو غير واضح ، وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى (٤).

قوله : ( ويجب شراؤهما ولو كثر الثمن مع وجوده ، وقيل : إن زاد عن ثمن المثل لم يجب ، والأول أصحّ ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٠٠ ، والمنتهى ٢ : ٦٥٣.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٥ ـ ٦ ، الوسائل ٨ : ٤٠ أبواب وجوب الحج ب ٢٢ ح ٢.

(٣) المسالك ١ : ١٠٢.

(٤) ج ٨ ص ٢٠٩.

٤١

ولو كان له دين وهو قادر على اقتضائه وجب عليه. فإن منع منه وليس له سواه سقط الفرض.

______________________________________________________

القول للشيخ ـ رحمه‌الله‌ ـ في المبسوط (١) ، واستدل عليه بأن من خاف على ماله التلف لم يجب عليه الحج حفظا للمال ، فكذا هنا (٢). وهو ضعيف ، لمنع الأصل ، ووجود الفرق ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (٣).

والأصح ما عليه الأكثر من وجوب شراء كلما يتوقف عليه الحج مع التمكن منه مطلقا ، لأن الحج وإن كان واجبا مشروطا بالاستطاعة إلا أنه بعد حصولها يصير وجوبه مطلقا ، فيكون ما يتوقف عليه من المقدمات واجبا.

قوله : ( ولو كان له دين وهو قادر على اقتضائه وجب عليه ، وإن منع منه وليس له سواه سقط الفرض ).

تتحقق القدرة على الاقتضاء بإمكان تحصيله بنفسه أو وكيله ، ولو احتاج إلى مساعدة الحاكم الشرعي ووجد فهو مستطيع.

ولو توقف على إمداد حاكم الجور وانتفى الضرر ففيه وجهان ، أظهرهما أنه كذلك.

ومتى امتنع الاقتضاء ، إما لتأجيل الدين ، أو لكونه على جاحد ولم يكن له سواه لم يجب عليه الحج ، لأن الاستطاعة غير حاصلة. ولا تجب عليه الاستدانة ، ويحتمل قويا الوجوب إذا كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد الحج ، كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به.

وبالجملة فالحج واجب مشروط بالنظر إلى الاستطاعة ، ومطلق بالنسبة إلى غيرها من المقدمات ، فمتى لم تتحقق الاستطاعة لم يجب تحصيلها‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٠٠.

(٢) كما في إيضاح الفوائد ١ : ٢٦٨.

(٣) ص ٦٢.

٤٢

ولو كان له مال وعليه دين بقدره لم يجب ، إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج. ولا يجب الاقتراض للحج ، إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه زيادة عما استثنيناه.

______________________________________________________

بإجارة ولا بكسب وإن سهل ، لأن شرط الواجب المشروط لا يجب تحصيله. ومتى تحققت الاستطاعة صار الوجوب مطلقا ، فيجب تحصيل ما يتوقف عليه من شراء الزاد والراحلة وغيرهما ، لأن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب.

قوله : ( ولو كان له مال وعليه دين بقدره لم يجب ، إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الدين بين أن يكون حالا أو مؤجلا ، وبهذا التعميم صرح في المنتهى ، واستدل عليه بعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول ، وتوجه الضرر مع التأجيل ، فيسقط الحج (١).

ولمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد ، كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به ، وكان للمديون وجه للوفاء بعد الحج ، ومتى انتفى الضرر وحصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب. وقد روى الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه دين ، أعليه أن يحج؟ قال : « نعم ، إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين » (٢).

قوله : ( ولا يجب الاقتراض للحج ، إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه زيادة عما استثنيناه ).

مقتضى العبارة وجوب الاقتراض إذا كان له مال بقدر ما يحتاج إليه ،

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٥٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١١ ـ ٢٧ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٨ ، الوسائل ٨ : ٢٩ أبواب وجوب الحج ب ١١ ح ١.

٤٣

ولو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلى النكاح لم يجز صرفه في النكاح وإن شقّ تركه ، وكان عليه الحج.

______________________________________________________

وهو إنما يتم إذا كان ماله من جنس لا يمكنه تحصيل الزاد والراحلة به ، فإنه يجب اقتراض الجنس الذي يمكن به الحج مع الإمكان. اللهم إلا أن يراد بالوجوب الأعم من العيني والتخييري ، فإن وجوب الاقتراض ثابت مع إمكان الحج بماله لكن على وجه التخيير.

ولقد أحسن الشهيد في الدروس حيث قال : ويجب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله وكان وافيا بالقضاء ، وتخييرا إذا أمكن الحج بماله (١).

