مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

وأما الكيفية : فالواجب النيّة. والوقوف بالمشعر. وحدّه ما بين المأزمين إلى الحياض ، إلى وادي محسّر.

______________________________________________________

العشاء ، لما بيناه فيما سبق من انتفاء ما يدل على خروج وقتها بذهاب الشفق.

قوله : ( وأما الكيفية ، فالواجب : النية ).

وهي قصد الفعل طاعة لله عزّ وجلّ ، والتعرض للوجه مع تعيين نوع الحج أحوط.

قوله : ( والوقوف بالمشعر ، وحدّه : ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر ).

المأزم بالهمزة الساكنة وكسر الزاء : كل طريق ضيق بين جبلين ، ومنه سمي الموضع الذي بين جمع وعرفة مأزمين ، قاله الجوهري (١). وقال في القاموس : والمأزم ويقال المأزمان مضيق بين جمع وعرفة ، وآخر بين مكة ومنى (٢).

وهذا التحديد مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعلم فيه خلافا (٣). ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، قال : حد المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر (٤).

وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أنه قال للحكم بن عتيبة : ما حد المزدلفة؟ فسكت ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) الصحاح ٥ : ١٨٦١.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٧٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٢٦.

(٤) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ١.

٤٢١

ولا يقف بغير المشعر ، ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل. ولو نوى الوقوف ثم نام أو جنّ أو أغمي عليه صحّ وقوفه ، وقيل : لا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

« حدها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسر » (١).

قوله : ( ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلوا عليه بما رواه الكليني في الموثق ، عن سماعة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال : « يرتفعون إلى المأزمين » (٢).

وجوز الشهيدان (٣) وجماعة الارتفاع إلى الجبل اختيارا ، وهو مشكل ، لرواية زرارة المتقدمة (٤) ، حيث جعل فيها الجبل من حدود المشعر الخارجة عن المحدود. وقال في الدروس : والظاهر أن ما أقبل من الجبال من المشعر دون ما أدبر منها (٥).

قوله : ( ولو نوى الوقوف ثم نام أو جنّ أو أغمي عليه صح وقوفه ، وقيل : لا ، والأول أشبه ).

القول بالصحة هو المعروف من مذهب الأصحاب ، لأن الركن من الوقوف مسماه ، وهو يحصل بأن يسير بعد النية ، ولأن من دفع عمدا قبل طلوع الشمس لا يفسد حجه ، فكيف يتصور الفساد مع الخروج عن التكليف.

ولم نقف في هذا الحكم على مخالف صريحا ، نعم ذكر الشيخ في‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧١ ـ ٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٩ ح ١.

(٣) الشهيد الأول في الدروس : ١٢٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٣.

(٤) المتقدم في هامش ١.

(٥) الدروس : ١٢٢.

٤٢٢

وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر ،

______________________________________________________

المبسوط عبارة مقتضاها أنه يعتبر الإفاقة من الجنون والإغماء في الموقفين ، ثم قال : وكذلك حكم النوم سواء (١).

والأولى أن يقول : يصح منه الوقوف بالموقفين وإن كان نائما ، لأن الفرض الكون فيه لا الذكر ، وليس في كلامه ـ رحمه‌الله ـ دلالة على عدم صحة الوقوف إذا عرض أحد هذه الأعذار بعد النية كما هو المنقول في العبارة ، لكن ما ذكره من عدم الفرق بين الإغماء والجنون وبين النوم غير جيد. وكيف كان فينبغي القطع بالصحة مع الإتيان بالركن ، أعني ما يصدق عليه مسمّى الوقوف بعد النية ، والبطلان بدونه.

قوله : ( وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى التأسي‌ قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل وإن شئت حيث تبيت ، فإذا وقفت فاحمد الله عزّ وجلّ » (٢) الحديث.

وليس في العبارة دلالة على وجوب المبيت بالمشعر ، وظاهر الأكثر وجوبه ، وقال في التذكرة : إنه ليس بواجب (٣). والأصح الوجوب ، للتأسي ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية : « ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة » (٤) وعلى هذا فلو نوى المكلف الكون بها إلى طلوع الشمس اجتزأ‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٨٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٩ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٩١ ـ ٦٣٥ ، الوسائل ١٠ : ٤٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١١ ح ١.

