مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

______________________________________________________

مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال : « لا ، إلا أن يكون مريضا أو به بطن » (١).

وفي الصحيح عن عاصم بن حميد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيدخل أحد الحرم إلا محرما؟ قال : « لا ، إلا مريض أو مبطون » (٢).

ومقتضى الروايتين سقوط الإحرام عن المريض ، وبه قطع الشيخ في جملة من كتبه (٣) ، والمصنف في النافع (٤).

وقال الشيخ في التهذيب : إن الأفضل للمريض الإحرام. واستدل عليه بما رواه في الصحيح ، عن رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل به بطن ووجع شديد يدخل مكة حلالا؟ فقال : « لا يدخلها إلا محرما » وقال : « يحرمون عنه » (٥). وهو حسن ، والظاهر أن الإحرام عنه إنما يثبت مع المرض المزيل للعقل ، وهو محمول على الاستحباب أيضا.

وإنما يجب الإحرام لدخول مكة إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم ، فلو خرج أحد من مكة ولم يصل إلى خارج الحرم ثم عاد إليها عاد بغير إحرام.

ويجب على الداخل أن ينوي بإحرامه الحج أو العمرة ، لأن الإحرام عبادة لا يستقل بنفسه ، بل إما أن يكون بحج أو عمرة ، ويجب إكمال النسك‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٥ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٩ : ٦٧ أبواب تروك الإحرام ب ٥٠ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٥ ـ ٥٥٠ ، الوسائل ٩ : ٦٧ أبواب تروك الإحرام ب ٥٠ ح ١.

(٣) النهاية : ٢٤٧ ، التهذيب ٥ : ١٦٥ ، المبسوط ١ : ٣٥٥. قال : ولا يجوز لأحد أن يدخل مكة إلا محرما. وقد روي جواز دخولها بغير إحرام للحطابة والمرضى.

(٤) المختصر النافع : ٨٥.

(٥) التهذيب ٥ : ١٦٥ ـ ٥٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٥ ـ ٨٥٧ ، الوسائل ٩ : ٦٧ أبواب تروك الإحرام ب ٥٠ ح ٣.

٣٨١

إلا أن يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضي شهر ،

______________________________________________________

الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام. ولا يخفى أن الإحرام إنما يوصف بالوجوب مع وجوب الدخول ، وإلا كان شرطا غير واجب كوضوء النافلة. ومتى أخل الداخل بالإحرام أثم ولم يجب قضاؤه.

واستثنى الشيخ وجماعة من ذلك العبيد ، فجوزوا لهم دخول مكة بغير إحرام. واستدل عليه في المنتهى : بأن السيد لم يأذن لهم بالتشاغل بالنسك عن خدمته ، فإذا لم يجب عليهم حجة الإسلام لهذا المعنى فعدم وجوب الإحرام لذلك أولى (١). ولا بأس به.

قوله : ( إلا أن يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضي شهر ).

الظاهر أن المراد بمضي الشهر مضيه من وقت إحلاله من الإحرام المتقدم كما اختاره الشارح (٢) وجماعة ، واستشكل العلامة في القواعد احتساب الشهر من حين الإحرام أو الإحلال (٣).

وقال المصنف في النافع : ولو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأه ، وإن عاد في غيره أحرم ثانيا (٤).

ومقتضى ذلك عدم اعتبار مضي الشهر من حين الإحرام أو الإحلال ، بل الاكتفاء في سقوط الإحرام بعوده في شهر خروجه إذا وقع بعد إحرام متقدم.

وقريب من ذلك عبارة الشيخ في النهاية ، فإنه قال في المتمتع : فإن خرج من مكة بغير إحرام ثم عاد ، فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره أن يدخل مكة بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر الذي خرج فيه‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٨٩.

(٢) المسالك ١ : ١١٢.

(٣) القواعد ١ : ٨١.

(٤) المختصر النافع : ٨٥.

٣٨٢

______________________________________________________

دخلها محرما بالعمرة إلى الحج ، وتكون عمرته الأخيرة (١).

ونحوه قال المفيد في المقنعة (٢). واستدل له في التهذيب بما رواه في الحسن ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المتمتع قال ، قلت : فإن جهل فخرج إلى المدينة أو نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، أيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال : « إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرما » (٣).