ويستفاد من وجوب الاستدانة إذا تعذر بيع ماله أنه لو كان له دين مؤجل يكفي للحج وأمكنه اقتراض ما يحج به كان مستطيعا ، وهو كذلك ، لصدق التمكن من الحج.

ومن هنا يظهر أن ما ذكره في المنتهى من أن من كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا إلى بعد فواته سقط عنه الحج ، لأنه غير مستطيع. فليس بجيد على إطلاقه ، قال : وهذه حيلة يتصور ثبوتها في إسقاط فرض الحج على الموسر ، وكذا لو كان له مال فوهبه قبل الوقت أو أنفقه ، فلما جاء وقت الحج كان فقيرا لم يجب عليه ، وجرى مجرى من أتلف ماله قبل حلول الأجل (٢). وينبغي أن يراد بالوقت وقت خروج الوفد الذي يجب الخروج معه ، وقد تقدم الكلام فيه (٣).

قوله : ( ولو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلى النكاح لم يجز صرفه في النكاح وإن شق تركه ، وكان عليه الحج ).

وذلك لأن الحج مع الاستطاعة واجب ، والنكاح مندوب ، والمندوب لا يعارض الواجب. ولو حصل له من ترك النكاح ضرر شديد لا يتحمل مثله في‌

__________________

(١) الدروس : ٨٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٥٣ وفيه : الحول ، بدل : الأجل.

(٣) ص ١٨.

٤٤

ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه.

______________________________________________________

العادة ، أو خشي منه حدوث مرض ، أو الوقوع في الزنا قدم النكاح كما صرح به العلامة في المنتهى (١).

ولا يخفى أن تحريم صرف المال في النكاح إنما يتحقق مع توجه الخطاب بالحج وتوقفه على المال ، فلو صرف فيه قبل سفر الوفد الذي يجب الخروج معه ، أو أمكنه الحج بدونه ، انتفى التحريم قطعا.

قوله : ( ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، حكاه في التذكرة (٢). ويدل عليه مضافا إلى صدق الاستطاعة بذلك روايات كثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) قال : « يكون له ما يحج به » قلت : فإن عرض عليه الحج فاستحيا ، قال : « هو ممن يستطيع ، ولم يستحي ، ولو على حمار أجذع أبتر » قال : « فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل » (٣).

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « فإن كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيا فلم يفعل ، فإنه لا يسعه إلا أن يخرج ولو على حمار أجذع أبتر » (٤).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : من عرض عليه ما يحج به فاستحيا من ذلك ، أهو ممن يستطيع إليه سبيلا؟ قال : « نعم ، ما شأنه يستحيي ، ولو يحج على حمار أبتر ، فإن كان يستطيع أن‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٥٣.

(٢) التذكرة ١ : ٣٠٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣ ـ ٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٦ ، الوسائل ٨ : ٢٦ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨ ـ ٥٢ ، الوسائل ٨ : ٢٦ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ٣.

٤٥

______________________________________________________

يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج » (١).

وصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من عرض عليه الحج ولو على حمار أجذع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج » (٢).

وإطلاق هذه الروايات يقتضي عدم الفرق في البذل بين الواجب وغيره ، ولا في الباذل بين أن يكون موثوقا به أم لا.

ونقل عن ابن إدريس أنه اعتبر في وجوب الحج بالبذل تمليك المبذول (٣). وهو تقييد للنص من غير دليل.

واعتبر في التذكرة وجوب البذل بنذر وشبهه ، حذرا من استلزام تعليق الواجب بغير الواجب (٤). وهو ضعيف ، لأنا نعتبر في استمرار الوجوب استمرار البذل ، كما أن من شرائط الوجوب استمرار الاستطاعة التي يمكن زوالها في ثاني الحال.

نعم لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل ، لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس ، المستلزم للحرج التعظيم والمشقة الزائدة ، فكان منفيا.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : إطلاق النص وكلام ( أكثر ) (٥) الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين بذل عين الزاد والراحلة وأثمانهما ، وبه صرح في التذكرة (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣ ـ ٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٥ ، الوسائل ٨ : ٢٧ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٩ ـ ١٢٥٦ ، الوسائل ٨ : ٢٧ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ٧.

(٣) السرائر : ١٢١.

(٤) التذكرة ١ : ٣٠١.

(٥) ليست في « ض ».

(٦) التذكرة ١ : ٣٠١.