(٣) التذكرة ١ : ٣٧٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٨٨ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٠ ح ١. ولكن فيها : معاوية بن عمار وحماد ، عن الحلبي.

٤٢٣

فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا ولو قليلا لم يبطل حجه إذا كان وقف بعرفات ، وجبره بشاة.

______________________________________________________

بذلك عن تجديد النية بعد الفجر ، أما لو نوى المبيت خاصة وجب التجديد ، والأمر في النية سهل كما بيناه مرارا.

قوله : ( فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا ولو قليلا لم يبطل حجه إذا كان وقف بعرفات ، وجبره بشاة ).

هذا التفريع لا يلائم المفرّع عليه ، أعني كون الوقوف الواجب بالمشعر بعد طلوع الفجر ، وربما ظهر من العبارة كون المبيت واجبا ، وإلا لم يكن مجزيا عن الوقوف الواجب ، لأن المستحب لا يجزي عن الواجب ، مع احتمال الاجتزاء به ، إذ لا دليل على امتناعه.

وهذا الحكم ، أعني صحة الحج مع تعمد الإفاضة قبل الفجر وجبره بشاة مذهب أكثر الأصحاب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن مسمع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال : « إن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة » (١).

وهذه الرواية ضعيفة السند باشتماله على سهل بن زياد وهو عامي ، وبأن راويها وهو مسمع غير موثق ، فيشكل التعويل على روايته ، نعم روى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه هذه الرواية بطريق صحيح عن علي بن رئاب عن مسمع (٢) ، فينتفي الطعن الأول ويبقى الثاني.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٣ ـ ٦٤٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٦ ـ ٩٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٦ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٤ ـ ١٣٩٣.

٤٢٤

______________________________________________________

وربما استدل على عدم فساد الحج بذلك بصحيحة هشام بن سالم وغيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس : « لا بأس به » ، والتقدم من المزدلفة إلى منى ، يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى : « لا بأس » (١) وهو استدلال ضعيف ، فإنها محمولة على المضطر وما في معناه ، لامتناع حملها على ظاهرها إجماعا ، فلا يتم الاستدلال بها على المطلوب.

وقال ابن إدريس : إن من أفاض قبل طلوع الفجر عامدا مختارا يبطل حجة ، لأن الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ركن ، فيبطل بالإخلال به (٢).

وأجاب عنه العلامة في المنتهى بالمنع من ذلك ، قال : فإنا لا نسلم له أن الوقوف بعد طلوع الفجر ركن ، نعم مطلق الوقوف ليلة النحر أو يومه ركن ، أما بعد طلوع الفجر فلا نسلم له ذلك ، وكون الوقوف يجب أن يكون بعد طلوع الفجر لا يعطي كون الوقوف في هذا الوقت ركنا (٣). وهو غير جيد ، فإن مجرد الحكم بوجوب الوقوف بعد الفجر كاف في عدم تحقق الامتثال بدون الإتيان به إلى أن تثبت الصحة مع الإخلال به بدليل من خارج.

ثم قال : وقول ابن إدريس لا نعرف لا موافقا فكان خارقا للإجماع (٤). وضعفه ظاهر ، فإن عدم العلم بالموافق لا يقتضي انعقاد الإجماع على خلافه.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٣ ـ ٦٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٦ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٨.

(٢) السرائر : ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٢٦.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٢٥.

٤٢٥

______________________________________________________

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن الاجتزاء بالمبيت إنما يتم إذا كان قد نوى الوقوف ليلا ، وإلا كان كتارك الوقوف (١). وهو مشكل ، لأن الوقوف لغير المضطر وما في معناه إنما يقع نهارا فكيف تتحقق نيته ليلا.

واعلم أنه يستفاد من قول المصنف رحمه‌الله : إذا كان قد وقف بعرفات ، أن الوقوف بالمشعر ليلا ليس اختياريا محضا وإلا لأجزأ وإن لم يقف بعرفة إذا كان الترك على غير وجه العمد.