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق ، أو إلى بعض المعادن ، قال : « يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتع فيه ، لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج » (٤) وربما ظهر من هذه الرواية اعتبار مضي الشهر من حين الإحلال ليتحقق تخلل الشهر بين العمرتين ، لكنها قاصرة من حيث السند (٥).

وظاهر الرواية الأولى اعتبار الدخول في شهر الخروج كما ذكره الشيخ رحمه‌الله (٦) ، ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حفص بن البختري وأبان بن عثمان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال : « إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غيره دخل بإحرام » (٧).

__________________

(١) النهاية : ٢٤٦.

(٢) لم نعثر عليه في المقنعة وهو موجود في التهذيب ٥ : ١٦٣.

(٣) التهذيب ٥ : ١٦٣ ـ ٥٤٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ١٦٤ ـ ٥٤٩ ، الوسائل ٨ : ٢٢٠ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٨.

(٥) على مبناه من عدم الاعتماد على رواية غير الإمامي الإثنا عشري ، حيث إن إسحاق بن عمار فطحي.

(٦) النهاية : ٢٤٦.

(٧) التهذيب ٥ : ١٦٦ ـ ٥٥٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ ـ ٨٥٩ ، الوسائل ٩ : ٧٠ أبواب الإحرام ب ٥١ ح ٤.

٣٨٣

أو يتكرر كالحطّاب والحشّاش. وقيل : من دخلها لقتال جاز أن يدخل محلا ، كما دخل النبي عليه‌السلام عام الفتح وعليه المغفر.

______________________________________________________

قال الشيخ في التهذيب : فأما الخبر الذي رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يخرج إلى جدة في الحاجة فقال : « يدخل مكة بغير إحرام » فمحمول على من خرج من مكة وعاد في الشهر الذي خرج فيه (١). وهو جيد ، لأن المفصل يحكم على المجمل ، لكن ليس في الروايتين دلالة على أن الخروج وقع بعد إحرام سابق. والمسألة قوية الإشكال ، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

قوله : ( أو يتكرر ، كالحطّاب والحشّاش ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن رفاعة بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إن الحطابين والمجتلبة أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالا » (٢) ويدخل في المجتلبة ناقل الحشيش والحنطة والشعير وغير ذلك. ومقتضى عبارة المصنف وغيره (٣) استثناء كل من يتكرر دخوله وإن لم يدخل في قسم المجتلبة ، وهو غير بعيد ، وإن كان الاقتصار في الجواز على مورد النص أولى.

قوله : ( وقيل من دخلها لقتال جاز أن يدخلها محلاّ ، كما دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام الفتح وعليه المغفر ).

هذا القول مشهور بين الأصحاب ، واستدل عليه في المنتهى بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلها عام الفتح وعليه عمامة سوداء (٤). وهو استدلال‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٦.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٥ ـ ٥٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٥ ـ ٨٥٧ ، الوسائل ٩ : ٧٠ أبواب الإحرام ب ٥١ ح ٢.

(٣) إرشاد الأذهان ( مجمع الفائدة والبرهان ) ٦ : ١٦٦.

(٤) المنتهى ١ : ٦٨٨.

٣٨٤

وإحرام المرأة كإحرام الرجل إلا فيما استثنيناه. ولو حضرت الميقات جاز لها أن تحرم ولو كانت حائضا ، لكن لا تصلي صلاة الإحرام.

______________________________________________________

ضعيف ، فإن المروي في صحيحة معاوية بن عمار أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار » (١).

قوله : ( وإحرام المرأة كإحرام الرجل إلا فيما استثنيناه ).

استثنى من ذلك لبس المخيط والحرير ، والتظليل سائرا ، وستر الرأس ، ووجوب كشف الوجه بالمعنى المتقدم.

قوله : ( ولو حضرت الميقات جاز لها أن تحرم ، ولو كانت حائضا ، لكن لا تصلي صلاة الإحرام ).

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تحرم وهي حائض؟ قال : « نعم ، تغتسل وتحتشي وتصنع كما يصنع المحرم ولا تصلي » (٢).

وفي الصحيح عن منصور بن حازم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة الحائض تحرم وهي لا تصلي؟ فقال : « نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم » (٣).