٤٦

______________________________________________________

واعتبر الشارح ـ قدس‌سره ـ بذل عين الزاد والراحلة ، قال : فلو بذل له أثمانهما لم يجب القبول ، وكذا لو نذر لمن يحج وأطلق ثم بذل لمعين ، أو أوصى بمال لمن يحج ثم بذله كذلك ، لأن ذلك موقوف على القبول ، وهو شرط للواجب المشروط ، فلا يجب تحصيله (١).

ويتوجه عليه أولا أن مقتضى الروايات المتقدمة تحقق الاستطاعة ببذل ما يحج به ، وهو كما يتناول بذل عين الزاد والراحلة ، كذا يتناول أثمانهما.

وثانيا أن الظاهر تحقق الاستطاعة ـ وهي التمكن من الحج ـ بمجرد البذل ، ومتى تحققت الاستطاعة يصير الوجوب مطلقا ، وحينئذ فيجب كلما يتوقف عليه من المقدمات.

الثاني : لا فرق بين بذل الزاد والراحلة وهبتهما ، وقال في الدروس : إنه لا يجب قبول هبتهما ، ثم تنظّر في الفرق (٢). ووجه النظر معلوم مما قررناه.

الثالث : لا يشترط في الوجوب بالبذل عدم الدين أو ملك ما يوفيه به ، بل يجب عليه الحج وإن بقي الدين ، لإطلاق النص.

الرابع : لو وجد بعض ما يلزمه الحج وعجز عن الباقي فبذل له ما عجز عنه وجب عليه الحج ، لأنه ببذل الجميع مع عدم تمكنه من شي‌ء أصلا يجب عليه ، فمع تمكنه من البعض يكون الوجوب أولى.

الخامس : الأصح أنه لا يجب على المبذول له إعادة الحج بعد اليسار ، وهو قول الأكثر ، للأصل ، وصدق الامتثال ، وصحيحة معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه ، هل يجزي ذلك عنه من حجة الإسلام أو هي ناقصة؟

__________________

(١) المسالك ١ : ٨٩.

(٢) الدروس : ٨٣.

٤٧

ولو وهب له مال يجب عليه قبوله.

ولو استؤجر للمعونة على السفر وشرط له الزاد والراحلة أو بعضه وكان بيده الباقي مع نفقة أهله وجب عليه ، وأجزأه عن الفرض إذا حج عن نفسه.

______________________________________________________

قال : « بل هي حجة تامة » (١).

وقال الشيخ في الاستبصار : تجب عليه الإعادة ، واستدل عليه بما رواه عن الفضل بن عبد الملك ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه ، أقضى حجة الإسلام؟ قال : « نعم ، فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج » (٢) وهي مع ضعف سندها بالإرسال واشتماله على عدة من الواقفية محمولة على الاستحباب ، جمعا بين الأدلة.

قوله : ( ولو وهب له مال لم يجب قبوله ).

علله الشارح ـ قدس‌سره ـ بأن الهبة نوع اكتساب ، وهو غير واجب للحج ، لأن وجوبه مشروط بوجود الاستطاعة ، فلا يجب تحصيل شرطه (٣).

وربما علل باشتماله على المنّة ولا يجب تحملها. ويتوجه على الأول ما سبق ، وعلى الثاني منع تأثير مثل ذلك في سقوط الواجب ، مع أن ذلك بعينه يأتي في بذل عين الزاد والراحلة ، وهو غير ملتفت إليه.

قوله : ( ولو استؤجر للمعونة على السفر وشرط له الزاد والراحلة أو بعضه وكان بيده الباقي مع نفقة أهله وجب عليه ، وأجزأه عن الفرض إذا حج عن نفسه ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٧ ـ ١٧ ، الإستبصار ٢ : ١٤٣ ـ ٤٦٨ ، الوسائل ٨ : ٢٦ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ٢.

(٢) الاستبصار ٢ : ١٤٣ ـ ٤٦٧ ، والرواية في التهذيب ٥ : ٧ ـ ١٨ ، والوسائل ٨ : ٢٧ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ٦.

(٣) المسالك ١ : ٨٩.

٤٨

ولو كان عاجزا عن الحج فحجّ عن غيره لم يجزئه عن فرضه ، وكان عليه الحج إن وجد الاستطاعة.

______________________________________________________

إنما وجب عليه الحج والحال هذه لتحقق الاستطاعة ـ التي هي القدرة‌ على تحصيل الزاد والراحلة ـ بعد إجارة نفسه لذلك ، وإن كانت الإجارة غير واجبة ، لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط.

وأورد هنا إشكال (١) ، وهو أن الوصول إلى مكة والمشاعر قد صار واجبا على الأجير بالإجارة ، فكيف يكون مجزيا عن حجة الإسلام ، وما الفرق بينه وبين ناذر الحج في سنة معينة إذا استطاع في تلك السنة لحجة الإسلام ، حيث حكموا بعدم تداخل الحجتين.