قال الشارح قدس‌سره : وعلى ما اخترناه من إجزاء اضطراري المشعر وحده يجزي هنا بطريق أولى ، لأن الوقوف الليلي بالمشعر فيه شائبة الاختياري ، للاكتفاء به للمرأة اختيارا ، وللمضطر ، وللمتعمد مطلقا مع جبره بشاة ، والاضطراري المحض ليس كذلك (٢).

ويمكن المناقشة فيه بأن الاجتزاء باضطراري المشعر إنما يثبت بقوله عليه‌السلام في صحيحة جميل بن دراج : « من أدرك المشعر الحرام يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج » (٣). ونحو ذلك ، ولا يلزم من ذلك الاجتزاء بالوقوف الليلي مطلقا. ورواية مسمع (٤) المتضمنة للاجتزاء بالوقوف الليلي لا تدل على العموم ، إذ المتبادر منها تعلق الحكم بمن أدرك عرفة.

نعم قوله عليه‌السلام : « من أدرك جمعا فقد أدرك الحج » عام فيمكن الاستدلال بعمومه على موضع النزاع ، إلا أن المتبادر من الإدراك تحققه في آخر الوقت ، لا قبله أو في أوله ، والمسألة من أصلها قوية الإشكال ، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

__________________

(١) المسالك ١ : ١١٤.

(٢) المسالك ١ : ١١٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩١ ـ ٩٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٤ ـ ١٠٨٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٩.

(٤) التهذيب ٥ : ١٩٣ ـ ٦٤٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٦ ح ١.

٤٢٦

ويجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن يخاف على نفسه من غير جبران.

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن يخاف على نفسه من غير جبران ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : ويجوز للخائف والنساء ولغيرهم من أصحاب الأعذار ومن له ضرورة الإفاضة قبل طلوع الفجر من مزدلفة ، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم (١). ويدل عليه روايات كثيرة ، منها قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ثم أفاض وأمر الناس بالدعة ، حتى إذا انتهى إلى المزدلفة وهو المشعر الحرام فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، ثم أقام فصلى فيها الفجر ، وعجل ضعفاء بني هاشم بالليل ، وأمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس » (٢).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن ابن مسكان عن أبي بصير والظاهر أنه ليث المرادي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا بأس بأن تقدم النساء إذا زال الليل ، فيقفن عند المشعر ساعة ، ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة ، ثم يصبرن ساعة ، ثم يقصرن وينطلقن إلى مكة » (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن سعيد الأعرج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهنّ بليل؟ قال : « نعم ، تريد أن تصنع كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ » قلت : نعم ، قال : « أفض بهن بليل ، ولا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع ، ثم‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٢٦.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ٨ : ١٥٠ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٣ ـ ١٣٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٥١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٧.

٤٢٧

ولو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي‌ء.

ويستحب الوقوف بعد أن يصلي الفجر وأن يدعو بالدعاء المرسوم ،

______________________________________________________

أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن أو يقصرن من أظفارهن ، ثم يمضين إلى مكة في وجوههن ، ويطفن بالبيت ، ويسعين بين الصفا والمروة ، ثم يرجعن إلى البيت فيطفن أسبوعا ، ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجهن » (١).

وفي الحسن عن جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا » (٢).

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنساء والصبيان أن يفيضوا بالليل ، وأن يرموا الجمار بالليل ، وأن يصلوا الغداة في منازلهم » (٣).

ويستفاد من رواية أبي بصير المتقدمة ورواية سعيد الأعرج أن من هذا شأنه يقف الوقوف الواجب ليلا ثم يفيض.

قوله : ( ولو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي‌ء ).

هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، ولم أقف على رواية تدل عليه صريحا ، وربما أمكن الاستدلال عليه بفحوى ما دل على جواز ذلك للمضطر وما في معناه ، وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان.

قوله : ( ويستحب الوقوف بعد أن يصلي الفجر ، وأن يدعو‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٥ ـ ٦٤٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٤ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٩٤ ـ ٦٤٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٧ ـ ٩٠٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٤ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٤ ـ ٦٤٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٧ ـ ٩٠٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٣.

٤٢٨

أو ما يتضمن الحمد لله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام.