وفي الصحيح عن العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٢٦ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٥٩ ـ ٦٨٧ ، الوسائل ٩ : ٦٨ أبواب الإحرام ب ٥٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٨ ـ ١٣٥٨ ، الوسائل ٩ : ٦٥ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٩ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ٩ : ٦٤ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٤٥ ـ ٣.

٣٨٥

ولو تركت الإحرام ظنا أنه لا يجوز رجعت إلى الميقات وأنشأت الإحرام ولو منعها مانع أحرمت من موضعها. ولو دخلت مكة خرجت إلى أدنى الحل. ولو منعها مانع أحرمت من مكة.

______________________________________________________

عليه‌السلام ، أتحرم المرأة وهي طامث؟ فقال : « نعم ، تغتسل وتلبي » (١).

ومقتضى هذه الروايات أن الحائض في ذلك كالطاهر ، غير أنها لا تصلي ستة الإحرام. وذكر جدي ـ قدس‌سره ـ في مناسك الحج أنها تترك غسل الإحرام أيضا. وهو غير جيد ، لورود الأمر به في الأخبار الكثيرة.

ولو كان الميقات مسجد الشجرة أحرمت منه اختيارا ، فإن تعذر أحرمت من خارجه.

قوله : ( ولو تركت الإحرام ظنا أنه لا يجوز رجعت إلى الميقات وأنشأت الإحرام ، ولو منعها مانع أحرمت من موضعها ، ولو دخلت مكة خرجت إلى أدنى الحل ، ولو منعها مانع أحرمت من مكة ).

أما وجوب الرجوع إلى الميقات وإنشاء الإحرام منه مع القدرة فلا إشكال فيه ، لتوقف الواجب عليه ، وأما الاكتفاء بإحرامها من موضعها إذا تعذر عليها العود إلى الميقات أو أدنى الحل فللضرورة ، ونفي الحرج ، وفحوى الروايات المتضمنة لثبوت ذلك في الجاهل والناسي ، وخصوص صحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا : ما ندري عليك إحرام أم لا وأنت حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم ، فقال : « إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه ، وإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها » (٢).

ومقتضى الرواية أنه يجب عليها مع تعذر الرجوع إلى الميقات الرجوع‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨٩ ـ ١٣٦٠ ، الوسائل ٩ : ٦٥ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٥ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٨٩ ـ ١٣٦٢ ، الوسائل ٨ : ٢٣٨ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٤.

٣٨٦

القول في الوقوف بعرفات‌

والنظر في مقدمته ، وكيفيته ، ولواحقه‌

أما المقدمة : فيستحب للمتمتع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية بعد أن يصلى الظهرين.

______________________________________________________

إلى ما أمكن من الطريق. ويمكن حمله على الاستحباب ، لعدم وجوب ذلك على الناسي والجاهل مع الاشتراك في العذر ، ولما رواه الكليني في الموثق ، عن زرارة ، عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الوقت وهي لا تصلي ، فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم ، فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة وهي طامث حلال ، فسألوا الناس ، فقالوا : تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه ، وكان إذا فعلت لم تدرك الحج ، فسألوا أبا جعفر عليه‌السلام فقال : « تحرم من مكانها قد علم الله نيتها » (١).

قوله : ( القول في الوقوف بعرفات والنظر في : مقدمته وكيفيته ولواحقه ، أما المقدمة فيستحب للمتمتع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية ، بعد أن يصلي الظهرين ).

ما اختاره المصنف من استحباب الخروج للمتمتع إلى عرفات يوم التروية بعد أن يصلي الظهرين أحد الأقوال في المسألة ، وهو اختيار الشيخ في النهاية والمبسوط (٢) وجمع من الأصحاب. وذهب المفيد (٣) والمرتضى (٤) إلى استحباب الخروج قبل صلاة الفرضين وإيقاعهما بمنى. وقال الشيخ في التهذيب : إن الخروج بعد الصلاة يختص بمن عدا الإمام من الناس ، فأما الإمام نفسه فلا يجوز له أن يصلي الظهر والعصر يوم التروية إلا بمنى (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٤ ـ ٥ ، الوسائل ٨ : ٢٣٩ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٦.

(٢) النهاية : ٢٤٨ ، والمبسوط ١ : ٣٦٤.

(٣) المقنعة : ٦٤.

(٤) جمل العلم والعمل : ١٠٩.

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٥.