وجوابه : أن الحج الذي هو عبارة عن مجموع الأفعال المخصوصة لم تتعلق به الإجارة ، وإنما تعلقت بالسفر خاصة ، وهو غير داخل في أفعال الحج ، وإنما الغرض منه مجرد انتقال البدن إلى تلك الأمكنة ليقع الفعل ، حتى لو تحققت الاستطاعة فانتقل ساهيا أو مكرها أو على وجه محرم ثم أتى بتلك الأفعال صح الحج ، ولا يعتبر وقوعه لأجل الحج قطعا ، وهذا بخلاف نذر الحج في السنة المعينة ، فإن الحج نفسه يصير واجبا بالنذر ، فلا يكون مجزيا عن حجة الإسلام ، لاختلاف السببين ، مع احتمال التداخل فيه أيضا ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (٢).

قوله : ( ولو كان عاجزا عن الحج فحجّ عن غيره لم يجزئه عن فرضه ، وكان عليه الحج إن وجد الاستطاعة ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا. واستدل عليه في المنتهى (٣) بأن من هذا شأنه يصدق عليه بعد اليسار أنه مستطيع ولم يحج عن نفسه فيجب عليه الحج ، عملا بالمقتضي السالم من المعارض. وبما رواه‌

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٨٩.

(٢) في ص ٩٩.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٥٤.

٤٩

______________________________________________________

الشيخ ، عن آدم بن علي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « من حج عن إنسان ولم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه الله ما يحج به ، ويجب عليه الحج » (١).

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج ، وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج » (٢).

والروايتان ضعيفتا السند (٣) ، مع أن مورد الثانية خلاف محل النزاع ، وبإزائهما أخبار دالة بظاهرها على الاجتزاء بذلك عن حجة الإسلام ، كصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حج عن غيره ، أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال : « نعم » (٤).

وصحيحة جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل ليس له مال حج عن رجل ، أو أحجه رجل ثم أصاب مالا ، هل عليه الحج؟ فقال : « يجزي عنهما » (٥).

وأجاب الشيخ في الاستبصار عن الرواية الأولى بالحمل على أن المراد بحجة الإسلام الحجة المندوب إليها في حال الإعسار ، دون التي تجب في حال اليسار (٦). وهو تأويل بعيد ، مع أنه لا يجري في الرواية الثانية ، إلا أنه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨ ـ ٢٠ ، الإستبصار ٢ : ١٤٤ ـ ٤٦٩ ، الوسائل ٨ : ٣٨ أبواب وجوب الحج ب ٢١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٠ ـ ١٢٦٥ ، التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٢ ، الإستبصار ٢ : ١٤٤ ـ ٤٧٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩ أبواب وجوب الحج ب ٢١ ح ٥.

(٣) بجهالة راوي الأولى واشتراك راوي الثانية بين الضعيف والثقة.

(٤) الكافي ٤ : ٢٧٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٦٠ ـ ١٢٦٤ ، التهذيب ٥ : ٨ ـ ١٩ ، الإستبصار ٢ : ١٤٤ ـ ٤٧١ ، الوسائل ٨ : ٣٩ أبواب وجوب الحج ب ٢١ ح ٤.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٦١ ـ ١٢٦٨ ، الوسائل ٨ : ٣٩ أبواب وجوب الحج ب ٢١ ح ٦.

(٦) الاستبصار ٢ : ١٤٤.

٥٠

الرابع : أن يكون له ما يموّن عياله حتى يرجع ، فاضلا عما يحتاج إليه. ولو قصر ماله عن ذلك لم يجب عليه. ولو حج عنه من يطيق الحج لم يسقط عنه فرضه ، سواء كان واجدا للزاد والراحلة أو فاقدهما.

______________________________________________________

لا خروج عما عليه الأصحاب.

قوله : ( الرابع ، أن يكون له ما يموّن به عياله حتى يرجع ، فاضلا عما يحتاج إليه ، ولو قصر ماله عن ذلك لم يجب ).

المراد بعياله : الواجبي النفقة ، وبالمؤنة : ما يتناول الكسوة وغيرها حيث يحتاجون إليها. وإنما اعتبر ذلك في الاستطاعة ، لأنه حق لآدمي سابق على وجوب الحج ، فكان مقدما عليه ، ولرواية أبي الربيع الشامي : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن السبيل إلى الحج ، فقال : « السعة في المال ، إذا كان يحج ببعض ويبقى بعضا لقوت عياله » (١).