______________________________________________________

بالدعاء المرسوم ، أو ما يتضمن الحمد لله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله عليهم السلام ).

ذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن المراد بالوقوف هنا القيام للدعاء والذكر ، وأما الوقوف المتعارف بمعنى الكون فهو واجب من أول الفجر ، فلا يجوز تأخير نيته إلى أن يصلي (١). وفي دلالة الأخبار على ذلك نظر.

والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار المعتبرة ما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل وإن شئت حيث تبيت ، فإذا وقفت فاحمد الله عزّ وجلّ وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه ، وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليكن من قولك : اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار ، وأوسع عليّ من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس ، اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مرغوب وخير مسئول ، ولكل وافد جائزة ، فاجعل جائزتي في موطني هذا أن تقيلني عثرتي ، وتقبل معذرتي ، وأن تجاوز عن خطيئتي ، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي ، ثم أفض حين يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع أخفافها » (٢).

وليس في هذه الرواية ذكر للنية ، لكن الظاهر منها أن الوقوف المأمور به الوقوف الواجب ، ولا يبعد أن يكون ذلك هو المراد في عبارة المصنف.

وقال العلامة في المنتهى : ويستحب أن يقف بعد أن يصلي الفجر ، ولو وقف قبل الصلاة إذا كان قد طلع الفجر أجزأه (٣). وهو كالصريح في إرادة‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١١٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٩ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١١ ح ١.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٢٤.

٤٢٩

وأن يطأ الصرورة المشعر برجله ،

______________________________________________________

هذا المعنى.

وبالجملة فما ذكره الشارح من الحمل إنما يتجه إذا ثبت وجوب مقارنة الوقوف الواجب لطلوع الفجر ، وهو غير واضح المأخذ.

قوله : ( وأن يطأ الصرورة المشعر برجله ).

يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، وانزل بطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر ، ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر أو يطأه برجله » (١).

وعن أبان بن عثمان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام ، وأن يدخل البيت » (٢).

والظاهر أن الوطء بالرجل يتحقق مع النعل والحفاء.

واختلف كلام الأصحاب في تفسير المشعر ، فقال الشيخ : إنه جبل هناك يسمى قزح (٣). وفسره ابن الجنيد بما قرب من المنارة (٤). قال في الدروس : والظاهر أنه المسجد الموجود الآن (٥). والذي نص عليه أهل اللغة أن المشعر هو المزدلفة (٦). وعليه دلت صحيحة معاوية بن عمار المتضمنة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٨ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ١ وص ٤١ ب ٧ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٦٨ ـ ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٩١ ـ ٦٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٧ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٦٩ ـ ٣.

(٣) المبسوط ١ : ٣٦٨ وفيه : فراخ ، مكان قزح.

(٤) نقله عنه في الدروس : ١٢٢.

(٥) الدروس : ١٢٢.

(٦) انظر القاموس المحيط ٢ : ٦١ ، ولسان العرب ٤ : ٤١٤ ، وأقرب الموارد ١ : ٥٩٥.

٤٣٠

وقيل : يستحب الصعود على قزح وذكر الله عليه.

مسائل خمس :

الأولى : وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وللمضطر إلى زوال الشمس.

______________________________________________________

لتحديد المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر (١). لكن مقتضى قوله عليه‌السلام في رواية الحلبي المتقدمة : « انزل بطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر » (٢) أن المشعر أخص من المزدلفة.

وقال ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه : ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر برجله أو براحلته إن كان راكبا (٣). وهو كالصريح في أن المشعر غير المزدلفة ، اللهم إلا أن يكون المراد أن المستحب أن لا يكون محمولا على غير البعير ، وهو بعيد.

قوله : ( وقيل يستحب الصعود على قزح وذكر الله عليه ).

القول للشيخ (٤) ، ولم نقف له على مستند بخصوصه من طريق الأصحاب ، نعم روى العامة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أردف الفضل بن عباس ووقف على قزح ، وقال : « إن هذا قزح ، وهو الموقف ، وجمع كلها موقف » (٥) وقزح ـ كزفر ـ : جبل بالمزدلفة ، قاله في القاموس (٦).