٣٨٧

______________________________________________________

وذكر العلامة في المنتهى أن مراد الشيخ بعدم الجواز شدة الاستحباب (١). والأصح التخيير لغير الإمام بين الخروج قبل الصلاة وبعدها ، أما الإمام فيستحب له التقدم وإيقاع الفرضين بمنى.

لنا على التخيير أن فيه جمعا بين ما تضمن الأمر بالخروج بعد الصلاة كصحيحة معاوية بن عمار الواردة في كيفية إحرام الحج حيث قال فيها : « ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج » (٢) وما تضمن الأمر بالخروج قبلها كصحيحة معاوية بن عمار أيضا قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا انتهيت إلى منى فقل ـ وذكر الدعاء قال ـ ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، والإمام يصلي بها الظهر لا يسعه إلا ذلك » (٣).

ولنا على أن الإمام يستحب له إيقاع الفرضين بمنى مضافا إلى هذه الرواية ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلا بمنى ، ويبيت بها إلى طلوع الشمس » (٤) وفي الصحيح عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ينبغي للإمام أن يصلي الظهرين يوم التروية بمنى ، ويبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج » (٥).

والظاهر أن المراد بالإمام هنا أمير الحج.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧١٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ١٠ : ٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ ـ ٥٩٦ ، الوسائل ١٠ : ٦ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٦ ـ ٥٩١ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٣ ـ ٨٩١ ، الوسائل ١٠ : ٥ أبواب إحرام الحج ب ٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٧ ـ ٥٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٤ ـ ٨٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٥ أبواب إحرام الحج ب ٤ ح ٢.

٣٨٨

إلا المضطر كالشيخ الهم ومن يخشى الزحام ،

______________________________________________________

وكما يستحب الخروج في هذا الوقت يستحب إيقاع الإحرام فيه ، وقال في المنتهى : إنه لا يعلم فيه خلافا (١). ونقل عن ابن حمزة أنه أوجب الإحرام في يوم التروية (٢).

( قال في المنتهى : ولا خلاف أنه لو أحرم المتمتع بحجة أو المكي قبل ذلك في أيام الحج فإنه يجزيه (٣) ) (٤).

واعلم أنه ليس في كلام المصنف دلالة على حكم القارن والمفرد ، ونقل الشارح عن بعض الأصحاب التصريح بأنهما كالمتمتع (٥) ، وفي بعض الروايات بإطلاقها دلالة عليه. وحكى العلامة في المنتهى عن العامة أن لهم في وقت الإحرام بالحج للمكي قولين ، أحدهما أنه يوم التروية كالمتمتع ، والثاني أنه عند هلال ذي الحجة ، ولم يرجح أحدهما ، ثم قال : ولا خلاف أنه لو أحرم المتمتع أو المكي قبل ذلك في أيام الحج فإنه يجزيه (٦).

قوله : ( إلا المضطر ، كالشيخ الهمّ ، والمريض ، ومن يخشى الزحام ).

هذا استثناء ممن يستحب له الإحرام يوم التروية بعد صلاة الظهرين ، والمراد أن المضطر كالشيخ الكبير والمريض ومن يخشى الزحام له الخروج إلى منى قبل صلاة الظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن بعض أصحابه قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧١٤.

(٢) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٩١.

(٣) المنتهى ٢ : ٧١٤.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٥) المسالك ١ : ١١٢.

(٦) المنتهى ٢ : ٧١٤.

٣٨٩

______________________________________________________

أجل الزحام وضغاط الناس فقال : « لا بأس » (١).

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل يوم التروية قال : « نعم » قلت فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروح بذلك ، قال : « لا » قلت : يتعجل بيوم؟ قال : « نعم » قلت : يتعجل بيومين؟ قال : « نعم » قلت : بثلاثة؟ قال : « نعم » قلت : أكثر من ذلك؟ قال : « لا » (٢).

فائدة :

يوم التروية هو يوم الثامن من ذي الحجة ، سمي يوم التروية لما رواه ابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام في الحسن ، عن عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته لم سمي يوم التروية يوم التروية؟ قال : « إنه لم يكن بعرفات ماء ، وكانوا يستقون من مكة من المار بهم وكان يقول بعضهم لبعض ترويتم ترويتم فسمي يوم التروية لذلك » (٣).