ولا يعتبر حصول المؤذنة دفعة قبل السفر ، بل لو حصلت إدرارا من عقار وغيره كفى. ويعتبر فيها القصد بحسب حالهم ، من غير إسراف ولا تقتير.

قوله : ( ولو حج عنه من يطيق الحج لم يسقط عنه فرضه ، سواء كان واجدا للزاد والراحلة أو فاقدهما ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، لأن الواجب على المستطيع إيقاع الحج مباشرة ، فلا تكون الاستنابة فيه مجزية.

( ولا وجه لقول المصنف : ولو حج عنه من يطيق الحج ، بل كان الأولى أن يقول : ولو حج عنه غيره ) (٢) ولو أريد بمن يطيق الحج من يمكنه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٧ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٥٨ ـ ١٢٥٥ ، التهذيب ٥ : ٢ ـ ١ ، الإستبصار ٢ : ١٣٩ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ٨ : ٢٤ أبواب وجوب الحج ب ٩ ح ١.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ض » : والأوجه لقول المصنف ولو حج عنه غيره.

٥١

وكذا لو تكلف الحج مع عدم الاستطاعة. ولا يجب على الولد بذل ماله لوالده في الحج.

______________________________________________________

الحج عقلا ليتناول المستطيع وغيره أمكن ، لكن لا يخفى ما فيه من السماحة.

قوله : ( وكذا لو تكلف الحج مع فقد الاستطاعة ).

وذلك لأن الحج على هذا الوجه مندوب ، والمندوب لا يجزي عن الواجب كما هو واضح.

قوله : ( ولا يجب على الولد بذل ماله لوالده في الحج ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال الشيخ في النهاية : من لم يملك الاستطاعة وكان له ولد له مال وجب أن يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به على الاقتصاد ويحج (١). وبه قال ابن البراج (٢).

وقال في المبسوط والخلاف : روى أصحابنا أنه إذا كان له ولد له مال وجب أن يأخذ من ماله ما يحج به ، ويجب عليه إعطاؤه (٣). ثم قال في الخلاف : ولم يرو الأصحاب خلاف هذه الرواية ، فدل على إجماعهم عليها.

وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة : وإن كان الرجل لا مال له ولولده مال ، فإنه يأخذ من مال ولده ما يحج به من غير إسراف وتقتير (٤). واستدل له الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن سعيد بن يسار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير ، قال : « نعم ، يحج منه حجة الإسلام » قلت : وينفق منه؟ قال : « نعم » ثم‌

__________________

(١) النهاية : ٢٠٤.

(٢) المهذب ١ : ٢٦٧.

(٣) المبسوط ١ : ٢٩٩ ، والخلاف ١ : ٤١٣.

(٤) لم نعثر عليه في المقنعة ، ولكنه موجود في التهذيب ٥ : ١٥.

٥٢

الخامس : إمكان المسير ، وهو يشتمل على الصحة ، وتخلية السّرب ، والاستمساك على الراحلة ، وسعة الوقت لقطع المسافة.

______________________________________________________

قال : « إن مال الولد لوالده ، إن رجلا اختصم هو ووالده إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقضى أن المال والولد للوالد » (١).

ومنع ابن إدريس (٢) ومن تأخر عنه (٣) من ذلك ، لأن مال الولد ليس مالا للوالد.

وأجاب العلامة في المختلف عن الرواية بالحمل على الاستدانة بعد تحقق الاستطاعة ، أو على من وجب عليه الحج أولا واستقر في ذمته وفرط فيه ثم تمكن من الاقتراض من مال الولد ، فإنه يلزمه ذلك (٤). وهذا الحمل بعيد جدا ، لمنافاته لما تضمنته الرواية من قضاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكيف كان فالأصح ما ذهب إليه المتأخرون ، لأن هذه الرواية لا تبلغ حجة في إثبات هذا الحكم المخالف للأدلة القطعية.

قوله : ( الخامس ، إمكان المسير ، وهو يشتمل على الصحّة ، وتخلية السرب ، والاستمساك على الراحلة ، وسعة الوقت لقطع المسافة ).

هذا الشرط متفق عليه بين العلماء ، قاله في المعتبر (٥). ويدل عليه مضافا إلى عدم تحقق الاستطاعة عرفا مع انتفائه قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة ذريح : « من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديا أو‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥ ـ ٤٤ ، الوسائل ٨ : ٦٣ أبواب وجوب الحج ب ٣٦ ح ١.

(٢) السرائر : ١٢١.