قوله : ( الأولى ، وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وللمضطر إلى زوال الشمس ).

هذان الحكمان إجماعيان عندنا ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ١.

(٢) في ص ٤٣٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨١.

(٤) المبسوط ١ : ٣٦٨.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ ـ ١٩٣٥ ، سنن الترمذي ٢ : ١٨٥ ـ ٨٨٦.

(٦) القاموس المحيط ١ : ٢٥٣.

٤٣١

الثانية : من لم يقف بالمشعر ليلا ولا بعد الفجر عامدا بطل حجه. ولو ترك ذلك ناسيا لم يبطل إن كان وقف بعرفة.

______________________________________________________

عليهما (١). وحكى ابن إدريس عن السيد المرتضى أنه قال : إن وقت الوقوف بالمشعر جميع اليوم من يوم العيد ، فمن أدرك المشعر قبل غروب الشمس من يوم العيد فقد أدرك المشعر (٢). وقال في المختلف : وهذا النقل غير سديد ، وكيف يخالف السيد جميع علمائنا ، فإنهم نصوا على أن الوقت الاضطراري للمشعر إلى زوال الشمس من يوم النحر (٣). ثم أطال الكلام في ذلك وبين وجه الوهم ، والأمر كما قال.

قوله : ( الثانية ، من لم يقف بالمشعر ليلا ولا بعد الفجر عامدا بطل حجه ، ولو ترك ذلك ناسيا لم يبطل إن كان وقف بعرفة ).

مقتضى العبارة إدراك الحج باختياري عرفة وحده مع النسيان كما يدرك باختياري المشعر ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، وأن الأظهر عدم الاكتفاء باختياري عرفة خاصة (٤). كما اختاره في المنتهى (٥).

وإطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في بطلان الحج بتعمد ترك الوقوف بالمشعر بين العالم والجاهل ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ ، عن عبيد الله وعمران ابني علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » (٦).

وقد ورد في بعض الروايات ما يدل على عدم بطلان حج الجاهل بذلك‌

__________________

(١) في ص ٤٣٠.

(٢) السرائر : ١٤٦.

(٣) المختلف : ٣٠٠.

(٤) في ص ٤٠٥.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٢٨.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٩٢ ـ ٩٩١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٥ ـ ١٠٨٩ ، الوسائل ١٠ : ٦٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ١.

٤٣٢

______________________________________________________

كرواية محمد بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى فقال : « ألم ير الناس لم ينكر منى حين دخلها!؟ » قلت : فإنه جهل ذلك ، قال : « يرجع » قلت : إن ذلك قد فاته قال : « لا بأس » (١) ( ومقتضى الرواية عدم بطلان الحج بفوات الوقوف بالمشعر جهلا ) (٢).

وأجاب عنها الشيخ في كتابي الأخبار بالحمل على من ترك كمال الوقوف جهلا وقد أتى باليسير منه (٣) ، واستدل على هذا التأويل بما رواه عن محمد بن حكيم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلحك الله الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة تكون مع الجمال الأعرابي ، فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا قال : « أليس قد صلوا بها فقد أجزأهم » قلت : فإن لم يصلوا؟ قال : « فذكروا الله فيها ، فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم » (٤).

وعن أبي بصير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إن صاحبي هذين جهلا أن يقفا بالمزدلفة فقال : « يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة » قلت : فإنه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم وقد نفر الناس ، قال : فنكس رأسه ساعة ثم قال : « أليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ » قلت : بلى ، قال : « أليس قد قنتا في صلاتهما؟ » قلت : بلى ، قال : « تم حجهما » ثم قال : « المشعر من المزدلفة ، والمزدلفة من المشعر ، وإنما‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٣ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٩٣ ـ ٩٩٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٥ ـ ١٠٩١ ، الوسائل ١٠ : ٦٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ٦.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٣) التهذيب ٥ : ٢٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٣ ـ ٩٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٦ ـ ١٠٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٦٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ٣.

٤٣٣

ولو تركهما جميعا بطل حجه ، عمدا أو نسيانا.