وحكى العلامة في المنتهى في ذلك وجها آخر ، وهو أن إبراهيم عليه‌السلام رأى في تلك الليلة التي رأى فيها ذبح الولد رؤياه فأصبح يروي في نفسه أهو حلم أم هو من الله تعالى ، فسمي يوم التروية ، فلما كان ليلة عرفة رأى ذلك أيضا فعرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عرفة (٤).

وروى ابن بابويه في وجه تسميته يوم عرفة بذلك وجها آخر رواه في الحسن ، عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٦ ـ ٥٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٣ ـ ٨٩٠ ، الوسائل ١٠ : ٥ أبواب إحرام الحج ب ٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٦ ـ ٥٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٣ ـ ٨٨٩ ، الوسائل ١٠ : ٤ أبواب إحرام الحج ب ٣ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٦٠ ـ ١.

(٣) علل الشرائع : ٤٣٥ ـ ١.

(٤) المنتهى ٢ : ٧١٤.

٣٩٠

وأن يمضي إلى منى ويبيت بها ليلته إلى طلوع الفجر من يوم عرفة ، لكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس.

ويكره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة كالمريض والخائف.

______________________________________________________

عرفات لم سمي عرفات؟ فقال : « إن جبرائيل عليه‌السلام خرج بإبراهيم عليه‌السلام يوم عرفة ، فلما زالت الشمس قال له جبرائيل عليه‌السلام : يا إبراهيم اعترف بذنبك واعرف مناسكك ، فسميت عرفات لقول جبرائيل عليه‌السلام : اعترف ، فاعترف » (١).

قوله : ( وأن يمضي إلى منى ويبيت بها ليلته إلى طلوع الفجر من يوم عرفة ، لكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس ).

أما استحباب المبيت بها إلى طلوع الفجر فيدل عليه روايات ، منها قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « ثم يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر » (٢)

وأما كراهية جواز وادي محسر قبل طلوع الشمس فهو قول أكثر الأصحاب ، لصحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس » (٣) ونقل عن الشيخ (٤) وابن البراج (٥) القول بالتحريم أخذا بظاهر النهي ، وهو أحوط.

قوله : ( ويكره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة كالمريض والخائف ).

__________________

(١) علل الشرائع : ٤٣٦ ـ ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ ـ ٥٩٦ ، الوسائل ١٠ : ٦ أبواب إحرام الحج ب ٤ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٨ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ١٠ : ٨ أبواب إحرام الحج ب ٧ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٨ ، والنهاية : ٢٥٠ ، والمبسوط ١ : ٣٦٨ ، والاقتصاد : ٣٠٦.

(٥) المهذب ١ : ٢٥١.

٣٩١

والإمام يستحب له الإقامة بها إلى طلوع الشمس. ويستحب الدعاء بالمرسوم عند الخروج

______________________________________________________

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال أبو الصلاح (١) وابن البراج (٢) : لا يجوز الخروج منها اختيارا قبل طلوع الفجر. وهو ضعيف ، بل يمكن المناقشة في الكراهة أيضا لعدم الظفر بما يتضمن النهي عن ذلك ، نعم لا ريب أنه خلاف الأولى.

وأما استثناء المضطر كالمريض والخائف فاستدل عليه بما رواه الشيخ ، عن عبد الحميد الطائي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا مشاة فكيف نصنع؟ قال : « أما أصحاب الرحال فكانوا يصلون الغداة بمنى ، وأما أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق » (٣).

قوله : ( والإمام يستحب له الإقامة بها إلى طلوع الشمس ).

يدل على ذلك روايات كثيرة ، منها صحيحة جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « على الإمام أن يصلي الظهر بمنى ثم يبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج » (٤).

وموثقة إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن من السنة أن لا يخرج الإمام من منى إلى عرفة حتى تطلع الشمس » (٥).

قوله : ( ويستحب الدعاء بالمرسوم عند الخروج ).

روى الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢١٣.

(٢) المهذب ١ : ٢٥١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٩ ـ ٥٩٩ ، الوسائل ١٠ : ٨ أبواب إحرام الحج ب ٧ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦٠ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٠ ـ ١٣٧٣ ، الوسائل ١٠ : ٦ أبواب إحرام الحج ب ٤ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٨ ـ ٥٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٨ أبواب إحرام الحج ب ٧ ح ٢.

٣٩٢

وأن يغتسل للوقوف.

وأما الكيفية فيشتمل على واجب وندب.