(٣) كالعلامة في المختلف : ٢٥٦ ، والتذكرة ١ : ٣٠١.

(٤) المختلف : ٢٥٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٥٤.

٥٣

فلو كان مريضا بحيث يتضرر بالركوب لم يجب. ولا يسقط باعتبار المرض مع إمكان الركوب. ولو منعه عدو ، أو كان معضوبا لا يستمسك على الراحلة ، أو عدم المرافق مع اضطراره إليه ، سقط الفرض.

______________________________________________________

نصرانيا » (١).

قوله : ( فلو كان مريضا بحيث يتضرر بالركوب لم يجب ، ولا يسقط باعتبار المرض مع إمكان الركوب ).

المراد بالتضرر بالركوب حصول المشقة الشديدة منه. ولا خلاف في كون ذلك مسقطا للفرض ، لما في التكليف بالحج مع من العسر والحرج المنفيين بالآية والرواية.

ولو كان المرض يسيرا لا يشق معه الركوب لم يسقط الحج باعتباره قطعا ، تمسكا بعموم الآية السالم من معارضة الحرج المنفي.

قوله : ( ولو منعه عدو ، أو كان معضوبا لا يستمسك على الراحلة ، أو عدم المرافق مع اضطراره إليه ، سقط الفرض ).

لا ريب في سقوط الفرض في جميع هذه الصور ، لعدم تحقق الاستطاعة مع هذه العوارض ، ولما في التكليف بالحج معها من الضرر والحرج والعسر ، والكل منفي.

والمعضوب لغة : الضعيف (٢) ، والزمن لا حراك به ، قاله في القاموس (٣). فعلى المعنى الأول يكون الوصف بعدم الاستمساك مخصصا ، وعلى الثاني كاشفا.

والمراد بالاستمساك المنفي : ما يتناول الاستمساك على القتب‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٦٢ ـ ١٦١٠ ، الوسائل ٨ : ١٩ أبواب وجوب الحج ب ٧ ح ١.

(٢) الصحاح ١ : ١٨٤.

(٣) القاموس المحيط ١ : ١٠٩.

٥٤

وهل تجب الاستنابة مع المانع من مرض أو عدو؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وقيل ، لا.

______________________________________________________

والمحمل ، فلو عجز عن الاستمساك على القتب وأمكنه الاستمساك في المحمل وتمكن منه وجب.

قوله : ( وهل تجب الاستنابة مع المانع من مرض أو عدو؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا ).

موضع الخلاف ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب ، أما لو استقر ثم عرض المانع وجبت الاستنابة قولا واحدا ، كما ذكره الشارح (١) وغيره (٢). والقول بوجوب الاستنابة للشيخ (٣) وأبي الصلاح (٤) وابن الجنيد (٥) وابن البراج (٦) وغيرهم. وقال ابن إدريس : لا تجب (٧). واستقربه في المختلف (٨).

والمعتمد الأول ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن كان موسرا حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله فيه فإن عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له » (٩).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كان علي صلوات الله عليه يقول : لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٩٠ ، والروضة البهية ٢ : ١٦٧.

(٢) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٧٩.

(٣) المبسوط ١ : ٢٩٩ ، والخلاف ١ : ٤١٤ ، والنهاية : ٢٠٣.

(٤) الكافي في الفقه : ٢١٩.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٥٧.

(٦) المهذب ١ : ٢٦٧.

(٧) السرائر : ١٢٠.

(٨) المختلف : ٢٥٧.

(٩) الكافي ٤ : ٢٧٣ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٤٠٣ ـ ١٤٠٥ ، الوسائل ٨ : ٤٤ أبواب وجوب الحج ب ٢٤ ح ٢.

٥٥

______________________________________________________

خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه » (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر شيخنا كبيرا لم يحج قط ولم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه » (٢).

ورواية علي بن أبي حمزة ، قال : سألته عن رجل مسلم حال بينه وبين الحج مرض ، أو أمر يعذره الله فيه ، فقال : « عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له » (٣).

احتج العلامة في المختلف بأصالة البراءة ، وبأن الاستطاعة شرط وهي مفقودة هنا ، فيسقط الوجوب قضية للشرط (٤). وجوابه أن الأصل يرتفع بالدليل وقد بيناه ، والاستطاعة شرط في وجوب الحج مباشرة ولا نزاع فيه.