الثالثة : من لم يقف بعرفات وأدرك المشعر قبل طلوع الشمس صحّ حجه ، ولو فاته بطل. ولو وقف بعرفات جاز له تدارك المشعر إلى قبل الزوال.

______________________________________________________

يكفيهما اليسير من الدعاء » (١).

ولا يخفى ما في هذا الحمل من البعد ، إلا أن قصور هذه الروايات من حيث السند يمنع من العمل بها.

قوله : ( ولو تركهما جميعا بطل حجه عمدا كان أو نسيانا ).

هذا موضع وفاق بين العلماء ، ويدل عليه مضافا إلى عدم صدق الامتثال مع الإخلال بذلك قوله عليه‌السلام في رواية عبيد الله وعمران ابني علي الحلبيين « إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » (٢) ومفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « من أدرك جمعا فقد أدرك الحج » (٣).

قوله : ( الثالثة ، من لم يقف بعرفات وأدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجه ، ولو فاته بطل ، ولو وقف بعرفات جاز له تدارك المشعر إلى قبل الزوال ).

بل الأظهر إدراك الحج بإدراك اضطراري المشعر خاصة ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة جميل : « من أدرك الموقوف بجمع يوم النحر من قبل‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٩٣ ـ ٩٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٦ ـ ١٠٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٦٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٢ ـ ٩٩١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٥ ـ ١٠٨٩ ، الوسائل ١٠ : ٦٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٦ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٤ ـ ١٣٩٤ ، التهذيب ٥ : ٢٩٤ ـ ٩٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ ـ ١٠٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٦٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ١.

٤٣٤

الرابعة : من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ،

______________________________________________________

أن تزول الشمس فقد أدرك الحج » (١) وقد تقدم الكلام في ذلك (٢).

قوله : ( الرابعة ، من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ).

أجمع العلماء كافة على أن من لم يقف بالموقفين في وقتهما فاته الحج. وأجمع علماؤنا على أن من فاته الحج تسقط عنه بقية أفعاله ، ويتحلل بعمرة مفردة ، حكى ذلك العلامة في التذكرة والمنتهى (٣) ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من أدرك جمعا فقد أدرك الحج » قال ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أيما حاج سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » (٤).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار أيضا قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل خرج حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف ، قال : « يقيم مع الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل وعليه الحج من قابل ، يحرم من حيث أحرم » (٥).

وفي الصحيح عن حريز ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مفرد الحج فاته الموقفان جميعا ، فقال : « له إلى طلوع الشمس يوم‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٦ ـ ٣ ، وفي الفقيه ٢ : ٢٤٣ ـ ١١٦٢ ، والتهذيب ٥ : ٢٩١ ـ ٩٨٨ ، والاستبصار ٢ : ٣٠٤ ـ ١٠٨٧ ، والوسائل ١٠ : ٥٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٩ ، بتفاوت يسير.

(٢) في ص ٤٠٤.

(٣) التذكرة ١ : ٣٩٨ ، والمنتهى ٢ : ٨٥٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٤ ـ ٩٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ ـ ١٠٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٦٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٥ ـ ٩٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ١٠ : ٦٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٣.

٤٣٥

______________________________________________________

النحر ، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل » (١).

وصرح العلامة في المنتهى (٢) وغيره (٣) بأن معنى تحلله بالعمرة أنه ينقل إحرامه بالنية من الحج إلى العمرة المفردة ، ثم يأتي بأفعالها. ويحتمل قويا انقلاب الإحرام إليها بمجرد الفوات ، كما هو ظاهر اختيار العلامة في موضع من القواعد (٤) ، والشهيد في الدروس (٥) ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية المتقدمة : « يقيم مع الناس حراما أيام التشريق ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى » الحديث وفي صحيحة ضريس « يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حتى يدخل مكة ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء » (٦) دلت الروايتان على وجوب الإتيان بأفعال العمرة على من فاته الحج من غير تعرض لنقل النية ، فلا يكون معتبرا.

ولا ينافي ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « فليجعلها عمرة » (٧) لأن الظاهر أن معنى جعلها عمرة الإتيان بأفعال العمرة. ولا ريب أن العدول أولى وأحوط.