فالواجب : النيّة ،

______________________________________________________

عليه‌السلام ، قال : « إذا غدوت إلى عرفة فقل وأنت متوجه إليها : اللهم إليك صمدت ، وإياك اعتمدت ، ووجهك أردت ، أسألك أن تبارك لي في رحلي ، وأن تقضي لي حاجتي ، وإن تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني » (١).

قوله : ( وأن يغتسل للوقوف ).

استحباب الغسل للوقوف مجمع عليه بين الأصحاب. ووقته بعد زوال الشمس ، لقوله عليه‌السلام في حسنة الحلبي : « الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس » (٢) وفي صحيحة معاوية بن عمار : « فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين » (٣).

قوله : ( وأما الكيفية فتشتمل على واجب وندب ، فالواجب : النية ).

قد تقدم الكلام في النية مرارا وأن الأظهر الاكتفاء فيها بقصد الطاعة بالفعل المتعبد به ، وأنه لا يعتبر فيها ملاحظة الوجه مطلقا ، خصوصا فيما لا يقع إلا على وجه واحد ، كالوقوف.

واعتبر الأصحاب في النية وقوعها عند تحقق الزوال ليقع الوقوف الواجب ـ وهو ما بين الزوال والغروب ـ بأسره بعد النية ، وما وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة لا يعطي ذلك ، بل ربما ظهر من بعضها خلافه ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٩ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٩ أبواب إحرام الحج ب ٨ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٢ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٨١ ـ ٦٠٧ ، الوسائل ١٠ : ١٠ أبواب إحرام الحج ب ٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٩ أبواب إحرام الحج ب ٩ ح ١.

٣٩٣

والكون بها إلى الغروب.

______________________________________________________

كقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنه عليه‌السلام انتهى إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك فضرب قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ثم مضى إلى الموقف فوقف به » (١).

وفي رواية أخرى صحيحة لمعاوية بن عمار : « ثم تلبي وأنت غاد إلى عرفات ، فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة ، قال : وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز وخلف الجبل موقف » (٢).

ويشهد له رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ، فأما النزول تحته حتى تزول الشمس وتنهض إلى الموقف فلا بأس » (٣) والمسألة محل إشكال ، ولا ريب أن ما اعتبره الأصحاب أولى وأحوط.

قوله : ( والكون بها إلى الغروب ).

هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء ، ويدل عليه روايات ، منها صحيحة معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن المشركين‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ٨ : ١٥٠ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٩ أبواب إحرام الحج ب ٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨١ ـ ٦٠٥ ، الوسائل ١٠ : ١٢ أبواب إحرام الحج ب ١٠ ح ٧.

٣٩٤

فلو وقف بنمرة أو عرنة أو ثويّة أو ذي المجاز أو تحت الأراك لم يجزه.

______________________________________________________

كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأفاض بعد غروب الشمس » (١).

وموثقة يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : متى نفيض من عرفات؟ فقال : « إذا ذهبت الحمرة من ها هنا ، وأشار بيده إلى المشرق إلى مطلع الشمس » (٢).

ولا يعتبر في الكون وجه مخصوص ، بل كيف ما حصل بعرفة أجزأه ، سواء كان قائما أو جالسا أو راكبا وإن كان القيام أفضل ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (٣).

قوله : ( فلو وقف بنمرة أو عرنة أو ثويّة أو ذي المجاز أو تحت الأراك لم يجزه ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، قال في المنتهى : وبه قال الجمهور كافة إلا ما حكي عن مالك أنه لو وقف ببطن عرنة أجزأه ولزم الدم (٤). ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة : « وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز وخلف الجبل موقف » (٥).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٧ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٨٦ ـ ٦١٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٩ أبواب إحرام الحج ب ٢٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٨٦ ـ ٦١٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٩ أبواب إحرام الحج ب ٢٢ ح ٢.

(٣) في ص ٤١٦.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٢٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٠ : ١٠ أبواب إحرام الحج ب ١٠ ح ١.

٣٩٥

______________________________________________________

عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الموقف : ارتفعوا عن بطن عرنة ، وقال : أصحاب الأراك لا حج لهم » (١).

وعن ابن أبي عمير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن أصحاب الأراك لا حج لهم » (٢) يعني الذين يقفون عند الأراك.