وإنما تجب الاستنابة مع اليأس من البرء ، فلو رجا البرء لم تجب عليه الاستنابة إجماعا ، قاله في المنتهى (٥) ، تمسكا بمقتضى الأصل السالم من معارضة الأخبار المتقدمة ، إذ المتبادر منها تعلق الوجوب بمن حصل له اليأس من زوال المانع ، والتفاتا إلى أنه لو وجبت الاستنابة مع المرض مطلقا لم يتحقق اعتبار التمكن من المسير في حق أحد من المكلفين ، إلا أن يقال إن اعتبار ذلك إنما هو في الوجوب البدني خاصة ( وهو بعيد ) (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٧٣ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٤ ـ ٤٠ ، الوسائل ٨ : ٤٤ أبواب وجوب الحج ب ٢٤ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٣ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦٠ ـ ١٢٦٣ ، التهذيب ٥ : ٤٦٠ ـ ١٦٠١ ، الوسائل ٨ : ٤٥ أبواب وجوب الحج ب ٢٤ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ٢٧٣ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٤ ـ ٣٩ ، الوسائل ٨ : ٤٥ أبواب وجوب الحج ب ٢٤ ح ٧.

(٤) المختلف : ٢٥٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٥٥.

(٦) ليس في « ض ».

٥٦

______________________________________________________

وربما لاح من كلام الشهيد في الدروس وجوب الاستنابة مع عدم اليأس من البرء على التراخي (١). وهو ضعيف ، نعم قال في المنتهى باستحباب الاستنابة والحال هذه (٢). ولا بأس به.

ولو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجبت عليه الإعادة ، لأن ما فعله أولا لم يكن واجبا ، فلا يجزي عن الواجب.

ولو اتفق موته قبل حصول اليأس لم يجب القضاء عنه ، لعدم حصول شرطه الذي هو استقرار الحج أو اليأس من البرء.

فروع :

الأول : يستفاد من صحيحة الحلبي المتقدمة (٣) أنه لا فرق في وجوب الاستنابة بين أن يكون المانع من الحج مرضا ، أو ضعفا أصليا ، أو هرما ، أو عدوا ، وأنه لا فرق بين من استقر الحج في دمته وغيره.

الثاني لو لم يجد الممنوع مالا لم تجب عليه الاستنابة قطعا. وكذا لو وجد المال ولم يجد من يستأجره ، فإنه يسقط فرضه إلى العام المقبل. ولو وجد من يستأجره بأكثر من أجرة المثل وجب مع المكنة.

الثالث : لو وجد الممنوع الذي لا مال له من يعطيه مالا لأداء الحج لم يجب عليه قبوله ، لأن الاستنابة إنما تجب على الموسر على ما تضمنته الأخبار المتقدمة. ولا يقاس على الصحيح إذا بذل له الزاد والراحلة حيث وجب عليه الحج بذلك ، لاختصاصه بالنص ، وبطلان القياس.

الرابع : قال في الدروس : لو وجب عليه الحج بإفساد أو نذر فهو كحجة الإسلام ، بل أقوى (٤). وهو غير واضح في النذر ، بل ولا الإفساد‌

__________________

(١) الدروس : ٨٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٥٥.

(٣) في ص ٥٥.

(٤) الدروس : ٨٦.

٥٧

فإن أحجّ نائبا واستمر المانع فلا قضاء ، وإن زال وتمكن وجب عليه ببدنه. ولو مات بعد الاستقرار ولم يؤدّ قضي عنه.

______________________________________________________

أيضا إن قلنا إن الثانية عقوبة ، لأن الحكم بوجوب الاستنابة على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص ، وهو حج الإسلام. والنذر والإفساد إنما اقتضيا وجوب الحج مباشرة ، وقد سقط بالتعذر.

ثم إن قلنا بوجوب الاستنابة ، فلو اجتمع على الممنوع حجتان جاز له استنابة اثنين في عام واحد ، لعدم اعتبار الترتيب بينهما ، كما في قضاء الصوم.

الخامس : لو استناب الممنوع فزال عذره قبل التلبس بالإحرام انفسخت النيابة فيما قطع به الأصحاب ، ولو كان بعد الإحرام احتمل الإتمام والتحلل ، وعلى الأول فإن استمر الشفاء حج ثانيا ، وإن عاد المرض قبل التمكن فالأقرب الإجزاء.

قوله : ( فإن أحج نائبا واستمر المانع فلا قضاء ، وإن زال وتمكن وجب عليه ببدنه ، ولو مات بعد الاستقرار ولم يؤدّ قضى عنه ).