وهذه العمرة واجبة بالفوات فلا تجزي عن عمرة الإسلام.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨٠ ـ ١٧٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٤ ـ ١٠٨٤ ، الوسائل ١٠ : ٦٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٥٤.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٤.

(٤) القواعد ١ : ٨٧.

(٥) الدروس : ١٢٣.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٤٣ ـ ١١٦٠ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ٢٩٥ ـ ١٠٠١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ ـ ١٠٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٦٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٩٤ ـ ٩٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ ـ ١٠٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٦٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ١‌

٤٣٦

ثم يقضيه إن كان واجبا على الصفة التي وجبت ، تمتعا أو قرانا أو إفرادا.

______________________________________________________

وهل يجب الهدي على فائت الحج؟ قيل : لا (١) ، وهو المشهور بين الأصحاب ، تمسكا بمقتضى الأصل. وحكى الشيخ عن بعض أصحابنا قولا بالوجوب (٢) ، لورود الأمر به في رواية داود الرقي (٣) ، وهي ضعيفة السند (٤) ، فلا يمكن التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل.

قوله : ( ثم يقضيه إن كان واجبا على الصفة التي وجبت ، تمتعا أو قرانا ، أو إفرادا ).

إنما يجب قضاء الحج إذا كان مستقرا قبل عامه ، فلو خرج في عام الوجوب ففاته الحج بغير تفريط لم يجب القضاء.

وقال الشيخ في التهذيب : إن من اشتراط في حال الإحرام يسقط عنه القضاء ، ولو لم يشترط وجب. واحتج عليه بما رواه عن ضريس بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر ، قال : « يقيم على إحرامه ، ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء ، وقال : هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فإن لم يكن قد اشترط فإن عليه الحج من قابل » (٥).

واستشكله العلامة في المنتهى بأن هذا الحج الفائت إن كان واجبا لم يسقط فرضه في العام المقبل بمجرد الاشتراط ، وإن لم يكن واجبا لم يجب‌

__________________

(١) كما في المنتهى ٢ : ٨٥٣.

(٢) الخلاف ١ : ٤٦٩.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٥ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٨٤ ـ ١٣٩٥ ، التهذيب ٥ : ٢٩٥ ـ ١٠٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ ـ ١٠٩٧ ، الوسائل ١٠ : ٦٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٥.

(٤) لأن راويها وهو داود بن كثير الرقي ضعفه النجاشي في رجاله : ١٥٦ ـ ٤١٠ ، وابن الغضائري على ما في رجال العلامة : ٦٨ ، فهو ضعيف وإن وثقه الشيخ في رجاله : ٣٤٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٥ ـ ١٠٠١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ ـ ١٠٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٦٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٢.

٤٣٧

الخامسة : من فاته الحج سقطت عنه أفعاله. ويستحب له الإقامة بمنى إلى انقضاء أيام التشريق ، ثم يأتي بأفعال العمرة التي يتحلل بها.

______________________________________________________

بترك الاشتراط. ثم قال : إن الوجه في هذه الرواية حمل إلزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب (١). وهو حسن ، وعلى هذا فتكون محمولة على غير الواجب المستقر.

قوله : ( الخامسة ، من فاته الحج سقطت عنه أفعاله ، ويستحب له الإقامة بمنى إلى انقضاء أيام التشريق ، ثم يأتي بالعمرة التي يتحلل بها ).

أما سقوط أفعال الحج مع الفوات فموضع وفاق بين العلماء ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه. وأما استحباب الإقامة بمنى إلى انقضاء أيام التشريق ثم الإتيان بأفعال العمرة التي يتمتع بها فيدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار فيمن فاته الحج : « يقيم مع الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل ، وعليه الحج من قابل » (٢) وقد تقدم الكلام في انقلاب الإحرام إلى العمرة بنفسه أو توقفه على النية (٣).

ولو أراد من فاته الحج البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به فالأصح أنه ليس له ذلك ، كما اختاره العلامة في جملة من كتبه (٤) والشهيد في الدروس (٥) ، أما على القول بانقلاب الإحرام بنفسه إلى العمرة فواضح ، وأما على القول بتوقفه على النية فلوجوب العدول قطعا عملا بمقتضى الأمر فلا يكون البقاء جائزا ، وإنما يحصل التحلل لمن فاته الحج بالإتيان بأفعال‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٥٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٥ ـ ٩٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ١٠ : ٦٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٣.