ونمرة بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء. وعرنة بضم العين المهملة وفتح الراء والنون ، وثويّة بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المثناة من تحت المفتوحة. والأراك كسحاب موضع بعرفة قرب نمرة قاله في القاموس (٣) ، قال الشارح قدس‌سره : وهذه الأماكن الخمسة حدود عرنة ، وهي راجعة إلى أربعة كما هو المعروف من الحدود ، لأن نمرة بطن عرفة كما روي في حديث معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام (٤) ولا يقدح ذلك في كون كل واحد منها حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر ، وغيرهما وإن شاركهما باعتبار اتساعه في إمكان جعله كذلك لكن ليس لإجزائه أسماء خاصة بخلاف نمرة وعرنة (٥).

وأقول : إن ما ذكره ـ قدس‌سره ـ من أن نمرة في بطن عرنة جيد ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة : « فاضرب خباك بنمرة وهي بطن عرنة » (٦) والظاهر أن مراد المصنف بعرنة بطن عرنة ، لأن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٣ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٥ أبواب إحرام الحج ب ١٩ ح ١٠.

(٢) علل الشرائع : ٤٥٥ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ١٢ أبواب إحرام الحج ب ١٠ ح ١١ ، وفيهما : عن محمد بن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبيد الله بن علي الحلبي قال.

(٣) القاموس المحيط ٣ : ٣٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٩ أبواب إحرام الحج ب ٩ ح ١.

(٥) المسالك ١ : ١١٢.

(٦) تقدمت الإشارة إليها في هامش ٤.

٣٩٦

ولو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شي‌ء عليه.

______________________________________________________

التحديد إنما وقع بذلك في النص وكلام الأصحاب.

أما ما ذكره من أن ذلك لا يقدح في كون كل واحد منهما حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر فقد تقدمه فيه المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد فقال بعد أن ذكر أن اتحادهما ينافي كونهما حدين : ويمكن اعتبار كونهما حدين على أن أحدهما ألصق من الآخر (١). وهو غير جيد ، لأن الحد في الحقيقة هو الملاصق للمحدود ، مع أن ذلك لو تم لاقتضى المغايرة بينهما ، وهو خلاف ما دلت عليه الرواية. وبالجملة فالمنافاة بين الحكم باتحادهما وجعلهما حدين واضحة. ولعل الحكم بالاتحاد وقع على سبيل المجاز ، وأن أحدهما جزء من الآخر وكل منهما ملاصق للمحدود والله أعلم.

قوله : ( ولو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شي‌ء عليه ).

هذا الحكم ثابت بإجماعنا ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق بين العلماء (٢). أما أن ذلك غير مفسد للحج فيدل عليه الروايات المتضمنة لعدم فساد الحج بتعمد ذلك ، واتفاق العلماء كافة عليه كما حكاه في المنتهى (٣).

وأما أنه لا كفارة عليه فيدل عليه مضافا إلى الأصل وعدم تحقق الذنب المقتضي لترتب الكفارة عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس قال : « إن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان متعمدا فعليه بدنة » (٤).

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٦٩.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧٣ ، والمنتهى ٢ : ٧٢١.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٢٠.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨٧ ـ ٦٢١ ، الوسائل ١٠ : ٣٠ أبواب إحرام الحج ب ٢٣ ح ١.

٣٩٧

وإن كان عامدا جبره ببدنة ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما.

______________________________________________________

ولو علم الجاهل بالحكم أو ذكر الناسي قبل الغروب وجب عليه العود مع الإمكان ، فإن أخل به قيل : كان كالعامد في لزوم الدم (١).

قوله : ( وإن كان عامدا جبره ببدنة ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ).

أجمع الأصحاب على أن من أفاض قبل الغروب عامدا فقد فعل حراما ولا يفسد حجه ، لكن يجب عليه جبره بدم ، قال في المنتهى : وبه قال عامة أهل العلم ، وقال مالك : لا حج لا ، ولا يعرف أحدا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك (٢).

واختلف الأصحاب فيما يجب جبره به ، فذهب الأكثر إلى أنه بدنة ، ويدل عليه رواية مسمع المتقدمة (٣) ، وصحيحة ضريس عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس ، قال : « عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة ، أو في الطريق ، أو في أهله » (٤).

ورواية الحسن بن محبوب ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما » (٥).

وقال ابنا بابويه : الكفارة شاة (٦). ولم نقف لهما على مستند.