أما سقوط القضاء مع استمرار المانع فلا ريب فيه ، لتحقق الامتثال. وأما وجوب الحج مع زوال المانع والتمكن منه فعزاه المصنف في المعتبر إلى الشيخ في النهاية والمبسوط (١) ، وظاهر العلامة في التذكرة أنه لا خلاف فيه بين علمائنا ، واستدل عليه بأن ما فعله كان واجبا في ماله وهذا يلزمه في نفسه (٢) ، ومرجعه إلى إطلاق الأمر بالحج المتناول لجميع المكلفين ممن لم يحج ، ومن استناب في الحج لا يصدق عليه أنه حج حقيقة ، فيتناوله الإطلاق. واحتمل بعض الأصحاب عدم الوجوب كما لو لم يبرأ ، للأصل ، ولأنه أدّى حج الإسلام بأمر الشارع ، فلم يلزمه حج ثان كما لو حج‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٥٦.

(٢) التذكرة ١ : ٣٠٣.

٥٨

ولو كان لا يستمسك خلقة ، قيل : يسقط الفرض عن نفسه وماله ، وقيل : تلزمه الاستنابة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

بنفسه (١). وهذا الاحتمال غير بعيد ، إلا أنّ الأول أقرب ، تمسكا بإطلاق الأمر.

ومتى وجب عليه الحج فأخل به مع القدرة قضي عنه بعد الموت كغيره.

قوله : ( ولو كان لا يستمسك خلقة ، قيل : يسقط الفرض عن نفسه وماله ، وقيل : تلزمه الاستنابة ، والأول أشبه ).

الأصح لزوم الاستنابة ، لإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « إن كان موسرا حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله فيه فإنّ عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له » (٢) وهو كما يتناول المانع العارضي يتناول الخلقي.

وإنما حكم المصنف بسقوط الفرض هنا لاختصاص أكثر الأخبار المتضمنة لوجوب الاستنابة بمن عرض له العجز (٣) ، حتى أن المصنف في المعتبر (٤) اقتصر على إيراد تلك الأخبار (٥) ، ولم يورد رواية الحلبي المتناولة للجميع.

ورجح الشارح ـ قدس‌سره ـ وجوب الاستنابة ، لعدم العلم بالقائل بالفرق ، ولما ورد في بعض الروايات ، قال : سألته عن رجل مسلم حال بينه‌

__________________

(١) كالكركي في جامع المقاصد ١ : ١٥٩.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٣ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٤٠٣ ـ ١٤٠٥ ، الوسائل ٨ : ٤٤ أبواب وجوب الحج ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٣ أبواب وجوب الحج ب ٢٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٥٦.

(٥) راجع ص ٥٦.

٥٩

ولو احتاج في سفره إلى حركة عنيفة للالتحاق أو الفرار فضعف سقط الوجوب في عامه ، وتوقّع المكنة في المستقبل. ولو مات قبل التمكن والحال هذه لم يقض عنه.

______________________________________________________

وبين الحج أمر يعذره الله فيه ، قال : « عليه أن يحج عنه من ماله » (١). وهو احتجاج ضعيف ، فإن إحداث القول في المسألة لا يتوقف على وجود القائل إذا لم ينعقد الإجماع على خلافه كما بيناه مرارا. والرواية التي أوردها لا تنهض حجة ، لأن راويها علي بن أبي حمزة ، وقال النجاشي : إنه كان أحد عمد الواقفة (٢).

قوله : ( ولو احتاج في سفره إلى حركة عنيفة للالتحاق أو الفرار فضعف سقط الوجوب في عامه ، وتوقّع المكنة في المستقبل ، ولو مات قبل التمكن والحال هذه لم يقض عنه ).

لا ريب في سقوط الوجوب مع العجز عن الحركة المحتاج إليها في السفر ، وكذا مع المشقة الشديدة اللازمة من ذلك ، لما في التكليف بالحج معها من الحرج والعسر المنفيين بالآية والرواية. ومنه يعلم سقوط القضاء لو مات قبل التمكن من الحج ، لانتفاء شرط الوجوب ، وهو استقرار الحج في الذمة.

ويستفاد من هذه العبارة وغيرها أن من هذا شأنه لو تكلف وتحمل المشقة فأدرك الحج لم يجزئه عن حج الإسلام ، وكذا المريض والممنوع بالعدو ، لعدم تحقق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب ، فكان كما لو تكلفه الفقير ، وبذلك صرح العلامة في التذكرة حيث قال بعد أن ذكر هذه الشرائط : إن من الشرائط ما هو شرط في الصحة والوجوب ، وهو العقل ، لأن المجنون لا يجب عليه الحج ولا يصح منه ، ومنها ما هو شرط في الصحة دون الوجوب ، وهو الإسلام ، ومنها ما هو شرط في الوجوب دون الصحة وهو‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٩٠.

(٢) رجال النجاشي : ١٧٥.

٦٠