(٣) في ص ٤٣٦.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٥٤ ، والتذكرة ١ : ٣٩٩ ، والتحرير ١ : ١٢٤.

(٥) الدروس : ١٢٣.

٤٣٨

خاتمة :

إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى منه ، وهو سبعون حصاة. ولو أخذه من غيره جاز ، لكن من الحرم عدا المساجد. وقيل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف.

______________________________________________________

العمرة ، وعلى هذا فلو رجع إلى بلاده ولما يتحلل وتعذر العود لخوف الطريق فهو مصدود عن إكمال العمرة فله التحلل بالذبح والتقصير في بلده ، ولو عاد قبل التحلل لم يحتج إلى إحرام مستأنف من الميقات وإن بعد العهد ، بل يجب عليه إكمال العمرة أولا ثم يأتي بما يريده من النسك حتى لو كان فرضه التمتع وجب عليه الخروج إلى أحد المواقيت للعمرة فإن تعذر فمن أدنى الحل كما في حكم من لم يتعمد مجاوزة الميقات.

قوله : ( خاتمة ، إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى منه ، وهو سبعون حصاة ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، وقال بعضهم : يجوز ذلك وليس بمستحب (١). ويدل على الاستحباب روايات كثيرة ، منها ما رواه الشيخ في الحسن عن معاوية بن عمار ، قال : خذ حصى الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك » (٢).

وفي الحسن عن ربعي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « خذ حصى الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك » (٣).

والسبعون حصاة هي الواجب ، ولو التقط أزيد منها احتياطا حذرا من سقوط بعضها لا بأس.

قوله : ( ولو أخذه من غيره جاز ، لكن من الحرم عدا المساجد ، وقيل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف ).

أما اعتبار كونه من الحرم فيدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في‌

__________________

(١) كابن قدامة في المغني ٣ : ٤٥٤.

(٢) التهذيب ٥ : ١٩٥ ـ ٦٥٠ ، الوسائل ١٠ : ٥٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٨ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٩٦ ـ ٦٥١ ، الوسائل ١٠ : ٥٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٨ ح ١.

٤٣٩

وتجب فيه شروط ثلاثة : أن يكون مما يسمى حجرا ،

______________________________________________________

الحسن ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزك » وقال : « لا ترم الجمار إلا بالحصى » (١) وهي نص في المطلوب.

واستثنى الشيخ (٢) وجماعة من الحرم المسجد الحرام ومسجد الخيف ، فمنعوا من أخذ الحصى منهما ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن حنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم ، إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف » (٣).

وألحق المصنف ومن تبعه (٤) بهما باقي المساجد ، لتساويها في تحريم إخراج الحصى منها. وهو جيد حيث يثبت التحريم ، وإلا فالجواز أجود.

وربما كان الوجه في تخصيص هذين المسجدين في الرواية وكلام الأصحاب أنهما الفرد المعروف من المساجد في الحرم ، لا لانحصار الحكم فيهما.

قوله : ( ويجب فيه شروط ثلاثة : أن يكون مما يسمى حجرا ).

بل الأجود تعين الرمي بما يسمى حصاة ، لقوله عليه‌السلام في حسنة زرارة المتقدمة : « لا ترم الجمار إلا بالحصى » فلا يجزي الرمي بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة ، خلافا للدروس (٥) ، وكذا الصغيرة جدا. هذا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٦ ـ ٦٥٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٩٦ ، والمبسوط ١ : ٣٦٩ ، والنهاية : ٢٥٣.

(٣) التهذيب ٥ : ١٩٦ ـ ٦٥٢ ، الوسائل ١٠ : ٥٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٩ ح ٢.

(٤) كالعلامة في التبصرة : ٧٣ ، والشهيد الأول في الدروس : ١٢٣ ، والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ٤٨٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٤.

(٥) الدروس : ١٢٦.

٤٤٠