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ١١٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٢٠.

(٣) في ص ٣٩٧.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦٧ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٨٦ ـ ٦٢٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٠ أبواب إحرام الحج ب ٢٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٨٠ ـ ١٧٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٠ أبواب إحرام الحج ب ٢٣ ح ٢.

(٦) الصدوق في المقنع : ٨٦ ، ونقله عن والده في المختلف : ٢٩٩.

٣٩٨

ولو عاد قبل الغروب لم يلزمه.

وأما أحكامه فمسائل :

الأولى : الوقوف بعرفات ركن. من تركه عامدا فلا حج له.

______________________________________________________

ويستفاد من رواية ضريس جواز صوم هذه الأيام في السفر. وهل يجب فيها المتابعة؟ قيل : نعم ، واختاره في الدروس (١) ، وقيل : لا ، لإطلاق النص (٢) ، وهو أجود وإن كانت المتابعة أحوط.

قوله : ( ولو عاد قبل الغروب لم يلزمه ).

لأصالة البراءة ، ولأنه لو لم يقف أولا ثم أتى قبل غروب الشمس ووقف بها حتى تغرب لم يجب عليه شي‌ء ، فكذا هنا. وحكى في المنتهى عن بعض العامة قولا باللزوم ، لحصول الإفاضة المحرمة المقتضية للزوم الدم ، فلا يسقط إلا بدليل (٣). وهو غير بعيد ، وإن كان الأقرب السقوط. ولا تسقط الكفارة بعوده بعد الغروب قطعا.

قوله : ( وأما أحكامه فمسائل ، الأولى : الوقوف بعرفات ركن ، فمن تركه عامدا فلا حج له ).

هذا قول علماء الإسلام ، والأصل فيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحج عرفة » (٤) وما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارتفعوا عن بطن عرنة ، وقال : أصحاب الأراك لا حج لهم » (٥) وإذا انتفى الحج مع الوقوف‌

__________________

(١) الدروس : ١٢١.

(٢) كما في جامع المقاصد ١ : ١٦٩.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٢١.

(٤) سنن الدارمي ٢ : ٥٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٣ ـ ٣٠١٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٩٦ ـ ١٩٤٩ ، وفيها بتفاوت يسير.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٨٧ ـ ٩٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٢ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٥ أبواب إحرام الحج ب ١٩ ح ١٠.

٣٩٩

ومن تركه ناسيا تداركه ما دام وقته باقيا. ولو فاته الوقوف بها اجتزأ بالوقوف بالمشعر.

______________________________________________________

بحد عرفة فمع عدم الوقوف أولى.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن ابن فضال ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الوقوف بالمشعر فريضة ، والوقوف بعرفة سنة » (١) لأنا نجيب عنه بالطعن في السند بالإرسال وضعف المرسل.

وقال الشيخ في الاستبصار : إن المعنى في هذا الخبر أن فرضه عرف من جهة السنة دون النص بظاهر القرآن ، وما عرف فرضه من جهة السنة جاز أن يطلق عليه الاسم بأنه سنة ، وقد بينا ذلك في غير موضع ، وليس كذلك الوقوف بالمشعر ، لأن فرضه علم بظاهر القرآن ، قال الله تعالى ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) (٢) (٣).

ويستفاد من قول المصنف : فمن تركه عامدا ، أن الركن في هذا الباب ما يبطل الحج بالإخلال به عمدا لا سهوا. وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان يأتي الكلام فيهما.

ولا يخفى أن الركن من الوقوف مسماه ، لا جميع الوقوف الواجب ، للقطع بأن من أخل بالوقوف عامدا في أول الوقت أو أفاض قبل الغروب عامدا لا يبطل حجه ، وعلى هذا فيكون الزائد من الوقوف عن المسمى موصوفا بالوجوب لا غير.

قوله : ( ومن تركه ناسيا تداركه ما دام وقته باقيا ، ولو فاته الوقوف بها اجتزأ بالوقوف بالمشعر ).

المراد أن من ترك الوقوف بعرفة نسيانا تداركه ولو قبل طلوع الفجر من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٨٧ ـ ٩٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٢ ـ ١٠٨٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٦ أبواب إحرام الحج ب ١٩ ح ١٤.

(٢) البقرة : ١٩٨.

(٣) الاستبصار ٢ : ٣٠٢.

٤٠٠